أوراق بحثية

المسارات

الملفات

الباحثون

التصنيف

تاريخ النشر

-

ملخص تنفيذي

  • تأتي انتخابات حزب البعث خلال المؤتمر العام في سياق إعادة الأسد تشكيلَ وتصميم مراكز القوة داخل حزب البعث بما ينسجم مع استحقاقات النظام وتحدياته، وتأتي بعد سنوات من إقرار نظام داخلي جديد، ثم تغيير آلية تحديد مرشحي الحزب في الانتخابات التشريعية، ولاحقاً إنشاء لجنة للانتخابات تحضيراً للمؤتمر.
  • شهد المؤتمر العام زيادة عدد مقاعد اللجنة المركزية من 80 إلى 125 مقعداً، على أن يعين "الأمين العام" بشار الأسد 45 عضواً منهم. وقد زاحم الأعضاء المدعوون من قبل الأسد أولئك الناجحين من الفروع، حيث وصل إلى عضوية اللجنة المركزية 49 عضواً فقط من الفروع، مقابل 18 عضواً من المدعوين و13 عضواً من كتلة حزب البعث في مجلس الشعب، بالإضافة إلى 45 عضواً آخرين عينهم بشار الأسد بشكل مباشر.
  • بناءً على عملية تحليل بيانات واسعة لأعضاء اللجنة المركزية، تبين أن هناك 22 عضواً من اللجنة السابقة، و77 عضواً يعملون في مؤسسات الدولة، إضافة إلى وجود أعضاء من العسكريين أو المرتبطين بالميليشيات والشبكات الأمنية والعسكرية أو الخاضعين للعقوبات.
  • سيطرت محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص كمحافظات أصل لأعضاء اللجنة المركزية على 37.6% منها، بمقابل 23.3% لدمشق وريف دمشق وحلب، في حين توزعت النسبة الباقية على المحافظات الأخرى. وصلت 20 سيدة فقط لعضوية اللجنة المركزية، منهن 11 سيدة تم تعيينهن مباشرة من قبل بشار الأسد، كما وصل 68 سُنياً، و40 علوياً و10 مسيحيين، و5 دروز و2 إسماعيليين، ويلاحظ وجود انحراف في تمثيل بعض الفروع.
  • أفرزت الانتخابات قيادة مركزية جديدة بالكامل، مؤلفة من 14 عضواً يضاف لهم بشار الأسد، من ضمنهم 13 عضواً يعملون في مؤسسات الدولة بينهم 3 من أصحاب المناصب السيادية، و3 عسكريين، و3 من المُعاقبين.
  • أظهرت نتائج الانتخابات عموماً قيام قيادة الحزب بعملية تضليل وتلاعب في نسب تمثيل الفروع ومزاحمة نتائجها، وإقصاء بعض الكوادر ذات الشعبية على مستوى الفروع بعد تنفيذ الانتخابات كدائرة انتخابية واحدة من أجل خلق آلية لضبط المركزية.
  • تشير الانتخابات وتفاصيلها وديناميات تدخل بشار الأسد فيها، إلى إعادة هندسة مراكز القوة داخل الحزب وفلسفة النظام حيال شكل القوة السياسية (البعث) وقدرتها على تجاوز الترهل وتعزيز تسيّد المشهد الجديد بغض النظر عن أي سياق سياسي.
  • ينطلق الأسد في مقاربته للتغييرات الحزبية من ضرورة التحكم والسيطرة المطلقة والاعتماد على شبكات داخل الحزب تنقله من حالة وعاء سياسي شكلاني يهتم فقط بالتحشيد والاستحواذ على الدولة إلى قوة سياسية منضبطة ببوصلة الأسد وتوجهاته، وقادرة على "التفاعل والريادة" مع أي مشهد سياسي جديد.

للمزيد: https://bit.ly/3VGTNeh 

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • تشهد تركيا انتخابات جديدة على مستوى البلديات نهاية آذار 2024، ذات أهمية خاصة في سياق الحياة الحزبية التركية ومتغيراتها لبعدها الرمزي والسياسي الموازي لأهميتها البيروقراطية أي الخدمية، كما تعتبر ثالث انتخابات محلية يُستخدم الملف السوري فيها ضمن أجندة الأحزاب كملف مُختلف عليه.
  • مثّلت الفترة الزمنية ما بين 2014 و2019 بيئة تشكيل النفَس العام المعارض ضد اللاجئين السوريين، حيث برزت مجموعة من المطالب التمييزيّة أدت إلى وقوع حوادث ذات أبعاد عنصرية أو أمنية تركزت في المناطق المكتظة سكانياً باللاجئين السوريين.
  • تحرص أحزاب أقصى اليمين على استقطاب أكبر عدد من الناخبين خلال الانتخابات القادمة عبر التعبئة ضد اللاجئين السوريين والاستثمار بخطاب يرتكز على عنصرين أساسيين: اقتصادي يحمّل اللاجئين تبعات التضخم، وديموغرافي يتهم اللاجئين بتهديد الهوية السياسية للمواطن التركي.
  • يتمثّل التخوف الأساسي من نتائج الانتخابات المحلية القادمة في صعود أقصى اليمين بالبلديات الصغرى مما يشكل ضغطاً أكبر على اللاجئين، أو تعميم نموذج ولاية "بولو" في حال استطاع حزب النصر أو الجيد الفوز بولايات صغيرة.
  • ستساهم الانتخابات القادمة في توضيح ثقل تيار أقصى اليمين المتطرف ضمن دائرة الحياة السياسية التركية، إذ تشكّل اختباراً مهماً له من حيث الجانب البرامجي، بعد اعتماده لأكثر من عامين على عناصر خطاب تمييزية من أجل تحصيل مكاسب سياسية أو بيروقراطية.
  • ستُبرز الانتخابات القادمة الثقل الحقيقي لتيار أقصى اليمين في تركيا، وتقيس مدى تأثير تبنيه الخطاب العنصري عبر الصوت الانتخابي، وقد تظهر مدى استعداد الناخب التركي للتخلي عن الأحزاب البرامجية لحساب تلك العنصرية، فضلاً عن توضح أهمية استخدام ملف اللاجئين السوريين ضمن الحملة الانتخابية، كما قد تؤدي خسارة تيار اليمين المعادي للاجئين للانتخابات وعدم قدرته على الفوز في أي ولاية إلى تراجع دوره وتأثيره ضمن الحياة الحزبية التركية وعلى اللاجئين.

لقراءة وتحميل تقدير الموقف: https://bit.ly/4aljSG0

التصنيف تقدير الموقف

يقوم النظام السوري منذ منتصف عام 2021 بتنفيذ سياسات جديدة عبر مجموعة إجراءات مختلفة في عدد من المجالات الحيوية في الدولة، وتلاحظ تلك الإجراءات بشكل وثيق في المجال التشريعي والقانوني بالإضافة للمجال العسكري والأمني الذي كان نشطاً منذ عام 2011. 

شكّل عام 2021 نقطة انطلاق مناسبة للنظام ليقوم بتنفيذ سياسته خصوصاً في الفترة التي تلت الانتخابات الرئاسية في أيار/مايو 2021، ثم لاحقاً تعيين الحكومة الجديدة في شهر آب/أغسطس 2021، وسبقها انتخابات مجلس الشعب عام 2020 والتي يحتكر بها حزب البعث الحاكم أكبر عدد ممكن من المقاعد لصالحه. من تلك النقطة وبعد انخفاض مستوى العمليات العسكرية إلى حدّه الأدنى، شرع النظام في تنفيذ سياساته.

المجال التشريعي والقانوني

إن أغلب التشريعات التي أُقرّت في سورية منذ عام هي تشريعات يحاول النظام من خلالها الاقتراب من سمات الدولة الحديثة والعودة للمجتمع الدولي عبر الاعتناء بتفاصيل لم يكن قد سبق له التعاطي معها مطلقاً أو أن هذا التعاطي لم يكن بالعمق المطلوب، إذ قام النظام إما بتشريع قوانين جديدة أو تعديل أخرى بما يتوافق مع سياسته. وهذه التشريعات بحسب ترتيبها الزمني هي:

قانون حماية الطفل: صدر في شهر آب/أغسطس بالقانون رقم 21 لعام 2021، وهو القانون الأول من نوعه في سورية والمتعلق بحماية الطفل والذي يهدف كما صرّح النظام إلى “تعزيز دور الدولة بمختلف مؤسساتها العامة والخاصة في حماية الطفل ورعايته والتأهيل العلمي والثقافي والنفسي والاجتماعي لبناء شخصيته، بما يمكِّنه من الإسهام في مجالات التنمية كافة”.

حاول النظام من خلال القانون الظهور بمظهر الحامي للأطفال وحقوقهم عبر منح الطفل الحماية من أشكال العنف كافة، بالإضافة لمنحه حق التعلم، وحظر تشغيل الطفل الذي لم يتم 15 عاماً، بالإضافة لمنع استخدامه في مواد إعلامية وإعلانية وفنية استخداماً ينتهك خصوصيته، وعدم جواز انتسابه للأحزاب السياسية، كما حدد أهلية الزواج بتمام 18 عاماً.

كذلك حظر القانون تجنيد الأطفال أو إشراكهم في العمليات القتالية أو غيرها من الأعمال المتصلة بها، واعتبرهم غير مسؤولين جزائياً أو مدنياً عن الأفعال الجرمية المرتكبة لكونهم ضحية، بالإضافة لحماية الطفل من الإتجار به. كما نصّ القانون على تكفل الدولة بإصدار التشريعات واتخاذ التدابير اللازمة لتوفير هذه الحقوق للطفل.

تكمن الحقيقة في الفرق الشاسع بين ما يُصدره النظام وبين الواقع الذي أفرزه، إذ تشير المعلومات الواردة في تقرير للأمم المتحدة الصادر في شهر تموز/يوليو 2022 إلى أن 46 طفلاً جُنّدوا في ميليشيات موالية للنظام حتى نهاية عام 2021. كما سُجلت 48 حالة سلب للحرية للأطفال من قبل قوات النظام، بالإضافة لقتل 301 طفل في مناطق المعارضة على يد قوات النظام منهم 86 طفل قُتلوا جراء الغارات الجوية. ناهيك عن مقتل 22,941 طفلاً على يد قوات النظام في الفترة الممتدة بين عام 2011 و آذار/مارس 2022. ولايزال 6,358 طفلاً قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في سجون النظام.

مرسوم إلغاء منصب المفتي: في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي 28 لعام 2021 القاضي بتعزيز دور المجلس العلمي الفقهي وتوسيع صلاحياته، إذ انطوى هذا المرسوم على إلغاء منصب المفتي العام وكذلك منصب المفتي بالمحافظات، وذلك عبر تعديل عدد من مواد القانون المنظم لعمل وزارة الأوقاف الصادر بالقانون 31 لعام 2018.

وبالتالي لم يعد منصب المفتي ممثلاً بشخص واحد، بل تعداه ليصبح من اختصاص المجلس العلمي والفقهي الذي يتألف من 44 شخصاً برئاسة وزير الأوقاف ويضم ثلاثين عالماً يمثلون جميع المذاهب الإسلامية إضافة إلى ممثلين عن الطوائف المسيحية.

يعدُّ هذا المرسوم تحولاً في سياسة النظام الدينية عبر تجريد السنة السوريين من هذا المنصب وإلغاء ضمني لأكثريتهم في البلاد، كما أن هذا التحول “لا يرتبط بتخلي نظام الأسد عن مركزيته الشديدة أو توجهه توجهاً علمانياً جديداً، بل تكيف النظام مع التحديات التي فرضتها الثورة السورية والتغييرات التي طرأت على طبقة رجال الدين وعلاقتهم بالشعب، وبالتالي محاولة التعاطي مع الأزمة بطريقة مختلفة”.

سمح هذا المرسوم بإدخال الشيعة إلى دائرة الافتاء وبالتالي التماهي مع إيران، خصوصاً أن المرجعية الشيعية هي مرجعية عابرة للحدود وليست محلية، أي أن إيران دخلت المجال الديني في سورية بشكل رسمي.

قانون تجريم التعذيب: صدر قانون تجريم التعذيب في شهر آذار/مارس بالقانون 16 لعام 2022، وجاء القانون مقتضباً في عدد مواده وتفصيلاته، كما تراوحت العقوبات المفروضة على مرتكب جريمة التعذيب ما بين السجن ثلاث سنوات و الإعدام، وأيضا السجن المؤبد في حالة وقوع التعذيب على طفل أو شخص ذي إعاقة أو نجم عنه عاهة دائمة.

يعد هذا القانون الأول من نوعه في سورية، وهو ما يعتبر تحولاً من هذه الناحية، على الأقل نظرياً. أما واقع الأمر مختلف تماماً، إذ لم يتطرق القانون أبداً لأفراد الجيش والقوات المسلحة في حال ممارستهم للتعذيب، وذلك لأنهم محميون تماماً من رفع أي دعاوى شخصية بحقهم من دون إذن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة. وينطبق ذلك على أفراد إدارة المخابرات العامة، وكذلك شعبة الأمن السياسي وقوى الأمن الداخلي (الشرطة) مع أنهما يتبعان لوزارة الداخلية، بالإضافة لعناصر الضابطة الجمركية التابعة لوزارة المالية.

لم يحدد القانون أطراً لمراقبة رسمية أو غير رسمية أو حتى مساحات عمل لهذه الأطر أو أدوارها، وبالأخص في السجون التابعة للنظام التي جرى تنفيذ عشرات آلاف عمليات التعذيب داخلها.

إضافة لما سبق، يأتي هذا القانون في ظل التبعات المتواصلة للصور المسربة من أفرع وسجون النظام من قبل الشاهد قيصر، ناهيك عن توثيق مقتل ما لا يقل عن 14,449 معتقلاً من ضمنهم 174 طفلاً و74 سيدة على يد قوات النظام السوري منذ عام 2011 وحتى آذار/مارس 2022.

قانون العقوبات العام: في شهر آذار/مارس صدر القانون 15 لعام 2022، الذي يتضمن إجراء تعديلات على قانون العقوبات العام، إذ ألغى القانون الجديد عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة من قانون العقوبات وسائر التشريعات الأخرى، واستبدلها بعقوبة السجن المؤبد أو المؤقت، كما رفع الحد الأدنى والأعلى للغرامات الواردة بالقانون، ما بين 25 ألف ليرة إلى 6 مليون ليرة وذلك بحسب طبيعة الجرم المُرتكب. 

إضافة لذلك عدّل القانون الجديد كلاً من المادتين 285 و286 من قانون العقوبات بحيث تحدد عقوبة من قام في سورية بدعوات ترمي إلى “المساس بالهوية الوطنية أو القومية أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية” بالاعتقال المؤقت. ويستحق العقوبة نفسها من نقل في سورية أنباء” يُعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها بث اليأس أو الضعف بين أبناء المجتمع”، كما حدد عقوبة بالحبس سنة على الأقل لكل سوري قام بكتابة أو خطاب يدعو فيه إلى اقتطاع جزء من الأرض السورية أو التنازل عنها.

إن هاتين المادتين وبخاصة المادة 285 -والتي كان يتم الإشارة لها “بإضعاف الشعور القومي” – استخدمها النظام السوري بكثرة رفقة تهم أخرى متنوعة من أجل إلحاق تهم بحق المشاركين في المظاهرات في بداية الحراك الثوري في عام 2011، وهي تهم كانت وما زالت تُلقى جزافاً لكل من دخل في سجون النظام، ولاحقاً عند صدور مرسوم عفو يتضمن هاتين المادتين – كان يستثني المواد الأخرى.

قانون الجريمة المعلوماتية: صدر قانون الجريمة المعلوماتية في شهر نيسان/أبريل بالقانون 20 لعام 2022، وجاء القانون بديلاً عن قانون التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية الصادر بعام 2012، إذ توسع القانون الجديد بعدد القضايا التي يُعاقب عليها القانون السابق من 9 جرائم إلى 21 جريمة.

 بشكل رئيسي توسع القانون بشكل مباشر في الجرائم المتعلقة بانتهاك الخصوصية، كما ارتفع عدد سنوات الحبس وكذلك مقدار الغرامات المادية التي يفرضها القانون الجديد بخلاف مقدار الغرامات السابقة في القانون السابق وذلك لتدني قيمة الليرة السورية أمام سلة العملات. على سبيل المثال، في حالة جريمة الدخول غير المشروع والعبث بالبيانات ارتفعت فترة الحبس من (3 أشهر – 2 سنة) إلى الحبس ما بين (سنة – 3 سنوات)، كذلك ارتفع مقدار الغرامة من (100 ألف – 500 ألف) ليرة إلى (700 ألف – 1 مليون) ليرة. وبالطبع أيضاً توسع القانون في الجرائم المتعلقة بالدستور أو النيل من هيبة الدولة أو مكانتها المادية.

بعد صدور القانون، باشرت وزارة الداخلية على الفور إعادة هيكلة فرع مكافحة الجرائم المعلوماتية وتأسيسه من جديد لمراقبة الفضاء الإلكتروني. ولم تمض فترة طويلة قبل أن تعلن وزارة الداخلية إلقاء القبض على عدد من الأشخاص بتهم مختلفة على خلفية قانون الجريمة المعلوماتية.

لا يكمُن الخوف من وجود القانون بحد ذاته بقدر ما يكمن في استخدامه كوسيلة جديدة لتكميم أفواه السوريين ممن بقي في مناطق سيطرة النظام أو حتى ملاحقة من هم خارج البلاد بتهم واهية بناءً على مواد هذا القانون، وبالأخص تلك المتعلقة “بالدستور أو النيل من هيبة الدولة”، أي أن النظام أعاد شرعنة حالة الطوارئ بوجه جديد وخفي.

مراسيم العفو: في شهر كانون الثاني/يناير أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي 3 لعام 2022، القاضي بمنح عفو عام عن جرائم الفرار الداخلي والخارجي، ويشمل هذا العفو كل من فرَّ من الخدمة العسكرية سواء من المتطوعين أو لمن كانوا في الخدمة الإلزامية، واشترط المرسوم على أن يسلم هؤلاء أنفسهم في مدة أقصاها 3 أشهر للفرار الداخلي و 4 أشهر للفرار الخارجي.

كان الهدف من هذا المرسوم هو قيام النظام بمجموعة تسويات أمنية جديدة في عدة مناطق سورية في الرقة وديرالزور وحلب وريف دمشق، وبالتالي الاستفادة ممن سبق له الانشقاق عن الجيش في السنوات الماضية وعودتهم للخدمة، مقابل توجيه رسائل للعسكريين المنشقين خارج البلاد وبالأخص في تركيا، نتيجة إغلاق مخيم خاص بالضباط المنشقين في ولاية هاتاي التركية كان قد تم افتتاحه عام 2011.

لاحقاً بنهاية شهر نيسان/أبريل أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي 7 لعام 2022، القاضي بمنح عفو عام عن “الجرائم الإرهابية” المرتكبة من السوريين، عدا تلك التي أفضت إلى موت إنسان والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب وقانون العقوبات العام وتعديلاته. استطاع المرسوم خلق تأثير إقليمي ودولي، لكن سرعان ما بدأت تظهر الثغرات القانونية التي تسمح للنظام بالاستمرار في سياسته الإجرامية التي انتهجها بحق الشعب السوري منذ عام 2011.

إن هذا المرسوم هو المرسوم الـ 23 منذ بداية عام 2011، مع ذلك ما زال في سجون النظام السوري ما يقرب من 132 ألف معتقل. ولم يطلق بعد إصدار المرسوم رقم 7 سراح سوى 539 معتقلاً ومعتقلة بمقابل قيام قوات النظام باعتقال ما يقرب 300 شخص ثم إطلاق سراح 28 منهم في الفترة ما بين بداية أيار/مايو ونهاية آب/أغسطس. 

مرة أخرى حاول النظام الاستفادة من هذه التشريعات لإيصال رسائله للمجتمع الدولي في محاولة منه لكسر حالة العزلة التي يعاني منها منذ 2011، خصوصاً أن روسيا التي كانت تساعده في كسر تلك العزلة أصبحت معزولة دولياً أكثر من النظام ذاته بكثير.

المجال العسكري والأمني

رافق العمل على المجال التشريعي والقانوني العمل أيضاً على الجانب العسكري والأمني، إذ قام بشار الأسد بتاريخ 28 نيسان/أبريل 2022 بتعيين اللواء علي محمود عباس بمنصب وزير الدفاع، وهو سني من ريف دمشق خلفاً للعماد علي عبدالله أيوب المنتمي للطائفة العلوية والذي شغل المنصب منذ بداية عام 2018.

لاحقاً وبعد يومين فقط في 30 نيسان/أبريل، عين بشار الأسد ضابط المدفعية اللواء عبدالكريم ابراهيم وهو علوي من طرطوس بمنصب رئيس هيئة الأركان العامة بعد خلو المنصب منذ بداية عام 2018، إذ كان المنصب يُدار من قبل غرفة العمليات الروسية الموجودة بدمشق، ويمكن النظر لهذا التعيين على أنه استعادة للمنصب بعد انشغال روسيا في حربها على أوكرانيا .

لقد أثارت مراسم التعيين هذه مجموعة من التحليلات المرتبطة بها، خصوصاً تعيين ضباط برتبة لواء بمنصبي وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة، بخلاف العرف العسكري المرتبط بتعيين ضباط برتبة عماد في هذه المناصب. كما أن هذين الضابطين لم يكونا أقدم الضباط ممن يحملون رتبة لواء خلافاً للتراتبية العسكرية المتبعة في الجيش السوري وفي الجيوش عامة، لاحقاً تمت ترقية كل من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان لرتبة عماد. يعتبر الوصول والترقية لرتبة عماد أهم بكثير من الوصول لرتبة لواء إذ لا يتجاوز عدد من حمل رتبة عماد 25 ضابطا منذ تأسيس الجيش السوري بمقابل آلاف ممن حمل رتبة لواء وهذه الأخيرة ليست قليلة أيضاً بل تعتبر مدعاة للفخر وتنم عن درجة من القرب من قيادة النظام. ومع ذلك قد لا تكون الترقية لهذه الرتب قائمة على أساس حرفي مهني، بل قد يكون الولاء هو المعيار الأول لها.

في الواقع لم تتم مخالفة قانون الخدمة العسكرية أبداً، إذ أن الترقية لرتبة عماد تتم بالاختيار المطلق بين الضباط ممن يحمل رتبة لواء، كما أن التعيين في المناصب الكبرى يعود “لرئيس الجمهورية ويتم بمرسوم بناءً على اقتراح من القائد العام” (المنصبان يشغلهما بشار الأسد).

لقد كسرت هذه التعيينات مجموعة من الأعراف العسكرية المتبعة سابقاً، إذ أن كلاً من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة لم يسبق لهما شغل مناصب عسكرية قيادية في وحدات مقاتلة فعلياً كقيادة فرق أو فيالق عسكرية، كما أن منصب رئيس هيئة الأركان العامة يُشغل عادة من قبل ضابط يكون اختصاصه العسكري قوات برية أو دبابات وليس مدفعية كما هو الحال مع العماد عبدالكريم ابراهيم. إلى جانب ذلك، فإن تعيين وزير دفاع سني يكسر ولو قليلاً من نهج الصفاء العلوي في المؤسسة العسكرية، إذ أظهرت دراسة منشورة بعام 2020 أن أهم 40 منصب عسكرية وأمني يقودها ضباط من الطائفة العلوية.

لقد عمل وزير الدفاع العماد علي عباس لفترة طويلة كمدرب في كلية المدرعات ولاحقاً في الأكاديمية العسكرية العليا، كما أنه خضع لعدة دورات عسكرية خارج البلاد في باكستان والسويد وهولندا وبريطانيا، لعل أهمها اتباع دورة إصلاح القطاع الأمني في الدول الخارجة من الصراعات في بريطانيا عام 2006.

إن نمط هذه التعيينات بات أكثر وضوحاً خلال الأيام القليلة التي تلت ذلك، إذ لم يخضع كلٌ من وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان للعقوبات الغربية أسوة بمن سبقوهما بهذه المناصب. كما أنهما غير معروفين بشكل وثيق من الشعب السوري، ولم يتم حتى الآن ربطهما بالجرائم التي ارتكبها الجيش. يضاف إلى ذلك نوعية الدورات العسكرية المتبعة وبالأخص في الدول الغربية، علماً أن قلّة قليلة من الضباط كانوا يوقدون لدورات في الدول الغربية مقارنة بروسيا والصين.

أما في القطاع الأمني فقد شهد حركة تنقلات وترقيات في المستويات القيادية العليا في أجهزة المخابرات (الأمنية) الأربعة الموجودة في سورية، إذ شهد شهر آذار/مارس الماضي تنقلات جديدة لعدد من ضباط أجهزة المخابرات، ولاحقاً في بداية شهر تموز/يوليو تم ترقية عدد منهم لرتب ومناصب أعلى.

بشكل مشابه للمجال العسكري، يبدو أن النظام في طريقه لإزاحة عدد من قادة وضباط الأجهزة الأمنية وترقية آخرين ووضعهم في واجهة تلك الأجهزة، على أن يكون هؤلاء الضباط ممن يصعب ربطهم بالجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري. ومن المتوقع تغيير كلٍ من رئيس شعبة المخابرات العسكرية ومدير إدارة المخابرات الجوية وكذلك مدير إدارة المخابرات العامة خلال الأشهر القليلة القادمة. ومن المحتمل أيضا نقل رئيس شعبة الأمن السياسي ليشغل منصب مدير إدارة المخابرات العامة.

من جهة أخرى على المستويات الدنيا في المؤسسة العسكرية، فقد أصدر بشار الأسد بصفته القائد العام قراراً إدارياً ينهي الاحتفاظ والاستدعاء للضباط وطلاب الضباط الاحتياطيين وتسريح الضباط وطلاب الضباط المجندين الملتحقين بالخدمة الإلزامية وإنهاء الاحتفاظ والاستدعاء لصف الضباط والأفراد الاحتياطيين. يهدف النظام من هذا القرار إلى تشجيع حملة الشهادات العليا كالطب والهندسة على البقاء بالبلاد من أجل دعم القطاعات المدنية في الدولة والتخفيف من موجات الهجرة التي يعاني منها.

المشكلة في سورية ليست قوانين وتشريعات

يحاول النظام عبر مجموعة التشريعات والقوانين التي أصدرها خلال الفترة الماضية إظهار نفسه بأنه يتماشى مع منظومة حقوق الإنسان وأنه منطلق نحو رفع سورية البيئة التشريعية والقانونية بشكل مشابه للدول المتقدمة والحضارية. يدعم كل ذلك إطلاق النظام دورات تدريبية في مجال القانون الدولي الإنساني، بالإضافة لتصريحات مسؤولي النظام عن ريادة سورية في برامج التأهيل والتوعية المتعلقة بهذا المجال، لكن البيئة التشريعية لا تعاني نتيجة نقص في التشريع بقدر ما تعاني من فرق واضح بين النص والتطبيق، إذ أن عدد من القوانين الصادرة يرتبط بمعايير دولية ويقوم النظام بتمريرها بطريقة معينة تناسب بقاءه تماماً، لكن عند النظر إليها بشكل أعمق، نجد أنها ليست كافية بالضرورة أو أنها توفر غطاءً لأفعال معينة.

أما في المجال العسكري والأمني، يحاول النظام البدء بإعادة هيكلة تكتيكية في المستويات العليا في سلسلة القيادة ثم الانتقال نحو المستويات الأدنى في السلسلة، والاستفادة من التعيينات الأخيرة التي قام بها، عبر تقديم ضباط يمكن اعتبارهم من وجهة نظر النظام فقط لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري، وخلال أشهر قليلة ستبدأ مجموعة من التغييرات ستطال مناصب مهمة في المؤسسة العسكرية، وربما سيُعاد النظر في التشريعات المتعلقة بالمؤسسة العسكرية لتتوافق مع سياسات النظام.

يهدف النظام من سياساته هذه إلى إعادة هيكلة البلاد ككل بما يتناسب مع مرحلة نهاية الحرب – وإن لم تنته بعد- وسيتم توسيع هذه السياسات لتشمل مجالات حيوية أخرى. سيكون لحلفائه روسيا وإيران وأهدافهم نصيب منها، بحيث يتم تضمين أهداف الحلفاء في السياسات الجديدة بمقابل الخدمات المقُدّمة سابقاً للنظام بما يضمن استمرار تقديمها لاحقاً.

بالتزامن مع ذلك، سيرسل النظام رسائل للمجتمع الدولي تستهدف ثلاثة ملفات رئيسية هي (اللاجئون – العقوبات – إعادة الإعمار) وذلك من أجل التخلص من الضغط المتواصل عليه في أول ملفين، ثم الاستفادة من الملف الثالث وإنعاش اقتصاده المتهالك. كما يريد النظام أن يقدم سردية مفادها أنه هو من يطرح الإصلاح وهو من يقوده، أي أنه يقول لا داعٍ للعملية السياسية برمتها، وبأنه المنتصر في الحرب ويجب التعامل معه من هذا المنطلق.

يبدو أن النظام مُقتنع تماماً بأن سياساته يمكن أن تساعده في تحسين نظرة العالم السلبية له، وأن بإمكانه عبر تلك الإجراءات مسح الذاكرة العالمية الممتلئة بالدمار والقتل الذي نفذه عبر استخدام الأسلحة الثقيلة وكذلك المحرمة دولياً بالإضافة لأسلحة التعذيب والحصار والتجويع بحق الشعب السوري.

وتكمن هنا مسؤولية المجتمع الدولي والدول المعنية بتذكير أنفسهم أولاً والنظام السوري وداعميه ثانياً بالقرارات الدولية الملزمة، وفرض حلاّ سياسيا يُسهم في إرساء السلم الأهلي بعد تحقيق العدالة الانتقالية، مع التذكير دوماً بأن المشكلة في سورية ليست قوانين وتشريعات أو هيكلة الدولة بل هي النظام ذاته الذي يطوع الدولة كما يريد.

التصنيف مقالات الرأي

ملخص تنفيذي

  • بعد انقطاع دام تسعة أشهر ونيف، ذهب النظام إلى الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية بعد أن أتم استرداد السيطرة الكاملة على درعا ليُنهي فيها الحالة الخاصة التي عاشتها الجبهة الجنوبية وما شكلته من مصدر قلق له، بالإضافة إلى إتمام "استحقاق الانتخابات" الذي أعاد فيه استخدام ذات أدوات التحشيد؛ ناهيك عما أحدثه مشروع خط الغاز العربي في تحسين الأجواء السياسية لنظام الأسد من جهة التطبيع المحدود معه، مما لم تمانعه الولايات المتحدة الأمريكية.
  • في الجولة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية؛ طرح النظام ورقة متعلقة بالسيادة، أراد من خلالها التأكيد على "الاستعراض السياسي" دون أن يقدم مضموناً دستورياً يعالج الإشكاليات المركبة في الدولة ومؤسساتها. بينما قدم وفد المعارضة مضموناً دستورياً بالغ الأهمية ويتعلق بالجيش والقوات المسلحة والأمن والاستخبارات. إلا أنه لم يلحظ مبادئ العلاقات المدنية الأمنية. في حين قدّم وفد المجتمع المدني ورقة تتعلق بسيادة القانون كانت ملمة بضرورة التوسع بهذا المبدأ وعدم الاعتماد على العموميات.
  • يحكم الاتجاه العام لمسار الدستورية عدة سيناريوهات لا تصب بمجملها في تحقيق الانتقال والتحول الديمقراطي، كالمراوحة بالمكان أو زيادة الزخم دون الوصول لتفاهمات ناجزة. أو -ووفقاً لما تشير له عدة معطيات- مرتبطة بالتطبيع مع النظام؛ فإنه ربما تنجز مقاربة ما دون سياسية للتكيف مع ما أفرزته نتائج المشهد الأمني والعسكري في سورية.
  • من الأهمية بمكان دعم التباحث بين القوى السورية الوطنية لتوسيع مساحات الفعل الممكنة. كصيانة الحوامل الاجتماعية وقضايا العقد الاجتماعي ودعم التنظيمات المدنية والفعاليات السياسية والنقابية؛ وحشد الطاقات لتثبيت مبدأ المحاسبة والعدالة.

 

تمهيد

بعد تعثر متوقع لخمس جولات، اختتمت في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2021 أعمال الجولة السادسة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جنيف "بخيبة أمل" حسب وصف المبعوث الدولي جير بيدرسون. وأتت هذه الجولة بعد انقطاع دام تسعة أشهر ونيف؛ تبلورت خلالها سياقات أمنية وسياسية صبت نتائجها في صالح النظام؛ ليطرح مجدداً ذات السؤال مرة أخرى، ما النتيجة؟ وما المخرج المنتظر؟ وما مدى تأثُر وتأثير السياق السياسي والأمني على هذه الاجتماعات؟ وما هي المقترحات المتمخضة عن هذه الجولة وما دلالتها؟

هذا ما ستحاول الإحاطة التحليلية هذه تبيانه، من خلال تثبيت أثر السياقات الأمنية والسياسية المتشكلة على حركية ونتائج العملية الدستورية. بالإضافة إلى توضيح الجدوى السياسية لتلك العملية بمجملها وتفصيلاتها، في محاولة لتلمّس اتجاهاتها العامة وسبل تحسين تموضع الشرط الوطني في هذه العملية.

مخرجات صفرية

بعد تثبيت أن الإشكال في سورية مرتبط بشكل جوهري بالحكم وليس فكرة "مدخل الحل دستوري" -رغم أنه أحد أوجه الإشكال-، فإنه يجدر التأكيد على عادة النظام بعدم ذهابه لأي جولة مفاوضات إلا بعد أن يُضيف لأوراق قوته ورقة أخرى. وقد تجلت ورقة النظام الإضافية في الجولة السادسة باسترداد السيطرة الكاملة على درعا ليُنهي فيها الحالة الخاصة التي عاشتها الجبهة الجنوبية وما شكلته من مصدر قلق له، بالإضافة إلى إتمام "استحقاق الانتخابات" الذي أعاد فيه استخدام ذات أدوات التحشيد؛ ناهيك عما أحدثه مشروع خط الغاز العربي في تحسين الأجواء السياسية لنظام الأسد من جهة التطبيع المحدود معه، مما لم تمانعه الولايات المتحدة الأمريكية.

يمكن ربط أسباب التعثر والاستعصاء إلى جملة من المعطيات، منها ما هو متعلق بعدم رغبة الدول الفاعلة بالانتقال من التوافق الأمني إلى التوافق السياسي وبالتالي جعل منصات التفاوض بمثابة "مسارح استعراض صفرية المخرج"؛ ومنها ما هو مرتبط بالسيولة العارمة التي شهدها التعريف الإجرائي للقرار 2254 والذي تم تحييد العديد من بنوده خلال سير العملية السياسية الأمميةُ لاسيما المادة الرابعة التي اختزلت لصالح لجنة دستورية انبثقت عن مؤتمر سوتشي 30/1/2018. إلا أن الأبرز من هذا وهذاك أن فلسفة عمل النظام لا يمكن أن تتكيف مع أي إصلاح ولو كان متناهي الصغر، حتى في أقصى حالات ضعفه. مما يرجع إلى أن بنية نظام الأسد وشبكاته قائمة على فكرة التحكم بالدولة والمجتمع والمواطن، من خلال سيطرة أمنية تأتي على رأس أولويات تلك البنية. من جهة ثانية؛ فإن اختزال الحل بعملية دستورية هائمة التعريف وغير منضبطة بأجندة متفق عليها، وغير مجدولة زمنياً سيحول دون خروج مسيرة اللجنة الدستورية عمّا خلص إليه مسار جنيف بجولاته العشرة.

يُبين الجدول أدناه الخط الزمني الخاص باللجنة الدستورية وأعمالها والذي يؤكد المخرج الصفري حتى الآن؛ وما يلحظ في هذه الجولة -وإن كانت دون نتائج تذكر- أنه تم طرح مضامين دستورية من وفد المعارضة ووفد المجتمع المدني.

 "مقترحات" لمضامين دستورية: تبايُن بالجدية والمحتوى

بعد سجالات طويلة في الجولات السابقة حول الأجندة والمواقف السياسية ومنهجية السلوك، وتقديم مقترحات عامة من قبل وفد المعارضة ووفد المجتمع المدني، تم هندسة الجولة السادسة من قبل المبعوث الدولي لطرح مضامين دستورية يمكن أن تمهد لبدء مفاوضات عملية؛ وبطبيعة الحال – كما هو متوقع- لم ينتج عن هذه الجولة أي أثر.

طرح النظام ورقة خاصة متعلقة بالسيادة، ومكونة من ست نقاط تحت عنوان "سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدة أراضيها" (انظر الملحق رقم 1). أراد النظام من هذه الورقة التأكيد على "الاستعراض السياسي" دون أن يقدم مضموناً دستورياً من شأنه معالجة الإشكاليات المركبة في الدولة ومؤسساتها، والنظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية. وبطبيعة الحال لم يخل هذا الاستعراض من التأكيد على رسائل عدة منها: التماهي العضوي بين النظام والدولة من حيث أن سيادة الثانية مرتبطة بالأولى؛ والرفض المطلق لفكرة خروج مناطق عن سيطرة النظام؛ ناهيك عن الرسائل الموجهة لـ"قسد" ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تحدد وبوضوح رفض التفاوض حول مركزية الدولة/ النظام واحتكار القوة والموارد؛ كما تمسك وفد النظام بشعارات "العروبة" في رسالة يغازل فيها بعض الدول العربية التي تُهندس عودته للمظلة العربية.

أما بالنسبة لورقة وفد المعارضة فقد طرحت مضموناً دستورياً متعلقاً بالجيش والقوات المسلحة والأمن والاستخبارات. ولهذا المضمون أهمية خاصة (انظر الملحق رقم 2)؛ فلطالما غابت المحددات الناظمة لعمل أجهزة الأمن والدفاع عن المبادئ الدستورية باستثناء العبارات العامة الخالية من أي وزن قانوني، مما جعل ممارساتها وسياساتها خاضعة لرؤية النظام بشكل مطلق؛ حتى أن المرسوم الجمهوري المتعلق بإحداث المخابرات العامة أتى في ظل حالة الطوارئ ولم ينشر في الصحف والإعلام وكذلك القوانين واللوائح الناظمة لعمل الجيش. فباستثناء المراسيم المتعلقة بالخدمة العسكرية والرواتب والزيادات فإنه لا يوجد أي محدد قانون واضح لعملها – غير التقني والفني – لا سيما في علاقتها مع المؤسسات المدنية وأدوارها الوظيفية داخل الدولة.

وعلى الرغم من أهمية تعريف أدوار تلك المؤسسات، إلا أنه غاب عن هذا المضمون عدة أمور لا يمكن تأجيلها لقوانين لاحقة، بل ينبغي أن تكون واضحة وغير قابلة للتفسيرات المتعددة درءاً لاستخدام تلك التفسيرات من قبل مشرّع النظام بما يؤدي إلى تغييرات صورية ليس إلا، وهذه الأمور هي:

  • تبعية المؤسسة العسكرية والأمنية لسلطة مدنية منتخبة (مثلاً الوزير مدني)؛
  • التأسيس المعمق لمبدأ العلاقات المدنية الأمنية، وخضوع المؤسسة الأمنية والعسكرية للمراقبة والمحاسبة؛
  • صياغة الاستراتيجيات الأمنية العامة لا سيما المهددات بما يضمن المشاركة المحلية؛
  • إنهاء التحزب السياسي داخل مؤسسة الجيش وما يستلزمه ذلك من تغييرات في شروط الانتساب؛
  • إعادة هيكلة الأمن عبر إنشاء جهاز الأمن الوطني وتتبيعه لسلطة مدنية؛
  • إعادة هيكلة الجيش بما يؤسس لجيش وطني غير حزبي، وهو ما يستدعي فك الارتباط المؤسساتي والقانوني والسياسي بين حزب البعث والجيش من جهة، وإنهاء سياسة احتكار مراكز القوة والتأثير في الجيش لصالح شبكات النظام ومواليه من جهة أخرى.

من جهته قدم وفد المجتمع المدني ورقة تتعلق بسيادة القانون. مما كان بمثابة إشارة مهمة للتمايز عن مفهوم السيادة الذي أراده النظام أن ينحصر فيه (انظر الملحق رقم 3). وأتت الورقة ملمة بضرورة التوسع بهذا المبدأ وعدم الاعتماد على العموميات، -إذ تم تفصيلها في (15 نقطة)- كما كانت متيقظة لأي محاولة تفسيرية تصادر الحق القانوني عبر إلغاء التحصينات الفردية. وربما كان من الأفضل لهذه الورقة أن تركز أيضاً على مراجعة كافة القوانين والإجراءات التي تضمن إنهاء مفاعيل المادة الثامنة (مبدأ الحزب القائد للدولة والمجتمع)، مع التأكيد على إعادة صياغة القوانين المعنية بعمل الأجهزة الأمنية والجيش في البرلمان ودسترتها.

متلازمتي التجميد والسيولة

يحكم الاتجاه العام لمسار الدستورية مجموعة من المحددات المرتبطة بمتغيرات ثلاث: حركية المسار؛ وخارطة الفواعل الدولية؛ والسياق السياسي والأمني. ووفقاً لذلك يمكن رسم عدة سيناريوهات لا تصب بمجملها في تحقيق الانتقال والتحول الديمقراطي، مما بدوره يعلي ضرورة التباحث بين القوى السورية الوطنية.

  1. المراوحة بالمكان: جنيف كمسرح استعراض للنظام

وهو سيناريو مرجح إذ يدعمه ثلاثة مؤشرات: أولها الحركة غير المنتجة لمسار العملية الدستورية والتي تعتمد مبدأ عقد الجولة دون إلزام بالتفاعل والإنتاج؛ وثانيها عدم وضوح مناخات التلاقي السياسي بين الفواعل الدولية، وبمعنى آخر عدم توفر الإرادة الدولية التي تترجم التفاهمات الأمنية المؤقتة إلى اتفاق سياسي مستدام، أما المؤشر الثالث فيتعلق بالانزياحات السياسية التي يفرزها منطق "تجميد الصراع"، كالاستثناءات الأمريكية في موضوع العقوبات أو تحسين التموضع السياسي للنظام من خلال المظلة العربية؛ أو تلك المتعلقة بالمشهد الأمني وترتيباته شرق النهر وغربه والتي تتعزز بها أوراق روسيا التفاوضية.

  1. تفاصيل جديدة دون الوصول لتفاهمات ناجزة

على الرغم من إشارات المبعوث الدولي غير المتفائلة بإحراز أي تقدم؛ إلا أنه لا يمكن إغفال بعض المتغيرات التي تضغط على النظام للانخراط بجدية بالمحادثات الدستورية عبر أطروحات تفصيلية. ومن هذه المتغيرات الضغط الروسي الذي يحرص على تحصيل هذا الانخراط من أجل مكاسب سياسية ما في شرق النهر أو غربه؛ أو بهدف تعزيز "مقاربة شرعنة وتعويم الأسد"، وهنا قد تكون مقاربة النظام قائمة على مجموعة ركائز (مستمدة من تصريحاته المستمرة) نذكر منها:

  • أن ما يقدم هي مقترحات دستورية تعالج ضمن الأطر القانونية والدستورية "للدولة السورية"؛
  • أن يتم الدفع باتجاه نقاشات دستورية لا تقترب من منظومة التحكم والتأثير؛
  • أن يتم التأكيد على مركزية دمشق كمرجعية لهذه الأطروحات الدستورية؛
  • ألا يتحدد المسار بجدول زمني وأن تبقى الأمور مفتوحة.

 

  1. "مقاربة ما" تؤخر "السياسي" لصالح ما دونه

يُنبئ مسار العملية السياسية وتحولاته بارتباطه بمسارات رديفة تؤثر على منهجية العمل، كمسار أستانا الذي نقل العملية السياسية من سلال أربع إلى لجنة دستورية، ومما يشجع مرة أخرى على وجود هكذا مسار (أو ربما مقاربة) هو الموقف الأمريكي غير المكترث بدفع الملف السوري للأمام. فموسكو ومن خلفها طهران سيعملان على استثمار أطروحات البحث عن مقاربات ما دون سياسية كتلك التي تمت في إطار "خط الغاز العربي" أو التي ستتم عبر الدعم الإنساني وجهودات المجتمع الإقليمي والدولي لتعزيز أطر "العودة الطوعية". وكذلك من المقاربات المتوقعة تفعيل مسار عربي يخفف من عزلة الأسد من بوابات اقتصادية وأمنية معينة مقابل إعطاء زخم شكلاني لمسار العملية السياسية الذي يتفق الجميع على أنه دخل في نفق مظلم.

ختاماً

يمكن القول أنه في ظل السياق أعلاه، لا تنذر المعطيات المتشكلة بحدوث "انفراجات" محتملة بمسيرة العملية السياسية ومتطلبات التغيير السياسي في سورية وما يستلزمه من انتقال وتحول ديمقراطي، فاجتماعات اللجنة الدستورية لن تفضي لمخرج يحقق ما تضمنته القرارات الدولية، طالما أن الإلزام الدولي غائب من جهة، وتنخرط بسياقات سياسية وأمنية تزيد سيولة العملية السياسية وتجعلها متعلقة بمعالجة النتائج لا الأسباب من جهة ثانية.

هذا يعيد ضرورة التركيز مجدداً على أسئلة الفعل السوري الوطني وضرورة توسيع مساحاته الممكنة. كصيانة الحوامل الاجتماعية وقضايا العقد الاجتماعي؛ وإنتاج مقاربات لطبيعة الحكم المستقبلي في سورية؛ ناهيك عن دعم التنظيمات المدنية والفعاليات النقابية؛ وحشد الطاقات بكل المستويات لتثبيت مبدأ المحاسبة والعدالة.

الملاحق

أولا: ملحق رقم (1) ورقة السيادة التي طرحها وفد النظام في جنيف في الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية

  • الجمهورية العربية السورية دولة مستقلة ذات سيادة تامة، لا تقبل التدخل في شؤونها الداخلية بأي شكل كان، وهي موحدة أرضا وشعبا وغير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها.
  • تعد أي مشاريع أو توجهات انفصالية أو شبه انفصالية مهما كانت صيغتها مناقضة لمبدأ وحدة الأراضي السورية، ومخالفة لإرادة الشعب السوري، وينظم قانون الإدارة المحلية سلطات وصلاحيات مجالس الوحدات الإدارية.
  • للدولة السورية الحق الحصري في السيادة الكاملة على مجموع الإمكانات والموارد الطبيعية والثروات الباطنية في أراضيها كافة، وفي إدارتها والإشراف على استثمارها.
  • الجمهورية العربية السورية جزء من الوطن العربي، وتعتز بانتمائها العربي، وتعمل على دعم وتعزيز التعاون والتضامن العربي بهدف تحقيق وحدة الأمة العربية."
  • تسعى الجمهورية العربية السورية لتحقيق السلم والأمن الدوليين في ظل احترام القانون الدولي وقيم الحق والعدالة."

ثانياً: ملحق رقم (2) الورقة التي تقدمت بها المعارضة في الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية

 

ثالثاً: ملحق رقم (3) ويبين الورقة التي قدمها وفد المجتمع المدني في الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية.

 

التصنيف تقدير الموقف

ملخص تنفيذي

  • إن تنوّع المجتمع السوري واستخدام البعد الطائفي وتأجيجه خلال سنوات الثورة، لا يكفي لاعتبار الصراع السوري "صراع هويّات" وإغفال المسبّبات الجذرية للصراع من مطالب شعبية باستعادة الحريات والقضاء على الفساد والتوزيع العادل للثروة وتطبيق الحكم الرشيد.
  • نموذج ليبهارت المؤسّس لمشاركة السلطة هو عبارة عن نظام يتفق فيه الطرفان المتعارضان مع الأغلبية العظمى على تشكيل حكومة ائتلافية واحدة بالتعاون فيما بينهم في الأنظمة البرلمانية، بحيث تدير تلك الحكومة أحزاب متعارضة لكن متعاونة بدلاً من إيجاد أغلبية لكل واحد منهم على حدىً.
  • درج استخدام مشاركة السلطة دولياً بعد الحروب الداخلية كأداة لإنهاء الصراعات وتحقيق السلام في المجتمعات التعددية وحتى غير التعددية من خلال ضمّ معارضي الحكم للمشاركة في السلطة بما يشجعهم على إنهاء الصراع.
  • يتم التركيز عند دراسة مشاركة السلطة على تحقيق السلام وترسيخ الديمقراطية. إلا أن الدراسات التحليلية للتجارب السابقة تختلف حول مدى الإسهام الحقيقي لهذا المفهوم في تحقيق هاتين النتيجتين.
  • يقترح الاتجاه الحديث لمشاركة السلطة التركيز على الاحتياجات الحقيقية للناس في سياق كل بلد خارج من صراع بشكل منفصل ومن ثم تصميم نموذج يلبي تلك الاحتياجات بغض النظر عن التسمية كمشاركة سلطة أو غيرها.
  • حال عددٌ من العوامل الذاتية (كتجذّر الفساد وانعدام الثقة بين المكونات السورية الذي رسخه نظام الأسد خلال عقود حكمه) والموضوعية (كالشعور الشعبي بالخذلان تجاه التعاطي الدولي السلبي مع الحراك السلمي ومطالب الثورة) فضلاً عن أبعاد أخرى إيديولوجية واستقطابية أخرى دون نبذ البعد الطائفي عن الصراع السوري.
  • لاقت كلاً من ذريعتي الأقليات ومكافحة الإرهاب رواجاً دَعَمه حلفاء النظام مع مرور الوقت، لتتشكّل السرديّة الرسمية التي يتمسّك بها نظام الأسد محلياً ودولياً في حربه ضد الشعب المطالب بالحرية والكرامة والعدالة بمختلف مكوناته وشرائحه.
  • يعتبر بيان جنيف الصادر في حزيران 2012 أول وثيقة دولية مشتركة حول سورية قامت على أساس مشاركة السلطة، إلا أن الانقسام الدولي في مجلس الأمن وغياب الثقة بين طرفي الصراع حال إلى جانب أسباب داخلية وخارجية أخرى دون ترجمة البيان إلى اتفاق.
  • يظهر صراع الهوية بمجرد التعارض بين مصالح الدولة (حق السيادة) ومصالح الأمة أو الأمم المشكلة لها (حق تقرير المصير) ومثال ذلك التطلعات الكردية في سورية والعراق وإيران وتركيا، ورغم احتواء الصراع السوري في مختلف أطرافه عدد من المكونات المتنوعة، إلا أن تمايز تلك المكونات في معظمها كان على أساس واضح وهو معارضة نظام الأسد أو تأييده وليس على الأساس الاثني أو القومي.
  • تظهر الدراسات التحليلية لتجارب مشاركة السلطة حول العالم بأنها لم تُبشّر بتحقيق ما صُمّمت من أجله، حيث بقيت في معظمها قاصرة عن إحلال السلام بعد الحروب فضلاً عن إرساء الديمقراطية.
  • من المفيد الاستئناس بكل من تجارب لبنان (اتفاق الطائف) والبوسنة (اتفاق دايتون) وإيرلندا الشمالية (اتفاق الجمعة العظيمة) عند دراسة جدوى تطبيق مشاركة السلطة في سورية، للنظر بمدى نجاح ما هدفت له تلك الاتفاقات بعد مرور عقود على توقيعها.
  • حاول الابراهيمي (الوسيط الثاني في الصراع السوري بعد عنان) في جنيف 2 عام 2014 تطبيق مشاركة السلطة السياسية من خلال محاولة ترجمة بيان جنيف 2012 إلى اتفاق، إلا أن الانقسام الدولي وغياب الثقة بين الأطراف حال دون ذلك.
  • ورغم اعتقاد بعض الباحثين أن جزء من عوامل مشاركة السلطة متوفرة في سورية، إلا أن وجود الأكثرية السنية وعدم تماثل الأقليات في الحجم، يجعل التوازن في السلطة بين المكونات المختلفة أمر غير ممكن. يضاف إلى ذلك عدم التركز الجغرافي للمكونات المختلفة إضافةً إلى عدم وجود تمثيل مجتمعي شعبي واضح لقيادات كفؤة وذات شرعية.
  • إن أي اتفاق سلام محتمل لا بدّ له كي يرى النور من حيث التنفيذ أن يعالج الأسباب الجذرية للصراع والتي تكمن في المستوى المجتمعي المحلي، من خلال صياغة عقد اجتماعي جديد يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المحلية للسكان ويتعامل مع ترتيبات مشاركة السلطة على مستوى الوحدات المحلية (المجالس المحلية) ضمن مظلة وطنية جامعة تقوم على حكم ديمقراطي عادل وشامل

مقدمة

في صراع اعتُبِرَ الأعنف والأعقد بعد الحرب العالمية الثانية، ودخل عامه التاسع ما بين نظام مستبد وشعب مُطالب بالحرية والعدالة والكرامة، وفي ظلّ انعدام الإرادة الدولية الجادّة لإيجاد مخرج حاسم ينهي معاناة أكثر من 13 مليون سوري ما بين مهجّر ونازح. هل تسعى الفواعل الدولية إلى تصميم حل سياسي لهذا الصراع على أساس "مشاركة السلطة" كأداة لإنهاء العنف وإحلال السلام فضلاً عن إرساء أسس الديمقراطية؟ وهل ستمثّل اللجنة الدستورية -التي تمّ اخترال ثورة شعبٍ بها- مدخلاً لهذا الحل؟ ما هو مفهوم مشاركة السلطة، ولماذا أصبح خلال العقود الأخيرة بمثابة "وصفة سحرية" وأداة مهيمنة من قبل المجتمع الدولي وصنّاع القرار لإنهاء الحروب الداخلية حول العالم؟

تناقش هذه الورقة التي اعتمدت كلاً من المنهجين الوصفي والتحليلي مفهوم مشاركة السلطة من ناحية نظرية ابتداءً، لتستعرض بعدها بإيجاز كلاً من التعاطي الداخلي والدولي مع الثورة السورية التي اندلعت في آذار 2011 وولجت عامها التاسع. ثم تناقش مدى إمكانية تطبيق مفهوم مشاركة السلطة على الواقع السوري في ظل المحاولات الدولية لاعتماده كأساس لأي اتفاق سياسي محتمل ينهي الصراع السوري، أسوةً بالعديد من الصراعات الداخلية حول العالم فيما تم وصفه "اتفاق الطائف السوري"([1]) أسوةً باتفاق الطائف اللبناني الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية في ثمانينيات القرن الماضي. ضمن محاولة للإجابة على الإشكالية الأساسية لهذه الورقة: ما جدوى تطبيق مشاركة السلطة كحل لإنهاء الصراع السوري؟

مفهوم مشاركة السلطة

شكل بيان جنيف في حزيران 2012 أول وثيقة دولية مشتركة حول سورية، قامت على أساس مشاركة السلطة بين نظام الأسد والقوى المعارضة له. ورغم التغيرات الكثيرة والشديدة التعقيد التي طرأت على الساحة المحلية والإقليمية والدولية وتأثيرها على مسار الملف السوري، بقي تطبيق بيان جنيف المطلب الأقرب لتحقيق حل عادل للصراع السوري من وجهة نظر المعارضة، في حين لم يؤيد نظام الأسد بشكل فعلي أية محاولة للحل منذ اندلاع الثورة السورية وإنما عمل على استراتيجية كسب الوقت والمناورة على هوامش المصالح الدولية المتصارعة.

يثير ما سبق تساؤلات حول جدوى تطبيق مبدأ مشاركة السلطة كأساس لاتفاق السلام المحتمل في سورية، مما يتطلب فهم نظري لمفهوم مشاركة السلطة بأبعاده المختلفة، في ضوء التجارب الكثيرة لتطبيقه كأداة لإنهاء أغلب الحروب الداخلية في العالم خلال العقود الأخيرة من قبل المجتمع الدولي.

لماذا مشاركة السلطة؟ من وصفة للتعدّديّة لأداة تحقيق السلام

مشاركة السلطة والمعروفة باللغة الإنكليزية بمصطلح Power Sharing؛([2]) هو تعبير ظهر في سبعينيات القرن الماضي في أعمال العالم الهولندي آرند ليبهارت الذي يعتبر الأب الروحي لمفهوم مشاركة السلطة في الغرب،([3]) حيث أسس نظرية "الديمقراطية التوافقية" عام 1977 من خلال دراسته للمجتمعات الأوروبية المنقسمة ذات المكونات المتعددة دينياً أو لغوياً. وهدف في هذه النظرية إلى استيعاب تلك الانقسامات ضمن المجتمع الواحد، من خلال مشاركة سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية وغيرها بين تلك المكونات مما يمكن أن يُجنّب المجتمع الانهيار بسبب تلك الانقسامات. ويعتبر نموذج ليبهارت من أشهر نماذج مشاركة السلطة، حيث لا تحتاج الأحزاب السياسية فيه إلى تشكيل أغلبية من جهة، ومن جهة أخرى تستطيع الأقلية فيه استخدام حق النقض (الفيتو) مما يفضي إلى مفاوضات جديدة حول القرارات المعترض عليها للوصول إلى توافق بين جميع المكونات ضمن الائتلاف الحاكم. أما الائتلاف الكبير الذي يشكّل أهم عناصر نموذج ليبهارت فهو عبارة عن نظام يتفق فيه الطرفان المتعارضان مع الأغلبية العظمى على تشكيل حكومة ائتلافية واحدة بالتعاون فيما بينهم في الأنظمة البرلمانية، بحيث تدير تلك الحكومة أحزاب متعارضة لكن متعاونة بدلاً من إيجاد أغلبية لكل واحد منهم على حدىً. ويكون ذلك عادةً بسبب عدم قدرة حزب واحد على حيازة نسبة الأغلبية في الانتخابات ليتمكن من الحكم بمفرده، فتحاول الأحزاب بناء تحالفات مع الأحزاب الصغيرة التي تشاركها الإيديولوجية أو تشابهها، فإن لم تكن هذه الائتلافات الصغيرة كافية تشكل الأحزاب الكبيرة ائتلاف بينها.

لاحقاً بنى باحثون غربيون على نظرية ليبهارت وأضافوا على التعددية عامل ما بعد الصراع، ليتحوّل هذا المفهوم مع مرور الوقت إلى أداة مهيمنة لإنهاء "الحروب الداخلية" وتحقيق السلام سواءً كان سببها الجذري صراعاً على السلطة أم غير ذلك، من خلال ضمّ معارضي الحكم إلى السلطة بطرق وآليات مختلفة.([4]) وتبعاً لذلك تم تضمين أحكام مشاركة السلطة في _شبه_ كامل اتفاقات السلام التي أعقبت الحروب الداخلية خصوصاً بعد نهاية الحرب الباردة (كالبوسنة ولبنان والعراق وأوكرانيا وإيرلندا الشمالية وجنوب السودان وسيراليون وجنوب إفريقيا وغيرها). وفي هذا الصدد يشير أحد تعريفات مشاركة السلطة بعد الحروب الداخلية إلى أنها عبارة عن: "مجموعة من المؤسسات التي تهدف إلى معالجة مشكلة موثوقية الالتزام" (رويدر وروتشيلد 2005)، بمعنى طرح مفهوم مشاركة السلطة كأداة لإنهاء الصراعات وتحقيق السلام في المجتمعات التعددية وحتى غير التعددية من خلال ضمّ معارضي الحكم للمشاركة في السلطة بما يشجعهم على إنهاء الصراع.

ويجدر التطرق هنا للمقصود بالحرب الداخلية دولياً، حيث أنه على الرغم من عدم وجود توافق حول تعريف الحروب أو الصراعات الداخلية والتي يشار إليها بمصطلح Intrastate war/conflict، إلا أنها توصف بحسب   UCDP (Uppsala Conflict Data Program) بأنها: [عنف سياسي متواصل يحدث بين مجموعات مسلحة تمثل الدولة؛ ومجموعة مسلحة أو أكثر لا تمثل الدولة (لا دولتية)، وعادةً ما يكون هذا العنف محصوراً داخل حدود دولة واحدة، حتى لو كان له أبعاد دولية كبيرة وامتدّ إلى دول مجاورة (كما في الحالة السورية)].([5])

وبالنتيجة، لا يوجد حتى الآن توافق حول ماهية مشاركة السلطة أو توافق على الهدف منه، وإنما يتم التركيز عند دراسة هذا المفهوم على نتيجتين محددتين ترجيان من تطبيقه وهما: تحقيق السلام وترسيخ الديمقراطية. إلا أن الدراسات التحليلية تختلف حول مدى الإسهام الحقيقي لمشاركة السلطة في تحقيق هاتين النتيجتين عند النظر في البلاد التي طبّقت فيها مشاركة السلطة بمختلف أنواعها حتى الآن، وحول العلاقة السببية بين مشاركة السلطة وتحقيق السلام أو ترسيخ الديمقراطية.([6])

مَن سيُشارك مَن؟ غنائم حرب أم تمثيل شرعي

في سياق البلدان الخارجة من حروب داخلية، تكمن أهمية "مَن سيشارك السلطة مع مَن" في طمأنة الأطراف المتصارعة حول مخاوفهم تجاه الحُكم والتحكم بالموارد من جهة، وفي طمأنة مكونات المجتمع المختلفة –وعلى الأخص في المجتمعات التعددية-تجاه مدى وطبيعة مشاركتهم في صنع القرار الوطني والمحلي خصوصاً من حيث أمنهم ومصالحهم من جهة أخرى.

من هنا، انعكس التعبير عن آلية مواجهة تلك المخاوف على تعريفات مشاركة السلطة المختلفة. حيث اعتبر بعض الباحثين أن مشاركة السلطة هو عبارة عن "ضمّ المعارضين السياسيين أو "المتمردين" في حكومة مشتركة".([7])  مما يعني حكومة وحدة وطنية على المستوى التنفيذي (كما في حالتي كينيا وزمبابوي ومؤخراً جنوب السودان)، أو جيش وطني يضمّ فصائل المعارضة مع الجيش الرسمي للحكومة على المستوى العسكري (كما في رواندا والكونغو وبوروندي)، أو منح المعارضين صلاحيات من السلطة المركزية على الأراضي التي تمكنوا من السيطرة العسكرية عليها على المستوى المحلي أو الإقليمي أو استقلال جزئي أو كلي (كما في البوسنة). ووفقاً لهذا التصوّر، فإن منح المعارضة للنظام الحاكم حصصاً مضمونة في سلطة الحكم بدلاً من الاقتصار على السماح لهم بتشكيل الأحزاب والتنافس معه في الانتخابات، سيغريهم بإنهاء الحرب وتوقيع اتفاق السلام.([8]) في حين انتُقِدَ هذا التصوّر بشدّة من قبل آخرين بحجّة أنه بمثابة تقديم الحكم كمكافأة لمرتكبي العنف (سواءً من جانب الدولة أو معارضيها) من خلال تقسيم "كعكة" السلطة بينهم، وبأن مشاركة السلطة لا يمكن أن تكون حلاً لإنهاء الصراع في حال كان سبب الحرب أصلاً أحد أطرافه، كحكومة استبدادية غير شرعية أصلاً، أو معارضة طامعة بالتحكم بموارد الدولة، مما سيؤدي إلى المزيد من العنف وليس إلى إحلال السلام أو الديمقراطية، إلى جانب أن هذا التصوّر يتجاهل الأسباب الجذرية التي أدّت لنشوب الحرب أساساً، وأخيراً أنه يعكس توازن القوى على طاولة المفاوضات في لحظة إنهاء الصراع بدلاً من أن يعكس نتائج الانتخابات الشعبية.

بالمقابل، اعتبر باحثون آخرون أن مشاركة السلطة تكون بين الشرائح المختلفة الهامة في المجتمع (العرقية أو اللغوية أو الإثنية أو الدينية)، حيث يوصف تعاونهم على أنه "تعاون النخب" لا بدّ أن ينعكس مع مرور الوقت على المكونات المجتمعية بمستوياتها المختلفة –الوطنية والمحلية- ليصبح تعاون جمعي لا يقتصر على النخب السياسية.([9]) ويتطلب هذا التصوّر العمل بنظام الحكم البرلماني (وليس الرئاسي) مما يضمن تمثيل المكونات المختلفة في الحكم (كما في لبنان)، إلى جانب الأخذ بالتمثيل النسبي في الأنظمة الانتخابية، مع تخصيص حق النقض (ڤيتو) للأقليات في البرلمان لمنحهم إمكانية تعطيل القرارات التي تتعارض مع مصالحهم، إلى جانب إعطاء بعض الاستقلالية للأقاليم ذات الخصوصية الثقافية كاللغة على سبيل المثال (كما في بلجيكا).([10]) إلا أن هذا الرأي انتُقِد أيضاً بحجة أن التركيز على المكونات المختلفة للمجتمع سيعزّز الانقسامات المجتمعية ويزيد من الخلافات بينها من خلال إحلال الهوية العرقية أو الإثنية بدلاً من المواطنة مما يمكن أن يشعل حرباً أهلية مع الوقت بدلاً من تحقيق السلام وتجنّب الصراع وقد يشجع الحركات الانفصالية أيضاً.([11]) كما أن التركيز على تنوّع المكونات يمكن أن يطغى على معايير الكفاءة والفعالية عند تشكيل الحكومة، وقد يؤثر على استقرارها لا سيما عندما تكون الدولة ضعيفة وغير ديمقراطية.([12])

وبالنتيجة، انقسم علماء مشاركة السلطة حول الأطراف المشاركة لسلطة الحكم بحسب الغاية من مشاركة السلطة، ما بين أولوية إنهاء الصراع وإحلال السلام من خلال إرضاء الأطراف المتحاربة من جهة، وترسيخ دعائم الديمقراطية من خلال تمثيل شامل لمكونات المجتمع المختلفة مما يسهم بدوره بإحلال السلام كذلك من جهة أخرى.

الاتجاهات التقليدية والحديثة لمشاركة السلطة

يتمحور مفهوم مشاركة السلطة عموماً حول سلطة الحكم، وبشكل محدد أكثر يقصد به سلطة التحكم بموارد الدولة، سواءً كانت الأرض (الإقليم) أو الموارد الطبيعية والبشرية (الاقتصادية) أو السلاح وقوة الدولة العسكرية (الجيش) أو قرار الدولة التنفيذي أو التشريعي (السياسة). بحيث يتشارك في هذه السلطات أو بعضها المجموعات الممثلة لمكونات المجتمع بما يضمن عدم استخدام أي مجموعة لأي من تلك السلطات بشكل يهدد مصالح المكونات الأخرى. ومن هنا كان أحد التصنيفات التقليدية لمشاركة السلطة يتضمن أربعة أشكال: 1) مشاركة السلطة الإقليمية؛ 2) مشاركة السلطة الاقتصادية؛ 3) مشاركة السلطة العسكرية؛ 4) مشاركة السلطة السياسية. ويمكن تبرير هذا التصنيف التقليدي الموجود في أغلب الأدبيات الغربية باتّسام بيئة ما بعد الصراع وخصوصاً في المجتمعات التعدّدية بعدم الاستقرار وكثرة المخاوف المتعلّقة بأدوات التحكّم وتوزيع الموارد بين مكونات المجتمع. كما يزيد من حدّة تلك المخاوف وجود تاريخ من المظلوميّات أو التهميش الثقافي أو الاقتصادي أو السياسي تجاه بعض الفئات المجتمعية. ومن هنا كانت الحاجة للأبعاد المتعددة لمشاركة السلطة كأداة لإحلال السلام في مجتمعات ما بعد الصراع.

وحول مدى تطبيق هذه الأنواع الأربعة لمشاركة السلطة، خلصت دراسة تحليلية قامت بها آنا جارستد Anna K. Jarstad عام 2008 شملت جميع اتفاقيات السلام التي أعقبت الحروب الداخلية خلال الفترة من 1989 إلى 2004، بأنه من أصل اتفاقات السلام الموقعة خلال تلك الفترة يوجد 33 اتفاق مشاركة سلطة إقليمية، 36 اتفاق مشاركة سلطة سياسية و29 اتفاق مشاركة سلطة عسكرية، وبالتالي تعتبر اتفاقات مشاركة السلطة السياسية هي الأكثر عدداً في اتفاقات السلام الموقعة.([13]) أما من حيث قدرة هذه الاتفاقات على البقاء فيرى الباحث فيليب مارتن Philip Martin في تحليل أجراه عام 2013 على 156 اتفاقية سلام موقعة بين عامي 1989 و2008 أن اتفاقات مشاركة السلطة الإقليمية هي الأكثر قدرة على الحياة على عكس الاتفاقات الأخرى، وأن هذا النوع من الاتفاقات يواجه خطر الانهيار في الفترة الأولى من دخوله حيز التنفيذ فقط (9% فقط من اتفاقات مشاركة السلطة الإقليمية تفشل في الأشهر الخمسة الأولى من توقيع الاتفاق) في حين يستمر أكثر من ثلثي هذه الاتفاقات لأكثر من خمس سنوات دون تجدّد الصراع. ويحيل كلاً من جارستد ومارتن السبب في استدامة اتفاقات مشاركة السلطة الإقليمية لفترات أطول من غيرها لعامل الكلفة الكبيرة التي يحتاجها هذا النوع من المشاركة من حيث إعادة هيكلة مؤسسات الدولة وتشريعاتها، مما يجعل كلفة النكوث بالاتفاق كبيرة جداً، إلى جانب شعور الأمان الذي يوفره الاستقلال الذاتي والتمتع بسلطة اتخاذ القرار على المستوى المحلي للمكونات المختلفة وخصوصاً الأقليات.([14])

من جهة أخرى تقترح الباحثة السويسرية نيكول توبروين Nicole Töpperwien (2018) عدم التركيز على تسمية ونوع مشاركة السلطة والتركيز بدلاً عن ذلك على الاحتياجات الحقيقية للناس في سياق كل بلد بشكل منفصل ومن ثم تصميم نموذج يلبي تلك الاحتياجات بغض النظر عن التسمية، وتشير لمشاركة السلطة السياسية الأفقية التي تتم فيها مشاركة السلطة ضمن مستوى واحد من الحكومة (سواءً على مستوى المركز أو مستوى المحليات) كما في نموذجي الهند ولبنان، مقابل المشاركة العمودية للسلطة حيث يتم تشارك السلطة على مستويات مختلفة من الحكم، بمنح مناطق جغرافية بعينها أو مجموعات معينة قدر من الصلاحيات والموارد لتنفيذ سياساتها واتخاذ قراراتها الخاصة، سواءً كانت تلك الصلاحيات والموارد موزعة بالقدر نفسه بين تلك المناطق أو المجموعات فتسمى متماثلة (أو متناظرة) أو بقدر متفاوت وتسمى غير متماثلة (أو غير متناظرة). ويمكن أن تأخذ مشاركة السلطة العمودية عدة أشكال كالحكم الذاتي والفيدرالية أو الكونفدرالية، ومن نماذجها الولايات المتحدة الأمريكية.([15])

الصراع السوري: بين انتفاضة شعب وتعاطي دولي قاصر

أسهم وجود عدد من الأقليات الدينية والعرقية في سورية في تحفيز مقترحات مشاركة السلطة كحل للصراع السوري أسوةً بالعديد من التجارب حول العالم في استخدام مشاركة السلطة كأداة لإنهاء الحروب الداخلية وخصوصاً في المجتمعات التعددية. إلا أن اشتمال المجتمع السوري على عدة مكونات واستخدام البعد الطائفي وتأجيجه خلال سنوات الحرب، لا يكفي لاعتبار الصراع السوري "صراع هويّات" وإغفال المسبّبات الجذرية للصراع من مطالب شعبية باستعادة الحريات والقضاء على الفساد والتوزيع العادل للثروة وتطبيق الحكم الرشيد، في مواجهة نظام يستخدم الأذرع الأمنية لحماية حكمه بدلاً من حماية الشعب.

إن أي حلّ محتمل للصراع السوري لن يحظى بالنجاح فضلاً عن الاستدامة ما لم يعالج الأسباب الجذرية للصراع من جهة، ويراعي المشاركة المجتمعية بكافة شرائحها على المستوى المحلي وصولاً إلى النخب وليس العكس من جهة ثانية. فضلاً عن أخذ السياق الذي تفاعل فيه التعاطي السياسي الداخلي والدولي مع الثورة السورية وسيرورته بعين الاعتبار قبل اختبار أي حلّ "محتمل" للصراع السوري من جهة ثالثة.

ثورة آذار 2011: انتفاضة شعب أم حرب أهلية

يعتبر المجتمع السوري مجتمع ذو نسيج تعددي من حيث اشتماله على عدة مكونات دينية ومذهبية، يمثل المسلمون السنة أغلبيتها بنسبة تقارب 70% من سكان سورية وتنقسم باقي النسبة بين العلويين والمسيحيين والدروز والشيعة والاسماعيليين واليزيديين. أما من حيث القوميات فيشكل العرب الغالبية العظمى من السكان في حين يمثل الكرد ما تقارب نسبته 9% منهم إلى جانب بعض المجموعات العرقية الأخرى الأصغر كالشركس والسريان والأرمن.([16]) وعلى الرغم من بعض التوترات التي حصلت بين المكونات المختلفة على مر السنين إلا أن الشعور بالهوية الوطنية السورية كان حاضر دائماً، حيث ورثت سورية التقاليد الاجتماعية المتسامحة التي طبعت تاريخ المنطقة.

استطاع نظام الأسد منذ سيطرته على الحكم عام 1971 تحقيق استقرار ظاهري في سورية من خلال سياسة القمع الأمنية لمختلف المكونات السورية على حساب حقوق الإنسان وتطبيق الديمقراطية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ودأب على اتباع سياسات ذات أبعاد طائفية وتبنّى عدة مقاربات متناقضة. حيث وضع حافظ الأسد نفسه كعدو لإسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى حافظ على التهدئة التامة معها على الحدود. كما روج للهوية العلمانية في سورية وفي نفس الوقت زرع المخاوف بين الأقليات (العلويين والدروز والمسيحيين) حول مخاطر الهيمنة السنية. ورغم اتباعه مركزية قوية للحزب الحاكم الأوحد (حزب البعث) عزز سلطة الجماعات القبلية والدينية المحلية في سورية.([17]) محاولاً من خلال تلك المقاربات المتناقضة تأصيل عدم الثقة بين السوريين ممّا من شأنه أن يمنع أو يُحبط أي محاولة للانقلاب عليه، ويعيق تأسيس أي كيان وطني جامع وموحّد يطمئن مختلف المكونات السورية.

رغم تلك السياسات التي استخدم الأسد لتطبيقها الأجهزة الأمنية ومؤسسات الجيش والدولة، إلا أن الشعب السوري وجد في الربيع العربي فرصة للانتفاض في آذار 2011 بمختلف مكوناته الدينية والقومية وبمختلف شرائحه الجغرافية والثقافية في مواجهة الاستبداد السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي ضاق به لأكثر من أربعة عقود.([18]) وفي الوقت الذي واجه نظام الأسد هذه الانتفاضة بخطاب طائفي في محاولات لكسب تأييد الأقليات وحرف الثورة من مطالب شعبية ضد الاستبداد إلى مخاوف أقليات في مواجهة الأكثرية السنية من جهة أو من خلال محاولات وصفها بالإسلامية والتبعية للدول النفطية والإمبريالية العالمية. كما قام بمحاولات تسليح الأقليات بحجة الدفاع عن النفس بمواجهة الأغلبية السنية،([19]) وفي محاولة منه كذلك للترويج دولياً أن ما يحدث هو حرب أهلية وشأن داخلي تتعامل معه الدولة صاحبة السيادة وليس ثورة ضد الحكم نفسه من جهة أخرى.([20]) في ذات الوقت كانت تجمعات الحراك الثوري تؤكد في خطابها –من خلال الإعلام ولافتات المظاهرات الشعبية- أنها ثورة شعب واحد بمختلف مكوناته هادفة لإسقاط نظام الاستبداد والقمع والفساد.([21]) ثم ما لبث نظام الأسد أن أضاف للبعد الطائفي بعداً آخر مع تصاعد العسكرة وهو مكافحة الجماعات الإرهابية المسلحة.([22])

لقد حال عددٌ من العوامل الذاتية (كتجذّر الفساد وانعدام الثقة بين المكونات السورية الذي رسخه نظام الأسد خلال عقود حكمه) والموضوعية (كالشعور الشعبي بالخذلان تجاه التعاطي الدولي السلبي مع الحراك السلمي ومطالب الثورة) دون نبذ البعد الطائفي عن الصراع السوري؛ فضلاً عن أبعاد أخرى إيديولوجية واستقطابية أخرى ساهمت بمجموعها في حرف مسار الثورة السورية اجتماعياً وسياسياً وحتى عسكرياً، ليصبح إيجاد حل سياسي للصراع السوري مسألة شديدة التعقيد ومتعددة الأبعاد. في حين لاقت كلاً من ذريعتي الأقليات ومكافحة الإرهاب رواجاً دَعَمه حلفاء النظام مع مرور الوقت، لتتشكّل السرديّة الرسمية التي يتمسّك بها نظام الأسد محلياً ودولياً في حربه ضد الشعب المطالب بالحرية والكرامة والعدالة بمختلف مكوناته وشرائحه.

الموقف الأممي من الثورة السورية: محاولات غير جدّية للحل

تطورت المحاولات لإيجاد حل سياسي للصراع بعد أشهر من انطلاق الثورة بجهود إقليمية بدايةً ثم دولية،([23]) فتم تعيين كوفي عنان كأول مبعوث أممي مشترك من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة للصراع السوري في كانون الثاني/يناير 2012.  واتّسمت فترة وساطته بتحول الثورة إلى طور العسكرة انطلاقاً من دفاع الثوار عن النفس تجاه بطش نظام الأسد وحماية المناطق الخارجة عن سيطرته. ركز عنان بشكل أساسي خلال فترة ولايته التي دامت حوالي سبعة أشهر (من يناير حتى آب 2012) على وقف إطلاق النار وبدء عملية سياسية يقودها السوريون.([24]) وتمخّضت تلك الفترة عن صدور بيان جنيف القائم على أساس مشاركة السلطة في حزيران 2012،([25]) والذي يعتبر أول وثيقة دولية مشتركة حول سورية.([26]) إلا أن الانقسام الدولي في مجلس الأمن وغياب الثقة بين طرفي الصراع حال إلى جانب أسباب داخلية وخارجية أخرى دون ترجمة البيان إلى اتفاق،([27]) وبالتالي دون نجاح عنان في وساطته وتصاعد العنف على الأرض.([28])

خلف الابراهيمي عنان كمبعوث مشترك أيضاً لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، واتسمت فترة وساطته التي استمرت لما يقارب سنة ونصف (من آب 2012 حتى شباط 2014) بتقدّم المعارضة عسكرياً على الأرض إضافةً لتأسيسها كيان سياسي (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية) كممثل شرعي لسورية باعتراف دولي -مما عزّز الانقسام في مجلس الأمن وزاد من انعدام الثقة بين نظام الأسد والمعارضة لتمسّكهم بالحل العسكري-.([29]) إضافةً إلى ظهور داعش، واستصدار مجلس الأمن القرار رقم 2118 في أيلول 2013 عقب ارتكاب نظام الأسد مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية آب 2012 وما نجم عن ذلك من عقد الجولة الثانية من محادثات جنيف في شباط 2014 بحضور الأطراف لأول مرة وجهاً لوجه، ولكن دون أي تقدّم في المحادثات التي ما لبثت أن انهارت لعدم جدّية نظام الأسد بالانخراط بالعملية السياسية.

عيّنت الأمم المتحدة ستيفان دي مستورا كمبعوث خاص لها في الصراع السوري بعد استقالة الإبراهيمي، لتستمر وساطته ما يقارب أربع سنوات ونصف (من تموز 2014 حتى نوفمبر 2018) اتّسمت بعدد كبير من المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي أثرت بشكل جوهري على سير الملف السوري. ومن أبرز تلك المتغيرات: توقيع الاتفاق النووي الإيراني في نيسان 2015؛ التدخل الروسي العسكري على الأرض لدعم قوات نظام الأسد في أيلول 2015 وما تبعه من استعادة نظام الأسد وحلفائه لمساحات واسعة من سيطرة المعارضة؛([30]) وتصاعد موجات اللاجئين إلى أوروبا بطرق شرعية وغير شرعية مع تصاعد القتل والدمار على الأرض.

أسفر ما سبق عن انحراف في الموقف الدولي تجاه رحيل الأسد من حيث اعتباره أهون الشرّين بعد بدء داعش بالتوسع والتخوف من الانفلات في المنطقة، ونجم عن ذلك تقارب بين مصالح ومواقف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، أدى بدوره لتأسيس مجموعة دعم سورية الدولية ISSG وإصدار بيان فيينا كخطة للسلام في سورية تدعو لتجديد المحادثات والانتقال السياسي خلال ستة أشهر وإجراء انتخابات في غضون 18 شهر.([31]) وكان من أحد تفسيرات بيان فيينا خاصة بالنظر لتوقيته (بعد التدخل الروسي بشهر ونيّف) أنه أتى كتشكيل لإطار سياسي دولي جديد وفق معطيات التدخل الروسي الذي أراد –بموازاة الفعل العسكري على الأرض- التأثير على مرجعية جنيف عبر الدخول في تعريف تنفيذي يزيد من سيولة الانتقال كمفهوم، بالإضافة إلى ضبط أدوار الفاعلين الإقليمين (كالأردن) وطلب تحديد الحركات الإرهابية (كالسعودية)، وطلب إعادة تنظيم المعارضة لتغدو بنية مليئة بالتناقضات. صادق مجلس الأمن على خطة فيينا بالقرار 2254 في كانون الأول/ديسمبر 2015. ثم ما لبث تكثيف حدة التدخل الروسي العسكري على الأرض وبدء روسيا عملية وساطة موازية (مسار أستانا) في تحدٍّ للمسار الأممي أن زاد من حدّة التوتّر بين العلاقات الروسية الأمريكية. وتبع ذلك تمخُّض مسار أستانا عن اتفاق على إقامة مناطق خفض تصعيد سمح في الواقع لنظام الأسد باستعادة مناطق استراتيجية هامة من سيطرة المعارضة إلا أنه ما لبث أن انهار دون أي تحسّن في وضع المدنيين.([32])

وبالمقابل نجم عن استئناف مسار جنيف خلال عام 2017 الاتفاق على جدول أعمال للمفاوضات يتضمن أربع سلال: الحوكمة والدستور والانتخابات وقضايا مكافحة الإرهاب وحوكمة الأمن. وبالنتيجة أصبح مسار جنيف معني بالقضايا السياسية في حين تم تخصيص مسار أستانا للقضايا العسكرية، إلى أن نظمت روسيا مؤتمر سوتشي الذي قوض مسار جنيف لصالح إصلاح دستوري تقوم به لجنة دستورية لم يتمكن دي مستورا رغم سعيه الحثيث من الوصول للإعلان عن تشكيلها قبل استقالته، وتعيين غير بيدرسون خلفاً له في نوفمبر 2018

 

مشاركة السلطة والواقع السوري: بين صراع الهويات والسيادة الوطنية

تحدّد الأدبيات الغربية صراع الهوية بثلاثة عناصر: الهوية والأمة والدولة. حيث تعرف جماعة ما بأنها هوية عندما يشترك القسم الأكبر منها بسمات مميزة ثقافية أو دينية أو لغوية أو عرقية، وتتحول هذه الجماعة إلى أمة عندما تطور إيديولوجية خاصة بها وتطالب بحقها في تقرير مصيرها على إقليم محدد، وفي حال تطورت هذه الأمة إلى شعب ذو سيادة فإنها تتحول إلى دولة. ووفقاً لذلك يرى باحثون أن الأمة هي عبارة عن الروابط بين أعضاء المجتمع ويعبر عنها بالانتماء، بينما الدولة هي البناء القانوني الذي تنشؤه هذه الأمة وتستطيع تغييره بحسب احتياجاتها، ويعبر عن ذلك بالمواطنة من خلال عقد اجتماعي يضمن المساواة بين جميع المواطنين في الدولة حسب الباحث رينان (Renan 1970). وبالتالي فإن صراع الهوية يظهر بمجرد التعارض بين مصالح الدولة (حق السيادة) ومصالح الأمة أو الأمم المشكلة لها (حق تقرير المصير) ومثال ذلك التطلعات الكردية في سورية والعراق وإيران وتركيا. ([33])

ويكون تفاعل الدولة مع هذا الصراع بحسب الباحث ماينز Maynes  (1993) وفق أحد السيناريوهات التالية:([34])

  • التطهير العرقي: كما حدث في يوغسلافيا السابقة ورواندا وتشيك سلوفاكيا.
  • التقسيم: كما حدث في الهند وتأسيس الباكستان، والسودان وتأسيس جنوب السودان.
  • القمع: كما حدث في سورية والعراق (الأنظمة الشمولية).
  • مشاركة السلطة: كما في لبنان والهند وعدد من الدول المتقدمة كسويسرا وبلجيكا وهولندا.

وبالمقارنة مع الحالة الأكثر وضوحاً للحرب الأهلية في لبنان 1985-1990 بين مكونات هوياتية واضحة دينية أو مذهبية، نجد أن الصراع السوري ضمّ في مختلف أطرافه عدد من المكونات المتنوعة، تمايزت في معظمها على أساس واضح هو معارضة نظام الأسد أو تأييده وليس على الأساس الإثني أو القومي. وبالتالي فإنه لا بدّ لنا قبل الحديث عن مضمون الحل السياسي في سورية، من اختبار كلّ من الفرص والتحدّيات، واختبار مدى توفر عوامل مشاركة السلطة في سورية كأساس محتمل لاتّفاق السلام الموعود.

مشاركة السلطة في سورية: بين الفرص والتحديات

في سياق الحديث عن احتمال تطبيق مشاركة السلطة كأساس لاتفاق سلام محتمل في سورية أسوةً بالعديد من الصراعات في العالم، سواءً من خلال مشاركة السلطة السياسية (حكومة وطنية مشتركة) أو مشاركة السلطة العسكرية (جيش وطني) أو العمودية (توزيع أجهزة الدولة بين المكونات المختلفة) أو غير ذلك من أنماط مشاركة السلطة، يرى البعض أن الدروس المستفادة من تجارب مشاركة السلطة حول العالم لا تُبشّر بتحقيق ما صُمّمت من أجله، حيث بقيت في معظمها قاصرة عن إحلال السلام بعد الحروب فضلاً عن إرساء الديمقراطية. وفيما يلي الإيجابيات والسلبيات الأكثر بروزاً لمشاركة السلطة بحسب الأدبيات والدراسات التحليلية للتجارب السابقة والمشار إليها أعلاه:

إيجابيات مشاركة السلطة

سلبيات مشاركة السلطة

طمأنة الأطراف المتصارعة من خلال تقسيم الحكم فيما بينهم

مكافأة السلوك العنيف لأطراف الصراع (أمراء الحرب) من خلال تقسيم "كعكة" الحكم بينهم

طمأنة الأقليات عموماً من خلال إشراكهم في صناعة القرار

إيجاد شكل استبعادي للمواطنة يستند فقط إلى الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية الجامعة

المساعدة على إنهاء الصراع من خلال تحفيز الأطراف المتصارعة على توقيع الاتفاق مقابل حصص في الحكومة

إيجاد حكومات غير مستقرة

توزيع وظائف الدولة لصالح الهويات على حساب الكفاءة والفعالية والشرعية مما يتعارض مع الديمقراطية

تعاون النخب السياسية الذي لا بدّ أن يتطور مع الوقت ليصبح تعاون على المستوى المجتمعي

تركز السلطة بيد النخبة مما يتجاهل حاجات المواطنين العاديين

توزيع المشاركة في القرار الحكومي بحسب توازن القوى على طاولة المفاوضات بدلاً من نتائج الانتخابات الشرعية

 

وبالنظر في تجارب الدول المجاورة، نجد أن تطبيق اتفاقات مشاركة السلطة أسفر عن أنظمة تقوم على الهوية الشيعية والسنية والكردية وتتجاهل الديناميكيات الوطنية والاجتماعية والمحلية وغيرها مما ساهم بترسيخ العنف والأزمات السياسية (كما في حالة العراق)، أو خلّف حالة من عدم الاستقرار الحكومي إلى جانب الفوضى السياسية وتشتّت الهوية الوطنية الجامعة لصالح الهويات الفرعية المرتبطة غالباً بولاءات خارجية (كما في حالة لبنان). وبالتالي فإن تلك النماذج في لبنان والعراق وجنوب السودان واليمن وغيرها تثبت أن مجرد اتفاق مشاركة السلطة لا يضمن السلام الدائم والاستقرار، وخصوصاً مع وجود شبه إجماع على عدم تفكيك بنية الدولة السورية –بما في ذلك الأمن والجيش-خوفاً من الفوضى لعدم تكرار ما حدث في العراق 2003.([35])

لذلك كان من المفيد الاستئناس بكل من تجارب لبنان (اتفاق الطائف) والبوسنة (اتفاق دايتون) وإيرلندا الشمالية (اتفاق الجمعة العظيمة) عند دراسة جدوى تطبيق مشاركة السلطة في سورية، للنظر بمدى نجاح ما هدفت له تلك الاتفاقات بعد مرور عقود على توقيعها.

إلا أن أي اتفاق سلام محتمل لا بدّ له كي يرى النور من حيث التنفيذ أن يعالج الأسباب الجذرية للصراع والتي تكمن في المستوى المجتمعي المحلي (العدالة والكرامة والحرية) من خلال صياغة عقد اجتماعي جديد يأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المحلية للسكان ويتعامل مع ترتيبات مشاركة السلطة على مستوى الوحدات المحلية (المجالس المحلية) ضمن مظلة وطنية جامعة تقوم على حكم ديمقراطي عادل وشامل. ويمكن الإشارة إلى عدد من الاعتبارات التي يجب التعامل معها عند تصميم أي حل سياسي للصراع السوري:

  • عدم جعل أي اتفاق (سواءً كان على أساس مشاركة السلطة أو غيره) طويل الأمد أو غير محدد بزمن، حيث يرى البعض أن ذلك من أهم أسباب إخفاق اتفاقات مشاركة السلطة وخصوصاً اتفاق الطائف في الحالة اللبنانية، مما رسخ الانقسامات الإثنية على حساب الإصلاح السياسي حتى اليوم. في حين أن ميثاق دستور جنوب إفريقيا التأسيسي لعام 1993 عالج هذه المشكلة من خلال ما يسمى "بند الغروب" الذي يحدد تاريخ إنهاء العمل باتفاق مشاركة السلطة بعد خمس سنوات من توقيعه.([36]) بشكل يتيح بعد هذا التاريخ الانتقال لنظام شامل أكثر استدامة.
  • تأهيل المعارضة على أهم الوظائف الأساسية في الدولة للتمكن من العمل وفق الأنظمة المؤسسية للدولة لا سيما في حال وضع ترتيبات لمشاركة السلطة حال تطبيقها، منعاً لحدوث أي تدليس أو تلاعب مستقبلي يؤدي إلى فشل الأطراف الشرعية في إدارة الحكم ومؤسسات الدولة، وبالتالي سيكون من الملحّ الحفاظ على بعض المؤسسات لا سيما الخدمية من أجل تسهيل الانتقال وضمان الاستقرار.
  • التعامل مع مشكلة أدوار اللاعبين الخارجيين، من حيث التخلص التدريجي من التدخل الخارجي بالتزامن تعزيز الملكية الوطنية اللازمة لضمان استدامة أي حل، ويساعد في ذلك أيضاً شرط الغروب المذكور أعلاه بالإضافة إلى العمل على المستوى المحلي لتعزيز استعادة الملكية من قبل الشعب.

المحاولات الدولية لتطبيق مشاركة السلطة في سورية

رغم فشل كوفي عنان في التوصل لاتفاق على أساس مشاركة السلطة إلا أن وساطته تمخضت عن صدور بيان جنيف في حزيران 2012 الذي ينص على تأسيس هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة مكونة من النظام والمعارضة، على الرغم من بقاء البيان غامضاً من حيث تحديد من سيشارك السلطة مع من، وبعبارة أخرى تحديد أطراف المعارضة وأطراف النظام المعنيين بعضوية هيئة الحكم الانتقالية. حاول الابراهيمي (الوسيط الثاني في الصراع السوري بعد عنان) في جنيف 2 عام 2014 كذلك تطبيق مشاركة السلطة السياسية من خلال محاولة ترجمة بيان جنيف 2012 إلى اتفاق، إلا أن الانقسام الدولي وغياب الثقة بين الأطراف حال دون ذلك. ولم تفلح كذلك محاولات دي مستورا بتطبيق خطة التجميد (مناطق خفض التصعيد) أو حتى تشكيل لجنة دستورية بتمثيل حقيقي للشعب السوري كخطوة نحو مشاركة السلطة.

ورغم اعتقاد بعض الباحثين أن جزء من عوامل مشاركة السلطة متوفرة في سورية، إلا أن آخرين يرون أن وجود الأكثرية السنية (ما يقارب 70%) خصوصاً مع الانقسامات ضمن السنة أنفسهم (إيديولوجياً) إضافة إلى التهجير الداخلي والخارجي بأعداد ضخمة، وعدم تماثل الأقليات (العلويين، المسيحين، الكرد، التركمان، الشيعة، الشركس، الدروز، الاسماعيليين وغيرهم) في الحجم، يجعل التوازن في السلطة بين المكونات المختلفة أمر غير ممكن. يضاف إلى ذلك عدم التركز الجغرافي للمكونات المختلفة حيث يمثل السنة أغلبية في بعض المدن وأقلية في أخرى، وأخيراً تعذّر حكم النخب بسبب عدم وجود تمثيل مجتمعي شعبي واضح لقيادات كفؤة وذات شرعية.([37])

وبالتالي فإنه وبغض النظر عن طبيعة الاتفاق السياسي القادم يجب إيلاء أهمية أكبر لكيفية الوصول للاتفاق وليس فقط ماهية الاتفاق. وبعبارة أخرى، يجب على أي جهد لبناء السلام في سورية أن يتزامن مع بناء السلام على المستوى المحلي والمشاركة المجتمعية لكافة المكونات بحيث يعبّر عن مطالب مختلف مكونات الشعب السوري ويمثلها بشكل حقيقي من جهة، وأن يحافظ على الهوية السورية الوطنية كمظلّة جامعة لمختلف الهويات السورية الفرعية من جهة أخرى.([38]) ومن هنا تبرز الحاجة إلى نظام حكم يحقق التوازن بين الحقوق الفردية (المواطنة) وحقوق المكونات الثقافية المختلفة ويضمن ذلك دستورياً تحت طائلة المساءلة وبدعم إقليمي ودولي بشكل يتلافى العيوب التي أنتجتها هذه النماذج في الدول الأخرى وفق نهج تصاعدي Bottom-up وليس مفروض من الأعلى Top-down كما حدث في العراق، ويضمن الوصول إلى حكومة كفؤة تعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة التي تضفي عليها الشرعية وتلبي بمؤسساتها احتياجات المكونات المختلفة بما يطمئن مخاوفهم.([39])

وبحسب نظرية الديمقراطية التوافقية وهي النموذج الأشهر لمشاركة السلطة، يمكن تصور العناصر الأساسية لنموذج مشاركة للسلطة في سورية وفق حكومة ائتلافية واسعة تضم ممثلين عن مختلف المجموعات الدينية أو العرقية الرئيسية إلى جانب منح استقلالية ثقافية للمجموعات تمكنهم من إدارة شؤونهم بأنفسهم؛ واعتماد مبدأ التمثيل النسبي كنظام انتخابي على مستويات مختلفة من حيث توزيع الحصص في أجهزة الدولة (كوتا) والتمثيل في البرلمان (أداة التصويت) وتوزيع الموارد العامة؛ مع منح الأقليات حق النقض (فيتو) ما يتعلق بأمور التنمية والشؤون الثقافية. إلا أن تطبيق هذا النموذج يطرح العديد من التحديات والمخاطر التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تصميم أي عملية لبناء السلام المستدام في سورية. ومن أبرزها:

  • استدامة الانقسامات العرقية من خلال مأسسة الهويات الفرعية سياسياً وتمكينها على حساب الهوية الوطنية الجامعة؛
  • عرقلة المصالح الوطنية الجمعية تحت ذريعة حماية قيم المكونات المختلفة ومصالحها بما يقوّض مبادئ الحكم الرشيد؛
  • الاعتماد على "النخب" دون تمثيل حقيقي وشرعي للسكان في سبيل إرضاء أطراف الصراع على طاولة المفاوضات بدلاً من آلية انتخاب نزيهة وعادلة، مما من شأنه أن يقوّض أي ممارسة ديمقراطية محتملة؛
  • تقويض مبدأ المواطنة لصالح قيمة الانتماء الهوياتي، مما من شأنه أن يقوض المصالح والحقوق الفردية لصالح الحقوق الثقافية للمكونات الهوياتية؛
  • تحقيق استقرار مؤقت غير مستدام، بسبب الإبقاء على احتمال التعارض بين مصالح المكونات المختلفة ومصالح الدولة مما سيفضي إما إلى استبداد النظام الحاكم من جديد في وجه المكونات المعارضة له أو إلى حرب أهلية بين تلك المكونات؛
  • آنية الاستقرار السياسي على حساب التنمية وتلبية احتياجات الناس ومبادئ الديمقراطية والحوكمة؛
  • عرقلة حلّ المشاكل المجتمعية بين المكونات المختلفة لصالح التركيز على حل المشاكل المجتمعية ضمن تلك المكونات.

خاتمة

مع دخول ثورة آذار 2011 عامها التاسع، وكثرة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي أثرت بشكل كبير على الصراع السوري. ومع تعدّد وتنوّع الدراسات حول الحلول المتوقعة لإنهاء الصراع، حاولت هذه الورقة الجمع بين الأساس العلمي لمشاركة السلطة كأداة مهيمنة عالمياً لإنهاء الحروب الداخلية بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم من قبل المجتمع الدولي وبناة السلام، وبين ظروف الواقع السوري وأهم المعطيات التي تتقاطع مع هذا المفهوم بإيجابياته وسلبياته.

فعلى الرغم من السياسات الداخلية التي اتّبعها نظام الأسد على مرّ عقود حكمه والتي سعى من خلالها إلى زرع الطائفية وعدم الثقة بين المكونات السورية على تنوعها، إلا أن الشعب السوري انتفض بعد عقود من الاستبداد كمكوّن واحد لاسترداد قراره الوطني وإرساء قيم العدالة والكرامة والحرية، رغم ما طرأ على الصراع من بعد طائفي عمل نظام الأسد على تغذيته بشكل ممنهج. ورغم الخذلان الدولي على مرّ سنوات الثورة السورية والتعاطي القاصر تجاه إجرام نظام الأسد، إلا أن شرارة الثورة بقيت مشتعلة في نفوس السوريين بانتظار حل عادل يلبّي مطالب الشعب السوري على اختلاف مكوناته.

تخلص هذه الورقة إلى إن أي حلّ محتمل للصراع السوري لن يحظى بالنجاح فضلاً عن الاستدامة ما لم يعالج الأسباب الجذرية للصراع والمتمثلة بمطالب الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي عادل ذو شرعية، وما لم يراعي المشاركة المجتمعية بكافة شرائحها على المستوى المحلي وصولاً إلى النخب وليس العكس، سواءً كان مسمّى هذا الحل مشاركة للسلطة أم غير ذلك، ويأخذ بعين الاعتبار التحديّات والمخاطر التي أدّت إلى فشل اتفاقات السلام السابقة في العديد من دول العالم وتكرار العنف ومعاناة المدنيين بصورة أشدّ من السابق.

قائمة المراجع البحثية

  • Binningsbø, H. (2013). Power sharing, peace and democracy: Any obvious relationships. International Area Studies Review 16 (1), 89-112, Peace Research Institute Oslo, Norway.
  • Gates, S., and Strøm, K. (2013). The appeals and perils of power sharing. In: Fragile Bargains. Civil Conflict and Power-Sharing in Africa (in press).
  • Groarke, E. (2015). Power Sharing in Syria. Institut Für Friedensforschung Und Sicherheitspolitik An Der Universität Hamburg 20144 Hamburg • Beim Schlump 83.
  • Hartzell, C.A., and Hoddie, M. (2007). Crafting Peace. Power-sharing Institutions and the Negotiated Settlement of Civil Wars. University Park, PA: Pennsylvania State University Press.
  • Jarstad, A.K., and Nilsson, D. (2008). From words to deeds: The implementation of power-sharing pacts in peace accords. Conflict Management and Peace Science 25 (3), 206–223.
  • Kawikji, H. (2018). Under what conditions are different forms of power sharing effective? ETH Zurich.
  • Lijphart, A. (1977). Democracy in Plural Societies. New Haven, CT. Yale University Press.
  • Martin, P.H. (2013). Coming Together: Power-Sharing and the Durability of Negotiated Peace Settlements. Civil Wars, 15 (3), 332-358. DOI: 10.1080/13698249.2013.842747.
  • Mehler, A. (Jul. 2009). Peace and Power-sharing in Africa: A Not so Obvious Relationship. African Affairs, 108 (432), 453-473.
  • Norris, P. (2008). Driving Democracy: Do Power-sharing Institutions Work? Cambridge: Cambridge University Press.
  • Pierson, C.L., and Thomson, J. (2018). “Allies or Opponents? Power-Sharing, Civil Society and Gender.” Nationalism and Ethnic Politics 24 (1), 100–115.
  • Rosiny, S. (2013). Power Sharing in Syria, Lessons from Lebanon’s Experience.
  • Salamey, Abu-Nimer, M. And Abouaoun, E. (2018). Post - Conflict Power - Sharing Agreements, Options for Syria, ISBN 978-3-319-60103-8 ISBN 978-3-319-60104-5 (eBook) DOI 10.1007/978-3-319-60104-5.
  • Sivakumaran, S. (2011). Re-envisaging the International Law of Armed Conflicts’ 22 European Journal of International Law.
  • Walter, B.F. (2002). Committing to Peace: The Successful Settlement of Civil Wars. Princeton, NJ. Princeton University Press.

 

([1]) كان الزعيم اللبناني وليد جنبلاط أول من ذكر الطائف السوري -رغم أنه رفض صراحةً المفهوم اللبناني لمشاركة السلطة على أسس طائفية. كما طرح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف هذه الفكرة مرة أخرى في مقابلة مع Le Figaro الفرنسية في 10 سبتمبر 2012، واكتسبت الفكرة بعض الزخم عندما تم تعيين الأخضر الإبراهيمي المبعوث الخاص المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية لسورية في آب 2012؛ بعد أن كان في عام 1989 رئيساً للجنة الثلاثية العليا لجامعة الدول العربية التي صاغت اتفاق الطائف. إلا أن اقتراح نقل النموذج اللبناني إلى سورية أثار أيضا اعتراضات قوية لأن تقاسم السلطة الطائفي مسؤول على نطاق واسع عن تحفيز الطائفية اللبنانية المستمرة. المصدر مع الترجمة بتصرّف عن:

Power Sharing in Syria, Lessons from Lebanon’s Experience, 2013, Stephan Rosiny, p17.

([2]) غالباً يترجم مصطلح Power sharing إلى تقاسم السلطة، إلا أنني أعتقد في هذه الورقة أن الترجمة الأدق هي المشاركة وليس التقاسم وربما كان تعبير "تشارك" هو الأكثر دقة.

([3])  Arend Lijphart هو عالم هولندي سياسي متخصص في السياسة المقارنة ، ونظم الانتخابات والتصويت ، والمؤسسات الديمقراطية والإثنية والسياسية، وصاحب نظرية Consociationalism "التوافقية" أو "الديمقراطية التوافقية" Consociational Democracy.

([4]) تم الاعتراف بالنزاعات المسلحة الداخلية في القانون الدولي العرفي، ولكن فقط عندما وصلت إلى مستوى شدة الحرب الأهلية، أو "الحرب". للمزيد حول ذلك يمكن مراجعة:

Sandesh Sivakumaran‘Re-envisaging the International Law of Armed Conflicts’ (2011) 22 European Journal of International Law.

([5])  بتصرف وترجمة عن تعريف جامعة أوبسالا للحرب الداخلية، للمزيد انظر الدراسة على الرابط: https://goo.gl/mvoYQ6

([6]) Under what conditions are different forms of power sharing effective? Hadia Kawikji, 2018, ETH Zurich.

([7]) تعريف Helga Malmin Binningsbø (2013) بتصرف وترجمة، للمزيد يمكن النظر في المرجع التالي:

Binningsbø, H. (2013). Power sharing, peace and democracy: Any obvious relationships. International Area Studies Review 16 (1), 89-112, Peace Research Institute Oslo, Norway. p 215.

([8]) بتصرف وترجمة عن Hartzell and Hoddie (2007) وWalter (2002).

([9]) Lijphart (1977) وNorris (2008) وMahler (2009).

([10]) تتضمن نظرية الديمقراطية التوافقية للعالم ليبهارت أربعة ملامح مؤسسية: 1) ائتلاف كبير على المستوى التنفيذي 2) ونظام التمثيل النسبي 3) وفيتو متبادل للأقليات 4) واستقلالية جزئية، للمزيد حول النظرية الاطّلاع على المرجع التالي:

Lijphart, A. (1977). Democracy in Plural Societies. New Haven, CT. Yale University Press.

([11]) Pierson, C.L., and Thomson, J. (2018). “Allies or Opponents? Power-Sharing, Civil Society and Gender.” Nationalism and Ethnic Politics 24 (1), 100–115, p101.

([12]) Gates, S., and Strøm, K. (2013). The appeals and perils of power sharing. In: Fragile Bargains. Civil Conflict and Power-Sharing in Africa (in press).

([13]) Jarstad, A.K., and Nilsson, D. (2008). From words to deeds: The implementation of power-sharing pacts in peace accords. Conflict Management and Peace Science 25 (3), 206–223, p215.

([14]) Jarstad (2008) مرجع سابق، وMartin (2013)، للمزيد حول تحليل Martin الاطلاع على المرجع التالي:

Martin, P.H. (2013). Coming Together: Power-Sharing and the Durability of Negotiated Peace Settlements. Civil Wars, 15 (3), 332-358. DOI: 10.1080/13698249.2013.842747.

([15]) للمزيد الاطلاع على المنشور على الرابط التالي: https://bit.ly/2PtorFs تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([16]) تشير العديد من الدراسات إلى إحصائيات مختلفة منها إحصاء عام 1985 الذي يعدد النسب على الشكل التالي: 76.1% مسلمون سنة، و11.5% علويون، و3% دروز، و1% إسماعيليون، وبين 4.5% و0.4% شيعة إثنا عشرية، وهناك بعض الباحثين من يشكك في دقة هذه النسب، ويرى أن نسبة السنة في سوريا لا تقل عن 80% وتصل إلى 85% إذا أضيف إليها نسبة السنة الأكراد، إلى جانب 9% من العلويين و5% من المسيحيين الذين هاجر كثير منهم إلى الخارج. في حين يذكر تقرير وزارة الخارجية الأميركية للحريات الدينية أن نسبة المسلمين السنة في سوريا تبلغ 77%، و10% علويون، و3% دروز وإسماعيليون وشيعة إثنا عشرية، و8% من السكان مسيحيون من طوائف مختلفة تتبع غالبيتها الكنيسة الشرقية وتهيمن الطائفة الأرثوذكسية بشكل كبير على التوزع المسيحي، وتوجد أيضا أقلية يزيدية في منطقة جبل سنجار على الحدود مع العراق. المصدر: التركيبة السكانية في سوريا، موقع الجزيرة، للمزيد الاطلاع على الرابط: https://bit.ly/2Dv5Hk2 تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([17]) Post - Conflict Power - Sharing Agreements, Options for Syria, p13.

([18]) ذكر تقرير فايننشال تايمز 2011 أن رامي مخلوف ابن خالة بشار الأسد يسيطر على ما يصل إلى 60% من الاقتصاد السوري. للمزيد الاطلاع على الرابط: https://on.ft.com/2ZvZFsW  تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([19]) تسليح الأقليات في جرمانا والقصاع... بين الحقيقة والرعب، مقال منشور على موقع زمان الوصل على الرابط https://bit.ly/2USCJFG   تاريخ الزيارة 24 آذار 2019،

([20]) أول استخدام لوصف "طائفية في خطاب بثينة شعبان 24 آذار 2011 بأن ما جرى في درعا يستهدف تحويل سورية لمناطق طائفية عرقية، الخطاب على الرابط:  https://bit.ly/2ZG3MCS  ثم تكررت في أول خطاب لبشار الأسد في 30 آذار 2011 منذ اندلاع الانتفاضة بأن سورية هدف لمؤامرة لإحداث صراع طائفي، الخطاب على الرابط https://bit.ly/2DwZzrr . تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([21]) ومنها لافتات "الشعب السوري واحد" و "لا سلفية ولا إرهاب ثورتنا ثورة شباب" التي رفعت في كل من حمص ودرعا وريف دمشق في شهر نيسان 2011. للاطلاع الفيديو على الرابط: https://bit.ly/2Dx45q6  تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([22]) خطاب بشار الأسد ووصف المتظاهرين بالجماعات الإرهابية المسلحة". وأول استخدام لوصف "عصابة مسلحة" من التلفزيون السوري حول الجامع العمري في درعا. للمزيد الاطلاع على مقال بعنوان: خطابات الأسد.. الإصلاح بالكلام، مقال منشور على موقع الجزيرة، تاريخ الزيارة 26 آذار 2019، على الرابط: https://bit.ly/2XJSVG9

([23]) في شهر أيار 2011 فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات على النظام السوري بسبب قمعه للمظاهرات، وفي آب 2011 صعدت تركيا موقفها تجاه الحكومة السورية لنفس السبب. للمزيد يمكن زيارة الرابط: https://bit.ly/2IETCgA  مقال بعنوان: عقوبات سوريا، منشور على موقع الجزيرة، تاريخ الزيارة 28 آذار 2019.

([24]) للاطلاع على خطة النقاط الست لكوفي عنان: نص- ترجمة غير رسمية لنص خطة سلام كوفي عنان لسوريا على الرابط: https://bit.ly/2FqGc3G  تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([25]) سيتم الشرح باستفاضة عن مفهوم مشاركة السلطة لاحقاً.

([26]) للاطلاع على مضمون بيان جنيف1 لعام 2012 زيارة الرابط: https://bit.ly/2Pu9ZwJ  مقال بعنوان اتفاق جنيف 1 منشور على موقع الجزيرة، تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([27]) انقسام P5 في مجلس الأمن بين روسيا من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى بسبب الفصل السابع/السادس لتطبيق القرار واستخدام الفيتو من روسيا والصين ضد البيان في 19 تموز 2012. https://bit.ly/2PARkjf تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([28]) من حوالي 1360 شهيد في شهر أيار إلى 5834 في شهر آب 2012.  المصدر: منشور بعنوان: الخط الزمني للحرب الأهلية السورية، على الرابط https://bit.ly/2Vto6rA تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([29]) واشنطن تعترف بالائتلاف ممثلاً شرعياً للشعب السوري، مقال منشور على موقع الجزيرة على الرابط https://bit.ly/2VqvfJj تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([30]) بدء الضربات الجوية الروسية وتفويض البرلمان لبوتين باستخدام القوات المسلحة الروسية في الخارج. للاطلاع على الخبر زيارة الرابط: https://bbc.in/1MFJXiv

([31]) للمزيد حول بيان فيينا زيارة الرابط: https://bit.ly/2USMrrC فيديو بعنوان: بيان فيينا يدعو إلى تشكيل حكومة سورية جديرة بالثقة ويختلف حول مصير الأسد. تاريخ الزيارة 1 نيسان 2019.

([32]) شمل الاتفاق أجزاء من إدلب وشمال حمص والغوطة الشرقية والحدود الأردنية السورية التي تسيطر عليها كلها المعارضة، وكان الاتفاق ألا تشن هجمات حتى 6 أيار 2017 وأن تصل المساعدات لهذه الأماكن.

([33]) Post - Conflict Power - Sharing Agreements, Options for Syria, p28.

([34]) المرجع السابق بتصرف وترجمة، ص 33.

([35]) المرجع السابق بتصرف وترجمة، ص 8.

([36]) Power Sharing in Syria, 2015, Emer Groarke, p12.

([37])المرجع السابق بتصرف وترجمة، ص135.

([38]) المرجع السابق بتصرف وترجمة، ص 16.

([39]) المرجع السابق بتصرف وترجمة، ص 36.

التصنيف أوراق بحثية
الأربعاء كانون1/ديسمبر 18
أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومعهد السياسة و المجتمع، كتابه الجديد بعنوان: “حرب الشمال: شبكات المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم”، ويحلل الكتاب ظاهرة شبكات تهريب المخدرات المنظمة في…
نُشرت في  الكتب 
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20