أوراق بحثية

المسارات

الملفات

الباحثون

التصنيف

تاريخ النشر

-

شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ساشا العلو، في حوار تلفزيوني ضمن برنامج الصالون السياسي على تلفزيون سوريا، للحديث حول مستقبل هيئة تحرير الشام في ضوء التصريحات الأخيرة لزعيمها، وضمن سياق الحملة العسكرية للنظام وحلفائه على الشمال السوري. وقد ناقشت الحلقة الرسائل التي حملتها تصريحات الجولاني الأخيرة، إضافة إلى تحولات الهيئة كبنية تنظيمية وطبيعة تلك التحولات، مقابل سؤال المستقبل والمصير والسيناريوهات المحتملة لذلك، في ظل الظروف الموضوعية التي تحكم الملف السوري والتوافقات الإقليمية والدولية التي ستحدد مساراته.

 

يهدف هذا التحديث المعلوماتي لتبيان تغيرات السيطرة وخارطة القوى الفاعلة في الشمال السوري بعد عملية "نبع السلام" التي أطلقها الجيش التركي والجيش الوطني في 9/10/2019، والتي استهدفت تواجد قوات سورية الديمقراطية بالقرب من الحدود السورية-التركة في المنطقة بين مدينتي (تل أبيض في محافظة الرقة ورأس العين في محافظة الحسكة)، وسيركز هذا التحديث على النقاط التالية: 1) خريطة السيطرة والنفوذ حتى تاريخ 12/12/2019 في الشمال السوري (الحسكة، الرقة، حلب، وإدلب).  2) خارطة السيطرة للقوى الفاعلية الدولية والمحلية بشكل عام. 3) القوى المسيطرة على أهم الموارد والبنية التحتية في المنطقة الشمالية (أهم الطرق الدولية -المعابر الحدودية الدولية ووضعها).

استند هذا التحديث في معلوماته على مصادر وحدة المعلومات في مركز عمران وبرنامج Terra Server والذي يقدم صور أقمار صناعية حديثة، بالإضافة إلى المواقع الرسمية لوزارات الدفاع للدول الفاعلة وبياناتهم المتعلقة بالشأن السوري، وفيما يتعلق بأرقام ونسب السيطرة فقد تم الاعتماد على برنامج ArcGIS مما يزيد من نسبة الدقة في احتساب المساحات والنسب، مع احتمالية الخطأ بنسبة 1 إلى 2%.

خارطة القوى الفاعلة في الشمال وتطورات مواقع النفوذ والسيطرة

 خارطة رقم (1): مواقع النفوذ والسيطرة في المحافظات الشمالية – 12 كانون الأول 2019

 

 نسب وتوزع سيطرة الفواعل المحلية في الشمال السوري

 

 

المعابر في الشمال السوري: تقييم حالة

التصنيف تقارير خاصة

أجرى موقع عربي 21 بتاريخ 25 تموز 2019، مقابلة صحفية مع -المدير التنفيذي لمركز عمران- الدكتور عمار القحف، حول مجازر إدلب وتفاهمات "لجنة الدستور" ومسار أستانة، الذي أكد على أن المجازر الحاصلة في الشمال السوري هي نتيجة لعدم تفاهم الأطراف السياسية، واعتبر أن المجازر تهدف لتحقيق "ستار أمني" للنظام، كما أنها إحدى أدوات الضغط الروسي على تركيا، للقبول بشروط تسوية معينة وتحويل الإنجازات الأمنية لمنجزات سياسية، متوقعاً تعطل مسار أستانة بسبب تصاعد الانتهاكات الميدانية، ومؤكداً على إصرار تركيا لمنع سقوط إدلب وعدم سحب نقاط المراقبة التابعة لها، رغم استهدافها، لتستطيع التفاوض مع النظام وروسيا.

للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2KdGYmT  

قام الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، بمداخلة صحفية في جريدة القدس العربي، للتعليق على "الموقف الإماراتي من المقترح التركي لإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري". حيث أشار الباحث إلى افتراق السياسات الإماراتية والتركية على مستوى الإقليم، ومسعى الإمارات الحثيث لإجهاض المقترح التركي لصالح مقترح تعمل عليه يقوم على نشر قوات عربية أو دعم قوات عشائرية مختلطة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بالحراك الإماراتي وزيارة عدد من مستشاريها لمناطق قسد، وعن مدى نجاح الإمارات في التسويق لمقترحها، أجاب الباحث بأن ذلك مرهون بمدى قدرتها على حشد الدعم السياسي من موسكو وواشنطن، وتأمين الغطاء العربي وتوفير التمويل الكافي.

المصدر جريدة القدس العربي: https://bit.ly/2SiOFOJ 

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • خضعت موسكو بإبرامها اتفاق إدلب مع تركيا لجملة من الظروف المحلية والدولية، والتي حالت دون مُضيها قدماً في معركة ليست محسومة دبلوماسياً، وهو ما اعتادت عليه موسكو سابقاً، الأمر الذي قد يُفهم بأنه نصر تركي حقق لأنقرة ما كانت تريده، والواقع أن الاتفاق لم يحقق لتركيا مكاسب، وإنما جنبها مجموعة من الخسائر المادية والسياسية.
  • يشكل اتفاق إدلب مجموعة تحديات جدية لتركيا واختباراً لها أمام موسكو والمجتمع الدولي من جهة، وأمام سُكان تلك المنطقة من المدنيين والفصائل المتحالفة معها من ناحية ثانية، وأهم من ذلك لقدرتها على حماية أمنها القومي ودورها السياسي في الملف السوري.
  • ألقت موسكو الكرة في ملعب تركيا بقبولها باتفاق سوتشي، وهو الأمر الذي يمثل رهاناً روسياً على الوقت لاستعادة إدلب ومحيطها، فنجاح أنقرة بتنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى، وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة.
  • لا يُمثل الاتفاق نصراً لأحد أو هزيمة لآخر، وإنما يمكن اعتباره رهاناً روسياً على الوقت، واختباراً لتركيا يُحدد قدرتها على إدارة ملفات إقليمية معقدة على المستوى العسكري والسياسي وفرض واقع جديد على المستوى المحلي في إدلب.
  • تشير المواقف الأوروبية المنسجمة مع الموقف التركي وبخاصة فرنسا وألمانيا، إلى إمكانية تحييد الملف السوري عن باقي الملفات الخلافية مع تركيا، وتشكيل استراتيجية أوروبية تركية جديدة تقوم على تنسيق مشترك يكسر احتكار مسار أستانة للواقع الميداني على الأرض السورية.
  • نجاح تركيا في تنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة كمرحلة أولى ومن ثم تفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية في المنطقة، لا يشكل ضمانة لعدم مطالبة موسكو بعودة المنطقة إلى سيطرة النظام.
  • تعيش منطقة خفض التصعيد الرابعة ما عاشته سابقاتها من المناطق فيما يخص الإشكالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، والتي أفضت إلى سقوطها، ولذلك لا يعتبر اتفاق "سوتشي" إنقاذاً للمنطقة من مصير سابقاتها في حال استمرار ذات الظروف المحلية، والمواقف الإقليمية والدولية السلبية اتجاه المنطقة.
  • تشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة اليوم تحدياً كبيراً يحدد النجاح أو الفشل في التعامل معه مصير الحل السياسي في سورية، وهذا ما يتطلب تكريس جهود محلية ودولية لدعم تنفيذ الاتفاق كمرحلة أولى، ومن ثم تأمين استقرار المنطقة عبر عملية إعادة الهيكلة السياسية والعسكرية والإدارية، الأمر الذي يتطلب تنحية الملف السوري عن قائمة الملفات الخلافية مع تركيا، والتعامل مع المنطقة كآخر مناطق الثورة السورية وليس كمنطقة نفوذ تركي.

مُقدمة

أثمرت الجهود التركية على المستوى الدبلوماسي والميداني في تجنيب إدلب معركة دامية كان من الممكن أن تؤدي إلى كارثة إنسانية بكل المقاييس، وذلك عبر اتفاق سوتشي الذي توصل إليه الرئيسان التركي والروسي في 17 أيلول/سبتمبر 2018. وبالرغم من الارتياح والترحيب الدولي والمحلي بالاتفاق، والناتج عن النظر إليه من زاوية إنسانية؛ إلا أن الاتفاق يطرح جملة من التساؤلات حول تفصيلاته وآلياته التنفيذية، وما سيفضي إليه أخيراً، وبخاصة حول مستقبل إدلب وما تمثله من ثقل عسكري وسياسي كمعقل أخير للمعارضة السورية.

ولا يعد الاتفاق من حيث الشكل مختلفاً عما سبقه من اتفاقات بين أطراف أستانة حول مناطق خفض التصعيد، وبخاصة اتفاق ضم إدلب إلى تلك المناطق في أستانة 6، حيث تبدو تلك الاتفاقات في ظاهرها إنقاذاً لأرواح المدنيين وفتحاً للمجال أمام الحلول السياسية، ولكن مؤداها يكون مكاسب منخفضة التكلفة لموسكو تتيح لها قضم مناطق المعارضة الواحدة تلو الأخرى، وهو الأمر الذي يدفع إلى طرح التساؤلات التالية:

  1. هل شكَّل الاتفاق تنازلاً روسياً لتركيا على المدى البعيد، وهل يُعتبر الاتفاق تفويضاً دولياً لأنقرة لإدارة الشمال السوري، خاصةً مع الدعم الأوروبي للموقف التركي من معركة إدلب؟
  2. هل يُمكن الوثوق بموسكو من جديد، بالنظر إلى سلوكها خلال الاتفاقات السابقة حول مناطق خفض التصعيد، أم أن مصير إدلب اليوم بات رهناً بقدرة أنقرة على تفكيك "هيئة تحرير الشام"؟
  3. هل تستطيع تركيا منفردة إدارة الشمال السوري (مناطق درع الفرات، غصن الزيتون، إدلب) وتشكيل كيانات عسكرية وإدارية فيها، بشكل يدعم موقف المعارضة السورية في التفاوض مع النظام على الحل السياسي؟

وعليه، تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات السابقة، وفق عدة مداخل، بدءاً بتحليل المقدمات التي أفضت إلى اتفاق "سوتشي" حول إدلب والظروف المحلية والإقليمية والدولية التي رسمت سياقه، وذلك ضمن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لطرفيه (روسيا وتركيا)، مقابل تفكيك التحديات التي تعترض الاتفاق ولاتزال، سواء ما يتعلق منها بتفصيلاته وآلياته التنفيذية، أو تلك المتعلقة باستدامته على المدى البعيد، خاصة بالنسبة للدور التركي وموقعه الوظيفي من الاتفاق، فنجاح أنقرة في تنفيذ الجزء المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة. لتتوصل الدراسة إلى نتائج تمثل إجابات عن تساؤلاتها وتقدم استشرافاً لمستقبل منطقة خفض التصعيد الرابعة في ظل هذ الاتفاق، إضافة إلى تقديمها عدة توصيات مباشرة مبنيّة على أساس النتائج وتشخيص التحديات وكيفية تجاوزها.

أولاً: الاتفاق بين موسكو وأنقرة (الرابح والخاسر)

نجحت تركيا في وقف العجلة الحربية الروسية المنتشية بانتصاراتها السابقة في مناطق "خفض التصعيد" من التقدم إلى إدلب، وذلك بالتحرك على مستويين محلي- إقليمي ودولي، حيث اعتمد التحرك التركي على إتقان اللعب على المتناقضات والمصالح المتشابكة للدول المعنية بالملف السوري على تلك المستويات، فعلى المستوى المحلي عززت تركيا نقاط المراقبة الخاصة بها في ريف حماه وزادت عدد قواتها في إدلب، كما طلبت من الفصائل الحليفة لها ضمن تشكيلات "درع الفرات" و"غصن الزيتون" الاستعداد للمشاركة في المعركة، ونشرت أخبار عن إدخالها شحنات سلاح نوعي للمعارضة، الأمر الذي ساهم برفع معنويات فصائل المعارضة في "الجبهة الوطنية للتحرير" وعزز رغبتها بالدفاع عن مواقعها ورفض سيناريو المصالحات على غرار ما حدث في ردعا، وانعكست بالنتيجة تلك الروح المعنوية على الشارع في إدلب، والذي شهد تظاهرات بزخم كبير رافضة للمعركة.

 على المستوى الإقليمي استغلت تركيا الموقف الأمريكي المتصلب اتجاه طهران وحاجة الأخيرة للموقف التركي الرافض للالتزام بالعقوبات الأمريكية حيالها، ونجحت في تحييدها عن المعركة، مُستفيدة من موقف أوروبي منسجم مع الموقف التركي من المعركة، خاصة ألمانيا وفرنسا، وبالتالي فإن طهران لن تغامر بتوتير الجو مع الاتحاد الأوروبي الرافض للانسحاب من الاتفاق النووي، ومع الدول التي تقود وساطة مع الولايات المتحدة بخصوص هذا الاتفاق، حيث اختارت طهران عدم توريط ميليشياتها في معركة على منطقة لا تعتبرها ضمن "سورية المفيدة" بالنسبة لها، خاصةً بعد تنفيذ اتفاق إخلاء كفريا والفوعة، وفي وقت تغرق فيه تلك الميليشيات في مستنقع داعش بريف دير الزور.

على المستوى الدولي أيضاً نجحت تركيا باستمالة الموقف الأوروبي لتأييدها، وذلك بلعب ورقة اللاجئين والتلويح بأن أي موجة لجوء ناجمة عن معركة في إدلب لن تقتصر أثارها على تركيا وحدها، وإنما ستطال أوروبا، وهو الأمر الذي يخلق مشكلة حقيقية وكابوساً بالنسبة للحكومات الأوروبية التي تواجه صعوداً لليمين المتطرف واحتجاجات شعبية ضد الهجرة واللاجئين، ناهيك عن احتمال تسلل مقاتلي القاعدة إلى أوروبا بين أفواج اللاجئين. إضافة إلى ذلك استفادت تركيا من مخاوف أوروبية حيال سلوك واشنطن اتجاه الاتحاد الأوروبي فيما يخص الناتو والاتفاقات التجارية بين الاتحاد وأمريكا، حيث عكست المواقف الأوروبية ما يمكن اعتباره رغبة في إثبات أن الناتو يستطيع التحرك منفرداً دون غطاء أمريكي، وهو ما تدل عليه تصريحات تركيا بأن "حدودها مع إدلب هي حدود الناتو"، والمواقف الحازمة من فرنسا وبريطانيا حول الكيماوي، والموقف الألماني الجديد نسبياً حول إمكانية التدخل العسكري في حال استخدام الكيماوي، وهذا ما قد يشير إلى إمكانية تفعيل دور تركي أوروبي على المستوى الدبلوماسي فيما يخص الملف السوري، يُعيد إحياء مسار جنيف ويمهد لانهيار أستانة، خاصة بعد الشرخ الذي أحدثته إدلب بين أطراف المسار الثلاثة.

في ظل تلك الجهود التركية لم يكن من الممكن لموسكو أن تمضي قدماً في معركة ليست محسومة دبلوماسياً، وهو ما اعتادت عليه سابقاً، كما أن موقف إيران وعدم نيتها للمشاركة في المعركة في ظل النقص العددي لقوات النظام يجعل الحسم العسكري للمعركة أقرب للمستحيل، خاصةً مع الدعم التركي للفصائل المعارضة ووجود قوات تركية على الأرض، وعليه لم يبق أمام موسكو إلا التراجع عن العمل العسكري والتفاوض مع تركيا حول بدائل تحقق للطرفين مصالحهم وتحافظ على مسار أستانة.

مما لا شك فيه أن موسكو  بإبرامها لهذا الاتفاق تكون قد خضعت لجملة من الظروف المحلية والدولية، والتي عكست نجاحاً للجهود التركية على الصعيدين العسكري والديبلوماسي، وهو ما يُفهم بأنه نصر تركي حقق لأنقرة ما كانت تريده من وقف عملية عسكرية شاملة تشنها موسكو على إدلب، والواقع أن الاتفاق لم يحقق لتركيا مكاسب وإنما جنبها مجموعة من الخسائر المادية والسياسية على رأسها خسارة مصداقيتها أم حلفائها من الفصائل السورية في "جبهة التحرير الوطنية" وأمام جمهور الثورة السورية في الشمال السوري، وهو ما سينعكس بالضرورة على دورها السياسي والعسكري في الملف السوري، إذ سيؤدي أي تراجع لفصائل منطقة "خفض التصعيد" الرابعة إلى انكشاف مناطق السيطرة التركية على الشريط الحدودي مع سورية (درع الفرات، غصن الزيتون) أمام قوات النظام ومليشيات "قسد" التي أعلنت عن نيتها المشاركة في معركة إدلب، وبالتالي سيصبح ما حققته تركيا من مكاسب عسكرية مهدداً، بالإضافة إلى الأعباء الإنسانية التي ستتحملها تركيا نتيجة المعركة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، وما سيترتب عن أي موجة نزوح جديدة من حراك سياسي داخلي معارض لطالما اتخذ من اللجوء السوري ذريعة لمهاجمة الحكومة التركية.

أما بالنسبة لموسكو فيبدو  أن "الاتفاق المؤقت" على حد تعبير مسؤوليها([1])، قد حقق لها ما كانت تصبو إليه مرحلياً؛ فالمعركة في منطقة "خفض التصعيد" الرابعة تبعاً لطبيعتها الجغرافية والفصائل الموجودة فيها لا يمكن حسمها بمرحلة واحدة، فالمنطقة جغرافياً تقسم إلى منطقة سهلية على تخوم مناطق سيطرة النظام ومنطقة جبلية خلفها، وهو الأمر الذي يستوجب أن تكون المعركة على مرحلتين: الأولى تتم السيطرة فيها على المناطق السهلية، ثم مرحلة أخرى أكثر صعوبة وقد تستغرق أشهر للاستحواذ على المنطقة الجبلية، إضافة لذلك تشهد المنطقة السهلية تواجد كثيف للفصائل المعتدلة "جبهة التحرير الوطني"، ولذلك فالاستحواذ عليها في المرحلة الأولى بالنسبة لموسكو سيسهل عليها استخدام القوة المفرطة في المرحلة اللاحقة كون المنطقة ستكون في الغالب خاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام"([2])، وعليه تكون موسكو وفقاً للاتفاق قد حققت أهداف المرحلة الأولى من المعركة دون خوضها، فهي قد استكملت تأمين مواقعها في ثلاث محافظات (حلب، حماه، اللاذقية) وأبعدت خطر استهداف قاعدة حميميم عبر الطائرات المسيّرة، وضمنت افتتاح طرق التجارة الضرورية للنظام، والتي سيساهم تأمينها بقضم ما لا يقل عن 10 كم2 من المساحات التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، حيث ستوكل مهمة تأمين تلك الطرق لدوريات مشتركة (روسية تركية إيرانية) بحسب تصريحات لقيادات في فصائل المعارضة([3]).

 أما بخصوص المرحلة الثانية من المعركة والهيمنة المباشرة على إدلب، فيبدو أن موسكو على ثقة بأنها قادمة لا محالة وتأجيلها لفترة يصب في صالح موسكو، فقد أتاح انسحاب "هيئة تحرير الشام" من المنطقة العازلة بموجب اتفاق سوتشي الفرصة لموسكو لتشكيل بقعة جغرافية محدودة تقع تحت سيطرة تنظيمات إرهابية تتفوق بشكل كبير  من الناحية القتالية والتسليحية على الفصائل المعتدلة في تلك المنطقة، مما قد يتيح لها الهيمنة المطلقة على تلك المنطقة، الأمر الذي سيخلق ذريعة لموسكو لفتح معركة، خاصة في ظل عجز تركيا على مدار عام من اتفاق أستانة 6 عن تفكيك "هيئة تحرير الشام"، ورفض الأخيرة للعرض التركي بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطنية"([4])، إضافة إلى صعوبة خيار نقل التنظيمات المتطرفة من إدلب إلى مناطق أخرى كما تم سابقاً في عدة صفقات. وفي ظل هذا الواقع فالمرجح أن تفضي الأمور إلى معركة قد تفضل تركيا أن تخوضها بنفسها مع فصائل "جبهة التحرير الوطني" للتخلص من "هيئة تحرير الشام" أو بعض أجنحتها، الأمر الذي يُرجح ألا تعارضه موسكو؛ فمثل تلك المعارك تكون فاتورتها مرتفعة لناحية الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، خاصةً مع تداخل مناطق الهيئة مع المناطق المدنية، وستتحمل تركيا أي ردود فعل دولية لتلك المعركة، كما حدث إبان تحرير مدينتي الباب وجرابلس من "تنظيم الدولة" وعفرين من مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، وبالنتيجة ستحقق موسكو مكاسب مجانية جديدة عبر عقد المصالحات أو عودة مؤسسات النظام إلى إدلب كمقدمة لتصفيتها كمنطقة أخيرة للمعارضة على غرار سابقاتها من المناطق.

يدعم هذا السيناريو لمصير إدلب أن اتفاق سوتشي لا يُعد جديداً، وإنما هو نسخة من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أستانة 6 لضم إدلب ومحيطها إلى مناطق خفض التصعيد في أيلول /سبتمبر من العام الفائت، حيث تضمن الاتفاق تشكيل منطقة عازلة بإشراف نقاط مراقبة إيرانية روسية تركية، وتكليفاً لتركيا بتفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية([5])، ولم يُكمل الاتفاق عاماً واحداً حتى بدأت موسكو بالتحشيد للهجوم على المنطقة بذريعة الفشل التركي بتنفيذ مهمة تفكيك "هيئة تحرير الشام"، وهو السيناريو الذي ستعمل موسكو على تحقيقه اليوم في ظل استمرار الظروف ذاتها دون تغيير فيما يخص "هيئة تحرير الشام" والواقع العسكري والإداري والسياسي لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، وهو ما يشكل مجموعة تحديات جدية لتركيا واختباراً لها أمام موسكو والمجتمع الدولي من جهة، وأمام سُكان تلك المنطقة من المدنيين والفصائل المتحالفة معها من ناحية ثانية، وأهم من ذلك لقدرتها على حماية أمنها القومي ودورها السياسي في الملف السوري عبر الاحتفاظ بمنطقة خفض التصعيد الرابعة.

ثانياً: تحديات الدور التركي

ألقت موسكو الكرة في ملعب تركيا بقبولها باتفاق سوتشي، وهو الأمر الذي يمثل رهاناً روسياً على الوقت لاستعادة إدلب ومحيطها، فنجاح أنقرة بتنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى، وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة وعقبات أكبر حجماً تتعلق بتفكيك الهيئة، وتغيير الواقع الإداري والعسكري والاقتصادي للمنطقة في حال كان لدى أنقرة رغبة بالحفاظ عليها ودمجها تحت إدارتها مع منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"([6])، ويمكن إجمال أبرز التحديات التي من الممكن أن تواجه الدور التركي، بالتالي:

1.   تحديات متعلقة بالاتفاق

بالرغم من نجاح أنقرة في تنفيذ الخطوة الأولى من الاتفاق والمتعلقة بسحب السلاح الثقيل من المنطقة العازلة؛ إلا أن استكمال الخطوات المرحلية اللاحقة من الاتفاق ستكون أكثر صعوبة وبحاجة إلى أمد أبعد مما اتفق عليه، وهو ما ستطالب به أنقرة غالباً، فانسحاب الفصائل المتشددة من المنطقة العازلة لم يتم وفق الجدول الزمني في 15 أكتوبر/ تشرين الأول، كما تُشير المواقف المعلنة للفصائل بأن الخطوة لن تسير بسلاسة كسابقتها، فقد رفضت أربعة تنظيمات جهادية الاتفاق (حراس الدين، أنصار التوحيد، جبهة أنصار الدين، جبهة أنصار الإسلام) وأعلنت تشكيل غرفة عمليات تحت مسمى "وحرض المؤمنين"، وعرضت صوراً لاستهداف مواقع قوات الأسد في معسكر جورين من نقاطها في المنطقة منزوعة السلاح المتفق عليها بعرض 20 كيلومتراً في مناطق سيطرة المعارضة([7]).

ويُشير بيان "هيئة تحرير الشام"([8])، والذي تأخر صدوره إلى قبل يوم من نهاية المهلة المحددة في الاتفاق لانسحاب الفصائل المتشددة، إلى أن الهيئة قبلت بسحب السلاح الثقيل كخطوة تكتيكية لكسب الوقت، ولكنها قد لا تسير إلى جانب تركيا في تنفيذ باقي بنود الاتفاق، حيث تضمن البيان شكراً لتركيا على جهودها ورفضاً للتخلي عن السلاح أو قتال النظام في إشارة مستقبلية إلى أنها لن تقبل حل نفسها، وقد يُمثل هذا البيان حلاً وسطاً توصل إليه جناحا الهيئة اللذان انقسما حول الاتفاق بين رافض (جناح أبو اليقظان المصري) وجناح يرحب بالاتفاق والاندماج مع "الجبهة الوطنية للتحرير" (جناح الجولاني)([9])، كما أن مواقف الفصائل المعتدلة حول الاتفاق جاءت أيضاً متحفظة على بعض بنوده فيما يتعلق بحدود المنطقة العازلة والدوريات الروسية، مما يُشير إلا أن تركيا اليوم أمام موقف حرج، خاصةً مع نفاد المهلة المتفق عليها لانسحاب التنظيمات المتشددة والمترافقة مع تصاعد اللهجة التهديدية من النظام وموسكو حول إمكانية استئناف المعركة في حال عدم التزام الطرف الآخر بوعوده، وأن الاتفاق مؤقت وإدلب ستعود إلى سيطرة النظام([10])، وهو ما يضع أنقرة أمام خيارين، الأول طلب تمديد المهلة الزمنية لانسحاب التنظيمات المتشددة من المنطقة العازلة، الأمر الذي قد تقبله موسكو مقابل تنازلات معينة من الطرف التركي بخصوص تفاصيل الاتفاق، ومن المرجح أن تكون التنازلات حول الدوريات الروسية في المنطقة العازلة، والثاني هو القيام بعمل عسكري محدود لإجبار الفصائل الرافضة للانسحاب على الالتزام ببنود الاتفاق، وهو خيار أقل ترجيحاً نظراً لأن أي اشتباك تركي مع هذه الفصائل قد يؤثر على الاتفاق برمته لأنه سيتجاوز حدود المنطقة العازلة، مما يفتح الباب أمام معركة شاملة في إدلب .

وفي ظل الاحتمال الأول ونجاح أنقرة بكسب المزيد من الوقت لإقناع الفصائل الجهادية بالانسحاب من المنطقة العازلة؛ فإن الخلافات حول باقي بنود الاتفاق لن تتوقف مع فصائل المعارضة أو مع "هيئة تحرير الشام"، وبخاصة حول نقطة فتح الطرق التجارية (M4-M5)، والتي يستلزم تأمينها انسحاب فصائل المعارضة بمقدار 10 كم2 على جانبي الطريق، مما يعني خسارة أراضٍ جديدة بالنسبة للمعارضة، وخسارة أكبر بالنسبة لهيئة "تحرير الشام"، والتي ستتنازل عن إدارتها للمعابر الحدودية مع تركيا بعد خسارتها لمعابر التجارة مع مناطق النظام في المنطقة العازلة، وهي أهم موارد تمويل الهيئة، ناهيك عن قبولها بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطني"، تلك العقبات التي ستواجه تركيا الواقع على عاتقها مهمة التخلص من التنظيمات الإرهابية في إدلب كشرط لاستمرار الاتفاق؛ تجعل من خيارات أنقرة ضيقة وقد تفرض عليها في مرحلة ما خوض معركة مع تلك التنظيمات، وبخاصة مع الجناح المتشدد من "هيئة تحرير الشام" وغيرها من الفصائل المصنفة دولياً إرهابية (حراس الدين، أنصار الإسلام، الجهاديين المستقلين الفصائل، خلايا داعش، الحزب الإسلامي التركستاني) وهي تنظيمات تضم في غالبها مقاتلين أجانب وتتسم بالتشدد ورفض الحلول السياسية، الأمر الذي قد يدفع تلك التنظيمات للتوحد في مواجهة أي محاولات للتخلص منها، مما سيشكل كتلة صلبة من الجهاديين المتشددين الأجانب يصعب التخلص منها عسكرياً كون المعركة ستكون وجودية بالنسبة لهم، وذات فاتورة مرتفعة بشرياً في ظل وجودهم في مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة.

2.   تحديات ما بعد الاتفاق: (الاستدامة)

تعكس التصريحات التركية رغبة أنقرة بالاحتفاظ بنقاط المراقبة الخاصة بها وبوجودها العسكري في إدلب ومحيطها لحين إجراء انتخابات في سورية([11])، واستكمال تأمين شريطها الحدودي من تواجد مليشيات PYD في شرق الفرات، وبالمقابل تُظهر التصريحات الروسية إصراراً على استعادة إدلب ولو بعد حين([12]). وفي ظل تلك الرغبات المتضاربة بين شريكي أستانة يبقى مصير إدلب معلقاً بمدى نجاح تركيا في تذليل العقبات المتعلقة بتنفيذ بنود الاتفاق مع نهاية العام الحالي، وقدرتها على فرض واقع جديد في إدلب وباقي المناطق الواقعة تحت سيطرتها في الشمال السوري، وهو ما يستلزم جهود أكبر لتذليل عقبات أخرى تعترض استدامة سيطرة المعارضة وتركيا على تلك المناطق، ويمكن تحديد تلك العقبات بالتالي: 

أ‌.        عقبة عسكرية: (معضلة التوحيد)

يُشكل الواقع العسكري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة معضلة حقيقية أمام تركيا؛ فالمنطقة تحتوي على ما يقارب 90 ألف مقاتل مختلفي التوجهات والمشارب العقائدية بين معتدل ومتشدد وأكثر تشدداً([13])، ناهيك عن الاختلافات المناطقية الناجمة عن تهجير حوالي 20 ألف مقاتل إلى إدلب من باقي المناطق السورية. الأمر الذي خلق واقعاً من الفوضى الأمنية تجلى في عمليات تفجير واغتيالات باتت شبه يومية في المنطقة، إضافة إلى حدوث اشتباكات متكررة بين "هيئة تحرير الشام" والفصائل المنضوية تحت "جبهة التحرير الوطني".

وفي ظل هذا الانفلات الأمني وفوضى السلاح؛ فإن مهمة تركيا في الحفاظ على المنطقة تحت سيطرتها وإبعاد شبح إخضاعها لسيطرة النظام مجدداً ستكون أقرب للمستحيلة، خاصةً في حال استنساخ تجربة درع الفرات في إدلب، وهو ما بدأت تركيا القيام به بالفعل. حيث طلبت من الفصائل في منطقة خفض التصعيد الرابعة تقديم كشوف ذاتية لمقاتليها وكشوف للسلاح الذي تمتلكه على غرار ما قامت به سابقاً مع فصائل درع الفرات وغصن الزيتون، وقد تكون تلك الخطوة تمهيداً لدمج فصائل إدلب بـ "الجيش الوطني" الذي تم تشكيله في الشمال السوري([14]). تلك المساعي التركية رغم أهميتها الظاهرية لتشكيل كيان عسكري جامع؛ إلا أن المشكلة تكمن في مضمونها إذا ما قيست بتجربة الجيش الوطني، فالفيالق الثلاثة المكونة للجيش هي كيانات على الورق فقط دون أي ارتباط حقيقي بقيادة مركزية، وهو أقرب إلى ائتلاف فصائل بإشراف تركي منه إلى جيش، حيث لا يملك وزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان التابعين للحكومة المؤقتة أي صلاحية فعلية لإصدار أوامر إلى الفصائل، وما زال أي فصيل داخل الجيش الوطني أكبر عملياً من كل الحكومة، ولا يقبل فعلياً تلقي أي نوع من الأوامر منها([15])، إضافة إلى عجز جهاز الشرطة العسكرية التابع لوزارة الدفاع عن ردع انتهاكات الفصائل اتجاه المدنيين وضبط سلوك أفرادها.

ب‌.   عقبة إدارية: (معضلة الحوكمة)

لا يقل الواقع الإداري لمحافظة إدلب سوءً عن واقعها العسكري لناحية الانقسامات من حيث التبعية، ووجود عدد كبير جداً من المجالس المحلية يقارب 140 مجلساً، وحسب تقرير أولي لمسح ميداني أجراه (مركز عمران للدراسات الاستراتيجية) مع وحدة المجالس المحلية، جرى في الفترة من 8 أبريل/نيسان 2018 وحتى 15 مايو/أيار 2018 في محافظة إدلب، فإن 59% من المجالس المحلية تُصنِّف نفسها بأنها تتبع إدارياً للحكومة المؤقتة مقابل 7% تُصنف نفسها تابعة لحكومة الإنقاذ. ومن الملاحظات وجود عدد من المجالس التي تتبع الحكومة المؤقتة لكنها مرغمة على التعاون مع حكومة الإنقاذ، فيما تصنف 16% من المجالس نفسها بأنها مستقلة عن حكومتي الإنقاذ والمؤقتة([16]). وعموماً، يمكن تسجيل عدة ملاحظات تجاه فاعلية المؤسسات السياسية والإدارية المحلية والجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني في محافظة إدلب، إذ تصطدم سياساتها بالعديد من العراقيل التي تحد من خياراتها، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أولاً: إلى التعارض في أجندات الجهات المسيطرة على المحافظة، وثانياً: إلى تشتت الإدارات والهيئات المدنية التي لا تزال تفتقر لرؤية استراتيجية موحدة تُمكنها من امتصاص صدمة النزوح وابتداع أدوات إدارة سياسية واقتصادية واجتماعية تتواءم مع الوضع غير المستقر للمحافظة، وثالثاً: للاعتمادية المفرطة على المنظمات الدولية والمحلية في تقديم المساعدات للسكان ومخيمات المهجرين والمجالس المحلية([17]). 

هذا الواقع الإداري يُشكل أيضاً عقبة في وجه المساعي التركية لإعادة تنظيم المنطقة تمهيداً لدمجها مع منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، خاصةً في ظل احتمال اندماج "هيئة تحرير الشام" عسكرياً مع "الجبهة الوطنية"، وإدارياً ضمن هيكل الحكومة المؤقتة. الأمر الذي سيكون شكلياً ويحافظ للهيئة على المجالس المحلية التابعة لها، وهو ما سيؤدي إلى استمرار حالة التردي الإداري في المنطقة، ويفتح الباب أمام موسكو لطرح عودة مؤسسات النظام على الأقل لإدارة إدلب.

 بالمقابل يبدو أن تركيا ليست غافلة عن صعوبات الواقع الإداري في إدلب، فبالتوازي مع مساعيها لضبط المشهد العسكري، بدأت بإجراء إحصاء مدني للسكان، كما ركز وفد "الائتلاف الوطني السوري" في زيارته لإدلب على ضرورة ضبط الواقع الإداري للمحافظة([18])، ومن المرجح أن يتم سحب نموذج الإدارة المتبع في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" على إدلب، وهو نموذج ليس أفضل حالاً بكثير، فالحكومة المؤقتة تعد غطاءً شكلياً دون صلاحيات فعلية في الإشراف والمتابعة للمشاريع، والتي يقوم الممول ذاته بعملية الإشراف عليها، كما تتبع أيضاً قطاعات الصحة والتعليم للإشراف التركي وليس للحكومة المؤقتة([19]).

ت‌.   عقبة اقتصادية: (معضلة الفقر)

لا تعتبر العملية العسكرية على إدلب هي الخطر الوحيد الذي يهدد سكانها بالكارثة، وإنما يُنذر الوضع المعيشي للسكان فيها بكارثة إنسانية وشيكة الحدوث ناجمة عن الفقر ونقص الخدمات الإغاثية. حيث يبلغ تعداد السكان في منطقة خفض التصعيد الرابعة (محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي)، بحسب إحصاءات شهر آب/ أغسطس من عام 2018، ما يقارب من (3.867.663) نسمة. يمثل السكان المقيمين فيها نسبة 58% أي ما يقارب (2.226.736) نسمة، في حين بلغ عدد السكان النازحين (1.621.077) نسمة وما نسبته 41%. كذلك يشكل عدد السكان القاطنين في مخيمات النزوح (791.640) نسمة وما نسبته 20% من العدد الكلي لسكان المحافظة([20])، ويصل معدل الفقر بين السكان إلى 90.5%، ويبلغ تعداد العوائل التي تعيش بدخل شهري أقل من 40 دولار (107.622)([21]). ويعاني النازحون بشكل خاص من تردي الوضع الإنساني والاجتماعي بشكل كبير وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، في ظل تفشي البطالة بشكل مرتفع وانعدام سبل المعيشة لدى نسبة كبيرة منهم ووقوعهم تحت خط الفقر المدقع. أضف إلى ذلك المشكلات المرتبطة بانهيار البنية التحتية والوضع الصحي المتردي وغياب المأوى وارتفاع الأسعار والظروف الأمنية الخطرة التي يعيشون ضمنها([22]). كما أسهم تدهور الأداء الاقتصادي على كافة المستويات في الانكماش في النشاطات الاقتصادية وبروز العديد من النشاطات غير الرسمية كانتشار العمل العشوائي وتنامي ظاهرة "تجار الأزمة"؛ مما أفسح المجال أمام اقتصاد مواز يحاكي الرسمي المفترض، بإيراداته وشبكاته وتعاملاته التجارية. كما أن سوء الأحوال الأمنية وتدخل "الجماعات المسلحة" في مفاصل الإدارة، والقصف العنيف، وانتشار الاغتيالات، شكلت عوامل رئيسية لهروب أصحاب الأموال للخارج وعدم استقبال المحافظة لأي نوع من الاستثمارات، فانتشرت على إثر ذلك البطالة في ظل حاجة المواطنين الماسة للعمل من أجل كسب المال([23]).

  يشكل الوضع الإنساني تحدياً كبيراً أمام بقاء المحافظة على وضعها الحالي تحت سيطرة المعارضة وبإشراف تركي، فالأوضاع المُزرية للسكان عموماً وللمهجرين منهم خصوصاً قد تُهيء لموجات من العودة الجماعية إلى مناطق سيطرة النظام على غرار ما حدث مع 600 شخص من أهالي حي الوعر في حمص نتيجة الأوضاع المتردية في مخيمات جرابلس وريف إدلب([24] وهو الأمر الذي سيصب في صالح الجهود الروسية لاستعادة اللاجئين قبل الحل السياسي، وبالتالي تدعيم صفوف قوات النظام عبر التجنيد الإجباري للعائدين. لذلك يُشكل الوضع الإنساني في إدلب وغيرها من المناطق التي تُشرف عليها تركيا تحدياً أمامها لا يقل أهمية عن تحدي إعادة الهيكلة العسكرية والإدارية، خاصةً في ظل تحملها وحيدة تقريباً لنفقات إعادة إعمار البنية التحتية في تلك المناطق (الصحة، التعليم) ورواتب مقاتلي "الجيش الوطني" و"الجبهة الوطنية للتحرير" في ظل أزمة اقتصادية تعيشها، وتراجع الدعم الدولي والعربي للمناطق الخاضعة تحت سيطرتها.

ثالثاً: النتائج

من خلال استعراض الظروف المحلية والدولية المحيطة بالاتفاق الروسي التركي حول إدلب، ومناقشة الواقع العسكري والاقتصادي والإداري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، يمكن التوصل إلى النتائج التالية والتي تمثل إجابات للتساؤلات التي طرحتها الورقة، وهي:

  1. لا يُمثل الاتفاق نصراً أو هزيمة لآخر، وإنما يمكن اعتباره رهاناً روسياً على الوقت، واختباراً لتركيا يُحدد قدرتها على إدارة ملفات إقليمية معقدة على المستوى العسكري والسياسي.
  2. لا يزال شبح احتمال شن حملة عسكرية على إدلب قائماً، خاصةً في ظل مواقف الفصائل المتشددة في المنطقة من الاتفاق، والإصرار الروسي على استعادة إدلب واعتبارها الاتفاق مؤقتاً، حيث تراهن موسكو على العقبات والإشكاليات التي تعاني منها إدلب، والتي يصعب على تركيا منفردة أن تضطلع بها في حدود الإطار الزمني المرسوم لتنفيذ الاتفاق.
  3. تشكل المواقف الأوروبية المنسجمة مع الموقف التركي وبخاصة فرنسا وألمانيا، إلى إمكانية تحييد الملف السوري عن باقي الملفات الخلافية مع تركيا، وتشكيل استراتيجية أوروبية تركيا جديدة تقوم على التنسيق المشترك، تكسر احتكار مسار أستانة للواقع الميداني على الأرض السورية، ويؤكد ذلك استئناف التنسيق الأمريكي التركي فيما يخص ملف منبج، ولكن مرحلة ما بعد الاتفاق سوتشي وإمكانية انخراط الأوروبيين في عملية إعادة الهيكلة للمنطقة بشكل يؤدي إلى استخدامها كورقة ضغط سياسي على موسكو والنظام تبقى رهناً بمخرجات الاجتماع الرباعي (روسيا، تركيا، ألمانيا، فرنسا) الذي عقد منذ أيام.
  4. تعقيدات المشهد العسكري في إدلب لناحية وجود تنظيمات متشددة أبدت رفضها للاتفاق وتكتلها في كيانات جديدة، يشير إلى أن تركيا قد تسعى إلى طلب تمديد للإطار الزمني للاتفاق بغية استكمال محاولاتها لتحييد الأطراف الأقل تشدداً من تلك التنظيمات، وذلك لتخفيف فاتورة أي عمل عسكري قد تضطر تركيا للقيام به للتخلص من الأجنحة المتشددة والجهاديين الأجانب.
  5. نجاح تركيا في تنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة كمرحلة أولى ومن ثم تفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية في المنطقة، لا يشكل ضمانة لعدم مطالبة موسكو بعودة المنطقة إلى سيطرة النظام، وهنا تظهر الحاجة التركية إلى تشكيل مظلة دعم سياسي واقتصادي دولي تمكنها من مواجهة الضغوط الروسية وتجاوز العقبات والتحديات التي تمثلها الظروف العسكرية والاقتصادية والإدارية للمنطقة، وذلك في حال رغبت تركيا بالبقاء في المنطقة إلى حين إجراء انتخابات في سورية.

رابعاً: التوصيات

تعيش منطقة خفض التصعيد الرابعة ما عاشته سابقاتها من المناطق فيما يخص الإشكالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، والتي أفضت إلى سقوطها، ولذلك لا يعتبر اتفاق "سوتشي" إنقاذاً للمنطقة من مصير سابقاتها في حال استمرار ذات الظروف المحلية، والمواقف الإقليمية والدولية السلبية اتجاه المنطقة ومن خلفها الثورة السورية التي تعتبر هذه المنطقة آخر المناطق التي تمثلها. وفي الوقت ذاته يُمكن أن تشكل المنطقة فرصة لانطلاقة جديدة تفرض واقع جديد على مستوى الثورة السورية وتحسين شروط التفاوض على الحل السياسي مع النظام، وبالتالي فرصة للأطراف الإقليمية والدولية الراغبة بعدم تفرد موسكو بصياغة الحل السياسي، ومحاصرة نفوذ إيران في سورية، ولكن هذا الواقع الجديد بحاجة إلى عملية إعادة هيكلة شاملة على المستوى العسكري والإداري والسياسي للمنطقة، وتعاون إقليمي دولي مع الدور التركي. وعليه يمكن من خلال تحليل واقع المنطقة وإشكالياتها صياغة التوصيات التالية:

1.   على المستوى السياسي

تُشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة مع مناطق "درع الفرات" الواقعة تحت الإشراف التركي مساحة جغرافية كبيرة، وثقل سكاني هائل يُمثل كل المحافظات السورية، وعليه لابد من إعطاء طابع تنظيمي للجهود الشعبية المتمثلة بالتظاهرات يؤسس لفاعلية سياسية تحتاجها الثورة السورية بعد خساراتها المتعاقبة على المستوى العسكري وانحسارها إلى الشمال فقط، ويمكن ترجمة ذلك إلى خطوة عملية تتمثل بإعادة إحياء مفهوم التنسيقيات الثورية والتي تمثل كل قرية أو مدينة أو مجموعة من المهجرين وإعطاء تلك التنسيقيات طابع رسمي يعترف بها وبأعضائها من قبل المجالس المحلية والحكومة الانتقالية والائتلاف، وتأمين حاجات تلك التنسيقيات اللوجستية اللازمة لتنظيم التظاهرات. إن مثل هذه الخطوة ستشكل أرضية لفصل العمل العسكري والإداري عن السياسي في الشمال السوري، وستتيح الفرصة لإحياء فاعلية شعبية مؤثرة ومعبرة عن وجهة نظر جمهور الثورة السورية، كما أن وجود مثل تلك التنسيقيات ودعمها يُمكن أن يُستثمر في سبيل إحياء العمل السياسي ورفع الوعي الشعبي تحضيراً للاستحقاقات القادمة كالدستور والانتخابات البرلمانية وفق الرؤية الدولية.

2.   على المستوى العسكري

يعيش الشمال السوري عموماً مشهداً عسكرياً بالغ التعقيد لجهة العدد الكبير من المقاتلين المنضوين تحت لواء فصائل متعددة الاتجاهات، العدد الغالب من قياداتها وأفرادها من خلفيات مدنية وليست عسكرية. ولم يعد هذا الواقع العسكري مقبولاً في ظل المرحلة القادمة، والتي سيكون عنوانها بناء السلام ما بعد النزاع، حيث تتطلب تلك المرحلة وفقاً للأجندة الدولية تصفية العسكرة وإعادة دمج أطراف الصراع في جيش وطني موحد بالتزامن مع مسار الحل السياسي. وهنا تكمن المشكلة، فطرفا اتفاق أستانة (روسيا، تركيا) يمتلكان رؤى غير مناسبة للتعامل مع ملف تصفية العسكرة، الرؤية الروسية تتمثل بالمصالحات وإعادة دمج من يرغب من المقاتلين في جيش النظام، وهو الأمر الذي يمثل إعادة رفد وترميم جيش النظام والحفاظ على عقيدته وليس إعادة هيكلته بشكل يجعله مؤسسة داعمة للسلام والتحول الديمقراطي في البلاد، أما الرؤية التركية فتتمثل بإنشاء بنية تحمل طابع المؤسسة العسكرية النظامية (وزارة دفاع وهيئة أركان)، ولكنها دون صلاحيات فعلية على الأرض، حيث تحتفظ الفصائل بكيانها المستقل وقياداتها ومناطقها، وهو ما يساهم باستمرار حالة الفوضى وتغول الفصائل على حالة المؤسسات المدنية، ويعدم أي إمكانية لدمج تلك الفصائل مستقبلاً في جيش وطني، وبذلك يتحقق لموسكو والنظام ما يرمون إليه في الحفاظ على مؤسسة عسكرية موالية للنظام وتشكل أداة حماية له.

بين تلك الرؤيتين، المطلوب اليوم في الشمال هو عملية إعادة هيكلة حقيقية للقطاع الأمني تمهد لعملية إعادة الهيكلة الشاملة على مستوى سورية، ولابد لتلك العملية في الشمال من أن تبدأ بعملية ما يسمى بالـ (DDR) "نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج"، وهي عملية تشمل نزع السلاح المنفلت وضبطه وإدارة الأسلحة الموجودة في المنطقة، ثم تسريح واستبعاد العناصر المدنية، خاصة على مستوى القيادات من الفصائل واستبدالهم بضباط وصف ضباط عسكريين تمهيداً لدمج الفصائل في كيان عسكري موحد، وتحتاج مثل هذه العمليات إلى خبرات دولية مارست مثل تلك البرامج في نزاعات سابقة، إضافة إلى إمكانات وبرامج اقتصادية لتمكين المقاتلين الذين يتم تسريحهم، وعادة يتم تقديم منح مالية للمقاتلين المسرحين لتمكنهم من العودة إلى الحياة المدنية، وتأمين مورد رزق بديل، وتلك الإمكانات لا تستطيع تركيا تحمل عبئها منفردة؛ لذلك لابد من إطلاق عملية إعادة هيكلة عسكرية في الشمال بإشراف المؤسسات الدولية المتخصصة كالأمم المتحدة و منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ((OECD.

إن إطلاق عملية إعادة هيكلة حقيقية في الشمال يمكن أن ينتج كياناً عسكرياً ضخماً يحقق مكاسب للعديد من الأطراف؛ ومنها لجم التطلعات الروسية لهندسة حل سياسي يحقق مصالحها منفردة، ويساهم في حال دمجه في الجيش النظامي في إحداث تغيير حقيقي على مستوى بنية وعقيدة الجيش السوري بشكل يضمن استقرار السلام بعد النزاع، بالإضافة لذلك فمثل هذا الكيان يُمكن أن يتم الاعتماد عليه في مواجهة المليشيات الإيرانية مستقبلاً، وكسر احتكار قوات "سورية الديمقراطية" للمناطق المحررة من تنظيم الدولة شرق الفرات.

3.   على المستوى الإداري والاقتصادي

بالتوازي مع الحاجة لإعادة الهيكلة السياسية والعسكرية تظهر حاجة ملحة جداً في الشمال السوري لإعادة هيكلة إدارية تساهم في خلق نموذج حوكمي جديد، ولابد أن يرتكز هذا النموذج إلى وحدة القرار الإداري أي حصره في يد الحكومة المؤقتة على كافة المستويات ودمج أي كيانات إدارية أخرى ضمن الحكومة، وبخاصة على مستوى الدعم والنشاط الإغاثي، وهذا ما يتطلب تظافر الجهود بين القوى المحلية الفاعلة على الأرض ومجمل المؤسسات السورية المعارضة (وسائل إعلام، مراكز بحثية، تجمعات سياسية، منظمات مجتمع مدني)، وذلك لخلق نموذج حوكمة جديد للشمال السوري يهيئ لحكم مدني رشيد، ونظام لامركزية إدارية قابل للتعميم مستقبلاً على مستوى سورية، وهو ما يقتضي بالضرورة أيضاً توافر الدعم الدولي لخلق مثل تلك التجربة، وخاصةً لناحية دعم الحكومة السورية واعتباره الكيان الإداري الوحيد المخول بإدارة المنطقة. إن تحقق إعادة هيكلة إدارية وعسكرية في الشمال السوري سيساهم في خلق بيئة آمنة يُمكن استغلالها للتواصل مع رجال الأعمال السوريين للاستثمار في الشمال عبر مشروعات تحددها المجالس المحلية والحكومة المؤقتة وتوفر لها الحماية والإمكانات اللازمة، الأمر الذي سيساهم في خلق فرص عمل وتحريك النشاط الاقتصادي، وبالتالي التخفيف من نسبة الفقر.

تشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة اليوم تحدياً كبيراً يحدد النجاح أو الفشل في التعامل معه مصير الحل السياسي في سورية، وهذا ما يتطلب من الجهات المحلية مدنية وإدارية وعسكرية تكريس جهودهم لدعم تنفيذ الاتفاق لتجنيب المنطقة شبح هجوم روسي جديد، ولابد للدول الداعمة للثورة السورية إقليمياً ودولياً دعم الجهود التركية على مستوى تنفيذ الاتفاق كمرحلة أولى، ومن ثم تأمين استقرار المنطقة عبر عملية إعادة الهيكلة السياسية والعسكرية والإدارية، والتي ستشكل فرصة لإعادة التفاوض إلى سكة جنيف وفق مقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وليس الرؤية الروسية، الأمر الذي يتطلب تنحية الملف السوري عن قائمة الملفات الخلافية مع تركيا، والتعامل مع المنطقة كآخر مناطق الثورة السورية وليس كمنطقة نفوذ تركي.


 

([1]) موسكو تؤكد تنفيذ اتفاق إدلب وتعتبر المنطقة العازلة مؤقتة، موقع صحيفة الشرق الأوسط، 28/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ygHr2r

([2]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 11/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2pSfEkc

([3]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، 10/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2RP20vi

([4]) "النصرة" ترفض طلب تركيا بحل نفسها وتحذر "الوطنية للتحرير" من استهدافها، موقع روسيا اليوم، 4/8/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Mjnj4T

([5]) توافق بأستانا على منطقة خفض تصعيد في إدلب، موقع الجزيرة نت، 13/9/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NDbo1G

([6]) أردوغان: لن نخرج من سورية قبل أن يجري شعبها انتخاباته، موقع روسيا اليوم، 4/10/208، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CJkfxB

([7]) أربعة تشكيلات “جهادية” ترفض اتفاق إدلب وتحاول عرقلته... تعرف إليها، موقع صحيفة عنب بلدي، 15/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2yHx0nU

([8]) "تحرير الشام" تعلق على اتفاق إدلب وترفض تسليم السلاح، موقع صحيفة عنب بلدي، 14/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NHhj5W

([9]) اتفاق المنطقة العازلة في إدلب... السياق والواقع الراهن واتجاهاته، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 12/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2A6Jmbk

([10])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، 23/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CKiJeQ

([11]) أردوغان: تركيا لن تغادر سوريا حتى يجري الشعب السوري انتخابات، سبوتنيك عربي، 4/10/2018، متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/X1kZve

([12])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، مرجع سبق ذكره.  

([13]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، مرجع سبق ذكره.

([14]) إدلب على خطى منطقتي "درع الفرات" و "غصن الزيتون"، موقع صحيفة عنب بلدي، 7/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Ekxarw

([15]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، 13/7/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NIDaKb

([16]) تقرير أولي لمركز عمران غير منشور.

([17]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، 24/5/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2s95y01

([18]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، مرجع سبق ذكره.

([19]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([20]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 3/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2zPAXJ8

([21]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([22]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، مرجع سبق ذكره.

([23]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([24]) حين يستغل النظام السوري عودة النازحين كورقة سياسية، موقع DW، 3/8/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2S4mqQM

التصنيف الدراسات

ملخص تنفيذي

  • رغم تفاخر موسكو بسير العمليات العسكرية والتفاوضية التي قادتها في الجنوب السوري، إلا أن استمرارها بتعزيز مقاربة الاستحواذ وعودة السيطرة للأسد ستبقى مُعرضة للعديد من الهزات والارتكاسات طالما استمر التغييب المتعمد لضرورة وجود لحظة سياسية في سورية تؤسس لاستقرار مستدام.
  • تتنامى مؤشرات "القلق" الروسي حيال الدور التركي في الشمال، وهذا اختبار جدي لمسار الأستانة الذي سيشهد جولات صعبة فيما يتعلق بالترتيبات النهائية للشمال السوري.
  • شكل استهداف قاعدة حميميم هاجساً روسياً واضحاً في الآونة الأخيرة، خاصة في ظل عدم وجود وسائل فعّالة وغير مُكلفة للتصدي للطائرات المسيرة، مما يعزز تنامي مؤشر الاستنزاف.
  • تدفع روسيا باتجاه تعزيز مقاربة الأسد مقابل الضبط الإيراني؛ لتستثمر في وهمٍ لن يحصل، فالتغلغل الإيراني بِبُنى الأمن والدفاع بات عضوياً وأي إشارة لإمكانية هذا هي إشارة غير موضوعية ومنافية للواقع.
  • تمضي موسكو في منهجها الرافض كلياً لتفاعلات الملف الإنساني مستخدمة ذات المصطلحات التشكيكية في صحة التقارير الدولية وتحاول جاهدة إبعاد هذا الملف عن مسرح التأثير وهو ما لا يتوقع حدوثه مما سيعقد الموقف الروسي مستقبلاً.

تمهيد

تعددت قضايا الاهتمام الإعلامي والبحثي الروسي حيال سورية خلال الفترة الممتدة من 15حزيران – 15 تموز 2018. ويُمكن حصرها عدة محاور رئيسية منها: تطورات الجبهة الجنوبية الأخيرة؛ تزايد القلق الروسي حيال السياسة التركية في الشمال؛ السيناريوهات المتوقعة لمنطقة شرق النهر؛ القلق المتنامي من الهجمات ضد قاعدة حميميم؛ بالإضافة إلى مستجدات الملف الكيماوي. ويؤكد التعاطي الإعلامي والبحثي الروسي حيال كل هذه الملفات على التماهي المطلق مع الرؤية الرسمية للدولة، إذ تتلقف هذه الرؤية دون تكبد عناء البحث عن تفاصيلها في المشهد السوري التي تؤكد استمرار غياب عوامل الاستقرار المرتبط كلياً بمرحلة سياسية جديدة تنظرها البلاد وتعمل موسكو على إلغائها لصالح تعويم نظام الأسد.

"تسويات" في الجنوب و"ترقُّب" في الشمال

تشهد الساحة الميدانية في سورية هجوماً روسياً إيرانياً مع ميليشيات الأسد على الجنوب السوري أمام صمت دولي عامة وأميركي خاصة؛ على الرغم من كون المنطقة منطقة خفض تصعيد باتفاق الولايات المتحدة والأردن وروسيا بالتنسيق مع إسرائيل. ويأتي كل هذا كمؤشر صريح على احتمالية حدوث صفقة أولية ينتظر أن تكتمل ملامحها في قمة ترامب بوتين التي عقدت في 16/7/2018.

في بث مباشر من راديو سبوتنيك؛ أشاد الباحث مركز الدراسات الاستراتيجية فلاديمير فيتين بـ"النجاح" الذي حققه العسكريون الروس والسوريون في درعا نتيجة المفاوضات التي أجراها ضباط حميميم مع الفصائل المقاتلة والمراكز السكانية، والتي كانت نتيجتها حسب قوله "ترك الإرهابيين في منطقة خفض التصعيد لأسلحتهم المختلفة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة للجيش السوري". وأشار إلى أن الأسلحة تعود لعدة دول غربية كانت قد أُدخلت عبر الأردن، ومصرحاً "بعجز" محاولات الولايات المتحدة إيقاف هجوم القوات السورية التي يدعمها الطيران الروسي، وأن معظم البلدات يتم تسليمها دون قتال، مع أقل الخسائر البشرية وخاصة بين المدنيين. ويُتابع بالتركيز على إمكانية حل كثير من القضايا بواسطة المفاوضات على مدار الأسبوع الماضي([1]).

كما أوضح لافروف -وزير خارجية روسيا- الموقف الرسمي لموسكو بقوله أن اتفاقية خفض التصعيد قائمة بحكم الاتفاقات بين ترامب وبوتين وجوهر القضية تكمن في إبعاد "الإرهابيين عن الحدود الإسرائيلية وسيطرة الجيش السوري عليها"، وأن روسيا "نفّذت التزاماتها تجاه الاتفاقية" و"نأمل من الشركاء تنفيذ التزاماتهم، مما يظهر عدم رضى موسكو عن المحادثات التي تجريها الولايات المتحدة مع المعارضة([2]). وحول هذا الهجوم نشر آيغور سوبوتين في صحيفة نيزافيسمايا الروسية تحليلاً معمقاً حول تداعيات هذا الهجوم وهواجس موسكو حياله، حيث ركز على مجموعة من النقط أهمها ([3]):

  1. خشية تأثر المسار الدستوري بتطورات الجنوب؛ إذ تتبين مؤشراته من خلال لقاء غويتيرش (الأمين العام للأمم المتحدة) مع وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الذي أوضح استمرار الانقسام في مجلس الأمن ومحاولة بعض الأطراف حل القضية من وجهة نظرها؛
  2. قلق إسرائيل المتزايد: إذ لا تزال تل أبيب تطالب موسكو بانسحاب القوات الموالية لإيران من المنطقة الحدودية معها لا سيما مع وضوح المشاركة الإيرانية؛
  3. تأكيد تصريحات أنطون مادراسوف عضو المجلس الروسي للشؤون الخارجية بأنه "ليس مستبعداً أن يشكل الهجوم الأخير مشكلة للدبلوماسية الروسية التي تُتّهم دائماً بالأخطاء التي يرتكبها الأسد.

إلا أن الحركية الروسية لا تلحظ هذه الهواجس؛ فهي ماضية باتجاه تعزيز سيطرة النظام العسكرية وإخراج حل سياسي يبدأ بالدستور وفق مخيالها السياسي؛ ومختبرة بذات الوقت هوامش تحركاتها في مناطق ذات النفوذ الأمريكي. وعلى الرغم من أن المشهد العام وإن بدا يسير باتجاه استحواذ الأسد على المزيد من مناطق سيطرة المعارضة إلا أن المُضي دون وجود استراتيجية خروج ولحظة سياسية جديدة تعيشها البلاد وتستطيع من خلالها مواجهة تحديات عميقة مرتبطة كلياً بمولدات الاستقرار فإن المشهد العام في سورية سيكون أسير الفوضى والسيولة الأمنية ومعززاً لعوامل التشظي الاجتماعي.

أما في الشمال السوري؛ ووفقاً لتحليل الخبير في الشأن السوري نيقولاي بلوتنيكوف، فإن مؤشرات عديدة تدلل على سعي "تركيا على تدمير الحكومة السورية" كما عنون مقاله؛ ودفع الخبير بتعزيز اتجاهات التحليل نحو ربط تصرفات الحكومة التركية ببوصلة "تدمير الدولة السورية التي تقاتل الإرهابيين"، والمساعدة في "إنشاء جيب للمعارضة في شمال سورية مع حكومتها". وأكد أن إنشاء مؤسسات موازية للسلطة في دولة ذات سيادة ينطوي على مشاكل قانونية ودبلوماسية لابد من حلها. ومن هذه المؤشرات الآتي([4]):

  1. إنشاء مؤسسات إدارة محلية وتعليمية باللغات الثلاث العربية والتركية والإنكليزية؛
  2. إنشاء مراكز بريد ولوحات طرقية باللغة التركية ومصارف وموظفين؛
  3. جمع الأموال بسبب الضرائب المحلية والإيجار والرسوم البلدية بالليرة التركية؛
  4. وجود العلم التركي وصورة أردوغان في المؤسسات الرسمي؛
  5. إنشاء جهاز للشرطة بقوام 7000 فرد يحملون الإشارات التركية؛
  6. تعيين مفتي للباب من الشؤون الدينية التركية.

تدلل هذه الرؤية حيال الفاعل التركي على أن التحالف التركي الروسي ضمن مسار الأستانة هو تحالف قلق تجمعه الهواجس الأمنية المشتركة وتعمل على تباعده في المنظور الإداري والسياسي. فعلى الرغم من أنَّ الحركية التركية في الشمال السوري أتت ضمن تفاهمات الأستانة إلا أن ملامح عدم التوافق على الشكل النهائي لترتيبات هذه المناطق مرشح لمزيد من التبايُنات وسيحتاج العديد من التفاهمات الجزئية.

رغبة متزايدة بسحب "الورقة الكردية"

فيما يرتبط بشرق النهر (مناطق سيطرة الإدارة الذاتية) نشرت صحيفة سفابودنايا بريسا مقالاً بعنوان "ترامب سيسلّم الأكراد السوريين لبوتين"؛ وسردت مجموعة من المعطيات الداعمة لهذا العنوان، ومما ذكرته الصحيفة([5]):

  • بدأ الاتصالات بين قوات الأسد والقوات الكردية، واستمرت المحادثات حوالي شهر. وربما كانت شرارة البدء بها المقابلة التي أجراها الأسد والذي أبدى فيها استعداده لمناقشة أي مقترحات بناءة مع الأكراد، ولكنه أضاف إذا فشلت الجهود فسيستعمل القوة لحلها.
  • تفاهم الدولتين اللتين ترعيان الأطراف المتنازعة وهما روسيا والولايات المتحدة، فهاتان القوتان كانت قد وصلتا إلى حد الاصطدام، حيث كان العالم يتوقع حرباً بينهما.
  • قيام بعض القوى الكردية المدعومة من أميركا بالحديث فجأة عن هدنة مع دمشق، وقد بدأت المفاوضات بزيارة وفد صغير من موالي الأسد إلى الحسكة والقامشلي وتكررت اللقاءات.
  • حديث صحيفة الوطن السورية عن اتفاق تم برفع الأعلام السورية في القامشلي والحسكة وتشكيل حواجز من قوات مشتركة في المدينة.

وبينما يعتقد المستشرق السياسي الروسي "كارين جيفورجيان"، أنه لا يستحق أخذ مثل هذه الأخبار بتفاؤل مفرط، فقد تمت محاولات سابقة، وربما يتحول الوضع للأسوأ. كما شارك الخبير العسكري إيرك يلدريم التركي في حوار الصحيفة حيث قال: إن أميركا بهدف الحفاظ على علاقتها مع تركيا "التي تعتبر pyd مجموعات إرهابية" أجبرت القوات الكردية على الانسحاب من منبج، ويعتقد أن أميركا قد تعطي الأراضي التي تسيطر عليها لروسيا، ويعتبر ذلك صفقة مربحة للأسد الذي ليس لديه ما يواجه به تركيا. كما أن وجود القوات الروسية في الشمال سيحُد من العمليات العسكرية التركية في حال استمرارها شمالاً. ويُتابع الخبير بأن بوتين سيتفاهم مع أردوغان على ذلك قبل قبول عرض ترامب "تفادياً لعدم إساءة العلاقة مع تركيا". ويرى الخبير أنه قد تسمح قوات الحماية الشعبية YPG لقوات النظام بالتواجد في الأراضي التي تسيطر عليها ولكنها لن تتخل عن إدارتها لها([6]).

استنزاف "حميميم" وأسئلة "التنف"

وبسؤال مركزي إلى متى سيصمد دفاع قاعدة حميميم؟ تساءلت إيفان شفارتس التي حللت أخبار تعرض قاعدة حميميم لهجوم بطائرات مسيرة مجهولة التابعية، واستطاعت وسائط الدفاع الجوي "بانتيسير "للقاعدة من إسقاط الطائرات المهاجمة. ولكن السؤال إلى متى سيبقى إسقاط هذه الأهداف الرخيصة بواسطة منظومات الصواريخ المضادة غالية الثمن؟ وبالنظر لهذه المنظومة التي تضم 12 صاروخ إطلاق، فتستطيع إسقاط 12 طائرة، واستمرار الدفاع بهذه الطريقة سيؤدي إلى استهلاك هذه الصواريخ ونفادها، وفي حال تعرض القاعدة لموجات هجوم منظم قد تستطيع هذه الطائرات الوصول إلى مرابض الطائرات في القاعدة وتحقيق أهدافها. وسيصبح الدفاع عن القاعدة كمن يتصيّد العصافير بمدفع، ولكن إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الجيش الروسي يستخدم صواريخ مضادة للطائرات لتدمير طائرات بدون طيار، وهذا يعني عدم وجود وسائل فعالة من التدابير المضادة الإلكترونية ضد طائرات بدون طيار، كما يؤكد عدم فعاليّة الدفاع عن القاعدة([7]).

يؤكد المعطى أعلاه على مؤشرٍ بالغ الأهمية، ويتمثل بجعل الوجود الروسي وجوداً قلقاً تحده العديد من المخاوف الأمنية وتعرضه لاستنزافات مستمرة. وبغض النظر عن الجهة المستهدفة وما تحمله من تفسيرات محتملة، إلا أنه يكرس مقاربة الكلفة المرتفعة للانخراط الروسي في سورية الذي يشهد تزايداً ملحوظاً. فقد أُعلن مؤخراً عن شركة أمنية تُسمى "باتريوت" لها نفس مهمة "فاغنر" مع وجود أشخاص يعملون بعقود سرية مع وزارة الدفاع الروسية. وقد شاركت هذه القوات بشكل غير مباشر في تحرير دير الزور، حيث قامت بقطع خطوط الإمداد القادمة من شرق الفرات والتعامل مع قوات YPG عند اللزوم، كما شارك البعض مع قوات النمر([8]).

وفيما يرتبط بمصير قاعدة التنف الأميركية فقد بيَّنت الأوساط الإعلامية الروسية أنها ستكون حاضرة في نقاشات ترامب بوتين، وتوقعت دوراً كبيراً ستلعبه إسرائيل في هذا الموضوع (الدفع باتجاه تثبيت القاعدة)، ولهذا وصل رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى موسكو في 11/7 لمناقشة ذلك. وكان الحديث يدور على سحب القوات الإيرانية إلى 100 كم عن الحدود الإسرائيلية ثم إلى 80، بينما تُطالب إسرائيل بسحبها نهائياً، في الوقت الذي لا تستطيع فيه موسكو إعطاء مثل هذه الضمانات. وحسب الصحيفة فإن موسكو على استعداد لنشر قوات شرطة عسكرية في هذه المناطق، وأنها سعت لعدم مشاركة قوات إيرانية في الجنوب. ولكن مصادر المعارضة تُفيد باندماج هذه القوات مع الجيش السوري وارتداء زيّه العسكري، ولكن ماهي ردود فعل إيران؟ أجاب على ذلك حميد عزيري عضو نادي فالاداي وكبير المحاضرين في جامعة طهران بأنه لا يرى أي مؤشرات لمغادرة إيران سورية موضحاً أن إيران تُمارس أنشطتها عن طريق ميليشيات ليس لموسكو تأثير عليها([9]).

وفي هذا السياق وبحكم تغلغل الإيرانيين بشكل عضوي (عبر أفراد أو مجموعات محلية أو أجنبية) في بُنى الجيش والأمن، فإن موسكو ستبقى تعمل على عرض اتفاقات مع واشنطن وأن تبيعهم وهماً يسمى الانسحاب الإيراني؛ إلا أن هذا لا ينفي بالمقابل احتمالية رضا الأمريكان بضبط نفوذ إيران وتعميم نموذج الجنوب.

الملف الكيماوي وسياسة النكران الروسية

وفيما يتعلق بتطورات التحقيق في استخدام السلاح الكيماوي؛ تابعت الخارجية والدفاع الروسيتين اتهامها لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية بتحيُزها في التحقيق الذي يجري في سورية في دلالة على تشبُث موسكو بسياسة تحييد آثار الملف الإنساني مهما بلغت تداعياته. كان ذلك على لسان قائد السلاح الكيميائي والبيولوجي الروسي الجنرال أيغور غريلوف حين ساق التُهم التالية:

  1. عدم أخذ الأدلة من المواقع المشتبه بها، مما يؤدي إلى ظهور عبارات تحتمل تفسيرات متناقضة لمحتوى التقرير؛
  2. عدم تضمن هذه التقارير أدلة دامغة، وهذا يشير صراحة إلى العدائية ضد النظام السوري؛
  3. إن اتهام دمشق من خلال فكرة أن القنابل ألقيت من الطائرات على اعتبار أن الإرهابيين ليس لديهم طائرات، هو غير صحيح برأيه لأن البراميل كانت موجودة لدى الإرهابيين في مكان قصف الطيران مما أدى إلى انفجارها حسب رأيه.

في سياق متصل ووفقاً لبيانات وزارة الدفاع فإن "الخوذ البيضاء" هم من عملوا على تزييف الحقائق وافتعال الهجوم الكيميائي. وتُشير الصحيفة أن الولايات المتحدة تستبق التحقيق في كل مرة لتوجيه ضربات للنظام السوري، معتبراً أن "الخوذ البيضاء" تعمل لصالح القاعدة وجبهة النصرة. ويدَّعي كريلوف اكتشاف القوات الروسية مخبراً لدى الخوذ البيضاء لتصنيع الأسلحة الكيميائية بمعدات غربية وأمريكا الشمالية([10]).

بينما كتبت صحيفة كاميرسانت الروسية نقلاً عن صحيفة نيويورك تايمز إن تقرير اللجنة المشكلة لتقصي جرائم النظام السوري في حقوق الإنسان واستخدامه للأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية الذي نشر يوم الأربعاء بتاريخ 20/6 في صيغته النهائية يختلف كثيراً عن صيغة المسودة التي أعدتها اللجنة، حيث اختفت كثير من الحوادث المفصّلة عن استخدام الكلور المؤكد في مناطق الغوطة الشرقية، كاستبعاد اتهام النظام السوري عن مقتل 49 شخصاً بينهم 11 طفلاً في إلقاء قنبلة على مبنى سكني في الغوطة ومن استخدامه صواريخ أرض -أرض محملة بالغاز السام ألقيت على دوما التي ذهب ضحيتها  49 شخصاً وأصيب فيها 650 شخص، بينما يؤكد كاتب المقال المسؤولية الكاملة للجيش السوري وحلفائه عن الهجمات الكيميائية.

وتعليقاً على تقرير الأمم المتحدة أعرب لافروف عن شكوكه بنتائج التقرير لأن اللجنة اعتمدت على وسائل التواصل الاجتماعي والفيديوهات الصادرة عنها بدلاً من الذهاب إلى الموقع وهذه أدلة لا يمكن الوثوق بها حسب قوله([11]). ويذكر هنا أن موسكو ممثلة بنائب وزير الصناعة قد عارضت بشدة مشروع القرار الأممي الذي طالب بضرورة تحديد اللجنة إلا أنه تم إقرارها بعد موافقة 82 دولة واعتراض 24 دولة أخرى. والجدير بالذكر أن هذه القرارات لن تكون سارية المفعول قبل تشرين الثاني القادم موعد اجتماع الأعضاء في دورتهم العادية([12]).

لا تزال تمضي موسكو في منهجها الرافض كلياً لتفاعلات الملف الإنساني مستخدمة ذات المصطلحات التشكيكية في صحة التقارير الدولية وشيطنة كافة المنظمات الإنسانية السورية. وتحاول أن تفرض منهجية واحدة في عمل هذه التقارير عبر الاكتفاء بالوصف دون تحديد المسؤولية، وهذا يدل بشكل واضح على خطورة هذا الملف على إنجازاتها السياسية والعسكرية في المسرح السوري، لذا تحاول جاهدة إبعاده عن مسرح التأثير وهو ما لا يتوقع استمرار تغييبه مما سيعقد الموقف الروسي مستقبلاً.

وكخاتمة لهذا التقرير؛ يمكن القول:

إن معظم الأطروحات والتحليلات الروسية حيال تطورات المشهد السياسي والعسكري السوري تنطلق من ذات الفرضيات التي تُسوقها موسكو رسمياً؛ ولم تُشكل تلك الإشارات الخجولة التي يتم التطرق إليها بين الحينة والأخرى حيال مؤشرات الاستنزاف الروسي اتجاهاً إعلامياً أو بحثياً عاماً في روسيا، فلا تزال مفردات "الانتصار على الإرهابيين؛ تدمير الدولة؛ والسيادة الوطنية؛ والنظام الشرعي" هي الأكثر تحكماً بمخيال معظم المحللين والباحثين، وهذا يفسر تغييبهم المتعمد "لضرورة التأسيس لمرحلة سياسية جديدة" التي بدونها ستبقى المناخات العامة مرشحة للعديد من الارتكاسات والتحديات.


([1]) فلاديمير فيتين "نجاحات الروس والسوريين في درعا" مركز الدراسات الاستراتيجية، تاريخ: 5/7/2018 https://goo.gl/8KMzmT

([2]) مارينا بيلينكايا "الأردن يهيئ المناخ لقمة هلسنكي" كاميرسانت، تاريخ: 4/7/2018 https://goo.gl/3hLNoG

([3]) ايغور سوبوتين "الهجوم السوري الجديد في الجنوب يسبب صداعاً لروسيا" نيزافيسيمايا، تاريخ: 21/6/2018 https://goo.gl/2tuNyN

([4]) نيقولاي بلوتنيكوف "كيف تعمل تركيا على تدمير الحكومة السورية" نيزافيسيمايا، تاريخ 22/6/2018 https://goo.gl/czq9oa

([5]) نيكيتا سماغين "كيف سيغير ترامب إيران من الداخل" المجلس الروسي للشؤون الدولية، تاريخ: تاريخ 4/7/2018 https://goo.gl/k1kWz5

([6]) زاور كارييف "بوتين يسلم الاكراد السوريين لبوتين، سفابودنايا بريسا، تاريخ: 4/7/2018 https://goo.gl/b2uVgL

([7]) ايفان شفارتس "إلى متى سيصمد دفاع قاعدة حميميم" نيزافيسيمايا، تاريخ: 1/7/2018 https://goo.gl/Nx7Zuw

([8]) وتفيد صحيفة سفابودنايا بريسا أن من بين المشاركين ضابطين من داغستان برتبة نقيب ورائد سافروا إلى سورية بمعرفة قادتهم ولكن بدون علم وزارة الدفاع الروسية، قد يكون السبب الحصول على أجر مرتفع، وأحدهم حصل على لقب بطل ولكنه توفي والسبب في ظهور هذه التنظيمات التناقض في القوانين الروسية، أما عن عناصر "فاغنر" فهي تحصل على رواتب عالية بفضل مهنيتها، وما الاشاعات التي تفيد عن عدم معالجة جرحى هذه الشركات فهو غير صحيح لا بل ويتلقى ذويهم الدعم المالي والنفسي إذا لزم الأمر. في حين أشار أحد قادة فاغنر لم يذكر اسمه أنهم لا علاقة لهم بهذه المجموعة ولكن يقومون بأعمال مشتركة أحيانا، للمزيد أنظر: زاور كارييف "ارسال مرتزقة روس جدد إلى سورية" سفابودنايا بريسا، تاريخ: 7/7/2018 https://goo.gl/2tUKgH

([9]) ايلينا تشيرنينكو، ميخائيل كاراستيكوف "على ماذا يمكن ان يتفق الرئيسان بوتين وترامب في هلسنكي" كاميرسانت،9/7/2018 https://goo.gl/Xs1h8S

([10]) اولغا بوجييفا "روسيا تتهم منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بالتحيز في التحقيق"، مسكوفسكايا كمسامولسكايا، تاريخ:22/6/2018https://goo.gl/gW22wa

([11]) ايكاترينا مارييفا "لماذا ظهر تقرير لجنة الكشف عن استخدام الكيماوي في سورية مخففا" كاميرسانت، 21/6/2018 https://goo.gl/3v6Eqd

([12]) ايكاترينا مارييفا "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ستعلن جهة استخدام السلاح الكيميائي" كاميرسانت، 27/6/12018  https://goo.gl/FKJr2a

التصنيف تقارير خاصة

الملخص التنفيذي

  • تستقي الأجساد العسكرية التابعة لـ “الإدارة الذاتية" مرجعيتها من تظافر مجموعة من العوامل المتسقة مع طبيعة التوجه السياسي الشمولي للحزب المسيطر على تفاعلات هذه الإدارة، أي لا تنبع هذه المرجعية من ضرورات شعبية وتمثيلية بقدر ما هي " متطلبات المشروع السياسي" و"التمكين المحلي"، وبالعموم يمكن اسناد تلك المرجعية لجهتين رئيسيتين الأول: المستندات السياسية لحزب الاتحاد الديمقراطي  ناهيك عن أدوار منظومتي" KCK ROJAVA”، و"TEV_DEM" في عملية التشكيل المرجعي للأجسام العسكرية والثاني: الربط الإداري مع المنظومة الإدارية أو لتشريعية والتنفيذية لـ"الإدارة الذاتية".
  • يمكن ارجاع بدايات التكوين العسكري للمنظومات العسكرية التابعة والموالية لـ PYD إلى فترتين زمنيتين، الأولى تتجلى في تشكيل خلايا بسيطة عقب انتفاضة 2004 في بعض القرى لكن لم تتطور لتشكيل اي فصيل عسكري تابعٍ لحزب PYD في الفترة السابقة للثورة في سورية، حيث كانت كافة نشاطات الحزب العسكرية مرتبطة بحزب العمال الكُردستاني كتجنيد الشباب والفتيات. أما الفترة الثانية فيمكن تتبع خيوطها الأولى بقيام PYD بتشكيل خلايا منظمة للعمل العسكري ضمن صفوف ما يعرف بـ"حركة شبيبة الثورة" بإمرة "خبات ديريكي.
  • وعلى الرغم السيطرة العسكرية للبنى العسكرية التابعة للإدارة الذاتية أتت نتيجة تظافر مجموعة من العوامل الداخلية (كتوظيف الازوداجية في البنى ما بين النظام والإدارة الذاتية في دعم الاستقرار) والخارجية (كدعم التحالف الدولي) إلا أن هذا لا ينفي البعد الذاتي لتلك البنى.
  • تمثل YPG وYGJعماد القوات العسكرية التابعة للإدارة الذاتية، واعتمدت الوحدات على عناصر حزب العمال الكُردستاني في التدريب الفكري والعسكري. ويقدر عدد مقاتليه ما بين 20 إلى 30 ألف وذلك بخلاف ما يتم الإعلان عنه. وفيما يتعلق بالتراتبية العسكرية والهيكل التنظيمي، فقد استنبطت هذه الوحدات ذلك من تجربة حزب العمال الكُردستاني. وضمن النظام الداخلي لوحدات حماية الشعب يتم الإقرار بوجود أكاديميتين إحداهما للرجال والأخرى للنساء باسم "أكاديمية الشهيدة شيلان "، كما استفاد الذراع النسوي العسكري من تجربة حزب العمال الكُردستاني والذي كان قد التحق بصفوفه المئات من الفتيات من المناطق الكُردية في سورية، وعادت الكثيرات منهن ليقمن بتدريب وتنظيم الجناح النسوي ضمن صفوف وحدات حماية الشعب بداية الثورة
  • اتجهت الإدارة الذاتية نحو إعادة الهيكلة والترويج لتشكيل أفواجٍ عسكرية منذ بداية العام 2017، هذا التوجه جاء بالتوازي مع التحالف الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية دعمها " لقوات سوريا الديمقراطية"، واتساع المساحات التي تسيطر عليها قوات حماية الشعب وقوات قسد، ولم يظهر حتى الآن اختلاف كبير بين هيكلية الافواج المعلنة عن تلك التي تقوم وحدات حماية الشعب بتطبيقها على عناصرها في الوقت الحالي وهي: الوحدة (Tîm)؛ الفصيل (Taxim) ويتألف من ثلاث وحدات؛ السرية (Belûk). وتتألف من أربع إلى ستة فصائل؛ الكتيبة Tabûr). من أربع إلى ثمانية فصائل، يكون عدد عناصرها من أربعين إلى خمسين عسكري؛ الفوج (Foc). من أربع إلى ثمانية كتائب، وسيصل عدد عناصرها من ثلاثمئة إلى أربعمائة عسكري.
  • ومن القوى الرئيسية العسكرية الفاعلة تبرز أيضاً قوات الدفاع الذاتي HPX والقوى "المسيحية"، كما يردف وحدات حماية الشعب أيضاً مجموعة من القوى الأجنبية أهمها: كتيبة الحرية العالمية في رأس العين/ سريه كانيه بتاريخ 10/06/2015، وينتمي أفرادها لجنسيات وخلفيات إيديولوجية متعددة في مقدمتها اليسار التركي وبشكل رئيسي من قبل الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني MLKP التركي ”، وجيش العمال والقرويين لخلاص تركيا إضافةً إلى الحركات اليسارية المنتشرة في أوربا الشرقية وتنقسم الكتيبة إلى عدة تشكيلات أهمها لواء (بوب كرو BCB ) نسبةً إلى زعيم نقابي بريطاني. ولواء (هنري كرازوكي) نسبةً إلى قائد شيوعي فرنسي. وتابور العالميين المقاومين للفاشية   وطابور مناهضة الفاشية العالمية AIT.
  • أعلن عن تشكيل قوات الأسايش كقوة أمنية مركزية بالتزامن مع سيطرة "مجلس غربي كردستان" على المدن والمناطق ذات التواجد الكردي، وبدأت عملها بعد انسحاب قوات النظام من مدن عين العرب "كوباني" ومدن رميلان والمالكية "ديريك"، ومنذ اعلانها أعلنت الأسايش تبعيتها لسلطة الهيئة الكردية العليا والتي كانت قد تشكلت من المجلس الوطني الكُردي ومجلس غربي كردستان، والآن ترى نفسها تابعةً لمجلس سوريا الديمقراطية، وللمجلس التشريعي الخاص بالإدارة الذاتية.

ويتبع لها عدة مؤسسات كشرطة المرور (ترافيك) وقوات مكافحة الإرهاب HAT وأسايش المرأة و أمن الحواجز وجهاز الأمن العام وشعبة مكافحة الجريمة المنظمة.

  • مما لا شك فيه أن البنى الأمنية والعسكرية أعلاه تشكل العصب الرئيسي للإدارة الذاتية، إلا أن التحالف العسكري الذي أنشأته قوات وحدات حماية الشعب مع فواعل آخرين بالمنطقة شكلاً بعداً إضافياً ومهماً ضمن هذه البنى، وذلك نظراً لتنامي حضور هذا التحالف (الذي يشكل الـ YPG عصبه الرئيس والمتحكم) سياسياً وعسكرياً في المشهد السوري عامة وفي مشهد "معركة الإرهاب" خاصة بعد توكيله من قبل التحالف الدولي بالمهام الميدانية والبرية في هذه المعركة.
  • شارك في الاجتماع التأسيسي لقوات سوريا الديمقراطية بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية ال مرأةYPJ، وقوات السوتورو المتحالفة YPG كلاً من جيش الثوار والمجلس العسكري السرياني MFS وجيش الصناديد وجبهة ثوار الرقة (لواء ثوار الرقة) وكتائب شمس الشمال وتجمع ألوية الجزيرة ولواء التحرير ولواء 99 مشاة، كما انضم لاحقاً لقوات قسد عدة كتائب وفصائل أهمها تجمع الضباط الأحرار ، مجلس منبج العسكري المكون من (ثوار منبج، لواء جند الحرمين، تجمع ألوية الفرات، لواء القصي، كتيبة تركمان منبج، وكتائب شمس الشمال التي تم التوسع فيها أعلاه )، وجيش العشائر، أما قوات النخبة  فهي قوات متحالفة مع قسد.
  • يشكل الدعم الأمريكي لـ"قسد" أحد أهم أسباب استمراره، هذا الدعم الذي تم عبر عدة اتجاهات ساهمت في تمتين بناه وتطوير قدراته إذ يبدأ الدعم في تقديم الغطاء الجوي خلال المعارك وضمان عدم تعرض وحدات الحماية  خطواتٍ هجومية ضدها  والاستمرار في  إرسال الخبراء والمستشارين وعناصر قوات المارينز ووحدات أمريكية أخرى إلى المناطق الخاضعة لسيطرة " قسد" ورافق هذه الاتجاهات في الدعم استمرار قيادة التحالف بزيادة الدعم المسلح لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب وبناء عدد من القواعد العسكرية والتي تقدر بين 5_6 قواعد في ريف الحسكة وريف حلب وريف الرقة.
  • يظهر العديد من الاختلافات البنيوية بين القوى الرئيسية المنضوية تحت مظلة قسد وكان بشكل دائم وحدات حماية الشعب أحد أطرافها وهي خلافات مستمرة إلى الآن، لكنها في وضعية التجميد، وتعود بعضها إلى المرحلة السابقة لتشكيل " قوات سوريا الديمقراطية"، خصوصاً تلك التي حدثت بين YPG وجيش الصناديد، وبعد تشكيل "قسد" حدثت خلافات كبيرة مع " جيش العشائر"، ولاحقاً لواء التحرير، وخلال معركة الرقة ظهرت الخلافات بين وحدات حماية الشعب وقوات " النخبة" التابعة لتيار الغد.
  • رغم الاتساق والتوافق الشكلي مع مبررات التكوين العسكري وضروراته الهيكلية، فإن الأجسام العسكرية والأمنية وحتى التحالف العسكري الذي تشكل قوات حماية الشعب عصبه الرئيس ترتبط وظيفياً وسياسياً بحزب الاتحاد الديمقراطي ذو الحضور الاشكالي في المشهد السوري والإقليمي وهو ما يجعله أذرع تابعة له ولأجندته التي يختلط فيها الأداء السياسي المحلي مع العابر للوطنية بطريقة تعود بآثار بالغة السلبية على المستوى المحلي والإقليمي.

 

*لقراءة المادة كاملة انقر هنا لتحميل الملف المرفق..

التصنيف أوراق بحثية

مُلخص تنفيذي

  • لم يكن الاقتتال بين حركة "أحرار الشام" وهيئة "تحرير الشام" مستغرباً؛ بقدر ما كان منتظراً ومؤجلاً، سواء لجهة الاحتقان القديم بين الطرفين، أو لجهة ما أمنته مناطق "خفض التصعيد" من هدوء جبهات أتاح لمختلف القوى إعادة ترتيب أوراقها العسكرية وتوسيع مناطق نفوذها تأهباً لأي سيناريو محتمل في الشمال السوري.
  • تدرك جبهة "فتح الشام" بأنها تمثل العبء الأكبر على التفاهمات الإقليمية والدولية لأي تسوية سياسية محتملة في الشمال السوري، وعليه جاء تحركها كإعادة تموضع استباقي وتوسيع مناطق نفوذ، تأهباً لأي مواجهة محلية مدعومة إقليمياً.
  • لا يمكن فصل تصعيد حركة "أحرار الشام" عن محاولاتها التمايز عن القوى الخاضعة للتصنيف، وتوسيع مناطق نفوذها وتقديم نفسها كحركة قادرة على ضبط أمن الشمال ومحاربة "الإرهاب" بنفس الوقت، وبالتالي كطرف محلي مؤهل للانخراط ضمن أي توافقات سياسية محتملة حول مستقبل الشمال السوري.
  • تمثل حركة "أحرار الشام" وهيئة "تحرير الشام"، إحدى أكثر القوى العسكرية نفوذاً في الشمال السوري وعدد من الجبهات المختلفة، لذلك فإن تحديد طبيعة وشكل العلاقة بين الطرفين، سواء عبر اندلاع الصراع من جديد أو تسويته؛ سيرتب لتداعيات لن تقتصر آثارها على التنظيمين، وإنما ستتجاوزهما لتطال عدة جوانب في الملف السوري.
  • في ظل تصنيف جبهة "فتح الشام" وعدم قبولها دولياً وإقليمياً؛ فإنّ حركة "أحرار الشام" باتت تعي أن وجود قوى محلية خارج المشاريع الإقليمية والدولية لم يعد متاحاً على الأقل ضمن التسويات التي تتم للتهيئة لحل سياسي شامل.

مدخل

لم تلبث محافظة إدلب أن تنفست الهدنة التي فرضها اتفاق "مناطق خفض التصعيد"، حتى لاحت بوادر الصراع الداخلي من جديد، والذي اندلعت شرارته يوم الأربعاء 19 تموز/يوليو 2017 في عدة مناطق من المحافظة بين حركة "أحرار الشام" من جهة وهيئة "تحرير الشام" بمكونها الرئيسي جبهة "فتح الشام" (النصرة) سابقاً من جهة أخرى([1]). الاقتتال الذي لا يبدو مستغرباً بقدر ما كان منتظراً ومؤجلاً، سواء لجهة الاحتقان القديم بين الطرفين والذي ظهر ميدانياً في عدة محطات فارقة([2])، أو لجهة ما أمنته مناطق "خفض التصعيد" من هدوء جبهات أتاح لمختلف القوى إعادة ترتيب أوراقها العسكرية وتوسيع مناطق نفوذها تأهباً لأي سيناريو محتمل في الشمال السوري.

وعلى الرغم من أن هذا الاقتتال كان متوقعاً كمحطة في علاقة الطرفين؛ إلا أنه بدا الأوسع والأضخم، خاصة وأنه اندلع في سياق متغيرات محلية وإقليمية ودولية ضمن الملف السوري، قد تدفعه باتجاهات مختلفة وتجعل منه مؤهلاً للاستثمار في إطار التفاهمات والتوافقات الإقليمية والدولية حول الشمال السوري.

وعليه تحاول هذه الورقة؛ تحليل أبعاد ودوافع الصراع بين هيئة "تحرير الشام" وحركة "أحرار الشام"، وأثره على الطرفين وبنيتهما التنظيمية من جهة، وعلى فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري من جهة أُخرى، إضافة إلى تلمس أثر العامل الإقليمي والدولي في توجيه هذا الصراع، مقابل استشراف ارتداداته المحتملة -حتى في حال تسويته-على الشمال السوري وشكل التوافقات الإقليمية الدولية ضمنه.

أولاً: فتح الشام (دوافع التحرك)

بعيداً عن رواية الطرفين حول بدء شرارة الاقتتال ومن يتحمل مسؤوليتها، إلا أنه من المؤكد أن كل ما سبق الاقتتال من حوادث توتر بين الجهتين، سواء الاعتداء المتبادل على مقرات وحواجز الطرفين، أو نكث اتفاق منطقة تل طوقان، أو رفع علم الثورة قرب معبر باب الهوى([3])؛ ليست كفيلة بإشعال اقتتال واسع يتجاوز حدود محافظة إدلب بسرعة كبيرة ليمتد إلى مناطق نفوذ الطرفين في ريف حماة الشمالي والشمالي الغربي و مناوشات في كل من درعا والبادية السورية ([4])، بل ويستدعي تجاوز "الفتاوى الشرعية" بالنسبة لجبهة "فتح الشام" واتخاذ قرار شبه فردي بمواجهة "أحرار الشام" وتجاوز إجماع الفصائل المنضوية تحت هيئة "تحرير الشام"([5]لذلك لا يبدو التحرك ارتجالياً لجهة الطرفين، وتحديداً جبهة "فتح الشام"، والتي على ما يبدو جاء تحركها العسكري في هذا الوقت بالذات وفقاً لعدة دوافع، أبرزها؛      

  1. التحرك التركي المحتمل: تشير جغرافية التحرك العسكري لهيئة "تحرير الشام" وعلى رأسها جبهة "فتح الشام" باتجاه المناطق الحدودية مع تركيا، إلى نية الهيئة في السيطرة على المعابر الحدودية، وذلك كعمل استباقي لأي تحرك تركي محتمل في إدلب يساهم في تقويض نفوذ الهيئة في الشمال ويشجع باقي الفصائل على قتالها، ويهيئ لمناطق "خفض توتر" بإدارة إقليمية ودولية، خاصة وأن التحرك التركي المحتمل بدأت تلوح بوادره؛ إن لم يكن من إدلب بشكل مباشر، فهو من ريف حلب الشمالي باتجاه إدلب، وذلك كجزء من أهداف عملية "سيف الفرات" المرتقبة في شمال حلب، والتي قد تؤمن في حال نجاحها فرصة لوصل ريف حلب بريف إدلب وفق تفاهمات (روسية تركية)، وهذا ما تؤكده تصريحات بعض القادة العسكريين في "درع الفرات" بأن "المرحلة اللاحقة لعملية "سيف الفرات" المرتقبة في شمال حلب هي إدلب، وتحديداً جبهة "فتح الشام" ضمنها([6])".
  2. انهيار تنظيم الدولة: تدرك جبهة "فتح الشام" تماماً بأن نهاية تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا باتت قاب قوسين أو أدنى، وأن المرحلة المقبلة للمجتمع الدولي هي استهداف الجبهة في إطار التحالف الدولي للحرب على الإرهاب، وأن السباق بين مختلف القوى سيبدأ لاحتكار نقاط اشتباك معها تمهيداً للمواجهة المؤجلة، كـ (السعي المحموم من قبل لاحتكار جبهات القتال مع تنظيم الدولة)، وربما في هذا السياق يمكن فهم السعي التركي المدعوم روسياً لعملية "سيف الفرات" المحتملة، والتي تهدف بجزء منها لقطع الطريق على محاولات قوات "سورية الديمقراطية" في عفرين ومحيطها لإقناع الولايات المتحدة بخوض معركة إدلب مع "النصرة" بعد الانتهاء من معارك تنظيم الدولة والوصول إلى المتوسط مروراً بإدلب بحجة قتال جبهة "فتح الشام". خصوصاً بعد تصريح عدد من قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD عن نيتهم الوصول إلى الساحل السوري عبر إدلب بحجة محاربة جبهة "فتح الشام" بعد الانتهاء من داعش([7]).
  3. إزاحة المنافس: تعي جبهة فتح الشام بأن أي مواجهة محتملة بينها وبين فصائل المعارضة المسلحة، يتطلب جسم عسكري ضخم تلتف حوله تلك الفصائل كغطاء عسكري وشرعي لقتالها، وأن المرشح الأبرز للعب هذا الدور في إدلب تحديداً هو حركة "أحرار الشام"، لذلك يبدو أن الجبهة تعتقد بأن استهداف الحركة بهذا الوقت بالذات قد يقطع الطريق على أي تحالف محتمل ضدها محوره "أحرار الشام".
  4. رفع الغطاء الإقليمي: يبدو أن شعور هيئة "تحرير الشام" وتحديداً جبهة "فتح الشام" ضمنها؛ بأنها قد تكون ضحية لتفاهمات إقليمية ناتجة عن "الأزمات السياسية" التي تشهدها المنطقة، وبالتالي احتمالية رفع الغطاء عنها؛ عزز دوافعها بضرورة التحرك في هذا التوقيت.

تدرك جبهة "فتح الشام" بأنها تمثل العبء الأكبر على التفاهمات الإقليمية والدولية لأي تسوية سياسية محتملة في الشمال السوري، وعليه جاء تحركها وفق الدوافع أعلاه كإعادة تموضع استباقي وتوسيع مناطق نفوذ، تأهباً لأي مواجهة محلية مدعومة إقليمياً.

ثانياً: أحرار الشام (الفرص والعقبات)

على الرغم من قبول حركة "أحرار الشام" للمبادرة الشرعية الأولية المطروحة لوقف الاقتتال([8])؛ إلا أن رد فعل الحركة والتصعيد العسكري ضد الهيئة ضمن مناطق تداخل النفوذ المختلفة في كل من إدلب وريف حماة الشمالي والشمالي الغربي ودرعا، يشير إلى أن الحركة اتخذت قراراً بالمواجهة العسكرية، القرار الذي لم يبدو ارتجالياً أيضاً، بقدر ما استند إلى عدة عوامل ربما عولت عليها الحركة خلال هذا الوقت بالذات في تحركها العسكري ضد هيئة "تحرير الشام" وعلى رأسها جبهة "فتح الشام"، ولعل أبرز تلك العوامل:

  1. يبدو أن حركة "أحرار الشام" راهنت ضمن هذا الصراع المحلي على ما أفرزته مناطق خفض التصعيد من تحييد مفهوم "العدو الخارجي" المتمثل بالنظام وحلفائه، والذي لطالما تذرعت به جبهة "فتح الشام" لضبط عناصرها عقائدياً وضبط الفصائل من حولها وتوسيع نفوذها.
  2. قد يشكل تحرك "أحرار الشام" ضد الهيئة في هذا الوقت بالذات؛ "مخرجاً شرعياً" للعديد من الفصائل المنضوية تحت هيئة "تحرير الشام"، المخرج الذي إن لم يكن لصالح الأحرار فإنه لن يكون ضدهم، وذلك كخطوة أولى لعزل أكبر عدد ممكن من الفصائل عن جبهة "فتح الشام".
  3. بالمقابل تدرك الحركة لأهمية تحركها تحت غطاء شعبي ضد هيئة "تحرير الشام"، والتي تستند في هيكلها التنظيمي على العنصر المحلي السوري بأغلبها، ويبدو أن المظاهرات الأخيرة في مدينة سراقب وبعض قرى ريف إدلب، أمنت للأحرار غطاءً جيداً، لطالما تحركت جبهة "فتح الشام" (النصرة سابقاً) في هوامشه، ولكن بنفس الوقت لم يكن "التحرك الشعبي" لصالح الأحرار بقدر سقف توقعات الحركة، وذلك لعدة أسباب على رأسها توحش هيئة "تحرير الشام" في إدارة الصراع الحالي، بما في ذلك التعامل مع المدنيين.

لا يمكن فصل تصعيد حركة "أحرار الشام الإسلامية" عن محاولاتها التمايز عن القوى الخاضعة للتصنيف، وتوسيع مناطق نفوذها وتقديم نفسها كحركة قادرة على ضبط أمن الشمال ومحاربة "الإرهاب" بنفس الوقت، وبالتالي كطرف محلي مؤهل للانخراط ضمن أي توافقات سياسية محتملة حول مستقبل الشمال السوري.  ولكن على الرغم من تلك العوامل التي قد تمثل فرصاً لصالح الأحرار؛ إلا أن صراعها مع الهيئة وجبهة "فتح الشام" لن يكون بتلك السهولة، وعليه فإن "الأحرار" ينتظرهم عقبات عدة في إدارة هذا الصراع في حال تسويته أو اندلاعه من جديد، وعلى رأسها:

  • الضبط العقائدي: تعد حركة "أحرار الشام" من الحركات القلقة تنظيمياً، سواء لجهة تعدد الأجنحة المسيطرة على القرار العسكري داخل الحركة، أو لعدم سهولة ضبط عناصرها عقائدياً وتحديداً في الصراعات مع فصائل إسلامية، خاصة وأن الحركة تمتلك تاريخاً طويلاً في هذا السياق، بدءاً من خسارتها الرقة على يد تنظيم الدولة مروراً بعدة معارك متفرقة في مخيم اليرموك وغيره من المناطق، ما يشير إلى احتمالية حدوث انزياحات كبيرة لمجموعات داخل جسد الحركة إن لم تكن باتجاه جبهة "فتح الشام" فإنها قد تلتزم الحياد، وهذا ما حدث بالفعل في عدة قطاعات تسيطر عليها الحركة.
  • توحد الأجانب: على الرغم من انشقاق كتلة "القوقاز" عن الهيئة؛ إلا أن الظروف الخاصة لتلك الكتلة بالذات لا يمكن تعميمها على باقي المجموعات الأجنبية المقاتلة في الشمال السوري، خاصة مع إحساس المقاتلين الأجانب باقتراب نهايتهم ضمن أي تسوية في الملف السوري، الأمر الذي قد يدفع بتلك المجموعات إلى الالتفاف حول جبهة "فتح الشام" ضمن الصراع الدائر، والتي تمثل الملاذ الأوسع بالنسبة للأجانب المقاتلين بعد تنظيم الدولة.
  • استمالة الفصائل المحايدة: مع اندلاع الاقتتال بين الطرفين التزمت العديد من فصائل المعارضة العاملة في إدلب الحياد، تبعاً لأسباب مختلفة، لعل المسؤول الأول عنها "أحرار الشام"، وذلك بسبب تعاطي الأخيرة سابقاً مع بعض الفصائل بصيغة "الحياد" أثناء صراعهم مع النصرة، الأمر الذي يجعل من إقناع تلك الفصائل بالانخراط في الاقتتال تحدياً كبيراً أمام "أحرار الشام"، خاصة الفصائل ذات الثقل في إدلب والتي من الممكن أن يشكل دخولها ترجيحاً لأحد كفتي الصراع. بالمقابل فإن الفصائل الحيادية تدرك بأن تضعضع "الأحرار" أمام "فتح الشام" قد يمثل بشكل أو بآخر انهياراً لخط الدفاع الأول، وبالتالي التفرغ لهم في مرحلة لاحقة وفق استراتيجية النصرة المتبعة، وعلى الرغم من ذلك فإن اتخاذهم لأي خطوة تكسر الحياد لصالح حركة الأحرار "بشكلها الحالي" لا يبدو وارداً، إلا إذا استطاعت الحركة التوجه لتلك الفصائل بمشروع جديد وغير إقصائي قد يستدعي تغيير اسم الحركة وبعض توجهاتها.

ثالثاً: الارتدادات المحتملة للصراع

تمثل حركة "أحرار الشام" وهيئة "تحرير الشام"، إحدى أكثر القوى العسكرية نفوذاً في الشمال السوري وعدد من الجبهات المختلفة، لذلك فإن تحديد طبيعة وشكل العلاقة بين الطرفين، سواء عبر اندلاع الصراع من جديد أو تسويته؛ سيرتب لتداعيات لن تقتصر آثارها على التنظيمين، وإنما ستتجاوزهما لتطال عدة جوانب في الملف السوري، ولعل أبرز تلك التداعيات المحتملة:

  1. التدخل الإقليمي: سيزيد سعي هيئة "تحرير الشام" المحموم للسيطرة على المعابر مع تركيا وفرض نفوذها في الشمال من فرص التدخل العسكري التركي، والذي قد يأتي بصيغة مباشرة أو عن طريق نقل حشود عسكرية من "درع الفرات" إلى حدود محافظة إدلب أو مناطق في ريف حلب الغربي، خاصة أن سعي الهيئة لقطع الطريق على أي تدخل تركي محتمل "سيف الفرات" لن يقتصر على إدلب فقط، وإنما قد يمتد إلى ريف حلب الغربي عبر عناصرها هناك أو خلاياها، الأمر الذي قد يزيد من فرص اندلاع صراع بين الهيئة و"درع الفرات" وتوسيع رقعته، إضافة إلى تأثيره على جبهة ريف حلب الشمالي والمهددة من قبل عناصر وحدات الحماية YPG، والتي تعد امتداداً لحزب "العمال الكردستاني" PKK.
  2. فراغ الجبهات: قد تؤثر احتمالية اندلاع الاقتتال من جديد على عدة جبهات عسكرية ينشط فيها الطرفان ضد نظام الأسد، وعلى رأسها جبهتي (ريف حماة، والساحل) ما سيؤمن للنظام السوري إمكانية التقدم، أو نقل حشود عسكرية من تلك الجبهات باتجاه جنوب الرقة والبادية السورية. واللافت أن القوى الضاربة للنظام التي كانت تقاتل على جبهات حماة (صقور الساحل، قوات النمر) انسحبت قبل فترة قصيرة من حماة باتجاه ريف حمص الشرقي لتخوض معارك جديدة ضد تنظيم الدولة باتجاه منطقة السخنة، وربما يفهم هذا التحرك ضمن توافقات إقليمية دولية لاستكمال ترسيم مناطق النفوذ.
  3. تفكيك الهيئة: على الرغم مما أبدته هيئة "تحرير الشام" من "تماسك تنظيمي" بالقياس مع حركة "أحرار الشام"؛ إلا أن هذا الصراع سيمثل بشكل أو بآخر بداية لتفكيك الهيئة وعزل القدر الأكبر من الفصائل عنها، وربما تكون هذه المرحلة الأولى، لعزل جبهة "فتح الشام" ومن ثم استهدافها كمرحلة ثانية، الأمر الذي قد تواجهه الهيئة بمحاولات استمالة فصائل جديدة وتشكيل كيان جديد، معتقدة أنها بذلك تستطيع فرضه في الشمال "كأمر واقع" للتعامل معه إقليمياً.
  4. تطويع الأحرار: قد يمثل الصراع بين الطرفين واحتمالية تجدده، فرصة مهمة للضغط على حركة "أحرار الشام" وتطويعها ضمن التصورات الدولية والإقليمية للشمال السوري، ولعل حياد بعض الفصائل التابعة لمشاريع إقليمية وعدم دعمها للأحرار في صراعها مع الهيئة يمكن تفسيره في هذا السياق. الأمر الذي قد يدفع بانزياحات كبيرة داخل جسم الأحرار باتجاه هيئة "تحرير الشام"، والتي قد تصل إلى حد الاندماج مع الهيئة بشكل مفاجئ وغير متوقع.
  5. تفريغ إدلب: إن حجم الانشقاقات المتوقع داخل حركة "أحرار الشام" سواء باتجاه هيئة "تحرير الشام" أو باتجاه التزام الحياد؛ قد يخلق صراع بيني عسكري داخل جسد الحركة (بين بقايا الحركة والعناصر المنشقة عنها)، مقابل صراعها الأساسي مع الهيئة، ما قد يجعل من احتمالية تفكك الحركة وارداً جداً، وسيمنح هيئة "تحرير الشام" الفرصة للضغط عليها وطردها خارج إدلب وعلى الأرجح باتجاه سهل الغاب، وذلك لتفريغ محافظة إدلب وإخضاعها بشكل كامل لسيطرة هيئة "تحرير الشام". وعطفاً على نقطة (تطويع الأحرار) إقليمياً، فضمن هذا السيناريو قد تتلقى حركة "أحرار الشام" عروضاً إقليمية لنقل عناصرها إلى مناطق "درع الفرات" أو حتى الالتحاق به.
  6. بروز قوى جديدة: إن احتمالية اندلاع الصراع من جديد ستؤدي إلى إضعاف "الأحرار" من جهة وبداية تفكيك الهيئة من جهة أخرى، ما قد يفسح المجال لتشكيل قوى جديدة تتجاوز حركة "أحرار الشام" وتحارب جبهة "فتح الشام" وتُقدَم كضامن لإدارة الشمال أمنياً وعسكرياً، وربما تكون تلك القوى هي "درع الفرات" أو تشكيلات عسكرية جديدة عبر اندماجات وغرف عمليات مشتركة بتوافقات إقليمية ودولية؛ تمهد لتسوية جديدة في إدلب تقوم على إعلان منطقة "خفض تصعيد" بإدارة إقليمية دولية.

خلاصة

يدرك طرفا الاقتتال أن تحديد طبيعة العلاقة بينهما، هو المرحلة الحاسمة في رسم مستقبل الشمال السوري وما ينتظره من سيناريوهات محتملة، ففي ظل تصنيف جبهة "فتح الشام" وعدم قبولها دولياً وإقليمياً؛ فإنّ حركة "أحرار الشام" باتت تعي أن وجود قوى محلية خارج المشاريع الإقليمية والدولية لم يعد متاحاً على الأقل ضمن التوافقات التي تتم للتهيئة لحل سياسي شامل، فالنظام السوري مرتبط بالمشروع الإيراني الروسي، ووحدات الحماية الكردية تعد ضمن المشروع الأمريكي، إضافة إلى فصائل الجنوب المنخرطة ضمن الغطاء الأردني، مقابل بعض فصائل الشمال المطوعة ضمن الرؤية التركية؛ وعليه فإن "أحرار الشام" أمام خيارين في هذا الصراع، فإما الانخراط ضمن التصورات الإقليمية الدولية التي تُعدّ للشمال والمحافظة على بقايا الحركة، وهنا قد تكون أي تسوية مناورة من الحركة لإعادة ترتيب صفوفها واندلاع الصراع من جديد، أو أنّ الحركة ستسير خلف  مشروع الهيئة وعلى رأسها جبهة "فتح الشام"؛ الخيار  الذي قد يرسم سيناريو أكثر تعقيداً للشمال، ربما يقترب بشكله العام من سيناريو الرقة والموصل. وما بين هذين الخيارين فإن التفكير بخلق أي هوامش جديدة خارجهما؛ يتطلب تغييراً بنيوياً حقيقياً وجريئاً داخل حركة "أحرار الشام"، التغيير الذي لطالما اختُبِرَت فيه الحركة ضمن محطات عدة، إلا أنها لم تنجح على ما يبدو إلى الآن.


([1]) للاطلاع بشكل أوسع على بداية شرارة الاقتتال بين هيئة "تحرير الشام" وحركة "أحرار الشام"، راجع الرابط التالي: https://goo.gl/grLuBW

([2]) للاطلاع بشكل أوسع على محطات الصراع السابقة بين هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام، راجع الروابط التالية: https://ii6.me/VFuu!Rh، https://ii6.me/yCs1!h5، https://ii6.me/XxgV!la.  

([3]) "تحرير الشام" لعنب بلدي: "أحرار الشام" هي من أعلنت الحرب، للتعرف أكثر على رواية الطرفين حول بدأ الاقتتال، راجع: الرابط التالي: https://goo.gl/grLuBW

([4]) توسع رقعة المواجهات بين هيئة "تحرير الشام" وحركة "أحرار الشام"، تقرير منشور على الموقع الإلكتروني للمرصد السوري لحقوق الإنسان، للاطلاع على تفاصيل أوسع، راجع الرابط التالي: https://goo.gl/piR3U5

([5]) أصدر جزء من حركة نور الدين الزنكي بياناً، يوم الخميس، أكدت من خلاله انفصالها عن هيئة تحرير الشام معللة ذلك بعدة أسباب. على رأسها: “عدم تحكيم الشريعة التي بذلنا مهجنا والغالي والنفيس لتحكيمها، من خلال تجاوز لجنة الفتوى في الهيئة وإصدار بيان عن المجلس الشرعي دون علم أغلب أعضائه"، إضافة إلى"تجاوز مجلس شورى الهيئة وقرار قتال أحرار الشام، علمًا أن تشكيلها بني على أساس عدم البغي على الفصائل". للاطلاع على البيان راجع الرابط التالي: https://goo.gl/4ZCpeF.

([6]) انظر تصريحات مصطفى سيجري رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم المشارك في عملية سيف الفرات، موقع جيرون، 7 تموز 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/FwK2XF

([7]) سوريا.. الأكراد يخططون لإقامة منفذ على المتوسط مقابل دعم واشنطن في عملية الرقة، موقع الخليج الجديد، 7/5/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/NFVjmJ

([8])مبادرة وقف اقتتال إدلب تنتظر موافقة "تحرير الشام"، تقرير صحفي منشور على الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، للاطلاع على المزيد راجع الرابط التالي: https://goo.gl/Hdw6LL

التصنيف تقدير الموقف

الملخص التنفيذي

  • لا يمكن فصل التصعيد التركي في الشمال السوري عما يجري من تفاهمات دولية وإقليمية حول تجزئة المسار العسكري في سورية إلى مناطق خفض توتر؛ تفضي إلى مناطق نفوذ معترف بها من الفاعلين الإقليميين والدوليين.
  • تبدو العملية التركية هذه المرة هجومية تعكس تسميتها "سيف الفرات" ثقة تركية بأنها ستكون أكثر نجاعة من سابقتها، وذلك لتحقيق عدة أهداف على رأسها: تنظيف ريفي حلب الشمالي والغربي من قوات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وإنهاء أي إمكانية لربط شرق الفرات بغربه.
  • بعد أن حققت موسكو هدفها باستمالة أنقرة إلى جانبها وإنشاء مسار مشترك بينهما " الأستانة"، يبدو أنها باتت على استعداد للتخلي جزئياً عن الورقة الكردية لأنقرة في إطار تفاهمات أوسع تصب باتجاه تهيئة الظروف الميدانية لإرساء حل سياسي تلعب فيه الدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري دور الضامن على الأرض للفصائل؛ مقابل اعتراف القوى الدولية (روسيا-أمريكا) بحقها في حماية أمنها القومي من أي مهددات ناجمة عن الأزمة السورية.
  • رسمت الورقة ملامح سيناريوهات محتملة لانطلاق عملية سيف الفرات وحدودها وفقاً لثلاثة سيناريوهات تتراوح بين: المواجهة أو العرقلة الأمريكية أو التأجيل مقابل الضمانات.
  • خلصت الورقة إلى أن جميع الأطراف الإقليمية والدولية في حالة سباق مع الزمن لإعادة ترتيب أوراقها في سورية قبل نهاية الحرب على الإرهاب، ومن بينها تركيا، والتي وإن أخرجتها موسكو والولايات المتحدة من دائرة المكاسب في الملف السوري، إلا أن باب تخفيف الخسائر لازال مفتوحاً، وعليه فإن إمكانية تراجع أنقرة عن حماية عمقها الاستراتيجي في الشمال السوري وقطع الطريق على أي احتمال لإقامة كيان كردي في سورية تكاد تكون معدومة، سواء أتم ذلك بعمل عسكري أو عبر تفاهمات دولية.

مدخل

بعد مرور أربعة أشهر على إعلان تركيا الرسمي عن توقف عملية درع الفرات التي تمكنت خلالها القوات التركية بالتعاون مع مجموعات المعارضة السورية المسلحة من تحرير 2300كم2 في الشمال السوري وطرد تنظيم "الدولة الإسلامية" منها؛ تعود أنقرة من جديد للتلويح باحتمالية عمل عسكري جديد في شمال حلب، يستهدف "وحدات حماية الشعب الكردية" YPG الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD في عدة مناطق ممتدة من قرية مريمين حتى سد الشهباء، بحسب الإعلان التركي، وهي منطقة تضم ما يزيد عن 11 قرية وبلدة أبرزها تل رفعت ومنغ، مع احتمالية التهديد المباشر لمدينة عفرين التي تمثل المعقل الرئيسي لوحدات الحماية الكردية في المنطقة.

وعلى الرغم من أن الحكومة التركية لم تصدر أي بيان رسمي يحدد طبيعة العملية وملامحها؛ إلا أن مؤشرات هذا العمل العسكري تتزايد بشكل شبه رسمي وعلى عدة مستويات، بدءاً من تصريحات بعض المسؤولين الأتراك رفيعي المستوى، مروراً باستقدام تعزيزات عسكرية تركية إلى الشريط الحدودي مع سورية، وتمركز 7 آلاف عنصر من الوحدات الخاصة التركية على الحدود، بالإضافة إلى تأهب مقاتلي المعارضة السورية في غرفة عمليات درع الفرات للمشاركة في العملية المرتقبة، انتهاءً بالحملة التي يقودها الإعلام التركي في الحديث عن العملية وأبعادها العسكرية([1]).

تأتي التحضيرات للعملية التركية المرتقبة وسط مناخات إقليمية ودولية معقدة بالنسبة لأنقرة، سواء لجهة الفتور الذي يسود علاقات الأخيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو لجهة التصعيد مع الاتحاد الأوربي، إضافة إلى الأزمة الخليجية التي تكاد تكون تركيا طرفاً فيها لصالح قطر. يقابل تلك المناخات واقع ميداني سوري لا يقل تعقيداً؛ لناحية احتدام معارك مكافحة الإرهاب التي تقودها أمريكا في الرقة اعتماداً على وحدات حماية الشعب YPG، والنفوذ الروسي في شمال حلب والذي يمثل مسرح العملية التركية المرتقبة، إضافة إلى السباق المحموم للفاعلين في البادية السورية، بالتوازي مع التفاهمات الإقليمية والدولية على تقاسم مناطق نفوذ بصيغة "خفض توتر"، وما أفرزته من مسار روسي أميركي جديد في الجنوب.

وعليه تحاول هذه الورقة تحليل المناخات السياسية والظروف العسكرية المرافقة للعملية المرتقبة "سيف الفرات"، وذلك كمدخل لفهم التحرك التركي في هذا الوقت بالذات وسط صراع النفوذ وتضارب المصالح في الشمال السوري، والذي سيكون له الأثر الأكبر على مسار العملية العسكري، مقابل استشراف السيناريوهات المتوقعة للعملية وتداعياتها المحتملة على صياغة شكل التفاهمات الإقليمية والدولية في سورية وشمالها بالتحديد.

أولاً: تركيا (التحرك والدوافع)

حققت عملية "درع الفرات" التي خاضتها تركيا بالتعاون مع فصائل الجيش الحر هدفها ذو الطابع الدفاعي، وهو المعنى الذي حمله اسم العملية، حيث تم قطع التواصل بين الكانتونات الكردية في الشمال والشمال الشرقي السوري وتأمين الحدود مع سورية والسيطرة على مساحة جغرافية واسعة؛ إلا أن الهواجس التركية من تمدد وحدات الحماية الكردية في سورية وتأثيرها على النفوذ التركي وتهديدها لأمنها القومي لاتزال قائمة، حيث حالت الظروف الدولية والإقليمية وتوتر العلاقات الأمريكية التركية من ناحية والروسية التركية من ناحية أخرى دون تحقيق أنقرة لكامل أهدافها من عملية درع الفرات، والتي يبدو أن ذات الظروف اليوم قد أصبحت مواتية لتحقيقها عبر عملية هجومية هذه المرة تعكس تسميتها "سيف الفرات" ثقة تركية بأنها ستكون أكثر نجاعة من سابقتها، وذلك لتحقيق عدة أهداف، أبرزها:

  1. تأمين محيط (منغ، تل رفعت، دير جمال، حربل، الشيخ عيسى، وكل القرى المحيطة بتل الشهباء) والتي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وذلك لإنهاء أي إمكانية لربط شرق الفرات بغربه.
  2. تنظيف ريفَي حلب الشمالي والغربي من قوات حزب الاتحاد الديمقراطي، الأمر الذي قد يتيح لتركيا مستقبلاً ووفق تفاهمات معينة إعادة ربط ريف حلب بريف إدلب، مما سيوسع مساحة النفوذ التركي في شمال سورية، ويتيح لها المجال للسيطرة على جبهة إدلب مع جبهة "فتح الشام" النصرة سابقاً، وهي على ما يبدو من تصريحات قادة الفصائل المشاركة في عملية سيف الفرات قد تكون العملية اللاحقة في الشمال السوري([2])، وبالتالي استعادة أنقرة لدورها السياسي الفاعل في الملف السوري والضامن لأي عملية سياسية لاحقة.
  3. تُشكل العملية بالنسبة لأنقرة ضربة استباقية للمطامع الكردية بالوصول إلى البحر المتوسط انطلاقاً من عفرين باتجاه إدلب بحجة حرب جبهة "فتح الشام"، وذلك بعد معركة الرقة([3]).
  4. إعادة النازحين العرب من أهالي المنطقة، والذين تم تهجيرهم على يد قوات سوريا الديمقراطية، حيث أصبحوا ورقة للضغط الإنساني على أنقرة بأعدادهم التي تجاوزت الـ 300 ألف([4]) بالإضافة إلى النازحين العراقيين، ويشكلون عبئاً على الحكومة التركية التي تتولى رعاية مخيماتهم على حدودها.

إضافة إلى تلك الأهداف؛ يبدو أن عدة متغيرات محلية ودولية وإقليمية ساهمت في تعزيز دوافع أنقرة نحو ضرورة العمل العسكري في الشمال السوري ضمن هذه المرحلة بالذات، ولعل أبرز تلك المتغيرات:

  1. إقصاء تركيا عن المشاركة في معارك مكافحة الإرهاب المتمثلة في قتال تنظيم الدولة في سورية والعراق، واعتماد الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية وعلى رأسها وحدات حماية الشعب الكردية YPG كرأس حرب في معارك الرقة، ما أدى إلى تقويض الدور التركي في معارك شمال شرق سورية، وبالتالي تقويض فاعليتها في المسارات السياسية التي قد تترتب على معارك مكافحة الإرهاب.
  2. عدم وضوح السياسة الخارجية الأمريكية فيما يخص التعامل مع وحدات الحماية الكردية في سورية ما بعد داعش، إذ تتزايد الهواجس التركية مع انهيار تنظيم الدولة في العراق واقتراب نهايته في سورية من دور وحدات حماية الشعب وسلاحها، خاصة وسط تضارب المواقف الأمريكية في سحب السلاح منها أو استمرارية التسليح لمرحلة ما بعد داعش.
  3. يقابل الفتور في العلاقة الأمريكية التركية فتور آخر في العلاقات الأوربية التركية، خاصة بعد بدء ألمانيا سحب قواتها من قاعدة إنجرليك([5])، ما دفع الأتراك على ما يبدو لتعزيز التحالف مع موسكو، والذي يتطلب تنسيق أكبر على الأرض السورية، وربما تأتي صفقة منظومة الدفاع الجوي S400 في هذا السياق([6])، مقابل تفاهمات في الشمال السوري لتنسيق أي عمل عسكري تركي محتمل.
  4. تبدو الأزمة الخليجية، عاملاً هاماً في زيادة هواجس الطرف التركي من وحدات الحماية الكردية، خاصة بعد دخول أنقرة كطرف مباشر في الأزمة عبر موقفها الداعم لقطر، حيث تخشى أنقرة على ما يبدو من اللعب بالورقة الكردية في سورية ضد تركيا خلال هذه الأزمة، خاصة وأن الإمارات تمتلك علاقات مميزة مع حزب الاتحاد الديمقراطيPYD.

كل تلك العوامل عززت على ما يبدو شعور أنقرة بضرورة العمل العسكري في الشمال السوري، كعملية استباقية لسيناريوهات متعددة تتوقعها وسط تلك المتغيرات، خصوصاً في الظرف الحالي الذي يبدو مناسباً لناحية التوقيت؛ وسط انشغال الولايات المتحدة في معركة الرقة، والذي يمنح لأنقرة هامشاً أوسع للتحرك والضغط على واشنطن.

 

خريطة رقم (1)

ثانياً: تركيا وموسكو (تقاطع المصالح)

 تدرك موسكو أهمية الدور التركي في نجاح مساعيها الرامية إلى إرساء حل سياسي يخدم مصالحها في سورية، وعليه سعت منذ بداية تدخلها العسكري في سورية لتطويع الرؤية التركية باتجاه رؤيتها الخاصة، حيث كانت أبرز الأوراق التي استخدمتها موسكو في هذا الإطار الورقة الكردية على حدود تركيا. ولكن اليوم وبعد أن حققت موسكو هدفها باستمالة أنقرة إلى جانبها وإنشاء مسار مشترك بينهما "الأستانة"؛ فيبدو أنها باتت على استعداد للتخلي جزئياً عن الورقة الكردية لأنقرة في إطار تفاهمات أوسع تصب باتجاه تهيئة الظروف الميدانية لإرساء حل سياسي تلعب فيه الدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري دور الضامن للفصائل على الأرض؛ مقابل اعتراف القوى الدولية (روسيا- أمريكا) بحقها في حماية أمنها القومي من أي مهددات ناجمة عن الأزمة السورية، وحصر دورها في المناطق الحدودية فقط، وهذا ما يؤكده اتفاق مناطق "خفض التوتر"، والذي قسّم سورية إلى مناطق نفوذ تخضع لتفاهمات (إقليمية- دولية) تقع فيها المنطقة المرشحة لتكون مسرح عمليات "سيف الفرات " ضمن الحصة (الروسية التركية)، وهو ما تؤكده عدة مؤشرات، يمكن الاستدلال من خلالها على أن "سيف الفرات" هي من نتائج تلك التفاهمات الدولية الجديدة في الملف السوري، ولعل أبرز تلك المؤشرات:

  • إن المناطق التي تعتزم عملية سيف الفرات استعادتها تم الاستيلاء عليها من قبل قوات "سوريا الديمقراطية" بدعم جوي روسي، هذا بالإضافة إلى وجود قوات روسية في مدينة عفرين، الأمر الذي يجعل من العملية التركية مستحيلة بدون التفاهم مع موسكو.
  • إن استبعاد الولايات المتحدة لتركيا من حرب تنظيم الدولة في الرقة ودير الزور من جهة، وإخراجها وموسكو المنطقة الجنوبية من مسار الأستانة، والذي أصبح مساراً خاصاً بالشمال السوري من جهة أخرى، لا يمكن أن يمر بدون صفقة مُرضية بالنسبة لتركيا تضمن السماح لها بتأمين حدودها.
  • اعتبرت تصريحات عدة قيادات في قوات "سوريا الديمقراطية" أن النية التركية لشن عملية "سيف الفرات" هي نتاج "مؤامرة" روسية تركية([7])، وتصريحات أخرى حول وضع موسكو قوات "سوريا الديمقراطية" أمام خيارين، وهما: إما تسليم عفرين للنظام، أو مواجهة عملية عسكرية للجيش التركي([8]).
  • الموقف الأمريكي الصامت إلى الآن حيال الحشود التركية، وتصريحات قادة قوات "سوريا الديمقراطية" حول وجود تفاهم روسي أمريكي؛ بأن مناطق غرب الفرات تقع ضمن النفوذ الروسي، وليس الأمريكي([9]).

مقابل تلك المؤشرات فإن المصالح الروسية التركية قد تتقاطع في جملة من النقاط، والتي تُعزز من دوافع موسكو للتخلي عن تحالفها مع الكرد غرب الفرات، وأبرز تلك النقاط:

  1. معركة الرقة: تشترك موسكو مع أنقرة في سعي الولايات المتحدة الأمريكية لعزلهما عن معركة الرقة، وذلك بعد إسقاط الولايات المتحدة لمقاتلة حربية تابعة لنظام الأسد وقطع الطريق عليه في جنوب الرقة، برسالة واضحة إلى موسكو بأنه لا دور لها في معركة الرقة، ما قد يدفع موسكو لتأييد العمل العسكري التركي في شمال حلب لتقويض النفوذ الأمريكي المتمثل بمناطق وحدات حماية الشعب الكردية غرب الفرات، كما أن بوادر الاشتباك مع تركيا قد تدفع قوات "سوريا الديمقراطية" إلى سحب بعض قواتها التي تقاتل في الرقة، وهو ما حدث بالفعل حيث تم سحب 500 مقاتل من جيش "الثوار" إلى عفرين للدفاع عنها([10])، وهذا ما قد يؤثر على سير معركة الرقة وإمكانية توجه قوات "سوريا الديمقراطية" إلى دير الزور، وبالتالي سيمنح روسيا والنظام هامشاً للمناورة والتقدم أكثر باتجاه جبهات دير الزور.
  2. تأمين الساحل: على الرغم من تحالف موسكو المصلحي مع وحدات الحماية الكردية في عدة معارك في سورية؛ إلا أن روسيا تدرك جيداً بأن تلك الوحدات لا تخرج عن الخانة الأمريكية، لذلك يبدو أن رؤية موسكو تتقاطع مع أنقرة في خطورة بقاء جيب كردي في شمال حلب وتحديداً عفرين، وذلك لقربه من الساحل السوري، وبالتالي القرب من قاعدة "حميميم" العسكرية الروسية، فبالنسبة لروسيا أي اقتراب كردي من تلك المنطقة يعني اقتراباً أمريكياً لمناطق نفوذها الأكثر حيوية في سورية، ما قد يدفع موسكو لتأييد عمل عسكري تركي في تلك المنطقة يبدد أي احتمال مستقبلي للتمدد الكردي نحو الساحل، خصوصاً بعد تصريح عدد من قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD عن نيتهم الوصول إلى الساحل السوري عبر إدلب بحجة محاربة جبهة "فتح الشام" بعد الانتهاء من داعش([11]).
  3. حرب الإرهاب: ستمثل سيطرة القوات التركية ومجموعات الجيش السوري الحر على تلك المناطق في حال نجاح العملية؛ فرصة لوصل ريف حلب بريف إدلب وفق تفاهمات (روسية تركية إيرانية)، وهو تفصيل قد يرتبط بخطة أنقرة المشتركة مع موسكو بخصوص إدلب والتوافق التركي -الروسي على احتكار جبهة إدلب المقبلة مع جبهة "فتح الشام" في إطار حرب الإرهاب، كبديل عن استثناء تركيا من حرب تنظيم الدولة في الرقة ودير الزور ، وقطع الطريق على محاولات قوات "سوريا الديمقراطية" لإقناع الولايات المتحدة بخوض معركة إدلب مع النصرة بعد الانتهاء من معارك تنظيم الدولة .
  4. مكاسب مجانية: تراهن موسكو من خلال تصعيد التوتر حول عفرين بين تركيا وقوات "سوريا الديمقراطية" على قدرتها على اللعب على هوامش الخلاف بين الطرفين لفرض سيناريو منبج، والذي سيمثل مخرجاً للطرفين من مواجهة دامية لن تكون سهلة بالنسبة لهما، وذلك عبر تسليم المدينة لقوات النظام، الأمر الذي سيمثل استعادة مجانية لمساحة واسعة من الأرض في الشمال السوري بالنسبة للنظام.

على الرغم من التقاطعات المصلحية التي قد تدفع موسكو لتأييد عملية عسكرية تركية في الشمال، والعديد من المؤشرات الدالة على وجود تفاهمات روسية تركية في شمال حلب، ومنها اللقاء الذي جمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوزير الدفاع الروسي، والذي أكدت بعض الصحف التركية والروسية أنه تركز حول عمل عسكري محتمل لتركيا على شمال حلب([12])، مقابل صفقة صواريخ S400 لتركيا، والتي لا يمكن فصلها عن سياق التفاهمات الروسية التركية في سورية ؛ إلا أن موسكو لا تزال تراوغ في موضوع سحب قواتها من عفرين، حيث ذكرت تصريحات صادرة عن قوات سوريا الديمقراطية بأن موسكو أبلغتهم بعدم سحب قواتها من عفرين وأبلغت الأتراك أنها سحبتها([13])، وهو ما أكده أيضاً رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم المشارك في عملية سيف الفرات، حيث أشار بأن موسكو لم تنفذ بعد وعودها بسحب قواتها([14])، الأمر الذي قد يفسر برغبة روسية لاستخدام الحشود التركية للضغط على قوات سوريا الديمقراطية لتسليم عفرين للنظام، وحصر العملية التركية في استرجاع القرى والبلدات المشار إليها سابقاً.

ثالثاً: رد الفعل الكردي والسيناريوهات المحتملة

يبدو أن التطورات الحاصلة في الملف السوري لجهة خلق تفاهمات جديدة حول تقاسم مناطق النفوذ بين القوى الكبرى قد أثارت هلع حزب الاتحاد الديمقراطي PYD من إمكانية وقوعه من جديد "ضحية" للتفاهمات الدولية والإقليمية، لذلك جاء رد الفعل الكردي على الحشود التركية مرتبكاً ومنقسماً؛ فتصريحات القيادة العسكرية لقوات "سوريا الديمقراطية" حاولت أن تكون تصعيدية تهدد بمواجهة كبرى إذا ما حاولت القوات التركية اجتياح عفرين، بالإضافة إلى التهديد بضرب العمق التركي عبر عناصر الـ PKK في تركيا، أما على المستوى السياسي فتراوحت التصريحات بين التهديد بالانسحاب من معركة الرقة إذا تم الهجوم على عفرين، والتلويح بإمكانية تسليمها للنظام، وذلك في محاولة للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لوقف العملية التركية، و على المستوى الشعبي فقد أصدر عدد ممن أسموا أنفسهم مثقفين أكراد من أبناء المنطقة بياناً طالبوا فيه وحدات الحماية الكردية بالانسحاب من عفرين وتجنبيها ويلات الحرب أو الحصار([15]). وفي إطار النوايا التركية للمضي قدماً في عملية سيف الفرات، والارتباك الكردي الناتج عن ضبابية موقف الحليف الأمريكي، وموافقة "حليف الأمس" الروسي على العملية؛ فيمكن رسم ملامح سيناريوهات محتملة لانطلاق عملية سيف الفرات وحدودها على الشكل التالي:

السيناريو الأول: (المواجهة)

يتمثل السيناريو الأول في الإعلان عن المعركة بشكل رسمي والبدء بالعملية العسكرية جدياً، وفي هذه الحالة فمن الممكن أن تقوم أنقرة بتقسيم العملية إلى مرحلتين:

الأولى: وهي استعادة القرى والبلدات التي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب بدعم روسي (منغ، تل رفعت، دير جمال، حربل، الشيخ عيسى، وكل القرى المحيطة بتل الشهباء) بما فيها مطار منغ العسكري، وربط ريف حلب الغربي بإدلب وهو ما يتطلب تفاهمات مع حلفاء موسكو للمرور بمحاذات نبل والزهراء الخاضعتين لميليشيات محلية ممولة من إيران، وبذلك تكون تركيا نجحت في تحقيق أهداف عملية درع الفرات، والتي لم تتمكن من تحقيقها في المرحلة الأولى بسبب الدعم الروسي الأمريكي للأكراد، والمتمثلة بتنظيف غرب الفرات من قوات "سوريا الديمقراطية"، وقطع أي إمكانية لاتصالها مع شرقه، وتوسيع مناطق سيطرة قوات المعارضة وتأمينها، إضافة لضرب حصار على عفرين.

الثانية: وهي ضرب حصار على عفرين، وتأجيل الهجوم المباشر عليها لحين وضوح الموقف الأمريكي، ولفسح المجال أمام مساعي موسكو لتطبيق سيناريو منبج فيها.

ويرجح ذلك ما نقلته الصحف التركية حول أهداف عملية سيف الفرات، والتي لا تبدو فيها عفرين على رأس الأولويات التركية، خاصة أن الحشود التركية والتي قد تصل مع قوات المعارضة السورية في درع الفرات إلى 20 ألف([16]) تعتبر غير كافية حالياً لاجتياح عفرين، والتي يتواجد فيها ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل من وحدات حماية الشعب والأسايش وبعض الفصائل العربية الموالية لها مدعومين بسلاح جيد([17])، إضافة إلى أن الهجوم على عفرين قد يترافق مع عمليات لحزب العمال الكردستاني لضرب الداخل التركي، وهذا ما ليست تركيا بوارده الآن، لذا فإن أنقرة التي وضعت مدة تقديرية للعملية لا تتجاوز الـ70 يوماً([18])، مما يشير إلى أنها تريد القيام بعملية محدودة على الأقل في المرحلة الأولى منها.

وفي أي من مرحلتي هذا السيناريو سيكون أمام قوات الحماية الكردية أحد الخيارين التاليين:

الأول: إما المقاومة والدخول بمعركة مفتوحة مع الأتراك سيكونون الخاسر الأكبر فيها وفق المعطيات الحالية، إذ أن القوات الكردية المتواجدة في عفرين على الرغم من عددها؛ إلا أنها أقل خبرة واحترافية عسكرية من تلك المتواجدة في شرق الفرات، مقابل الجيش التركي الذي يصنف كثاني قوة عسكرية في حلف الناتو مدعوماً بعدد كبير من مقاتلي المعارضة وقوة نارية كبيرة.

الثاني: قد تلجأ وحدات حماية الشعب في حال التهديد الحقيقي إلى المفاضلة بين الاشتباك مع القوات التركية وتسليم مناطق سيطرتها إلى نظام الأسد المتواجدة في ريف حلب الشرقي، الخيار الذي لجأت إليه في منبج.

السيناريو الثاني: (العرقلة الأمريكية)

قد تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية أمام التفاهم الروسي التركي إلى محاولة عرقلة العملية العسكرية التركية في شمال حلب، السيناريو الذي يبدو أضعف من سابقه، وذلك لمحدودية الخيارات العسكرية للولايات المتحدة في شمال سورية، واستحالة التورط الأمريكي في مواجهة عسكرية مع موسكو، في ظل التفاهمات الجديدة بين الطرفين في الملف السوري، واللقاء الإيجابي الذي جمع بوتين وترامب على هامش مؤتمر قمة العشرين في هامبورغ.

وفي هذا السياق قد يلجأ حزب الاتحاد الديمقراطي PYD إلى محاولات الضغط على الولايات المتحدة للتحرك، كما هدد بعض القيادات بتعليق العملية العسكرية في الرقة، إلا أن هذا الإعلان لا يتجاوز كونه تصريحات إعلامية، إذ أن تعليق العملية يستوجب وجود طرف قابل للتفاوض، وفي حال تعليق العملية من المؤكد أن تنظيم الدولة لن يقف متفرجاً إلى أن تنهي وحدات الحماية تعليقها، ناهيك عن أن الولايات المتحدة لن تسمح بهذا الخيار، خاصة بعد الشوط الذي قطعته العملية في الرقة والمرحلة الحساسة التي تمر بها.

السناريو الثالث: (التأجيل والضمانات)

قد تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية لمحاولة التفاوض مع الجانب التركي لتأجيل العملية إلى ما بعد الانتهاء من معارك الرقة؛ وذلك مقابل ضمانات معينة قد تقدمها أمريكا تهدئ من الهواجس التركية، إلا أن هذا السيناريو يبدو مستبعداً أيضاً، وذلك بسبب أزمة الثقة التي تمر بها العلاقات التركية الأمريكية، حيث تم اختبار الضمانات الأمريكية سابقاً في منبج، والأتراك لن يقعوا في فخ الوعود الأمريكية مرتين، خصوصاً بعد تراجع الولايات المتحدة عن وعودها بسحب سلاح المليشيات الكردية بعد معارك تنظيم الدولة وإعلانها استمرار التسليح، لذا فإن الحشود التركية والتحضيرات لعملية سيف الفرات تُظهر جدية الأتراك في تأمين عمقهم الاستراتيجي عبر التدخل المباشر، ولعل أي ضمانات أمريكية لن تثنيهم عن عزمهم؛ إلا إذا تضمنت تسليم قوات "سوريا الديمقراطية" طوعاً للمناطق التي تستهدفها عملية سيف الفرات، وهذا السيناريو وقدرة واشنطن على تبريد السخونة العسكرية غرب الفرات، والوصول إلى حل يحافظ على علاقتها الجيدة بحليفيها الكردي والتركي، والحيلولة دون تعميق التحالف الروسي التركي؛ تبقى رهناً بما سينتج عن زيارة قادة سوريا الديمقراطية إلى واشنطن([19])، والتي دعا لها المبعوث الأمريكي إلى التحالف الدولي لمكافحة داعش، بريت ماكغورك، ومن المقرر أن تكون خلال الشهر الحالي أي قبل الموعد المحدد من قبل الأتراك لبدء عملية سيف الفرات في نهاية تموز الجاري.

الخاتمة

لا يمكن فصل التصعيد التركي في الشمال السوري عما يجري من تفاهمات دولية وإقليمية حول تجزئة المسار العسكري في سورية إلى مناطق "خفض توتر" تفضي إلى مناطق نفوذ معترف بها للفاعلين الإقليميين والدوليين، بشكل يسمح بتركيز جهود الأطراف المتناحرة على الأرض (المعارضة، النظام، مليشيات PYD) حول حرب الإرهاب، و حصر صراعها في حدود امتلاك جبهات مع تنظيم الدولة وملء الفراغ الذي سيتركه، الأمر الذي يدل على أن تلك التفاهمات مؤقتة ريثما يتم الفراغ من حرب الإرهاب، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع على تركة التنظيم، والتي ستحسم شكل الحل السياسي في سورية ، ومصير طموحات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD في استغلال الفرصة التاريخية المتمثلة في المأساة السورية للفوز بإقليم، ولذلك فجميع الأطراف الإقليمية والدولية في حالة سباق مع الزمن لإعادة ترتيب أوراقها في سورية قبل نهاية الحرب على الإرهاب، ومن بينها تركيا، والتي وإن أخرجتها موسكو والولايات المتحدة من دائرة المكاسب في الملف السوري، إلا أن باب تخفيف الخسائر لازال مفتوحاً، وعليه فإن إمكانية تراجع أنقرة عن حماية عمقها الاستراتيجي في الشمال السوري وقطع الطريق على أي احتمال لإقامة كيان كردي في سورية تكاد تكون معدومة، سواء أتم ذلك بعمل عسكري أو عبر تفاهمات دولية، فأنقرة بحجمها الإقليمي من غير المرجح أن تكون الخاسر الأكبر في هذه اللعبة الدولية، وإنما تثبت الحتمية التاريخية بأن الخاسر دائماً هم الأدوات المستخدمة في لعبة الكبار .


([1])  أنظار تركيا نحو عفرين و”قسد” تنتظر مساعدة روسيا، جريدة عنب بلدي، 2/7/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/esgbom

([2]) انظر تصريحات مصطفى سيجري رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم المشارك في عملية سيف الفرات، موقع جيرون، 7 تموز 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/FwK2XF

([3]) صحيفة بريطانية: الأكراد يشقون طريقهم إلى الرقة ومياه البحر المتوسط، موقع ترك برس، 8 مايو 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/Cqbx8e

([4]) محود عثمان، عملية "سيف الفرات" إذ تشكل المرحلة الثانية من درع الفرات، موقع ترك برس، 3تموز 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/92XrEb

([5])  ألمانيا تسحب قواتها من قاعدة أنجرليك التركية، وكالة سبوتنيك الروسية للأنباء، 7/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/tRf8Ny

([6]) روسيا تبيع تركيا أنظمة صواريخ إس 400، موقع i24 الشرق الأوسط، 29/6/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/Zhfjke

([7]) قائد «الوحدات» الكردية: روسيا «متواطئة» مع تركيا والنظام في عفرين، صحيفة الشرق الأوسط، 5 يوليو 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/UYC1sr

 ([8])روسيا تخيّر (ب ي د) بين تسليم عفرين للنظام أو الاجتياح التركي، موقع كلنا شركاء، 5/7/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/h2AiJt

([9])  قائد «الوحدات» الكردية: روسيا «متواطئة» مع تركيا والنظام في عفرين، مرجع سبق ذكره.

 ([10]) المرجع السابق.

([11]) سورية.. الأكراد يخططون لإقامة منفذ على المتوسط مقابل دعم واشنطن في عملية الرقة، موقع الخليج الجديد، 7/5/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/NFVjmJ

([12]) مصادر روسية وتركية متطابقة تتحدث عن عملية "سيف الفرات" ضد "ب ي د" بسورية، موقع أخبار تركيا، 4/7/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/AN4YMm

([13]) قائد «الوحدات» الكردية: روسيا «متواطئة» مع تركيا والنظام في عفرين، مرجع سبق ذكره.

([14])  انظر تصريحات مصطفى سيجري رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم المشارك في عملية سيف الفرات، موقع جيرون، مرجع سبق ذكره.

([15]) أنظار تركيا نحو عفرين و”قسد” تنتظر مساعدة روسيا، جريدة عنب بلدي، 2/7/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/esgbom

([16]) محاور وتفاصيل عملية "سيف الفرات" التركية في سورية، موقع نون بوست، 7 يوليو 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/xSw31m

([17]) إحصاءات خاصة بوحدة الرصد والمعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.

([18]) المرجع السابق.

([19]) واشنطن تستدعي قادة قوات سوريا الديمقراطية، موقع ترك برس، 6 يوليو 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/jxEeMH

التصنيف أوراق بحثية
الثلاثاء, 15 تشرين2/نوفمبر 2016 14:45

الواقع التعليمي في مناطق "الإدارة الذاتية"

يرتبط مستوى الأداء التعليمي ونوعيته في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية" بمستويات ونتائج الصراع المتعددة، وبأجندات تخدم المشروع السياسي وأيديولوجياته، ويعتري هذه العملية إشكالات تقنية وفنية عدة، ويلحظ فيها عدم وضوح الرؤية وآليات تنفيذ واضحة، وفي ظل استمرار تلك العوائق سيبقى "الأطفال والطلبة" هم الأكثر تضرراً.

مدخل

أفرزت سياسة العنف الممنهج الممارس من قبل النظام الحاكم في سورية مجموعة من الاختلالات والانتكاسات التي استهدفت بنية الدولة ووظائفها وجغرافيتها، لاسيما على صعيد الخدمات الإدارية والاجتماعية، إذ كانت المعادلة التي يتبناها النظام في تعامله مع الحراك الثوري مستندة على عدة عناصر تُمليها المؤسسة العسكرية والأمنية، غير آبهة بنتائج هذه المعادلة على ثنائية الوطن والمواطن. وتعطلت بموجب هذه السياسة العديد من وظائف الدولة وعلى رأسها وأشدها حساسية هي التربية والتعليم، تلك الوظيفة التي تماهَت مع الصراع في مناطق سيطرة النظام ولاتزال تتعثر في مناطق سيطرة المعارضة وخطفت كلياً وتأدلجت في مناطق نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية"، بينما باتت حالة خاصة في المناطق التي تُسيطر عليها "الإدارة الذاتية". تتجلى خصوصية وظائف الدولة بما فيها التربية والتعليم في مناطق الإدارة الذاتية كوننا أمام بنى ووظائف دولة مزدوجة تربط بينها علاقة تتراوح ما بين التنافس والاستحواذ المطلق، إذ ارتأت تلك الإدارة بأنه ليس من الضرورةً بأن تقطع التراتبية الإدارية مع حكومة النظام. في المقابل قامت بتشكيل مؤسسات موازية لتلك العائدة للدولة، بدءً من أصغر خدمات البلديات حتى تشكيل "حكومة كاملة الحقائب"، وعملت بذات السياق على إضعاف مؤسسات النظام، وهذا الأمر يشمل مؤسسات التربية والتعليم أيضاً. وتنمو هذه العلاقة الخاصة على حساب العملية بحد ذاتها لتغدو إشكالية تستوجب التفكيك ومعرفة مفاصلها الرئيسية.

سيعمل هذا التقرير على وصف وتحليل واقع التعليم في هذه المناطق وتحديد نوع وطبيعة هذه الإشكالات المتأتية من العلاقات الخاصة مع الفاعلين في تلك المناطق، وقياس مدى التوظيف السياسي لقطاع التعليم وأثره على أهداف العملية التعليمية من جهة ثانية.

المؤسسات التعليمية: أرقام وحقائق

تُعتبر محافظة الحسكة من المناطق التي تم إهمالها بشكل كامل في المجال التعليمي منذ عقود، فإذا نظرنا لمؤشر انتشار المؤسسات التعليمية لا سيما الجامعية في المحافظة فإننا نلحظ بداية دخول الحياة الجامعية للمحافظة متأخرة كثيراً في عام 2006 مع افتتاح فرعٍ لجامعة الفرات/ دير الزور. ولم يكن الافتتاح بخطوات يمكن وصفها بالجدية، فالجامعة عانت قبل الثورة من نقص الكادر التدريسي ومن استعمال مدارس بصفوفٍ ضيقة لأقسامٍ تحتاج إلى مدرجاتٍ ضخمة، وضعفٍ شديد فيما يخص تجهيزات الأفرع العلمية. وعقب الثورة ازدادت المشاكل والمصاعب التي تُواجه الطلبة في المحافظة نتيجة الفوضى الإدارية والتغيرات في الوضع العسكري في المدينة. وفي هذا الاتجاه وبالإضافة إلى الصعوبات الأمنية وتعدد القوى المتصارعة فإنه يمكن تلخيص المشاكل والصعوبات التي تواجه الطلاب والجامعة الحكومية في المحافظة والواقعة ضمن أماكن سيطرة الإدارة الذاتية بما يلي:

أولاً: تعثر العملية التعليمية جراء الصراع العسكري المتعدد الأطراف، كما حصل في كليتي الهندسة المدنية والاقتصاد نتيجة المواجهات التي حصلت بين النظام وبين عناصر كتيبة أحرار غويران في 08/09/2014([1])، وفي كليتي التربية والآداب في 25/06/2015 نتيجة سيطرة تنظيم "الدولة" على حي النشوة الشرقي في مدينة الحسكة([2])، كما توقف التعليم نتيجة الاشتباكات المتكررة بين عناصر وحدات الحماية الشعبية وجيش النظام([3]).

ثانياً: تغليب المصلحة الإدارية على العملية التعليمية فقد توقف التعليم وأحياناً الامتحانات نتيجة مناسبات خاصة بجهة سياسية، فمثلاً تم حرمان الطلبة من امتحاناتهم نتيجة الإحصاء السكاني من قبل الإدارة الذاتية([4]).

ثالثاً: صعوبات فنية وإدارية كتعثر المعاملات الإدارية، وعدم توفر الكادر التدريسي، وانعدام مدرسين من درجة الدكتوراه في أغلب أقسام الجامعة وقيام أساتذة التعليم الثانوي بتدريس طلبة الجامعة([5])، والعدد الهائل من المنظمات الطلابية الكردية والناتجة في أغلبها عن خلافات سياسية بين الطلاب([6])، وتسرب الطلبة الذكور نتيجة سحبهم للتجنيد الإجباري من قبل الإدارة الذاتية([7]).

رابعاً: تفشي التقصير والفساد كانتشار تجارة بيع المواد والأسئلة، وصعوبة الأسئلة وسلم التصحيح، وإتمام المقررات في مدة زمنية قصيرة، والتركيز على الجانب النظري دون التطرق للجانب العملي لبعض الفروع العلمية([8]).

وفيما يخص الجامعات التي أعلنتها الإدارة الذاتية وهي جامعتا عفرين وروچ آڨا فلا تزال تعاني علمياً من عدة إشكالات علمية وبنيوية أهمها:

  • عدم استحواذها على اعتراف مؤسسات الدولة السورية أو اعتراف هيئة الأمم المتحدة أو أي دولة إقليمية أو عالمية.
  • عدم مناقشة خطة افتتاح الجامعة مع الأكاديميين والمختصين بالرغم من تواجد ثلاثة عمداء كليات لدى الجامعات السورية ونواب عمداء ورؤساء أقسام.
  • قيام القائمين على افتتاح الجامعة بتهميش الكوادر الأكاديمية الموجودة في المحافظة.
  • افتقار الجامعة لمن يملأ منصب الرئاسة ويكون من حملة الدكتوراه بدرجة أستاذ مساعد على الأقل.
  • نقص الكادر التدريسي وغياب من يمكنه أن يحل محل وزير التربية والتعليم لتوقيع الشهادات.
  • افتقار كبير للمستلزمات التعليمية كعدم توفر قاعات تدريس في كلية الطب توافق متطلبات القسم، أو مخابر ومشرح ومشفى جامعي تابع لها. كما تفتقر الكليات الأخرى لقاعات ومدرجات من الممكن أن تستوعب الأعداد الضخمة من الطلاب، إضافة لانعدام وجود مكاتب للكتب تكون خاصة بكل كلية، ومكتبة مركزية للجامعة كلها([9]).

يوضح الجدول أدناه توزع الجامعات والكليات وتعداد الطلاب في مناطق أخضعتها الإدارة الذاتية لنفوذها([10]):

ويوضح الجدول أدناه أهم المؤسسات التعليمية وأعدادها وحجم الكادر التدريسي والطلاب ضمنها والتي تديرها الإدارة الذاتية في المناطق التي تسيطر عليها:([11])

محاولات الاستحواذ على العملية التعليمية

تتبع الإدارة الذاتية عدة أساليب في إدارة القطاع التربوي والتعليمي في مناطقها وذلك تبعاً لحجم سيطرتها التي تبدو مطلقة في عفرين وعين العرب/كوباني، بينما هي متفاوتة في محافظة الحسكة، وهو ما جعل عملية التحكم في مفاصل هذا القطاع وهوامشه متفاوتة أيضاً. ففي مدينة عفرين برزت سياسة الإدارة في هذا القطاع بشكل واضح، إذ ربطت كافة المؤسسات التعليمية -التي كانت تُدار من قبل مؤسسة اللغة الكردية واتحاد "معلمي غربي كردستان" من العام الدراس 2012-2013 حتى منتصف العام 2013- 2014  بالجهاز التنظيمي للإدارة الذاتية وأتبعتها لهيئة التربية والتعليم([14]).

استندت أركان العملية التعليمية على ثلاثة قواعد رئيسية، أولها المتطلبات الأيديولوجية، وثانيها اعتماد اللغة الكردية، والقاعدة الثالثة مرتبطة بضرورات التغيير وإعادة تأهيل البنى التعليمية، إذ أوصى المؤتمر الثاني لمؤسسة مؤسّسة اللّغة الكرديّة «SZK» الذي عقد في مدينة عفرين بتاريخ 18/ كانون على ضرورة " ترسيخ النظام التعليمي وفق مبادئ الأمة الديمقراطية استناداً إلى فلسفة قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان"، وضرورة تأهيل الكادر التدريسي لنفسه بجهود ذاتية، بالإضافة إلى وجوب خضوع جميع الأعضاء للتدريب الإيديولوجي، الثقافي والمسلكي، وضرورة عمل الهيئة على البدء بالتعليم بشكل رسمي باللغة الكردية خلال العام الدراسي 2015- 2016([15]). من جهة أخرى يتم توجيه الاتهام للإدارة الذاتية بأدلجة المواد التعليمية نتيجة فرضها مادة تسمى "الأمة الديمقراطية" والتي تنبع من فكر ونظرية عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكُردستاني المعتقل في تركيا([16]).

كما بدأت عملية اعتماد مناهج التعليم باللغة الكُردية في المناطق ذات الكثافة الكُردية والواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية في مدينة عفرين بتاريخ 17/11/2014، وقررت هيئة عفرين تغيير المناهج للعام الدراسي 2014-2015 وللصفوف الثلاثة الأولى باللغة الكُردية.

إلا أن العملية التعليمية في هذه المدينة لا تزال تواجه صعوبات جمة، فبالإضافة إلى عدم توافر الدعم اللوجستي والفني للعملية وعدم تزويد المدينة وريفها بالكتب المدرسية لما يقارب أربع سنوات، تبرز إشكاليتان تهدد هذه العملية برمتها، ترتبط الإشكالية الأولى بمسألة الاعتراف بمخرجات مؤسسات التعليم سواء كخطط العمل أو شهادات طلاب المرحلة الإعدادية والثانوية، رغم تجاوز أعدادهم آنذاك 1500 طالب من حملة الشهادة الثانوية و2500 طالب في مرحلة التعليم الأساسي وبلغ عدد الطلاب في المعاهد التابعة للإدارة الذاتية 170 طالباً وطالبة، ناهيك عن أعداد النازحين من المناطق السورية والتي حسب إحصاءات غير رسمية قارب عددهم 500 ألف([17]). وتتعلق الإشكالية الثانية بعدم القدرة على تأهيل الموارد البشرية المختصة التي ستتولى تنفيذ الخطط التعليمية، وهذا ما ناقشه ذات المؤتمر وكان أحد أهم أسباب انعقاده، إذ أن أغلب المدرسين غير حاصلين على شهادات جامعية "ناهيك عن امتناع المدرّسين الاختصاصيين عن التعاون مع مؤسسة اللغة"، وعلى الرغم من أن المؤسسة قد أهلت خلال عام واحد قرابة 1000 مدرس للتعليم باللغة الكُردية خلال عامٍ واحد، إلا أنها تتعرض للنقد الشديد فيما يخص سوية المدرسين لديها، حيث إن الكثير منهم هم من غير الحاصلين على شهادات معاهد أو جامعات([18]).

وفيما يتعلق بحدود العلاقة مع المؤسسات الرسمية التابعة للنظام فقد توجهت هيئة التعليم باللغة الكُردية نحو تحجيم وتقويض دور المجمع التربوي الحكومي بدءً من الشهر الثامن من ذات العام. وتم تعميم المناهج الكُردية على كافة الصفوف في المرحلة الابتدائية (من الصفّ الأول إلى السادس) مع إدخال مادتي اللغة العربية للصفّ الرابع والإنكليزية للصفّ الخامس. وفيما يخص المخاوف التي رافقت عملية قطع العلاقة بالمجمع التربوي وما يمكن أن تنتجه من تغييب لدور الآلاف من المدرسين المعينين من قبل الدولة في مدارس عفرين وريفها، صرحت رئيسة هيئة التربية والتعليم في مقاطعة عفرين بأن الباب مفتوحٌ أمامهم لينضموا للنظام التدريسي التابع للإدارة الذاتية. ويقدر عدد المدرسين من ملاك الدولة في المنطقة بحوالي 5000 معلم ومعلمة، وترى رئيسة الهيئة بأن "مقاطعة عفرين تحتاج إلى 1500 مدرّس فقط لتغطية كافة المدارس الموجودة في المدينة والريف من إداريين ومدرسين، إضافة لـ 300 مدرّس اختصاصي للمرحلة الثانوية"([19]).

أما في محافظة الحسكة فقد شهدت خلافات أشد من تلك الحاصلة في مدينة عفرين وكوباني/عين العرب نتيجة وجود الدوائر الحكومية ومزاولتها لواجباتها الإدارية خصوصاً في مجال التعليم، الأمر الذي أدى إلى حدوث صراع بين حكومة النظام من جهة وبين الإدارة الذاتية من جهة أخرى على الأحقية في إدارة المؤسسات التربوية. وفي هذا الصراع لاتزال المؤسسات التربوية التابعة للنظام تمتلك قوة "الشرعية" المؤسساتية في منح الشهادات والرواتب بشكل خاص. وفي المقابل تحاول الإدارة الذاتية إجبار هذه المؤسسات على الاعتراف بها كجهة شرعية لإدارة الملف التربوي عبر السيطرة على البُنية التحتية الرئيسية لقطاع التعليم "المدارس" وعلى المحرك البشري المتمثل بالطلاب والكادر التدريسي.

وضمن هذه السياقات قامت الإدارة الذاتية بتشكيل معاهد لتعليم اللغات: الكردية والسريانية والآشورية، وهي الجهة الوحيدة التي تستطيع إعداد المدرسين وتعيينهم لاحقاً، تحت إشراف هيئة التربية للإدارة الذاتية([20]). والجدير بالذكر أن التوجه نحو التعليم باللغات الأُم كان مطلباً للكُرد بشكل خاص إلى جانب كونه مطلباً للأرمن والآشوريين والسريان بدرجة أقل نتيجة تمتعهم ببعض الحرية في تعلم لغتهم في عهد " النظام". وفي هذا الاتجاه كان مجلس غرب كُردستان المعلن من قبل الإدارة الذاتية قد أعلن مشروع دستورٍ في تموز 2013 تضمن في مادته الخامسة "اللغة الكردية والعربية هما اللغتان الرسميتان لمناطق الادارة الذاتية مع ضمان التعليم لأبناء المكونات الأخرى للتعليم بلغتهم الأم ([21])"، ليدخل التدريس بمناهج وفق اللغات القومية في محافظة الحسكة حيز التنفيذ مع بداية العام الدراسي في 28/09/2015([22]).

والجدير بالذكر أن خطوة الإدارة الذاتية بالتعليم باللغة الكُردية لاقت اعتراضاً من قبل المجلس الوطني الكُردي وأنصاره، ونظم المجلس عدة مظاهراتٍ رافضة للمنهاج المفروض من قبل الإدارة الذاتية واستمر المجلس الوطني في المظاهرات الرافضة للمناهج مع كل خطوة كانت تخطوها الإدارة الذاتية في هذا الاتجاه كما حدث في مدينة ديريك. ورفع المجلس سقف خطر المناهج على الكُرد أنفسهم عبر الشعار "هذه المناهج هي الخطوة الثانية لإفراغ المناطق الكردية ممن تبقى فيها من مواطنين أكراد"([23]).

وخلال الفترة الممتدة بين 2015-2016 أعلنت الإدارة الذاتية أنها أتمّت تدريب ما يقارب 2600 مدرس ومُدرسة على أسس التدريس بمناهجها للصفوف الدراسية الثلاثة الأولى وطبعت أكثر من 40 ألف كتاب لتغطية احتياجات المدارس التي تم الإقرار بإعطاء الدروس فيها([24]). كما أعلنت الإدارة الذاتية في بداية العام الدراسي لعام 2016 استكمال استعداداتها لتطبيق مناهجها في كافة المدارس([25]). وفيما يخص الدورات التدريبية فتمتد الواحدة منها ثلاثة أشهر، وتتركز حول تقوية المنضمين إلها في مجال التعليم باللغة التي من المقرر أن يقوم/تقوم بتدريس الطلاب من مقررات هيئة التعليم في الإدارة الذاتية([26]).

محاولات توزيع ومحاصصة العملية التعليمية

شجعت الخلافات المستمرة بين مديرية التربية التابعة للنظام، وهيئة التربية التابعة الإدارة الذاتية نتيجة سعي الطرفين للسيطرة على كامل القطاع التعليمي في المحافظة، على تنامي مناخات الفوضى التي تهدد متطلبات الطلبة ومصيرهم([27])، وأمام هذا الواقع وردت تقارير عن اجتماع في مدينة الحسكة ضم ممثلين عن هيئات الطرفين في محاولة للوصول إلى صيغة تفاهم بشكل رئيسي حول المناهج التعليمية. ووفق بعض المنتسبين للكادر التدريسي في المحافظة توصل الطرفان لصيغة تفاهم، والتي تمحورت حول وضع خطة تعليمية للمرحلة الإعدادية، تتضمن القيام بتدريس خمس ساعات لغة كردية أسبوعياً للصف السابع والثامن، وثلاث ساعات لغة كردية للصف التاسع، على أن يتم اقتطاع هذه الساعات من نصاب اللغة العربية والاجتماعيات والمعلوماتية والعلوم والديانة، مقابل أن يتم السماح لها بالاستمرار في التعليم وفق منهاج الدولة.

أما بالنسبة لمرحلة التعليم الأساسي فقد تضاربت التصريحات حول عدم الوصول لأي اتفاق مع إصرار الإدارة الذاتية على أن يكون التعليم في كافة الصفوف باللغة الكردية في المناطق ذو الكثافة السكانية الكُردية ووفق منهاجها. وعرضت مديرية التربية من جهتها المناصفة([28])، في حين أكدت جهات إعلامية محلية على حدوث اتفاق تتخلى الدولة بموجبه عن شرطها بتعليم المنهاج التربوي الخاص بها في المرحلة الابتدائية وتسليمها بشكل كامل للإدارة الذاتية([29]). وظهرت الخلافات بشكل واضح مع قيام مديرية التربية في الحسكة بإعلان قرار يقضي بإغلاق كافة المدارس الابتدائية التي تعتمد منهاج الإدارة الذاتية([30]). ونفت مديرة التربية بالحسكة إلهام صورخان "ما تناقلته "التسريبات" الصادرة عن بعض وسائل التواصل الاجتماعي "بخصوص الاتفاق مع الإدارة الذاتية([31]). وأعلنت مديرية التربية في المحافظة عملها على إسقاط أكثر من 600 مدرسة من سجلاتها وهي المدارس الخاضعة تحت سيطرة الإدارة. وستؤدي خطوة كهذه إلى حرمان أكثر من 90 ألف طالب من شهادات مديرية التربية، ومن خدمات الدولة ومنظمة اليونسكو([32])، التي لم تعترف هي أيضاً بالنظام التدريسي المطبق من قبل الإدارة الذاتية، ويجدر بالذكر أن مديرية التربية التابعة لحكومة النظام اتجهت لإخضاع طلاب المرحلة الأساسية الأولى المنتقلين إلى المرحلة الثانية (الابتدائي إلى الإعدادي) لامتحان خاص تحت مسمى سبر المعلومات، حتى يتم قبولهم ضمن صفوف الطلبة في مدارسها([33]).

وقد تطورت التنافسية لدرجة الاشتباك العسكري فقد شهدت جامعة الفرات اشتباكات متفرقة بين الأطراف العسكرية الحاكمة للمدينة، أدت إلى سيطرة قوات الحماية الشعبية والأسايش على أبنية الجامعة مؤخراً، فقام النظام بالرد عبر إيقاف التدريس فيها، مشترطاً قيام الإدارة الذاتية بسحب عناصر الأسايش وتسليم الجامعة للحرس الجامعي الجامعة([34]). من جهتها نفذت الإدارة الذاتية هذا الشرط لتُعلن لاحقاً رئاسة الجامعة استئناف دوام الطلاب والعاملين فيها والاستعداد لتنفيذ امتحانات الدورة الإضافية لطلاب التعليم النظامي في 26/09([35]).

أما فيما يتعلق بالعلاقة مع المدارس المسيحية، فلم تكن المدارس العائدة للكنائس في المحافظة بعيدةً عن الصراع على مناهج التعليم وتبعيتها المؤسساتية، فالكنائس والتجمعات السياسية والمدنية المسيحية أطلقت في أيلول 2015 بياناً تشير فيه إلى عدم ضرورة فرض هذه المناهج على مدارسهم، لأن المناهج وفقاً لرؤيتهم تعرقل سير العملية التربوية، وهي خطوة مرفوضة بناءً على الخصوصية الإدارية والتربوية في المحافظة([36]). واتجهت مدارس الكنيسة للإضراب لمدة أسبوعين وعلى إثرها تم التراجع من قبل الإدارة الذاتية عن الخطوة، وتم الاتفاق على ألا تستقبل هذه المدارس الطلبة الكُرد، على أن تستمر بتدريس المناهج الحكومية. ولا تتفق الأطراف المسيحية كلها على رفض سياسة الإدارة الذاتية حيث يرى سنحاريب برصوم نائب رئيس حزب الاتحاد السرياني المنضم لصفوف الإدارة الذاتية، أن القرارات الصادرة من الإدارة كقوانين يجب أن تطبق على جميع المكونات دون استثناء، وأكد التزامهم بكافة القرارات([37]). وتتداول مصادر من المنطقة أنباء عن وجود اتفاق شفهي غير معلن بين المدارس المسيحية الخاصة وبين الإدارة تنص على عدم استقبال الطلاب الكرد كشرط للسماح لها باستمرار التدريس بمناهج وزارة التربية، ولا يشمل هذا المنع الطلاب العرب([38]). ويُقدر عدد الطلاب المنتسبين للمدارس العائدة للكنسية أو الخاصة العائدة للمسيحيين بحدود 5000 طالب في المحافظة، بينهم نسبة جيدة من العرب والكُرد. وكان مسموحاً للمدارس الكنسية من قبل النظام بـــ 4 حصص أسبوعية للغتين السريانية والأرمنية باعتبارها لغات طقس كنسي/ديني([39]).

وضمن هذا السياق تقوم "الإدارة الذاتية" وبناءً على "اعتبارها" كافة لغات مكونات المحافظة "لغاتٍ رسمية" بدورات تأهيلية لكوادر مسيحية ليتم تعيينها لاحقاً في كافة المدارس الواقعة تحت سيطرتها. ولتحقيق هذه الغاية طلبت "الإدارة الذاتية" نحو 50 معلم ومعلمة ليتم تدريبهم على تعليم اللغة السريانية ليتم توزيعهم على مدارس المحافظة للعام الدراسي 2016-2017، لمرحلة التعليم الأساسية الأولى. ويتم تحضير هذه الكوادر في معهد "أورهي" بمدينة القامشلي والذي تأسس في آذار 2016 ويختص بتعليم اللغة السريانية.

عموماً تدل العلاقة المضطربة بين الطرفين (النظام – "الإدارة الذاتية") على توافر عنصر التوظيف السياسي لكليهما، فالاستحواذ على أحد أهم وظائف الدولة ستبقى ملعباً للتجاذب والاشتباك طالما أن البوصلة المتحكمة في هذا السياق مرتبطة بمشروع سياسي لا يستقم دون تطبيق فكره وخططه على المجتمع. وفي ظل هذا تستمر الفجوة التعليمية بالتوسع وتنذر (كما هو الشأن في كافة الجغرافية السورية) بتعاظم مستطرد لانهيار وتآكل متنامي للعملية التربوية والتعليمية وهو ما سيعزز عوامل الأمية وانتشار الجهل.

مهددات مستمرة ومتنامية

تُواجه عملية تغيير المناهج في مناطق "الإدارة الذاتية" صعوبات متباينة تبعاً للمنطقة، ففي محافظة الحسكة (كانتون الجزيرة) يفرض التنوع الديمغرافي مناخات صد وجذب لهذه العملية، لاسيما في محافظة الحسكة، القامشلي القحطانية/تربي سبي، ورأس العين/سريه كانيه. وفي هذه المدن هناك أحياء يمكن وصفها "بالصافية" عرقياً أو دينياً، وبالمقابل هناك أحياء أخرى مشكلةٌ من خليط عرقي مختلف ومن أديان مختلفة كالحي الغربي في مدينة القامشلي، وحي المحطة في مدينة الحسكة على سبيل المثال.

أما فيما يخص مدينة عين العرب / كوباني، فتعاني من تدمر البنية التحتية لمديرية التربية نتيجة المعارك التي حدثت داخلها نهاية العام 2014 وبداية عام2015 بعد أن اقترب تنظيم "الدولة" من السيطرة عليها تماماً. وبالنسبة لمدينة عفرين فقد أدت المعارك المستمرة في ريف حلب الشمالي إلى انقطاع طرق المواصلات بينها وبين مدن عموم سورية وبشكل خاص مع مدينة حلب وجامعتها لعدة سنوات، وهذا ما أدى لتجمع أعداد هائلة من المنقطعين عن إكمال حياتهم الجامعية، وظهر في عموم هذه المناطق حالة الانقطاع والتهرب من المدارس نتيجة عدم وجود قوة ضابطة للعملية بشكل صارم. وعموماً يمكن تلخيص مهددات العملية التعليمية وفق التسلسل الآتي:

  1. مهددات ناجمة عن مفرزات الصراع: كانخفاض أعداد الطلاب نتيجة التحاق أو سوق الكثير منهم للجبهات. وانخفاض أعداد الطلبة نتيجة الهجرة المتزايدة، وتوجه الكثير من الطلبة للعمل لإعانة عوائلهم نتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة.
  2. مهددات تتعلق بعدم اتساق الخطة التعليمية مع ثنائية الحاجات وبطبيعة المناهج المفروضة، إذ يعاني التلاميذ في الصف الأول الابتدائي من عدم توازن المنهاج وحجمه الكبير، إضافة إلى رغبة الكثير من الأهالي التركيز على اللغتين العربية والكُردية، ناهيك عن اقتصار عملية التدريب للكادر التدريسي على فترة 3 أشهر فقط، وافتقار العديد من أفراد الكادر التدريسي للمؤهلات العلمية.
  3. مهددات السعي لأدلجة المناهج وفق أيديولوجية سياسية، حيث يرد في مجمل كتب المرحلة الأساسية أكثر من 12 حالة ذات دلالة لفكر حزب العمال الكُردستاني.

أحدثت عملية تغيير المناهج من قبل “الإدارة الذاتية” شرخاً في البيت السياسي الكُردي في هذا الخصوص، فمع أن التعليم باللغة الأم هو مطلبٌ كرديٌ شعبي منذ أمد بعيد إلا أن الحالة السياسية الحاكمة للمناطق الكُردية أدت إلى رفض البعض وخصوصاً المجلس الوطني الكُردي الذي رفض العملية جملةً وتفصيلاً، وطرح حلولاً بشكل غير مباشر أو مباشر عبر المظاهرات كانت تتمحور بشكل رئيسي حول العودة للمناهج "الحكومية" بناءً على أنها المعترف بها رسمياً وبالتالي لن يتضرر الطلبة في مستقبلهم. من جهة أخرى يرى المجلس إمكانية لحل هذه المعضلة ضمن اتفاق بين الأطراف الكُردية نفسها من خلال اتفاقٍ شامل حول كافة الملفات السياسية، العسكرية والإدارية.

ولردم هذا الشرخ الحاصل في البيت السياسي الكُردي وتأمين مستقبل الأطفال اقترح الباحث "إبراهيم خليل" في بحثه "مناهج التعليم الكردية في الإدارة الذاتية" حلاً لهذا الإشكال بضرورة "عدم التضحية بهذه الخطوة لمجرد الاختلافات السياسية"، والبدء بالعمل على توفير الاعتراف القانوني للمؤسسة التعليمية"، و"قبول مبدأ الشراكة مع الحركة السياسية الكردية في جزئية تعديل المحتوى وتنقية المناهج من جميع الأخطاء والنقاط محل الاختلاف"([40])، إلا أن الإشكال لايزال قائماً وتتراكم فوقه مجموعة من الصعوبات والمهددات المتزايدة التي تجعل العملية التعليمية ومستقبلها في مواجهة خطر النسف والإلغاء.

خاتمة

 لا يمكن القول بأن العملية التعليمية في مناطق “الإدارة الذاتية” تسير باتساق وفق أهداف العمل التعليمي عموماً، وذلك عائد لأسباب موضوعية شأنها شأن باقي المدن والقرى السورية، ومرتبطة بمستويات ونتائج الصراع المتعددة من جهة، ولارتباط هذه العملية في هذه المناطق بأجندات سياسية تخدم المشروع السياسي وأيديولوجياته دون تدعيم العملية تقنياً وفنياً وبرؤية وآليات تنفيذ واضحة من جهة ثانية، ونظراً لخصوصية هذه المناطق الديمغرافية وصعوبة إدارة التنوع في ظل تعثر الاعتراف القانوني في هذه المؤسسة من جهة أخيرة. ناهيك عن الصعوبات الإدارية واللوجستية المرتبطة ببيئة الوظيفة التعليمية التي تشهد واقعاً أمنياً وإنسانياً مركباً.

إن التداخل الإداري والخدمي بين مؤسسات "الإدارة الذاتية" ومؤسسات تابعة للنظام أفرزت اضطراباً في بوصلة عمل البنى المعنية بالعملية التعليمية، انعكس بشكل مباشر على تدهور الواقع التعليمي في هذه المناطق. ومما ساهم في تسارع عملية التدهور هو رغبة "الإدارة الذاتية" لفرض سلطتها كأمر واقع بشكل ارتجالي غير مدروس على وظائف تهم المواطن بشكل مباشر خاصة مع عدم وجود خطة تربوية تعليمية تفصيلية واضحة مدعمة بكوادر مؤهلة لقيادة وتنفيذ هذه العملية، مقابل فقط امتلاكها لخطوط عامة مرتبطة بالمستند الأيديولوجي، وضرورات المنافسة والاستحواذ. وهو ما يعزز من عوامل اتساع الفجوة التعليمية وتفشي الأمية والجهل.


([1]) تأجيل امتحانات كليتي الهندسة المدنية والاقتصاد في الحسكة، الموقع: آرانيوز، التاريخ: 08/09/2016، الرابط: http://wp.me/p4OhLR-2Sn

([2]) تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على كليتي التربية والآداب في مدينة الحسكة، الموقع: آرانيوز، التاريخ: 25/06/2015، الرابط: http://wp.me/p4OhLR-9qX

([3]) مجلس العشائر الكردية يتوسط لإعادة العمل بمؤسسات الدولة في الحسكة، الموقع: آرانيوز، التاريخ: 09/09/2016، الرابط: https://goo.gl/Bj5QBR

([4]) الإدارة الذاتية تجري إحصاء سكاني في مدينة الحسكة وسط فرض "الآسايش" حظراً للتجوال، الموقع: روداو، التاريخ: 14/10/2016، الرابط: https://goo.gl/VAYdMi

([5]) المواصلات مشكلة تضاف إلى يوميات الطلاب الجامعيين في الحسكة، الموقع: آرانيوز، التاريخ: 24/12/2014، الرابط: https://goo.gl/tIIvEF

([6]) ندوة حوارية مفتوحة حول مشاكل الطلبة الكرد، الموقع: آراينوز، التاريخ: 27/11/2014، الرابط: https://goo.gl/pnvjZ6

([7]) الطلاب الجامعيون في الحسكة بين واقع الملاحقات الأمنية والفساد الإداري التعليمي، الموقع: آرانيوز، التاريخ: 10/22/2014، الرابط: http://wp.me/p4OhLR-3Wf

([8]) اتهامات بالفساد، وأوضاع امتحانية صعبة يعاني منها طلاب جامعة الفرات بالحسكة، الموقع: آرانيوز، التاريخ: 03/07/2016، الرابط: http://wp.me/p4OhLR-i4J

([9]) جامعة روج آفا.. هل تحقق المأمول ؟، الموقع: حزب الاتحاد، الرابط: https://goo.gl/3tQufc

([10]) الأرقام والمعلومات الواردة تم استخلاصها من المصادر التالية:

  • جامعة الفرات في الحسكة: الامتحانات ستبدأ في 22 الشهر الحالي، الموقع: تحت المجهر، التاريخ: 03/06/2014، الرابط: https://goo.gl/rOZ3tT
  • نحو 30 ألف طالب يبدؤون امتحانات الفصل الثاني في كليات الحسكة، الموقع: وكالة سانا، التاريخ: 18/06/2015، الرابط: https://goo.gl/WUz6Zr
  • الامتحانات في موعدها بـ 17 الجاري. والجامعة بصدد إصدار قرارات التخرج، الموقع: جريدة الوطن، التاريخ: 04/01/2016، الرابط: https://goo.gl/vab9Dp
  • 300 متقدم إلى اختبار المقدرة اللغوية للقيد في درجة الماجستير بجامعة الفرات في الحسكة، الموقع: سانا، التاريخ: 20/09/2015، الرابط: https://goo.gl/1G1R4S
  • نداء استغاثة من طلاب جامعة المأمون: أنقذونا من مخالب وأنياب، الموقع: مشتى الحلو، التاريخ: 09/09/2007، الرابط: https://goo.gl/Ha97q6
  • جامعة روج آفا هل تحقق المأمول ؟، الموقع: حزب الاتحاد، الرابط: https://goo.gl/3tQufc

([11]) انظر المراجع التالية:

  • التعليم في روج آفا يدخل مرحلته الثورية الثالثة، الموقع: وكالة آن ف ا، التاريخ: 08/07/2016، الرابط: https://goo.gl/6xUCdV
  • 4 ملايين طالب وتلميذ في 15 ألف مدرسة، الموقع: أيام سورية، التاريخ: 17/09/2016، الرابط: https://goo.gl/SZqsWx
  • التحضيرات لبدء العام الدراسي في مقاطعة كوباني، الموقع: مقاطعة كوباني، التاريخ: 17/09/2016، الرابط: https://goo.gl/v0kqDF
  • عداد 250 مدرساً في صرين لتدريس المنهاج الجديد، الموقع: وكالة آنها، التاريخ:17/09/2016، الرابط: https://goo.gl/UgcAyd

([12]) المجلس المدني في منبج يعيد افتتاح مدارس المدينة وريفها، الموقع، آرانيوز، التاريخ: 10/10/2016، الرابط: http://wp.me/p4OhLR-kPi

([13]) أطفال سوريون يتذوقون متعة العودة الى المدارس في منبج، الموقع: وكالة هوار، التاريخ: 29/09/2016، الرابط: https://goo.gl/UjsrGG

([14]) الإدارة المحلية في مناطق كُرد سورية "عفرين نموذجاً"، الموقع: مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، التاريخ: 03/07/2015، الرابط: https://goo.gl/KzcDgV

([15]) كونفرانس الثاني لمؤسسة اللغة الكردية: تحديد نظام التعليم في مقاطعة عفرين، الموقع: مقاطعة عفرين، التا ريخ: 18/01/2015، الرابط: https://goo.gl/m5pfQF

([16]) أكراد سوريا يغامرون بافتتاح جامعة عفرين ويتأمّلون باعتراف دوليّ مستقبلاً، الموقع: المونيتور، التاريخ: 18/05/2016، الرابط: https://goo.gl/vGWTMp

([17]) الإدارة الذاتية في عفرين تقرر تدريس المناهج بالكردية حتى الصف الثالث الابتدائي، الموقع: آرانيوز، التاريخ: 17/11/2014، الرابط: http://wp.me/p4OhLR-44g

([18]) مؤسّسة اللّغة الكرديّة «SZK» تعقد مؤتمرها الثّاني في عفرين، الموقع: آرانيوز، التاريخ: 18/01/2015، الرابط: http://wp.me/p4OhLR-57o

([19]) تغيّرات جوهرية في النظام التربوي بمقاطعة عفرين والمدرّسون يتساءلون عن مصيرهم؟، الموقع: حزب الإتحاد، الرابط: https://goo.gl/y72VLX

([20]) مناهج التعليم الكردية في الإدارة الذاتية، الموقع: مدارات كُرد، المؤلف: إبراهيم خليل، التاريخ: 08/12/2015، الرابط: https://goo.gl/IoitWm

تم تأليف كتب الصفوف الثلاث الأولى من مرحلة التعليم الأساسي على يد أحد عشر أستاذاً من كرد تركيا كمؤلفين أساسيين، ويشتمل المنهاج الجديد على الكتب الرئيسية الثلاث (القراءة والرياضيات والعلوم) باللغة الكردية (اللهجة الكرمانجية)، وكتب بالأحرف اللاتينية على الغلاف الداخلي من جميع الكتب عبارة ترجمتها "تم إعداد هذا للكتاب من قبل لجنة الكتاب في غرب كردستان بالاستفادة من كتب ” مخمور" ومخمور هي مدينة صغيرة ضمن إقليم كردستان العراق.

([21]) مسودة دستور الحكومة المؤقتة لغربي كوردستان، الموقع: بيو كي ميديا، التاريخ: 20/07/2013، الرابط: https://goo.gl/LqnY9I

([22]) افتتاح المدارس في مدينة قامشلو مع المنهاج الكردي الجديد، الموقع: آرانيوز، التاريخ: 28/09/2015، الرابط: http://wp.me/p4OhLR-bvA

([23])المسيحيون يحذرون من «تغير ديموغرافي وفتنة طائفية، الموقع: القدس العربي، التاريخ:28/09/2016، الرابط: https://goo.gl/gX9XuR

([24]) الأسايش تفض مظاهرة منددة بالمناهج الدراسية الجديدة، الموقع: أخبار سورية، التاريخ:09/11/2015، الموقع: https://goo.gl/kZkCGI

([25]) الإدارة الكردية تنتهي من إعداد مناهج "الأمة الديمقراطية"، الموقع: عربي21، التاريخ: 11/07/2016، الرابط: https://goo.gl/OfG1q9

([26]) إدراج المناهج الجديدة في الصفوف الست الأولى في الجزيرة، الموقع: ولات اف إم، التاريخ: 23/09/2016، الرابط: https://goo.gl/y9lB0I

([27]) مديرية التربية تنقل امتحانات الشهادة الثانوية إلى مدينة الحسكة، الموقع: يكيتي ميديا، التاريخ: 22/05/2016، الرابط: https://goo.gl/eT2yvl  

([28]) بدأ العام الدراسي في شمال سوريا بتفاهمات بين الإدارة الذاتية والدولة ومنهاج كردي متطور في المدراس، الموقع: صدى الواقع السوري، التاريخ: 28/09/2016، الرابط: https://goo.gl/bS8fy2

([29]) النظام والديمقراطي يتسببان في حرمان أطفال الحسكة من التعليم، الموقع: أنا برس، التاريخ: 01/10/2016، الرابط: https://goo.gl/TUfbDg

([30]) المناهج الكردية الجديدة تتسبب باغلاق المدارس في الحسكة، الموقع: مدار اليوم، التاريخ: 23/09/2015، الرابط: https://goo.gl/GOGAeJ

([31]) مديرة التربية: الاتفاق مع الإدارة الذاتية الكردية بشأن التعليم في الحسكة ليس صحيحاً، الموقع: سورية تجمعنا، التاريخ: 18/08/2016، الرابط: https://goo.gl/chrych

([32]) مصير أسود ينتظر الطلاب السوريين في مناطق الميليشيات الكردية، الموقع: بلدي: التاريخ: 16/09/2016، الرابط: https://goo.gl/ZSzrzC

([33]) قررت مديرية التربية السورية إجراء امتحانات استثنائية (سبر معلومات)، الموقع: صفحة الدكتور فريد سعدون، التاريخ: 09/10/2016، الرابط: https://goo.gl/IggNV6

([34]) النظام يوقف التعليم في فروع جامعة الفرات بالحسكة بعد سيطرة الوحدات الكردية عليها، الموقع: يوتيوب، التاريخ: 23/09/2016، الرابط: https://goo.gl/805QXw

([35]) رئاسة جامعة الفرات في الحسكة تعلن استئناف الدوام تمهيداً للامتحانات التكميليلة، الموقع: آرانيوز، التاريخ: 26/09/2016، الرابط: http://wp.me/p4OhLR-ksU

([36]) المسيحيون يحذرون من «تغير ديموغرافي وفتنة طائفية، الموقع: القدس العربي، التاريخ:28/09/2016، الرابط: https://goo.gl/gX9XuR

([37]) قوانين الادارة الذاتية تقسم المسيحيين ما بين مؤيد ورافض، الموقع: قناة عشتار، التاريخ: 04/10/2016، الرابط: https://goo.gl/8hC3JA

([38]) اللغة السريانية تقتحم مناهج التعليم بالحسكة وطرد وفد النظام من "الشدادي"، الموقع: زمان الوصل: التاريخ: 28/09/2016، الرابط: https://goo.gl/cLMjWZ

([39]) المدارس السريانية والأرمنية بين “المطرقة “الكردية و “السندان” العربي، الموقع: مفكر حر، التاريخ: 11/09/2016، الرابط: https://goo.gl/nHGVkt

([40]) مناهج التعليم الكردية في الإدارة الذاتية، الموقع: مدارات كُرد، المؤلف: إبراهيم خليل، التاريخ: 08/12/2015، الرابط: https://goo.gl/IoitWm

التصنيف أوراق بحثية
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
الخميس نيسان/أبريل 29
الملخص التنفيذي مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20