مع الانحسار التدريجي للاشتباكات العسكرية داخل مناطق درع الفرات وعفرين مؤخراً، وشيوع حالة من الهدوء النسبي الذي تشهده الحدود المتاخمة لها، بدأت هذه المناطق تشهد ملامح عودة تدريجية إلى طبيعتها المدنية، ولتبدأ مرحلة التعافي المبكر من التبعات التي خلفتها هذه الاشتباكات، وإعادة بث الحياة الاقتصادية والاجتماعية داخلها بالتعاون والتآزر ما بين السكان المحليين والمنظمات والمجالس المحلية التي لم تألُ جهداً في ذلك.
نظراً لغلبة الطابع الزراعي على هاتين المنطقتين اللتان تمتازان بوجود مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والأشجار المثمرة والثروة الحيوانية، كان الاهتمام منصباً على تعافي القطاع الزراعي عبر استهدافه بمجموعة من البرامج التي تسعى لتنمية سبل العيش وتحقيق الأمن الغذائي لسكان هذه المناطق من خلال حزمة من المشاريع ذات الصلة. وذلك لما لهذا القطاع من أهمية في الاستقرار المجتمعي والاقتصادي، وكونه ركيزة أساسية من ركائز التعافي الاقتصادي المبكر في حال تمكنت كل من الجهات الداعمة والجهات القائمة على هذا القطاع من تحقيق النجاح المنشود من هذه البرامج وإزالة جميع المعوقات التي تحول دون ذلك. ومن هنا تأتي أهمية هذه الورقة في محاولتها تفنيد العوامل المؤثرة على نجاح هذه البرامج للتعرف على نقاط القوة وتعزيزها في البرامج القادمة ونقاط الضعف والأخطاء للعمل على تلافيها حتى تتحقق الفاعلية المتوخاة منها أثناء تنفيذها.
وعليه فإن الهدف الرئيسي لهذه الورقة يتمثل في التعرف على جهود الفاعلين في برامج سبل العيش في القطاع الزراعي من منظمات محلية ودولية ومجالس محلية، وقياس أثر هذه البرامج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين من خلال مجموعة من المؤشرات أهمها عدد فرص العمل الموفرة وتخفيف معدل الفقر، وتعافي القطاع الزراعي بشكل عام، وغيرها من المؤشرات الأخرى ذات الصلة. وختاماً قدمت الورقة بعض التوصيات التي يمكن أن تسهم في زيادة فاعلية هذه البرامج وتزيد من قيمتها المضافة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان، وفي نجاح عملية التعافي الاقتصادي المبكر.
تعد المناطق في شمال غرب سورية بشكل عام، ومنها المناطق المحاذية للحدود التركية، من المناطق الزراعية التي تمتاز بوجود مقومات عدة أهمها المناخ الملائم وخصوبة تربتها وتوافر المياه الجوفية والسطحية والعمالة الزراعية المؤهلة، والتي تشير بعض التقديرات إلى أن هناك ما لا يقل عن 85% من السكان كانوا منخرطين في النشاط الزراعي قبل عام 2011([1]). وعليه فقد مثَّل هذا القطاع مصدر دخلٍ أساسي للسكان المحليين.
بعد عام 2011 تأثرت هذه المناطق بتبعات العمليات العسكرية، وكغيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى تأثر القطاع الزراعي بشكل كبير بآثار هذه العمليات وهجرة المزارعين لأراضيهم وغيرها من العوامل الأخرى ذات الصلة التي أدت إلى تدهور الواقع الزراعي في هذه المناطق. وقد لعب عدم الاستقرار الأمني بعد عام 2011 كذلك دوراً هاماً في هذا التدهور مع تبدل السيطرة العسكرية عليها، وعدم وجود جهات حوكمية قادرة على الإشراف على هذا القطاع واتخاذ الإجراءات اللازمة لتعافيه.
مع خضوع هاتين المنطقتين للنفوذ التركي بدأتا تشهدان حالة من الاستقرار الأمني النسبي الذي أتاح إلى حداً ما الشروع بعملية تعافي اقتصادي مبكر، مثَّل القطاع الزراعي أحد محركاته الأساسية، لاسيما أن النسبة الأكبر من الأفراد المقيمين في هاتين المنطقتين سواء من السكان المحليين أو من النازحين ضمنها هم من العمالة الزراعية([2]). أضف إلى ذلك وجود المقومات المناسبة للاستثمار في المشاريع الزراعية ومشاريع الثروة الحيوانية. إذ تقدر المساحة المزروعة في منطقة درع الفرات بحوالي 224.030 هكتار، 70% منها مزروعة بالقمح والشعير وحوالي 9% أشجار زيتون، في حين أن بقية الأراضي تزرع بمحاصيل خضرية متنوعة مثل البطاطا والفول والعدس والحمص وغيرها من المحاصيل الأخرى.([3]) أما في منطقة عفرين فتقدر المساحة المزروعة بـ 92.981 هكتار تمثل أشجار الزيتون نسبة 90% مع عدد يقارب 14 مليون شجرة، في حين بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالمحاصيل الأخرى 10% تقريباً. أضف إلى ذلك أن المنطقة تمتاز بوجود ثروة حيوانية جيدة تعد مكمل أساسي للنهوض بواقع عملية التعافي المبكر. حيث يقدر عدد رؤوس الماشية في منطقتي درع الفرات وعفرين بحوالي 530,452([4]).
يواجه القطاع الزراعي جملة من التحديات في هاتين المنطقتين من أهمها عدم فاعلية الهياكل الحوكمية الناظمة للنشاط الزراعي، وارتفاع كلفة مدخلات الإنتاج الزراعي، وصعوبة تصريف المحاصيل والمنتجات الزراعية، وتسجيل حالات لتغول بعض عناصر الفصائل العسكرية المنضوية تحت الجيش الوطني على المزارعين، إلى جانب غيرها من التحديات الأخرى التي أدت إلى انخفاض عوائد الإنتاج الزراعي وتأخر تعافيه([5]). إلا أن المتتبع لواقع القطاع الزراعي في هاتين المنطقتين يلاحظ وجود تحسن مستمر في حركة تعافيه، ويرجع ذلك بشكل أساسي للجهود المبذولة من قبل الفواعل ذوو الصلة بهذا القطاع كالمجالس المحلية والمنظمات المحلية والدولية وغيرها والتي أسهمت جهودها على مدار الأعوام الماضية في المضي قدماً لتدارك الصعوبات وتذليل التحديات التي تواجه عملية التعافي المبكر في هذا القطاع. ونستعرض فيما يلي أهم هؤلاء الفواعل:
بقيت المجالس المحلية ذات دورٍ ثانويٍ مع هيمنة الفصائل العسكرية على المفاصل الرئيسية في المنطقة منذ عام 2012 حتى دخولها تحت النفوذ التركي وخضوعها لإشرافه([6])، حيث كان هناك نقلة نوعية في الدور المناط بها لممارسة العمل الحوكمي بمعزل عن تدخل الفصائل العسكرية، بعد أن أصبحت هذه المجالس تابعة إدارياً إلى كل من ولايات غازي عنتاب وكلس وشانلي أورفة لتسهيل عملية الاشراف والمراقبة والمتابعة الإدارية. وقد بدا واضحاً وجود تفاوت ملحوظ من حيث حجم الدعم المقدم من كل منها لتنفيذ مشاريع التعافي المبكر، ومن حيث الإمكانات الفنية لكل من هذه الولايات لتنفيذ مشاريع التعافي الاقتصادي المبكر([7]).
نظراً لأهمية الزراعة في الحياة الاقتصادية لهاتين المنطقتين، قامت هذه المجالس بإحداث مكاتب زراعية مهمتها القيام بتقييم الأوضاع الزراعية وإدارة الملف الزراعي، بالإضافة للتنسيق مع المنظمات التي تريد إقامة مشاريع في المنطقة والمستفيدين، وفق آلية محددة واضحة عبر تقييم احتياجات المنطقة وصوغها على شكل مشاريع ليتم تقديمها إلى الجهات المانحة للموافقة عليها. ومن ثم يتم اعلام إعلام الجانب التركي بتفاصيل المشروع لأخذ الموافقة والسماح بالتنفيذ، ومن ثم شرح فكرة المشروع للمجالس المحلية و توضيح معايير المستفيدين منه، لتقوم المجالس بتقديم قوائم مرشحين للمستفيدين من المشروع وفق المعايير التي وضعتها الجهة المنفذة. ومن ثم تقوم الجهات المنفذة بالتأكد من استحقاق المرشحين للإشراك في المشروع، وإعلان القوائم النهائية للمرشحين المستحقين للدعم، ليتم بعدها البدء ببرنامج المشروع وفق الجدول الزمني المحدد له. وعند انتهاء المشروع تقام ورشة عمل مع المجالس المحلية والمستفيدين من المشروع للوقوف على نقاط القوة والضعف والدروس المستفادة للعمل عليها في حال تكرار المشروع([8]).
إلى جانب ذلك، برزت بعض الكيانات المتخصصة في الجانب الزراعي ومن أهمها المؤسسة العامة لإكثار البذار التي تأسست في عام 2013 وتمثل إحدى أهم المؤسسات الإنتاجية التابعة لوزارة الزراعة في الحكومة السورية المؤقتة. وتضطلع بدور هام في دعم المشاريع الزراعية وتقديمها الدعم للمزارعين، من خلال تقديم الخدمات الفنية لهم وتأمين كافة مستلزمات الإنتاج الزراعي من البذار المحسن والمغربل والمعقم والأسمدة وغيرها من مستلزمات الإنتاج، سواءً من الإنتاج المحلي أو عن طريق الاستيراد، والحفاظ على أصناف البذار المحلية للمحاصيل الزراعية عن طريق إكثارها ومنع انقراضها وفقدانها من خلال عملها على إنشاء بنك وراثي لحفظ الأصناف ومخابر للتأكد من سلامتها من الأمراض. بالإضافة لإنشاء وتفعيل مراكز الإرشاد الزراعي لنشر الوعي لدى المزارعين حول الإدارة الفنية الأمثل للحقول واستخدام التقنيات الزراعية الحديثة بغية زيادة الإنتاج([9]).
وقد برز نشاط واضح للمديرية العامة للزراعة والثروة الحيوانية في الحكومة السورية المؤقتة، والتي حاولت عبر الأعوام الماضية الاضطلاع بمهمة تعافي القطاع الزراعي وفق إمكاناتها المحدودة. وتعمل المديرية على تنفيذ مشاريع زراعية لدعم تعافي هذا القطاع، ففي مطلع عام 2021 بدأت بتنفيذ مشروع لدعم إنتاج الخضراوات في كل من إعزاز ومارع وصوران وأخترين والراعي والباب وقباسين وبزاعة والغندورة وجرابلس في منطقة درع الفرات. ويتجاوز عدد المستفيدين من المشروع 2000 مزارع، وتبلغ المساحة الكاملة للمشروع 500 هكتار، بمساحة 2.5 دونم لكل مزارع([10]).
كذلك يبرز في هذا الإطار جهود وحدة تنسيق الدعم من خلال مشاريعها الخاصة بالزراعة والأمن الغذائي، ومن أهمها مشاريع دعم زراعة القمح، وتأمين المستلزمات الزراعية ومكافحة الأمراض الزراعية وغيرها من المشاريع الزراعية الأخرى. وقد تمكنت وحدة تنسيق الدعم من خلال إحدى مشاريعها في عام 2019 والذي استهدف 30 ألف مزارع في مدن الباب وجرابلس واعزاز وعفرين بريف حلب الشمالي، من افتتاح 33 وحدة إرشادية في شمالي سورية، وتوزيع 2660 طناً من مادة السماد الزراعي لـ 13300 مزارع، إضافة لتنفيذ 1162 زيارة حقلية للكشف المبكر عن الآفات التي تصيب المحاصيل وتقديم الإرشادات اللازمة، و121 زيارة ميدانية للكشف عن أمراض الثروة الحيوانية وتقديم التشخيص المناسب من قبل أطباء بيطريين من كوادر الوحدات الإرشادية([11]).
لكن بشكل عام يمكن القول إن الكيانات الإدارية المعنية بالإشراف على النشاط الزراعي لم تحقق تلك الفاعلية المرجوة لأسباب ترتبط بقلة عددها ومحدودية تمويلها ومزاحمة المنظمات الإغاثية العاملة في هذه المناطق على تقلد هذا الدور. مما أسهم بشكل واضح وفقاً للمعنيين بالشأن الزراعي على تشتت جهود الدعم المقدمة للفلاحين، نظراً لغياب قاعدة إحصائية موحدة للقطاع الزراعي يمكن من خلالها رسم خارطة زراعية لهذه المناطق، وبالتالي وضع خطط محددة لأدوار الفاعلين في تعافي النشاط الزراعي وتنميته.
مع بداية وجودها في منطقة درع الفرات في عام2012، بدأت هذه المنظمات بتنفيذ العديد من البرامج الإغاثية، وكانت مشاريعها بمثابة دعامة رئيسية لتعزيز صمود السكان وتلبية احتياجاتهم الإنسانية المختلفة متضمنة المزارعين. لكن وخلال سنوات عملها في المنطقة بدا بشكل واضح افتقار غالبيتها إلى خطط تنموية شاملة للنهوض بواقع القطاع الزراعي داخلها. وتركيزها فقط على الجانب الإغاثي والإنساني، بسبب غياب الكفاءات البشرية المتخصصة في هذا المجال، بالإضافة لضعف الدعم اللازم لهذه البرامج وعدم استقراره خلال هذه السنوات. لكن وبحكم طول أمد وجود هذه المنظمات في هذه المناطق، فإن ذلك أكسب كوادر هذه المنظمات الخبرات اللازمة لتنفيذ مشاريع تعافي في القطاع الزراعي، بالإضافة لبناء شبكة علاقات تراكمية متينة مع الجهات المانحة المهتمة بدعم المشاريع الزراعية. كذلك أتاح إفساح الجانب التركي المجال لهذه المنظمات بترخيص أعمالها مجال أكبر لاستقبال الدعم من المؤسسات والمنظمات الدولية ذات الصلة([12]). إلا أن غياب التنسيق والتعاون بين هذه المنظمات، وغياب جهة مركزية قادرة على ضبط نشاطها ضمن هذه المناطق كان له دور كبير في انخفاض فاعلية المشاريع الزراعية المنفذة. إلى جانب فقدان هذه المناطق لحالة الاستقرار الأمني الكامل الذي يمَّكن من تنفيذ مشاريع كبرى ومستدامة لتعافي القطاع الزراعي. أضف إلى ذلك عدم تكافؤ الدعم المقدم لتنفيذ المشاريع مع الاحتياجات الفعلية المطلوبة لإحداث التعافي المبكر في هذا القطاع.
وهناك مجموعة من المنظمات العاملة في المنطقة في الوقت الحاضر في مجال المشاريع الزراعية من أهمها مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية ومؤسسة الشام الإنسانية ومنظمة تكافل شام الخيرية ومنظمة بنيان، وجميعها تملك برامج متقاربة تعمل على إقامة مشاريع الإرشاد الزراعي والعمل على توفير المدخلات الزراعية للمزارعين مجانا بالإضافة لتوزيع المواشي على الفئات الهشة في المجتمع. واستحداث برامج سبل عيش زراعية تتلاءم ومتطلبات السكان في هذه المناطق.
لم يكن حال المنظمات الدولية أفضل بكثير من المنظمات المحلية رغم فوارق الدعم المتاح لهما إلا أنها مازالت تفضل الحلول الإسعافية قصيرة الأجل على الانتقال إلى خطط تنموية حقيقية متذرعة بعدم تحقق الاستقرار بعد، مما أدى وفي كثير من الأحيان إلى إحجامها عن دخول هذه المناطق والاكتفاء بالتنسيق مع الشركاء المحليين، كما في بعض مشاريع سبل المعيشة والتعافي المبكر التي أقامتها منظمات UNDP و OCHA و FAO، أو حتى امتناعها بشكل كامل عن القيام بمشاريع في مناطق درع الفرات وعفرين وتحويل المشاريع إلى مناطق سيطرة النظام السوري كونها تعتبر المنطقة التي تقع تحت سيطرته ذات استقرار أكبر([13]).
بشكل عام لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته هذه الفواعل في المنطقة خلال الأعوام الماضية، من حيث مساهمتها في تقديم الدعم لبرامج سبل العيش والتعافي المبكر التي ساهمت إلى حد ما في إعادة ترميم البنية التحتية للزراعة وإعادة إحياء هذا القطاع بعد تراجعه لسنوات، لكن لا يزال هذا الدعم دون المستوى المأمول إذا ما قورن بالاحتياجات الفعلية اللازمة لتوليد فرص العمل في القطاع الزراعي. ففي عام 2017 تم تغطية 20.5% من التمويل اللازم لتلبية احتياجات قطاع سبل المعيشة والتعافي المبكر. وفي عام 2018 تم تغطية 29.5% من التمويل اللازم، وفي عام 2019 تم تأمين حوالي 15.7%من الاحتياجات المطلوبة لهذا القطاع، بينما بلغت هذه النسبة 11.2% في عام 2020([14]).
ثمة مجموعة من العوامل التي كان لها تأثيراً هاماً في مدى نجاح برامج سبل العيش الزراعية في هاتين المنطقتين، ويمكن تصنيف هذه العوامل في ثلاث فئات تشمل البيئة المحلية الممكنة لنجاح هذه البرامج، ومدى كفاءة المنظمات المنفذة لهذه البرامج، ومدى فاعلية البرامج المنفذة بحد ذاتها.
يقدر عدد السكان في منطقتي درع الفرات وعفرين وفقاً لبعض الإحصاءات بحوالي 900.000 نسمة قبل عام 2011 وفقاً للإحصاءات الرسمية الحكومية. لكن هذا العدد تضاعف ضمن هاتين المنطقتين بعد هذا التاريخ بشكل يفوق طاقتها الاستيعابية نتيجة لحركات النزوح الداخلي، ويقدر العدد الحالي بحوالي (2.317.700) بينما يقدر عدد النازحين بحوالي (1.605.000) من إجمالي هذا العدد([15]). وكان من نتاج هذه الزيادة السكانية حدوث أزمة سكنية أدت إلى تفاقم في أسعار شراء وآجار العقارات، الأمر الذي مهد الطريق لحركة بيع كبيرة للأراضي الزراعية بهدف تلبية هذا الطلب الكبير على الإسكان. ونتيجة لغياب جهات حوكمية قادرة على ضبط انتشار هذه الظاهرة تحولت العديد من الأراضي الزراعية إلى أراضي سكنية. أضف إلى ذلك إنشاء العديد من مخيمات النزوح الداخلي على الأراضي الزراعية بسبب الحاجة لتوطين النازحين، واستغلال ملاك الأراضي لحاجة النازحين للسكن وفرضهم رسوم آجار مرتفعة على استخدام أراضيهم([16]).
فيما يتعلق بمقومات البنية التحتية اللازمة لتنفيذ البرامج الزراعية، يمكن القول إن منسوب المياه اللازمة للزارعة يعد جيد إلى حدٍ ما خاصة أن غالبية الأراضي الزراعية مستثمرة بمحاصيل بعلية تقدر نسبتها بـحوالي 46% من نسبة الأراضي المزروعة في منطقة درع الفرات([17])، في حين أن ما يقرب من نسبة 80% من الأرضي الزراعية في منطقة عفرين مزروعة بأشجار زيت الزيتون التي لا تتطلب كميات كبيرة من المياه([18])، بينما تقدر نسبة الأراضي الزراعية المروية بـ 15%([19]). لكن الآثار السلبية التي خلفتها العمليات العسكرية في هاتين المنطقتين على البنية التحتية للمياه بما فيها قنوات الري والآبار الجوفية، ألجأت بعض المزارعين لحفر المزيد من الآبار الجوفية عبر الحفر العشوائي لتعويض حاجاتهم من المياه التي يقدر عددها بحوالي 5952 بئر([20]). الأمر الذي حمل العديد من التداعيات السلبية على منسوب المياه الجوفية في هذه المناطق وما سيسببه من الجفاف المحتمل لهذه الموارد المائية الجوفية([21]). ومما فاقم أيضاً من نقص الموارد المائية للزراعة قلة الوقود المتوافر في الأسواق وارتفاع أسعاره إلى جانب عدم توفر الكهرباء في العديد من المناطق الزراعية، والتي كان لها تأثير كبير على المحاصيل المروية التي أحجم الكثير من المزارعين عن زراعتها، إلى جانب تأثير ذلك أيضا على تربية الثروة الحيوانية كالمداجن والمباقر([22]).
في جانب النقل، تعاني الطرقات الزراعية في هذه المناطق من تدهور بنيتها التحتية نتيجة عدم صيانتها لفترات طويلة مما أثر على نقل المحاصيل الزراعية بين مدن وبلدات هذه المناطق([23]). ومن جانب آخر تشهد بعض هذه الطرقات ظروف غير آمنة لنقل المحاصيل الزراعية نتيجة انتشار ظاهرة الإتاوات سواء من قبل بعض العناصر في الفصائل العسكرية أو من قبل بعض الأفراد الخارجين عن القانون في بعض هذه المناطق.
أما فيما يتعلق بمدخلات الإنتاج الزراعي، فيمكن القول إن هذه المدخلات متوفرة إلى حداً ما، مع الجهود التي تبذلها كل من المجالس المحلية والمنظمات والجهات ذات الصلة. حيث تم العمل على تأمين الأسمدة والبذور بأسعار مدعومة تتناسب مع قدرات وإمكانات المزارعين، أضف إلى ذلك وجود سلاسل توريد زراعية جيدة، نظراً لقرب هذه المناطق من الحدود التركية وتوفرها في السوق المحلية. إلا أن غياب جهات رقابية فاعلة تشرف على استيراد المدخلات الزراعية خصوصاً البذار والمبيدات، سمح لبعض التجار من ضعاف النفوس بإدخال نوعيات رديئة من البذار ذات مردود إنتاجي منخفض.
تتجسد المشكلة الأبرز التي يواجهها القطاع الزراعي في هذه المناطق في عدم قدرة المزارعين على تصريف محاصيلهم. وتكمن أهم أسبابها في عدم وجود تناسب بين العرض والطلب على بعض المحاصيل الزراعية ضمن هذه المناطق، وبالتالي ضرورة إيجاد أسواق خارجية لتصريف الفائض عن الطلب المحلي([24]). كذلك يعد تصريف هذه المحاصيل من الصعوبة بمكان سواء إلى مناطق سيطرة النظام أو إلى مناطق الإدارة الذاتية لتبقى هذه المحاصيل رهن إشارة الحصول على الموافقة التركية لتوريدها إلى داخل حدودها. أضف إلى ذلك تحكم التجار المحليين بأسعار هذه المحاصيل وفرضها على المزارعين بشكل لا يتناسب مع الكلفة والجهد والمبذول لإنتاجها، مما أدى في كثير من الأحيان إلى عزوف شريحة من المزارعين عن زراعة أرضهم في ظل هذا الواقع. أما فيما يتعلق بالثورة الحيوانية فهي الأخرى تواجه العديد من التحديات في هذا السياق وعلى رأسها تفشي ظاهرة تهريب الثروة الحيوانية من هذه المناطق([25])، وارتفاع أسعار العلف والمواد اللازمة للعناية بالماشية، إلى جانب ذلك أثر استيراد اللحوم والدواجن بشكل كبير على المنتج المحلي. الأمر الذي ساهم في تدهور الثروة الحيوانية في هذه المناطق.
في هذا السياق كان لتواجد الفصائل العسكرية في هاتين المنطقتين تأثيراً واضحاً من حيث السلوكيات التي يقوم بها البعض من عناصر هذا الفصائل، والتي برزت بشكل واضح في منطقة عفرين من خلال قيامهم بالتعدي على المحاصيل الزراعية عبر فرض الإتاوات والرسوم على المزارعين وقيام البعض منهم باستلاب بعض الحقول الزراعية([26])، إلى جانب قيام البعض منهم بقطع أشجار الزيتون وبيعها كحطب في ظل ارتفاع أسعار الوقود في فصل الشتاء([27]). على الرغم من إصدار تعميمات عديدة من قادة هذه العناصر للحد من هذه التجاوزات([28])، إلا أن الكثير من هذه التعميمات لم يطبق بشكل فاعل. وبالتالي تشكل هذه الظاهرة أحد الجوانب المعيقة لتعافي القطاع الزراعي مع ضرورة قيام الجهات الحوكمية في هذه المنطقة بالتنسيق مع قيادات الجيش الوطني للحد من هذه التجاوزات. ومن جانب آخر لم يسجل بشكل عام قيام هذه الفصائل بعرقلة تنفيذ برامج سبل العيش الزراعية أو التدخل في تحديد المستفيدين منها، مع وجود بعض الحالات الفردية. أضف إلى ذلك ان هذا الدور السلبي لم يقتصر على العسكريين، حيث يقوم بعض النازحين من سكان المخيمات بالتعدي على الأراضي الزراعية ومحاولة الاستيلاء عليها وسرقة المحاصيل وغيرها من الممارسات الأخرى.
برز نشاط المنظمات السورية العاملة في هذه المناطق منذ تحررها، وكان نشاطها متمركزاً بشكل أساسي على الإغاثة نظراً للحاجة الماسة التي ألمت بسكان هذه المناطق إبان تحررها. فكان لزاماً مد يد العون لمساعدة السكان لتجاوز الآثار السلبية للنزاع عبر حملات الإغاثة بمختلف أنواعها. لكن استطالة النزاع في سورية وغياب أفق واضح لانتهاءه خلال الأعوام الماضية حملَ بعض هذه المنظمات للانتقال تدريجياً للتركيز على تنفيذ بعض البرامج التنموية بموازاة برامج الإغاثة، علها تسهم في إحداث التعافي المبكر وتمَّكن السكان المحليين والنازحين بالاعتماد على ذواتهم لكسب رزقهم. بعد أن أصبحت ثقافة الاعتماد على الإغاثة إحدى السمات البارزة في هذه المناطق. ويأتي هذا التوجه أيضاً في ظل تناقص التمويل الدولي المقدم من الجهات المانحة وضرورة إيجاد سبل عيش مستدامة للمواطنين ضمن هذه المناطق التي تمتاز بكون غالبية سكانها من المنخرطين في القطاع الزراعي.
وعليه ومع تقلد المنظمات لهذا الدور التنموي كان هناك اهتماماً ملحوظاً من قبلها في تطوير كوادرها البشرية العاملة في هذه المناطق وتأهيليها بما يتناسب ومتطلبات تنفيذ المشاريع الزراعية لضمان نجاحها واستدامتها. حيث أقامت العديد من هذه المنظمات الورش والتدريبات لتأهيل كوادرها من أبناء هذه المناطق والذي أسهم بشكل كبير في تطوير قدراتهم وإمكانياتهم التي انعكست على نجاح تنفيذ برامجها التنموية في القطاع الزراعي. أضف إلى ذلك قيام هذه المنظمات بتصميم هذه البرامج بما يتناسب والسياق المحلي لضمان قبولها مجتمعياً وتلقيها الدعم اللازم من قبل الفواعل المحليين لضمان نجاحها واستدامتها. وقد عملت هذه المنظمات كذلك على تنفيذ العديد من التدريبات للمستفيدين من مشاريعها والتي ساهمت بشكل كبير في خلق الوعي الجيد لديهم في كيفية الاستفادة منها وضمان استدامتها. وبالتالي شكلت هذه التدريبات حافزاً لدى السكان المحليين للتقدم للاستفادة من المشاريع الزراعية المقدمة في هذا الإطار وحرصهم على العمل ضمن الخطط التي تتضمنها هذه البرامج. ومن بين الأمثلة على هذه المشاريع ما قامت به مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية عبر تنفيذها لمشروع سبل العيش في القطاع الزراعي تم من خلاله توزيع عدد من رؤوس الماشية على المستفيدين مع تقديم التدريب اللازم وتأمين الأعلاف والعناية البيطرية، وقد تبين للمؤسسة بعد تنفيذ المشروع أن حوالي 80% من المستفيدين قد حافظوا على الأصول التي تم منحها لهم وقيامهم بالاعتماد عليها كمصدر دخل رئيسي([29]).
وقد حفّز هذا الأمر بعض المنظمات الدولية ذات الصلة على دعم الخطوات التي انتهجتها المنظمات المحلية في هذا المسار، عبر تدعيم إمكاناتها المادية والفنية لتسريع الانتقال من تقديم برامج الإغاثة الطارئة إلى التنفيذ التدريجي لمشاريع التعافي المبكر في القطاع الزراعي. إلا أن هذا الدعم لم يرتقِ إلى مستوى الحاجة الفعلية للعاملين في هذا القطاع، وبشكل لا يتناسب ومستوى المشاريع المطلوب تنفيذها لإحداث تعافي مبكر حقيقي ضمن هذه المناطق. حيث تتسم غالبية المشاريع الزراعية المنفذة بصغر حجمها وقلة عدد المستفيدين منها وعدم مراعتها للاحتياجات الفعلية للمزارعين. ويلاحظ أن معظم هذه المشاريع ماتزال تنفذ وتدار بذات العقلية الإغاثية، فالمستهدفون في أغلب المشاريع إما أن يحصلوا على قسائم شرائية للمدخلات الزراعية أو يتم توزيعها بشكل مباشر كسلل زراعية على شكل منح وهبات. وكان من الأجدر أن يتم العمل على حل مشكلات المزارعين بشكل شامل، ثم الانتقال إلى تأسيس كيانات زراعية داعمة تقدم المساعدة للمزارعين على شكل قروض تسترد بعد حصاد المحصول، مما يؤدي بداية إلى حصر المستفيدين بالدعم المقدم بالأكثر حاجة وتضرراً، ثم الانتقال إلى تحميل المسؤولية للمزارعين وبالتالي دفعه للعمل بجد أكبر حتى يتمكن من تسديد هذه القروض.
يمكن تقسيم البرامج التنموية المنفذة في القطاع الزراعي ضمن هذه المناطق إلى نوعين، يقوم النوع الأول منها على تمليك المستفيدين مفاتيح العمل وتطوير مهاراتهم من حيث رفع السوية المعرفية بطرق الزراعة والسقاية والعناية البيطرية للحفاظ على الأصول الموجودة، بالإضافة لإنمائها عن طريق تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من الأراضي المزروعة. أما النوع الثاني فيقوم على المشاريع التي تزود المستفيدين منها بالمدخلات الزراعية، وهي غالباً ما تكون ذات تأثير محدود زمنياً، حيث أنها تعمل على زيادة الإنتاج وتحسين الجودة في موسم محدد فيعود بالفائدة المادية على المستفيد، لكن مشكلة عدم ثبات قيمة العملة وارتفاع أسعار المحروقات بشكل دائم يحرم المستفيدين من توظيف الفائض المالي المحقق في المواسم القادمة، مما يحد من استدامة المشاريع التي تنفذ بهذا الشكل.
أما من ناحية الملاءمة بالنسبة للمشاريع الزراعية المنفذة في هذه المناطق، فلم تكن المشكلة في إشراك المستفيدين في هذه المشاريع عند دراسة احتياجات المنطقة بهدف إكسابها المرونة اللازمة لتكون ملائمة لاحتياجات القطاعات المنفذة ضمنها، بغض النظر عن حجمها كبيراً كان أم صغيراً. لكن تكمن المشكلة في أنه عادة ما يتم الضخ المالي للمشاريع في أوقات متقاربة فيحدث نشاط كبير في السوق المحلي على حساب أوقات أخرى يكون فيها التمويل ضعيفاً مما يسبب ركود عام في هاتين المنطقتين. إلا أنها ورغم كل الجهود المبذولة لإنجاحها فما تزال دون المأمول، كونها تدار بنفس العقلية الإغاثية، ولم تُطرح خطة تنموية شاملة قادرة على توليد مؤسسات زراعية إشرافية تعمل باستدامة ولا تتأثر بتقلبات الدعم الموجه وغير المستقر، وقد أدى عدم الاستقرار هذا إلى جعل هذه المشاريع محدودة التأثير وذات شروط صعبة التحقيق للاستفادة منها. مما وضع الجهات المنفذة أمام خيارين صعبين فإما تلبية كامل احتياجات عدد صغير من المستفيدين، أو تلبية جزئية بسيطة للاحتياجات المطلوبة مقابل تحقيق أكبر عدد من المستفيدين، فحتى عام 2020 لم تغطي هذه البرامج بأفضل الحالات أكثر من 25% من الاحتياجات([30]). ويبين الشكل (1) حجم التدخلات في قطاع سبل العيش والأمن الغذائي في الاستجابة الإنسانية لسورية بين عامي 2018 و2020. وعدد المستفيدين من هذه التدخلات خلال هذه الأعوام.
لقياس مدى تأثير برامج سبل العيش الزراعية وفقاً للفئات المستهدفة بها ومدى قدرتها على تلبية احتياجات كل فئة من هذه الفئات، فقد حدد منظمة الأمم المتحدة ثلاث فئات رئيسية للمستفيدين من هذه البرامج([1]). ووفقاً لهذه التصنيفات يمكن عرض ما قامت به المنظمات من خلال برامجها لدعم القطاع الزراعي في منطقتي درع الفرات وعفرين. فقد عملت بعض المنظمات على تنويع الأنشطة التي تقوم بها من خلال برامجها، بحيث تستهدف النازحين الذين لا يملكون المقدرة على زراعة الأراضي لعدم امتلاكهم لها أو لعدم وجود الخبرة الكافية عن طريق إنشاء برامج النقد مقابل العمل. كذلك تم تقديم ورشات تدريبية حول بعض الجوانب المرتبطة بالنشاط الزراعي للمساعدة على توليد الدخل مثل تربية النحل وزراعة الفطر في المنزل وصنع الألبان والأجبان منزلياً. ومن ثم تقديم الأدوات اللازمة للانطلاق بهذه المشاريع الصغيرة، بحيث يؤمن المستفيد من هذه البرامج الحد الأدنى من الدخل للاستغناء عن المساعدات الإغاثية. وقد أمنت هذه البرامج وبشكل مباشر حوالي 11600 فرصة عمل في عام 2018، وحوالي 18350 فرصة عمل في عام 2019([2]). بالإضافة لإسهامها في تخفيف نسبة البطالة بشكل غير مباشر، فطبيعة الأنشطة الزراعية تعطي إمكانية للمزارعين المستفيدين من تشغيل عمال إضافيين في أراضيهم بسبب زيادة الإنتاج في المساحات المزروعة الناتجة عن الدعم بالمدخلات الزراعية اللازمة.
إلى جانب ذلك فقد ساهمت هذه البرامج في تخفيف معدل الفقر من خلال القيام بمشاريع تستهدف ذوي الدخل المحدود من المزارعين ومالكي الثروة الحيوانية لتمكينهم اقتصادياً ومنع تدهور أصولهم الإنتاجية. ومن بين هذه المشاريع مشروع دعم أصحاب رؤوس الماشية ممن لا يملكون المقدرة على الاحتفاظ بأصولهم الإنتاجية في الأوقات التي ترتفع فيها أسعار الأعلاف واللقاحات، وقد استفاد من هذه البرامج في عام 2018 حوالي 2050 أسرة، وفي عام 2019 حوالي 16930 أسرة([3]). وكون النشاط الزراعي بشقيه النباتي والحيواني يعد النشاط الاقتصادي الأول في منطقة درع الفرات وعفرين فإن أي دعم مقدم لهذا القطاع بمختلف أشكاله يؤدي بشكل غير مباشرة إلى دعم السوق المحلية وتنشيط دورة الإنتاج.
يعكس الواقع الزراعي الذي تعيشه مناطق الشمال السوري خلال الأعوام الماضية بشكل عام بعض الدلائل التي تؤشر لوجود حركية تعافي مبكر ضمن القطاع الزراعي. ومع تباين مستوى التدخلات التنموية لدعم حركية التعافي المبكر، يبدو من المهم تحليل واقع هذه التدخلات وقياس أثرها على المجتمعات المحلية ضمن هذه المناطق. ووفقاً لذلك حاولت هذه الورقة الإضاءة على إحدى هذه التدخلات وهي برامج سبل العيش الزراعية، عبر استعراض واقع هذه البرامج ومستوى الفاعلية المتحققة منها خلال الأعوام الماضية، وإبراز أهم المعوقات التي حدت من فاعليتها، إلى جانب الإضاءة على أهم الفواعل الرئيسيين ذوي الصلة بهذه البرامج.
تعكس المؤشرات المرتبطة ببرامج سبل العيش الزراعية في منطقتي درع الفرات وعفرين أن هناك جملة من التحديات يبرز في مقدمتها عدم وجود كيانات حوكمية متخصصة بالجانب الزراعي وهو ما أفقد فاعلية الكثير من البرامج المنفذة ضمن هذه المناطق. أضف إلى ذلك أن هذه البرامج لم ترق إلى المستوى الاستراتيجي الذي يمكن القطاع الزراعي من التعافي بشكل أكبر لأسباب ترتبط بضعف التمويل وعدم استدامته، وغياب التنسيق الكامل بين الكيانات المسؤولة عن النشاط الزراعي في هذه المناطق. أضف إلى ذلك غلبة التماثل في نوعية المشاريع الزراعية المنفذة مما يقلل من الأثر المرجوة منها. وكذلك شيوع حالة عدم الاستقرار الأمني الكامل الذي تشهده هذه المناطق والذي أضعف من قابلية الجهات الممولة من تنفيذ مشاريع استراتيجية كبيرة لتعافي القطاع الزراعي.
وبناءً على ما سبق، فإن نجاح عملية التعافي المبكر في القطاع الزراعي في هاتين المنطقتين يعتمد في جانب كبير منه على وجود جهة متخصصة تكون قادرة على تشخيص مقومات واحتياجات هذه المناطق بشكل دقيق، بحيث يتم وضع خطط تعافي تتلاءم والسياق المحلي عبر تعظيم الاستفادة من الموارد المحلية، وتفعيل الدعم المقدم من الخارج بما يخدم تنفيذ هذه الخطط على شكل برامج زراعية مفصلة ومتناسبة مع هذا السياق بالتعاون والتنسيق مع الجهات الدولية الداعمة. أضف إلى ذلك ضرورة العمل على خلق نوع من التكامل والتوازن بين التدخلات التنموية الموجهة للقطاع الزراعي من قبل المنظمات المنفذة. بحيث يتم تعظيم الفائدة من هذه التدخلات عبر الحفاظ على مستوى الأمن الغذائي الملائم، ورفع مستوى دخل العاملين في القطاع الزراعي واستدامته، وتذليل جميع المشكلات المرتبطة بسلسة القيمة ذات الصلة بالنشاط الزراعي.
([1]) تمثل التصنيفات التالية التصنيفات الثلاث الرئيسية ويتفرع عنها مجموعة من الفئات الفرعية:
([2]) Syria Humanitarian Response Plan 2018, 2019, OCHA: https://rb.gy/rcrw3q
([1]) مقابلة هاتفية أجريت مع مسؤول برامج سبل المعيشة والتعافي المبكر في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية بتاريخ: 28/09/2020.
([2]) آلت هاتين المنطقتين للنفوذ التركي إثر عملية درع الفرات في عام 2017، والتي سميت المنطقة باسمها وشملت كل من مدن اعزاز والباب وجرابلس والراعي واخترين ومارع والتي بلغت مساحتها 2692 كم2، إلى جانب عملية غصن الزيتون في عام 2018 للسيطرة على منطقة عفرين والتي تبلغ مساحتها 2055كم2.لكن لا تزال هذه المناطق تشهد بعض عمليات التفجير والاغتيالات، من قبل جهات ذات صلة بقوات سورية الديمقراطية ونظام الأسد وبعض الخلايا النائمة لتنظيم "داعش" في المنطقة. ويعزى عدم الاستقرار الأمني في جزء كبير منه إلى ضعف الجهات المسؤولة عن القطاع الأمني سواء من حيث التجهيزات اللوجستية أو من حيث الكوادر المؤهلة.
([3]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات.
([4]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة غصن الزيتون.
([6]) يبلغ عدد المجالس المحلية في منطقة درع الفرات 10 مجالس، في حين يبلغ عددها في منطقة عفرين 7 مجالس. ويتبع لكل منها مجالس فرعية تتلقى الدعم منها ويتصدر مجلس مدينة الباب قائمة المجالس الأكثر نشاطا من حيث الدعم المقدم، وكان بداية ظهور هذه المجالس في عام 2012.
([7]) محمد العبدالله، المقاربة التركية للتعافي الاقتصادي المبكر في سورية: دراسة حالة منطقة درع الفرات، في كتاب: التعافي الاقتصادي في سورية: خارطة الفاعلين وتقييم السياسات الراهنة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 25-09-2019: https://bit.ly/3oyi1GI
([8]) مقابلة أجريت مع مسؤول برامج سبل العيش والأمن الغذائي في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق.
([9]) يمكن الاطلاع على نموذج من بعض المشاريع التي نفذتها المؤسسة عبر الرابط: https://rb.gy/a5adz4
([10]) يحظى المشروع بدعم من صندوق الائتمان لإعادة إعمار سوريا، وتبلغ مدته 18 شهراً ويتم بموجبه تسليم المزارعين المستهدفين في مناطق عمل المشروع بذور خضراوات، وسماد كيميائي عضوي، وبكرات ري بالتنقيط، ونايلون ملش، ومبيدات حشرية وفطرية، وأقفاص بلاستيكية لجني المحصول. فيما يُجري عدة مهندسين جولات على الأراضي، لتقديم الخدمات الإرشادية وتبادل الخبرات بين الفنيين والمزارعين وتقديم النصائح. المرجع:
ثائر المحمد، مشاريع دعم الزراعة شمالي سوريا وانعكاساتها على الفرد والمجتمع، موقع تلفزيون سوريا، 11-06-2021: https://rb.gy/rg9zir
([11]) ثائر المحمد، نفس المرجع السابق.
([12]) محمد العبدالله، المقاربة التركية للتعافي الاقتصادي المبكر في سورية: دراسة حالة منطقة درع الفرات، مرجع سابق.
([13]) محمد العبدالله، تنمية سبل العيش في المناطق السورية المحررة: دراسة تحليلية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 17-12-2015: https://bit.ly/3hDKold
([15]) Humanitarian Response, IDPs Tracking, August 2020, OCHA: https://rb.gy/9m7iwh
([16]) محمد العبدالله، واقع سبل العيش في مخيمات النزوح: دراسة حالة في مناطق الشمال السوري، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 07-11-2018: https://bit.ly/3v0QOyA
([17]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات، احصاءات 2020.
([18]) مقابلة أجراها الباحث مع مدير برنامج سبل العيش والأمن الغذائي في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق.
([19]) عفرين خمس سنوات من التنمية الاقتصادية، مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، 14/02/2019: https://rb.gy/01dif4
([20]) مجلس محافظة حلب الحرة، غرفة زراعة منطقة درع الفرات وعفرين، احصاءات 2020.
([21]) زينب مصري وصالح ملص، أزمة مياه في سوريا.. من يدفع الثمن، جريدة عنب بلدي، 20/09/2020: https://rb.gy/02r9q8
([22]) المداجن في ريف حلب الشمالي ودور المعابر، قناة حلب اليوم، 05/10/2019: https://rb.gy/faawto
([23]) الطرق الرئيسية في ريفي حلب الشمالي الشرقي، قناة حلب اليوم، 29/06/2019: https://rb.gy/fg2q6m
([24]) الزراعة في إعزاز.. تحديات وصعوبات، قناة حلب اليوم، 10/7/2019: https://rb.gy/lcx9yw
([25]) معتصم الطويل، مهنة رائجة… تهريب الأغنام من مدن الشمال إلى مناطق النظام، موقع الحل، 19/07/2019 https://rb.gy/ulxg7h
([26]) انتهاكات الفصائل الموالية لتركيا في عفرين بين النهب والإتاوات، مؤسسة The Levant ،10/10/2019: https://rb.gy/wevrdd
([27]) جانو شاكر، بعد أشجار الزيتون القطع الجائر يطال الغابات الحراجية في عفرين، موقع الحل، 16/03/2020: https://rb.gy/cjeasy
([28]) محلي عفرين يصدر قرارا بمنع قطع الأشجار وبيعها، موقع زيتون، 1/10/2020 https://rb.gy/wndqu1
([29]) مقابلة هاتفية أجريت مع مسؤول برامج سبل المعيشة والتعافي المبكر في مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية، مرجع سابق.
([30]) مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع منسق برامج سبل العيش في منظمة تكافل شام بتاريخ: 23/09/2020.