حضر المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ندوة نظمها مركز أورسام (ORSAM) بتاريخ 26 نيسان / إبريل 2016، لمناقشة التقرير الذي يحمل عنوان "آثار الأزمة السورية على الدول المجاورة"، الذي تم إعداده استناداً على عدد من البحوث الميدانية التي يدعمها مكتب مؤسسة كونراد أديناور في تركيا.
بكلمة ترحيبية افتتح الأستاذ شعبان كاردش الرئيس التنفيذي لمركز أورسام ورشة العمل، تلاه الأستاذ كولن دوركوب رئيس مكتب KAS في تركيا.استعرضت الندوة بعد ذلك التقرير المُعد، كما تضمن العرض تحليلاً لآثار الأزمة السورية على الدول المجاورة حيث كان لمركز أورسام نصيب كبير فيه.
يذكر أن الندوة تميزت بالعديد من المداخلات والمناقشات التي زادت من إثرائها العلمي والمعرفي.
تغطية قناة الأورينت نيوز للندوة البحثية التي عقدها مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بولاية غازي عينتاب التركية بتاريخ 19 آذار / مارس 2016، جاءت الندوة بمناسبة إصدار المركز لكتابه السنوي الثاني بعنوان: "اختبارات وطنية في مواجهة سيولة المشهد السوري"، والذي أصدر بالتزامن مع الذكرى الخامسة للثورة السورية.
عقد مركز صحيفة الصباح اليومية لدراسة السياسات في تركيا مؤتمراً على مدار يومي 10 و11 نيسان / إبريل 2016. ركز فيه على المشهد السياسي والاجتماعي في تركيا وانعكاساته على الصعيدين الإقليمي والعالمي. بغية توفير فهم واسع ومتسق من خلال تلاقح عدد من الآراء ووجهات النظر التي ناقشها وحللها جمع من الأكاديميين والباحثين وصناع القرار.
كان أبرزهم؛
وعلى مدار اليومين جاء المؤتمر بأربع جلسات ناقشت المواضيع التالية:
وضمن الجلسة الثالثة للمؤتمر برزت مشاركة مركز عمران للدراسات الاستراتيجية. حيث تولى عضو مجلس إدارة المركز الدكتور ياسر تبارة تسيير نقاش الجلسة التي تحدث فيها كلاً من البروفسور إبراهيم كايا أستاذ في كلية الحقوق في جامعة إسطنبول، والأستاذ أنيس بيرقلي الباحث في الدراسات الأوروبية في سيتا، والأستاذ بورا البيركتار الممثل عن اسطنبول ومراسل في يورونيوز.
وفي الختام يجدر الذكر أن مركز صحيفة الصباح اليومية لدراسة السياسات في تركيا. يصدر صحيفته التركية باللغة الإنكليزية بعنوان Daily Sabah.
يعتري الأداء السياسي الجمعي للمعارضة السورية جملة مغالطات تقديرية تختلف مستوياتها وأوجهها، والثابت المستمر هو التموضع السلبي والمتأخر في الذهنية المحلية والإقليمية والدولية، ولعلّ أهمها اضمحلال المنطق الدولتي في السلوكيات والسياسات العامة وعلى كافة الصعد، ومرد بعض هذه المغالطات متعلق بسياقات موضوعية فرضتها الظرفية الثورية وتحولاتها من الأطر المحلية إلى الدولية بحكم متغيرات وتطورات الملف السوري، والجزء الآخر مرتبطٌ بالحالة السائلة للمعارضة التي تضم بين طياتها مختلف المشارب والعقائد والانتماءات، بشكل يمنع المراقب العام أن يتلمس فيها انسجامًا وتماسكًا هيكليًا أو وظيفيًا، ويرجع سبب الجزء الأخير (والأهم) من هذه المغالطات لاستنتاجات قاصرة لبعض تيارات وشخوص المعارضة، مستنبطة من ظلال معتمدي حلفائها الإقليميين والدوليين، كقدرة إسرائيل على التحكم في مختلف زمام الأزمات العربية وحتى الدولية، وأن تمتين العلاقة مع "ربيب وحبيب الغرب" هو بمثابة بطاقة اعتماد سياسية تزيد من فرص تمكين هذا التيار أو ذاك الشخص!!
وتفكيك هذه المغالطة التي بدأت بالتنامي في الآونة الأخيرة وتبيان مخاطرها وأثرها على زيادة السيولة التي تكتنف تفاعلات الملف السوري، وعلى تعميق حالات الاستقطاب الحادة في المشهد بشكل عام، ينبغي تفنيد ادعاءات اتكاء المتهافتين في هذه الفئة من المعارضة السورية نحو تمتين العلاقة مع إسرائيل بما فيها تموضعها في فضاء التحالفات الإقليمية.
إذ يتم التعاطي - عند هذه الفئة - مع المخاوف العامة للهواجس الأمنية التي يبديها صناع القرار الإسرائيلي من "الأزمة السورية" من منطلق ضرورة ترسيخ صورة فكر ليبرالي غير معادٍ، بغية الولوج في القوائم الدولية للـ "البدائل المحتملين" لرئيس النظام الذي تعتبره إسرائيل شيطانًا لا تجهله وتمكّنت من التكيّف معه إلى حدّ كبير، في حين أن منافسيه "فصائل إسلامية راديكالية" سيساهم احتمال نجاحها من توليد مناخات عدائية مع إسرائيل بمجرّد أن تتمكن من توطيد سلطتها، أو سيعزز استمرار صراعاتها المختلفة من تزايد فرص تهديد الاستقرار في لبنان والأردن المجاورين، وبالتالي ترشح الأزمة إلى حدود إسرائيل التي تعلي من أمنها وصيانته فوق باقي الاعتبارات الأخرى.
وفي هذا التعاطي تجاهلًا مقصودًا لأسباب الحراك الثوري الذي تشكل أحد مسوغاته مطالب المشاركة في صياغة الثوابت والمحددات العامة للسياسات المحلية والخارجية عبر تثبيت عقد وطني جديد يعمق الهوية السورية الحضارية المتسقة مع مميزات مكوناته الاجتماعية التي تشكل إسرائيل خطرًا وجوديًا في وجدانها الجمعي، واحتلالًا يغتصب الأرض المقدسة ويهجر أبناءها ويجتهد في طمس هويتها، ويأتي هذا العبث السياسي المستند على فلسفة الاعتمادية الخارجية لا على الشرعية المحلية كمؤشر واضح في تبني أفكار وحوامل الثورة المضادة المتصالحة مع هذا المحتل.
كما تضخم هذه الفئة (التي تطبل الصحافة الإسرائيلية لخطواتهم وما قيل إنه رسائل تطالب بالحوار) من قدرة تل أبيب على التحكم في سير واستقرار خارطة التحالفات الإقليمية التي تظن أن المحور الذي تباركه ولا تعاديه سيكون له الحظ الأوفر في الاستمرار والبقاء، منطلقين بهذا الاستنتاج - الذي تسوقه بعض التيارات أو الشخصيات السياسية العربية الدافعة لموجات الثورة المضادة - من استراتيجية إسرائيل نفسها الطامحة لضمان تفوقها العسكري الاستراتيجي المطلق على كل القوى المجاورة عربية كانت أم إقليمية، بالإضافة إلى حتمية عدم التفريط بأي حال من الأحوال بالعلاقة فوق الاستراتيجية أو الاستثنائية التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة على الرغم من تراجع الدور والنفوذ الأمريكيين في إدارة الصراعات الدولية لاسيما في منطقة المشرق العربي، التي باتت تتعامل معها بسياسات غير مكلفة قد تخلف معها "فراغ القوة" الناشئ عن الغياب الأمريكي الإرادي في ظل تشبث أوباما بتنحية مبدأ الاشتباك وتغليب خيار مكافحة وتحجيم تنظيم الدولة الإسلامية عبر حلفاء محليين إشكاليين، ومن خلال ضربات جوية يعتريها الكثير من التوظيفات والتطويعات السياسية، ناهيك عن حرص إسرائيل على كسب الصداقة والتحالف مع القوة الدولية العائدة والمنافسة بقوة للنفوذ الأمريكي خاصة في المنطقة أي روسيا الاتحادية.
كما تجد هذه الفئة من لهاث وحرص تل أبيب على استغلال الظرف السياسي العربي لتجديد حيوية الوظيفة التاريخية لـ "دولة إسرائيل" بالنسبة للعالم الغربي كله، كدولة "أنموذج في الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير" قابلة لأن تكون حليفًا محتملًا للدول العربية السنية في مواجهة المشروع الإيراني، خاصة مع التآكل الواضح لقيمة مفهوم قضية العرب المركزية.
وتغفل هذه الفئة من حساباتها الضيقة أن خيوط التحالفات الناشئة لاتزال قلقة وغير مستقرة وسيكتنفها الكثير من المتغيرات الطارئة التي أضحت سمة التفاعلات السياسية في المنطقة، وسيبقى معيار الاتساق الهوياتي هو الأساس الذي يكسبها عوامل الأمن والاستقرار، وأن أي مراهنة على فعالية إسرائيل إقليميًا ستكون لحظية غير استراتيجية، ولا تراعي ثنائية خيارات إسرائيل المصلحية وهي إما بقاء النظام الذي اتقن عبر عقود مضت لعبة ضبط الحدود وتسكين الجبهات وتوازن المعادلات الأمنية معها، أو استمرار الفوضى المضبوطة بحكم مبدأ إدارة الأزمة وتشجيع المسارات السياسية المفضية لعملية شكلية تنتج نظامًا غير قادر على الفعل الإقليمي لسنين عديدة، وبهذا المعنى تكون سلوكيات هذه الفئة ضمن مفهوم استغلال الهوامش لمصالح حزبية أو شخصية ضيقة.
ثابت القول باعتقادي أن مؤشرات "البوصلة المنحرفة" في التعاطي السياسي ستزيد من التيه والتشظي في حراك المعارضة، وسيزيد من تمييع اتجاهاتها، فالمسير السويّ تفرضه الأجندة المحلية والوطنية وليس الضرورات الإقليمية فحسب، وتنفذه رجالات دولة تعلي من الاهتمامات الوطنية، وترسم ملامح دربه مطالب التغيير السياسي الحقيقي التي ترفض العبث في هوية المجتمع السوري وقضاياه المركزية.
المصدر موقع نون بوست: http://goo.gl/efx21I
استندت جمهورية الصين الشعبية إلى نمو اقتصادي صاعد على مستوى العالم أمَّن لها مروحة بدائل زادت من قدرتها على مواجهة مختلف الضغوطات وتوسيع قاعدة مناوراتها الديبلوماسية على المستوى الدولي . تستند بكين في رسم الاستراتيجية التي تحدد توجهات سياستها الخارجية بالسعي للسيطرة على النفط الآسيوي والتوسع في النشاط الاقتصادي، والعمل على إنشاء تكتلات سياسية حول الصين -تُشكل الصين محورها-، بالإضافة إلى التحرك العسكري الصينيفي أنحاء العالم، خصوصاً في الممرات المائية الهامة، والسعي للسيطرة على بعضها، ناهيك عن تقوية الوجود الصيني في منطقة الشرق الأوسط عبر استراتيجية منظمة وطويلة الأمد.
تزامن اندلاع الثورة السورية مع تحول الاهتمام الأمريكي من الشرق الأوسط إلى المحيط الهادئ، الأمر الذي ولّد فراغاً إقليمياً سعَت إيران إلى شغله، وشكل فرصة لروسيا لمحاولة العودة إلى مسرح الأحداث الدولية. وتلاقى ذلك مع مصلحة الصين التي تعتبر التوجهات الأمريكية الناشئة تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وهي الطامحة للعب دور دولي أكبر يكون متناسباً مع قوتها الاقتصادية والعسكرية الصاعدة؛ فشكلت سورية بهذا المعنى نقطة الارتكاز الأقوى والبوابة شبه الوحيدة لتحقيق تلك المصالح. وبناءً على تلك القاعدة تَشكل الموقف الصيني تجاه الأزمة السورية ليتصاعد ويأخذ مداه ضمن محور (روسيا، إيران) ومواجهة القطب الأمريكي. لذلك فإن دوافع الموقف الصيني تبرز بشكل أوضح عبر دراسة تعاطي الصين في المنطقة وتفكيك أدائها في إطار التوازنات الدولية والأحلاف الناشئة.
التعاطي الصيني الناشئ في المنطقة: سورية نموذجاً
تعتبر الصين الشرق الأوسط عامة وسورية خاصة منطقة ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية وأمنية لها. ويعود تاريخ العلاقات الصينية – السورية إلى مئات السنين، إذ شكلت سورية الطريق التجاري الذي ربط بلاد الصين ببلاد العرب والذي عرف بطريق الحرير قديماً. ومنذ نشأة جمهورية الصين الشعبية منتصف القرن الماضي اهتمت بكين بسورية واعتبرتها النقطة الأضعف للنفوذ الغربي في منطقة الشرق الأوسط، وخط الدفاع الأول عن مصالح الصين في آسيا الوسطى والقوقاز، وبلد العبور لمعظم النفط العراقي ما بين عامي 1934 و1982 والكثير من النفط السعودي ما بين عامي 1973 و1982 .
وفي عام 2002 التقت أهـداف السياسة الخارجية السورية مع المساعي الصينية الهادفة إلى زيادة نشاطها الاقتصادي في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، بعد طرح بشار الأسد (في ذات العام) استراتيجيةً تسعى لتحويل سورية إلى قاعدة لنقل الغاز، ومنطقة تجارة حرة تصل بين الشرق والغرب، عبر ربط البحار الخمسة (البحر المتوسط، بحر قزوين، البحر الأحـمـر، البحر الأســود، الخليج الـعـربـي) مـن خـلال سـوريـة. وبينما لـم تتحمس الـولايـات المتحدة والدول الغربية ، رأت الصين في استراتيجية بشار الأسد مشروعاً لإحياء طريق الحرير، يمكن أن يُسهم في بناء منطقة جديدة للتنمية الاقتصادية في غرب الصين، تكون بمرتبة جسر يربط آسيا والمحيط الهادي شرقاً بالمنطقة العربية غرباً، وتشكل بذلك أطول ممر اقتصادي رئيسي في العالم، ونمطاً جديداً للانفتاح الصيني.
وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين حوالي 2.48 مليار دولار (من بين مائة مليار دولار تمثل التجارة العربية-الصينية) عام 2010، إضافة لحوالي 1.82 مليار كعقود هندسية صينية في سورية، و4.82 مليون دولار تحويلات عمال صينيين في حوالي 30 شركة صينية في سورية و16.81 مليون دولار على شكل استثمارات صينية مباشرة. واحتلت الصين المرتبة الأولى في عام 2010 في الشركاء التجاريين لسورية بنسبة تصل إلى 6.9% من إجمالي التجارة السورية مقابل 3% لروسيا الاتحادية ، كما أن الشركات الصينية تساعد سورية في مواجهة المشكلات التكنولوجية الناتجة عن العقوبات الأوروبية على سورية في القطاع النفطي الذي يمثل 20% من إجمالي الناتج المحلي السوري.
ويبدو أن الموقف الصيني تجاه منطقة الشرق الأوسط وما شهدته من موجات الربيع العربي وتحديداً الثورة السورية، أخذ يتبلور وفقاً لسياق استراتيجية جديدة متسقة مع قدرات بكين المتنامية، حيث تجاوز الموقف الصيني من الأزمة السورية حدود عدم الرضا عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، إلى الموقف المباشر والمعارض لتلك السياسة بشكل علني، بعدما استخدمت الصين حق الفيتو للاعتراض على مشروع القرار العربي الأوروبي، الذي يتبنى دعوة الجامعة العربية لتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة. الفيتو الصيني الذي عُدّ تطوراً نوعياً مهماً ليس فقط في أسلوب تعامل الصين مع منطقة الشرق الأوسط الغنية بموارد الطاقة الضرورية للمحافظة على نموها الاقتصادي المتسارع، وإنما أيضاً في نظرة بكين إلى دورها الدبلوماسي والسياسي علي الساحة العالمية، وهي التي تُعد من أقل الأعضاء الدائمين استخداما لحق الفيتو، (استعملته 13 مرة خلال 41 عاماً) لتستخدم هذا الحق أربع مرات لإحباط صدور قرارات عن مجلس الأمن، اثنان منها دعيا إلى تنحي الرئيس السوري (بشار الأسـد)، وثالث طالب بتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على النظام السوري، الـذي ينص على فرض عقوبات، والرابع سعى إلى إحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية. فعارضت الصين أي تدخل عسكري في سورية، حتى وإن جاء لمحاربة التنظيمات الإرهابية فيها. واللافت أن الصين كانت تستطيع محاباة معظم الدول العربية والغربية عن طريق الاكتفاء بالامتناع عن التصويت-كما فعلت سابقاً حيال القرار الخاص بالأزمة الليبية-خصوصاً أنها كانت تعلم سلفاً أن روسيا سوف تستخدم حق الفيتو لإجهاض مشروع التدخل الدولي ضد نظام الرئيس الأسد، لكن بكين قررت أن تدلي بدلوها وتعترض علانية، رغم ما استتبعه ذلك من انتقادات خليجية وأمريكية شديدة.
يؤكد تغيير الموقف الصيني من أحداث وتحولات مشهد الربيع العربي على نية بكين إبراز نفسها لاعباً جديداً في منطقة الشرق الأوسط، بما يتسق مع مصالحها المتنامية فيها، خاصة فيما يتعلق بالنفط والغاز الطبيعي، ورغبتها في لعب دور دبلوماسي وسياسي عالمي يتناسب مع تنامي قدراتها الاقتصادية والعسكرية في الآونة الأخيرة، ووفقاً لما تمليه شروط علاقاتها وتحالفاتها الدولية.
دافع المنافسة مع واشنطن
تتحكم عدة هواجس في السياسة الصينية تجاه الربيع العربي عموماً، والثورة السورية بشكل خاص، وتحديداً ما يتعلق منها بمفرزات الربيع العربي. ويمكن رد جذر تلك الهواجس لأسباب تتعلق بالمنافسة مع واشنطن، إذ تزامن مع عهد الثورات العربية إعلان الولايات المتحدة عن تمركز استراتيجيتها الخارجية خلال القرن الحادي والعشرين في الاستثمار الدبلوماسي والاقتصادي ضمن منطقة المحيط الهادئ، الأمر الذي يعتبر تهديداً مباشراً للصين في منطقة نفوذها، حيث دعا باراك أوباما عام 2012 الولايات المتحدة الأمريكية لمراجعة منظومتها الدفاعية في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ. كما اعتبرت الصين أن المناورات العسكرية الأمريكية المشتركة مع اليابان وكوريا الجنوبية تشكل تهديداً يهدف إلى تطويقها أمنياً، كما لم تخف قلقها من بيع الولايات المتحدة أسلحة لتايوان في صفقة قيمتها ستة مليارات دولار.
كما ترافق ذلك مع تزايد الضغط الأميركي على الصين لرفع قيمة عملتها والذي لم يجد صدى لدى الحكومة الصينية نظراً لاعتماد الصين على صادراتها بشكل كبير؛ ما خلق نوعًا من التوتر بين الطرفين في حدود معينة لاسيما في ظل اللوائح التي تبنّاها الكونجرس الأميركي في العام الماضي بهذا الخصوص.
وفي ذات السياق تعتقد الصين أن استقبال الولايات المتحدة الأمريكية لـ(الدلاي لاما) زعيم الأقلية البوذية عام 2011 تشجيعاً للجماعات الانفصالية، كما تعتبر انتقاد الولايات المتحدة لها لزيادة إنفاقها العسكري، واتهامها بانتهاك حقوق الاقليات وحقوق الإنسان والحريات العامة، هو تدخل في شؤونها الداخلية . وهو ما شكل عوامل محركة لإتخاذ سياسات أكثر حزماً في المنطقة.
ويتعلق الجزء الآخر من هذه الهواجس؛ بتنامي الدور التركي، فلقد ساهم وضع الدرع الصاروخية للناتو في تركيا بتزايد ضرورة تدخل الصين ضمن معادلة الشرق الأوسط، في ظل الدور التركي الصاعد فيها، وحساسية العلاقات التركية – الصينية، بسبب الامتداد التركي داخل الصين في إقليم سانكيانج المسلم، حيث يوجد في الصين نحو 25 مليون مسلم، وتخشى من وصول صدى الثورات العربية إلى الحركات الانفصالية في أراضيها.
وبناء على ذلك؛ يتضح أن الموقف الصيني من الأزمة السورية ليس منفصلاً عن سعي صيني "لرد فعل" محسوب على السياسات الأميركية في الميادين المشار إليها أعلاه، وتحسباً لامتداد الاحتجاجات إلى أراضيها، واستغلال ملف حقوق الإنسان الصيني الحافل بالانتهاكات للتدخل في شؤونها والضغط عليها.
مساندة النظام دعماً لطهران: ضرورة جيبولتيكية
بالإضافة إلى أهمية سورية الاستراتيجية بالنسبة إلى الصين، تخشى الأخيرة أن يؤثر سقوط النظام الـسـوري الحالي على مكانة إيــران الإقليمية كحليف استراتيجي لـسـوريـة، حيث تحتل إيران موقعاً مركزياً في سلم الأولويات الصينية، بسبب تضافر الجيوبوليتيك وتأمين الواردات من الطاقة. والعامل الأخير يحتل رأس أولويات الأمن القومي الصيني منذ عام 1993 على الأقل، إذ أصبحت الصين في ذلك العام مستورداً صافياً لموارد الطاقة وبتعاظم معدلات التنمية زادت الحاجات الصينية من الطاقة بنسبة 230 في المئة خلال فترة ربع قرن فقط (1980 - 2004) كما أن إيران منتج ضخم للطاقة وسوق كبيرة لتصريف المنتجات الصينية اللازمة لإدامة معدلات التنمية المرتفعة، والتي تشكل الأساس لنموذجها الاقتصادي الحالي.
ويساهم التحالف مع إيران بتسهيل المهمة الصينية في دخول الشرق الأوسط في الاستراتيجيات العالمية، وفك عزلة الصين عنه. فنظرة متأنية إلى خريطة الشرق الأوسط وغرب آسيا تكشف بوضوح أن إيران هي الحليف شبه الوحيد للصين في هذه المنطقة، الذي يؤمن 45 في المئة من وارداتها النفطية. كما تنظر الصين إلى إيران باعتبارها المطل المائي المحتمل في الخليج العربي للأسطول الصيني الضخم، وهو المطل المفيد تجارياً وجيوبوليتيكياً. وتتعزز هذه الفرضية بملاحظة أفضلية القرب الجغرافي للصين - مقارنة مع أميركا مثلاً - من القوس الجغرافي الحاوي حوالي 71 في المئة من احتياطات النفط عالمياً، وحوالي 69 في المئة من احتياطات الغاز الطبيعي. ويشمل هذا القوس الجغرافي روسيا، وآسيا الوسطى، وإيران والعراق، والسعودية، ودول الخليج العربية. ويسمح هذا القرب الجغرافي للصين بإحراز الأفضلية في التسابق على موارد الطاقة مع واشنطن مستقبلاً، شريطة أن يكون لها موطئ قدم توفره إيران بموقعها الجغرافي في قلب القوس المذكور .
كما تقدم الجغرافيا الإيرانية للصين ميزتين معاً، الأولى: حقول الجنوب الإيراني المطلة على الخليج العربي تؤمن جزءاً معقولاً من نفط الشرق الأوسط، أما الشمال الإيراني فيمنح بكين فرصة الإطلالة الممتازة على بحر قزوين الغني بالطاقة هو الأخر.
وإذا أضفنا الأهمية الاستراتيجية لإيران كثاني أهم مورِّد للنفط للصين من ناحية، ومشاركتهما معاً في استراتيجية إحياء طريق الحرير من ناحية أخرى، فإن مكانة إيران تتعزز في استراتيجية الصين الدولية. ورغم أن السعودية تمثل المورِّد الأول للصين، لكن الحساب الاستراتيجي الصيني يقوم على أساس أن أية أزمة حادة بين الصين والولايات المتحدة قد تجعل من السعودية طرفاً لا يُؤْمن جانبه، خلافاً لما هو عليه الوضع في إيران.
هكذا أصبحت الصين الغطاء الدولي لإيران في مجلس الأمن منذ احتدام الأزمة النووية، التي ترافقت مع إبرام الصفقات الضخمة في قطاع الطاقة بين بكين وطهران، والتي بلغت حوالي مئة وعشرين مليار دولار، إذ صارت الصين الرابح الأول من الأزمة النووية الإيرانية حتى الاتفاق النووي .
ضرورات التحالف مع روسيا: "القطب الناشئ"
شهدت العلاقات الروسية الصينية تحسُّناً غير مسبوق في تاريخ العلاقة بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، وتدل الاتفاقيات الموقَّعة خلال الزيارة الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين (20 من مايو/أيار 2014) إلى شنغهاي، على أن البلدين يُريدان الارتقاء بحجم العلاقات بينهما على مستويات الدفاع والاقتصاد؛ وخصوصاً في مجال الطاقة الذي حقَّق فيه البلدان اختراقًا كبيرًا؛ وبالإضافة إلى حجم صفقة الغاز أثارت المناورات العسكرية البحرية التي جرت بين البلدين خلال زيارة بوتين العديد من التساؤلات؛ خصوصًا حول أسباب التوجُّه الصيني نحو روسيا، وإمكانية بروز تحالف روسي صيني موجَّه ضد الولايات المتحدة الأميركية، عبر التنسيق على عدة مستويات، لعل أهمها يتعلق بما يلي:
أولاً: أمن الطاقة: حيث وقَّع البلدان خلال الزيارة الأخيرة للرئيس بوتين إلى الصين صفقة غاز تاريخية، بلغت قيمتها حوالي 400 مليار دولار، تُزود روسيا بموجبها الصين بـ38 مليار متر مكعب من الغاز سنويّاً لمدة ثلاثين سنة؛ وذلك عبر الأنابيب من الشرق الأقصى الروسي بحلول سنة 2018، واستغرق العمل لإبرام هذه الصفقة عدة سنوات من التفاوض؛ تعثَّرت مرَّات عديدة بسبب فشل الدولتين في التوصُّل لثمن يُرضيهما معًا، قبل أن يصل البلدان إلى هذا الاتفاق التاريخي. وكانت روسيا والصين قد توصَّلتا إلى اتفاق آخر في مارس/آذار 2013، تعهَّدت بموجبه شركة روسنفت بزيادة صادراتها من النفط إلى الصين من 300 ألف برميل يوميًّا إلى حوالي 800 ألف في المستقبل القريب (لم يذكر الاتفاق تاريخًا محدّداً) . وتضمّن الاتفاق -أيضًا- مساهمة الشركة الوطنية الصينية للبترول في تطوير ثلاثة حقول بحرية في بحر بارنتس، وثمانية حقول نفطية في شرق سيبيريا.
يأتي اهتمام الصين بمصادر الطاقة الروسية في إطار استراتيجية بعيدة المدى لتنويع مصادر إمدادات الطاقة؛ فالصين تستورد حوالي النصف من حاجياتها من الطاقة، وتأتي معظم هذه الإمدادات من الشرق الأوسط، وبالنظر إلى الجو السياسي المضطرب في هذه المنطقة بفعل الربيع العربي وبعض المشاكل الإقليمية الأخرى؛ اضطرت بكين إلى البحث عن مصادر بديلة من بينها آسيا الوسطى وروسيا؛ لتتفادى الاعتماد على منطقة واحدة فقط، وتضمن بذلك تدفُّق الإمدادات بشكل مستقر.
تتوجَّه بكين إلى توفير إمدادات لا تمر عبر مضيق ملقا؛ الذي يُشَكل نقطة ضعف استراتيجية للصين؛ حيث يمرُّ عبر هذا المضيق حوالي 80% من واردات النفط الصينية، كما أن الولايات المتحدة منتشرة عبر كل مسالك الملاحة البحرية عبر العالم، وتُدرك الصين أن إغلاق المضيق أو فرض حصار بحري عليها من طرف القوى المعادية لها سيحول دون وصول حاجياتها من الإمدادات؛ لذا تُحَاول الصين توفير مصادر بديلة لا تمر عبر الخطوط البحرية ، وترى في روسيا المصدر الذي سيُوفر لها إمدادات الطاقة عبر البر، وسيتيح لها تجاوز أي حصار بحري محتمل.
ثانياً: تمتين التعاون العسكري حيث تُشكل روسيا على المستوى العسكري أهم مزود للصين بالسلاح منذ أن فرضت الدول الغربية حظراً على مبيعات الأسلحة إلى الصين سنة 1989، وتمثل مبيعات السلاح الروسي أهم مصدر في عمليات التحديث الواسعة التي عرفتها القوات البحرية والجوية الصينية في العقود الأخيرة؛ وتشمل المبيعات الطائرات المتطورة، والغواصات، والمدمرات، وصواريخ أرض-جو، والصواريخ المضادة للسفن، ونقل التكنولوجيا العسكرية والإنتاج المشترك لبعض من هذه الأسلحة؛ ومن المتوقع أن تتوصل الصين إلى اتفاق لشراء 24 طائرة من نوع سوخوي 35 إس المتطورة جداً، وأربع غواصات، ونظام الدفاع الجوي المتطور إس 400، ومن جهة أخرى تشكل المناورات العسكرية المشتركة دليلاً آخر على مدى قوة العلاقة بين البلدين؛ حيث بدأ البلدان سلسلة من المناورات العسكرية المشتركة منذ 2005، آخرها كانت المناورات البحرية المشتركة التي جرت بين 20 و26 من مايو/أيار 2014 في بحر الصين الجنوبي، وهذه المناورات جرت للعام الثالث على التوالي بعد مناورات إبريل/نيسان من 2012 في البحر الأصفر، ومناورات يونيو/حزيران 2013 التي جرت في فلاديفوستوك بروسيا.
ثالثاً: النظام الأمني القاري الجديد: من بين أهم الأهداف الاستراتيجية للصين حالياً هو إنشاء نظام اقتصادي وسياسي عالمي متعدد الأقطاب، والابتعاد تدريجياً عن النظام الحالي الذي ترى الصين أنه يخدم مصالح الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، وبعد صعود روسيا كقوة عالمية بعد أكثر من عشرين سنة على انهيار الاتحاد السوفيتي، ترى الصين أن تقارباً مع روسيا سيخدم المصالح الصينية بشكل أكبر. ويظهر هذا جلياً من خلال تعاون البلدين على مستوى المؤسسات الدولية والإقليمية؛ حيث ينسق البلدان جهودهما في إطار مجموعة دول البريكس؛ التي تخطط لإنشاء بنك وصندوق مساعدات على غرار المؤسستين الماليتين الغربيتين: البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وفي سياق آسيوي أنشأت الصين منظمة شنغهاي للتعاون لتوفير آلية للتعاون المشترك بين روسيا والصين (وباقي الدول الأعضاء في هذه المنظمة) في منطقة آسيا الوسطى. كما ترى الصين أن هذه المنظمة تُقدم نموذجاً للتعاون المتعدد الأطراف، وتُقدم رؤية تشاركية للأمن الإقليمي في آسيا الوسطى؛ وذلك على خلاف الرؤية الأحادية التي تتبناها واشنطن، والتركيز في تحالفاتها على الجانب الأمني فقط. وتنشط الصين بتعاون مع روسيا في إطار "مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا" (CICA)؛ وهو مؤتمر يصل عدد الدول الأعضاء فيه إلى 26 عضواً (اليابان ليست عضواً فيه)؛ ويهدف إلى تعزيز التعاون والحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار في آسيا كما تصفه الصين؛ لكن الهدف الحقيقي من ورائه هو بناء نظام أمني قاري لمواجهة التحالفات الأميركية واليابانية في آسيا.
خاتمة
إن الهدف الاستراتيجي الذي جرى التعبير عنه من قبل الطرف الأميركي المتمثل بالتحول نحو جبهة الهادئ الآسيوية، رأت فيه الصين محاولة أميركية لمزاحمة نفوذها في تلك المنطقة، لترد الصين من خلال توجهات تخلق فرص مساومة لبكين، كالموقف من الأزمة السورية والعلاقات مع طهران. وعليه فإن الصين وروسيا في خندق واحد والعلاقة بينهما مبنية على تقاطع مصالح حقيقية من وجهة نظرهم. وقد نجح هذا التحالف الصيني-الروسي مع إيران عبر إطالة الأزمة ودعم صمود نظام الأسد في كسب لعبة عض الأصابع مع المجتمع الدولي.
كما نجح التحالف الروسي-الصيني أيضاً في فرض إيران كجزءٍ من هذا الحل بعد استبعادها لسنوات. واليوم وبعد التدخل الروسي على الأرض ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران تبدو الصين في موقف أقل رسوخاً من الموقف الروسي بسبب طبيعة استراتيجيتها تجاه المنطقة بشكل خاص وتوجهاتها الدولية بشكل عام. غير أن بعض العوامل قد تجعل التراجع الصيني عن استمرار الموقف الحالي أمراً ليس هيناً، ويتجلّى ذلك في حرصها على العلاقة مع إيران وروسيا التي تمثل مورداً مهماً لها في مصادر الطاقة والسلاح.
لطالما ساهم الموقف الصيني-الروسي في تعقيد الأزمة السورية عبر الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للنظام، وما الدخول الروسي المباشر على المشهد السوري ومحاولة تأطير الحل السياسي وفق رؤيته، ولكن بخطوات تدريجية تسهّل السيطرة على تداعياتها وتحافظ على شكل النظام المفيد بالنسبة لها. ويمكن في ضوء هذه المعطيات لدول الخليج بما تملكه من موارد الطاقة ومن تموضع سياسي قوي في مقابل إيران أن تساهم في إيجاد الحليف البديل للصين تدريجياً عبر الانفتاح على الصين بنفس اللغة التي تتعامل وفقها سياسياً، إضافة إلى استمرار انفتاح المعارضة السورية على بكين وبناء جسور يتم استثمارها في المرحلة الانتقالية.
تم النشر على مجلة آراء حول الخليج العدد 106: http://goo.gl/ZJYnJc
نظم مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة بحثية بعنوان "المشهد السوري والتهديد الأمني"، بالتعاون مع مركز "سيتا SETA" للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي، وذلك في مدينة اسطنبول.
افتتح الدكتور عمار القحف، المدير التنفيذي لمركز عمران الندوة بكلمة ترحيبية، أوضح خلالها أهمية هذه الندوة والأوراق المطروحة فيها، وأشار إلى إطلاق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية لكتابه السنوي الثاني بالتزامن مع الذكرى الخامسة للثورة السورية.
شارك في الندوة كل من الباحثين: الأستاذ معن طلاع، والأستاذ ساشا العلو، من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية. وجان آجون، ومراد يشيلتاش، من مركز SETAللدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأدارها الباحث طلحة كوسيه من مركز SETA.
في وقته "الارتدادات الأمنية للسلوك الدولي والإقليمي في سورية"، تحدث الباحث معن طلاع عن سلوك وسياسات بعض القوى الدولية (الولايات المتحدة وروسيا) والإقليمية (إيران وتركيا ومصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي) تجاه الملف السوري، وكيف انعكست ارتدادات أمنية على المشهد السوري، مبيناً أهم مميزاته وانعكاساته.
أما الباحث ساشا العلو، فقد حاول في ورقته "الإرهاب كمدخل في وأد الثورة السورية"، تفكيك حركية "الإرهاب" في الثورة السورية، وفقاً لسلوك الفاعلين المحليين الإقليمين والدوليين في الملف السوري، وتبيان أثر تلك السلوكيات على تنامي الإرهاب وتأثيره على التموضع السياسي العسكري للمعارضة السورية، ومساهمته في نقل الإرهاب من متحول في المعادلة السورية إلى ثابت على حساب القضية السياسية.
وفي ورقته، تحدث الباحث مراد يشيلتاش من مركز سيتا، عن انهيار المنظومات الامنية في المنطقة بسبب إطالة أمد الأزمة السورية، وعن آثار عدم التعاون بين هذه المنظومات في مواجهة التحديات المنبثقة عن الأزمة السورية. كما بيّن أن هناك عدة صراعات تؤثر على الأمن في المنطقة هي الصراع العربي الاسرائيلي، والأزمة العراقية، وأزمات المتفرعة عن الجماعات المتشددة في شمال افريقيا. وأشار الى الصراع الطائفي في المنطقة وتناميه في الآونة الأخيرة، ودور بعض الدول في تغذيته.
في كلمته، اعتبر الباحث جان آجون أن انهيار النظام الأمني في سورية أدى الى انتشار الجماعات المتشددة، الدينية والعرقية، التي تقاسمت هذه الأدوار الأمنية كتنظيم داعش والنصرة و"PYD". وأوضح الباحث أن تركيا حاولت ضم تنظيم "PYD" إلى المعارضة السورية وفك ارتباطها بالنظام السوري وPKK في بداية الثورة، وأن الدعم الغربي لهذا التنظيم دفعه إلى محاولة تصفية أطياف المعارضة الكردية، كالمجلس الوطني الكردي لاحتكار التمثيل الكردي في سورية.
لمشاهدة التقرير المصور انقر على الرابط التالي:https://youtu.be/fuo2eBfaS3M
مقدمة
أعلنت روسيا في 30 أيلول/سبتمبر 2015 عن بدأ عملياتها العسكرية في سورية، وذلك بعد أن طلب الرئيس السوري، بشار الأسد، دعماً عسكرياً من موسكو ووافق مجلس الاتحاد الروسي على تفويض الرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد.
جاءت هذه الضربات بعد تزايد الدعم العسكري المعلن لنظام الأسد من قبل موسكو، والإعلان عن تشكيل مركز معلوماتي في بغداد تشارك فيه روسيا وإيران والعراق وسوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
استهدفت أولى الضربات الروسية في 30 أيلول/سبتمبر مواقع تابعة لتنظيم الدولة في محافظة حمص، وفقاً لادعاءات وزارة الدفاع الروسية؛ إلا أن تلك المواقع كانت تبعد أكثر من 50 كلم عن مواقع التنظيم الحقيقية، حيث تركزت غارات روسيا في اليوم الأول على مواقع قوى الثورة السورية في ريفي حمص وحماه الشماليين والتي سقط من جرائها العشرات من المدنيين.
مواقع النفوذ والسيطرة قبل التدخل الروسي وبعد سحب روسيا لقسم من قواتها
جاء التدخل الروسي ضمن مرحلة كان النظام يتلقى فيها خسائر كبيرة على يد قوى الثورة السورية في أغلب الجبهات، مرحلة كادت أن تكون مفصلية في مسار الثورة لولا الإشكاليات العسكرية البينية بين فصائل الثورة السورية. في الوقت الذي كانت جبهات النظام مع تنظيم الدولة تشهد معارك كر وفر، تحديداً في ريف حمص الشرقي وفي ريف حمص الجنوبي.
1. النظام وقوى الثورة السورية
تقدمت قوات النظام برياً والميليشيات الشيعية الموالية لها على بعض الجبهات التي تخضع لسيطرة قوى الثورة السورية “ريف حلب الجنوبي – ريف حلب الغربي – ريف اللاذقية "، محرزاً تقدماً على عدة محاور، أبرزها فك الحصار عن بلدتي "نبل والزهراء" في ريف حلب الشمالي الغربي، واستعادة السيطرة على مناطق واسعة في ريف اللاذقية "سلمى – ربيعة – كنسبا"، فيما فشلت قوات النظام من تحقيق أهدافها في كلٍ من "ريف حمص الشمالي – ريف حماه الشمالي".
2. النظام وتنظيم الدولة
شهد ريف حلب الشرقي تقدماً واسعاً لقوات النظام، حيث تمكنت الأخيرة من فك الحصار عن مطار كويرس، كما تقدمت في ريف حمص الشرقي وبات يفصلها عن مدينة تدمر أقل من 2 كلم.
3. قوى سورية الديمقراطية والاستفادة بشكل غير مباشر
تتلقى قوى سورية الديمقراطية دعماً عسكرياً هائلاً من قوات التحالف الدولي، ولكن هذا لم يمنع موسكو من دعمها بشكل غير مباشر بالتزامن مع حملة الروس والنظام على ريف حلب الغربي-الشمالي، فانتهزت قوات سورية الديمقراطية تلك الحملة لتتمكن من فرض سيطرتها على عدة مواقع ضمن نطاق سيطرة قوى الثورة السورية؛ أهمها "تل رفعت – منغ – ماير – كفين – احرص – دير جمال -الزيارة".
مكاسب النظام خلال التواجد الروسي وحتى سحب جزء من قواتها
إنجازات روسيا في فترة تدخلها حتى سحبها لجزء من قواتها
إنشاء منطقة عدم تجوال في الاجواء السورية واجبار طيران التحالف الدولي من التنسيق المباشر مع القوات الروسية قبل تنفيذ أي غارة، وذلك عبر نصب جهاز يعرف بـ Richag-AV الذي يتمتع بقدرة عالية على اعتراض الاتصالات والإشارات التي قد تُرسل إلى الصواريخ الذكية ومنها الباتريوت الأمريكي.
إرساء سفينة حربية بالمياه السورية بالقرب من اللاذقية تحوي على مئات الصواريخ s300 العابرة للقارات، هذا وقد حافظت روسيا على موقع تلك البارجة الحربية على الرغم من إعلانها لسحب الجزء الأكبر من قواتها.
وفرت كمية كبيرة من الذخيرة والمستشارين والتقنيين لقوات النظام.
تمكين النظام عسكرياً في المناطق التي أطلق عليها النظام اسم (سورية المفيدة) وتحصين دفاعات النظام بالخط الساحلي من الشمال الى الجنوب، وزرع شوكة للمعارضة في البادية شرقي حماه وجنوب شرق محافظة حمص باتجاه تدمر.
حماية وتثبيت المصالح المختلفة لدى روسيا بدأً من الوجود العسكري وصولاً إلى الصفقات التجارية أو الدعم التقني لمشاريع غاز ونفط في البادية السورية.
شارك الدكتور عمار القحف، المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية، في برنامج حديث العرب على قناة الرافدين الفضائية، بتاريخ الخميس. حيث تناولت الحلقة التي حملت عنوان "صراع الإرادات يؤخر انطلاق محادثات جنيف السورية"، فرص انعقاد المفاوضات، والمعوقات والالتباسات والأسباب التي تحول دون انطلاقها.
وأكد الدكتور القحف في مشاركته على أن وحدة صف المعارضة السورية هذه الفترة هي في أعلى مستوياتها منذ بداية الثورة السورية، وأن موقف الهيئة العليا للمفاوضات يحظى بتأييد جميع قوى الثورة السياسية والعسكرية، ومنظمات المجتمع المدني. كما أوضح الدكتور القحف أن مفاوضات جنيف 3 اليوم تمثل تراجعاً عما تم الاتفاق عليه في وثيقة جنيف1 عام 2012، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وهو إنشاء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وأن المطروح هو تشكيل ما يسمى "حكومة وحدة وطنية"، مع عدم ضمان عدم ترشح بشار الأسد لأي انتخابات مقبلة في سورية.
وبيّن أيضاً أنه لا توجد، حتى الآن، إرادة دولية لإيجاد حل سياسي في سورية يستند إلى خيارات الشعب السوري ومطالبه المشروعة، وعلى الرغم من ذلك، فإن المعارضة السورية ملتزمة بعملية سياسية تفضي إلى تحقيق مطالب الشعب السوري، لا سيما بعد الالتفاف الشعبي الحاصل حولها، ما يجعل الكرة الآن في ملعب الأمم المتحدة والقوى الدولية الكبرى.
وإجابة على سؤال يتعلق بالموقف الأمريكي من المعارضة السورية، قال الدكتور القحف إن السلوك الأمريكي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، يتسم بالزهد في المنطقة العربية، ويتصف بالانعزال والانكماش، مؤكداً على ضرورة مواجهة تغوّل المشروع الإيراني في المنطقة.
ضمن برنامج نبض البلد استضاف الإعلامي محمد الخالدي كلاً من المدير التنفيذي لمركز عمران الدكتور عمار قحف والدكتور ناصر المصري عضو المنتدى العربي للأمن وحظر الانتشار النووي والدكتور منير زهران سفير مصر الأسبق لدى منظمة الأمم المتحدة للحديث حول الاتفاق النووي الايراني وأثره على الأزمة السورية.
قال المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، إن الموقف الروسي جاء عندما فشلت كل المحاولات الأخرى لإنقاذ النظام، مشيرا إلى أنه يزاحف النفوذ الإيراني على الأرض.
جاء ذلك خلال مشاركة الدكتور قحف في برنامج "في العمق"، على قناة "الجزيرة الإخبارية"، وذلك يوم الاثنين 28 أيلول/ سبتمير، لمناقشة التطورات السياسية الدولية في الملف السوري، بمشاركة وزير الدفاع السابق في الحكومة السورية المؤقتة أسعد مصطفى.
واعتبر قحف أن الموقف الأمريكي منذ الربيع العربي لم يتغير، واصفاً إياه بـ "الزاهد في قضايا أمور الشرق الأوسط"، وهو ما توج بالاتفاق الإيراني، بعد أن حسم أمره بأنه لا يريد موقفا أو قرارا، مشيرا إلى أن هناك مبالغة في تقدير التأثير الأمريكي بالنسبة لسلاح الثوار.
واعتبر قحف أنه لا يمكن وصف روسيا بأنها المتصدرة للموقف الدولي تجاه سورية، لأن المواقف الدولية متأرجحة ومتبدلة، خصوصاً بوجود مواقف أخرى رافضة لوجود الأسد، كالموقف السعودي الرافض لوجود الأسد في المرحلة الانتقالية، بالإضافة لدول مجموعة الاتصال الداعمة للثورة السورية.
وحول العلاقة الروسية الإيرانية، أوضح الدكتور قحف أن هناك تنسيقا بالحد الأدنى بين الدولتين، إلا أن فشل إيران في إدارة الملف السوري قد يكون دافعا لروسيا للتدخل لتزاحم النفوذ الإيراني، لا لتنافسه، بسبب اختلاف بعض الأهداف بين الدولتين.
وتوقع الدكتور قحف أن يؤدي التدخل الروسي لتغذية المزيد من الإرهاب والتطرف، متمنيا ألا تتحول سورية أرضاً للصراع وحربا طويلة المدى، على شاكلة أفغانستان بعد التدخل الروسي هناك.
ودعا مدير مركز "عمران" للدراسات الاستراتيجية المجموعات الدولية الداعمة للثورة السورية، التي لم تعد تقتصر على السعودية وقطر وتركيا، بزيادة دعمها للقوى التي تحارب "الإرهاب الأصلي" متمثلاً بنظام الأسد الذي جذب كلالقوى العابرة للحدود، معتبراً أن التغير الميداني سيزيد الدول الداعمة للثورة إذا رأوا الكفة ترجح لصالحها.
واعتبر قحف أن بإمكان الدول الداعمة أن تفعل الكثير لتغير الموازين الاستراتيجية، مثل إقامة المنطقة الآمنة التي أصبحت ضرورة إنسانية وسياسية وعسكرية واستراتيجية، لحماية تركيا شمالاً، وحماية أمن دول الخليج.
وحول بقاء الأسد كرئيس في المرحلة الانتقالية، أشار مدير مركز "عمران" إلى أن ذلك غير ممكن من الناحية العملية أساساً، وسط تفكك وانهيار النظام السوري، ولا يملك الأسد السيطرة على أي جزء منه، وسط سيطرة إيرانية وروسية على مفاصل الدولة، بشكل كامل، وسط نظام إقطاعي و "لا مركزي" مليشياتي، مما ينفي إمكانية تأهيل هذا النظام.
وحول مواقف المعارضة السورية، اعتبر الدكتور قحف أن المعارضة أكثر توحداً من أي وقت مضى، مشيراً إلى وثيقة "المجلس الإسلامي السوري" للمبادئ الخمسة التي وقتها كل القوى الثورية تقريباً، داعياً الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة لإدارة العمل الثوري من داخل سورية، بالتنسيق مع القوى العسكرية، لاستثمار الانتصارات العسكرية من داخل سورية.