تشهد تركيا اليوم الاحد، انتخابات الجولة الثانية للانتخاب الرئاسية التركية، وذلك بعد عدم حسم الجولة الأولى، لعدم حصول أي مرشح على نسبة 50% +1 في الجولة الأولى التي عقدت في 14 أيار 2023.
وكانت أظهرت نتائج الجولة الأولى، أن الرئيس رجب طيب أردوغان حلَ في المركز الأول، بينما تلاه منافسه كمال كيليتشدار أوغلو.
وعادت استطلاعات الرأي التركية مرة أخرى لتحتل مكاناً مثيراً للفضول والتساؤل حولها.
بالنسبة للانتخابات الرئاسية الحالية في الجولة الثانية، وبالنظر إلى نتائج شركات استطلاع الرأي من خلال المتوسط الحسابي لنتائج هذه الشركات:
(PIRA, BETİMAR, Özdemir, İvem, ORC, Area, HBS, TÜSİAR, ASAL, Özdemir, KONDA, Areda Surve, SAROS)
نجد ما يلي:
اولاً: استطلاعات الرأي حول الانتخابات التركية للجولة الثانية بعد الانتقال للجولة الثانية:
ثانياً- استطلاعات قبل الانتقال للجولة الثانية للانتخابات الرئاسية.
الجدول التالي متوسط حسابي لاستطلاعات حول الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية التي أجرتها شركات الاستطلاع خلال اشهر (نيسان، اذار، أيار حتى قبل انتخابات الجولة الأولى) بين المرشحين اردوغان وكليتشدار.
أظهرت الاستطلاعات (قبل الجولة الأولى) تفوق كليتشدار اوغلو في حال الانتقال للجولة الرئاسية الثانية بمتوسط 6 نقاط عن ثلاثة اشهر، ويسجل نسبة متوسط لاستطلاعات الثلاثة اشهر وقدرها 51.34%.
– ولكن يلاحظ ارتفاع نسبة اردوغان وفق ما ظهر في المتوسط الحسابي لشهر أيار بمقدار 4.8 نقاط ويسجل نسبة: 50.68%.
ثالثاً: مقارنه بين استطلاعات الراي قبل وبعد الانتقال للجولة الثانية:
نتائج:
أظهرت الاستطلاعات التي تمت خلال فترة ما بعد الانتقال للجولة الثانية حتى يوم قبل الانتخابات الرئاسية التركية:
- معظم شركات الاستطلاع التركية منحازة وليست مستقلة وتفتقر للموضوعية.
- ماتزال كل الاستطلاع التي أجريت في تركيا تفتقر للأعداد التي يمكن اعتبارها ممثلة لأوسع شريحة سكانياً وجغرافياً، واغلب الاستطلاعات موجهة وتابعة لرؤية ومصلحة الممول.
- اثبت نتائج الانتخابات عدم تطابق التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، حيث يمكن لشخص ـن ينتخب مرشحاً رئاسياً والحزب الخصم له معاً.
المصدر:
السورية نت: https://cutt.us/aP6v5
أجرى مركز عمران بالتعاون مع مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية استطلاع لرأي المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، شمل 170 مجلس بين مقيم ومهجر من أصل 470، وذلك في المحافظات السورية التالية: ريف دمشق، درعا، القنيطرة، حلب، إدلب، حمص، حماة، خلال شهر أيلول من عام 2017.
تناول الاستطلاع المالية المحلية للمجالس وأدائها في هذا الصدد، وذلك من خلال استعراض آلياتها في إعداد الموازنة المحلية ومصادر تمويلها واتجاهات الانفاق المحلي فيها، كذلك التطرق إلى منظومة الرقابة المالية القائمة لدى المجالس، كما تناول الاستطلاع توصيف المجالس من حيث آليات تشكيلها وخصائص قياداتها وطبيعة دورها، وقد خلصت نتائج استطلاع رأي المجالس إلى عدد من النتائج، كان أبرزها:
تعمل وحدات الإدارة المحلية على رسم سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية المتوافقة مع مصالح ومطالب مجتمعاتها المحلية، ولكي تتمكن تلك الوحدات من ممارسة وظائفها وتحقيق أهداف سياساتها المعتمدة، فإنها تحتاج إلى إدارة مواردها المالية بكفاءة تجنباً للهدر واتقاءً للعجز المالي الذي يؤثر سلباً على وظائفها وحتى استمراريتها. انطلاقاً مما سبق يحظى التمويل المحلي بأهمية متزايدة في دراسات الإدارة المحلية، سيما مع تنامي توجه الحكومات المركزية لمنح الوحدات المحلية صلاحيات أوسع في إدارة شؤونها، إضافةً إلى تقليص تمويل تلك الحكومات للوحدات المحلية في ظل سياسات التقشف التي تتبعها، وهو ما يوجب على وحدات الإدارة المحلية العمل على تنمية مصادرها الذاتية وتعزيز أدائها المالي سعياً منها للقيام بأدوارها وضمان استقلالها المالي.
في الحالة السورية، يكتسب موضوع المالية المحلية أهمية إضافية في ظل تشكل وحدات محلية مستقلة عن المركز بحكم الأمر الواقع، تقوم بإدارة مناطقها وتوفير خدماتها للسكان المحليين بما تيسر لها من الأدوات والتمويل، وفي ظل ما تعانيه المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة من عجز مالي مزمن، وأمام ما تواجهه راهناً من تحديات توفير الخدمات سيما خلال مرحلة خفض التصعيد، وما ينتظرها من استحقاقات كبيرة تتصل بدورها المركزي في إنعاش الاقتصاديات المدمرة لمجتمعاتها المحلية، وكذلك دورها المتوقع ضمن عملية إعادة الإعمار مستقبلاً، يغدو من الأهمية بمكان تسليط الضوء على الأداء المالي للمجالس المحلية بما يتضمنه من تحليل موازناتها ومصادر تمويلها واتجاهات إنفاقها المحلي، كذلك التطرق لمنظومة الرقابة المالية القائمة لديها، لمعرفة أوجه الخلل والقصور في أدائها المالي ثم الخلوص إلى توصيات عامة، من شأنها تعزيز استقلالية مالية المجالس باعتبارها أحد أهم مقوماتها الأساسية، إضافةً إلى تعزيز قدرتها على أداء وظائفها الخدمية والتنموية، واشتقاق مبادئ عامة لتأطير علاقة المجالس المالية مع المركز فيما يتعلق بتقاسم الموارد وصلاحيات الإنفاق المحلي خاصة في مرحلة إعادة الإعمار.
يتوزع ما يقارب من 470 مجلس محلي على مناطق سيطرة المعارضة ([1])، منها 393 مجلس مقيم في حين تمثل المتبقية مجالس المناطق المهجرة بفعل اتفاقيات التهجير والإخلاء، ويذكر في هذا الصدد تقدم محافظة إدلب على غيرها من المحافظات بعدد مجالسها والتي بلغت 156 بحسب مجلسها، في حين جاءت محافظة دمشق بالمرتبة الأخيرة بــما مجموعه 5 مجالس بين قائمة ومهجرة.
تتنوع آليات تشكيل المجالس المحلية ما بين انتخاب وتوافق إلى تعيين ومبادرة فردية، وقد أظهرت النتائج تُشكل ما يزيد عن نصف المجالس المستطلعة بقليل 52% من خلال التوافق، مقارنة بـــ 44% ممن أشاروا إلى اعتمادهم آلية الانتخاب في تشكيلها. وقد أظهرت النتائج قلة الاعتماد على آليتي التعيين والمبادرة الفردية في التشكيل حيث بلغتا مجتمعتين ما نسبته %4 من إجمالي إجابات العينة.
وعلى الرغم من تنامي اعتماد القائمين على إدارة المجالس على الانتخابات كآلية لتشكيل المجالس وبروز تجارب رائدة في هذا الصدد، تبرز عدة عوائق تحول دون إجراء المجالس لانتخابات محلية، وقد رتبتها عينة الاستطلاع بحسب أهميتها وفق الآتي: الانقسامات المجتمعية، غياب إطار تنظيمي، قلة الوعي العام بأهمية الانتخابات، عوائق أمنية، معارضة القوى العسكرية.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج سابقة خُلص إليها مركز عمران في دراسته المعنونة بــ "قراءة في الدور السياسي للمجالس المحلية"، فإنه يلحظ ارتفاع نسبة الاعتماد على الانتخابات كآلية للتشكيل من 38% في الدراسة السابقة لتصل إلى 44% في الدراسة الراهنة، وهو ما تدلل عليه الوقائع الميدانية من حيث تنظيم عدد من المجالس لانتخابات محلية يلحظ تطورها من حيث آليات التمثيل وطرق التنظيم ونوع وحجم المشاركة ومن الأمثلة على ذلك: انتخابات المجالس في كل من إدلب (كانون الأول 2017) وسراقب (تموز 2017) وعدد من مجالس الغوطة الشرقية كدوما (تشرين الأول 2017) على سبيل المثال لا الحضر.
يمكن تفسير ميل القائمين على المجالس بالاعتماد على الانتخابات كآلية للتشكيل، برغبتهم في تعزيز الشرعية المحلية للمجالس أمام ما تواجهه من مخاطر واستحقاقات تفرضها المقاربة الروسية في سورية من جهة وتوجهات القوى المناوئة لها كالحركات الجهادية من جهة أخرى، إضافةً إلى مراكمتها لخبرات تنظيمية في مجال الانتخابات المحلية وتبادلها مع مجالس أخرى بدعم من منظمات المجتمع المدني، علاوةً على تزايد شريحة القوى المنخرطة في تشكيل المجالس وعدم قدرة التوافقات على تنظيم مشاركتهم في تشكيل المجالس، وتوافقها كقوى على اللجوء للانتخابات كآلية لحسم تنافسها وتمثيلها في المجالس.
لا تعتمد المجالس المحلية في مناطق المعارضة لوائح موحدة من حيث محتواها ومصدرها. حيث أظهرت النتائج اعتماد 44% من عينة الاستطلاع عل لوائح إدارية خاصة بها، مقابل 37% تعتمد تلك الصادرة عن الحكومة المؤقتة، في حين توزعت النسبة المتبقية من عينة الاستطلاع بين 17% لا تعتمد لوائح إدارية ناظمة لعملها، وما نسبته 2% تتبنى لوائح إدارية أخرى لم تحدد مرجعيتها.
تظهر النتائج السابقة ضعف المنظومة الإدارية التي تنتمي إليها المجالس المحلية وحالة اللامركزية العالية في مناطق سيطرة المعارضة، وهو ما يظهر بتبني عدد من مجالسها للوائح إدارية خاصة بها أو صادرة عن مرجعيات أخرى، إضافة إلى عدم اعتماد مجالس أخرى لأي لوائح إدارية ناظمة لعملها، ومن شأن ما سبق أن يعزز مخاطر عدم استقرار منظومة المجالس المحلية واستمرارها، وأن يضعف أيضاً من حضورها في ترتيبات المرحلة الراهنة وكذلك الانتقالية.
يحتل الشباب مواقع القيادة في المجالس المحلية، حيث بلغ عدد من هم دون 47 عاماً 92 رئيس مجلس محلي، مقابل 30 فقط ممن هم فوق 47 عاماً. كما تشير النتائج إلى حيازة نصف رؤساء المجالس شهادات جامعية، وثلثهم يحملون شهادة ثانوية، وتقريباً سدسهم على شهادات معاهد متوسطة، بينما جاء حملة الشهادات العليا في المرتبة الرابعة بما نسبته 5% من مجموع رؤساء المجالس.
توفر نتائج هذه الدراسة مؤشرات عامة وأولية حول الخصائص العمرية والمستوى التعليمي لقيادات المجالس المحلية، من حيث انتماء جزء معتبر منها لفئة الشباب من حملة الشهادات الجامعية، وهو ما يمكن تفسيره بتواجد شروط محددة من حيث العمر والمستوى التعليمي، منصوص عليها في الأنظمة الداخلية للمجالس لشغل منصب رئاسة المجلس. بالمقابل يمكن تفسير تواجد رؤساء للمجالس المحلية من حملة شهادة البكالوريا فما دون بتساهل الأنظمة الداخلية لهذه المجالس تجاه شرط الشهادة الجامعية نظراً لافتقاد مناطقها --غالباً ما تكون في أرياف المحافظات--لحملة الشهادات الجامعية أو تفضيلهم العمل في منظمات المجتمع المدني لما توفره لهم من استقرار مادي. كما قد يمكن تفسيره كذلك بافتقاد هذه المجالس لأنظمة داخلية ناظمة لعملها وتشكيلها.
تؤدي المجالس المحلية أدوار متنوعة الأبعاد، حيث تتيح للسكان المحليين فرصة المشاركة في صنع السياسات المحلية من خلال ممثليهم، كما تقوم بإدارة شؤون مجتمعاتها المحلية وتوفير الخدمات لهم، إضافة إلى دورها في تطوير اقتصاديات مجتمعاتها المحلية وتحقيق التنمية لسكانها.
فيما يتعلق بنظرة القائمين على المجالس المحلية في مناطق سيطرة المعارضة لطبيعة دور مجالسهم، أظهرت نتائج الاستطلاع توصيف 49% من العينة لدور مجالسهم بأنه خدمي يقوم على تقديم الخدمات المحلية للسكان في مجالات الإغاثة والبنية التحتية والصحة والتعليم، بينما أجاب 36% بأنه دور متعدد الأبعاد يشتمل على السياسي والخدمي والتنموي، في حين توزعت النسبة المتبقية من العينة بين 11% وصفت دورها مجالس بالتنموي فقط، و4% تنظر لدورها على أنه سياسي بحت.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "قراءة في الدور السياسي للمجالس المحلية"، فإنه يلحظ تعدد الأدوار التي تقوم بها المجالس وتنامي تعريفها لدورها خارج الإطار الخدمي ليشتمل على أدوار تنموية وسياسية، حيث انخفضت بشكل ملحوظ نسبة المجالس المعرفة لدورها على أنه خدمي فقط من 57% في الدراسة السابقة، إلى 49% في الدراسة الراهنة، بينما ارتفعت بشكل طفيف نسبة المجالس التي تعرف دورها على أنه سياسي من 1% في الدراسة السابقة لتصل إلى 4% في الدراسة الراهنة.
من المهم تناول الدور الخدمي للمجالس من حيث طبيعته ونطاق الخدمات والأولويات في هذا المجال، والتحديات التي تواجه المجالس في توفير خدماتها للسكان، سيما مع تزايد الأعباء الخدمية على المجالس في ظل ما ينتظرها من استحقاقات ناجمة عن اتفاقيات وقف التصعيد من حيث عودة اللاجئين والنازحين وتوفير الخدمات وترميم البنية التحتية.
يتراوح الدور الإداري والخدمي للمجالس بين المركزي والثانوي، فأغلبها يقوم بتأدية هذا الدور بمفرده بما يتوفر له من إمكانيات وموارد (69%) أو أن تؤديه بالتشارك مع هيئات أخرى توافقاً أو تنافساً (21%)، بينما كان 10% فقط منهم يقوم بالتنسيق لتقديم الخدمات.
تشير النتائج أيضاً إلى زيادة طفيفة (1إلى 4%)في وعي القائمين على المجالس بأهمية الدور السياسي لمجالسهم، سيما مع امتلاكها لمقومات الفاعلية السياسية المستندة على شرعيتها المحلية، ودورها الوظيفي في توفير الخدمات، إضافةً إلى إقرار القوى الفاعلة في الملف السوري بدورها في إنجاز ترتيبات المرحلة الراهنة (وقف التصعيد) وفي المرحلة الانتقالية (الحل السياسي وإعادة الإعمار)، وسعيها كقوى لفتح قنوات لتعزيز تمثيل المجالس في العملية السياسية على المستويين المحلي (استانة) والوطني (جنيف).
تعمل المجالس على توفير خدماتها وفق سلم أولويات مجتمعاتها، فقد أظهر ترتيب عينة استطلاع المجالس لأولوياتها الخدمية حلول قطاعي البنية التحتية والتعليم معاً في المرتبة الأولى، بينما احتل قطاع الصحة المرتبة الثانية، تليها الإغاثة ثالثاً، في حين شغل الدفاع المدني المرتبة الأخيرة في سلم أولويات المجالس.
أما عن نطاق خدمات المجالس فيغلب عليها تغطيتها للنطاق الجغرافي الذي يقع ضمن نطاقها الإداري، حيث أجاب 63 % من عينة الاستطلاع عن وصول خدمات مجالسهم إلى كافة مناطق القطاع الإداري الذي يتولون إدارته، بينما أجاب 20% عن وصول خدمات مجالسهم إلى غالبية المنطقة الجغرافية التي تتبع لهم إدارياً وليس كلها، وقد أفاد 5% بأن خدماتهم مقتصرة على أجزاء من النطاق الجغرافي لوحدتهم الإدارية. بالمقابل كشفت نتائج الاستطلاع عن قيام 12%من العينة بتخديم مناطق تقع خارج نطاقها الإداري.
وتواجه المجالس المحلية عدة تحديات تؤثر سلباً على قدرتها في توفير الخدمات، جاءت وفق الترتيب الآتي بحسب ما أظهرته نتائج الاستبيان: 1) قلة الموارد المالية، 2) قلة الكوادر، 3) صعوبات أمنية، 4) تدخل فصائل المعارضة المسلحة في عمل المجالس، 5) مشاكل إدارية.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج سابقة خُلصت إليها دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية"، فإنه يلحظ تعزز الدور المركزي للمجالس في توفير الخدمات المحلية، حيث ارتفعت وبشكل ملحوظ نسبة المجالس ذات الدور الوحيد في توفير الخدمات من 50% لتصل إلى 69%، وهو ما يمكن تفسيره بمراكمة المجالس لخبرات تخصصية في إدارة الشأن الخدمي فضلاً عن استمرارها في استقطاب التكنوقراط للعمل معها، كذلك تراجع عدد الهيئات المدنية المنافسة للمجالس في مجال توفير الخدمات في ظل ضعف التمويل وحصره من قبل عدد من الجهات المانحة بالمجالس المحلية.
يظهر سلم أولويات خدمات المجالس المحلية استمرار تركيزها على قطاعي البنية التحتية والتعليم، تأكيداً منها على ضرورة معالجة ملف البنية التحتية لدوره في تحقيق الاستقرار للمجتمعات المحلية، فضلاً عن سعيها لتعزيز حضورها في المرحلتين الراهنة (خفض التصعيد) واللاحقة (الحل السياسي وإعادة الإعمار) من خلال هذا الملف. أما فيما يتعلق بقطاع التعليم، تدرك المجالس ضرورة الانخراط فيه سواءً بزيادة إشرافها على هذا الملف أو بإدارته من قبلها، سيما في ظل بروز مؤشرات سلبية عن واقع التعليم في مناطق عمل المجالس.
ومما يثير الانتباه ما أظهرته نتائج الاستطلاع من حيث تخديم عدد من المجالس المحلية لمناطق تقع خارج نطاقها الإداري، وهو ما قد يفسر بعدة عوامل منها: 1) إعادة هذه المجالس النظر في حدودها الإدارية، 2) حيازة هذه المجالس لبنية مؤسساتية ذات موارد كافية قادرة على تخديم مناطق خارج حدودها الإدارية، 3) عدم حيازة هذه المناطق على مجالس محلية مما يضطرها للاعتماد على المجالس المجاورة لها لتأمين خدماتها.
ومن الطبيعي أن تواجه المجالس تحديات عدة تستهدف دورها الخدمي، ولم تظهر نتائج الاستطلاع الراهنة تحولاً جذرياً في قائمة التحديات التي تواجه المجالس مقارنة بنتائج الدراسة السابقة بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية" وذلك باستمرار معاناتها من ضعف التمويل والذي يمكن رده إلى أسباب عدة منها: 1) انخفاض كفاءة الأداء المالي للمجالس، 2) فقدان المجالس عدداً من مصادرها الذاتية نتيجة تدميرها أو السيطرة عليها من قبل الفصائل العسكرية.
تكتسب دراسة المالية المحلية أهمية لدى كل من الحكومة المركزية وصناع القرار والسكان على المستوى المحلي، لما لها من دور في وضع السياسات واتخاذ القرارات، وتحديد طبيعة المشهد الاقتصادي والوضع المالي للمحليات واحتياجاتها، الأمر الذي يساعد صناع القرار على إدارة الموارد بعقلانية لتحقيق الأهداف الموضوعة. وفي هذا الصدد يمكن تعريف الموازنة المحلية بأنها: الخطة المالية التقديرية لإيرادات الوحدات المحلية ونفقاتها سنوياً، والتي يتم من خلالها تحقيق الأهداف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المعتمدة من قبل تلك الوحدات.
يكتسب موضوع المالية المحلية أهمية لدى المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة نظراً لما تعانيه من عجز مالي مزمن يتهدد دورها واستمراريتها واستقلاليتها. انطلاقاً مما سبق سيتم التطرق لموازنة المجالس المحلية من حيث آلية إعدادها والهيئات المكلفة بذلك، ومصادر إيراداتها واتجاهات إنفاقها بغية معرفة مكامن الخلل بما يساعد على تصويبها.
تقوم المجالس المحلية بإعداد موازناتها المالية بناء على عوامل عدة، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع اعتماد 50 % من عينة الاستطلاع على الموارد المالية المتوفرة في إعداد موازناتها، بينما يعتمد 15% من عينة المجالس على خبراتها السابقة، وبفارق قليل تصوغ 14% من عينة المجالس سياساتها المالية بناء على النفقات المتوقعة، كذلك أظهرت النتائج اعتماد 12% على تقديرات المسؤول المالي في إعداد موازناتها، في حين يقدر 9% موازنته بناء على الدعم المتوقع من المانحين.
تتوزع مسؤولية إعداد مشروع الموازنة على عدد من الجهات، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع التقدم النسبي للمكتب المالي على غيره من الجهات في إعداد الموازنة وهو ما أفاد به 37% من العينة، بينما حدد 31% المكتب التنفيذي كجهة مسؤولة عن صياغة السياسة المالية للمجلس، في حين توزعت النسبقة المتبقية من العينة بين 22% تعتبر إعداد الموازنة من صلاحية المجلس بمكاتبه وإداراته، وما نسبته 10% تعتبره اختصاصاً حصرياً لرئيس المجلس.
ولا يعتبر مشروع الموازنة نافذاً إلا إذا تمت المصادقة عليه من قبل هيئة محددة وفق الأصول والإجراءات المتبعة والتشريعات النافذة، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع ضعف دور الهيئة العامة المشكلة للمجلس في المصادقة على مشروع الموازنة وهو ما أفاد به فقط 6% من العينة، كذلك الأمر بالنسبة لمجالس المحافظات بما نسبته 8%، بينما جاءت النتائج متطابقة من حيث صلاحيات كل من المجلس المحلي بمكاتبه وإداراته وكذلك رئيسه في التصديق على مشروع الموازنة بما نسبته 33% لكل منهما، في حين حدد 19% المكتب التنفيذي كجهة مخولة بالتصديق على الموازنة. وما يثير الاهتمام في النتائج محدودية دور الفصائل العسكرية كجهات مرجعية في التصديق على موازنة المجالس وهو ما أفاد به 1% فقط من العينة.
تظهر النتائج السابقة افتقاد المجالس المحلية لنظام مالي وتشريعات قانونية ولوائح إجرائية موحدة ناظمة لعملية إعداد الموازنة واعتمادها، وقد أظهرت النتائج تنوع خبرات عينة المجالس في إعداد موازناتها، مع ميل نصفها لاعتماد الواقعية في صياغة سياساتها المالية المحلية بناءً على الموارد المالية المتاحة، وهو ما يمكن تفسيره بــ:1) الخبرات المالية التي راكمتها المجالس في إعداد الموازنات، 2) رغبتها في تجنب العجز المالي الذي يستهدف دورها واستقلاليتها، 3) تجنب التداعيات السلبية لرفع سقف توقعات السكان المحليين، والناجمة عن تبني موازنات غير ممكنة التطبيق. كذلك يعزز تعدد الجهات المسؤولة عن إعداد الموازنة والمصادقة عليها من الاستنتاج القائل بضعف اعتماد المجالس على نظام داخلي ومالي موحد، وهو ما يؤدي إلى تعدد الأدوار وتنازع الصلاحيات في إعداد الموازنات، كما يؤثر سلباً على الشفافية المالية للمجالس.
تتألف الموازنة بشكل عام من قسمين رئيسين هما الإيرادات والنفقات، وفيما يتعلق بمصادر تمويل المجالس المحلية لموازناتها، أظهرت النتائج تنوع المصادر المالية التي تعتمدها المجالس في تمويل إنفاقها المحلي، بحيث تشمل موارد ذاتية وأخرى خارجية رتبتها عينة الاستطلاع من حيث وفرتها وفق الآتي:
وتعتمد المجالس على عدة آليات لتحصيل الضرائب والرسوم من المكلفين مالياً، وقد أظهرت عينة الاستطلاع ترتيب تلك الأدوات وفق الآتي: تعيين جباه محليين، تحصيل الرسوم والضرائب من خلال فرضها على الخدمات (كالخبز، سلال الإغاثة) التي يوفرها المجلس للسكان، تفويض المجلس مهام الجباية لهيئات محلية (كالشرطة المحلية أو الفصائل أو منظمات المجتمع المدني).
على الرغم من تنامي اعتماد المجالس على الجباية المحلية لتعزيز مواردها ورفع سوية خدماتها من حيث جودتها وتوفيرها، إلا أنها تواجه تحديات عدة تعترض جهودها في هذا الأمر، وقد رتبتها عينة الاستطلاع بحسب أهميتها وفق الآتي:
يعتبر تقاسم الموارد بين الحكومة المركزية والمجالس المحلية إحدى أبرز القضايا الإشكالية المتوقعة بين الطرفين مستقبلاً خاصة في مرحلة إعادة الإعمار ولا سيما في المناطق الغنية بالموارد المحلية، وفي سؤال عن رأي المجالس المحلية تجاه هذا الموضوع، أكد ما نسبته 85% من عينة الاستطلاع على أحقية المجالس بالتصرف بالإيرادات المحلية دون إرسالها للحكومة المركزية، بينما أيد 10% من العينة فكرة تقاسم الإيرادات بين المركز والمجالس المحلية وفق صيغة متفق عليها، في حين كان التأييد لحق استئثار المركز بالإيرادات المالية المحلية ضعيفاً جداً حيث لما يتجاوز نسبة 1%، أما النسبة المتبقية من العينة والتي بلغت 4% فقد فضلت عدم الإفصاح عن رأيها تجاه هذا الموضوع.
تقوم المجالس المحلية بإنفاق مواردها المالية لتمويل نشاطاتها وتلبية متطلباتها وتنفيذ سياساتها، وقد رتبت عينة استطلاع المجالس مصاريفها بحسب الأكثر انفاقاً وفق الآتي:
وكما يمثل تقاسم الموارد بين المركز والمجالس إحدى النقاط الخلافية بين الطرفين، كذلك تعتبر صلاحيات الإنفاق المحلي من الملفات الإشكالية لارتباطها الوثيق بتقاسم الموارد وبتوزع الصلاحيات المالية بين المركز والمجالس، وقد أظهرت النتائج تأييد 84% من العينة حصر صلاحيات الإنفاق المحلي بالمجالس دون تدخل الحكومة المركزية، بينما أيد 13% فكرة تقاسم الصلاحيات بين المركز والمجالس، في حين أعرب ما نسبته 2% عن تأييدهم لحصر صلاحيات الانفاق المحلي بالمركز فقط، أما النسبة المتبقية من العينة والتي تشكل 1% فقد فضلت عدم الإفصاح عن رأيها تجاه هذا الموضوع.
ومن الطبيعي أن تتأثر الإيرادات والنفقات المحلية بالبيئة الاقتصادية لمناطق المجالس، ويلاحظ من نتائج الاستطلاع تنوع النشاط الاقتصادي لمناطق عمل المجالس، حيث يأتي في مقدمتها النشاط الزراعي، يليه الخدمي فالتجاري وأخيراً الصناعي.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج أخرى خُلصت إليها دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية"، فإنه يلحظ تنامي اعتماد المجالس على الضرائب والرسوم المحلية كمصدر لإيراداتها المالية، حيث جاءت بالترتيب الأول في الدراسة الراهنة مقابل حلولها بالمرتبة الثانية في الدراسة السابقة وهو ما يمكن تفسيره بعدة أسباب منها: 1) رغبة المجالس في تعزيز الاعتماد على مواردها الذاتية خاصة مع تراجع مصادر الدعم الخارجي، 2) تعزيز المجالس لشرعيتها المحلية ودورها الخدمي بما يخولها فرض الضرائب والرسوم وجمعها.
الرغم ما حققته المجالس من تقدم ملحوظ فيما يتعلق باحتساب الضرائب وآليات جبايتها، فإن نتائجها ما تزال دون المستوى المأمول منها، ويعود السبب في ضعف الجباية المحلية بشكل رئيسي إلى عاملين هما:
يعبر تأييد غالبية المجالس لحقها بالاستئثار بالموارد المحلية دون إرسالها للمركز مستقبلاً، عن عدم ثقتها بالمركز نتيجة سياساته التنموية والاقتصادية التمييزية في وقت سابق، والقائمة على اعتبارات الولاء وترجيح مراكز المدن على أطرافها، وقد أفرزت هذه السياسات مشاكل تنموية وأزمات اقتصادية ساهمت في تأجيج الحراك الاحتجاجي مطلع 2011 خاصة في المناطق المهمشة اقتصادياً وتنموياً. كما تتعزز مخاوف المجالس من استئثار المركز بمنافع عملية إعادة الإعمار واستخدامها كورقة ضغط عليها، الأمر الذي يفسر تأكيد غالبيتها على ضرورة تمتعها بصلاحيات الانفاق المحلي بشكل مستقل عن المركز، باعتباره ضمانة لاستقلالها وبما يمكنها من تلبية متطلبات مجتمعاتها التنموية والخدمية.
وتفسر طبيعة الانفاق المحلي للمجالس أحد أسباب عجزها المالي، حيث تركز المجالس بالدرجة الأولى على دعم القطاعات الحيوية وإعادة تأهيل البنية التحتية، الأمر الذي يستنزف مواردها المحدودة نظراً لحجم الدمار الذي يتطلب قدرات مالية كبيرة لا تتوافر حتى لدى المركز.
شهدت الرقابة المالية على مستوى الدول وهيئاتها تطوراً ملحوظاً فيما يتعلق بالتشريعات القانونية والأدوات الإجرائية الناظمة لها، وذلك بهدف مراقبة التصرف بالمال العام ومعالجة حالات الفساد التي قد تنشأ، ويمكن تعريف الرقابة المالية بأنها: عملية الإشراف والتحقق التي تمارسها سلطة مخولة قانوناً على عملية التصرف بالمال العام، بهدف التأكد من الالتزام بالتشريعات والقوانين والأنظمة المعمول بها، وسلامة الأداء وتصويب مكامن القصور ومعالجة حالات الفساد.
يكتسب موضوع الرقابة المالية أهمية لدى المجالس المحلية سيما في ظل ما تتهم به من سوء إدارة المال المحلي هدراً أو فساداً، وتبعاً لما سبق سيتم التطرق لمنظومة الرقابة المالية القائمة لدى المجالس من حيث الأنظمة والآليات المعمول بها، والجهات المسؤولة عن ممارستها.
تدير المجالس المحلية ماليتها المحلية وفق نظام مالي ومحاسبي، وقد أظهرت النتائج تبني ما يزيد عن ثلثي العينة بقليل لنظام مالي ومحاسبي متوافر بشكل مكتوب، بينما أجاب ربع العينة تقريباً بعدم امتلاكها لأنظمة مالية مكتوبة، في حين لم تتخطى نسبة المجالس التي لا تعتمد أي أنظمة مالية عتبة 10%.
ومما يلحظ في هذا الصدد اعتماد ما يزيد عن ثلاث أرباع العينة بقليل على لوائح مالية خاصة بها، بينما لم تتجاوز نسبة المجالس التي تعتمد على الأنظمة المالية الصادرة عن مجالس المحافظات أو الحكومة المؤقتة مجتمعين حاجز 19%.
تثار التساؤلات حول مدى امتلاك المجالس المحلية لكفاءات مالية تخصصية قادرة على إدارة ماليتها المحلية، وفي هذ الصدد أجاب 38% من العينة عن حيازة مسؤولها المالي على شهادة تخصصية في الاقتصاد والعلوم المالية، سواءً أكانت شهادة جامعية بنسبة 26% أو شهادة معهد مصرفي بنسبة 12%. بالمقابل أفاد ما نسبته 40% من العينة عن امتلاك مسؤولها المالي لشهادة غير تخصصية، سواءً أكانت شهادة جامعية بنسبة 28% أو شهادة معهد متوسط بنسبة 12%، كما كشفت النتائج عن حيازة ما نسبته 22% من مسؤولي المكاتب المالية للمجالس على شهادة بكالوريا فقط.
توثق الغالبية العظمى من المجالس أنشطتها، حيث يعتبر التوثيق المالي لأنشطة المجالس من عوامل نجاحها، بما يعزز من ثقة السكان المحليين والجهات الداعمة بها، وقد بينت النتائج تعدد أدوات التوثيق المالي للمجالس، حيث رتبتها العينة وفق الآتي: الإيصالات والفواتير، دفتر حسابات مالي، برنامج محاسبة على الكمبيوتر وتقارير مالية، بينما لم تتجاوز نسبة المجالس التي لا توثق مصاريفها المالية عتبة 8%.
تتمتع أغلب المجالس بآليات رقابة تتنوع بين تلك داخلية وأخرى خارجية. أما عن الجهات المكلفة بالرقابة على شؤون المجالس ومتابعة أعمالها، فقد أظهرت النتائج تعدد الجهات الرقابية على المجالس حيث تعتمد 57% من عينة الاستطلاع على الرقابة الداخلية، مقابل تبني 25% للرقابة الشعبية، في حين أفاد 7% برقابة مجالس المحافظات على مجالسها. ومما يلحظ في هذا الصدد امتلاك بعض الفصائل لصلاحيات الرقابة على أعمال المجالس وهو ما عبر عنه 4% من العينة، في حين أجاب 2% عن صلاحية القضاء المحلي مراقبة المجالس، في حين لم تتجاوز نسبة المجالس التي لا تخضع لأي رقابة حاجز 5%.
تشير النتائج ذات الصلة بنظام الرقابة المالية للمجالس المحلية بتعدد الآليات وضعف الأداء، حيث يعتمد ما يزيد عن ثلثي العينة بقليل على أنظمة مالية مكتوبة، غالباً ما تكون من إعدادها وهو ما أفاد به ما يزيد عن ثلاثة أرباع العينة بقليل. وعند مقارنة النتائج السابقة مع تلك المتصلة باختصاص المسؤول عن المكتب المالي، يتضح جلياً أحد الأسباب المفسرة لضعف الأداء المالي للمجالس وذلك من حيث اعتماد ما نسبته 40% فقط على مسؤولين ماليين من حملة الشهادات التخصصية بمجال الاقتصاد والعلوم المالية. ومن العوامل المفسرة أيضاً لضعف الأداء المالي للمجالس افتقادها إلى جهة مرجعية تتولى مسؤولية الرقابة على أعمالها، حيث تظهر النتائج اعتماد المجالس بالدرجة الأولى على لجانها الداخلية للرقابة، في حين تكشف النتائج عن ضعف دور مجالس المحافظات وانعدام دور الحكومة المؤقتة في ممارسة الرقابة على أعمال المجالس.
تكتسب دراسة مالية الوحدات المحلية أهمية في ظل حاجة تلك الوحدات إلى تنظيم شؤونها المالية راهناً بما يساعدها على وضع السياسات المحلية واتخاذ القرارات وإدارة مواردها بعقلانية لتحقيق الأهداف المتوخاة، كما تكتسب هذه الدراسات أهمية من حيث إثارتها لقضايا إشكالية من قبيل تقاسم الموارد وتوزيع صلاحيات الانفاق المحلي بين المركز والوحدات المحلية سيما في مرحلة إعادة الإعمار.
ويكتسب موضوع المالية المحلية أهمية لدى المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، نظراً لما تعانيه من عجز مالي مزمن يتهدد دورها واستمراريتها وحتى استقلاليتها، ويعود هذا العجز المالي بأحد أسبابه إلى انخفاض تمويل الجهات المانحة لأسباب تتصل باعتبارات ميدانية أو سياسية أو اقتصادية، كما يمكن تفسير ذلك العجز بأسباب أخرى تتعلق بإدارة المجالس المحلية لماليتها المحلية وطبيعة إيراداتها ونفقاتها، حيث تفتقد المجالس إلى نظام مالي وتشريعات قانونية ولوائح إجرائية موحدة ناظمة لعملية إعداد الموازنة والمصادقة عليها، كما تفتقر مكاتبها المالية إلى الكفاءات التخصصية في مجال الاقتصاد والعلوم المالية.
وفي حين يشكل اعتماد المجالس على الضرائب والرسوم كمصدر رئيسي لإيراداتها المالية نقطة تحول في تفكير المجالس لجهة التقليل من اعتمادها على المانحين لصالح الاعتماد أكثر على مواردها الذاتية، فإن النتائج المتحققة عن الجباية لا ترقى للمستوى للمأمول لأسباب تتصل بضعف الوضع الاقتصادي للمكلفين مالياً وعدم تجاوبهم مع جهود المجالس في الجباية لأسباب عدة، وإلى جانب ما سبق يفسر طبيعة الانفاق المحلي للمجالس عجزها المالي، حيث تقوم المجالس باستنزاف مواردها في دعم قطاعات حيوية تحتاج إلى موارد كبيرة لا تتوافر حتى لدى المركز. كما يفاقم ضعف منظومة الرقابة المالية للمجالس من عمليات الهدر، ويعزز من فرص تشكل حالات فساد مالي داخلها.
وفي ظل ما سبق تجد المجالس المحلية نفسها أمام استحقاق تعزيز إدارتها المالية بما يمكنها من معالجة عجزها المالي وتقليل اعتمادها على المانحين لتأدية وظائفها ومراكمة الخبرات الكفيلة بجعلها شريكاً موثوقاً في عملية إعادة الإعمار، ولكي تتمكن المجالس المحلية من تحقيق ما سبق فإنها بحاجة إلى دورات تدريب مكثفة في مجال الإدارة المالية، كما أنها بحاجة إلى توحيد أنظمتها المالية وتعزيز دور مجالس المحافظات والحكومة المؤقتة في الرقابة على أعمالها إلى جانب الرقابة الشعبية.
للمزيد حول منهجية البحث وملحق الورقة انقر هنا
[1] توصل الباحث إلى هذا الرقم من خلا ل التواصل مع مجالس المحافظات التابعة للمعارضة السورية.
أجرى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية استطلاعاً لرأي المجالس المحلية العاملة في مناطق سيطرة القوى الوطنية، شمل الاستطلاع 105 مجالس في المحافظات السورية الآتية: دمشق؛ ريف دمشق؛ حلب؛ إدلب؛ درعا؛ القنيطرة؛ حمص؛ حماة؛ اللاذقية.
وفي حين قدمت القراءة الأولى للاستطلاع تحليلاً للدور السياسي الذي يمكن أن تؤديه المجالس في المرحلة الحالية والانتقالية، فإن القراءة الحالية ستتناول الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية حالياً وفي المرحلة الانتقالية، من حيث تحديد النطاق الجغرافي للخدمات، وطبيعة الفئات المستهدفة بالخدمات، وما هي أولويات المجالس في الجانب الخدمي. إضافةً لتحديد تموضع المجالس ضمن خارطة العمل المحلي الخدمي ودرجة مركزية الأدوار الإدارية التي تقوم بها على المستوى المحلي، والعوائق التي تحول بينها وبين قيامها بأدوارها. كما سيتم تناول طبيعة الأنشطة الاقتصادية القائمة في مناطق عمل المجالس وأهم مواردها المالية، وما هي الأسباب الكامنة وراء ضعف الجباية المحلية، والتطرق إلى آليات تدخل المجالس المحلية في عملية التنمية من خلال اضطلاعها بالأدوار الإدارية والخدمية.
ملخص تنفيذي
أجرى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية استطلاعاً لرأي المجالس المحلية العاملة في مناطق سيطرة القوى الوطنية، شمل الاستطلاع 105 مجالس في المحافظات السورية الآتية: دمشق؛ ريف دمشق؛ حلب؛ إدلب؛ درعا؛ القنيطرة؛ حمص؛ حماة؛ اللاذقية.
وفي حين قدمت القراءة الأولى للاستطلاع تحليلاً للدور السياسي الذي يمكن أن تؤديه المجالس في المرحلة الحالية والانتقالية، فإن القراءة الحالية ستتناول الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية حالياً وفي المرحلة الانتقالية، من حيث تحديد النطاق الجغرافي للخدمات، وطبيعة الفئات المستهدفة بالخدمات، وما هي أولويات المجالس في الجانب الخدمي. إضافةً لتحديد تموضع المجالس ضمن خارطة العمل المحلي الخدمي ودرجة مركزية الأدوار الإدارية التي تقوم بها على المستوى المحلي، والعوائق التي تحول بينها وبين قيامها بأدوارها. كما سيتم تناول طبيعة الأنشطة الاقتصادية القائمة في مناطق عمل المجالس وأهم مواردها المالية، وما هي الأسباب الكامنة وراء ضعف الجباية المحلية، والتطرق إلى آليات تدخل المجالس المحلية في عملية التنمية من خلال اضطلاعها بالأدوار الإدارية والخدمية.
وقد خلصت نتائج استطلاع الرأي إلى ما يلي:
• تضطلع أغلب المجالس المحلية بدور إداري وخدمي مركزي ضمن مناطق عملها؛
• يغلب على خدمات المجالس المحلية تغطيتها للحيز الجغرافي الذي يقع ضمن نطاقها الإداري؛
• تقدم غالبية المجالس المحلية خدماتها للسكان المحليين والنازحين على حدٍ سواء؛
• يحتل قطاع البنية التحتية المرتبة الأولى في سلم أولويات عمل المجالس المحلية، فيما يحوز الدفاع المدني على أدنى هذه المراتب؛
• تتصدر قلة الموارد المالية قائمة العوامل التي تحد من قدرة المجالس المحلية على توفير الخدمات؛
• تتنوع الأنشطة الاقتصادية القائمة في مناطق عمل المجالس المحلية بين أنشطة خدمية وزراعية وتجارية، في حين يغيب عنها النشاط الصناعي؛
• ما تزال المجالس المحلية تعتمد على الدعم المالي الذي توفره المنظمات المانحة، مع تنامي اعتمادها على الضرائب من خلال تفعيل آليات الجباية المحلية؛
• يعد انخفاض القدرة الاقتصادية للسكان المحليين العامل الأهم في ضعف الجباية المحلية؛
• تتركز آليات تدخل المجالس المحلية في عملية التنمية على التنسيق مع الجهات الداعمة بشكل رئيسي.
معلومات الاستطلاع
- تاريخ الدراسة: من 1-1-2016 إلى 3-2-2016
- التنفيذ: مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
- عينة الاستطلاع: 105 مجلس محلي
جدول توزع العينة
منهجية البحث
1. مجتمع العينة
تم اختيار عينة غرضية من ضمن المجالس المحلية للمحافظات والمجالس الفرعية التابعة لها، وذلك في المناطق الخارجة كلياً أو جزئياً عن سيطرة نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية والإدارة الذاتية الكردية، نظراً لقدرة المجالس في هذه المناطق على القيام بأدوار عدة ضمن الحدود الإدارية لمناطقها.
2. حجم العينة وتوزيعها
شملت عينة الاستطلاع 105 مجلساً محلياً من إجمالي عدد المجالس البالغ 427. حيث استجاب من كوادر تلك المجالس 62 رئيس مجلس و32 عضو مكتب تنفيذي و11 عضو، فيما توزعت العينة على محافظات دمشق وريف دمشق وحلب وإدلب ودرعا والقنيطرة وحمص وحماه اللاذقية، وتفاوت توزع العينة على المجالس الفرعية وفقاً لتفاوت عدد المجالس الفرعية في كل محافظة.
3. وثوقية العينة
حرص الباحثون على طرح أسئلة الاستبيان وعرضها على المستجيبين بغض النظر عن آرائهم الشخصية أو توقعهم لاتجاه نتائج الاستطلاع، كما تم التركيز على صياغة الأسئلة بطريقة محايدة لا تؤثر على آراء المستجيب.
4. مدة الاستطلاع
استغرقت عملية الاستطلاع ما يزيد عن الشهر، حيث بدأ التواصل مع المجالس المحلية اعتباراً من 1-1-2016 وحتى 3-2-2016، تلا ذلك عملية تفريغ البيانات ثم تحليلها واستخلاص النتائج النهائية.
5. منهجية التحليل
تم تقسيم عملية التحليل إلى جزأين وفق هدف الدراسة المتمثل في رصد توجهات المجالس المحلية ومدى اضطلاعها بأدوارها على المستويين الإداري والسياسي، وبالتالي فإن هذا القسم من التحليل يتناول نتائج الاستطلاع ضمن التساؤلات التي تم طرحها حول الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية ومدى حيازتها لأهم مقوماته ومسؤولياته.
وتأتي عملية إدماج عملية الاستطلاع للدورين السياسي والإداري من منطلق وجود جدلية مستمرة بين فاعلية دور المجالس المحلية في الدفع السياسي ودورها الرئيس في إدارة المجتمعات المحلية وتحقيق مصالحها وتمثيلها.
المقدمة
يشكل توفير الخدمات الأساسية أحد المسؤوليات التي تعمل عليها الدولة عبر مؤسساتها لتحقيق استقرار وتنمية مجتمعها. وقد شهد الوضع الإداري والخدمي في سورية قبل الثورة تراجعاً حاداً لوحظ من خلال الاختناقات الخدمية التي تكرّرت دون أن يكون هنالك مقاربة شاملة لمعالجتها، وهو ما حوّل الأزمات من قطاعية إلى بنيوية كشفت عجز نظام الأسد عن إدارة الدولة والمجتمع، الأمر الذي أدى إلى جانب عوامل أخرى لقيام الثورة السورية والتي هدفت إلى إيجاد نظام سياسي جديد يتمتع بالشرعية والفاعلية.
وكأسلوب لمعاقبة المناطق التي خرجت عن سيطرته، لجأ نظام الأسد إلى حرمانها من الخدمات عبر إيقاف تزويدها بها وتعمد إلحاق الضرر بمنشآتها الخدمية. وإذا ما أضفنا إلى ذلك، التدهور السابق لقطاع الخدمات قبل الثورة، يتضح حجم المشكلة التي كان على المجالس المحلية أن تواجهها لتوفير الخدمات للسكان باعتبارها هيئات تمثيلية خدمية.
وفي حين تناولت دراسة سابقة لاستطلاع رأي قام به مركز عمران لمئة وخمس مجلس محلي حول الدور السياسي للمجالس المحلية، ستركز هذه الدراسة على دورها الإداري، من حيث طبيعته ونطاق خدمات المجالس جغرافياً وديمغرافياً وأولوياتها والعوائق التي تحدّ من قدرتها على توفير الخدمات، إضافةً إلى تحديد المصادر المالية للمجالس ومنها الجباية المحلية وعوامل ضعفها، وصولاً إلى الدور التنموي للمجالس وآليات تدخلها في هذا المجال.
الدور الإداري للمجالس
أحدث الصراع الدائر في سورية طلباً متزايداً على الخدمات مما شكّل عبئاً إضافياً على الإدارات المحلية المكلفة بإدارة شؤون السكان، وتعتبر المجالس المحلية إحدى هذه الإدارات بما تحوزه من شرعية التمثيل. لذا كان من المهم تناول الدور الإداري والخدمي للمجالس من حيث طبيعته، ونطاق الخدمات والأولويات في هذا المجال، والتحديات التي تواجه المجالس في توفير الخدمات للسكان.
ويتراوح الدور الإداري والخدمي للمجالس بين المركزي والثانوي، فإما أن تقوم بتأدية هذا الدور بمفردها بما يتوفّر لها من إمكانيات وموارد أو أن تؤديه بالتشارك مع هيئات محلية أخرى توافقاً أو تنافساً. وتظهر نتائج استبيان دور المجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية محوريّة الدور الإداري والخدمي للمجالس سواءً باعتبارها الجهة الوحيدة وهو ما أجاب به 50% من عينة الاستبيان، أو باعتبارها جهة مركزية إلى جانب جهات عدّة وهو ما أفاد به ما نسبته 41%، في حين وصف 7% دور مجالسهم بأنه يقتصر على التنسيق، مقابل 2% يعتقدون بأنه دور ثانوي.
ولعلّ أبرز ما يفسر مركزية دور المجالس المحلية في توفير الخدمات، الأسباب الآتية:
1. استقطاب الكوادر المتخصّصة: وهو ما تعمل عليه المجالس بشكل حثيث من خلال إجراء مسابقات تعيين تستند إلى معايير مهنية. وهذا الدور يزداد أهمية خاصة مع كثرة الحديث عن وقف إطلاق النار وتفعيل المسار السياسي حيث أن المجالس المحلية هي أحد الجهات المرشحة لاستقطاب المدنيين المتخصصين ممن حارب في صفوف الفصائل العسكرية؛
2. الخبرات المكتسبة: حيث أتيح لكوادر المجالس اكتساب خبرة نوعية في إدارة العمل الخدمي العام سواءً ممّا تحقق لها في ورشات التدريب أو ما اكتسبته خلال عملها الميداني؛
3. الاستقرار المؤسساتي: الذي يتيح للمجالس تنفيذ برامجها في قطاع الخدمات والتي غالباً ما تستلزم وقتاً زمنياً طويلاً؛
4. العلاقات البينية: كلما تمتّعت المجالس بعلاقات إيجابية مع الهيئات المحلية العسكرية منها والمدنية، تمكنت من تعزيز دورها الخدمي بسبب ما توفره تلك الهيئات لها من دعم مجتمعي ولوجستي؛
5. توفر الجهات الداعمة: على الرغم مما يواجه المجالس من عجز مالي يعيق دورها الخدمي، إلا أن توفر جهات داعمة يمكّنها من لعب دور متقدم في توفير الخدمات.
يغلب على خدمات المجالس المحلية تغطيتها للنطاق الجغرافي الذي يقع ضمن نطاقها الإداري، حيث أجاب 63% من العينة عن وصول خدمات مجالسهم إلى كافة مناطق القطاع الإداري الذي يتولون إدارته، في حين أجاب 32% بأن الخدمات تصل إلى غالبية المنطقة الجغرافية التي تتبع لهم إدارياً وليس كلها، وأفاد ما نسبته 5% بأن خدماتهم مقتصرة على أجزاء فقط من النطاق الجغرافي لوحداتهم الإدارية.
ويمكن أن تفسّر شمولية خدمات المجالس للوحدات الإدارية التي تديرها بما يلي:
1. قدرة المجالس على التحرك بحرية ضمن مناطق عملها مع تراجع التهديدات الأمنية التي تحد من حركتها؛
2. توفر عدد كاف من الكوادر كفيل بتخديم النطاق الإداري لمنطقة عمل المجالس؛
3. تقسيم النطاق الإداري إلى قطاعات جغرافية يسهل تخديمها؛
4. توفر دعم لوجستي من قبل فصائل المقاومة الوطنية مما يتجلى بتوفير الحماية والمواصلات لكوادر المجلس؛
5. وجود دعم مجتمعي يزيد من تقبّل دور المجالس ويسهّل عمل كوادرها.
وبالنظر إلى التركيبة السكانية للمجتمعات المحلية يلاحظ تغيّرها بفعل حركات الانزياح الديموغرافي بحثاً عن الأمن ومتطلبات المعيشة، وهو ما أحدث نقاشاً حول فئة السكان التي يتوجب على المجالس تخديمها، إضافةً إلى مدى أحقيّة مشاركة النازحين في المجالس تشكيلاً أو انتخاباً. ووفقاً لنتائج الاستبيان لا تفرق معظم المجالس بين السكان الأصليين والنازحين في عملها الخدمي، حيث أجاب 95% من العينة بأن خدماتهم تشمل الفئتين معاً، في حين أجاب 3% باقتصارها على السكان الأصليين دون النازحين، مقابل 2% قالوا بأنها مخصّصة للنازحين إلى المناطق التي تديرها مجالسهم.
ويمكن أن يعزى توجه المجالس لعدم التمييز في خدماتها بين السكان الأصليين والنازحين إلى ما يلي:
1. توفر موارد كافية تمكن المجالس من تخديم كلا الشريحتين؛
2. استقرار النازحين في المجتمعات المضيفة وهو ما يسهّل على المجالس تخديمهم؛
3. اعتبار المجالس النازحين لمناطق عملها مواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات في جميع الأراضي السورية.
وتعمل المجالس على توفير خدماتها وفق سلم أولويات يتم تحديده بناءً على معرفة احتياجات مجتمعاتها، وقد أظهرت نتائج الاستبيان ترتيب المجالس لأولوياتها الخدمية وفق الآتي:
1. خدمات البنية التحتية بما يشمله ذلك من صيانة شبكات الطرق والمياه والصرف الصحي والمنشآت العامة؛
2. خدمة التعليم وتأمين مستلزمات العملية التعليمية (رواتب مدرسين، طباعة كتب مدرسية، تنظيم الامتحانات)؛
3. خدمة الإغاثة في المرتبة الثالثة من خلال توفير السلال الإغاثية بالتعاون مع الجهات الداعمة والهيئات المحلية؛
4. خدمات الصحة عبر توفير المراكز الصحية ومستلزماتها الطبية؛
5. الدفاع المدني من حيث تأمين الآليات وتدريب الكوادر.
ويمكن أن تعزى النتيجة السابقة إلى وجود تحول في نمط الإدارة المتّبع من قبل المجالس من الإدارة العفوية القائمة على ردود الفعل إلى الإدارة المنظّمة التي تتوخى تحقيق أهداف محددة بآليات واضحة، حيث يلاحُظ احتلال قطاع البنية التحتية الأولوية في سلم أولويات خدمات المجالس المحلية، لما له من دور في تحقيق الاستقرار للمجتمعات المحلية، علماً أن المجالس تواجه تحدياً كبيراً في عملية إصلاح هذا القطاع نظراً لحجم الضرر الذي لحق به جرّاء استهدافه المنظّم من قبل قوات الأسد والفصائل الموالية له. في حين يفسر حلول الدفاع المدني في أدنى سلم أولويات المجالس بوجود هيئات مستقلّة متخصّصة تمارس عملها في هذا المجال بالتعاون مع المجالس.
وتواجه المجالس المحلية عدة تحديات تؤثر سلباً على قدرتها في توفير الخدمات، جاءت وفق الترتيب الآتي حسب ما أظهرته نتائج الاستبيان: 1) ضعف الموارد المالية، 2) قلة الكوادر، 3) صعوبات أمنية، 4) مشاكل إدارية، 5) تدخل فصائل المقاومة الوطنية في عمل المجالس.
تعمل المجالس المحلية في بيئة متغيرة وذات مخاطر عالية تؤدي إلى خلق هذه التحديات، ويمكن أن يفسر تصدّر عامل قلّة الموارد المالية قائمة التحديات بالآتي:
1. ضعف قدرة المجالس على استجلاب الدعم من الجهات المانحة؛
2. تراجع حجم تمويل الجهات المانحة وهو ما يلاحظ من تقليص برامجها التدخلية؛
3. ضعف تطوير المجالس لمواردها الذاتية لأسباب موضوعية وذاتية.
البيئة الاقتصادية للمجالس
تحتاج المجالس إلى موارد مالية كافية لتتمكن من توفير خدماتها للسكان، وكلما نجحت المجالس في تنويع مواردها المالية، تمكّنت أكثر من توفير الخدمات بشكل مستقرّ وبنوعيّة أفضل. وتعتبر البيئة الاقتصادية التي تعمل فيها المجالس إحدى العوامل المؤثرة في حجم ونوعية مواردها المالية. ويلاحظ من نتائج الاستبيان، التنوع في النشاط الاقتصادي لمناطق عمل المجالس بحيث يتضمن كلاً من الأنشطة الخدمية 54% والزراعية 42% والتجارية 4%، في حين يغيب عنها النشاط الصناعي.
ويمكن تفسير هذه النتيجة بالآتي:
1. افتقاد البنية التحتية والكوادر المدربة اللازمة لتوطين الصناعة؛
2. هجرة رؤوس الأموال اللازمة لتأسيس نشاط صناعي؛
3. تعرض المنشآت الصناعية الكبيرة الخاصة والعامة للتدمير وعمليات النهب أو نقلها لمناطق تقع تحت سيطرة نظام الأسد أو إلى خارج سورية؛
4. عدم استقرار إمدادات الطاقة والمواد الأولية وهو ما يزيد من تكاليف الإنتاج؛
5. اعتماد المناطق التي تديرها المجالس في توفير مستلزماتها من المواد المصنعة إما على نظام الأسد أو على دول الجوار وهو ما أضعف فرص قيام نشاط صناعي محلي؛
مما تفيد به النتائج أيضاً وجود تنوع في الموارد المالية للمجالس بحيث تشمل موارد ذاتية وخارجية رتبتها المجالس المحلية من حيث وفرتها وفق الآتي:
1. دعم المنظمات بما فيها المنظمات الحكومية وغير الحكومية الإقليمية منها والدولية؛
2. الضرائب والرسوم المحلية التي تتقاضاها المجالس من المكلفين مالياً؛
3. الدعم الذي توفره مؤسسات المعارضة الرسمية كالائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة؛
4. الإيرادات المالية الناجمة عن مشاريع إنتاجية تعود ملكيتها للمجالس وأيضاً تشغيل واستثمار الأملاك العامة التي تديرها ضمن نطاقها الإداري؛
5. الإيرادات المالية الناجمة عن الهبات والتبرعات التي يقدمها الأفراد بشكل مباشر وغير مباشر؛
ويمكن تفسير توجه المجالس للاعتماد المتزايد على الضرائب بعدة أسباب منها:
1. رغبة المجالس في تنويع مواردها الذاتية خاصة مع تراجع الموارد الخارجية؛
2. رغبة المجالس في توفير خدمات مستقرة للسكان المحليين؛
3. أحقيتها في فرض الضرائب استناداً إلى ما تتمتع به من شرعية.
وقد لجأ عدد من المجالس لتفعيل الجباية المحلية بهدف التقليل من العجز المالي الذي تعاني منه. وتشير الوقائع إلى انخفاض الإيرادات المالية المتحققة عن الجباية في مناطق عمل المجالس مقارنة بمثيلتها في مناطق سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" ومناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية. وقد رتبت العينة الأسباب التي تحد من فاعلية الجباية المحلية وفق الآتي:
1. انخفاض مستوى دخل السكان المحليين؛
2. ضعف تعاون السكان المحليين مع جهود المجالس المحلية في هذا المجال؛
3. غياب آلية موحدة لتنظيم الجباية؛
4. ضعف تعاون فصائل المقاومة الوطنية مع المجالس؛
5. ضعف الشفافية المالية للمجالس وهو ما يحول دون التزام السكان بدفع ما عليهم من مستحقات مالية.
ورغم ما حققته المجالس من تقدم ملحوظ فيما يتعلق باحتساب الضرائب وآليات جبايتها إلا أنها لم تبلغ بعد حجم الإيرادات المتحصلة في مناطق سيطرة كل من تنظيم "الدولة الإسلامية" والإدارة الذاتية. وعن أسباب ضعف الجباية يأتي في مقدمتها انخفاض القدرة الاقتصادية للسكان المحليين نتيجة عدة عوامل:
1. ارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات قياسية نتيجة غياب مشاريع إنتاجية توفر فرص عمل كافية؛
2. اعتماد قسم كبير من السكان على المساعدات الإنسانية لتوفير متطلباتهم الحياتية؛
3. انخفاض قيمة الليرة السورية التي ما تزال تعتبر العملة الرسمية المتداولة وهو ما أثر سلباً على مداخيل السكان التي تعتبر بالأصل شحيحة.
ولعل أبرز ما يفسر النتائج التي خلص إليها الاستبيان فيما يتعلق بأسباب ضعف الجباية المحلية هو الآتي:
1. عدم قناعة المكلفين مالياً بدفع ما عليهم من التزامات لا سيما وأن لديهم تساؤلات حول الشفافية المالية للمجالس واعتراضات حول نوعية الخدمة المقدمة لهم واستقرارها؛
2. الطواعية في دفع الالتزامات المالية وغياب إجراءات ملزمة بحق المتخلفين عن الدفع؛
3. ضعف حس المسؤولية والالتزام لدى قسم كبير من المكلفين مالياً واعتبار التهرب من دفع الضرائب أمراً لا يستوجب المساءلة المجتمعية ولا القانونية؛
دور المجالس المحلية في التنمية
واصل الاقتصادي السوري تدهوره بفعل الإدارة غير الرشيدة من قبل نظام الأسد، إضافة إلى ما خلفته الحرب من آثار سلبية عليه. وقد انعكس ذلك سلباً على السكان وتجلى في فقدان العديد منهم لمصدر رزقه وتحول جزء كبير منهم إلى متلقين للدعم الذي توفره الهيئات المحلية والمنظمات الداعمة. وقد أدى تفاقم المعاناة الإنسانية والمعيشية مع استمرار الحرب وانخفاض الموارد المتاحة لحدوث تحول في طبيعة تدخل المنظمات الداعمة في المجتمعات المحلية حيث أصبحت تركز بشكل أكبر على المقاربة التنموية لتوفير مصادر رزق للسكان. وتعتبر المجالس المحلية أحد الفاعلين في هذا المجال وتتنوع أشكال التدخلات التي تقوم بها والتي رتبتها عينة المجالس حسب الآتي:
1. التنسيق مع الجهات الداعمة في توطين مشاريع التنمية المحلية؛
2. إقامة مشاريع تنموية بما يتوفر لها من موارد مالية؛
3. تقدم الدعم المادي لمشاريع تنموية؛
4. بناء قدرات السكان المحليين من خلال ما توفره لهم من تدريب؛
5. توفير استشارات ودعم فني للمشاريع التنموية؛
ويمكن تفسير هذا التوجهات وأولوياتها بالآتي:
1. ضعف قدرة المجالس الذاتية على إقامة مشاريع تنمية محلية نتيجة ضعف الموارد؛
2. توقف العديد من مشاريع التنمية التي بدأتها المجالس نتيجة عدم توفر الدعم المادي الكافي والأوضاع الأمنية غير المستقرة؛
3. عدم جاهزية المجالس للعب دور محوري في عملية التنمية من حيث الكوادر والآليات؛
4. تركيز المجالس جهودها في قطاع الخدمات على حساب مشاريع التنمية؛
5. منافسة هيئات محلية ذات إمكانيات كبيرة للمجالس في مجال التنمية وهو ما يضعف حضورها في هذا المجال؛
الخاتمة
تظهر نتائج الاستبيان مركزية الدور الخدمي للمجالس وشمولية خدماتها من حيث النطاق الجغرافي والديمغرافي بحيث تشمل القطاع الإداري الذي تديره وكلاً من السكان المحليين والنازحين دون تمييز، وتُقدم المجالس خدماتها وفق أولويات يأتي في مقدمتها قطاعي البنية التحتية والتعليم. وتواجه المجالس تحديات عدة تحد من دورها الخدمي ومن أبرزها قلة الموارد المالية وقلة الكوادر وهو ما يتطلب منها العمل على صياغة استراتيجية متكاملة لمعالجة مكامن الضعف وتعزيز نقاط قوتها في هذا المجال.
وبالنظر إلى البيئة الاقتصادية لمنطقة عمل المجالس، فيلاحظ تنوع النشاط الاقتصادي القائم فيها يأتي في مقدمتها النشاط الخدمي ثم الزراعي ثم التجاري، في حين يغيب النشاط الصناعي عن مناطق عمل عينة المجالس لأسباب موضوعية وذاتية. وتترك البيئة الاقتصادية أثرها على الموارد المالية للمجالس والتي تشمل: الضرائب والرسوم المحلية، وإيرادات المشاريع التنموية، وموارد خارجية تتضمن الدعم الذي توفره الجهات المانحة ومؤسسات المعارضة والأفراد. وفي حين أظهرت النتائج استمرار اعتماد المجالس على الإيرادات الخارجية كمورد مالي إلا أنها أظهرت في الوقت نفسه تقدم الضرائب كمورد ذاتي يعاني من مشاكل عدة أبرزها انخفاض مستوى دخل السكان المحليين وعدم تعاونهم مع جهود المجالس في الالتزام بسداد ما عليهم من التزامات مالية.
ونتيجة استمرار الصراع وتنامي حجم الاحتياجات الإنسانية اضطرت الجهات المانحة والمجالس المحلية لتبني حلول تنموية على حساب التدخلات النقدية والعينية المباشرة بما يسهم في توفير مصادر دخل للسكان وإحداث تغيير نوعي في المجتمعات المحلية. وتعتبر المجالس أحد الفاعلين في عملية التنمية وتسهم في ذلك من خلال ما تقوم به من دور تنسيقي نظراً لضعف مقوماتها الذاتية.
إنَّ الهُدن لم تكن اتفاق تلاقٍ للمصالح يوطّئ للانفراج والتوافق السياسي، وإنما كانت اتفاق وقاية شرٍّ لم يغيّر جوهر علاقة النظام بالمجتمع، تلك العلاقة القائمة على الإكراه من خلال القمع.