تعيش محافظة درعا، انطلاقاً من درعا البلد، حملة عسكرية من قبل النظام، يحاول من خلالها إخضاع المدينة، التي جعلت ديدنها المظاهرات، والوقوف في وجه النظام في كل مناسبة، والتي كان آخرها في يوم الانتخابات 27أيار 2021، وقد سبق الحملة حصار كامل على مدار شهر، بدأ في 24حزيران، بعدما عمدت الفرقة الرابعة والكتل العسكرية التي تحيط بالمدينة، إلى رفع السواتر الترابية، وقطع الطرق المؤدية لدرعا البلد كافة، ومنع إدخال الغذاء والدواء، ودخول أو خروج الأهالي، تبع ذلك قطع الكهرباء والمياه والاتصالات، كما عمد النظام إلى فتح حاجز واحد فقط لعبور الأهالي من خلاله، بإشراف فرع الأمن العسكري وميليشيا مصطفى الكسم، ويعد هذا سبباً كافياً لتخوّف الأهالي من الخروج عبره. وتوزع المحاصرون البالغ عددهم 11 ألف عائلة في أحياء عدة، بينها حي مخيم نازحي الجولان، ومخيم اللاجئين الفلسطينيين، وحي طريق السد، والمزارع في الشياح والنخلة والرحية والخواني.
درعا التي أنهت معركتها مع النظام في شهر يوليو تموز عام 2018، بعد سقوط القرى والبلدات من الشرق إلى الغرب بالتوالي بقبضة النظام، ودعمٍ من روسيا وإيران، وفرض التهجير القسري إلى إدلب لكل من يرفض الانخراط في تسوية مع النظام، وانقسمت المنطقة إثر ذلك إلى مناطق تسويات، كما حصل في درعا البلد، وبصرى الشام، وطفس، ومناطق أخرى، تحت سيطرة النظام، وبقي أفرادٌ للجيش الحر يشكلون خلايا نائمة في بلدات عدة، ممن رفضوا التهجير من جهة، وشروط التسوية مع النظام من جهة أخرى، وهو ما عرّضهم للملاحقات الأمنية، وأن يكونوا أهدافاً للاغتيال من قبل النظام والميليشيات الإيرانية.
ويحاول تقدير الموقف التالي، الوقوف على ما جرى في درعا خلال الأسابيع الماضية، وتقديم قراءة تحليلية لأهداف النظام، وأوجه التباين الروسي والإيراني في درعا، وتلمس الاتجاهات المستقبلية للمشهد الميداني.
فشل النظام بعد سيطرته على محافظة درعا في صيف العام 2018، وإبرامه اتفاقات مصالحة مع فصائل الجيش الحر، برعاية روسية أو مع النظام مباشرة، في إرساء قواعد الاستقرار الأمني، وتوفير الخدمات، وإصلاح البنى التحتية، وتحسين الظروف المعيشية، التي ما فتئت تزداد سوءاً، وسط انخفاض قيمة الليرة والقوة الشرائية للدخل، وفقدان المواد الأساسية من السوق. وتحوّلت درعا إلى مكان تصفية حسابات ونزاع بين النظام والمعارضة من جهة، وبين إيران وروسيا من جهة أخرى، إذ ساهم الفلتان الأمني، وتشعّب القوى المسيطرة على الأرض وأجنداتها، في جعل المحافظة بيئةً خصبةً للقتل والتصفية والاغتيال، وانتشار السلب ورواج المخدرات، ووجد النظام الفرصة سانحة بين الفينة والأخرى للتخلص من البيئة الحاضنة للثورة، سواءً عبر السيطرة على مناطق سبق ووقّعت اتفاق مصالحة، كما حصل مع مدينة الصنمين في آذار 2021، أو عبر اغتيال قيادات الفصائل ورموزهم، ممن انضموا إلى قوات النظام أو لجهات عسكرية، أو نشطوا ضمن عمل اللجنة المركزية في درعا، فقد اغتيل 42 قيادياً، وأصيب 20 منهم بجروح، كان آخرهم أدهم الأكراد وأحمد فيصل المحاميد، في تشرين الأول 2020([1]).
على الصعيد الجغرافي؛ وعلى الرغم من السيطرة الظاهرة للنظام على درعا، إلا أن الواقع على الأرض كان يشير إلى مناطق نفوذ متباينة، يمكن تقسيمها إلى ثلاثة مناطق نفوذ: فقد أصبحت كل من بصرى الشام في الشرق، وطفس في الغرب، وإضافة لدرعا البلد، مراكز تفاوض أو مناطق تسوية مع النظام برعاية روسية، فيما حظي النوع الثاني من المناطق وهي مناطق المصالحات التي سيطر عليها النظام عسكرياً بشكل كامل، وانخرط الأهالي باتفاقيات مصالحة، مثل بصر الحرير والحراك وصيدا وبقية البلدات المحيطة، وفي الغرب هناك جاسم ونوى ومعظم قرى وبلدات الريف الغربي، باستثناء ثلاث مدن تشكل مناطق النفوذ الثالثة، وهي داعل وإنخل والحارة، التي خضعت لسيطرة النظام بدون توقيع اتفاق تسوية أو تفاوض عبر الروس، أما مدينة الصنمين فكانت قد وقعت هدنة مع النظام في العام 2016([2]).
وعلى مستوى السكان، انضم عدد كبير من الشباب للتشكيلات العسكرية، والثكنات والقطع التي سبق وانشقوا عنها، بعد إجراء تسويات لأوضاعهم الأمنية، بينها الأمن العسكري، والمخابرات الجوية، وأمن الدولة، والفرقة الرابعة، إلا أن التنافس ظهر على أشده بين الفرقة الرابعة، بالأخص في الريف الغربي للمحافظة، واللواء الثامن التابع لروسيا في الريف الشرقي، لاستقطاب وتجنيد الشباب في صفوفهما، أما من رفض الرضوخ لشروط التسوية مع النظام، والانخراط في صفوف اللواء الثامن؛ فقرر الخروج بالحافلات إلى الشمال السوري المحرر، في مشهدٍ لتهجيرٍ قسريٍ تكرر في محافظات سورية عدة.
منحت روسيا طوال الأعوام الثلاثة الماضية في مناطق نفوذها مساحة للأهالي للخروج في مظاهرات، والتعبير عن رفضهم للنظام، مستغلةً غضب الأهالي من فشل النظام في إرساء الاستقرار الأمني والاقتصادي، وعدم إخراج المعتقلين، وإرسال عناصر التسويات إلى جبهات الحرب في البادية ضد "داعش"، ومنحت قائد "ا للواء الثامن" في بصرى الشام، أحمد العودة، مسؤولية حفظ الأمن في المناطق التي يسيطر عليها، ولعب أدوار حوكمية لحل المشاكل الأمنية والخدمية، ومُنِع النظام من إدخال الوحدات العسكرية، والأجهزة الأمنية إليها، وسوق الشبان إلى الخدمة العسكرية. وقد يكون الغاية الروسية من وراء التقارب مع المجتمع المحلي تتجلى في منع تغلغل الميليشيات والعناصر الموالية لإيران، سواءً في درعا، أو على الحدود الإسرائيلية والأردنية([3]).
على صعيد آخر، كانت إيران قد نجحت تحت ستار الفرقة الرابعة، والحرس الجمهوري، والأمن السياسي، فضلاً عن ميليشياتها المنتشرة في درعا، "حزب الله"، و"الحرس القومي العربي"، من الانتشار في الجنوب، والتموضع في قواعد عسكرية، والاقتراب من الحدود الإسرائيلية في الغرب، والحدود الأردنية في الجنوب، في سياق ينبئ بفشل الخطط الروسية لاحتواء التموضع الإيراني في درعا، وساهم هذا في زيادة وتيرة الاغتيالات الممنهجة، والتي طالت شخصيات من المعارضة، أو من المقربين للطرف الروسي، والاستمرار في خط التصعيد العسكري ضد مناطق التسويات، لإرضاخها مجدداً، وإدخالها في كنف النظام([4]).
استمراراً لمحاولات النظام والإيرانيين في إعادة مناطق التسويات إلى سيطرتهما، فرضت قوات النظام في 24 حزيران 2021 حصاراً كاملاً على أحياء درعا البلد، التي يسكنها قرابة 50 ألف نسمة في مخيم النازحين، ومخيم اللاجئين الفلسطينيين، وطريق السد، والمزارع في مناطق الشياح والنخلة والرحية والخواني. مستهدفاً إرغام الأهالي على تسليم السلاح الخفيف والمتوسط، وإجراء اتفاق تسوية جديد، وتثبيت نقطة عسكرية تتبع لـ"الأمن العسكري"، الذي يرأسه العميد لؤي العلي، إدراكاً من النظام أن التسويات السابقة كانت "منقوصة وغير عادلة"، وحصر السلاح بيد الدولة فقط، بحسب تصريح لأمين فرع حزب البعث في درعا([5])، ويأتي هذا الحصار أيضاً بمثابة "عقاب" للأهالي، على خلفية المظاهرات المستمرة في درعا البلد، وآخرها في يوم الانتخابات في 27 أيار 2021، وامتناع الأهالي عن المشاركة في عملية التصويت. وقد اجتمعت اللجنة المركزية لدرعا البلد كعادتها أثناء حصول أي خلاف مع النظام، مع جنرال روسي يُدعى "أسد الله"، الذي هدد باقتحام أحياء درعا البلد في حال لم يتم الإذعان للنظام والاستجابة لمطالبه.
ومع اشتداد وتيرة الحصار الكامل، ساءت الأوضاع الصحية للأهالي، بعد نفاد المواد الطبية والأدوية في المنطقة، وارتفاع الأسعار أضعافاً في حال توافرها، وتعتمد الأحياء بشكل كامل على مركز صحي واحد، يعاني من عجز في التجهيزات والمعدات الطبية الضرورية، والكوادر المؤهلة([6]).
وبعد اجتماعات عدة بين اللجنة المركزية والنظام توصّل الطرفان إلى اتفاق يقضي بتسليم الأسلحة الخفيفة المتبقية بيد الجيش الحر، مقابل فك الحصار المفروض على درعا البلد، وإيقاف الحملة العسكرية التي يحشد النظام لها، ونصّ الاتفاق على أن يُنشئ النظام 3 نقاط عسكرية في درعا البلد، تتبع للأمن العسكري، وتسوية أوضاع العشرات الذين لم يقوموا بالتسوية في 2018([7]).
وخلال اليوم التالي رفع النظام سقف مطالبه، ليضم إلى البنود تسليم أو تهجير 15 شخصاً يعيشون حالياً في درعا البلد إلى الشمال، ورفع عدد الحواجز إلى 9 نقاط عسكرية، ومفارز أمنية تنتشر في درعا البلد، وهو ما رفضته اللجنة بالمطلق. وبعد فشل المفاوضات دخلت تعزيزات عسكرية للنظام إلى أحياء درعا المحطة، وبدأت عمليات قصف عشوائي على أحياء درعا البلد([8]). وفي صبيحة 29 تموز 2021، شنّ النظام حملة عسكرية من 3 محاور على درعا البلد، بقيادة غياث دلّة، بعد استقدام آلاف القوات مُعززة بالآليات العسكرية، من 4 فرق عسكرية، على رأسها الفرقة الرابعة، وعمد النظام لقصف أحياء درعا البلد بالمدفعية الثقيلة، وراجمات الصواريخ، والهاون، مستهدفاً منازل المدنيين، وتسبب بإخراج النقطة الطبية الوحيدة عن الخدمة، فيما جرت اشتباكات بين قوات النظام وأفراد الجيش الحر، تمكن فيها الأخير من صد تقدم النظام. ومع منتصف النهار أطلق الريف الشرقي والغربي لدرعا "معركة الكرامة" نصرةً لدرعا البلد المحاصرة، وأسفرت المعركة عن سيطرة الجيش الحر على نقاط عسكرية، وحواجز منتشرة في مدن الحراك وصيدا والسهوة وأم المياذن في الريف الشرقي، وتم قطع الطريق الدولي دمشق – عمّان من ناحية بلدة صيدا، وبلدات طفس واليادودة والمزيريب ونوى في الريف الغربي، وشاركت مدن انخل وجاسم في المعركة، وتمكنوا من قتل 27 عنصراً، بينهم ضابطان، وأسر 83 عنصراً، والسيطرة على 33 حاجزاً، و4 معسكرات، وإعطاب دبابة، واغتنام أخرى. وردّ النظام بتوسيع دائرة الاستهداف والقصف على البلدات والمدن، شملت طفس واليادودة والمزيريب، وأودى القصف بحياة 18 شهيداً، بينهم 3 أطفال ووالدتهم، سقطوا خلال مجزرة في بلدة اليادودة.
يمكن استنتاج جملة من الخلاصات بعد التطورات المتسارعة في درعا، من بينها:
ووسط هذا التصعيد العسكري على درعا البلد والريف الشرقي والغربي من جانب، واستمرار المفاوضات بين اللجنة المركزية والنظام من جانب آخر ينتظر درعا سيناريوهات عدة، من بينها:
تسوية جديدة وتهجير من لا يرغب
أظهرت طريقة تعامل النظام مع مدينتي طفس والصنمين شكلاً لما يمكن أن يحدث مع درعا البلد خلال الأيام المقبلة، فبعد هجوم النظام على مدينة الصنمين، في آذار 2021، وحصار من رفض إجراء المصالحات، تدخلت روسيا لفض النزاع وفرض هدنة انتهت بترحيل المقاتلين إلى الشمال، وتسوية أوضاع الراغبين بالبقاء بشرط تسليم السلاح، وحصل الأمر ذاته في يناير كانون الثاني 2021 في طفس، بعدما طالب النظام بتسليم الأهالي للسلاح الخفيف والمتوسط، وخروج من يرغب من درعا إلى الشمال. وفقاً لهذا السيناريو قد تتدخل روسيا لإنهاء الهجوم على درعا البلد، ووضع حد للعملية العسكرية، وتوقيع اتفاق جديد تعتمد تفاصيله وبنوده على حجم الخسائر التي سيتكبدها النظام خلال الأيام المقبلة، من حيث عدد من سيخرج إلى الشمال، ومن ناحية تسليم الأسلحة الخفيفة. ويبدو هذا السيناريو الأكثر واقعية، في ظل الخسائر المتسارعة والمفاوضات بين اللجنة المركزية لدرعا والنظام، على اتفاق مرضٍ.
صمود الجيش الحر وتحقيق انتصارات أكثر ضد النظام، وتحقيق مكاسب أوضح على الأرض، سيعطيه كعباً عالٍ على طاولة المفاوضات، ومن بين النقاط التي قد يضمنها وفد اللجنة المركزية التي تفاوض النظام إيقاف التصعيد في البلدات والمدن كافة، مقابل إيقاف الحملة العسكرية، ورفع الحصار، ونشر حواجز تتبع للفيلق الخامس في درعا البلد. ومع إمكانية تطبيق هذا السيناريو إلا أنه يحتاج لموافقة روسيا بالدرجة الأولى والأردن بالدرجة الثانية، ومن غير المرجح أن تقبل طهران والنظام بهذا السيناريو الذي سيضعف سيطرتها، ويضعف شوكتها في الجنوب عموماً.
في حال عدم تدخل الروس خلال الأيام المقبلة لعدم إيقاف الحملة العسكرية للنظام، واستمرار الجيش الحر في الحفاظ على خط التصعيد العسكري، والحفاظ على مكاسبه على الأرض، قد يتجه النظام إلى خيار العودة بالزمن لما قبل 25 حزيران 2021، وفق معادلة الخسارة على الأرض ورغبته في عدم جر مناطق أخرى لمساندة درعا.
ختاماً، أياً كان السيناريو الذي ستنحو درعا نحوه، فمّما لا شك فيه أن المحافظة أرت النظام قدرتها على التأقلم مع الظروف الصعبة، والاحتفاظ بمكامن القوة، استعداداً لأي معركة جديدة. وقد أثبتت درعا خلال ساعات أنها قادرة على الصمود، وإنتاج أشكال جديدة من المقاومة. هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى يمكن استغلال عدم تدخل الروس في الجو في تعزيز مكاسب الجيش الحر على الأرض في تدعيم طرح اللجنة المركزية على طاولة المفاوضات، التي من المفترض أن تستغل هذه الفرصة لانتزاع مزايا جديدة لدرعا وأهلها، وتحسين شروط أي اتفاقية جديدة، عبر ضمان عدم انتشار حواجز النظام في درعا البلد؛ وإخراج من تم اعتقالهم خلال الأيام الماضية؛ وعدم دخول قوات لتنفيذ حملات أمنية، وإصلاح البنية التحتية.
كما ينتظر من الفعاليات المحلية (السياسية والمدنية) خلق مساحات تفاعل سياسية مع الفاعلين في الملف السوري، وعلى رأسهم الأردن، ومصر، وروسيا لمساعدة اللجنة المركزية على تحسين شروط التفاوض في المنطقة، أما على الصعيد العسكري، فعلى الجيش الحر اتخاذ خطوات وتكتيكات عسكرية تأخذ بالحسبان احتمالية الدخول في معركة استنزاف طويلة مع النظام وبدعم من إيران.
([1]) آخرهم أدهم الكراد.. اغتيال 42 قياديًا سابقًا في قوات المعارضة بدرعا بعد تموز 2018، عنب بلدي، 15 تشرين الأول 2020، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/423369
([2]) وليد النوفل، جستن كلارك، “كالسجن الكبير” بعد أشهر من المصالحة، لا تزال الحدود المخفية تقسم جنوب غرب سوريا، 17 كانون الأول 2018، سوريا على طول، رابط: https://bit.ly/2Vo6tLm
([3]) عبد الله الجباصيني، الحوكمة في درعا جنوب سوريا: أدوار الوسطاء العسكريين والمدنيين، مركز روبرت شومان، 3 تشرين الثاني 2019، رابط: https://bit.ly/37bTM9c
([4]) ساشا العلو، الديناميكيات الجديدة للصراعات في سورية: قراءة في تحالفات ما بعد الإرهاب، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 1 حزيران 2019، رابط: https://bit.ly/3zUGrOP
([5]) ضياء عودة، درعا السورية.. النظام يحاصر آلاف العائلات وتهديدات من "أسد الله" الروسي، الحرة، 1 تموز 2021، رابط: https://arbne.ws/3ldDgOu
([6]) جلال بكور، استمرار حصار درعا البلد.. وجرحى باستهداف لجان النظام السوري، العربي الجديد، 14 توز 2021، رابط: https://bit.ly/3xfxqhA
([7]) اتفاق بين النظام السوري ومعارضين في درعا ينهي حصاره على مركزها، الجزيرة، 27 تموز 2021، رابط: https://bit.ly/3xaUNZL
([8]) فشل جولة المفاوضات مع قوات النظام السوري لإنهاء حصار درعا البلد، الجزيرة، 28 تموز 2021، رابط: https://bit.ly/3BSUtCJ
تمهيد
منذ توقيع الجانب الروسي والتركي اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 5 مارس/آذار 2020 والذي تضمن تسيير دوريات روسية وتركية على طول امتداد طريق الـ M4، ومناطق سيطرة المعارضة في كل من إدلب وحلب تتعرض إلى الاستهداف الصاروخي والجوي من قبل النظام وروسيا؛ والذي زادت وتيرته مطلع 2021 وبلغت ذروتها في شهري أيار وحزيران وبشكل مركز على منطقة خفض التصعيد في إدلب وهي المنطقة الواقعة في محيط طريق الـ M4 ؛
يحاول التقرير تبيان الغايات السياسية والأمنية التي تهدف لها عمليات الاستهداف؛ وذلك انطلاقاً من تحليل البيانات والمعلومات المتعلقة بغارات الطيران الروسي وضربات مدفعية النظام خلال الفترة الزمنية الواقعة بين شهري أيار وحزيران 2021،[1] وذلك للوقوف على مدى صلابة أو هشاشة الاتفاق الروسي والتركي فيما يتعلق بوقف إطلاق النار وعدم استهداف المنطقة المحيطة بطريق M4. وصولاً لمحاولة استكشاف محددات حركية روسيا والنظام في هذه العمليات. قام بهذا الرصد فريق مركز عمران في إدلب، وتمت مقاطعته مع ملفات الرصد الخاصة بفريق منظمة إحسان.
بدأ التصعيد العسكري من قبل القوات الروسية وقوات النظام بالازدياد منذ مطلع شهر أيار 2021، واستمر باستهداف العديد من المناطق بشكل عشوائي، فيما يلي تفصيل لتلك الضربات خلال شهر أيار (تفصيل الضربات الكامل في الملحق – جدول رقم (1))
يوضح كل من الشكلين (1) و (2) عدد الضربات الكلية في شهر أيار مع الإشارة إلى الجهة التي كانت أكثر تنفيذاً للضربات، حيث كان سلاح المدفعية الخاص بالنظام الأكثر استخداماً، تليه غارات الطيران الروسي، ومن ثم ضربات مضاد الدروع، هذا وتعتبر ضربات مضاد الدروع أداة للقوى الموالية لإيران (الفرقة الرابعة والدفاع المحلي)؛ وباستعراض نتائج القصف يتضح البعد العشوائي فيها إلا أنها تأتي ضمن سياسة خلق الفوضى والاضطراب كمرحلة سابقة سواء لتحصيل تنازلات من الفواعل الأخرين أو كتمهيد محتمل لأي عمل بري ، وبالتالي يمكن تصنيف تلك الضربات بأنها ضربات استراتيجية خاصة أنها فعلٌ كرره الروس والنظام خلال حملات التصعيد السابقة.
توضح الأشكال (3)، (4)، و(5) الجهات والجبهات التي كانت الأكثر استهدافاً من قبل النظام وحلفائه، وكان واضحاً أن الجانب المدني كان الأكثر استهدافاً، وهو الأمر الذي أدى إلى استشهاد 17 مدنياً بينهم طفلان وامرأتان.
يوضح الشكلان (6) و(7) حجم الضربات التي استهدفت مواقع تقع ضمن منطقة خفض التصعيد الرابعة؛ إذ دللت البيانات على أنها الأكثر استهدافاً، كما يوضحا مقارنة هذه النقط مع المناطق الأخرى، بالإضافة إلى استهداف مواضع تتمركز بقربها قوات الجيش التركي كنوع من الضغط عليها.
استمر سلاح الجو الروسي ومدفعيات النظام باستهداف مناطق سيطرة قوات المعارضة في إدلب ومحيطها خلال شهر حزيران، كما تم ملاحظة زيادة حدة الاستهدافات وتركيزها على منطقة الاتفاق التركي-الروسي بالقرب من طريق الـ M 4، وللاطلاع على تفاصيل الضربات خلال شهر حزيران 2021 انظر الملحق جدول رقم (2).
يوضح الشكلان رقم (8) و(9) عدد الضربات الكلية في شهر حزيران مع الإشارة إلى الجهة التي كانت أكثر تنفيذاً للضربات، حيث بقي سلاح المدفعية الخاص بالنظام الأكثر استخداماً، تليه غارات الطيران الروسي، ولوحظ ارتفاع عدد ضربات النظام وغارات الطيران الروسي، ويوضح الشكل (9) ازدياد عدد الغارات الروسية، كما يوضح تكثيف ضربات المدفعية من قبل الفرقة الرابعة مع غياب كامل لضربات قوات الدفاع المحلي.
ولا يمكن فك غاية هذه العمليات عن الأهداف السياسية للرووسيا والنظام والتي تتمثل بالضغط على الفاعلين الدوليين بشكل عام والجانب التركي بشكل خاص وذلك لتحسين شروط التفاوض التي سترافق مع جلسات مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بمحاولات تمديد القرار الدولي رقم 2533.
توضح الأشكال (10)، (11)، و(12) الجهات والجبهات التي كانت الأكثر استهدافاً من قبل النظام وحلفائه، ويتشابه شهر حزيران مع شهر أيار بكون الجانب المدني هو الأكثر استهدافاً، الأمر الذي أدى إلى استشهاد 42 مدنياً بينهم امرأتان و 4 أطفال. وبالتالي تتزايد المؤشرات باحتمال ظهور موجات نزوح محتملة وهو ما تريد أن تضغط به أيضاً موسكو على الفواعل الآخرين.
يوضح الشكلان (13) و(14) حجم الضربات التي استهدفت مواقع تقع ضمن منطقة خفض التصعيد ومقارنتها باستهداف المناطق الأخرى، ومن الواضح أن الجانب الروسي وقوات النظام عمدوا إلى التركيز على مواقع ضمن منطقة خفض التصعيد بشكل أكثر من غيرها، بالإضافة إلى استهداف مواضع تتمركز بقربها قوات الجيش التركي كنوع من الضغط عليها. وتميز شهر حزيران عن أيار بأن 96% من الاستهدافات كانت ضمن حدود منطقة خفض التصعيد؛ ويتم ذلك بالتزامن مع التلميحات الروسية حول اقتراب العمل العسكري من جبل الزاوية؛ وذلك كنوع من الضغط من جهة ولتحقيق انفراجات اقتصادية متخيلة تحسن من ظروف النظام الاقتصادية من جهة أخرى.
بمقارنة الشكلين (1) و (8) نلاحظ ارتفاع عدد الضربات الكلي لشهر حزيران بنسبة 25% عن شهر أيار، كما شهد شهر حزيران ارتفاع نسبة مشاركة الطيران الروسي عن شهر أيار، وانخفاضاً في ضربات مضاد الدروع والتي تقوم بتنفيذها تشكيلات موالية لإيران "الفرقة الرابعة والدفاع المحلي"، أما ضربات المدفعية فكانت الأكثر في كل من شهري أيار وحزيران، هذا وشهد شهر حزيران ارتفاعاً في عدد ضربات المدفعية عن شهر أيار بنسبة 30%.
فيما يوضح كل من الشكلين (2) و(9) الجهات التي نفذت الضربات ويلاحظ ارتفاع الضربات الروسية بين الشهرين بنسبة 50%، فيما تستمر التشكيلات الموالية لإيران بلعب الدور التخريبي المعتاد على محور سهل الغاب وريف حلب الغربي بحكم تواجد قوات الدفاع المحلي في المحاور الغربية من حلب وقوات الفرقة الرابعة بقاعدة جورين في سهل الغاب، وتبقى النسبة الأكبر للجهة المُتسهدِفة من نصيب مدفعية النظام والتي تتمركز على طول امتداد خطوط التماس في جنوب إدلب.
توضح الأشكال (3)، (5)، (10)، و(12) الجهات التي تعرضت للاستهداف حيث كانت الأهداف المدنية في كلا الشهرين هي الأكثر استهدافاً، ويعمل كل من النظام وروسيا على التكثيف من استهداف المواقع المدنية رغبة في تفريغ المنطقة من المدنيين، بالإضافة إلى تأجيج الوضع في مناطق المعارضة ودفع المدنيين إلى لوم الجانب التركي وقوات المعارضة على الاستهداف المتكرر لمساكنهم ومزارعهم، هذا وشهد شهر أيار استهدافاً كبيراً للمناطق الزراعية، وجاء هذا بالتزامن مع وقت جني محاصيل البصل والبطاطا مما أدى إلى وقوع حرائق كثيرة وخسائر كبيرة. كما توضح هذه الأشكال غياب الرغبة الحقيقية من الجانب الروسي والنظام في استهداف أي تشكيل عسكري في مناطق سيطرة المعارضة، مما يتعارض مع التبريرات الروسية باستهداف إدلب وأنها تقوم باستهداف مواقع "التشكيلات المتطرفة" متمثلة بهيئة تحرير الشام، حراس الدين، أنصار التوحيد، وغيرها.
توضح الأشكال (5) و (12) ارتفاع عدد ضحايا ضربات روسيا والنظام من المدنيين بنسبة وصلت إلى 60%، هذا وشهد الشهران سوياً استشهاد: 59 مدنياً، بينهم 48 ذكراً، 4 نساء، و6 أطفال، مما يؤكد أن استهداف المواقع المدنية هو أمر مدروس من الجانب الروسي ومن قبل النظام، للأسباب التي تم ذكرها في الفقرة السابقة.
توضح الأشكال (6)، (7)، (13)، و(14) الطريقة التي تتبعها روسيا في إيصال رسائل غير مباشرة للجانب التركي، وعملت روسيا بين شهري أيار وحزيران على إيصال رسالة واضحة لأنقرة، توضح قدرتها على التصعيد وحثها على تقديم تنازلات أكبر في ملفات مختلفة، الأمر الذي كان واضحاً في ارتفاع عدد الضربات في شهر حزيران والتي استهدفت مواقع متفرقة في جبل الزاوية والتي تتسم أغلبها بكثافة التواجد العسكري التركي، فيما شهد شهر حزيران استهدافاً مباشراً لآلية تركية من قبل قوات النظام في جبل الزاوية، واستهداف 6 مواقع بالقرب من النقاط التركية في جبل الزاوية أيضاً. إذاً يمكن تشبيه هذه الضربات بصندوق البريد الذي تستخدمه روسيا بغرض إيصال الرسائل إلى الجانب التركي. (انظر الخريطة رقم 1)
من جهة أخرى تطمح موسكو من خلال ازدياد حدة الاستهداف إلى الضغط على الفواعل الدوليين بشكل عام والتركي بشكل خاص قبل أي استحقاق دولي سواء المتعلق بمرور المساعدات الانسانية، أوجولة جديدة في استانة أو جنيف، حيث بدأ التصعيد الروسي قبل اجتماع الرئيس فلادمير بوتين مع الرئيس الأمريكي جو بايدين، كما شهدت الفترة التي تلت الاجتماع ازدياداً في حدة الضربات الروسية وضربات النظام مع التركيز على استهداف المواقع القريبة من التمركز التركي وخاصة في جبل الزاوية.
على الرغم من كل الحثيثات السابقة وارتفاع حدة الاستهداف إلا أنه تبقى العملية العسكرية البرية من قبل روسيا والنظام أمراً صعباً لعدة أسباب، أبزرها:
لذا بات من الواضح أن تصعيد روسيا والنظام هو فعلا جزء من سياسة روسية في الضغط على المجتمع الدولي بمن فيهم تركيا، وهذه المرة عمدت روسيا إلى التصعيد قبل اجتماع مجلس الأمن بخصوص تمديد إدخال المساعدات من معابر الشمال والتي تهدد روسيا مؤخراً باستخدام حق الفيتو الخاص بها ضد القرار، ومن المرجح أن تطرح روسيا موضوع المقايضة المتمثل في نقطتي: تخفيف الاستهداف العسكري وموضوع معابر الشمال من جهة، وإعادة نظر أمريكا بعقوبات قيصر ضد النظام السوري من جهة أخرى.
الملاحق؛
([1]) تم جمع البيانات من قبل فريق الرصد في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بناء على تصميم نموذج رصد مبين في الجداول، كما تمت مقاطعتها مع ملفات الرصد الخاصة بفريق منظمة إحسان.
خلال 2020 قررت غرفة عمليات الجيش التركي في إدلب إعادة تموضع ست نقاط مراقبة تركية حاصرها النظام خلال الحملة العسكرية التي شنها في نيسان 2020 على مواقع سيطرة قوات المعارضة في محافظتي حلب وإدلب في نيسان 2020، تلك المناطق التي كانت ضمن مناطق خفض التصعيد المتفق عليها في مؤتمر أستانة. ([1]) وهي من ريف حلب (عندان، الراشدين، قبتان الجبل) من ريف إدلب (صرمان) من ريف حماة (مورك، شير المغار) ([2])، كما أنه في مطلع عام 2021 تم سحب باقي النقاط الثلاث وهي من ريف حلب (العيس، الشيخ عقيل) من ريف إدلب (تل طوقان). ([3])
أثار هذا الانسحاب العديد من التساؤلات المتعلقة بالسيناريوهات الميدانية للخارطة العسكرية في إدلب مرة أخرى، وعليه يحاول تقدير الموقف هذا أن يقدم قراءة تحليلية للحركة العسكرية التركية ومدلولاتها ثم استعراض خارطة الأهداف المتعلقة بفواعل الأستانة وانعكاساتها على التطورات الميدانية المحتملة في إدلب؛ مبيناً الاتجاهات المستقبلية المتوقعة للمشهد الميداني.
بدأ النظام وبمساندة برية وجوية مباشرة من روسيا حملاته العسكرية على مناطق خفض التصعيد توالياً منذ 10 تشرين الثاني عام 2018. حيث بدأت أول عملية قضم في 02 شباط عام 2019، ([4]) وتلاها حملتين من قوات النظام في الفترة الزمنية بين 2019 و2020 وكانت أخر حملة في نيسان 2020 والتي تخللها مواجهة مباشرة بين النظام وتركيا، واستطاع النظام في هذه الحملات من فرض سيطرته على عدة مواقع مهمة، وتمكن أيضاً من تأمين طريق M5 ،من خلال سيطرته على خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب في إدلب وعلى الراشدين وسنجار وغيرها من النقاط الواقعة شرق الـ M5 في ريفي حلب الغربي والجنوبي .كما توضح الخريطة رقم (1):
الخريطة رقم (1) توضح توزع نقاط المراقبة التركية بعد الاتفاق الأول مع روسيا في 2018
تعتبر عملية القضم الأولى بمثابة أول اختبار للاتفاق الروسي التركي والذي برهن حينها أنه اتفاق هش سياسياً وعسكرياً لم تتمكن بنوده من ضبط هجمات النظام وحينها لم يبدر أي تحرك عسكري من الجانب التركي الأمر الذي لعب دورا أساسيا في قيام النظام بشن حملتين جديدتين خسرت خلالهما المعارضة عدة مواقع ونقاط استراتيجية، وترافقت تلك الخسارات بعد الحملة الثالثة من انتقال المفاوضات التركية والروسية من وزراء الدفاع إلى المكاتب الرئاسية والتي نتج عنها توقيع اتفاق بين الرئيسين بوتين وأردوغان ملحق إضافي لاتفاق سوشي في موسكو بتاريخ 5 آذار 2020 ([5])حيث نص الاتفاق على تسيير دوريات مشتركة على طريق M4 و وقف العمليات القتالية على خط التماس وفق تصريحات لكلا الرئيسين أردوغان وبوتين بتوصلهما لاتفاق على وثيقة مشتركة حول التسوية في سورية ([6])، ولعل أبرز الثغرات التي تستمر روسيا بالاستفادة منها في الاتفاق الحالي وكافة الاتفاقات السابقة لأستانة وسوتشي وحتى اتفاقية موسكو أنه لا يوجد فيها نص واضح وصريح يمنع الروس من عملية قضم أو عملية عسكرية([7]).
بتاريخ تشرين الثاني لعام 2020 اتخذت القوات التركية قرار إعادة تموضع النقاط من مناطق ذات خواصر رخوة إلى مناطق فيها خطوط دفاع أكبر ومناطق استراتيجية أكثر وبالتحديد في مناطق جبل الزاوية والتي تعتبر من الناحية الاستراتيجية خط الدفاع الأول فيما يتعلق بطريق الـ M4، كما توضح الخريطة (2):
الخريطة رقم (2) توضح نقاط المراقبة التي سحبتها تركيا وكيف إعادة تموضعها كانون الثاني 2021
تدلل الآلية التي اتبعها الجانب التركي في إعادة تموضع نقطة مورك ونقلها إلى قرية قوقفين في منطقة جبل الزاوية وتعزيزها بأرتال كبيرة من الجيش التركي على طبيعة التوجه الميداني لأنقرة والذي يتمثل في عدم التواجد في مناطق النظام خشية تعرضها للمزيد من الضغوط واحتمالات الانزلاق من جديد لمواجهات عسكرية مباشرة، والبدء بالتعامل مع إدلب كخيار عسكري استراتيجي عبر تغيير وظائف النقاط التركية من وظيفة المراقبة إلى قواعد عسكرية معززة ومدعومة بكافة أنواع الأسلحة مجهزة لأي عمل عسكري، والجدير بالذكر هنا أنه من المحتمل إنشاء نقطة جديدة في مدينة قدورة باتجاه مدينة سراقب ونقطة في حرش بنين مدعمتين بعتاد وتجهيزات عسكرية نوعية. ([8]) من جهة أخرى؛ ويعد هذا الانسحاب إجراء احترازي لعدم وقوع هذا النقاط كرهائن بيد قوات النظام والتي سيتم استخدامها للضغط على أنقرة، كورقة مفاوضات للحصول على هدف سياسي أو عسكري.
مما لا شك فيه؛ يطمح النظام لإعادة السيطرة على إدلب وذلك لعدة أسباب منها ما هو متعلق بضرورات "النصر" قبيل الانتخابات الرئاسية الجديدة إضافة إلى ما هو مرتبط بتنشيط الحركة التجارية بين الساحل وإدلب وحلب، وأيضاً إضعاف الموقف التفاوضي للمعارضة السورية عبر زيادة المكتسبات الميدانية وتوظيفها في التفاوض السياسي، ناهيك عن رغبته في السيطرة على الحدود مما يعني احتكاره للإدارة الأمنية والفوائد الاقتصادية للحدود. وقد تتبدى أولى غاياته في القيام بعمليات قضم باتجاه طريق M4 وجبل الزاوية باعتبارها منطقة جغرافية مرتفعة تمكن النظام من فرض طوق ناري على شمال إدلب في حال سيطر عليها. وذلك كله كتمهيد للسيطرة على معبر باب الهوى من أجل إيقاف الآلية الدولية للمساعدات وهو المعبر الوحيد الذي تدخل عبره المساعدات للمعارضة ويصبح مصير النازحين والمهجرين بيد النظام.
قد يعتري هذا الطموح المتخيل للنظام جملة من التحديات سواء تلك التي يفرضها مسار أستانة أو تلك المرتبطة بعدم امتلاك التكلفة المالية في ظل ما تشهده مناطق النظام من أزمات اقتصادية خانقة؛ وبالتالي فإنه سيمضي في الآونة الراهنة باتباع منهجية الاختراق والعمليات الأمنية السريعة من خلال افتعال تفجيرات واغتيالات وزرع خلايا أمنية صغيرة.
من جهة طهران فإنها ترمي للسيطرة على الفوعة وكفريا حيث أنه ومنذ انسحاب سكان مدينتي كفريا والفوعة وفق اتفاق الزبداني 24 أيلول عام 2015، ([9]) تعمل إيران على تقديم خطاب "إعادة السيطرة على كفريا والفوعة" " لميلشياتها معتبرة إياه "الجهاد". وفي سبيل ذلك ستسعى إيران لتحقيق أهدفها في إدلب عن طريق النظام وتكرار تكتيكاتها في حملات القضم الأخيرة عبر انتشار ميليشياتها في المناطق المستردة. وتعتبر الدينامية الأنسب لإيران في إدلب هو تحويل الانتشار العسكري إلى السيطرة الاجتماعية عن طريق إعادة توطين عوائل المقاتلين وتكثيف عمل المنظمات والجمعيات الإيرانية وتهيئة كما فعلت في دير الزور.
أما فيما يتعلق بالجانب الروسي فإنه يسعى من جهة إلى الحفاظ على منصة أستانة وما تستوجب من تفاهمات مع أنقرة ومن جهة أخرى تأمين الطرق الدولية وما تعنيه من عودة شريان الاقتصاد للحياة لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية الكبرى التي يشهدها النظام والتي من شأنها تخفيف الخنق الاقتصادي وجعل المكسب العسكري مكسباً مستمراً وإلا فإن الانزلاق المستمر للقوات الروسية في سورية سيبقى ذو كلف سياسية عالية.
على الرغم من قيام الجانب الروسي بمعارك البادية ضد تنظيم الدولة وما استلزمه من نقل العديد من الكتل العسكرية من إدلب إلى بادية حمص بالإضافة إلى ترقب الجميع لمعرفة الدور الذي تنوي الإدارة الأميركية الجديدة لعبه في إدلب، إلا أن هذا لا يعد مؤشراً كافياً لعدم اهتمام موسكو بتحصيل مكاسب في جبهة إدلب فإن المشهد الميداني العام في إدلب ينحو باتجاه أحد السيناريوهات التالية:
الأول: استمرار القضم: والذي يمكن أن يتم من خلال قضم جزئي أو اجتياح كامل، وفيما يتعلق بالقضم الجزئي فمن المرجح أن يبدأ من المنطقة الواقعة جنوب الـ M4، والتي شهدت ومنذ توقيع الاتفاق التركي والروسي الأخير المتعلق بنشر الدوريات المشتركة على طريق ال M4 عدة غارات من قبل الطيران الروسي ومدفعية النظام ومحاولات تسلل برية من قبل النظام والمليشيات الإيرانية باتجاه منطقة جنوب الأوتوستراد الواصل بين محافظتي حلب واللاذقية. وفي حال نجاح هذه المحاولات يكون الأوتوستراد أصبح تحت سيطرة النظام وروسيا بشكل كامل، وهذا يعني أيضا أنه لم يعد ضرورياً وجود الدوريات المشتركة بين الـأتراك والروس مع انسحاب فصائل المعارضة إلى شمال الأوتوستراد ([10]). بالإضافة إلى تمكن قوات النظام من فرض رصد ناري على ما تبقى من مواقع المعارضة في إدلب.
أما الاجتياح الكامل للمنطقة وعلى الرغم من كونه مستبعد نظراً لكلفته السياسية والإنسانية والاقتصادية فإنه سينحو إما باتجاه كامل للمنطقة والأرياف المحيطة بها وصولا حتى بلدة دارة عزة أو باتجاه اجتياح كامل لمدينة إدلب ماعدا الشريط الحدودي الممتد من دركوش وصولاً حتى سرمدا (وهي منطقة واقعة بين سلسلة جبال والحدود السورية التركية).
السيناريو الثاني فيتمثل بالتجميد، حيث أن سمة التجميد هي سمة المشهد الميداني وتثبيت الوضع على ما هو عليه وهو السيناريو الأكثر توقعاً وأن تبقى نقاط السيطرة على ما هي عليها خلال هذه الفترة وإعطاء الفرصة باتجاه أكبر للتفاهمات السياسية بين الأتراك والروس وهذا ما بدى من خلال اتفاق أستانة 15 الذي أكد على التهدئة في منطقة إدلب.([11]).
أياً كان السيناريو المتوقع؛ فهذا لا يلغي أهمية صمود تلك المناطق نظراً لتكلفة الخسارة استراتيجياً وعلى كافة الصعد السياسية والاقتصادية والإنسانية والاجتماعية وما سيلحقه من كوارث وتعثرات محتملة في سياسات الاستجابة؛ وهو أمر تدركه جيداً الفواعل الوطنية الأمنية والعسكرية والسياسية ولكنه يتطلب مزيداً من تدعيم مؤشرات الاستقرار الأمني والسير قدماً باتجاه نمط حوكمي رشيد وهندسيات عسكرية منضبطة ومصممه بغرفة عمليات مركزية معدة سلفاً لغايات الصمود وعدم تكرار سيناريو القضم.
([1]) أبرز محطات مفاوضات أستانا، الجزيرة تاريخ النشر04/07/2017، الرابط https://2u.pw/NGPQ9
([2]) نقاط المراقبة التركية في شمال غربي سوريا، صحيفة عنب بلدي، تاريخ النشر 19/12/2020، الرابطhttps://2u.pw/6btvQ
([3]) مقابلة أجرتها الباحثة مع محلل عسكري في تاريخ 30 كانون الأول 2020 على منصة زووم
([4]) ورشة قام بها مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عن السيناريوهات الميدانية المتوقعة لإدلب لعام 2021 في تاريخ 30 كانون الأول 2020 على منصة زووم مع مختصين في الشأن العسكري والمدني.
([5]) لافروف يعلن بنود الاتفاق الروسي التركي. عربي سبوتنيك، تاريخ النشر. 05/03/2020.الرابط https://2u.pw/hrgfz
([7])ورشة قام بها مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عن السيناريوهات الميدانية المتوقعة لإدلب لعام 2021 في تاريخ 30 كانون الأول 2020 على منصة زووم مع مختصين في الشأن العسكري والمدني.
([9]) اتفاق الزبداني-الفوعة وكفريا، الميادين تاريخ النشر 29/12/2015.الرابط https://2u.pw/ysYLQ
([10]) مقابلة مع خبير في الشؤون العسكرية والميدانية في تاريخ 7 كانون الثاني عام 2021 على منصة الزووم.
([11]) مقابلة مع خبير في الشؤون العسكرية والميدانية في تاريخ 9 كانون الثاني عام 2021 على منصة الزووم.
([12]) ورشة قام بها مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عن السيناريوهات الميدانية المتوقعة لإدلب لعام 2021، مرجع سابق.
بتاريخ 12 تشرين الثاني 2020 وفي حديث لموقع السورية نت قدم الباحثان في مركز عمران للدراسات معن طلاع وأيمن الدسوقي تعليقهما حول مؤتمر عودة اللاجئين الذي تم عقده بدمشق. حيث أكد طلاع على ان الرسالة الأبلغ للمؤتمر هو مقايضة المجتمع الدولي عبر صفقة عودة اللاجئين مقابل رفع العقوبات.
كما اعتبر الدسوقي أن موسكو تسعى من خلال رعايتها للمؤتمر إلى التأكيد على انتقال أولوياتها في سورية من أهداف أمنية / عسكرية إلى استحقاقات سياسية واقتصادية.
للمزيد: https://bit.ly/2UrbJKw
بتاريخ 11 تشرين الثاني 2020 وفي معرض حديثه لراديو روزنة حول مؤتمر اللاجئين أكد الباحث منير الفقير أن رعاية روسيا للمؤتمر تأتي كمحاولة أخيرة لكسر عزلة النظام ومنحه بعض الشرعية، ولفت الفقير إلى أن الروس مقتنعين بأن عملية الحل السياسي عبر اللجنة الدستورية باتت عملية متعثرة وأن العمل العسكري لن يقدم أي خطوة بالنسبة لهم، لذلك لابد من إعادة شرعنة النظام في مناطق سيطرته.
للمزيد: https://bit.ly/3pqhx5g
بتاريخ 13 تشرين الأول 2020، وخلال مقابلته مع جريدة القدس العربي، رأى الباحث لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد منير الفقير، أن تجزئة الخلافات بين موسكو وأنقرة لا تتم بين الطرفين عمودياً بل أفقياً، بمعنى أن ساحة الخلافات التكتيكية على المستويين الأمني والعسكري ممتدة من أذربيجان إلى ليبيا مروراً بسورية، وهذا منفصل عن ملفات التعاون والتنسيق الأخرى بين البلدين كالاقتصادية وغيرها، معتقداً الفقير أن الخيارات في إدلب ومحطيها مفتوحة للتصعيد وليس للحسم على أي صعيد في الفترة المقبلة وصولاً إلى لحظة الانتخابات الأمريكية.
المصدر القدس العربي: https://bit.ly/3kdIplY
عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع رابطة المستقلين الكرد السوريين جلسة حوارية بعنوان: "تطورات المشهد السياسي وتحديات الواقع المحلي"، وذلك يوم السبت 26 ايلول/ سبتمبر 2020، بمدينة عفرين، بهدف مناقشة تطورات المشهد السياسي السوري، وتحديات الواقع المحلي.
أدار النقاش القيادي في “رابطة المستقلين الكرد السوريين” آزاد عثمان، وحاضر فيها كلاً من المدير التنفيذي لمركز عمران، الدكتور عمار قحف، ومدير البحوث في المركز، معن طلّاع، موضحاً الأخير أن الهدف من الجلسة هو “رسم الإطار العام للمشهد السياسي وتحولاته، ونقاش السيناريوهات والوقوف على أهم التحديات المحلية بعموم سورية”.
مضيفاً مدير مكتب “رابطة المستقلين الكرد السوريين” بعفرين وعضو مجلس عفرين المحلي، آزاد عثمان أننا: ”نعلم ما يعانيه وطننا من قتل وتشرد وسجون وتدمير في البنى والاقتصاد، وكله بسبب ممارسات هذا النظام المجرم الفاسد، الذي رهن سورية لإيران وروسيا تحدياً لرغبة الشعب في الحرية والتغيير نحو وطن حر وعادل”.
مؤكداً على ضرورة “التآلف بين مكونات الشعب السوري على أساس الاحترام المتبادل، والبحث بشكل جماعي عن حلول للخروج من حالة اليأس ودعم الحراك السياسي والسلمي للثورة”.
ومن الجدير ذكره؛ أن الجلسة حضرها 22 شخصية مدنية فاعلة، وانقسم المجتمعون إلى قسمين؛ الأول “مرحب بالجلسة لأنها تناقش موضوع وطن”، والثاني “يرغب في مناقشة الوضع المحلي وخاصة ما يخص الانتهاكات وكيفية توفير الأمان في المنطقة”.
عكس ظهور رامي مخلوف بحمولة من الرسائل والدلالات، استثنائية الحدث وحجمه، خاصة ضمن التوقيت والسياق الحاليين للملف السوري. الاستثنائية التي تكمن بداية في الخروج عن المألوف لناحية سلوك أحد رموز النظام في التعاطي مع الإشكاليات الداخلية وتصديرها، تحديداً تلك المتعلقة بجزء من نظام الحكم والمقربين من الدائرة العائلية، والذين لطالما أحيطت بهم هالة من التقديس والسريّة، ساهم ظهور مخلوف بكسرها عبر تصديره إشكالية مركّبة (سياسية-اقتصادية-عائلية-دولية) إلى مستوى مختلف تماماً، تمثل بالرأي العام والشارع.
ولا تكمن الاستثنائية في رد فعل رامي مخلوف فقط، وإنما تمتد أيضاً إلى سلوك آل الأسد وعقلية السلطة والنظام، والذي لم يؤمن يوماً بهذا النوع من المحاسبة في إطار تشويه سمعة لأي من أركانه ورموزه ضمن دائرة الحكم، خاصة العائلية والطائفية، فرفعت الأسد الذي حاصر دمشق بالجيش وزاحم أخاه السلطة، خرج في إطار صفقة ضمنت لهُ امتيازات عدة، أقلها تحفّظ الإعلام الرسمي حتى الآن عن تناوله وتشويه سمعته.
وكذلك غازي كنعان، الذي أتى بما لم يأتِ به رامي وهدد السلطة بمخطط انقلاب، ورغم انتحاره/تصفيته فقد حظي بجنازة عسكريّة. ولا يبدو أن النظام قد أحدث أي تغيير في تلك العقلية ضمن ظروف أكثر حساسية واتجاه شخصيات أقل وزناً، كعاطف نجيب في مطلع العام 2011، فكيف برامي محمد مخلوف ونفوذه؟ والذي لا يبدو ظهوره إلا ذروة لخلاف كان يتفاعل منذ وقت.
فقد تعرض مخلوف خلال العامين الفائتين لحملات مُنظّمة ومتتالية على مستويات مختلفة، تعددت أشكالها غير الرسمية، لتنتهي اليوم بوضعه كغريم لـ "القانون" الممثل بـ"الدولة"، والتي خاطبها رامي بشكل مباشر في ظهوره دون ذكر كلمة الحكومة أو أي من أجهزتها المعنية بالإشكالية، وذلك ليس فقط لوعيه "الفطري" بأنه جزء منها ومن النظام المُسيطر عليها، وإنما لإدراكه الكامل أن القرار الذي اتُخذَ بحقه هو قرار سياسي أولاً، يتجاوز مبلغ 233.8 مليار ل.س، والذي لم يحتج على دفعه، وإنما على السياق وآليات التحصيل، وما بعده؟.
ولعل الخصوصية المركّبة لرامي مخلوف مقابل طبيعة التحركات والإجراءات التي يتخذها النظام بحقّه عبر مؤسسات الدولة، تعطي مؤشرات لملامح تحوّل في بنية النظام، على الأقل الاقتصادية، فمخلوف ليس مجرد ابن خال الرئيس، ورجل أعمال مهيمن على الحصّة الأكبر من الاقتصاد السوري، وإنما يمثل منظومة داخل منظومات متداخلة، عائلية وطائفية وعشائرية.
وهو ابن محمد مخلوف عرّاب بشار الأسد وأحد أهم الذين وقفوا معه في سنوات حكمه الأولى، خاصة في وجه الحرس القديم، والذي تمتد قوته في شجرة السلطة إلى أنيسة مخلوف، وآل مخلوف الذين ينحدرون من عشيرة الحدادين التي تشكل قوة داخل البنية العشائرية للطائفة، وكذلك العائلة ذاتها داخل العشيرة.
فضمن السياق السوري، لا يمكن التعاطي مع رامي مخلوف كشخص فقط، بقدر ما هو جزء من مرحلة كاملة وتحوّل رافق حكم بشار الأسد وسياسات الانفتاح الاقتصادي (النيو ليبرالية)، التي صعّدت طبقة رجال أعمال مقربين تغولوا في السوق على حساب تراجع دور الدولة والقطاع العام، التحول الذي أخلّ بتوازنات حافظ الأسد، ليس على مستوى شكل الاقتصاد فحسب، وإنما على مستوى تجاوز هيمنة الطائفة، عبر النظام، للجيش والأجهزة الأمنية والاكتفاء بالإتاوات من التجّار، إلى الإطباق على الاقتصاد السوري.
وقد شكّل رامي مخلوف وعائلته وعدد من أبناء رموز نظام الأسد الأب أداةً لهذا الإطباق، من خلال شركات وبنوك واستثمارات في مختلف القطاعات وصلت حد الاحتكار والتشبيح الاقتصادي، وتسخير أجهزة الدولة لخدمة هذا الاحتكار ومنع كسره عبر قوانين مصممة له، وبذلك ضيّق الهامش لباقي رجال الأعمال من مختلف المكونات، والذين يعملون أيضاً في المتاح اقتصادياً ويشاركهم رامي في أغلبه، بعكس التوازنات التي كانت راسية عهد الأسد الأب والقائمة على ترك الاقتصاد للنخبة التقليدية من السُنّة والمسيحيين، في إطار تحالفات وتوازنات اقتضتها ضرورات تثبيت السلطة.
وكما مثّل صعود رامي مخلوف جزءاً من مرحلة وتحولاً في بنية النظام السوري، فإن أفُولهُ اليوم ومحاولات تحجيمه وإزاحته عن الساحة الاقتصادية، قد تشير إلى بدايات وملامح تحوّل جديد، لا يبدو مخلوف المحطة الأخيرة ضمنهُ. التحوّل الذي يحمل سمة القسريّة ويسعى النظام إلى إحداثه في بنيته ضمن دوافع وسياقات معقّدة، منها داخلية تتعلق بتغيير الأولويات بعد تراجع العمليات العسكرية وما ظهّرته من إشكاليات مركّبة، انعكست بشكل أزمات اقتصادية مزمنة يعيشها النظام على عدة مستويات، ومالها من آثار عميقة على حركة الحياة العامة والمعيشة.
وأُخرى خارجية، تمثلت بتصاعد أثر العقوبات الاقتصادية واقتراب فرض قانون قيصر، كضغط دولي سياسي-اقتصادي لدفع النظام لإحداث تغيير في "سلوكه" بحسب تعبير الولايات المتحدة، والذي لا يبدو أنه سيحدث دون تغيير في البنيّة. مقابل ضغط الحلفاء الاقتصادي في إطار استرداد فاتورة التدخل العسكري، والتزاحم على التغلغل في بنية الاقتصاد السوري والتنافس على تحصيل عقود طويلة الأمد في قطاعاته الحيوية، والتي تحاول إيران التموضع ضمنها عبر شبكاتها الاقتصادية ووكلائها المحليين، مقابل نشاط موسكو وشبكاتها وما يرافقه من محاولات للتغلغل وإعادة هيكلة بعض قطاعات ومؤسسات الدولة، بما يتوافق ومصالحها ورؤيتها للحل السياسي وتفاهماتها مع اللاعبين الإقليميين والدوليين.
وقد ساهم هذا المناخ إضافة لعوامل أخرى، بصعود طبقة رجال أعمال جدد كوكلاء للحلفاء في عدة قطاعات، والذين ساهموا برسم شكل جديد للسوق عبر التغول أكثر على حساب "الدولة" التي تحولت إلى طرف ميليشياوي وشريك أمني وليس اقتصادي.
في تلك السياقات المعقّدة وما يتخللها من ضغوطات داخلية وخارجية، يبدو أن الأسد يسعى لإحداث تحوّل في جزء من بنيّة النظام، عبر براغماتية توائم بين مصالحه الخاصة والضغوطات المتعددة، فكما يناور النظام في هامش التنافس بين حلفائه، فإنه أيضاً يحاول التكيّف مع ضغوطاتهم، خاصة الروسية منها، عبر محاولات التوفيق بين مصالحه ومصالحهم ومقاطعتها.
ولعل مخلوف أحد أمثلة هذا التقاطع، الذي اقتضى سلسلة تحركات باتجاه تحجيم نفوذه، إذ لم تكن الإجراءات الأخيرة ضده هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها أخرى على مستويات وفترات مختلفة، كحلّ ميلشيات "الحزب القومي السوري" المدعومة منه، إضافة إلى مليشيات أخرى، مقابل التضييق على أعمال جمعية البستان والحجز على بعض الشركات.
وفي هذا السياق لم يكن رامي الوحيد، ولكنه الأبرز، فقد تزامنت تلك الحملات مع أخرى استهدفت شرائح مختلفة من الشبكات الاقتصادية (ضباط، رجال أعمال، تجّار) وفرضت بدايةً محاصصتهم في الكسب الذي حققوه خلال سنوات الصراع، وذلك في إطار إعادة تعريف علاقة النظام بهم.
ويبدو أن تحركات النظام تأتي كمحاولات لإعادة ترتيب مراكز القوى، وفرض نفسه عبر الدولة الساعية إلى استعادة أدوارها، والتي تنازلت عن العديد منها بعد العام 2011، سواء في الشق الاقتصادي أو العسكري، وفوضتها لمليشيات مسلحة وشبكات اقتصادية بشكل يتلاءم وطبيعة الصراع المسلّح وما أفرزه من أشكال لاقتصاد الحرب على مرّ الأعوام الفائتة.
وربما يتقاطع ذلك مع ما أشار إليه بشار الأسد خلال لقائه بــ "المجموعة الحكومية لمكافحة الـكورونا" والمؤلفة من وزارات ومؤسسات الدولة، اللقاء الذي تلا الظهور الأخير لرامي مخلوف بأيام قليلة ونشرته رئاسة الجمهورية عبر معرفاتها الرسمية، وأكد خلاله الأسد على "ضرورة إعادة دور الدولة كلاعب على مستوى الاقتصاد وضابط للسوق".
ذات الخطاب حمل تلميحات غير مباشرة ومدروسة باتجاه قضية مخلوف، فمجرد الظهور بالفريق الحكومي واستعراض ملفات عديدة و"تحديات المستقبل"، بدا كردّ "الدولة التي تنشغل بملفات أكبر من أفراد"، وهذا هو سلوك النظام الرسمي والتقليدي في التعاطي مع أزماته الحساسة، عبر تجاهلها والحرص على تظهير الدولة كطرف وليس الشخص أو العائلة أو الطائفة.
ولا تبدو محاولات استعادة دور "الدولة" على المستوى الاقتصادي منفصلة عن باقي المستويات، فقد رافق إجراءات النظام في الجانب الاقتصادي تحركات على مرّ العامين الفائتين باتجاهات مختلفة، منها حلّ بعض المليشيات وإعادة تنظيم ودمج بعضها الآخر في الجيش، وذلك أيضاً في إطار إعادة ضبط وتعريف العلاقة بينها وبين "الدولة"، الأمر الذي استدعى أحياناً الصدام معها وبعض العوائل والأسماء المتنفذة التي تدعمها، كما حدث سابقاً في الساحل السوري 2018-2019، خاصة مع تحوّل تلك المليشيات إلى شبكات عائلية وأمنية، تنافس سطوتها في مناطقها "الدولة".
ولعل القاسم المشترك في أغلب تحركات النظام على المستويات السابقة، هو الغطاء الروسي، خاصة في تلك التي تستدعي صداماً مع مراكز القوى داخل النظام والعائلة والطائفة، واحتواء أي آثار محتملة لهذا الصدام. وفي هذا السياق لا تبدو أسماء الأسد ورجال الأعمال المقربين منها قوة كافية في مواجهة هذا النوع من الصدامات، خاصة ضمن بنيّة نظام الأسد المركّبة، والتي يبدو فيها دور أسماء الأخرس منفعلاً ومرسوماً، أكثر من كونه فاعلاً وعاملاً حاسماً في إحداث تحولات داخل البنيّة.
وهذا لا يعني التقليل من دور "السيدة الأولى" وأثره، بقدر ما هو إشارة إلى الدور الروسي كغطاء رافق هذا النوع من تحركات النظام السابقة، الغطاء ذاته الذي قد يتراجع أحياناً للضغط على النظام، ويعود لدعمه في حال الاستجابة. ويبدو أن الحملة الروسية غير الرسمية، التي شنت هجوماً على الأسد قبيل ظهور مخلوف، جاءت في هذا السياق، خاصة وأنها ركزت على توصيفي (ضعيف، فاسد)، لتأتي تحركات الأسد تجاه مخلوف كإثبات للعكس في ظاهرها، بينما بدت في العمق كرد منسجم مع مطالب الحملة، أكثر منه تحدٍ لموسكو.
وخلال استجابة النظام للضغوطات المركّبة عبر ديناميات داخلية جديدة، يبدو أنه بشكل أو بآخر يرسل إشارات تُعبّر عن رؤيته الخاصة لحجم التغيير المحتمل وسقف التنازلات التي قد يقدمها خلاله، فيما بدا وكأنه أشبه بالعودة إلى توازنات حافظ الأسد في بعض المستويات، والتي تقتضي إعادة فتح المجال الاقتصادي، وربما التنازل في غيره من المجالات مستقبلاً بما ينسجم مع حجم الضغوط والمرحلة المقبلة، ولكن دون التنازل في البنيّة الرئيسية المتمثلة بالإطباق على الجيش والأجهزة الأمنية، كصمام أمان النظام وأداته للتحكم والهيمنة على البلاد.
إذ يحاول النظام التكيّف مع الضغوط الخارجية للتغيير في بنيته الطائفية والعائلية، عبر التمسك بالجيش والأجهزة الأمنية وفتح ما دونهما لمشاركة الأغلبية السُنية من الموالين، في محاولة للاستمرار بعزل المعارضة وعدم الاعتراف بها، والإيحاء بأن الصراع في سورية طائفي على الحكم، ويمكن حلّه بتوسيع هامش مشاركة السُنة وباقي المكونات في مجالات مختلفة.
فرغم هذا التحوّل الذي يقوده الأسد على المستوى الاقتصادي أو الإيحاء به على مستويات أخرى؛ إلا أن الأجهزة الأمنية والجيش لم يشهدا إلى الآن أي تغيير حقيقي، خاصة لناحية الهيمنة الطائفية، بل على العكس زاد تغول تلك الهيمنة على مستوى المراكز القيادية، وهذا ما أثبتته دراسة صادرة عن "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، تناولت طبيعة شاغلي المراكز القيادة في الجيش، والتعديلات التي طرأت عليها حتى العام 2020.
يدرك النظام أن اللجوء إلى مستويات من توازنات حافظ الأسد، ليس إلا تكيّفاً مرحلياً في واقع اختلفت فيه توازنات سورية والمنطقة، وتأقلماً مع حجم الضغوطات الداخلية لسنوات الصراع، وضغط المجتمع الدولي وداعميه، وذلك كمحاولة للتملص من إحداث تغيير حقيقي في سورية عبر مشاركة المعارضة وإعادة هيكلة أجهزة الدولة بما فيها القطاع الأمني، الأمر الذي يبدو أنه لم يعد رهناً بإرادة بشار الأسد وتصوراته، بقدر ما تحول إلى عملية خاضعة لتفاهمات ومصالح الفاعلين في القضية السورية.
فرغم أن تحولات مراكز القوى قد تشير إلى تصدع في بنيّة نظام الأسد، إلا أنها وبالوقت ذاته ليست مؤشراً كافياً على تآكل تلك البنيّة أو تغييرها بالكامل، الأمر الذي بات مرتبطاً بعوامل إقليمية ودولية مختلفة، وتوافقات بين لاعبين متعددين بمصالح متضاربة، سيشكل التوفيق فيما بينها أساساً لأي حل سياسي قادم، وتحديداً لشكل النظام الجديد وموقع الأسد ضمنه.
قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، بدر ملا رشيد، تصريحاً صحفياً لجريدة عنب بلدي ضمن مادة حملت عنوان: "الأمريكيون حجر عثرة.. عين روسيا على شرق الفرات".
وبحسب رأي الباحث بدر؛ هناك انسجام بين الهدف الروسي من الضغط على الولايات المتحدة و”الإدارة الذاتية”، وبين الهدف الروسي في سورية عمومًا، إذ ترمي روسيا لمساعدة النظام للسيطرة على كل الجغرافيا السورية، ما جعل من قرار انسحاب واشنطن الشامل من سورية العام الماضي، جائزة مجانية منحتها واشنطن لروسيا وإيران والنظام.
لكنّ التراجع الأمريكي خفّض سقف التوقعات والرغبات الروسية فيما يخص إعادة بسط السيطرة على كامل الأراضي السورية وشبكات الطرق الدولية، وفيما يخص شمال شرقي سورية بالسيطرة والتحكم بمخزون سورية من النفط والغاز والقمح.
وهذا ما سيدفع بروسيا دومًا للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، سواء لزيادة نفوذها المباشر في مناطق شرقي القامشلي وجنوبها، أو لدفع واشنطن لتقبل أكثر بصيغ الحل النهائي التي تحاول روسيا فرضها عبر السلاح، وفق رأي الباحث.
للمزيد انقر رابط المصدر: https://bit.ly/2Ldg2oc
وسط القلق العالمي المتزايد على وقع تفشي جائحة "كورونا المستجد" (كوفيد 19) وما رافقها من آثار وتهديدات على عدة مستويات؛ أعلن نظام الأسد في 23آذار/مارس عن وصول الفايروس إلى سورية رسمياً، بعد التصريح عن إصابات وأولى الوفيات، مقابل إجراءات احترازية في محاولة احتوائه؛ لتتحول بذلك التخوفات إلى واقع يفتح الباب واسعاً أمام تحليلات آثار هذا الفايروس وتداعياته المتوقعة على عدة قطاعات ومستويات في البلد المُنهك. وعليه تحاول هذه الورقة تقديم قراءة تحليلية في الانعكاسات المحتملة على الملف السوري، خاصة في المستوى العسكري والجبهات المتعددة ضمن مناطق النفوذ الثلاث (معارضة، نظام، قسد)، إضافة إلى الآثار المحتملة على طبيعة التواجد الأجنبي في البلاد، مقابل العملية السياسية وآفاقها المتوقعة وسط المناخ الذي يفرضه الفايروس من البوابة الإنسانية وقابلياته للاستثمار السياسي.
تبدو فرضية تجميد الجبهات وتقويض العمليات العسكرية التقليدية نتيجة انتشار الفايروس منطقية حتى الآن، على الأقل في الفترة الحالية، والمتمثلة بالمواجهة الأولى مع الوباء والارتباك في احتوائه ومعالجة آثاره المتعددة، خاصة مع التخوف من تفشيه داخل القطع العسكرية والمليشيات ومجاميع الفصائل، إضافة إلى عدم القدرة على فتح معارك كبرى، تلك التي من الممكن أن تؤدي إلى عدد كبير من الجرحى يزيد الضغط على القطاع الطبي المشلول أساساً في مناطق المعارضة، والعاجز في مناطق النظام، إضافة إلى ما قد يترتب على تلك المعارك من نفقات وميزانيات سيضطر النظام إلى حرفها باتجاه قطاعات أخرى.
ناهيك عن محاولات موسكو والنظام تجنب أي قصف جوي تقليدي يُخرجُ المزيد من النقاط الطبية والمستوصفات والمشافي عن الخدمة أو يستهدف البنى التحتية الرئيسية، وذلك لا يبدو خوفاً على المدنيين أو حرصاً على القطاع الطبي في تلك المناطق، وإنما تجنباً لحرج حقيقي أمام المجتمع الدولي في ظل جائحة تهدد الإنسانية، خاصة في الوقت الذي يسعى فيه النظام وحلفاؤه إلى استغلال هذا الظرف الإنساني لإحداث خرق في جدار العقوبات الاقتصادية (الأوروبية-الأمريكية)، إضافة إلى محاولات الإفادة منها كمدخل للتطبيع والمساعدات وإعادة العلاقات العلنية مع بعض الدول العربية-الخليجية، أو فتح قنوات تواصل جديدة عبرها باتجاه قوى مختلفة، قد تكون غربية.
وضمن إطار الإجراءات الاحترازية في مواجهة تفشي المرض؛ أصدرت القيادة العامة لجيش الأسد أمرين إداريين ينهيان الاحتفاظ والاستدعاء للضباط الاحتياطيين المحتفظ بهم والملتحقين من الاحتياط المدني، اعتباراً من 7 نيسان المقبل، لكن بشروط تحددها مدة الخدمة، إضافة إلى تسريح بعض دورات الاحتفاظ ([1])، فيما بدا تخوفاً من تفشي الفايروس داخل القطع العسكرية للجيش. مقابل موسكو التي اتخذت إجراءات احترازية صارمة داخل قاعدتها العسكرية في حميميم، إضافة إلى ضبط احتكاك جنودها بالضباط السوريين والسكان. في حين لا تتوافر معلومات دقيقة حول المليشيات الإيرانية، والتي سجّلت بحسب تقارير أعلى نسب إصابات داخل سورية، سوى نقل بعضهم إلى نقاط طبية في العراق للعلاج، عبر المعبر الوحيد الذي لم يغلق (البوكمال)، إضافة إلى عزل بعض مناطق نفوذهم كحيّ "السيدة زينب" في جنوب العاصمة دمشق، بينما اكتفى حزب الله في التصريح على لسان أمينه العام أنه "يقوم بفحص مقاتليه قبل إرسالهم إلى سورية حرصاً على عدم نقل العدوى إليها، وفحصهم أثناء عودتهم لضمان عدم نقلها إلى لبنان" ([2]). بما يشير إلى عدم تأثر تواجد الحزب بالفايروس والاكتفاء بالإجراءات الاحترازية، حتى الآن.
كل تلك الإجراءات، وما قد يلحق بها من قرارات أخرى على وقع تفشي الجائحة في البلاد، تشير، حتى الآن، إلى قدرة الفايروس على فرض هدنته الخاصة والحدّ والتقويض من العمليات العسكرية التقليدية، ولكن وفي الوقت نفسه لا يعني أبداً نهايتها أو تجميدها، بل قد تتخذ مبدئياً أشكالاً مختلفة تتراجع فيها المعارك الميدانية التقليدية لصالح تزايد النشاط الأمني واتخاذ تكتيكات جديدة تتناسب وتحقيق مصالح كل طرف.
فعلى الرغم من انحسار قصف النظام وحلفائه لمناطق المعارضة، إلا أن الخروقات للاتفاق الروسي-التركي استمرت من طرف النظام، عبر قصف صاروخي استهدف أرياف مدينة إدلب بتاريخ 31 آذار/مارس و 1نيسان/أبريل([3])، بالإضافة إلى فتح النظام معارك محدودة على جبهات أخرى كالسويداء، حيث يخوض الفيلق الخامس اشتباكات متقطعة مع فصائل محليّة "رجال الكرامة"([4])، مقابل ملاحظة زيادة وتيرة الاغتيالات في درعا بين صفوف قياديين في المعارضة السورية، ممن وقعوا على اتفاقيات التسوية([5])، الاغتيالات التي يُرجّح أن النظام يقف وراءها بشكل مباشر، خاصة أنها تأتي في سياق توترات عاشتها المحافظة خلال شهر آذار، أدت إلى اقتحام قوات النظام مدن وبلدات عدة في أرياف درعا، ماتسبب بمقتل وجرح عدد من الطرفين وتهجير 21 من مقاتلي المعارضة إلى الشمال السوري.
ويقابل اغتيالات الجنوب، ارتفاع معدلات التفجيرات عبر السيارات المفخخة والاغتيالات التي طالت قياديين في "الجيش الوطني" ضمن مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون"([6])، إضافة إلى إدلب خلال الأسبوع الفائت([7])، وعلى الرغم من تعدد الجهات التي قد تقف وراء اغتيالات الشمال، كغرفة عمليات "غضب الزيتون" التابعة لـ(PYD)، إضافة لخلايا "داعش" في المنطقة وبعض المجموعات المتشددة، إلا أن النظام وخلاياه يعتبرون أحد أبرز المتهمين بتلك العمليات، بينما تبنّت "قسد" اغتيال أحد القيادين في "الجيش الوطني"، ضمن محيط بلدة عين عيسى في ريف الرقة إثر استهدافه بصاروخ حراري بتاريخ 30 آذار/مارس، وادعائها أن ذلك جاء "رداً على محاولات تقدم للجيشين الوطني والتركي"([8])، واللافت أن هذا التوتر في محيط البلدة سبقهُ بأسبوع وصول تعزيزات للنظام إلى محيطها.
بالمقابل، يُلحظ نشاط متزايد ولافت لتنظيم الدولة الإسلامية في ظل انتشار الفايروس، والذي وصفه التنظيم بـ "أسوأ كوابيس الصليبيين"، وذلك ضمن افتتاحية حول فايروس "كورونا" في طبعة 19 آذار/مارس من نشرة "النبأ" التابعة له، معتبراً أنهُ "سيُضعف من قدرات أعداء التنظيم وسيعيق إرسالهم للجنود لمحاربة المجاهدين، داعياً أنصاره إلى زيادة نشاطهم خاصة باتجاه تحرير الأسرى وتكثيف الهجمات التي تزيد من ضعف أعداء التنظيم ([9])".
وقد كثّف التنظيم من عملياته باتجاه قوات "قسد" والنظام السوري على حد سواء، حيث أعلن عبر وكالة أعماق 29 آذار/مارس عن أسرّ عناصر من "وحدات الحماية" في ريف الحسكة وإعدامهم، كما تم تنفيذ سلسلة تفجيرات في مدينة الطبقة بريف الرقة، لم يتبناها التنظيم، ما دفع البعض لتوجيه الاتهام للنظام السوري في إطار محاولاته لتهيئة بيئة من الفلتان الأمني. وبالتزامن مع عمليات تنظيم الدولة في ريف الحسكة، أعلنت صفحات محليّة في دير الزور عن فقدان الاتصال مع مجموعة من المليشيات الإيرانية في بادية البوكمال إثر قيامها بجولة تفقدية، كما نشر التنظيم إصداراً جديداً حول عملياته العسكرية التي يقوم بها في البادية السورية، وتحديداً في قرى منطقة السخنة التابعة لريف حمص الشمالي، في محاولة منه لإيصال رسالة بأنه ما زال موجوداً، ويظهر التسجيل مهاجمة شاحنات وأرتال عسكرية لقوات النظام ، إلى جانب عمليات إعدام لمقاتلين قال التنظيم إنهم من عناصر النظام أو "لواء القدس" المدعوم إيرانياً([10]).
وتزامن ذلك مع محاولات الاستعصاء والهروب التي نفذها عناصر التنظيم في سجن "الصناعة" ضمن حي غويران بمحافظة الحسكة، وهروب عدد منهم، وسط تصريحات متضاربة من قيادات "قسد" حول هذا الهروب، مقابل تصريحات المتحدث باسم التحالف، الكولونيل مايلز كاجينز، والتي خففت بشكل أو بآخر من وقع الحادثة، فيما يبدو أن قسد تسعى لتضخيمها، حيث اعتبر كاجينز أن "السجن لا يضم أي أعضاء بارزين في تنظيم داعش"[11]) )، الأمر الذي قد يشير إلى مبالغة قوات سورية الديمقراطية في موضوع أسرى تنظيم الدولة وإثارة الموضوع بهذا التوقيت بالذات، وذلك ربما لتمرير المحاكم العلنيّة التي تدفع بها الإدارة الذاتية لمحاكمة عناصر تنظيم الدولة الذين ترفض دولهم استقبالهم، إضافة إلى استغلالها كورقة سياسية-أمنية لتحصيل المزيد من الدعم الغربي في إطار مكافحة الإرهاب. والأهم من ذلك، أنها تعكس أيضاً تخوف "قسد" من الانكفاء الذي يقوم به التحالف في العراق واحتمالية امتداده إلى سورية عبر تخفيض عدد الجنود أو إعادة انتشار محتمل شرق الفرات، خاصة وأن "قسد" اتبعت سلوك الاستثمار والتلويح بعودة "داعش" عدة مرات، ليس آخرها مع بدء العملية العسكرية التركية "نبع السلام" وإعلان ترامب سحب القوات الأمريكية شرق الفرات، حين أعلنت عن هروب سجناء من تنظيم الدولة، نتيجة القصف التركي الذي استهدف مواقع السجون، ليأتي بعدها تصريح ترامب في تاريخ 14/10/2019 ويتهم فيه قوات سورية الديمقراطية "بتسهيل هروب السجناء، لابتزاز القوات الأمريكية والتحالف الدولي"([12]).
كما رافق نشاط التنظيم المتزايد في أرياف محافظات (الرقة، دير الزور، الحسكة)، رصد عبور عدد كبير من عناصر التنظيم الحدود السورية باتجاه الأراضي العراقية، ما دفع الحشد الشعبي في الجانب العراقي إلى جانب وحدات من الجيش العراقي "اللواء 44" و"51" وعدة قطع عسكرية، وبإسناد من طيران الجيش ومقاتلة الدروع في "الحشد الشعبي"، للاستنفار وإطلاق عملية عسكرية جديدة ضد عناصر تنظيم الدولة تحت اسم "ربيع الانتصارات الكبرى"، بحسب بيان صادر عن الحشد الشعبي بتاريخ 30 آذار/مارس، وتزامنت العملية مع هروب عناصر التنظيم من سجن الحسكة، إضافة إلى عودة تحليق طيران التحالف في السماء السورية([13]).
ويبدو أن تنظيم الدولة ينظر إلى آثار الفايروس كظروف ملائمة لإعادة تكثيف نشاطه العسكري وهجماته على عدة جبهات، الأمر الذي سيرتب ضغطاً مضاعفاً على قوات "قسد" في مناطق نفوذ الإدارة الذاتية، كما سيشكل بالنسبة لها مجال استثمار جديد لتحصيل المزيد من الدعم الغربي في مواجهة "داعش". وعلى الجانب الآخر قد يشكل نشاط "داعش" استنزافاً لقوت النظام والمليشيات الإيرانية المتواجدة في ريف دير الزور الشرقي وبادية حمص، كما أن نشاط خلايا التنظيم قد يطال مناطق نفوذ المعارضة السورية عبر الاغتيالات والتفجيرات، الأمر الذي قد يعطي فرصة جديدة لهيئة "تحرير الشام" لتصدير نفسها كقوة محلية قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية، والتي ستمثل لها بوابة للتنسيق مع قوى إقليمية ودولية، خاصة وأن مناطق المعارضة السورية قد لا تقتصر على نشاطات تنظيم الدولة، وإنما قد تفسح أيضاً المجال لبعض المجموعات المتشددة التي ستجد في الظروف الحالية والارتباك الأمني والعسكري فرصة ملائمة لتنفيذ عملياتها باتجاه عرقلة الاتفاق التركي-الروسي، أو باتجاه تصفية حسابات مع فصائل محددة في إطار الصراع على النفوذ، إضافة لاحتمالية زيادة نشاط خلايا النظام الأمنية، عبر التفجيرات والاغتيالات لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
على مستوى مختلف، يبدو أن فايروس "كورونا" فرض على بعض الدول سياسات عسكرية انكفائية، خاصة تلك المنتشرة قواعدها حول العالم، أو يمكن القول إنه سرّع من قرارات دول أخرى بالانسحاب من تلك القواعد وإعادة التموضع والانتشار، وفي إطار مناقشة آثاره على التواجد الأجنبي في سورية، يبدو من المفيد الدخول عبر بوابة العراق، فقد أعلنت الحكومة الفرنسية عن انسحاب قواتها من العراق 25 آذار/مارس، وذلك ضمن اتفاق مسبق مع الحكومة العراقية، في الوقت الذي قام فيه التحالف الدولي بتسليم 3 قواعد عسكرية (القائم، القيارة، كي1) من أصل 8 للقوات العراقية، والانكفاء باتجاه إقليم كردستان (قاعدة حرير) والأنبار(قاعدة عين الأسد)، وبدأ التحالف بسحب قواته التدريبية من العراق، في 20 من آذار الحالي، بعد تعليق برنامج التدريب، في إطار الإجراءات الوقائية لمنع تفشي "كورونا المستجد"، كما انسحب نحو 300 جندي من قوات التحالف منتصف آذار الحالي من قاعدة القائم([14]).
وعلى الرغم من كون بعض تلك القرارات ليست جديدة، ولا يمكن فصلها عن سياق التوتر الأخير بين الولايات المتحدة وإيران وإعادة التحالف الدولي لتموضعه في العراق، خاصة على خلفية الاستهداف الأمريكي لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، والذي ترتب عليه بدفع من إيران، قرار البرلمان العراقي 5 كانون الثاني 2020 بضرورة خروج القوات الأجنبية من العراق، لكن وفي ذات الوقت لا يمكن إنكار دور "كورونا" في التسريع من تلك العمليات، خاصة بالنسبة للأوروبيين الذين باتوا ينظرون إلى العراق كساحة صراع ثنائية بين طهران وواشنطن، لا مكان لهم فيها، فيبدو أن كورونا شكّل فرصة مناسبة لتسريع عمليات الانسحاب وتعليق برامج التدريب.
وبينما يساهم الفايروس بتشكيل بيئة طاردة للقوات الأجنبية المتواجدة في العراق، يبدو أن إيران لن تفوت الفرصة في تخصيب تلك البيئة، خاصة باتجاه التواجد الأكثر تأريقاً لها، والمتمثل بالقواعد الأمريكية، وذلك عبر رفع وتيرة التهديد الأمني تجاه تلك القواعد من خلال التفجيرات أو الاستهدافات عبر مليشيات محليّة، في محاولة لتحفيزها وتسريع عملية الانكفاء، وهذا ما يتقاطع مع ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي رفيع لم تسمه، حول توافر معلومات استخباراتية عن هجمات قد تستهدف قواعدها من قبل إيران، عبر مجموعات محليّة تعفي طهران من التورط المباشر، كمليشيا حزب الله العراقي([15])، إذ يبدو أن تفشي الجائحة في إيران لا يمنعها من استثمار المناخ الذي فرضته في دول نشاطها. ولكن وفي الوقت الذي ينسحب فيه التحالف الدولي من بعض القواعد؛ تعمل القوات الأمريكية على تعزيز مواقعها الحالية في العراق، عبر استقدام بطاريتي باتريوت تم نشر أحدها في قاعدة عين الأسد، والأخرى في أربيل، ويتم الحديث عن استقدام بطاريتين إضافيتين من دولة الكويت إلى الأراضي العراقية، ويبدو أن الإجراءات الأمريكية في تعزيز تلك القواعد تتناسب طرداً وحجم التهديد المتوقع لها ([16]).
وبمقاربة أثر الفايروس على القواعد الأجنبية في الظرف العراقي، إلى الحالة السورية التي تضم عدداً من القواعد الأجنبية، يبدو أن الظرف أيضاً قابل للاستثمار لتهديد تلك القواعد، وتشجيعها على الانكفاء، فعلى الرغم من عزلة القاعدة الأمريكية في التنف، بحكم بعدها عن مراكز المدن والاحتكاك، إلا أن هذا لا يعني أنها محصنة بشكل كامل ضد الفايروس، وكذلك باقي القواعد المتواجدة في شرق الفرات، والتي قد تشهد عمليات أو هجمات محتملة من قبل مليشيات محليّة، عملت إيران على إعدادها من فترة طويلة تحت اسم المقاومة الشعبية والتي ترفع شعارات ضد الوجود الأمريكي في سورية. إضافة إلى احتمالية تأثر باقي التواجد الأجنبي (فرنسي، بريطاني) وبرامجه على وقع زيادة تفشي المرض في سورية أو داخل تلك الدول، وما سيترتب عليه من إجراءات.
أما في غرب الفرات، حيث التواجد التركي وانتشار نقاط المراقبة، والتي تعتبر أيضاً شبه معزولة وتم رفع الجاهزية الطبية فيها، فإن الأخطار الأمنية عليها لا تبدو معدومة، فعلى الرغم من قرب تلك القواعد والنقاط من الأراضي التركية وتوافر طرق الإمداد والنقل السريع، والذي قد يخفف من أخطار تفشي الفايروس، إلا أن الظرف الحالي أيضاً يبدو مناسباً للعديد من الأطراف لرفع مستوى التهديد الأمني المحتمل لتلك النقاط، سواء عبر قوات النظام والمليشيات الداعمة لها، أو حتى بعض الفصائل الجهادية التي ترى في فتح الطريق الدولي m4 وتسيير الدوريات المشتركة تهديداً لنفوذها، خاصة وأن مختلف الجهات التي من الممكن أن تهدد نقاط المراقبة أو الدوريات التركية في هذه الظروف، تدرك وقع تفشي المرض في الداخل التركي، وانعكاس أي استهداف للجنود في هذه الفترة وما قد يسببه من حرج للحكومة التركية وتأزيم في الوضع الداخلي.
أما بالنسبة لإيران وميلشياتها أو القوات الروسية والمرتزقة المرافقة لها من الشركات الأمنية الخاصة، فمن المستبعد حتى الآن أن يؤثر الفايروس وتفشيه على تواجدها العسكري في سورية، إلا في حدوده الدنيا، المتمثلة بإعادة الانتشار والتموضع واتخاذ تدابير وإجراءات احترازية، وذلك على اعتبار أن طهران تعتمد على مجموعات مرتزقة، أغلبهم من غير الإيرانيين، وبالتالي لن تكون سلامتهم أولوية بالنسبة لطهران، وهذا ما حدث حتى على المستوى المدني في إيران، حيث أفادت التقارير الواردة من المدن الإيرانية عن سياسية عنصرية عالية في المستشفيات الإيرانية، والتي رفضت استقبال الأفغان والباكستانيين وغيرهم من الجنسيات المقيمين على الأراضي الإيرانية، وجعلت الأولوية للإيرانيين، لذلك فمن المحتمل ألا يتأثر النشاط الإيراني في سورية حتى الآن، بل وعلى العكس فقد تلجأ إيران إلى محاولات استثمار المناخ السياسي والعسكري قدر الإمكان لزيادة نشاطاتها العسكرية، ولعل الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مطار الشعيرات في حمص تعد مؤشراً على استمرار تلك النشاطات([17]).
ناهيك عن أن موسكو وطهران تشتركان بعدم تأثر السياسة الخارجية بالمعادلة الداخلية، بمعنى أن هذين النظامين ومعهما الصين والنظام السوري لا يعانون من التهديد الذي تشكله الحسابات الداخلية وارتفاع نسب تفشي المرض وزيادة عدد الوفيات على الحكومات والنظام السياسي، كما هو الحال في الديمقراطيات الغربية، وذلك بحكم طبيعة تلك الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، والتي وعلى الرغم من انتظامها بذات الإجراءات الموحدة التي يتخذها العالم في مواجهة الفايروس؛ إلا أنها وبالوقت نفسه تنظر إليه كمجال استثمار سياسي وعسكري واقتصادي، سواء عبر تسهيل المساعدات للنظام السوري من مدخل "كورونا" والسعي لمحاولات رفع العقوبات الأوروبية-الأمريكية، أو استثماره كبوابة للتطبيع مع دول المنطقة وفتح قنوات تواصل جديدة، إضافة إلى كونه فرصة لمضايقة التواجد الأجنبي بأدوات مختلفة ومحاولة الدفع في التسريع بقرارات الانسحاب.
أما عن مدى قدرتهم في تحقيق ذلك والنجاح به، فهذا مالا يمكن التنبؤ به، إذا يتعلق بعدة عوامل على رأسها توسع خريطة انتشار المرض وسرعة تفشيه وزيادة مستويات تهديداته، وما سيبنى من استراتيجيات مضادة للدول في مواجهته، خاصة تلك المتعلقة بقواعدها المتواجدة في سورية.
في الوقت الذي قد تتراجع فيه النشاطات العسكرية خطوة بشكلها التقليديّ، أو تتخذ تكتيكات وأشكال جديدة تتناسب والمناخ الذي فرضه "كورونا المستجد"؛ تبدو الظروف ملائمة لفتح المجال السياسي ومحاولة تجميد الأوضاع وتثبيت وقف إطلاق النار من قبل الفاعلين الرئيسين في الملف السوري.
فقد عقد مجلس الأمن الدولي الاثنين 30 آذار/مارس، جلسة عن بعد عبر تقنية الفيديو، بحثت جوانب عدة أبرزها مكافحة انتشار فايروس "كورونا"، وسُبل تفعيل العملية السياسية وسير اتفاق إدلب، حيث توافق أعضاء المجلس على ضمان وقف العمليات القتالية في سورية، وتحقيق الهدوء اللازم لمكافحة الفايروس، ولم تستخدم أي من الدول الخمس دائمة العضوية، حق النقض (الفيتو)، ضد القرارات الصادرة عن المجلس، في موقف نادر الحدوث خاصة فيما يتعلق بالملف السوري ([18]).
كما شهد اليوم الأخير من شهر آذار/ مارس اتصالات متبادلة بين زعماء الدول الفاعلة في الملف السوري بخصوص سورية، حيث جمع اتصال ثنائي الرئيسين أردوغان وبوتين للحديث حول إدلب وتنفيذ الاتفاقات الروسي-التركية المتفق عليها في قمة موسكو 5 آذار/ مارس 2020، بحسب بيان صادر عن الكرملين والرئاسة التركية، وجاء هذا الاتصال بعد يوم واحد من اتصال ثنائي جمع دونالد ترامب وأردوغان، تناولا فيه سبل التصدي لجائحة "كورونا المستجد"، وخاصة في الدول التي تشهد صراعات مثل سورية وليبيا ([19]).
بالمقابل، دعا الاتحاد الأوروبي إلى وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية، بما يسهم في التصدي للجائحة، ونقلت وكالة "فرانس برس" عن متحدث باسم المفوضية الأوروبية، الأحد29 آذار/مارس، أن "وقف إطلاق النار الذي أُقر حديثاً في إدلب لا يزال هشاً، وينبغي الحفاظ عليه وأن يشمل كامل سورية، "داعياً إلى القيام بمبادرة واسعة النطاق من أجل الإفراج عن المعتقلين في سجون النظام السوري، الدعوة التي سبقها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، ببيان مماثل، طالب فيه "بإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام السوري بشكل واسع، منعاً لتفشي الفايروس، وأكد ضرورة وصول المنظمات الإنسانية بشكل فوري إلى جميع أماكن الاحتجاز، واتخاذ خطوات عاجلة لضمان الرعاية الطبية الكافية وتدابير الحماية في جميع السجون" ([20]).
وضمن هذا السياق يمكن فهم وتفسير دعوات المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، حول الدفع لتفعيل المسار السياسي، المتمثل باللجنة الدستورية المُعطلة، وإعلانه أن النظام والمعارضة توصلا إلى اتفاق على جدول أعمال اللجنة والجولة المقبلة، إذ يبدو أن بيدرسون يحاول تحقيق أي إنجاز وتقدم ملموس في ملف اللجنة الدستورية، مستغلاً المناخ الحالي الذي تفرضه الجائحة وما قد يؤمنه من غطاء دولي داعم، ولكن وبالوقت نفسه قد تعطي تلك الدعوات والاجتماعات مجالاً جديداً للنظام للمناورة وكسب الوقت، خاصة وأن أي اجتماعات محتملة للجنة لن تعقد فيزيائياً في الفترة الحالية نتيجة الإجراءات الاحترازية في مواجهة تفشي الفايروس، لذلك فمن المتوقع ألا تسفر الجولة الجديدة، في حال عقدها، عن أي نتائج جديّة، قياساً بالجولات السابقة، خاصة مع تمسك النظام بشروطه حول "الثوابت الوطنية" وسعيه المستمر للتعطيل والتمييع.
أخيراً، وضمن ما يفرضه فايروس "كورونا" من ارتباك على جميع اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين في الملف السوري، يبدو أن العمليات العسكرية ستتراجع خطوة حذرة إلى الخلف بمعاركها التقليدية، بالنسبة للاعبين الأصلاء ووكلائهم المحليين، مع احتماليات توسع الهوامش لتنظيم الدولة وبعض المجموعات المتشددة، مقابل منح المزيد من الوقت وإفساح المجال لمناورات سياسية جديدة بين الأطراف المختلفة، وتهيئة المناخ السياسي لإعادة تفعيل واستئناف المفاوضات التي من المحتمل أن تكون بثلاثة اتجاهات، الأول: والمتمثل بتفعيل المفاوضات بين النظام والمعارضة عبر الدفع في اللجنة الدستورية، والضغط على الطرفين في هذا الإطار. الثاني: والذي قد يتمثل بإعادة إحياء قنوات المفاوضات بين "قسد" والنظام، خاصة مع ارتباك وتوجس "قسد" من إعادة انتشار وتموضع محتمل لقوات التحالف في شرق الفرات، أما الثالث فقد يتجلى في محاولات النظام وحلفائه لاستثمار هذا المناخ، والسعي لفتح ثغرة في جدار العقوبات الأمريكية-الأوروبية، سواء عبر غض الطرف عن مساعدات خليجية قد تقدم للنظام، أو عدم فرملة التطبيع العربي تجاهه، بالمقابل فإن فتح وتفعيل تلك المسارات أو أحدها، لا يعني أبداً إحراز خطوات متقدمة فيها، بقدر ما يعني أنها استجابة لواقع فرضه "كورونا"، وإعادة ترتيب الأوراق والأولويات، والتي يبدو أنها ستبقى مرهونة بمدى انتشار الفايروس وما سيرافقه من آثار وتهديدات، ومدى تأثيره في الخطط الخاصة لكل دولة واستراتيجياتها الخارجية تجاه سورية.
([1]) القيادة العامة للجيش: إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للضباط الاحتياطيين، الموقع الرسمي لوكالة الأنباء السورية "سانا"، 29/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/SR50k
[2])) نصر الله: المعركة مع كورونا في أولها ويجب وقف الحرب على اليمن، الموقع الإلكتروني لقناة الميادين، 28/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/muGUt
([3]) قوات النظام تخرق هدنة إدلب مجدداً...الفصائل ترد، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 1/4/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/uqbV9
([4]) بعد اشتباكات فصائل السويداء مع الفيلق الخامس..."رجال الكرامة تصعد ضد روسيا"، موقع الدرر الشامية، 2/4/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/PJwhz
[5])) تصعيد جديد...4 عمليات اغتيال في درعا خلال 24 ساعة، أورينت نت، 26/3/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/CQSgk
[6])) 3 قتلى في تفجير عند مدخل اعزاز بحلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة المدن، 19/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/fnsDG
[7])) انفجاران يستهدفان ريف حلب في أقل من 24 ساعة، وعودة محاولات الاغتيال إلى إدلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 25/3/2020، متوافر على الروابط التالية: https://cutt.us/EEyzE، https://cutt.us/PY048
[8])) قسد تتصدى لهجمات الفصائل المسلحة...تقتل اثنين وتدمر آلية عسكرية، موقع ولاتي نيوز، 30/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/lWyDU
([9]) للاطلاع أكثر على افتتاحية تنظيم الدولة في نشرة النبأ حول فايروس كورونا، راجع الرابط التالي: https://cutt.us/8Krtu
([10]) السخنة "أم القرى" التي يحاول تنظيم الدولة توسيع نفوذه منها، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 3/4/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/lkKtY
([11]) الحشد الشعبي يطلق عملية عسكرية بعد دخول مسلحين من سورية، صحيفة عنب بلدي، 30/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/QXisl
[12])) ترامب يتهم قسد بإطلاق عناصر داعش لعودة التدخل الأمريكي، الموقع الإلكتروني بروكار برس، 14/10/2019، متوافر على الرابط: https://cutt.us/D4jxu
[13])) مرجع سبق ذكره، متوافر على الرابط: https://cutt.us/QXisl
[14])) وسط تهديدات بهجمات...التحالف الدولي يخلي قاعدة ثالثة في العراق، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 30/3/2020/ متوافر على الرابط: https://cutt.us/OQi1x
([16]) أمريكا تعزز قواعد في العراق بـ"باتريوت"...وتنسحب من أخرى، 31/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/6lyuZ
([17]) غارات إسرائيلية على الشعيرات..استهدفت غرفة عمليات إيرانية، جريدة المُدن، 31/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/7r7uc
[18])) بسبب كورونا...إجماع نادر في مجلس الأمن حول الملف السوري، السورية نت، 31/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/pFj46
([19]) خلال 24 ساعة اتصالات بين زعماء أبرز 3 دول مؤثرة في سورية، السورية نت، 1/4/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/DpH4w
[20])) الاتحاد الأوروبي يدعو إلى هدنة في كامل سورية وإطلاق سراح المعتقلين، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 30/3/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/uH5NE