مع سقوط نظام الأسد كُسِرَت حلقة الاستعصاء السوري، وتغيّرت معادلة الفواعل المحلية التي بقيت سائدة طيلة السنوات الأخيرة. ورغم هذا التغيير الجذري والدراماتيكي؛ إلا أن إعادة توحيد البلاد تحت سُلطة حكومة دمشق الجديدة ما يزال إشكالياً، خاصة مع بقاء مناطق شمال شرق سورية الخاضعة لقوات "سوريا الديمقراطية"/"قسد" خارج تلك السُلطة، وسط مفاوضات جارية بين الطرفين سترسم نتائجها مستقبل الشمال الشرقي وسورية بشكل عام.
حاولت قيادة قوات "قسد" خلال عقد من عمر الثورة السورية هندسة تموضعها (السياسي، العسكري، الأمني) على خارطة الفاعلين السوريين، محاولة الابتعاد عن ثنائية النظام والمعارضة، ساعدها في ذلك دورها الوظيفي الذي حُصر بمحاربة تنظيم "داعش"، والذي استغلت "قسد" خصوصيته وانعكاساته لتتمترس ضمن الحدود الأمنية لمناطق سيطرتها، وتطرح نموذجاً حوكمياً (الإدارة الذاتية) متمايزاً عن البيئة السياسية - الإدارية السورية السائدة، مستندة في ذلك إلى الدعم العسكري للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وحالة التنازع على الشرعية بين النظام والمعارضة.
ورغم كل الجهود التي بذلتها "قسد"، إلا أن محاولات كسب الشرعية السياسية لنموذج "الإدارة الذاتية" لم تفلح منذ تأسيسها، فلا اعتراف بكيانها السياسي من طرف النظام السابق، ولا دخول تحت مظلة المعارضة المعترف بها غربياً، ولا شرعية دولية أو اعتراف سياسي من أقرب داعميها الغربيين.
واليوم، وبعد سقوط نظام الأسد وحدوث توافق نسبي من الأطراف المحلية السورية، عسكرية وسياسية، على ضرورات وأوليات دعم الاستقرار خلال المرحلة الانتقالية، إضافة إلى بروز مؤشرات إيجابية أوليّة للقبول الدولي والإقليمي بحكومة دمشق وقيادتها السياسية؛ تقف "قسد" أمام استحقاقات مصيرية ستحدد مستقبل قواتها في الشمال الشرقي وسورية بشكل عام، وكذلك مستقبل نموذج "الإدارة الذاتية"، إضافة إلى رسم الملامح الأساسية للتعاطي مع المسألة الكردية في سورية.
تواجه قيادة "قسد" تلك الاستحقاقات في سياق مفاوضات مباشرة بينها وبين حكومة دمشق، وسط ضغوط إقليمية وأخرى دولية لا تبدو بصالحها، خاصة ما يتعلق بالموقف التركي من قواتها، إلى جانب مسار المصالحة المرتقبة الذي تقوده أنقرة مع زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، وانعكاساته المحتملة في سورية، ناهيك عن ضبابية الموقف الأمريكي، حتى الآن، فيما يتعلق بسحب القوات والقواعد الأمريكية من سورية.
وعليه، تسعى هذه الورقة إلى قراءة ديناميات المشهد الأمني والسياسي في مناطق سيطرة "قسد" بعد سقوط الأسد، وتحليل مواقف اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين الفاعلين في مسار المفاوضات الجارية بين الإدارة السورية الجديدة و"قوات سوريا الديمقراطية"، ومحاولة استشراف "السيناريوهات" المحتملة للمنطقة في ظل تلك المواقف.
مع سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، بسطت إدارة العمليات العسكرية سيطرتها على معظم الجغرافية السورية من إدلب إلى درعا، إلا أنها تجنّبت المواجهة العسكرية مع قوات "قسد" في أي من مناطق سيطرتها، خاصة في حلب بداية. بالمقابل، استغلت "قسد" الانهيار العسكري السريع لقوات الأسد، فتقدمت لملء بعض الفراغات الأمنية التي خلفها انسحاب تلك القوات في مناطق عدة، فضمن الحسكة والقامشلي سيطرت على المربعات الأمنية وأغلب المواقع العسكرية، وفي دير الزور عبرت نهر الفرات وسيطرت على المطار العسكري والمدينة لعدة أيام، قبل انسحابها إلى نقاطها السابقة إثر وصول أرتال عسكرية بقيادة إدارة العمليات التابعة للإدارة الجديدة وسيطرتها على مدينة دير الزور وقرى وبلدات خط الشامية.
أما ضمن مناطق نفوذها في محافظة حلب، بدت "قسد" متخبّطة، فقد حاولت بدايةً التقدم وربط مناطق سيطرتها في مدينة حلب بريفها، ثم انسحبت بعد مواجهات عنيفة مع "الجيش الوطني" على جبهات عدة، منها دير حافر التي قطعت الطريق أمام ربط مناطق سيطرتها في الريف بالمدينة، وكذلك خلال المواجهات على جبهة منبج، التي أسفرت عن فقدان "قسد" للمدينة الاستراتيجية التي سيطرت عليها منذ2016 ، وناورت للتهرب من خارطة الطريق الأمريكية - التركية عام 2018، والتي كانت تقضي بانسحاب وحدات "حماية الشعب"/YPG"" من المدينة وتسيير دوريات أميركية - تركية، وإنشاء إدارة محلية جديدة.
من جهة أخرى، تزامنت الاشتباكات العسكرية المحدودة مع احتقان شعبي أوسع في مناطق عدة. فقد شهدت مدن الرقة والحسكة مظاهرات واحتجاجات متقطعة رفعت شعارات مناهضة لـ"قسد"، بينما بدا الوضع أكثر تصعيداً في ريف دير الزور، حيث نشطت مجدداً المجموعات العشائرية التابعة لشيخ قبيلة العكيدات، إبراهيم الهفل، في بعض بلدات الريف الشرقي، وجرت مواجهات وهجمات مُسلّحة على حواجز ومقرات قوات "قسد"، قبل أن تبادر الأخيرة بفرض حظر تجول في مناطق عدة، وإعادة انتشارها العسكري. وقد سبق تلك الأحداث في دير الزور أيضاً، انشقاقات لبعض القيادات العربية ضمن المجالس العسكرية التابعة لـ"قسد"، في البصيرة وهجين ومناطق أخرى.
وقد قابل هذا الاحتقان الشعبي والمعارك العسكرية المحدودة، استنفار شديد من قبل القوات العسكرية والأمنية التابعة لـ "قسد" في مختلف مناطق سيطرتها، سواء على مستوى انتشار الحواجز الأمنية والتدقيق غير المسبوق على المدنيين، كذلك الأمر بالنسبة لفرض حظر التجول في بعض المناطق، إضافة إلى إفراغ بعض المؤسسات الحكومية أو المستودعات الاستراتيجية ونقلها إلى أماكن غير معروفة.
أما على المستوى الاقتصادي، ورغم اعتماد مناطق "الإدارة الذاتية" بشكل كبير على موارد النفط والزراعة والمساعدات الخارجية، إلا أنها تعاني أيضاً من تبعات الحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة على سورية، رغم أن المنطقة شملتها الإعفاءات الأمريكية من العقوبات في بعض القطاعات. كما أن تهالك البُنية التحتية، إلى جانب الفساد المستشري في مؤسسات الإدارة؛ ساهم وما يزال في عرقلة أي خطط تنموية داعمة لاقتصاد المنطقة المتردي، والذي من المحتمل أن يزداد تدهوراً خلال الفترة الحالية، نتيجة للظروف الأمنية - العسكرية من جهة، إضافة إلى قرارات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المتعلقة بوقف برنامج المنح الخارجية، والذي كانت تعتمد عليه أغلب المنظمات الإنسانية المحلية والدولية الناشطة في سورية بشكل عام وشمال شرق بشكل خاص.
وبالتوازي مع هذا الواقع الميداني وارتداداته المحتملة، انطلقت جولات مفاوضات مباشرة بين القيادة الجديدة في دمشق وقيادة "قوات سوريا الديمقراطية"، وصفت في خطوطها العامة بالإيجابية، وقد أكد مظلوم عبدي، قائد "قسد"، أنه تم الاتفاق مع السُلطة الجديدة في دمشق على وحدة وسلامة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع تقسيم([1]). وتدور المفاوضات بين الطرفين حول قضايا رئيسة عدة، منها: إعادة هيكلة الجيش والأجهزة الأمنية السورية، وكيفية اندماج قوات "قسد" ضمنها، وما يستتبعها من إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني/PKK الأجنبية. إضافة إلى إدارة الثروات الطبيعية في المنطقة، وصيغ الإدارة المحلية المقترحة فيها، ناهيك عن المسألة الكردية وتجلّياتها القانونية والدستورية.
وبينما تصر "الإدارة الذاتية" على الاحتفاظ بقواتها العسكرية ككتلة، وضمان مكتسباتها الميدانية في إطار دولة سورية لا مركزية، تُركّز دمشق على استعادة سُلطتها المركزية، وبسط سيطرتها على كامل الجغرافية السورية. وما تزال هذه التباينات عائقاً أمام تحقيق أي اختراق حقيقي في المفاوضات، فرغم الزخم الذي يحيط بمسار التفاوض وعدم حصول مواجهات مباشرة بين الإدارة الجديدة وقوات "قسد" حتى الآن([2])، إلا أن غياب الثقة بين الأطراف يشكل عقبة رئيسة، كما أن التباينات في الرؤى حول شكل الحكم المستقبلي، فضلاً عن الخلافات حول إدارة الملف الأمني، تُعقّد عملية الوصول إلى اتفاق شامل، لا سيما بالنظر إلى حجم الملفات الشائكة والمتشابكة، وتداخل المصلحة الوطنية مع هواجس القوى الإقليمية.
بالمقابل، فإن فشل مسار المفاوضات يعد أكبر التحديات الأمنية والعسكرية التي قد تواجها "الإدارة الذاتية" خلال الفترة القادمة، خاصة مع تزايد الضغوط التركية التي قد تدفع باتجاه شن عملية عسكرية واسعة على مناطق سيطرة "قسد"، إذ ترى أنقرة أن أي تسوية لا تراعي مصالحها/هواجسها الأمنية حول استمرار "قسد" بشكلها الحالي، تشكل تهديداً لأمنها القومي. كما أنها لا ترغب برؤية قيادات مُقرَّبة من حزب العمال الكردستاني/ PKK ضمن دوائر صنع القرار في دمشق مستقبلاً، أو ضمن هيكلية الجيش السوري الجديد. وأمام تلك التحديات، تسعى قيادة "قسد" إلى الحفاظ على قدر نسبي من الاستقرار الأمني في مناطقها، إضافة إلى تعزيز موقفها التفاوضي بناءً على رهانات عدة، على رأسها استمرار الدعم الأمريكي، والذي يبقى هشاً وقابلاً للتغيير بناءً على أولويات واشنطن.
رغم سخونة جبهات ريف حلب، واشتعال خطوط التماس بين فصائل "الجيش الوطني" وقوات "سوريا الديمقراطية"، إلا أن المفاوضات السياسية بين الإدارة السورية الجديدة وقوات "قسد" تسير بهدوء أكبر، وسط تدخلات أطراف إقليمية ودولية ساعية للتأثير في رسم المستقبل السياسي والعسكري للمنطقة، وفقاً لمصالح كل طرف.
أكّدت الإدارة السورية الجديدة بقيادة رئيس الجمهورية في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، رفضها وجود أي كيانات مُسلحة خارج إطار الجيش السوري، مما يعني حلّ قوات "قسد" ككتلة عسكرية ودمجهم كأفراد في الجيش الجديد([3])، وخروج جميع العناصر الأجنبية/PKK من الأراضي السورية، إضافة إلى تسليم السيطرة الأمنية والإدارية في دير الزور والرقة والحسكة وما تبقى من ريف حلب إلى الحكومة السورية الجديدة، بما فيها من ملفات عالقة: معتقلات عناصر "تنظيم الدولة"/"داعش"، موارد الطاقة (نفط، غاز)، النقاط والمعابر الحدودية.
بالمقابل، يبدو أن الإدارة الجديدة تبدي مرونة فيما يتعلق بالحقوق الثقافية والسياسية للمكوّن الكردي في سورية، تحت قاعدة المواطنة، دون توضيح تفصيلي عن كيفية ترجمتها قانونياً، خاصة مع مطالبة "قسد" بتثبيتها دستورياً. كما تبدي حكومة دمشق الجديدة أيضاً مرونة فيما يتعلق بتوسيع صلاحيات الإدارات المحلية بما دون اللامركزية السياسية، وكذلك فتح المجال أمام الكُرد للانضمام إلى مؤسستي الأمن والجيش، مع إمكانية منح رتب عسكرية لعدد من القيادات السورية في "قسد".
تُدرك الإدارة السورية جيداً أهمية شمال شرق سورية في استكمال معادلة السُلطة الجديدة، سواء لناحية الموارد الاقتصادية وأهميتها في هذه المرحلة الحرجة، إضافة إلى الأهمية السياسية في استرجاع السيادة على كامل الأراضي السورية، واستكمال ضبط الحدود الجغرافية للدولة، إلى جانب الانعكاسات السياسية لمستقبل إدارة المنطقة بتركيبتها المتنوّعة على ملف السلم الأهلي والهوية الإدارية والسياسية للبلاد، ناهيك عن حساسية وأثر المستقبل السياسي للمنطقة على العلاقات الإقليمية والدولية، خاصة مع اشتباك ملفاتها مع قضايا الأمن القومي لتركيا من جهة، ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية ومستقبل وجود قواتها في سورية من جهة أخرى، خاصة وأن الإدارة الجديدة لا تبدو مستعجلة للمطالبة بخروج القواعد الأمريكية من سورية، بل ربما تنظر إلى هذا الوجود كداعم للاستقرار، على الأقل خلال المرحلة الحالية، ولكن بالتنسيق معها وليس مع قوات "قسد".
وفي هذا الإطار، تبدو جميع الخيارات مفتوحة أمام حكومة دمشق، مع إعطاء الأولوية للحلّ التفاوضي، خاصة مع إداراكها لما قد يترتب على المواجهة العسكرية الشاملة من إشكاليات مركّبة (أمنية، سياسية، اجتماعية، إدارية)، لذلك يبدو أنها تُغلِّب الحلول التفاوضية في المدى القريب والمتوسط لتحقيق ما تريد، معوِّلة في ذلك على معطيات عدة، ومُتغيرات محتملة:
من جهتها، ترفض قيادة قوات "سوريا الديمقراطية"، حتى الآن، حلّ قواتها، وتطالب بدخولها ككتلة عسكرية تحت مظلة وزارة الدفاع، وبقاء انتشارها في مناطق سيطرتها الحالية، مع الإبقاء على المؤسسات الإدارية والمدنية لـ"لإدارة الذاتية". ولا تمانع من مغادرة مقاتلي "حزب العمال الكردستاني"/PKK الأجانب خارج سورية، والتفاوض على تسليم ملف النفط والمعابر الحدودية للحكومة السورية الجديدة، مقابل تسوية المسألة الكردية في سورية، وإعادة النظر بالشكل الإداري للدولة. إذ أبدى قائد "قسد" مظلوم عبدي، في تصريحات عدة، استعداد قواته للاندماج في الجيش السوري الجديد، شرط ضمان حقوق الكرد دستورياً، كالاعتراف بالهوية الكردية واللامركزية الإدارية، مؤكداً أن "قسد" لا تسعى إلى التقسيم، بل إلى سورية موحدة تعكس تنوعها([4]).
وضمن إطار مطالبها، يبدو أن "قسد" تسعى إلى إطالة أمد المفاوضات، وكسب المزيد من الوقت، ريثما تتوضح توجهات الإدارة السورية الجديدة أكثر، وعلى أمل حدوث متغيرات جديدة تزيد من قوة موقفها التفاوضي. ويبدو أنها تراهن في هذا السياق على معطيات عدة ومُتغيرات محتملة، على رأسها:
من الناحية النظرية، لا ترغب "قسد" ولا حكومة دمشق بالدخول في مواجهات عسكرية شاملة، إلا أن هناك الكثير من العراقيل أمام مسار المفاوضات المتعثّر. وفي ظل هذا الواقع المُعقَّد، تُدرك دمشق التداخل بين المصلحة الوطنية والمصالح الدولية والإقليمية، ويبدو أنها تعوّل في هذا الإطار على تفاهمات ثنائية بينها وبين الولايات المتحدة من جهة، وبين الأخيرة وتركيا من جهة أخرى، بما يؤدي إلى اتفاق مع "قسد" يضمن في النهاية حلولاً سلمية تحقق وحدة الأراضي السورية.
بالمقابل، تُدرك قيادة "قسد" أهمية المرحلة الحالية في رسم مستقبل وجودها ضمن الخارطة الجديدة للفاعلين السوريين، ونظراً للتأثير الكبير لحزب العمال الكرستاني/PKK على قرار "قسد"، يبدو أن الأخيرة تعوّل على نتائج محادثات السلام بين أوجلان والحكومة التركية من جهة، والتفاهمات بين الولايات المتحدة وتركيا من جهة أخرى، لتؤدي في النهاية إلى حلول تدفع شبح الحرب عن المنطقة، وتحافظ على جزء من مكاسبها، وتضمن وجودها ضمن دوائر صنع القرار في دمشق، لا سيما مع دخول أطراف أخرى على خط الوساطة، مثل ألمانيا وفرنسا وإقليم كردستان العراق، لتذليل العقبات أمام مسار المفاوضات وخلق حلول سلميّة.
دعمت القوات الأمريكية "وحدات حماية الشعب"/YPG"" بداية، ثم دعمت منذ عام 2015 تأسيس مظلة قوات "قسد" كشريك محلي على الأرض ضمن إطار عمليات التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب، وصعود تنظيم الدولة "داعش" في سورية، بينما تمحور الوجود العسكري الأمريكي المباشر في المنطقة حول أهداف عدة، أبرزها: القضاء على تنظيم "داعش" ومنع عودته، والضغط سياسياً واقتصادياً على نظام الأسد للانخراط بالعملية السياسية، عبر السيطرة على ما يقارب ثلث الأراضي السورية الغنية بالثروات، ناهيك عن منع إيران وروسيا من توسيع نفوذهما في المنطقة، وخنق الـ "كوريدور" الإيراني الذي كان يمتد من العراق إلى لبنان مروراً بدير الزور. إضافة إلى حماية أمن حلفاء الولايات المتحدة في الإقليم، عبر التواجد العسكري المباشر للقواعد الأمريكية.
ومع سقوط نظام الأسد، وإضعاف أذرع إيران في المنطقة، يبدو أن معظم المصالح الأمريكية السابقة قد تحققت بالفعل، ليبقى ضمان تلك المصالح وغيرها قريناً بالتفاهمات التركية - الأمريكية من جهة، والتفاهم مع الإدارة الجديدة في دمشق من جهة أخرى، ناهيك عن عدم إلزام الولايات المتحدة نفسها بأي وعود قطعية لـ"قسد" فيما يتعلق بمستقبل "الإدارة الذاتية"، وتموضعها السياسي والعسكري في سورية، وتأكيدها المستمر على أن دعمها لقوات "سوريا الديمقراطية" ينحصر في الإطار العسكري وجهود مكافحة تنظيم "داعش".
وضمن هذا السياق، يبدو أن موقف الإدارة الأمريكية سيركّز مبدئياً على تشجيع "قسد" على التفاهم مع الإدارة الجديدة في دمشق، كما شجعتها سابقاً على محاولة التفاهم مع الأسد، وربما قد تزداد الضغوط الأمريكية على "قسد" لإنجاح مسار المفاوضات، وذلك بفعل عوامل عدة، على رأسها؛ احتمالية توصل الجانب التركي إلى تفاهم معين مع الولايات المتحدة في المنطقة على حساب "الإدارة الذاتية"، إضافة إلى طبيعة الموقف الأمريكي ذاته، خاصة في إدارة الرئيس ترامب، الذي بدأ عهده بتصريحات عدة حول احتمالية سحب القوات الأمريكية من سورية، ثم اتخذ إجراء إيقاف برامج المساعدات الخارجية، الأمر الذي تسبب بتعليق عمل المنظمات الإنسانية وتقديم الخدمات في مخيمي الهول وروج التي تضم عوائل وعناصر متهمين بالانتماء لتنظيم "داعش"([5]).
ناهيك عن بروز الإدارة السورية الجديدة كشريك محتمل وبديل عن قوات "قسد"، في أغلب الملفات والمهام التي كانت تضطلع بها، إذ تزداد مؤشرات التعاون بين واشنطن والإدارة السورية الجديدة على مستويات عدة، خاصة في ملف مكافحة الإرهاب/"داعش"، فقد أكّدت صحف أمريكية مشاركة معلومات استخباراتية سرية مع الحكومة السورية الجديدة، ساعدت في إحباط محاولة تنظيم "داعش" مهاجمة "مقام السيدة زينب" في محيط دمشق([6]). كما أصدرت وزارة الخزانة الأميركية ترخيصاً عاماً، يستمر 6 أشهر، يجيز بعض المعاملات مع الحكومة السورية، ومن بينها بعض مبيعات الطاقة، وتوفير الخدمات العامة، والمساعدة الإنسانية([7])، إضافة إلى مؤشرات أخرى تتمثل بانزياح سلس لكتلة "جيش سورية الحرة" العاملة تحت مظلة القوات الأمريكية في قاعدة التنف، وانضمامها إلى وزارة الدفاع الجديدة للانخراط في إعادة هيكلة الجيش السوري الجديد.
من جهتها تُصر أنقرة على حلّ قوات "قسد" نهائياً([8])، وترفض مقترحات الحكم الذاتي، أو أن يكون لقيادات مقربة من "PKK" أي دور في صناعة القرار ضمن سورية وهيكلية الجيش السوري مستقبلاً، في الوقت الذي تواصل فيه عملياتها ضد مواقع عسكرية وأمنية لقوات "قسد"، وتدعم فصائل "الجيش الوطني" في المواجهات العسكرية المحدودة الجارية ضمن مناطق سد تشرين وأطراف منبج في ريف حلب. بالمقابل، تدرك أنقرة عدم رغبة/قدرة دمشق بقيادة عملية عسكرية واسعة في هذه المرحلة، وترغب بمنح مزيد من الوقت لجهود الوسطاء، على رأسهم الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وإقليم كردستان العراق([9])، معوّلة في ذلك على معطيات دولية وإقليمية ومحلية عدة:
فمن جهة، هناك مسار آخر يتم العمل عليه في تركيا قد يكون له تأثير على ملف شمال شرق سورية، وهو المفاوضات الجارية بين الحكومة التركية وزعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، والتي وصلت لمراحل متقدمة، فمن المتوقع أن يوجِّه أوجلان خلال أيام خطاباً يحمل دعوة لحلّ جميع التنظيمات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، في تركيا وخارجها، ومنها في قنديل وسورية وأوروبا، الأمر الذي سيكون له تأثير كبير على شمال شرق سورية، نظراً إلى أن فك ارتباط قوات "قسد" بالحزب المذكور ما تزال أحد المطالب الأساسية، سواء لدمشق أو أنقرة وأطراف أخرى([10]). ناهيك عن أن طبيعة ردود الأفعال المتوقعة لحزب الاتحاد الديمقراطي/PYD"" وباقي أجنحة حزب العمال في المنطقة إزاء دعوة أوجلان المحتملة للحزب بإلقاء السلاح؛ ستسهم بشكل كبير في رسم مستقبل الحزب والمناطق المنتشر فيها، منها سورية، إذ إن قبول تلك الدعوات والاستجابة لها سيكون له أثر كبير، في حين لن يقل الأثر في حال رفضها، خاصة وأن ذلك قد يؤمّن شرعية لتركيا في استهداف أجنحة الحزب الرافضة لأي اتفاق محتمل.
من جهة أخرى، تعوّل أنقرة على تغيُّر معطيات البيئة الاستراتيجية بعد سقوط الأسد، بمعنى الهامش الأوسع الذي أتيح لها في الشمال السوري، وإمكانية استئناف علاقات ثنائية قوية مع الحكومة الجديدة في دمشق على مختلف المستويات، بشكل يساهم في إعادة نقاش وجودها العسكري في سورية بشكل أكثر مرونة، وربما إدخال تعديلات على بعض الاتفاقيات والبروتوكولات الثنائية (السياسية، الأمنية، العسكرية) على رأسها اتفاق أضنة. إضافة إلى توجّه أغلب الفاعلين الغربيين إلى حكومة دمشق لضمان مصالحهم أو التعاون، وبالتالي تراجع الدعم لـ"قسد"، ناهيك عن الانفتاح العربي - الخليجي على الإدارة السورية الجديدة في دمشق، وسط مناخ توافق نسبي في إدارة الملف السوري، وليس مناخ تنافسي كما كان الحال في الأزمة الخليجية والخليجية - التركية سابقاً، وذلك بالرغم من المواقف المتحفظة والمترددة لبعض الدول العربية، والتي تبدو عاجزة حتى الآن وسط المناخ الدولي العام.
ووسط تغييرات البيئة الاستراتيجية، يبدو أن أنقرة تراهن أيضاً خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على الوصول إلى صفقة وتفاهمات مرضية تحفظ المصالح الأمريكية في المنطقة، وتساعد على حماية الأمن القومي التركي، وفي هذا السياق، تحدثت بعض الصحف حول عرض أمريكي لتركيا يدور حول إعادة وتطبيع علاقات أنقرة مع إسرائيل، مقابل انسحاب القوات الأمريكية من سورية ([11]).
وما بين تلك الخيارات، تبقى الأدوات العسكرية التركية حاضرة لتشكيل ضغط إضافي، وتسريع احتمالية الوصول إلى حلول مرضية لأنقرة، إذ لم تنقطع العمليات الأمنية خلال الفترة الماضية، واستهداف المسيّرات لقيادات "قسد"، ناهيك عن الاشتباكات المحدودة مع فصائل "الجيش الوطني"، والذي يبدو أن أنقرة تعوّل عليه أكثر خلال المرحلة الحالية، خاصة مع إدراكها لصعوبة وحساسية دخول حكومة دمشق وتصدّرِها لمواجهة عسكرية مباشرة ومفتوحة خلال هذه الفترة الحرجة.
وفقاً للمعطيات المتاحة والمتوافرة حتى الآن، يبدو من الصعب رسم "سيناريوهات" تفصيلية للمسار المحتمل للأحداث، لكن ليس من المستحيل استشرف الاتجاهات التي قد تتخذها، والتي تبقى محكومة بمُتغيرات عدة وعوامل محلية وإقليمية ودولية من شأنها أن ترجّح سيناريو على آخر، وتسهم في رسم مستقبل المنطقة.
بالرغم من أن المفاوضات كانت الخيار الأول لمختلف الأطراف، وكذلك تضمنت في بداية انطلاقها رسائل إيجابية عامة من الطرفين؛ إلا أن تفاصيل التفاوض تبقى المجال الأكبر لبروز التباينات والخلافات، خاصة وأن مواضيع التفاوض لا ترتبط فقط بمصالح الأطراف المحلية، وإنما أيضاً بمصالح إقليمية ودولية، خاصة مع دخول حزب العمال الكردستاني على خط المفاوضات كمرجعية غير مباشرة لقيادة "قسد" في سورية، مقابل مصالح الأمن القومي التركي الذي تسعى أنقرة لتحقيقه في سورية، بالتوازي مع مسار آخر في تركيا يتمثل بالمصالحة المحتملة مع قيادة حزب العمال. ناهيك عن أهداف ومصالح الولايات المتحدة وأمن حلفائها في المنطقة، إضافة إلى تدخلات ووساطات أطراف إقليمية ودولية أخرى.
وبقدر ما يبدو هذا السيناريو شاقاً ومُعقداً؛ غير أنه قد يكون المَخرَج الأمثل لمختلف الأطراف، وذلك لما قد يؤمّنه من تجنيب المنطقة سيناريوهات أسوأ، على رأسها المواجهة العسكرية، وما قد يتلوها من ارتدادات أمنية، سياسية، اجتماعية، إنسانية، تبدو الأطراف المحلية بغنى عنها خلال الظروف الحالية.
وفي حال نجاح هذا السيناريو، فمن المتوقع أن يتضمن اتفاقاً أولياً حول مسائل عدة: انسحاب قوات "قسد" من المناطق والمحافظات ذات الغالبية العربية (دير الزور، الرقة)، وانتشار قوات إدارة العمليات العسكرية مكانها، دمج قوات "قسد" من المحليين السوريين عرباً وكرداً ضمن صفوف وزارة الدفاع وفق آليات متفق عليها من الطرفين، ومنح بعض القيادات رتباً عسكرية في الجيش، خروج القيادات الأجنبية في صفوف "قسد" ومغادرتهم سورية، إعادة هيكلة القوات الأمنية التابعة لـ"قسد" كقوى أمن محلية بإشراف حكومة دمشق، تسليم المعابر والنقاط الحدودية لحكومة دمشق، خلق آلية مشتركة لتسليم إدارة السجون التي تضم عناصر سابقين من "داعش" إلى الإدارة السورية الجديدة.
كما قد يتضمن هذا النوع من الاتفاق، تسليم "قسد" موارد الطاقة في المنطقة (آبار وحقول النفط والغاز)، وذلك ربما بعد التفاهم على تخصيص نسبة معينة في إطار تنمية المنطقة، وليس تحت تصرف قيادة "قسد". وهذا بالضرورة سيشمل النقاش حول شكل وصلاحيات الإدارات المحلية في سورية بشكل عام وشمال شرق بشكل خاص، إذ من المتوقع أن تبدي حكومة دمشق مرونة فيما يتعلق بتوسيع صلاحيات الإدارات المحلية في المنطقة، ولكن ما دون اللامركزية السياسية، وبالتالي ضمان تمثيل وإدارة المكوّن الكردي لمناطق الكثافة الكردية. كما سيتضمن هذا الاتفاق بالضرورة النقاش حول مصير "الإدارة الذاتية" كجسم حوكمي، والذي من المحتمل أن يكون مستقبلها الحل ضمن هذا السيناريو، خاصة مع رفض حكومة دمشق الإبقاء على أي كيانات سياسية أو حوكمية أو عسكرية خارج إطار الدولة. وفي هذا السياق، يمكن أن يتم الاستفادة من بعض الخبرات التي تراكمت وتطورت في المنطقة، لكن من المستبعد أيضاً أن يتم دمج مؤسسات "الإدارة الذاتية" بمؤسسات ووزارات الدولة، خاصة فيما يتعلق ببعض المؤسسات التي تستند في مرجعيتها وبنائها وممارساتها إلى أيديولوجيا حزب العمال الكردستاني، كالقضاء والتعليم وغيرها.
كما أن جوهر هذا الاتفاق سينصب حول كيفية ضمان الحقوق الثقافية والسياسية للمكوّن الكردي في سورية، فبين قاعدة المواطنة المتساوية التي تطرحها حكومة دمشق، وتثبيت الحقوق دستورياً كما تطالب "قسد"، هناك ضمانات قانونية عدة قد تُقدَم في هذا المسار، والذي شكل عقبة تفاوضية تاريخية بين المعارضة من جهة والمظلات السياسية الكردية من جهة أخرى، سواء خلال فترة "المجلس الوطني السوري"، أو لاحقاً خلال بدايات "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة". ناهيك أن نتائج التفاوض حول هذا المسار قد تتأثر أيضاً بالنموذج التركي، وشكل الحلّ الذي قد يطرح في تركيا بعد المصالحة مع حزب العمال، إن نجحت.
وبالنظر إلى حجم التفاصيل والملفات التي يتضمنها هذا السيناريو، سنجد أن احتمالية النجاح قد توازي احتمالية الفشل، نتيجة التعقيدات التي قد تواجه هذا المسار، والذي يبقى نجاحه أو فشله رهناً بمعطيات ومُتغيرات عدة، أبرزها؛
بقدر ما ينطوي عليه الخيار العسكري من مخاطر جمّة؛ إلا أنه يبدو أيضاً أحد الخيارات المطروحة في حال فشل المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود. وبالنظر إلى المعطيات ذاتها والنقاط أعلاه، التي قد تقود إلى نجاح مسار التفاوض، فإنها ذاتها قد تؤدي إلى فشله في حال تعطّلها أو سيرها بعكس الاتجاهات المذكورة، وبالتالي الذهاب إلى الخيار الأسوأ المتمثل بالمواجهة العسكرية.
وبالرغم من غياب أية مؤشرات ميدانية واضحة لانسحاب أمريكي وشيك([12])، إلا أن سقوط نظام الأسد، وانسحاب إيران، وتراجع النفوذ الروسي لأدنى مستوياته، قد حقق معظم أهداف الوجود الأمريكي في سورية، باستثناء مخاوف صعود مفاجئ لتنظيم "داعش"، والذي أدى بروز حكومة دمشق إلى تأمين بديل عن "قسد" في التعاطي معه. كما أن وصول ترامب "رجل الصفقات" مجدداً للسُلطة، وتركيزه على الداخل الأمريكي، يعيد إلى الأذهان قراره المفاجئ بالانسحاب عام 2019. وفي حال قررت الولايات المتحدة إنهاء وجودها في سورية؛ قد تجد "الإدارة الذاتية" نفسها مضطرة لقبول سيطرة دمشق، وتقديم تنازلات كبيرة منعاً لخسائر أكبر، في حال قررت مواجهة عملية عسكرية واسعة تقودها الإدارة السورية الجديدة مدعومة من أنقرة.
ولا تنفي دمشق استعدادها للمواجهة في حال فشل المفاوضات، فاستمرار الوضع القائم سيفتح الباب أمام تمظهرات وحالات مشابهة في مواقع أخرى على الجغرافية السورية، كما سيؤخِّر عملية دمج وحلّ فصائل "الجيش الوطني"([13])، ناهيك عن عدم رغبة الإدارة السورية الجديدة بافتتاح العهد الجديد بمعارك واسعة، وذلك لما قد يترتب عليها من زيادة في الهشاشة الأمنية، وفتح المزيد من الثغرات التي قد تستثمرها جهات معادية، ناهيك عن ارتداداتها السياسية والإنسانية والاقتصادية والأمنية في سورية والداخل التركي. فتحقق هذا السيناريو، وبقدر ما قد يدفع "قسد" إلى تقديم تنازلات كبيرة؛ إلا أنه قد يؤدي إلى موجة عنف جديدة في البلاد، خاصة مع سعي قيادات "قسد" لربط مستقبلها ومستقبل "الإدارة الذاتية" بالمسألة الكردية في سورية، وما سيرافق ذلك من عمليات تحشيد إعلامي – قومي، يدفع للمزيد من الاحتقان واحتمالية امتدادات المواجهات إلى أبعد من شمال شرق سورية.
لا شك أن قرار المواجهة العسكرية الشاملة ليس محبذاً من أي طرف، إلا أنه يبقى أحد السيناريوهات المطروحة، سيما مع تعقيدات الوضع القائم، والتحديات الكبرى أمام مسار المفاوضات المتعثّر، إلى جانب الحوادث الأمنية المتكررة في منبج وحلب والتي تلقي بظلالها على المشهد السوري، وقد تدفع إلى الانزلاق نحو دوامة عنف أكبر، خاصة وأن اندلاع مواجهة عسكرية في المنطقة على نطاق واسع سيدفع "حزب العمال"، الذي قد يكون من أكبر الخاسرين في هكذا سيناريو، نحو التصعيد الأمني والعسكري في مناطق تواجده المختلفة في سورية والعراق وتركيا، الأمر الذي قد يؤثر سلباً على مباحثات السلام الجارية في تركيا، وقد يؤدي لانهيارها مجدداً، بشكل يسهم في دفع الإقليم نحو موجة جديدة من العنف وعدم الاستقرار.
إن احتمالية حدوث هذا السيناريو، وتطور الموقف باتجاه التصعيد العسكري؛ تبقى رهناً بمُتغيرات وعوامل عدة، من الممكن أن تُحفِّز هذا الخيار وتغذي أسبابه، ولعل أبرزها:
ترتبط أغلب المُتغيرات السابقة ببعضها البعض، ويؤثّر بعضها بالآخر، ولكن ما يبدو ثابتاً أن معركة شاملة ضد قوات "قسد" في سورية تحتاج إلى غطاء سياسي قبل الفعل العسكري، الغطاء المرتبط بشكل أو بآخر بالموقف الأمريكي ومصالحه في المنطقة.
بالنظر إلى الموقف الحالي، واحتماليات تعثُّر المفاوضات أمام تعنُّت قيادة "قسد"، وضبابية الموقف الأمريكي، ومستوى الضغط التركي، وحجم التبايانات بين الأطراف المحلية؛ فإن الحديث عن سيناريوهات مغلقة (إما، أو) لا يبدو مُنسجماً مع حجم التعقيدات القائمة، وما تتطلبه من استخدام أدوات مختلفة ومتعددة، خاصة مع وفرة الخيارات بالنسبة للإدارة السورية الجديدة، والتي بقدر ما تبدو أنها تتجنب الحلّ العسكري، إلا أنها بالوقت نفسه لا تستبعده كأداة لتحسين شروط التفاوض وإعادة فرض أولوياته، أو تسريع العملية وخفض سقف التوقعات للطرف الآخر.
وفي هذا الإطار، قد يبرز سيناريو مختلف يعتمد على خليط من أدوات السيناريوهين السابقين، بمعنى استخدام الخيار العسكري - الأمني بشكل محدود وغير شامل كأداة للضغط، وإعادة تشكيل بيئة التفاوض وأولوياته وسقفه، بشكل يؤدي إلى إضعاف "قسد" تدريجياً، وإجبار قياداتها على المزيد من التنازلات. وفي هذا السياق، قد تلجأ الإدارة السورية الجديدة بالتعاون مع تركيا إلى خيارات سياسية عسكرية أمنية عدة، ربما أبرزها:
بقدر ما تبدو معطيات هذا السيناريو أقل كلفة من المواجهة العسكرية الشاملة، وخياراً موازياً لاستعصاء المفاوضات؛ إلا أن ذلك لا يعني أبداً أنه لا ينضوي على مخاطر، على رأسها استمرار دورة العنف، وتفاقم الأزمة الإنسانية، خاصة وأن حزب العمال من المتوقع أن يصعِّد عملياته الأمنية المضادة في ضوء هذا السيناريو. ناهيك عما قد يترتب عليه من تأخر خطط حكومة دمشق بإتمام هيكلة الجيش والمؤسسات الأمنية، إضافة إلى مخاطر دخول أطراف أخرى لتصعيد النزاع ودعم انتشار الفوضى.
إن تشابك المصالح الإقليمية والدولية في ملف شمال شرق سورية، يجعل الفعل المحلي أقل تأثيراً في رسم المستقبل السياسي والعسكري للمنطقة، والذي يبقى رهناً بتفاهمات سياسية بين اللاعبين الدوليين والإقليميين المؤثّرين، الأمر الذي قد يبقيها عرضة لتحولات دراماتيكية، تتطلب رؤية استراتيجية وطنية لتجنب الأسوأ.
بالمقابل، تشير وقائع التجربة والأدبيات النظرية في دراسة "الإدارة الذاتية" منذ نشأتها، إلى أن طبيعة القرار ليست بيد حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD"، وإنما ترتبط بشكل مباشر بحزب العمالPKK""، والذي بات يرى في شمال شرق سورية زاوية جديدة لنشاطاته ودوره في المنطقة، وخزاناً بشرياً ومادياً كبيراً لتفعيل هذا الدور. لذلك، فإن التخلي عن هذا الدور وفك الارتباط لن يكون أمراً بتلك السهولة، وهو مرتبط بالدرجة الأولى بقرار حزب العمال وليس الاتحاد الديمقراطي. كما أن التحركات باتجاه الإيحاء بالانفصال التنظيمي من الطرفين، حتى الآن، عبارة عن محاولات تكتيكية للإيحاء بالبعد المحلي الوطني، خاصة تحت ضغط مطالب القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في سورية. ليبقى السؤال أيضاً حول كيفية إخراج العناصر والكوادر الأجنبية المسيطرة على مفاصل "الإدارة الذاتية"، وما الأدوات التي ستستخدم في ذلك، خاصة وأنه لم يُسجّل أي نجاح للدبلوماسية مع PKK"" طوال أربعة عقود من وجوده في المنطقة، ولم تنجح أي محاولة إخراج سلميّة، إلا تلك التي قام بها نظام الأسد عام 2002. السؤال الذي تبقى إجابته رهناً بالظروف السياسية والعسكرية وطبيعة الحل الذي ينتظر المنطقة، لكنه بالتأكيد يرسم مستقبلاً غامضاً لها([14]).
([1]) عبدي: متفقون على وحدة وسلامة الأراضي السورية ونرفض أي مشاريع تقسيم، تلفزيون سوريا، 09.01.2025، https://2u.pw/DXSfnUpS
([2]) تدور اشتباكات متواصلة بين فصائل "الجيش الوطني" و"قسد" على خطوط التماس في ريف حلب تُرافقها تهديدات مستمرة من جانب تركيا.
([3]) مصادر للجزيرة نت: قسد رفضت عرضاً من الإدارة السورية الجديدة، الجزيرة نت، 26.01.2025، https://2u.pw/tVzdnK5g
([4]) مظلوم عبدي: موارد البلاد للشعب السوري ومستعدون للاندماج في الجيش الجديد، تلفزيون سوريا، 27.12.2025، https://2u.pw/V2jZ8jGL
([5]) بعد ساعات من قرار ترمب.. منظمات دولية تعلق مشاريعها في مخيم الهول والحسكة، تلفزيون سوريا، 26.01.2025، https://2u.pw/FZatObOq
([6]) واشنطن بوست: أميركا تشارك معلومات سرية مع الحكومة السورية الجديدة، الجزيرة نت، 25.01.2025، https://2u.pw/wpxguoeo
([7]) واشنطن تخفف القيود المفروضة على سورية وتبقي على العقوبات، العربية نت، 07.01.2025، https://2u.pw/PB4oJjCJ
([8]) تركيا تعتبر "قسد" امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK) المدرج على لوائح الإرهاب في تركيا والولايات المتحدة ودول غربية عديدة.
([9]) تركيا: سنفعل كل ما يلزم إذا لم تحل حكومة سورية مشكلة المسلحين الأكراد، العربية نت، 22.12.2024، https://2u.pw/Pud1rZAu
([10]) أوجلان يتجه لحلّ حزبه منتصف شباط.. مصير "قسد" مرتبط به، المدن، 01.02.2025، https://2u.pw/bond0sa0
([11]) شرط أمريكي لأردوغان مقابل سحب القوات الأمريكية من سورية، العربي 21، 30.01.2025، https://2u.pw/zuuddgFX
([12]) الدفاع الأميركية: نحتاج إلى البقاء في سورية لمنع عودة داعش بعد سقوط الأسد، نورث بريس، 09-01-2025، https://2u.pw/F6btmMtx
([13]) وزير الدفاع السوري لا يستبعد استخدام "القوة" مع الأكراد، وهجمات قاتلة لـ"فلول النظام"، BBC news عربي، 22-01-2025، https://2u.pw/Ns0iT7dV
([14])مجموعة مؤلفين، الإدارة الذاتية في سورية...مدخل قضائي في فهم النموذج والتجربة، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ص: 140.
وضح الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، بدر ملا رشيد، خلال تصريحه لموقع الجزيرة الإخباري، بتاريخ 8 تشرين الأول 2019. أن رفع واشنطن يدها عن شمال شرق سورية يرمي الكرة في ملعب تركيا، لافتا إلى أن أي انسحاب أميركي كامل يعني أن الرقة و ديرالزور سيكون مصيرهما في يد المليشيات الإيرانية والقوات الروسية.
جاء ذلك ضمن مادة عنوانها “واشنطن والعملية العسكرية التركية. هل تخلى ترامب عن حلفائه الأكراد؟"
للمزيد انقر الرابط: http://bit.ly/3206XpH
قدَّم الباحث بدر ملا رشيد من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تصريحاً لعنب بلدي بتاريخ 11 أغسطس2019، حيث ربط الباحث بين الوجود الأمريكي ومصير المنطقة، واعتبر أنه في حال انسحاب القوات الأمريكية ستنحسر سيطرة “الوحدات” وسيعود النظام السوري للسيطرة على بعض المناطق في دير الزور والرقة وجزء من الطبقة.
وأضاف ملا رشيد، في حديثه إلى عنب بلدي، أن ذلك قد يؤدي إلى ظهور تنظيمات كتنظيم “الدولة الإسلامية” أو تنظيم أكثر تطرفًا، إضافة إلى عودة ظهور الفصائل المقاتلة التي قد تكون تابعة للمجالس العسكرية في الرقة أو دير الزور.
أما في حال تفعيل الاتفاق التركي- الأمريكي، فالمنطقة أمام عدة سيناريوهات، بحسب ملا رشيد، أهمها إنهاء وجود “الوحدات”، وليس بالضرورة إنهاء “قسد”، عبر تشكيل مجالس عسكرية محلية في المدن يمكن التعاون معها مستقبلًا كجزء من المنظومة الخارجة عن سيطرة النظام وروسيا.
وكانت “قسد” بدأت منذ بداية العام الحالي تشكيل مجالس عسكرية في كل من تل أبيض وكوباني والطبقة والرقة، ويتألف كل مجلس من قيادات محلية وقادة للألوية وقادة للأفواج إلى جانب مسؤولي المكاتب العسكرية بالمنطقة، ومن بين أهداف هذه المجالس توحيد جميع القوات العسكرية والأمنية تحت مظلتها.
المصدر عنب بلدي: http://bit.ly/2HfkJw8
شرق الفرات أحد حجارة الشطرنج الأخيرين على الرقعة السورية الممتلئة بقوى إقليمية ودولية تحاول كسب الجولات الاخيرة من النزال، لربما لا تكون مغالاة إذا ما قلنا إن سياسة القوة الثانية في حلف الناتو « تركيا» في الملف السوري ارتبطت بمصير المناطق المسيطر عليها من قبل الإدارة الذاتية، ولأجل إنهاء هذا المشروع وضعت تركيا نصب عينيها أن تقع في مواجهة حليفها التاريخي المتمثل بالولايات المتحدة، بينما الأخيرة حاولت مسك العصا من الوسط دوماً منذ أواخر العام 2015 تاريخ تشكيل قوات سوريا الديمقراطية التي تمثل وحدات حماية الشعب عمودها الرئيسي، الوحدات التي أعلنت التزامها فكرياً بمبادئ زعيم حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي أبقى الكفة التركية فيما يخص مصيرها دوماً الكفة العليا في أي مساومة دخلتها تركيا سواءً مع واشنطن أو مع روسيا.
من جهتها لم تنجح القوة الناعمة لأمريكا متمثلة بالدبلوماسية والتطمينات العسكرية والأمنية لتركيا في إعطاء توازنٍ كافٍ لرغبتها في تمكين مشروع « الإدارة الذاتية» عسكرياً على المدى القصير، ولربما سياسياً في المستقبل، في خضم هذا الواقع المتشابك، ارتفعت دوماً التصريحات التركية منذ سيطرة وحدات حماية الشعب على مدينة منبج أواخر العام 2016، تهديداً بأنها لن تقبل بوجود ممر يحكمه حزبٌ وقوى عسكرية ترتبط بحزبٍ له 40 عاما من الصراع العسكري داخل وخارج تركيا، وهكذا اتجهت تركيا لتنفذ عملية درع الفرات، التي حققت أهدافها المرحلية آنذاك بمنع أي تواصل بين مناطق شرق النهر وعفرين، إلا أن ما تبقى تحت سيطرة « ي ب ك، وقسد» وامتداده لاحقاً باتجاه تحرير الرقة من تنظيم الدولة، وإتمام العملية بالسيطرة على غرب دير الزور، آخر معاقل التنظيم في سوريا، ليدفع بتركيا لتخطو خطوة أكثر قساوة، وتمثل بعملية « غصن الزيتون» التي انتهت بالسيطرة على مدينة عفرين ونواحيها، لنصل إلى تاريخ إعلان ترامب سحب قوات بلاده من سوريا، وما تبعه من تعديلات وتصريحاتٍ متضاربة انتهت بضرورة إنشاء منطقة آمنة تهدف لتحقيق ثلاثة أهدافٍ رئيسية: 1_ منع عودة ظهور تنظيم الدولة، ومحاربة خلاياه المتبقية، 2_ جعل شرق الفرات أحد الأعمدة الامريكية في مشروع حصار نظام طهران، 3_ حماية حلفاء واشنطن المحليين.
مع إعلان جملة الاهداف الأمريكية المنشودة من المنطقة الآمنة عادت حدة التصريحات التركية للواجهة، كون جملة الأهداف تلك تخالف أولويات تركيا، فتنظيم الدولة لم يعد بالقوة التي بإمكانه أن يمثل تهديداً إقليمياً، بينما لم ترغب تركيا دوماً أن تكون أحد أطراف تطبيق منظومة العقوبات على إيران، والهدف الثالث والمتمثل بحماية الشركاء المحليين لواشنطن يصب في خانة أولى الاولويات التركية من ناحية ضرورة مواجهته، خلال هذه الفترة منعت واشنطن « قسد» ومظلتها السياسية « مسد « من عقد أي اتفاقٍ مع نظام دمشق، الأمر الذي يعني سيطرة إيران على المنطقة وعودة 40% من موارد سوريا لخدمة نظام الأسد، الأمر الذي يعني ايقاف المسار السياسي بشكلٍ شبه كامل، أو على الأقل إنهائه من مسار جنيف أو ما تبقى منه.
للحليفين « واشنطن، وأنقرة» مجموعة من الأولويات المختلفة التي أدت لظهور حالة متداخلة من خرائط لحل الازمة بما يرضي الاطراف الثلاثة : تركيا، وامريكا، وقسد، لدرجة أن وصلت واشنطن لترسل أرفع مسؤول أمريكي يصل إلى شرق سوريا، متمثلاً بقائد المنطقة الوسطى في القيادة المركزية للتحالف الدولي، الجنرال كينيث ماكينزي، والذي عقد اجتماعاً مع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي بالتزامن مع لقاء جمع مبعوث واشنطن إلى سوريا، جيمس جيفري، بوزير الخارجية التركي ومسؤولين في أنقرة لبحث المنطقة الآمنة، تبعتها اجتماعات أخرى أظهرت الخلاف بين الطرفين على بنودٍ عدة أهمها العمق الذي ستشمله المنطقة الآمنة، وستدخله قوات تركيا، وطبيعة هذه القوات مع ماهية دورها العسكري، وبدت تطفو على السطح مجموعة أرقام هي مطالب كل طرف: 30كم تركية، 10كم أمريكية، و5 كم قسد، وفي حين تُظهر واشنطن قبولاً لسيطرة تركية على 10 كم وهو الأمر الذي من شأنه أن يبقي المناطق خارج هذا النطاق كوحدة جغرافية تشمل منبج، والرقة ودير الزور، وهو الأمر الذي يمكن أن يجعل منها وحدة إدارية تسيطر عليها «قسد» أو ما تبقى منها، وتمنع ظهور داعش، وتعيق مواجهة بين حليفٍ محلي يمكن الاعتماد عليه، وآخر دولة ذي تاريخ طويل من العمل المشترك مع واشنطن، بينما تركيا بمطالبتها بعمقٍ يصل لمسافة 30كم فهي تحقق معظم أهدافها، وهو إنهاء سيطرة الوحدات على معظم مناطق الغالبية الكُردية، باستثناء مدينة الحسكة التي تتحول لفرعٍ مقطوع، كما إنها ستتمكن من السيطرة على الطريق الدولي الثاني M4 والممتد من القامشلي إلى تل تمر وصولاً لعين عيسى، وهو ما يعني إنهاء الاتصال اللوجستي حتى بين المناطق التي يمكن أن تبقى تحت سيطرة « قسد»، وهي هكذا تقول لواشنطن « إن كان همك، تنظيم الدولة، واستمرار حصار إيران والنظام، فما تبقى لك جنوباً يكفي لتحقيق هذه الأهداف، أما الشريك المحلي فمن المستحيل القبول به بطبيعته هذه.
هذا المشهد يسير في ظل إعادة روسيا والنظام لقرع طبول الحرب على إدلب وإعلان إنهاء الهدنة المعلنة « ببركة أستانة» والتي لم تر النور، وهو أمرٌ لو سارت فيه روسيا والنظام يعني بالدرجة الأولى إخراج تركيا من إدلب نهائياً أو بشكلٍ كبير على أدنى تقدير، وهو ما من شأنه أن يؤثر بالشروط التركية شرقي النهر أيضاً، ففي حال تعرض إدلب لهجومٍ بريٍ يفتقر لأدنى مستويات العدالة والرحمة التي عهدناها من قبل آلة الحرب الروسية والأسدية، فهو أمرٌ سيؤدي إلى ظهور حاجة تركية متزايدة للاعتماد على الأحلاف القديمة، والعودة للسير ضمن المسار الغربي، وهو ما سيفقدها إمكانية ممارسة الضغوط على التحالف فيما يخص إنهاء « التهديد الأمني « من شمال شرق سوريا، ولذا نرى أن التصريحات التركية تجاوزت مرحلة التهديدات التي تكررت منذ عملية درع الفرات ولاحقاً غصن الزيتون، وانتقلت لمرحلة أكثر جدية، وتدرك تركيا أن روسيا ستستغل عدم تفاهمها مع أمريكا، في إحداث ضغطٍ أكبر في إدلب، لذا وإن لم نشهد معارك مباشرة الآن فإننا سنشهد رفع حدة الضغوط على شريكتها في الناتو لمحاولة تحسين ظروفها غرب النهر، أو على الأقل تقليل الخسائر، وتحقيق أجزاء من هدفها المتمثل في انهاء الإدارة الذاتية، وإلى الآن يبدو أن الولايات المتحدة قامت بتقديم خيارين لأنقرة، الأول مشروع المنطقة الآمنة المشتركة والتي ستكون شاملة لكل الامتداد الحدودي، والثاني: منح أنقرة الضوء الأخضر للقيام بعملياتٍ محدودة النطاق الجغرافي، والمدة المفترض إنهاء المهمة فيها.
ويمكن أن تسير الأمور في عدة اتجاهات وفق النجاح والفشل في الوصول لصيغة توافق بين أنقرة وواشنطن، ففي حال الوصول لصيغة اتفاق، فسنمتلك بنوداً يمكن أن تشابه بنود اتفاق منبج، لكن مع جوانب تنفيذية أقوى وأسرع، كجولات تركية داخل الحدود السورية الشمالية، ولاحقاً التطور لحضور عسكري سواءً منفرداً او مع فصائل من المعارضة الموالية لتركيا في بعض النقاط، مع إمكانية تطويره ليشمل كافة المنطقة المقترحة على اختلاف عمقها بين 10 إلى 20 كم، أما في حال غياب تفاهم أمريكي تركي، فمن المتوقع استهداف مكثف لوحدات حماية الشعب على طول الحدود السورية التركية، والقيام لاحقاً بعمليات عسكرية تستهدف نقاطاً محددة أكثرها ترجيحاً في الوقت الحالي هو مقاطع من الطريق الواصل بين مدينتي الدرباسية، ورأس العين، وأخرى بين بلدة تل أبيض إلى كوباني/ عين العرب غرباً، ونقاط أخرى غرب مدينة عين العرب، مع احتمال قيام تركيا في حال نجاحها بعملية اتجاه هذه المناطق أن تبدأ ضغطاً على واشنطن للحصول إلى نفوذ عسكري في النقطة الواصلة بين حدود سوريا مع كردستان العراق، والتي تبقى بعيدة في المنظور القريب، إلا اذا اتجهت تركيا لاستخدام كافة حظوظها في التحالف الدولي.
ضمن هذا الواقع الذي يزداد تأزماً كلما ظهرت بوادر الوصول لاتفاق، تظهر « قسد ومسد « بأضعف الحالات منذ بداية تشكيل هذه القوات، فحتى الآن لم تتلق أي تطمينات أمريكية جدية، كما أنها تدرك انتهازية النظام المستعد بالتضحية بمسافة تصل لأكثر من 15كم في مقابل تمكنه من السيطرة على غرب النهر في الرقة ودير الزور ومنبج، وتمكنه من الحصول على الموارد النفطية والمائية، كما يظهر أن محاولات واشنطن في العمل وفق ثلاثة مسارات وهي «الإقليمية، والمحلية والدولية» ورغم نجاحها بشكلٍ جزئي «في الدولي عبر تأمين جنودٍ إضافيين من بريطانيا وفرنسا ودول أخرى. والمحلي عبر قبول قسد بخطة المنطقة الآمنة، وهذا ما أشار إليه قادة من قسد عبر استعدادهم لسحب وحدات حماية الشعب لأكثر من 20 كم جنوباً، بالإضافة إلى تسليم المناطق الحدودية لمجالس عسكرية محلية، واحترامٍ أكبر لحساسيات تركيا وفق ما أراد زعيم حزب العمال الكُردستاني في رسالته لمناصريه في حزب الاتحاد الديمقراطي، إلا إنه يظهر أن المسار الاقليمي الذي أنجز جزء منه مع الوصول لتوافق مع دول خليجية أهمها السعودية لتقديم الدعم المادي، لم يحقق الحدود المطلوبة منه، فالسعودية لاتزال تعاني من مأزق اليمن، كما أن مصر ليست في وارد لعب دورٍ إقليمي خصوصاً في مواجهة نظام دمشق وما يعنيه الأمر من دخولٍ فعلي في محور محاصرة إيران، ويستمر المانع الإقليمي الأهم متمثلاً في تركيا، التي ترفض اعلان الرضاء والقبول بشروطها هي، لذا لتجنيب المنطقة مآلات أي معركة لا يمكن إدراك مآلاتها ونهاياتها، تحتاج الولايات المتحدة لكسب المزيد من الوقت لتتمكن على الأقل من السير في مشروع تغيير طبيعة قوات سوريا الديمقراطية وتقليل السيطرة الفعلية لعناصر مرتبطة بحزب العمال عبر تشكيل مجالس عسكرية محلية يمكن أن تتقبل تركيا فكرة التعامل معها في المستقبل كجزءٍ من المنظومة الخارجة عن سيطرة النظام، وروسيا، الأمر الذي يمكن أن يحقق للسوريين فرصة فرض شروطهم أثناء المفاوضات الدولية بصوتٍ أقوى.
المصدر صحيفة القدس العربي: http://bit.ly/30gJsHV
شارك الباحث معن طلاع، من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية / مسار السياسة والعلاقات الدولية، في أعمال مؤتمر نظَّمه مركز رووداو للدراسات، يوم الأربعاء 19 تشرين الأول 2016، بعنوان: "كردستان بعد عمليتي الموصل والرقة".
تناول المؤتمر محورين أساسيين؛
الأول: مستقبل إقليم كردستان والعراق بعد عملية الموصل.
الثاني: عملية الرقة وتأثيرها على مستقبل كردستان سورية.
تناول طلاع في ورقته تعريفاً عن قوات "قسد"، والهيكلية العامة لتلك القوات معرّجاً على أهم المواقف المعارِضة لها سياسياً وعسكرياً على كلا المستويين المحلي والدولي.
حظي المؤتمر باهتمام وسائل الإعلام وحضور عدد كبير من الباحثين من مختلف الدول؛ أمريكيا، وروسيا، السعودية، إيران، سورية.
في إطار تغطية الشأن الاقتصادي السوري قام راديو الكل بإجراء لقاء صوتي على الهواء مباشرة عبر أثير الإذاعة مع الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، وذلك للتعليق على دراسة "الإدارة المحلية في مناطق سيطرة التنظيم: "وهم الدولة".
ركز اللقاء بشكل رئيسي على تناول المادة المعدة من قبل الباحث من خلال طرح مجموعة تساؤلات تمحورت حول إدارة الاقتصاد في مناطق سيطرة التنظيم من حيث البنية الإدارية للتنظيم وفيما إذا كانت بنية مؤسساتية أم لا، وموارد التنظيم المالية وأثر ضربات التحالف الدولي على الحد من قدراته الاقتصادية، كما تطرق اللقاء إلى طبيعة نمط الإدارة الاقتصادية التي ينتهجها التنظيم، والاختلاف القائم في إدارته للاقتصاد المحلي في مناطق سيطرته لا سيما بين دير الزور والرقة، واختتم اللقاء بالسؤال حول مستقبل التنظيم وفيما إذا كان يشكل بديلاً للمجالس المحلية.
رابط البث: http://goo.gl/XUPNtp