خلال زيارتهم للداخل السوري؛ أجرى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية زيارة لمجلس محافظة حلب الحرة والتقوا برئيس مجلس المحافظة والأمين العام للمجلس.
حيث تركز النقاش حول جهود مجلس المحافظة في التواصل مع المجالس المحلية ومحاولة توحيد اجراءات عمل المجالس المحلية ضمن إطار مرجعي.
يحاول تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة في مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب استكمال ما بدأه منذ النصف الثاني لعام 2018 عبر رصد نشاطات الفاعلين من مجالس محلية ومنظمات خلال النصف الثاني لعام 2020 بين تموز وكانون الأول. ويهدف التقرير لتشخيص وفهم ثلاث أذرع ضمن التعافي الاقتصادي المبكر وهي:
وتتشكل أهمية هذا التقرير من قدرته على تشخيص حركة الانجاز في المشاريع الاقتصادية والتنموية المنفذة بعموم المناطق التي يتم رصدها وتقييم إيجابياتها وسلبياتها مما يشكل دافعاً وإسهاماً لصنّاع القرار والفواعل لتوجيه الدعم وسد الثغرات في القطاعات الاقتصادية وأماكن تحظى بدعم أكثر من غيرها.
اعتمد التقرير خلال عملية الرصد في تركيزه على المدن الرئيسية والبلدات التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً، ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي المبين في الجدول رقم (2)، كما تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للمجالس المحلية والمنظمات العاملة على "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية الموضحة بالجدول رقم (1)، وفق معادلة رصد مضبوطة تؤمن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين، المستوى الأول مستوى القطاعات الاقتصادية والثاني وفقاً للمستوى المناطقي.
يوضح الجدول أدناه خارطة الفواعل التي يرصد التقرير أنشطتها التنموية والخدمية والاقتصادية
كما يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:
إضافة إلى تأزّم الأوضاع العسكرية في إدلب يُسهم في تهديد عملية التعافي المبكر وتأخير تنفيذ المشاريع أو إيقافها، يواجه التقرير جملة من الصعوبات من بينها عدم توفر مؤسسة إحصائية في المنطقة تجمع البيانات والمعلومات المطلوبة وهو ما يحيل إلى صعوبة جمع المعلومات والتوجس من إنقاص شيئاً منها؛ وعدم تسجيل المجالس المحلية كافة الأعمال والنشاطات التي قامت بها على معرّفاتهم الرسمية، أو عدم توضيح تلك النشاطات بشكل مفصّل لدى نشره. ناهيك عن عدم توفر أي بيانات تغطي أعمال ونشاطات القطاع الخاص في المنطقة، ويعود هذا لعدة أسباب من بينها: هشاشة الوضع القانوني والمالي في المنطقة بشكل لا يحفز رأس المال على المغامرة، وعدم الاستقرار على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي الذي يدفع هو الآخر في انخفاض شهية رجال الأعمال لتأسيس أعمال، وانخفاض وتيرة فتح أعمال ونشاطات تتبع للقطاع الخاص بشكل ملحوظ.
تم تنفيذ 812 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، بارتفاع عن النصف الأول بنسبة 77% أو بواقع 355 مشروعاً. وحسب الشكل رقم (1) فإن النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة كانت ضمن قطاع التجارة (193 مشروع) وقطاع المياه (165مشروع) وقطاع النقل والمواصلات (154 مشروع) وقطاع النزوح الداخلي جاء في المرتبة الرابعة بواقع (119 مشروع) وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية خامساً (56 مشروع).
ارتفعت الأعمال المنفّذة في إدلب وريفها كما يظهر في الشكل رقم (2) بواقع 55% لإدلب (455 مشروع) على المشاريع المنفّذة في حلب وريفها بواقع 45% (367 مشروع)، وهي المرة الأولى منذ بدء رصد نشاطات التعافي المبكر في المنطقة قبل عامين، ويُعزى هذا الارتفاع إلى كثرة مشاريع النزوح الداخلي والمياه والتجارة في محافظة إدلب بالأخص في مدينة إدلب والدانا وسرمدا وأطمة.
وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة حيث حلّت إدلب في المرتبة الأولى في المؤشر كما كانت خلال النصف الأول، وجاءت مدن الدانا والباب واعزاز في المراتب الثانية والثالثة والرابعة على التوالي.
فيما يخص القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية في القطاعات المرصودة، يفيد هذا المؤشر معرفة حجم ما تصدره المجالس من تشريعات وقرارات وتعميمات والدور التشريعي الذي تلعبه المجالس في مأسسة العمل وضبط آليات العمل فيها، وقد بلغت عدد القرارات في هذه الفترة 22 قراراً وتعميماً في كافة القطاعات، ومن بين أبرز القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية خلال هذه الفترة: إيقاف خدمة النت الهوائي في عدة مدن كما حصل في مدينتي الباب وبزاعة واستجرار خدمة النت من تركيا عبر كبل ضوئي؛ والقرار الثاني تسعير المواد التموينية مثل الخبز والغاز والبضائع والأدوية والخدمات مثل بدلات الإيجار بالليرة التركية واعتمادها عملة التسعير الرسمية في الأسواق المحلية ومراقبة التجار والأسواق في تنفيذ القرار في إدلب وحلب؛ والقرار الثالث منع دخول مواد الاسمنت بأنواعه المختلفة من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام والـPYD والسماح بتصدير البضائع التجارية والمعدات الصناعية ضمن القائمة المسموح بتصديرها من منطقة "درع الفرات" إلى منطقة "نبع السلام".
وتم عقد 4 مذكرات تفاهم بينها بناء مشفى في مدينة صوران، ودعم مزارعي الحبوب بالأسمدة المركّبة وبذار الشعير في أخترين، ويُشار أن النصف الأول شهد عقد 19 مذكرة تفاهم في مختلف القطاعات. وفيما يتعلق بفرص العمل يُظهر الشكل رقم (4) ارتفاع فرص العمل إلى 947 فرصة معظمها عقود مؤقتة تركزت في القطاع الطبي والنزوح الداخلي لتنفيذ أعمال متعلقة بالمخيمات والبنية التحتية الخاصة بها.
فيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي تم تنفيذ 165 مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل أدناه، تربّعت مدينة الدانا في إدلب على رأس القائمة بواقع 20 مشروع، بعدها مدينتي عفرين (19 مشروع) وإدلب (17 مشروع) وبعدها سرمدا وبزاعة بواقع 17 و10 مشاريع لكل منهما.
انخفضت أعمال قطاع الكهرباء عن النصف الأول بواقع 3 مشاريع، حيث تم تنفيذ 19 مشروع في المنطقة. جاءت بزّاعة على رأس القائمة بـ10 مشاريع وبعدها إدلب والباب والدانا، تم تأهيل أعمدة الكهرباء وصيانة المحوّلات وتجهيز خط التوتر وتركيب عدادات وتمديد كابلات وإنارة الطرقات بعد إيصال التوتر وتشغيل الكهرباء في بزاعة.
أما قطاع النقل والمواصلات فقد تم تنفيذ 154 مشروع في المنطقة بفارق 96 مشروعاً عن النصف السابق، حازت الدانا وإدلب واعزاز على المراتب الثلاثة الأولى كما يظهر في الشكل أدناه، والملاحظ في هذا القطاع حضور إدلب ومناطقها بشكل ملفت مقارنة بالفترات السابقة.
تراجع العمل في قطاع الإسكان والتعمير إلى 39 مشروع عن النصف الأول 2020 (59 مشروع) والنصف الثاني 2019 (86 مشروع) فيما حازت مدينة الباب على المرتبة الأولى بواقع 28 مشروع كما يظهر في الشكل أدناه، وهي المرة الرابعة على التوالي التي تستحوذ فيها المدينة على الحصة الأكبر من المشاريع في هذا القطاع فضلا عن الفارق الكبير مع المناطق الأخرى. كما حصلت نقلة مهمة في طريقة التعاطي مع المخيم، إذ تم نقل العديد من المخيمات إلى مجمعات سكنية مؤلّفة من عدة مبانٍ تتسع لمئات العائلات ومجهّزة بكافة الخدمات، تقي العائلة برد الشتاء وحر الصيف، كما حصل في أطمة وجرابلس والدانا واعزاز بإشراف العديد من المنظمات بينها منظمة إحسان وفريق ملهم وعطاء الخيرية.
فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 33 مشروع، حازت فيها بلدة بزاعة (7 مشاريع) واعزاز وعفرين (6 مشاريع لكل منهما) على المراتب الثلاثة الأولى ضمن القطاع في المنطقة، من بين المشاريع، إنشاء وترميم مدارس وحدائق وملاعب وصالات رياضية ومساجد ومراكز صحية.
بالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 56 مشروعاً ارتفاعاً عن النصف السابق بواقع 10 مشاريع، بينها توزيع علف وبذار وسماد وتلقيح الأغنام والأبقار للعائلات المستفيدة، وكانت كل من قباسين وبزّاعة وعفرين ومارع في ريف حلب في المراتب الأربعة الأولى في إدلب وريف حلب.
وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي حافظ هذا القطاع على ارتفاع عدد الأعمال فيه عن الفترات السابقة، بواقع 119 مشروع، حازت فيه كل من أطمة وسرمدا وإدلب على المراتب الثلاثة الأولى في المؤشر نظراً إلى كثافة أعداد النازحين والمخيمات فيها، شملت الأعمال تقديم خدمات البنية التحتية في المخيمات وترميم المنازل لتحسين الظروف المعيشية للنازحين القاطنين فيها.
وفيما يتعلق بقطاع التمويل تم تنفيذ 31 مشروع بارتفاع بواقع 21 مشروع عن النصف السابق، حازت مدينة قباسين وإدلب واعزاز على المراتب الثلاثة الأولى، ومن بين المشاريع النقد مقابل العمل التي استهدفت أعمال النظافة العامة، وتأسيس مشاريع تجارية صغيرة للمستفيدين وطرح مزادات لاستثمار محال وصالات تعود للمجلس المحلي.
أما قطاع التجارة والذي استحوذ على المرتبة الأولى ضمن مؤشر التعافي بواقع 193 مشروع، ارتفاعاً بنسبة 54% عن الفترة السابقة حازت فيها إدلب على المرتبة الأولى بنحو 68 مشروع، ولا يزال هذا القطاع يحافظ على تطور مستمر قياساً مع الفترات السابقة، مدفوعاً بحجم المناقصات المطروحة على التجار لتوريد سلع وخدمات، كتوريد المياه والمازوت والمعدّات الكهربائية وطباعة الكتب وتوريد قرطاسية وتجهيزات عديدة أخرى سواءً للمخيّمات أو لخارجها.
تذيّل قطاع الاتصالات مؤشر التعافي ضمن القطاعات المرصودة، حيث تم استدراج خدمة الانترنت من تركيا عبر كبل ضوئي بعد إصدار قرارات في إيقاف الانترنت الهوائي في قباسين، وتغذية كاميرات المراقبة في الطرقات بالكهرباء في بزاعة. أما في قطاع الصناعة فقد تم تنفيذ مشروع واحد فقط في مجال تصنيع حاويات القمامة في جرابلس بريف حلب.
أخيراً يمكن القول إن النصف الثاني من 2020 شهد تطوراً ملحوظاً في أعداد المشاريع المنفّذة، وفرص العمل، إذ ارتفعت المشاريع من 457 مشروع في النصف الأول إلى 812 مشروعاً في النصف الثاني، وتركز العمل على قطاعات التجارة والمياه والنقل والنزوح الداخلي، وللمرة الأولى تجاوزت محافظة إدلب وريفها في الأعمال والمشاريع ريف حلب بواقع 55% لإدلب مقابل 45% لريف حلب.
تُظهر المقارنة بين النصف الأول والثاني من العام 2020 ارتفاعاً في أعداد المشاريع وفرص العمل مردّه إلى جملة من العوامل:
تبين نتائج الرصد جملة من نقاط القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب، فبالنسبة لنقاط الضعف يمكن شملها بالنقاط الآتية:
أما بالنسبة لنقاط القوة التي يسجلها التقرير :
في ظل ارتفاع مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر خلال النصف الثاني من 2020 يورد التقرير توصيتين من شأنهما رفد العملية مزيداً من التنسيق في المنطقة وفواعلها ومزيداً من العمل في القطاعات غير الفاعلة حتى الآن:
أظهرت تقارير التعافي الاقتصادي المبكر المنجزة في مناطق "درع الفرات" وعفرين ومحافظة إدلب([1])، منذ النصف الثاني من 2018 وحتى النصف الأول من 2020 تطوراً ملحوظاً في حركية المشاريع الاقتصادية بالشكل الذي ساهم في تنشيط القطاعات وتخديم السكان في الكثير من الخدمات الرئيسية وتوفير فرص عمل على الرغم من التحديات الكثيرة. ولكن اعترتها عدة إشكاليات تمركزت في قطاعات الصناعة والتمويل والزراعة والثروة الحيوانية والنزوح الداخلي، تسببت بهشاشة مستمرة في تلك القطاعات وفي آلية اتخاذ القرارات وحالة التنظيم، وهو ما أدى لاختلال التوازن في عملية التعافي المبكر واعتماد رافعة مالية قاصرة في تمويل المشاريع قد تنتكس في أي لحظة.
لذا لابد من التنبه لتلك الإشكاليات وإلّا قد تستمر حالة العجز في الوفاء بالاستحقاقات المعيشية وتثبط من تنمية المنطقة والانتقال بها من مرحلة التعافي المبكر لمرحلة اقتصادية تنضج فيها الأسواق والقطاعات الاقتصادية كافة.
من أبرز تلك الإشكالات عدم اتخاذ الأجسام الإدارية المسؤولة، الحكومة السورية المؤقتة والمجالس المحلية وحكومة الإنقاذ، آلية موحّدة في صياغة القوانين وصناعة القرارات لإدارة دفة الاقتصاد وفق استراتيجية واضحة المعالم تحقق رؤية المعارضة، وتوازن بين القطاعات الاقتصادية، وتدير نفسها بعيداً عن النظام وأزماته الاقتصادية، وتتجنب التبعية المفرطة للمنظمات والمانحين، وحالة التشرذم في الإدارة وتشظي الموارد جراء تعدد الأجسام الإدارية. فالأجدى بها لمعالجة هذا الإشكال تهيئة مناخ قانوني ذو نظم وقوانين موحدة في المنطقة تقرها، الحكومة السورية المؤقتة بالتعاون والتنسيق مع المجالس المحلية، كسبيل لمواجهة اللاتنظيم واتجاهات الفوضى المتزايدة، من شأنها أن تحفظ الحقوق وتنعش مناخ الأعمال، وتنشئ الحكومة مؤسسة إحصائية تُعنى بضبط كافة الإحصاءات المتعلقة بالموارد والأعمال والسكان، وتصدر مؤشرات اقتصادية مثل التضخم والإنتاج والإنفاق والسكان والشفافية ونوعية الخدمات وغيرها.
على الرغم من الأهمية الاستراتيجية لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية، ومن هوية المنطقة الزراعة بامتياز، مع ذلك لم ينجز سوى 142 مشروعاً على مدار العامين الماضيين. فلم يتم تصميم برنامج يحقق الاكتفاء الذاتي في العديد من المحاصيل الزراعية التي تتمتع بها المنطقة وعلى رأسها القمح، ما حرمها من تثبيت سعر ربطة الخبز كمسؤولية اجتماعية واجبة في ظل ما تعانيه المنطقة من صعوبات معيشية وفقر مدقع. وتم استيراد مادة الطحين بالعملة الصعبة ليرتبط ثمن الخبز، الغذاء الرئيسي للعوائل، بتقلبات أسعار صرف الدولار والليرة التركية والليرة السورية، ويعرّضه لارتفاع مطّرد، وهو ما زاد من حنق المواطن ضد الأجسام المسؤولة عن إدارة المنطقة ومن تزايد الصعوبات المعيشية. فبلغ سعر الربطة في منطقة "درع الفرات" ليرة تركية واحدة وليرتين للخبز غير المدعوم، وفي إدلب بلغ سعر الربطة 600 ليرة سورية. كما لم يتم استغلال الفائض في إنتاج المحاصيل الأخرى من زيتون وبطاطا وغيرها عبر إيجاد أسواق تصريف خارجية. وفي إطار الثروة الحيوانية عانت الأعمال من ضعف الإنتاج وانخفاض تنافسيته أمام المنتج الأجنبي، كما هو الحال في مادة البيض التي ارتفع سعرها بواقع 50% إبان قرار منع استيرادها من تركيا. والأفضل في هذا الإطار إيجاد هيئة استشارية عابرة للمجالس المحلية بعضوية ممثلين عنها تُعنى بتقديم النصح في مواضيع الخطط والتكامل التنموية في هذا القطاع ترفع من أولوية الاكتفاء الذاتي وبالذات من مادة القمح، ومن حجم الصادرات بالشكل الذي يدر عملة صعبة ويعيد الثقة للمزارعين ويزيد من حجم المشاريع الزراعية المنفّذة.
وعطفاً على قطاع الصناعة وما تم تنفيذه من مشاريع بلغ عددها 11 مشروعاً فقط من بينها تصنيع أعمدة للضوء وحاويات ومعامل للأعلاف والاسمنت والملابس والأحذية. ويعزى جفاف هذا القطاع لغلاء مدخلات الإنتاج من المواد الأولية وضحالة رؤوس المال، وانخفاض القوة الشرائية للمواطن، وضعف البنية التنظيمية من قوانين وتنظيمات في المنطقة التي تسهم في حفظ الحقوق وضمان حركية وأمان رأسمال، فضلا عن العمليات العسكرية والحالة الأمنية المضطربة. ولتحريك هذا القطاع بالمشاريع، على المؤسسات الرسمية في هذا القطاع إنضاج مقاربة مختلفة في علاج هذا الخلل عبر توحيد غرف الصناعة المنشأة في المنطقة في غرفة واحدة تعمل على توحيد القوانين والأنظمة الصناعية والإدارية والمالية وتنظيم شؤون المدن الصناعية والارتباط بمذكرات تفاهم مع غرف الصناعة التركية في إطار التوأمة وتذليل التحديات، والبدء بتسويق استثمار مشاريع صناعية عبر الأدوات الاستثمارية المتنوعة، وسيكون جذب أحد الأفرع البنكية التركية للداخل بمثابة منح ثقة للأسواق المحلية للاستثمار فيها.
وبلغ عدد المشاريع المنفّذة في قطاع التمويل على مدار رصد عملية التعافي المبكر، 60 مشروعاً، تركزت في دعم سبل العيش وتقديم قروض حسنة ودعم المشاريع الصغيرة ومشاريع العمل مقابل النقد ودعم مشاريع نسائية ومزادات علنية. على الرغم من أهمية قطاع التمويل في إدارة الموارد وتسهيل حركة المال والأعمال والسيطرة على الأسعار، إلا أنه لم يشغل حيزاً كبيراً في هامش المشاريع واهتمامات المجالس المحلية. وليصبح هذا القطاع مرتكزاً تعتمد عليه المنطقة في تطوير المشاريع الصناعية والزراعية والتجارية وتمويل المشاريع. على الحكومة السورية المؤقتة بوزارتها المعنية إيجاد مؤسسة أشبه بحاضنة الأعمال Business Incubator تُعنى بتمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم، ذو أهداف ربحية، ووفق منهجية رصينة، تساهم في تنويع دائرة المشاريع المنفّذة في كافة القطاعات.
أخيراً، في إطار توفير حياة كريمة للنازحين سواءً في المخيمات أو خارجها تم تنفيذ 218 مشروع في قطاع النزوح الداخلي إلا أن هذا الأمر قد يشكل وبالاً على المنطقة إذا استمر الحال بهذه المنهجية التي تقوم على التبعية المفرطة للمنظمات والمانحين في توفير احتياجات النازحين المتنوعة. فالأفضل عوض اعتماد المخيم على المساعدات الإغاثية مساعدته على إنتاج احتياجاته بكافة السبل الممكنة، فبدل إعطاء كرتونة مساعدات تحتوي على مواد متنوعة يمكن إيجاد دورة إنتاج متكاملة بالحد الأدنى، مثل منح قطعة أرض لزراعة المحاصيل الرئيسية لتأمين احتياجات المخيم من الغذاء تضمن توفير عمل لشباب المخيمات ومنح تمويل لإنشاء ورشات عمل بسيطة تعنى بوضع خطة لتحويل المخيم من خيمة إلى منزل يضمن حياة كريمة للنازحين. ولتحقيق ذلك ينبغي أن تتكاتف منظمات الإغاثة والتنمية الفاعلة في الشمال السوري لتشكيل وحدة تنسيق مشتركة لهذا الخصوص (انتاج الاحتياجات).
عموماً، أظهرت عملية التعافي المبكر حتى الآن، بما لها وما عليها، تقدماً نسبياً في بعض القطاعات لعلّ أبرزها الكهرباء والمياه والنقل والمواصلات وتأخرت في قطاعات أخرى، وستكون الشهور المقبلة فرصة سانحة لتلافي الأخطاء وعلاج الإشكالات الواردة أعلاه بما يضمن استقراراً أكثر وتنفيذ مشاريع متنوعة وتوفير فرص عمل. ومن جملة التوصيات التي يمكن عرضها للفترة القادمة ما يلي:
يحاول التقرير التالي استكمال ما بدأه تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة قبل عام ونصف من خلال رصد نشاطات المجالس المحلية والمنظمات خلال النصف الأول من عام 2020 بين كانون الثاني وحزيران، بهدف تشخيصها وفهم حركية العجلة الاقتصادية في المنطقة ووضعها في إطار يمكن مقارنة الفترات مع بعضها لمعرفة مدى التطور على صعيد كل منطقة على حدى والمنطقة برمتها، كما يفيد هذا العمل في إيجاد اتجاه (Trend) يمثّل قراءة شاملة لعملية التعافي تتضمن تفاصيل الأعمال والنشاطات في القطاعات الاقتصادية، ويمكّن من رسم تصورات مستقبلية لاتجاه التعافي ومداها الزمني بشكل مرحلي. وتتشكل أهمية هذا التقرير من استفراده في الطرح وسط تقارير دولية ومحلية لا تزال تقيس حركة النزوح وتقييم احتياجات النازحين والسكان ومراقبة السوق وإحصاء نشاطات المجالس المحلية بدون تحليلها، وأخيراً يُسهم التقرير في قراءة انعكاسات الأعمال والنشاطات على المواطنين وقدرة المجالس المحلية والفواعل على خلق فرص عمل وتحريك الطلب المحلي ولا يغفل مدى فائدة التقرير في توجيه الدعم لسد ثغرات في القطاعات الاقتصادية وأماكن تحظى بدعم أكثر من غيرها.
ويهدف التقرير إلى إعطاء وصف شامل للتعافي الاقتصادي المبكر في المنطقة وتقديم معلومات صحيحة بغية تحديد وجهة التعافي ونسب انخراط المناطق بالعملية. وتتلخص الأهداف الأساسية للتقرير بالنقاط التالية:
شملت عملية الرصد في هذه الفترة _النصف الأول من 2020_ مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب. تم التركيز على المدن الرئيسية والبلدات التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً. ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي فقد تم تصنيف القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية التي سيتضمنها التقرير كما يلي: قطاع الإسكان والتعمير، قطاع الكهرباء والمياه، قطاع النقل والاتصالات، قطاع الصناعة، قطاع التجارة، قطاع التمويل، قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، قطاع الخدمات الاجتماعية، وقطاع النزوح الداخلي.
وفي سبيل تنفيذ عملية الرصد تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للمجالس المحلية على "فيس بوك" و"تليغرام" ومتابعة المنظمات العاملة، المحلية والأجنبية، في المنطقة ورصد نشاطاتها وتقاريرها الدورية من بينها التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، والتقارير الصحفية التي تحدثت عن المنطقة ونشاطاتها.
ومن بين المجالس المحلية التي تم رصدها في محافظة إدلب: أريحا، إدلب، حارم، سرمدا، سراقب، جسر الشغور، معرة مصرين، حزانو، سلقين، بنش، أرمناز، عزمارين، إسقاط؛ حربنوش، ترمانين، وفي ريف حلب تم رصد المجالس المحلية التالية: مارع، اعزاز، الباب، جرابلس، أخترين، قباسين، بزاعة، عفرين، صوران، الأتارب. أما المنظمات والمؤسسات التي تم رصدها: إحسان للإغاثة والتنمية، وهيئة ساعد الخيرية، ولجنة إعادة الاستقرار، ومنظمة شفق، ومنظمة بنفسج، ومنظمة بنيان، وتكافل الشام، ومنظمة وطن، وهيئة الإغاثة الإنسانية، والدفاع المدني السوري، ووحدة تنسيق الدعم، ومنظمة التنمية المحلية، ومنظمة بنيان، ومنظمة عطاء الخيرية، والرابطة الطبية للمغتربين السوريين، والمؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية، وتكافل الشام، وحكومة الإنقاذ، ومؤسسة بناء للتنمية، ومؤسسة يدا بيد للتنمية، واتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية، ومنظمة اقرأ الخيرية، ومنظمة رحمة بلا حدود، وغراس النهية، ومنظمة المساعدة السورية، ومديرية صحة إدلب، والاستجابة الإنسانية. يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:
لا يزال هناك عدة عوامل تُضفي صعوبة على التقرير من بينها: أعاقة الأوضاع العسكرية في إدلب عملية جمع المعلومات وتأخر من تنفيذ المشاريع وتعمل على تأجيل معظمها، واهتمام المجالس والمنظمات بنشاطات الإغاثة والوقوف على متطلبات النازحين، والبعد الثالث مرتبط بصعوبة التواصل مع بعض المجالس وعدم تسجيل كل أعمالهم ونشاطاتهم على معرّفاتهم الرسمية، أو عدم توضيح تلك النشاطات بشكل مفصّل عند نشرها، ولا تزال الصعوبة الأبرز تتمثل في عجز التقرير على تغطية بيانات القطاع الخاص في المنطقة. وأخيراً يلفِت التقرير الانتباه أن هذه الفترة شهدت نشاطاً أكثر للمجالس المحلية وبعض المنظمات في تنظيم عملية نشر الأعمال وطلبات التوظيف وهو ما انعكس إيجاباً على عملية الرصد.
تم تنفيذ 457 مشروع ونشاط في مناطق المعارضة بالشمال (ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب) بنسبة منخفضة بنسبة والتي قاربت 24% أو بواقع 111 مشروع عن الفترة السابقة - النصف الثاني من 2019- وحسب الشكل رقم (1) فإن النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة كانت ضمن قطاع النزوح الداخلي (89 مشروع) وقطاع المياه (78مشروع) وقطاع التجارة (70 مشروع) وقطاع النقل والمواصلات (60مشروع) والإسكان والتعمير (59) مشروع، وتذيّلت قطاعات الزراعة والكهرباء والخدمات الاجتماعية والتمويل والصناعة المراتب الأخيرة. واللافت للانتباه خلال هذه الفترة أمرين:
وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة حيث تربّعت مدينة إدلب في المرتبة الأولى وجاءت مدينتي الباب واعزاز في المرتبة الثانية والثالثة على خلاف الفترات السابقة عندما كانت مدينتي الباب واعزاز تحتلان المرتبة الأولى والثانية في المؤشر.
فيما يخص القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية في القطاعات المرصودة، يفيد هذا المؤشر معرفة حجم ما تصدره المجالس من تشريعات وقرارات وتعميمات والدور التشريعي الذي تلعبه المجالس في مأسسة العمل وضبط آليات العمل فيها، وقد بلغت عدد القرارات في هذه الفترة 85 قراراً وتعميماً في كافة القطاعات، وكان لإجراءات فيروس كورونا معظم القرارات والتعميمات من قبيل تعليق بعض النشاطات والدوام في المدارس وإيقاف عمل البازارات والنشاطات الاجتماعية حفاظاً على سلامة المواطنين، ومن بين أبرز القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية خلال هذه الفترة:
ويُظهر الشكل رقم (4) الارتفاع الكبير في فرص العمل التي تركز معظمها في القطاع الطبي وتنفيذ أعمال البخ والتعقيم والتنظيف بعد انتشار فيروس كورونا، حيث تم تسجيل 891 فرصة عمل. مع الإشارة بأن الكثير من تلك الفرص ذات عقود مؤقتة تتراوح فترات العمل فيها من شهرين ونصف إلى سنة، وسُجّلت 12 مذكرة تفاهم تم توقيعها من قبل المجالس المحلية مع المنظمات والمؤسسات لتنفيذ مشاريع متنوعة.
فيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي يظهر الشكل أدناه تربع مدينة عفرين وجرابلس في مقدمة المدن والبلدات بـ 15 مشروع لكل منها من أصل 78 مشروع، في الوقت الذي تراجعت مدن مثل اعزاز والباب وأخترين ومارع نظراً لتنفيذ معظم هذه المشاريع خلال الفترة السابقة. ومن بين ما يلفت الانتباه كان توقيع مذكرة تفاهم بين منظمة "بناء" والمجلس المحلي في سرمدا لإنشاء شركة مياه تحت اسم "غدق" لتزويد المدينة بالمياه.
حافظ قطاع الكهرباء على عدد المشاريع عن الفترة السابقة، بإجمالي 22 مشروع، وجاءت أخترين في مقدمة المناطق بتنفيذ 7 مشاريع بعدما تم استجرار الكهرباء إليها، حيث تم تجهيز خط التوتر العالي وبناء منشأة للكهرباء وتمديد كابلات وتركيب عدادات كهرباء وتثبيت أعمدة اسمنت تحمل كابلات، وجاءت الراعي في المرتبة الثانية، فيما عادت مدن مارع وصوران إلى الوراء جراء الانتهاء من معظم المشاريع المتعلقة بالكهرباء خلال الفترة السابقة.
فيما يتعلق بقطاع النقل والمواصلات فقد انخفض عدد المشاريع إلى 58 من 123 مشروع خلال الفترة الماضية وحازت جرابلس وأخترين واعزاز على المراتب الثلاثة الأولى كما يظهر في الشكل أدناه، والملاحظ في هذا القطاع استحواذ منطقة ريف حلب على معظم المشاريع فيه بفضل حالة الاستقرار النسبي التي تتمتع بها المنطقة، في حين تواجه منطقة إدلب وريفها تحركات عسكرية تعطّل حركية المشاريع في هذا القطاع بالمنطقة. والمعروف أن تزفيت الطرقات وتأهيلها بالبحص وتسوية الطرقات الفرعية يُسهم في تعزيز التبادل التجاري بين القرى والمدن وتسهّل حركة المواطنين بينها.
تراجع قطاع الإسكان والتعمير إلى المرتبة الخامسة (59 مشروع) من المرتبة الثالثة في الفترة السابقة بواقع 86 مشروع، وحافظت مدينة الباب على المرتبة الأولى بواقع 28 مشروع كما يظهر في الشكل أدناه علماً ليتراجع عدد المشاريع في المدينة بنسبة 45% عن الفترة السابقة (61 مشروع)، ولا يزال الفارق كبير في هذا القطاع بين المرتبة الأولى والثانية كما في الفترات السابقة، حيث يفصل بين مدينة الباب وبزاعة التي حازت على المرتبة الثانية، 19 مشروع، وبهذا لا تزال مدينة الباب تحوز على معظم الاهتمام في حركة البناء والإنشاء لتشكل مركز جذب للبناء السكني والتجاري بالنسبة للسكان والمنطقة عموما.
وفيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 18 مشروع فقط هبوطاً من 41 في الفترة الماضية، وقد حازت مدينة اعزاز على معظم المشاريع بواقع 13 مشروع، حيث تم تجهيز حديقة للأطفال واستكمال بناء وافتتاح مشفى وفرن خبز وأنشأت مدرسة في الحي الجنوبي من اعزاز إضافة لمشاريع أخرى مشابهة.
وبالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 46 مشروع تعنى بتلقيح الحيوانات وتوزيع العلف والبذار على المزارعين، ولا يزال القطاع يشهد قفزات بطيئة للغاية إذ تم تنفيذ 43 مشروع في النصف الثاني من 2019 و21 مشروع في النصف الأول من نفس العام، في الوقت الذي تحتاج المنطقة لمشاريع أكثر في هذا القطاع من أجل الأمن الغذائي وتوفير معظم المواد الأساسية وخفض تكاليف المعيشة، وقد عانى الفلاحون خلال هذه الفترة من تذبذب سعر صرف الليرة أمام الدولار وانخفاض قيمتها بشكل كبير، إذ أسهم هذا في ارتفاع تكاليف المواد الأولية من سماد وبذار ومحروقات ومياه ويد عاملة، وهو ما يدفع الفلاحين لهجرة أراضيهم وترك المهنة أو الاستمرار وتحقيق أرباح منخفضة.
وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي والذي شهد نقلة نوعية في المؤشر بحصوله على المرتبة الأولى في المؤشر، بواقع 96 مشروع بعدما نفذ 90 مشروعاً في النصف الثاني من 2019، وحازت إدلب على المرتبة الأولى بين المناطق، ويُعزى هذا إلى نزوح المواطنين من مناطق الحملة العسكرية إلى مناطق أكثر أماناً، واحتاج النازحون لخدمات كثيرة ابتداءً من المخيمات إلى أعمال البنية التحتية من كهرباء وماء لمشاريع كثيرة في سياق ترميم المنازل في البلدات والمدن لتحسين ظروف النازحين القاطنين فيها.
وفيما يتعلق بقطاع التمويل تم تنفيذ 10 مشاريع خلال هذه الفترة، من قبيل مشروع مزاد علني لتأجير آلات زراعية وتأجير مجموعة من المحال التجارية ودعم المشاريع النسائية وإطلاق مشروع المال مقابل العمل، ومن بين المشاريع الكبرى التي طرحت خلال هذه الفترة، مشروع طرح معمل غاز في مدينة الباب للاستثمار. ولا يزال هذا القطاع هش جداً ولا يحظى باهتمام بالغ من قبل المجالس المحلية والمنظمات ويعزى هذا إلى ضحالة رؤوس الأموال في المنطقة وعدم توفر بنوك ومصارف، وانخفاض مستوى الأمان، والأهم من هذا وذاك عدم توفير بيئة قانونية تدافع عن الحقوق والملكيات وتحفظ لصاحب المال ملكيته وماله.
أما في قطاع التجارة فقد حافظ القطاع على قفزات متتالية بين الفترات المرصودة فمن 24 في النصف الأول لـ 2019 إلى 54 في النصف الثاني لـ 2019 إلى تنفيذ 87 مشروعاً خلال النصف الأول من 2020 مدفوعاً بحجم المناقصات المطروحة على التجار لتوريد سلع وخدمات، كتوريد المياه والمازوت والمعدّات الكهربائية وطباعة الكتب وتوريد قرطاسية وتجهيزات عديدة أخرى سواءً للمخيّمات أو لخارجها.
بقي قطاع الصناعة الأضعف على الإطلاق في هذه الفترة والفترات السابقة بدون إحداث أي خروقات تذكر في هذا القطاع الاستراتيجي والهام، حيث تم تنفيذ مشروع واحد فقط في مجال الاسمنت في بزاعة بريف حلب.
عموماً أظهرت البيانات أعلاه أن عدد المشاريع التي تم تنفيذها في المنطقة المرصودة بين كانون الثاني وحزيران 2020 نحو 457 مشروع موزّعة على القطاعات كافة، وقد تركزت جُل المشاريع في قطاعات النزوح الداخلي والمياه والتجارة والنقل والمواصلات، وحافظت ريف حلب على النسبة الأكبر من المشاريع بنسبة 59% (277 مشروع) فيما حازت إدلب وريفها على نسبة قدرها 41% (177 مشروع).
تُظهر المقارنة بين النصف الأول من 2020 والنصف الثاني من 2019 انخفاضاً في عدد المشاريع في مؤشر التعافي من 564 إلى 457 مشروع نتيجة جملة من العوامل لعلَّ أهمها العملية العسكرية للنظام في ريف إدلب الجنوبي وما تبعها من عملية عسكرية تركية "درع الربيع" والاتفاقات التي تبعتها بين الروس والأتراك ومن ثم الإجراءات المتّبعة فيما يخص فيروس كورونا، وقد تسبب هذا في صرف جُل المشاريع لتخديم النازحين الجدد وتوفير مسكن ملائم وظروف معيشية مناسبة، كما أسهم تردّي الصحة العامة في المنطقة لزيادة فرص العمل في القطاع الطبي عموماً (انظر الشكل 14)، وفيما يلي نسوق جملة من الملاحظات الأبرز على المؤشر مقارنة مع الفترة السابقة:
وبتلمّس جوانب القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب يظهر ما يلي:
بناء على تحليل البيانات أعلاه وتلمس جوانب القوة والضعف يوصي التقرير بجملة من التوصيات من شأنها توفير أطر رئيسية لعملية التعافي المبكر التي ولا شك تعتبر تحدياً رئيسياً لقوى المعارضة في الشمال السوري، ونذكر إضافة لما ورد في التقارير السابقة، ما يلي:
بعد تداول أخبار عن نيّة “هيئة تحرير الشام” حلّ نفسها، دون أي تأكيد أو نفي من الهيئة ذاتها، وعلى الرغم من كونها لاتزال في إطار الإشاعات، تعود تلك الأخبار لتثير سؤال المستقبل حول مصير التنظيم الذي أعلن عن تأسيسه في كانون الثاني 2012 تحت مسمى “جبهة النصرة”، ليتطور بمراحل مختلفة ومتسارعة وإشكاليّة، وصولاً إلى البنية الحالية.
ولا يمكن الإجابة عن هذا السؤال دون الأخذ بالاعتبار عاملين، الأول: وهو العامل الذاتي المتمثل ببنية وطبيعة الهيئة ذاتها، والثاني العامل الموضوعي الذي تشهده الجغرافية التي تنشط فيها الهيئة، والمتمثل بالحملة العسكرية على محافظة إدلب، وما قد يترتب عليها من تفاهمات واتفاقات سياسية ستحدد مستقبل الملف السوري، وتموضع هيئة “تحرير الشام” ضمنهُ.
وعلى ما يبدو أن الهيئة في المستقبل القريب أمام خيارات محدودة، خاصة مع الرفض الدولي والإقليمي وتصنيفها على لوائح الإرهاب، الخيارات التي قد تتراوح بين قرار الصدام حتى النهاية، وفي حال الاقتراب منها، التشظي كتنظيم والتحول إلى مجموعات تمارس نشاط عسكري متقطع بعيداً عن مفهوم التمكين والاستحواذ على الأرض، إلى تكتيكات مختلفة وجديدة، أو التوجه إلى تجنّب هذا الخيار عبر قرارات تنظيمية تكتيكية، على رأسها حلّ الهيئة كتنظيم، لكن الحلّ بمعنى التغير الشكلي والتكتيكي للبنية التنظيمية، وليس الإجهاز عليها.
وباعتقادي، قد تلجأ الهيئة فعلاً إلى خطوة الحلّ بهذا المعنى الإجرائي، بغض النظر عن شكل هذا الحلّ وجديته وتوقيته، وذلك بناءً على عدة معطيات تتعلق بطبيعة الهيئة وعقليتها ونهجها، إضافة لدورها الوظيفي ضمن الظرف السياسي والعسكري القائم، وتتوزع أبرز تلك المعطيات وفق ما يلي:
١- العقلية:
تمتلك “هيئة تحرير الشام” عقليَة براغماتية مرنة هيئتها لتكون أبرز الفاعلين المحليين على المستوى العسكري على الأرض خلال سنوات الصراع، هي ذات العقلية التي دفعتها للخروج من عباءة “تنظيم الدولة” ومبايعة “تنظيم القاعدة” (الهروب من الفرع إلى الأصل)، ومن ثم فك الارتباط عن تنظيم “القاعدة” والتخلص من ثقل هذه التركة، والتحول من “جبهة النصرة” العابرة للحدود إلى “جبهة فتح الشام” ذات البعد المحلي، ومن ثم تأسيس “هيئة تحرير الشام”، والتخلص من أكبر قدر من العنصر الأجنبي الذي لم ترضه تلك التحولات، والذي خرج ليؤسس مجموعات أخرى أكثر تشدداً كـ”حراس الدين” وغيرهم، وبذلك وقع مجال التمايز، بين متشدد وأكثر تشدداً، وأجنبي ومحليّ.
ذات العقلية التي دفعتها كتنظيم لتجاوز مفهوم السيطرة والدور العسكري فقط، إلى محاولات توسيع النفوذ على عدة مستويات في إطار إطباق السيطرة على إدارة المناطق المحررة، سواء عبر التغلغل في الإدارة المحلية والمساهمة بتأسيس حكومة الإنقاذ ومحاولة السيطرة على المجالس المحلية وإدارة الجزء الأكبر من المُحرر، أو على المستوى الاقتصادي عبر السيطرة على المعابر وشبكات الطرقات الرئيسية، أو على المستوى العسكري والأمني عبر استراتيجية إنهاء الفصائل وابتلاعها والتمدد بالهيمنة والنفوذ.
هي ذات العقلية التي رشحت الهيئة لتكون شريك يُعتمد عليه من قبل بعض القوى الإقليمية، وشجعت حتى أعدائها للتعاطي معها بصفقات، فالهيئة أكثر الأطراف المحليّة التي عقدت صفقات تبادل مع إيران وحزب الله، وغيرها من صفقات التبادل على مستوى دولي. وبذات العقلية قد تتحذ “هيئة تحرير الشام” خيار حلّ ذاتها، إذا وجدت في ذلك أقل الأضرار وأهون الشرين.
٢- قراءة الواقع:
تدرك الهيئة تماماً، أن أي اتفاق سياسي قد ينجز بين موسكو وأنقرة، سينهي ملف الطرقات الدولية كبند ثان من اتفاق “سوتشي”، بعد أن تم ترسيم المنطقة العازلة كبند أول، ليبقى بند مكافحة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسه تفكيك الهيئة، والذي سيكون عنواناً للمرحلة القادمة. وبغض النظر عمن سيتكفل بتلك المهمة، التي تقع وفق اتفاق “سوتشي” على عاتق تركيا، فإن الهيئة تدرك أن الصدام العسكري لن يكون لصالحها، فأي معركة بعد الطرقات الدولية سيكون ضمن معاقلها ومناطق نفوذها بعد الانحسار الجغرافي الكبير نتيجة المعارك الحالية، خاصة وأن موسكو والنظام سيروجان لتلك المعركة، كـ”معركة المجتمع الدولي” وليس معركتهما فقط، باعتبارها مواجهة مباشرة مع تنظيم إرهابي، بل ستسعى فيها موسكو لتحقيق نصر إعلامي كنصر ترامب على ” تنظيم الدولة”. ناهيك عما قد ينتج عن هذه المعركة من كارثة على المدنيين، هذا إن سلمنا جدلاً بأن الهيئة تكترث للمدنيين، بعد التسليم أن روسيا والنظام هدفهم المدنيين قبل الهيئة ذاتها. لذلك فإن تجنب هكذا معركة يدفع الهيئة لترجيح قرار الحل الشكلي وتجنب الصدام، وسيدفع للضغط عليها أيضاً من أطراف إقليمية باتجاه هذه الخطوة لتجنب كارثة إنسانية على الحدود.
٣- عدم انتهاء الصلاحية:
وفق التحالفات التي تديرها الهيئة، لا يبدو أن دورها الوظيفي قد انتهى، بل على العكس، تبدو أطراف عديدة أشد ما تكون بحاجة للهيئة خلال هذه الفترة، خاصة مع تحول إدلب إلى ساحة لتصفية حسابات المحاور ومسرحاً للصراعات الإقليمية والدولية بالاعتماد على أطراف محليّة، وأن تلك الحسابات قد تتقاطع في جزء منها مع وجود الهيئة وبقائها كفاعل محلي مؤثر على الأرض، ولكن بشكل جديد لهذا الوجود، لذلك فإن قرار الحلّ والتحول إلى شكل تنظيمي جديد، قد يكون مقدمة لأدوار وظيفية جديدة تتناسب ومعطيات المرحلة القادمة. وهذا ما يرجح أيضاً جنوح الهيئة نحو هذا الخيار، أو دفعها وتشجيعها عليه أو الضغط عليها باتجاهه. إذ من الممكن أن تتقاطع مصالح الهيئة في الحل والتحول إلى شكل تنظيمي جديد مع مصالح أطراف أخرى.
٤- المنهج:
بالنهاية، فإن “هيئة تحرير الشام” كتنظيم سلفي جهادي، قد يحتاج في بعض القرارات المفصلية إلى تبريرات شرعيّة، على الأقل لضبط الصف العقائدي لمقاتليه وإقناعهم بأي تحول، وإن ما مرت به “هيئة تحرير الشام” من تحولات تنظيمية لم يكن عشوائياً، وإنما كان ضمن استراتيجية جديدة لجماعات وتنظيمات الجهاد المعولم، الاستراتيجية القائمة على الاتجاه من المركزية العابرة للحدود إلى المحليّة والنزوع للتوطين، من الجهاد الأممي إلى المحلي، أو بعبارة أخرى: “الانتقال من جهاد النخبة إلى جهاد الأمة”، بشكل يمكنها من التأثير المحلي وضمان قاعدة شعبية أوسع لأفكارها والحد من العزلة التي غالباً ما تقع التنظيمات الجهادية ضحية لها، وهذا ما حدث بين “النصرة” و”القاعدة” (فك الفرع عن الأصل) بالتوافق، فضمن هذا التوجه مثلت “جبهة النصرة” تجربة جديدة لتنظيم “القاعدة”، والحامل الأساسي لقياس نجاعة هذه الاستراتيجية، وتكرر هذا مع غيرها من فروع “القاعدة” في اليمن وأماكن أخرى، خاصة بعد تراجع المشاريع الأممية وتحول مركز الجهاد من أفغانستان إلى المشرق العربي وبروز “تنظيم الدولة” وسحبه البساط الجهادي من تحت “القاعدة” بإعلانه الخلافة واستقطاب أكبر عدد من المهاجرين، لذلك فإن الإطار موجود وجاهز لأي تحول محتمل، بل إن تحول الشكل التنظيمي سيكون تكتيك ضمن استراتيجية أوسع للنزوع نحو التوطين، النزوع الذي لم يقتصر على الحقل السلفي الجهادي، وإنما شمل أغلب الأيديولوجيات العابرة للحدود في المنطقة.
وبناءً على كل ما سبق، فلا يمكن استبعاد خيار الهيئة بحلّ نفسها، بغض النظر عن شكل هذا الحلّ وكيف سيكون، وبغض النظر كذلك عن توقيته، وفي حال حصل، فسيكون في المرحلة الأولى منهُ إعلاناً إعلامياً شكلياً، وذلك نتيجة لارتباط نهاية ملف الهيئة بعدة ملفات أخرى لم يتم حسمها بعد، وكذلك لما سيترتب على ذلك من تبعات على الأرض والجبهات والمستوى الإداري في مناطق نفوذها، ففي حال تم فلن يكون سوى إعلان كمرحلة الأولى، ليتم بعدها على مراحل لاحقة خروج آخر كتلة أجانب من القيادات ومن يرفض التحول، خاصة وأن خطوة الحل ستسبب انقسامات عامودية وأفقية في بنية الهيئة، والتي من المرشح أن ترتصف مع باقي التنظيمات المصنفة إرهابية ويغلب عليها العنصر الأجنبي، لتشكل كتلة صلبة تواجه انعدام الخيارات بالنسبة للأجانب، فيما سيعاد تشكيل العنصر المحلي السوري، وهو الطاغي، وفق بنية جديدة.
لن تكون نهاية “هيئة تحرير الشام” بالسهولة التي يعتقدها البعض، كما أنها ليست بالاستحالة التي تروج لها الهيئة، ليبقى مستقبلها رهناً بخياراتها، والمرتبطة بدورها بطبيعة التوافقات الدولية والإقليمية وشكل الحل السياسي في سورية.
الرابط: http://bit.ly/2SKVoiw
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية، الدكتور عمار قحف، بالورشة النقاشية التي عقدتها لجنة إعادة الاستقرار بالتعاون مع مركز الشرق الأوسط التابع لجامعة حسن قاليونجي، تحت عنوان: "البنية الأمنية في المناطق المحررة"، وذلك بتاريخ 28 تشرين الثاني، نوفمبر 2019.
هدفت الورشة لمناقشة تفصيلية بين الأطراف المعنية في عموم المنطقة، مسلطة الضوء على الوضع الأمني فيها من خلال المحاور التالية؛
حضر ورشة العمل رؤساء وممثلون عن المجالس المحلية والجيش الوطني والشرطة العسكرية علاوة عن وزارتي العدل والداخلية في الحكومة السورية المؤقتة.
أقام مركز عمران للدراسات الاستراتيجية لقاءً تعريفياً حول كتابه السنوي الرابع المعنون بــ : "حول المركزية واللامركزية في سورية: بين النظرية والتطبيق”. هدف اللقاء إلى مناقشة فصول الكتاب ومضامينه واستعراض الآراء والأفكار الواردة فيه مع عدد من الباحثين والسياسيين والإعلاميين.
خلال كلمة الافتتاح أوضح المدير التنفيذي لمركز عمران الدكتور عمار القحف، أهمية هذا الكتاب بما يشكلًه من مرجعية نظرية وتطبيقية لمفهوم اللامركزية في سورية، مزيداً بسيناريوهات تطبيقيه تحقق أهداف الشعب السوري في وحدة الأراضي السورية، وإعادة صوغ العلاقة بين الوحدات الإدارية وبين المركز في سورية المستقبل.
فيما قدم الباحثان معن طلاع وساشا العلو شرحاً موجزاً عن ضرورة استعادة الشرعية التي فُقدت لدى الأطراف كافة في سورية، عبر تنظيم أدوات الحكم المحلي المرتكزة إلى تجربة المجالس المحلية التي لم تجنح إلى الفدرالية المفرطة ولا إلى المركزيَّة المستبدة، وذلك من خلال طريق يزيد من قوة البُنى المحلية ويرسم حدوداً لصلاحيات المركز، تعتمد على منح الصلاحيات وليس التفويض الذي يخضع لسيطرة الدولة المركزيَّة.
بدوره سلط الباحث بدر ملا رشيد الضوء على تجربة الإدارة المحلية في مناطق سيطرة نظام الأسد ومناطق “الإدارة الذاتية”، مبرزاً أهم التحديات التي تقف في وجه تجربة المجالس المحلية.
ومن الجدير بالذكر أن الكتاب جاء على عشرة فصول لعشرة من الباحثين السوريين، وضّحوا في طياته مفاهيم عن اللامركزية وأشكالها وتطبيقاتها في بلدان خرجت من النزاعات، ومدى إمكانية تطبيقها في سورية، متطرقين إلى أشكال من اللامركزية (الاقتصادية، الإدارية، المالية، السياسية)، والرقابة المحلية والحكم المحلي، ومركزين على الوظائف الدستورية والقضائية والتشريعية بحسب أنماط اللامركزية. ومقدمين رؤية حول “اللامركزية النوعية كمدخل رئيسي للاستقرار في سورية” .
يركز هذا التقرير على توصيف المشهد الميداني قبل الاتفاق والسياق العسكري الذي أفضى إلى اتفاق المنطقة العازلة ويوضح طبيعة هذا الاتفاق ودوافعه ومواقف القوى الميدانية حياله، مستعرضاً أبرز التحديات التي تعترضه لا سيما تلك المتعلقة بالميليشيات الإيرانية المنتشرة على محيط المنطقة او تلك المرتبطة بمصير هيئة تحرير الشام.
شهد مطلع شهر سبتمبر/أيلول 2018، تمركز حشود من قِبل قوات النظام وبعض الميلشيات المحسوبة على إيران بالقرب من إدلب، وتحديداً على الجبهات الاستراتيجية في محافظة إدلب([1])؛ إذ أكد النظام وحلفائه (مراراً وتكراراً) أنهم ماضون باتجاه استرجاع محافظة إدلب وذلك ضمن إطار استكمال استراتيجية "بسط السيطرة والنفوذ"؛ ومما عزز دوافع هذا الاسترجاع المتخيل أهمية المحافظة ودورها في تحسين ظروف التنمية التي تشكل أبرز تحديات النظام الراهنة؛ تلك الظروف التي ستتحسن باسترجاع الطريقين الدوليين (M5)، (M4) وما سيشكله عودة الزخم التجاري من أثر مادي.
ناهيك عن نية النظام استثمار سيناريو "المصالحات" وتطبيقه على إدلب بغية إخراج المعارضة المسلحة هناك عن معادلات الصراع وبالتالي تجاوز أسئلة صراع النظام والمعارضة والانتقال إلى مستويات جديدة؛ وفي سبيل ذلك بدأت خطط الانتشار والتمركز والتي كان أغلبها قريباً من نقاط المراقبة التركية في إدلب، الأمر الذي استدعى من الجانب التركي بإرسال تعزيزات عسكرية على نقاط مراقبتها في كلٍ من:
زادت الحشود العسكرية من الجانب التركي والقوات الموالية نسبة التوتر في المنطقة، وارتفعت نسبة العمليات العسكرية من قبل الجبهة الوطنية وهيئة تحرير الشام من جهة وقوات النظام والميلشيات الإيرانية من جهة أُخرى.
بالعموم تشكلت مجموعة من الهواجس الروسية والتركية والتي ساهمت في اختبار الأدوات السياسية للحل، فعلى الجانب التركي ارتفعت وتيرة الحذر من تبعات تلك العملية على المستوى الإنساني التي سترتد بالدرجة الأولى على تركيا لا سيما بتلك المتعلقة بالقدرة على استيعاب موجة اللجوء والتي سوف تترافق مع هجوم قوات النظام، حيث يبلغ عدد سكان محافظة 3 ملايين مدني، ثلثهم من النازحين داخلياً بسبب النزاع المستمر منذ سبع سنوات؛ ناهيك عن الهاجس الأمني التركي الذي يرى بالعملية تهديداً لخطوط الدفاع الأمامية لمنطقتي درع الفرات وغصن الزيتون وهي مناطق النفوذ التركي المشكلة كواقع صد ضد طموحات الPYD الذي لا يزال يسير بمفاوضات مع النظام؛ لذلك تعد خسارة إدلب أو انسحاب تركيا من نقاطة مراقبتها الـ 12 بمثابة إيعاز بقرب انسحاب تركيا من الشمالي السوري، لذا حاولت تركيا قبل 17 أيلول/ سبتمبر إلى الوصول إلى اتفاق يرضي أطراف الأستانة ولا يضر بمصالحها في الشمال السوري.
أما الهواجس المتعلقة بالجانب الروسي فتتمثل بالدرجة الأولى بعدم رغبة موسكو في إفشال اتفاق الأستانة بحكم اعتباره التحالف الدولي الأقوى الأن في سورية؛ كما تعي روسيا بأن وقوفها ضد الجانب التركي سوف يؤدي إلى تقوية العلاقة الأمريكية-التركية، وهذا أمر قد ينعكس على روسيا بشكل سلبي في سورية؛ كما طمحت موسكو في اختبار الأدوات السياسية بغية الحد من هجمات الطائرات المسيرة (Drones) على المواقع العسكرية الروسي في مطار حميميم وسهل الغاب؛ ناهيك عن أن العدد المحدود للقوات الروسية البرية أو القوات المحلية الموالية لها سيجعل الميليشيات الإيرانية هي القوات الأكثر قدرة على ملء أي فراغ في إدلب، وهو أمر قد لا ترغب رسيا بحدوثه، خاصة بعد تجاربها في ريف حلب الشرفي، ريف الرقة الجنوبي، ومحافظة دير الزور.
ساهمت تلك الهواجس التركية والروسية في الدفع باتجاه عقد قمة طهران التي جرت في 7 أيلول/سبتمبر 2018 بهدف الوصول إلى مخرج يراعي كافة الهواجس؛ وعلى الرغم من وضوح الخلافات بين تلك الدول في هذه القمة؛ إلا أنه يمكن اعتبارها بمثابة "الخطوة الأولى" ضمن حركة الوصول لاتفاق المنطقة العازلة في إدلب والذي أعلنت عنه كلٍ من روسيا وتركيا في 17 أيلول/ سبتمبر 2018.
مع إعلان الاتفاق بين روسيا وتركيا حول إنشاء منطقة عازلة في إدلب، نشرت بعض الجهات الرسمية من الجانبين الروسي والتركي مواصفات تلك المنطقة؛ وكان الحديث في بداية الأمر على أنه سيتم اقتطاع 7.5 إلى 10 كم من مناطق الثوار ومثلها من مناطق النظام، أي ممنوع تواجد قوى الثورة السورية وقوات للنظام في هذه المنطقة، وسيتم تسيير دوريات تركية روسية مشتركة فيها، فيما سوف تقوم تركيا بدعم مناطق قوى الثورة السورية لوجستياً، وتبقى روسيا المشرفة على مناطق النظام([3]).
فيما بعد تم توضيح بند انسحاب الفصائل من المنطقة العازلة، وتم التأكيد أن الانسحاب يشمل "القوات المتشددة" بسلاحها الخفيف والثقيل، فيما يحق لقوى الثورة السورية البقاء ولكن تحت إشراف القوات التركية في المنطقة.
تمتد المنطقة العازلة من شمال غرب حلب بالقرب من بلدتي نبّل والزهراء والتي تعتبر من أبرز معاقل الميليشيات الموالية لإيراني في الشمال الحلبي وحتى بلدة صوران شمال حماة، وتلامس المنطقة العازلة حدود مدينة حلب ومعظم الأوتوستراد الدولي (M5) المار بمناطق سيطرة قوى الثورة السورية، وثم تمتد المنطقة العازلة من بلدة صوران شرقاً وحتى السقيلبية، أما الحدود الغربية للمنطقة العازلة فتمتد على طول سهل الغاب الأوسط وحتى جبل التركمان، وكذلك شهدت هذه المنطقة بناء مراكز للشرطة العسكرية الروسية والتي حدث على إثرها خلافات حادة مع قوات الفرقة الرابعة وقوات الدفاع المحلي الموالية لإيران.
ومع نهاية شهر أيلول\سبتمبر 2018، نشرت بعض المواقع الموالية للنظام خبراً تتحدث فيه بأن المنطقة العازلة لن تكون بالمناصفة بين مناطق سيطرتي قوى الثورة والنظام[4]، وأكد الخبر أن المنطقة سوف تكون في مناطق قوى الثورة السورية بعق 15 كلم بدأً من نقاط التماس وهو الأمر الذي تم نفيه من قبل الجبهة الوطنية للتحرير وفيلق الشام([5]).
أما فيما يتعلق بمواقف القوى العسكرية المتواجدة في إدلب فترى الجبهة الوطنية للتحرير (على لسان عمر حذيفة الشرعي العام) أن أمر ترسيم المنطقة العازلة هو حل مرحلي وليس نهائي، ولذلك فإن الدخول التركي للمناطق المحررة بحدودها الآنية هو قرار دولي ولن يتم الانسحاب إلا بقرار دولي آخر؛ كما صرح النقيب ناجي المصطفى "المتحدث الرسمي للجبهة الوطنية للتحرير" بأن النقاط العسكرية التابعة لفصائل قوى الثورة السورية ستبقى تحت سيطرتها، وبكامل جاهزيتها "لأن النظام السوري والميليشيات الموالية لا تلتزم بالعهود والمواثيق".
من جهته وضح العقيد مصطفى بكور "المتحدث الرسمي لجيش العزة" بأن جميع نقاط جيش العزة توجد ضمن المنطقة العازلة، ولكنه ما زال وسيبقى بنقاطه العسكرية، وأي قرار بشأن سحب السلاح الثقيل أو تسليم النقاط سيُحدد لاحقاً خلال اجتماع مجلس الشورى الخاص بالجيش وبما يتناسب مع مصلحة الثورة([6])، ورفض الجيش (على لسان الرائد جميل الصالح القائد العام لجيش العزة) تسيير دوريات روسية في الجانب المحرر من المنطقة العازلة التي تم التوصل إليها في اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا، وأكد أن جيش العزة لن يقبل بأن تكون المنطقة العازلة من الجانب المحرر فقط وطالب بأن تكون مناصفة بين مناطق الثوار ومناطق النظام، مع التأكيد على رفض قيادة الجيش فتح الطرق الدولية في الشمال السوري (M5-M4) إلا بعد إطلاق سراح المعتقلين من سجون النظام.
يعتبر الاتفاق "أفضل سيناريو" في الوقت الحالي بالنسبة لكل من تركيا وروسيا، وعلى الورق لا تشوب الاتفاق لا أي شائبة، لكن تنفيذه لن يكون مهمة سهلة، إذ أنه يجب أخذ عدة نقاط في الاعتبار قبل نهاية شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018 من قِبل الجانب التركي والروسي؛ فأبرز تحديان على الجانب التركي يتمثلان في الآتي:
بينما على الجانب الروسي يعد الاختبار الأثقل هو التحكم في الميليشيات الإيرانية والسيطرة على قرارها؛ حيث عَجِزَت موسكو من تحقيق ذلك في عدة مناسبات سابقها ولعل أبرزها كان في محافظتي حلب ودير الزور، فما الذي يميز هذا الاتفاق؟ وما هي الضمانات الروسية على عدم محاولة الميليشيات بالاستفادة من تحول خطوط الدفاع الأولى في إدلب إلى منطقة عازلة منزوعة أو محدودة السلاح؟ خاصة أن الميليشيات الموالية لإيران تتمركز في مدينة حلب وأريافها، بعض المواقع في ريف حماه الشمالي، وقاعدة جورين في سهل الغاب. ويفيد الجدول أدناه بحجم هذا التواجد في المناطق المحيطة بالمنطقة العازلة وصعوبة ضبطه روسياً.
لعل ما ميز المرحلة ما بعد إعلان اتفاق إدلب هو إسراع الجانب الروسي إلى تسويق جديته في تطبيق الاتفاق، حيث نشرت عدة وسائل إعلام روسية رسمية خبر انسحاب قوات النظام وعدة ميليشيات من جورين في سهل الغاب، كرناز في حماه الشمالي، وأبو دالي في ريف حلب الجنوبي، وهذا الأمر ليس كما نشره الروس([8])، حيث واجهت الشرطة الروسية عدة صعوبات في التعامل مع قوات النظام والميليشيات ولعل أبرزها كان في قاعدة جورين بسهل الغاب، حيث رفضت قوات الدفاع المحلي الموالية لإيران الانسحاب من مواقعها وكاد أن يصل الوضع إلى الاشتباك المباشر مع الشرطة العسكرية الروسية([9]). وفي نهاية المطاف رضخت روسيا إلى مطلب قوات الدفاع المحلي وأنشأت مركز صغير للشرطة العسكرية داخل القاعدة، طريقة تعامل روسيا مع هذه الحادثة من أهم المؤشرات التي تبرهن عدم قدرة روسيا ضبت الميليشيات الموالية لإيران([10]).
على صعيد الاستهداف العسكري، فلوحظ غياب الطيران الروسي بشكل كامل من بعد توقيع الاتفاق مع انخفاض نسبة الاستهداف الصاروخي من قبل قوات النظام، وغالبا ما يعلل إعلام النظام تلك الضربات بسبب وجود القوات المتطرفة أمثال هيئة تحرير الشام وحراس الدين. وفيما يتعلق بالواقع الأمني داخل مناطق سيطرة قوى الثورة السورية، لم يحدث أي تغير على صعيد الاغتيالات والمفخخات، فسياسية التصفية وإضعاف الهيكلية الأمنية موجودة في مناطق قوى الثورة منذ شهر نيسان/أبريل 2018، لذا لا يمكن ربط حوادث الاغتيالات والمفخخات التي حدثت في النصف الثاني من شهر أيلول/سبتمبر باتفاق المنطقة العازلة في إدلب.
ويعد ملف هيئة تحرير الشام وهو الملف الأكثر اختباراً للاتفاق؛ وهو أمر تعاملت معه الهيئة بشديد من الحرص فعلى الرغم من ظهور انقسام داخلي إلا أن الموقف العام اتى على شكل موافقة على الاتفاق على الأقل في الوقت الحالي؛ وتمثل بانسحاب هيئة تحرير الشام من محيط نقاط المراقبة التركية في ريف إدلب الجنوبي وتسليمها لفيلق الشام؛ وصد الهيئة بالتعاون مع الجبهة الوطنية لمحاولة بعض الميلشيات الموالية لإيران من التقدم على جبهة جبل التركمان؛ ومنعت فصيل حراس الدين من أن يقوم بعمل مضاد يستهدف مواقع النظام؛ كما سمحت حكومة الإنقاذ لبعض المنظمات بمعاودة نشاطها في مناطق مختلفة من إدلب، بعدما كانت تحظر أي نشاطٍ لها في إدلب([11]).
وفي هذا الصدد يوضح المطلعون على بنية الهيئة تنامي تيارين داخلها الأولى بقيادة (أبو محمد الجولاني) أمير التنظيم، ويبدي جاهزيته للانخراط في الجبهة الوطنية للتحرير، بينما التيار الثاني يقوده "أبو اليقظان المصري" ويرفض ذلك تماما، ويدفع نحو رفض الاتفاق، ولعل ما يؤكد ذلك هو حملة الاعتقالات التي قام بها الذراع الأمني لهيئة تحرير الشام واعتقلت مقاتلين من الجنسية المصرية من هيئة تحرير الشام دون توضيح سبب الاعتقال. وفي هذا السياق ينبغي التوضيح على أنه هناك ست مجموعات غادرت مع قياداتها إلى جهات أكثر تشدداً مثل حراس الدين وأنصار الإسلام.[12]
وعموماً في حال عملت الهيئة على المستوى الميداني على عرقلة الاتفاق فإنه يرجح إحدى السيناريوهين إما بدء عمل عسكري على هيئة تحرير الشام من قبل تركيا والجبهة الوطنية للتحرير؛ أو اقتناص الروس الفرصة ودعم النظام وحلفائه للدخول إلى إدلب مما يجعل تداعيات هذا الأمر مفتوحة وبالغة الحدية.
ختاماً؛ ينبغي التأكيد على أن هذا الاتفاق والذي أقل السيناريوهات ضرراً فإنه يحمل في طياته تحديات بالغة الأهمية تتطلب تعاملاً نوعياً حيالها؛ والبناء على هذا الاتفاق لضمان إعادة تمتين القوة الدفاعية وضبط البنية المحلية أمنياً وإدارياً؛ حيث أن التعاطي مع أن هذا الاتفاق على أنه اتفاق نهائي فإن معطيات الواقع الميداني تدلل على مؤشرات لا تزال قيد الاختبار.
([1]) سهل الغاب (جورين) – ريف اللاذقية الشمالي – ريف حماه الشمالي – ريف إدلب الجنوبي الشرقي.
([2]) مواصفات مدفعية الـ T-155: https://goo.gl/5UWkS3
([3]) سوريا: ما هي بنود اتفاق إنشاء منطقة منزوعة السلاح بإدلب؟ - BBC - 18 سبتمبر/ أيلول 2018 - https://goo.gl/dPyMh2
([4]) ارتباك في صفوف المعارضة مع اقتراب تطبيق اتفاق إدلب – جريدة الحياة – 1 تشرين الأول - https://goo.gl/TGLUkC
([5]) إدلب.. فيلق الشام ينفي الانسحاب من المنطقة العازلة – العربية - 30 سبتمبر/ أيلول 2018 - https://goo.gl/YVqNfz
([6]) “جيش العزة” يرفض شروط المنطقة العازلة في اتفاق إدلب – عنب بلدي - 30 سبتمبر/ أيلول 2018 - https://goo.gl/bvEcRB
([7]) المعلومات هي نتائج تقرير خاص غير منشور من مسار الإدارة المحلية في مركز عمران قبل نهاية عام 2018
([8]) أجرت وحدة المعلومات بتاريخ 3 تشرين الأول مقابلة مع المتحدث الإعلامي في الجبهة الوطنية للتحرير والذي أكد على أن انسحاب الميليشيات الإيرانية يجري ببطء وليس كما يصرح الإعلام الروسي.
([9]) أجرت وحدة المعلومات بتاريخ 1 تشرين الأول مقابلة مع مصدر خاص مقرب في مناطق النظام بسهل الغاب والذي أكد حدوث خلافات بين الشرطة العسكرية الروسية وقوات الدفاع المحلي الممولة من إيران.
([11])أكد أحد كوادر المجالس المحلية في جبل الزاوية بتاريخ 2 تشرين الأول أن حكومة الإنقاذ سمحت لبعض المنظمات الإغاثية بمعاودة مزاولة نشاطاتها ولكن بشكل مراقب.
أعلن عن نتائج انتخابات الإدارة المحلية التي جرت منذ يومين دون أن تتضمن أي مفاجئات، حيث جرت ضمن السياق المعتاد بتدخل سلطوي فج وترتيب أمني دون أي اعتبار لرأي السكان المعنيين بها أو مصالحهم، فهي لم ولن تكون أبداً في ظل النظام القائم إلا أداة لتجميل السلطوية وإعادة ترميمها، وصولاً إلى تثبيتها من جديد عبر بناء شبكات المحسوبية والزبائنية وإخضاع المحليات للمركز، لتؤكد هذه الانتخابات بأن اعتبارات الاستقرار السياسي والمجتمعي مغيبة لصالح اعتبارات أمنية ومصلحية وما يعنيه ذلك من استمرار حالة اللااستقرار ومفرزاتها.
أعلن النظام بشهر حزيران عزمه إجراء انتخابات الإدارة المحلية في شهر أيلول، لينهي بذلك حالة تمديد ولاية وحدات الإدارة المحلية بموجب المرسوم التشريعي رقم 14 الصادر في 2016، وما بين الإعلان عن موعد الانتخابات وإجرائها قام النظام باتخاذ مجموعة من الإجراءات لضمان تحكمه بالعملية الانتخابية ومخرجاتها لتعزيز سلطويته وضمان تحكمه بإعادة الإعمار على المستوى المحلي كما المركزي، حيث لجأ إلى إعادة بناء شبكاته المحلية القائمة على ثلاثية الشيخ والبعثي والمخبر الأمني، واستلحاق آخرين ممن أفرزتهم سنوات الأزمة من ميليشاويين وتجار أزمات ومصالحين من خلال زيادة عدد مقاعد المجالس المحلية من 17588 إلى 18474، كما قام النظام بإعادة تشكيل المحليات عبر استحداث أخرى وتغير التوصيف الإداري لبعضها الآخر، ليرتفع بذلك عدد الوحدات من 1337 إلى 1444 وحدة إدارية ذات شخصية اعتبارية، وهو ما مكنه من إضعاف محليات واحتواء أخرى لطالما كانت معارضة له، فضلاً عن توظيف هذه المحليات لتنفيذ وشرعنة إجراءات تنظيمية وإدارية كالقانون رقم 10، كذلك توظيفها للتحكم الكلي بعملية إعادة الإعمار على المستوى المحلي كما المركزي في حال التوصل إلى اتفاق دولي لدعم عملية إعادة الإعمار وهو غير متحقق لغاية الآن.
عمل النظام على استغلال الانتخابات المحلية لتنشيط دور البعث من جديد من خلال دمجه بالمحليات إدارة وتوجيهاً وعضوية كما كان سابقاً، الأمر الذي ظهر من خلال هيمنة البعث على قوائم الوحدة الوطنية مقابل حضور خجل لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية ممن استنكر بعضها علناً التوجه الإقصائي للبعث كالحزب السوري القومي الاجتماعي، وعلى الرغم من كل الإجراءات لم ينجح النظام بحشد الدعم الشعبي لهذه الانتخابات والترويج الخارجي لها، كما لم يتمكن أيضاً من دفع السكان للمشاركة بها رغم الحملات الإعلامية واللقاءات الميدانية المكثفة التي قام بها ممثلوه في المدن والبلدات، وتجلى ما سبق بانخفاض عدد الترشح ونسبة الناخبين، حيث اضطر النظام إلى تمديد فترة الترشيحات مبرراً ذلك بإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن لاستكمال مستنداتهم القانونية، في حين رشحت أخبار عن طلب البعث من عناصره الترشح خلال فترة التمديد للتغطية على ضعف المشاركة الشعبية، وهو ما يفسر ارتفاع عدد المرشحين بشكل كبير من 1800 مرشح خلال الأيام الأولى للترشح ليصل إلى ما يقارب من 50 ألف مرشح بنهاية المدة القانونية للترشح، كذلك أظهرت العملية الانتخابية وبإقرار الكثير من مؤيدي النظام ضعف نسب المشاركة بها، حيث قرر الكثيرين مقاطعتها بشكل مسبق باعتبار النتائج محسومة لصالح قوائم البعث، كما تجاهلها آخرين من منطلق كونها مسرحية وبأنها لن تغير شيئاً من واقع محلياتهم.
لا يبدو بأن المجالس الوليدة عن هذه الانتخابات وأعضائها سيحدثون فرقاً في واقع المحليات، فهم نتاج ترتيب طغت عليه الاعتبارات الأمنية والمصلحية للنظام، كما لا يحظوا بمصداقية وشرعيتهم مثار تساؤل في ظل عزوف كثير من السوريين عن المشاركة بالانتخابات واختطاف هذه العملية من قبل البعث، والإقصاء المتعمد لشرائح معتبرة من المجتمع السوري من المشاركة بها من النازحين والمهجرين والمقيمين في مناطق لا تخضع لسيطرة النظام، كذلك لا تتمتع هذه المجالس وأعضاؤها بالصلاحيات الكافية لإدارة مناطقهم إذ يحتكرها ممثلو المركز كالمحافظ، ولا يتوافر لها التمويل الكافي للتصدي للاستحقاقات الخدمية لمحلياتهم وخدمة مصالحها، ليفرغ جميع ما سبق الانتخابات المحلية من مضمونها ويجعلها أداة لإنتاج السلطوية وإخضاع المحليات، وهو ما يفتح الباب مشرعاً لاستمرار حالة اللااستقرار ومفرزاتها.
المصدر السورية نت: https://bit.ly/2NSp39a
أجرى مركز عمران بالتعاون مع مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية استطلاع لرأي المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، شمل 170 مجلس بين مقيم ومهجر من أصل 470، وذلك في المحافظات السورية التالية: ريف دمشق، درعا، القنيطرة، حلب، إدلب، حمص، حماة، خلال شهر أيلول من عام 2017.
تناول الاستطلاع المالية المحلية للمجالس وأدائها في هذا الصدد، وذلك من خلال استعراض آلياتها في إعداد الموازنة المحلية ومصادر تمويلها واتجاهات الانفاق المحلي فيها، كذلك التطرق إلى منظومة الرقابة المالية القائمة لدى المجالس، كما تناول الاستطلاع توصيف المجالس من حيث آليات تشكيلها وخصائص قياداتها وطبيعة دورها، وقد خلصت نتائج استطلاع رأي المجالس إلى عدد من النتائج، كان أبرزها:
تعمل وحدات الإدارة المحلية على رسم سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية المتوافقة مع مصالح ومطالب مجتمعاتها المحلية، ولكي تتمكن تلك الوحدات من ممارسة وظائفها وتحقيق أهداف سياساتها المعتمدة، فإنها تحتاج إلى إدارة مواردها المالية بكفاءة تجنباً للهدر واتقاءً للعجز المالي الذي يؤثر سلباً على وظائفها وحتى استمراريتها. انطلاقاً مما سبق يحظى التمويل المحلي بأهمية متزايدة في دراسات الإدارة المحلية، سيما مع تنامي توجه الحكومات المركزية لمنح الوحدات المحلية صلاحيات أوسع في إدارة شؤونها، إضافةً إلى تقليص تمويل تلك الحكومات للوحدات المحلية في ظل سياسات التقشف التي تتبعها، وهو ما يوجب على وحدات الإدارة المحلية العمل على تنمية مصادرها الذاتية وتعزيز أدائها المالي سعياً منها للقيام بأدوارها وضمان استقلالها المالي.
في الحالة السورية، يكتسب موضوع المالية المحلية أهمية إضافية في ظل تشكل وحدات محلية مستقلة عن المركز بحكم الأمر الواقع، تقوم بإدارة مناطقها وتوفير خدماتها للسكان المحليين بما تيسر لها من الأدوات والتمويل، وفي ظل ما تعانيه المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة من عجز مالي مزمن، وأمام ما تواجهه راهناً من تحديات توفير الخدمات سيما خلال مرحلة خفض التصعيد، وما ينتظرها من استحقاقات كبيرة تتصل بدورها المركزي في إنعاش الاقتصاديات المدمرة لمجتمعاتها المحلية، وكذلك دورها المتوقع ضمن عملية إعادة الإعمار مستقبلاً، يغدو من الأهمية بمكان تسليط الضوء على الأداء المالي للمجالس المحلية بما يتضمنه من تحليل موازناتها ومصادر تمويلها واتجاهات إنفاقها المحلي، كذلك التطرق لمنظومة الرقابة المالية القائمة لديها، لمعرفة أوجه الخلل والقصور في أدائها المالي ثم الخلوص إلى توصيات عامة، من شأنها تعزيز استقلالية مالية المجالس باعتبارها أحد أهم مقوماتها الأساسية، إضافةً إلى تعزيز قدرتها على أداء وظائفها الخدمية والتنموية، واشتقاق مبادئ عامة لتأطير علاقة المجالس المالية مع المركز فيما يتعلق بتقاسم الموارد وصلاحيات الإنفاق المحلي خاصة في مرحلة إعادة الإعمار.
يتوزع ما يقارب من 470 مجلس محلي على مناطق سيطرة المعارضة ([1])، منها 393 مجلس مقيم في حين تمثل المتبقية مجالس المناطق المهجرة بفعل اتفاقيات التهجير والإخلاء، ويذكر في هذا الصدد تقدم محافظة إدلب على غيرها من المحافظات بعدد مجالسها والتي بلغت 156 بحسب مجلسها، في حين جاءت محافظة دمشق بالمرتبة الأخيرة بــما مجموعه 5 مجالس بين قائمة ومهجرة.
تتنوع آليات تشكيل المجالس المحلية ما بين انتخاب وتوافق إلى تعيين ومبادرة فردية، وقد أظهرت النتائج تُشكل ما يزيد عن نصف المجالس المستطلعة بقليل 52% من خلال التوافق، مقارنة بـــ 44% ممن أشاروا إلى اعتمادهم آلية الانتخاب في تشكيلها. وقد أظهرت النتائج قلة الاعتماد على آليتي التعيين والمبادرة الفردية في التشكيل حيث بلغتا مجتمعتين ما نسبته %4 من إجمالي إجابات العينة.
وعلى الرغم من تنامي اعتماد القائمين على إدارة المجالس على الانتخابات كآلية لتشكيل المجالس وبروز تجارب رائدة في هذا الصدد، تبرز عدة عوائق تحول دون إجراء المجالس لانتخابات محلية، وقد رتبتها عينة الاستطلاع بحسب أهميتها وفق الآتي: الانقسامات المجتمعية، غياب إطار تنظيمي، قلة الوعي العام بأهمية الانتخابات، عوائق أمنية، معارضة القوى العسكرية.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج سابقة خُلص إليها مركز عمران في دراسته المعنونة بــ "قراءة في الدور السياسي للمجالس المحلية"، فإنه يلحظ ارتفاع نسبة الاعتماد على الانتخابات كآلية للتشكيل من 38% في الدراسة السابقة لتصل إلى 44% في الدراسة الراهنة، وهو ما تدلل عليه الوقائع الميدانية من حيث تنظيم عدد من المجالس لانتخابات محلية يلحظ تطورها من حيث آليات التمثيل وطرق التنظيم ونوع وحجم المشاركة ومن الأمثلة على ذلك: انتخابات المجالس في كل من إدلب (كانون الأول 2017) وسراقب (تموز 2017) وعدد من مجالس الغوطة الشرقية كدوما (تشرين الأول 2017) على سبيل المثال لا الحضر.
يمكن تفسير ميل القائمين على المجالس بالاعتماد على الانتخابات كآلية للتشكيل، برغبتهم في تعزيز الشرعية المحلية للمجالس أمام ما تواجهه من مخاطر واستحقاقات تفرضها المقاربة الروسية في سورية من جهة وتوجهات القوى المناوئة لها كالحركات الجهادية من جهة أخرى، إضافةً إلى مراكمتها لخبرات تنظيمية في مجال الانتخابات المحلية وتبادلها مع مجالس أخرى بدعم من منظمات المجتمع المدني، علاوةً على تزايد شريحة القوى المنخرطة في تشكيل المجالس وعدم قدرة التوافقات على تنظيم مشاركتهم في تشكيل المجالس، وتوافقها كقوى على اللجوء للانتخابات كآلية لحسم تنافسها وتمثيلها في المجالس.
لا تعتمد المجالس المحلية في مناطق المعارضة لوائح موحدة من حيث محتواها ومصدرها. حيث أظهرت النتائج اعتماد 44% من عينة الاستطلاع عل لوائح إدارية خاصة بها، مقابل 37% تعتمد تلك الصادرة عن الحكومة المؤقتة، في حين توزعت النسبة المتبقية من عينة الاستطلاع بين 17% لا تعتمد لوائح إدارية ناظمة لعملها، وما نسبته 2% تتبنى لوائح إدارية أخرى لم تحدد مرجعيتها.
تظهر النتائج السابقة ضعف المنظومة الإدارية التي تنتمي إليها المجالس المحلية وحالة اللامركزية العالية في مناطق سيطرة المعارضة، وهو ما يظهر بتبني عدد من مجالسها للوائح إدارية خاصة بها أو صادرة عن مرجعيات أخرى، إضافة إلى عدم اعتماد مجالس أخرى لأي لوائح إدارية ناظمة لعملها، ومن شأن ما سبق أن يعزز مخاطر عدم استقرار منظومة المجالس المحلية واستمرارها، وأن يضعف أيضاً من حضورها في ترتيبات المرحلة الراهنة وكذلك الانتقالية.
يحتل الشباب مواقع القيادة في المجالس المحلية، حيث بلغ عدد من هم دون 47 عاماً 92 رئيس مجلس محلي، مقابل 30 فقط ممن هم فوق 47 عاماً. كما تشير النتائج إلى حيازة نصف رؤساء المجالس شهادات جامعية، وثلثهم يحملون شهادة ثانوية، وتقريباً سدسهم على شهادات معاهد متوسطة، بينما جاء حملة الشهادات العليا في المرتبة الرابعة بما نسبته 5% من مجموع رؤساء المجالس.
توفر نتائج هذه الدراسة مؤشرات عامة وأولية حول الخصائص العمرية والمستوى التعليمي لقيادات المجالس المحلية، من حيث انتماء جزء معتبر منها لفئة الشباب من حملة الشهادات الجامعية، وهو ما يمكن تفسيره بتواجد شروط محددة من حيث العمر والمستوى التعليمي، منصوص عليها في الأنظمة الداخلية للمجالس لشغل منصب رئاسة المجلس. بالمقابل يمكن تفسير تواجد رؤساء للمجالس المحلية من حملة شهادة البكالوريا فما دون بتساهل الأنظمة الداخلية لهذه المجالس تجاه شرط الشهادة الجامعية نظراً لافتقاد مناطقها --غالباً ما تكون في أرياف المحافظات--لحملة الشهادات الجامعية أو تفضيلهم العمل في منظمات المجتمع المدني لما توفره لهم من استقرار مادي. كما قد يمكن تفسيره كذلك بافتقاد هذه المجالس لأنظمة داخلية ناظمة لعملها وتشكيلها.
تؤدي المجالس المحلية أدوار متنوعة الأبعاد، حيث تتيح للسكان المحليين فرصة المشاركة في صنع السياسات المحلية من خلال ممثليهم، كما تقوم بإدارة شؤون مجتمعاتها المحلية وتوفير الخدمات لهم، إضافة إلى دورها في تطوير اقتصاديات مجتمعاتها المحلية وتحقيق التنمية لسكانها.
فيما يتعلق بنظرة القائمين على المجالس المحلية في مناطق سيطرة المعارضة لطبيعة دور مجالسهم، أظهرت نتائج الاستطلاع توصيف 49% من العينة لدور مجالسهم بأنه خدمي يقوم على تقديم الخدمات المحلية للسكان في مجالات الإغاثة والبنية التحتية والصحة والتعليم، بينما أجاب 36% بأنه دور متعدد الأبعاد يشتمل على السياسي والخدمي والتنموي، في حين توزعت النسبة المتبقية من العينة بين 11% وصفت دورها مجالس بالتنموي فقط، و4% تنظر لدورها على أنه سياسي بحت.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "قراءة في الدور السياسي للمجالس المحلية"، فإنه يلحظ تعدد الأدوار التي تقوم بها المجالس وتنامي تعريفها لدورها خارج الإطار الخدمي ليشتمل على أدوار تنموية وسياسية، حيث انخفضت بشكل ملحوظ نسبة المجالس المعرفة لدورها على أنه خدمي فقط من 57% في الدراسة السابقة، إلى 49% في الدراسة الراهنة، بينما ارتفعت بشكل طفيف نسبة المجالس التي تعرف دورها على أنه سياسي من 1% في الدراسة السابقة لتصل إلى 4% في الدراسة الراهنة.
من المهم تناول الدور الخدمي للمجالس من حيث طبيعته ونطاق الخدمات والأولويات في هذا المجال، والتحديات التي تواجه المجالس في توفير خدماتها للسكان، سيما مع تزايد الأعباء الخدمية على المجالس في ظل ما ينتظرها من استحقاقات ناجمة عن اتفاقيات وقف التصعيد من حيث عودة اللاجئين والنازحين وتوفير الخدمات وترميم البنية التحتية.
يتراوح الدور الإداري والخدمي للمجالس بين المركزي والثانوي، فأغلبها يقوم بتأدية هذا الدور بمفرده بما يتوفر له من إمكانيات وموارد (69%) أو أن تؤديه بالتشارك مع هيئات أخرى توافقاً أو تنافساً (21%)، بينما كان 10% فقط منهم يقوم بالتنسيق لتقديم الخدمات.
تشير النتائج أيضاً إلى زيادة طفيفة (1إلى 4%)في وعي القائمين على المجالس بأهمية الدور السياسي لمجالسهم، سيما مع امتلاكها لمقومات الفاعلية السياسية المستندة على شرعيتها المحلية، ودورها الوظيفي في توفير الخدمات، إضافةً إلى إقرار القوى الفاعلة في الملف السوري بدورها في إنجاز ترتيبات المرحلة الراهنة (وقف التصعيد) وفي المرحلة الانتقالية (الحل السياسي وإعادة الإعمار)، وسعيها كقوى لفتح قنوات لتعزيز تمثيل المجالس في العملية السياسية على المستويين المحلي (استانة) والوطني (جنيف).
تعمل المجالس على توفير خدماتها وفق سلم أولويات مجتمعاتها، فقد أظهر ترتيب عينة استطلاع المجالس لأولوياتها الخدمية حلول قطاعي البنية التحتية والتعليم معاً في المرتبة الأولى، بينما احتل قطاع الصحة المرتبة الثانية، تليها الإغاثة ثالثاً، في حين شغل الدفاع المدني المرتبة الأخيرة في سلم أولويات المجالس.
أما عن نطاق خدمات المجالس فيغلب عليها تغطيتها للنطاق الجغرافي الذي يقع ضمن نطاقها الإداري، حيث أجاب 63 % من عينة الاستطلاع عن وصول خدمات مجالسهم إلى كافة مناطق القطاع الإداري الذي يتولون إدارته، بينما أجاب 20% عن وصول خدمات مجالسهم إلى غالبية المنطقة الجغرافية التي تتبع لهم إدارياً وليس كلها، وقد أفاد 5% بأن خدماتهم مقتصرة على أجزاء من النطاق الجغرافي لوحدتهم الإدارية. بالمقابل كشفت نتائج الاستطلاع عن قيام 12%من العينة بتخديم مناطق تقع خارج نطاقها الإداري.
وتواجه المجالس المحلية عدة تحديات تؤثر سلباً على قدرتها في توفير الخدمات، جاءت وفق الترتيب الآتي بحسب ما أظهرته نتائج الاستبيان: 1) قلة الموارد المالية، 2) قلة الكوادر، 3) صعوبات أمنية، 4) تدخل فصائل المعارضة المسلحة في عمل المجالس، 5) مشاكل إدارية.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج سابقة خُلصت إليها دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية"، فإنه يلحظ تعزز الدور المركزي للمجالس في توفير الخدمات المحلية، حيث ارتفعت وبشكل ملحوظ نسبة المجالس ذات الدور الوحيد في توفير الخدمات من 50% لتصل إلى 69%، وهو ما يمكن تفسيره بمراكمة المجالس لخبرات تخصصية في إدارة الشأن الخدمي فضلاً عن استمرارها في استقطاب التكنوقراط للعمل معها، كذلك تراجع عدد الهيئات المدنية المنافسة للمجالس في مجال توفير الخدمات في ظل ضعف التمويل وحصره من قبل عدد من الجهات المانحة بالمجالس المحلية.
يظهر سلم أولويات خدمات المجالس المحلية استمرار تركيزها على قطاعي البنية التحتية والتعليم، تأكيداً منها على ضرورة معالجة ملف البنية التحتية لدوره في تحقيق الاستقرار للمجتمعات المحلية، فضلاً عن سعيها لتعزيز حضورها في المرحلتين الراهنة (خفض التصعيد) واللاحقة (الحل السياسي وإعادة الإعمار) من خلال هذا الملف. أما فيما يتعلق بقطاع التعليم، تدرك المجالس ضرورة الانخراط فيه سواءً بزيادة إشرافها على هذا الملف أو بإدارته من قبلها، سيما في ظل بروز مؤشرات سلبية عن واقع التعليم في مناطق عمل المجالس.
ومما يثير الانتباه ما أظهرته نتائج الاستطلاع من حيث تخديم عدد من المجالس المحلية لمناطق تقع خارج نطاقها الإداري، وهو ما قد يفسر بعدة عوامل منها: 1) إعادة هذه المجالس النظر في حدودها الإدارية، 2) حيازة هذه المجالس لبنية مؤسساتية ذات موارد كافية قادرة على تخديم مناطق خارج حدودها الإدارية، 3) عدم حيازة هذه المناطق على مجالس محلية مما يضطرها للاعتماد على المجالس المجاورة لها لتأمين خدماتها.
ومن الطبيعي أن تواجه المجالس تحديات عدة تستهدف دورها الخدمي، ولم تظهر نتائج الاستطلاع الراهنة تحولاً جذرياً في قائمة التحديات التي تواجه المجالس مقارنة بنتائج الدراسة السابقة بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية" وذلك باستمرار معاناتها من ضعف التمويل والذي يمكن رده إلى أسباب عدة منها: 1) انخفاض كفاءة الأداء المالي للمجالس، 2) فقدان المجالس عدداً من مصادرها الذاتية نتيجة تدميرها أو السيطرة عليها من قبل الفصائل العسكرية.
تكتسب دراسة المالية المحلية أهمية لدى كل من الحكومة المركزية وصناع القرار والسكان على المستوى المحلي، لما لها من دور في وضع السياسات واتخاذ القرارات، وتحديد طبيعة المشهد الاقتصادي والوضع المالي للمحليات واحتياجاتها، الأمر الذي يساعد صناع القرار على إدارة الموارد بعقلانية لتحقيق الأهداف الموضوعة. وفي هذا الصدد يمكن تعريف الموازنة المحلية بأنها: الخطة المالية التقديرية لإيرادات الوحدات المحلية ونفقاتها سنوياً، والتي يتم من خلالها تحقيق الأهداف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المعتمدة من قبل تلك الوحدات.
يكتسب موضوع المالية المحلية أهمية لدى المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة نظراً لما تعانيه من عجز مالي مزمن يتهدد دورها واستمراريتها واستقلاليتها. انطلاقاً مما سبق سيتم التطرق لموازنة المجالس المحلية من حيث آلية إعدادها والهيئات المكلفة بذلك، ومصادر إيراداتها واتجاهات إنفاقها بغية معرفة مكامن الخلل بما يساعد على تصويبها.
تقوم المجالس المحلية بإعداد موازناتها المالية بناء على عوامل عدة، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع اعتماد 50 % من عينة الاستطلاع على الموارد المالية المتوفرة في إعداد موازناتها، بينما يعتمد 15% من عينة المجالس على خبراتها السابقة، وبفارق قليل تصوغ 14% من عينة المجالس سياساتها المالية بناء على النفقات المتوقعة، كذلك أظهرت النتائج اعتماد 12% على تقديرات المسؤول المالي في إعداد موازناتها، في حين يقدر 9% موازنته بناء على الدعم المتوقع من المانحين.
تتوزع مسؤولية إعداد مشروع الموازنة على عدد من الجهات، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع التقدم النسبي للمكتب المالي على غيره من الجهات في إعداد الموازنة وهو ما أفاد به 37% من العينة، بينما حدد 31% المكتب التنفيذي كجهة مسؤولة عن صياغة السياسة المالية للمجلس، في حين توزعت النسبقة المتبقية من العينة بين 22% تعتبر إعداد الموازنة من صلاحية المجلس بمكاتبه وإداراته، وما نسبته 10% تعتبره اختصاصاً حصرياً لرئيس المجلس.
ولا يعتبر مشروع الموازنة نافذاً إلا إذا تمت المصادقة عليه من قبل هيئة محددة وفق الأصول والإجراءات المتبعة والتشريعات النافذة، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع ضعف دور الهيئة العامة المشكلة للمجلس في المصادقة على مشروع الموازنة وهو ما أفاد به فقط 6% من العينة، كذلك الأمر بالنسبة لمجالس المحافظات بما نسبته 8%، بينما جاءت النتائج متطابقة من حيث صلاحيات كل من المجلس المحلي بمكاتبه وإداراته وكذلك رئيسه في التصديق على مشروع الموازنة بما نسبته 33% لكل منهما، في حين حدد 19% المكتب التنفيذي كجهة مخولة بالتصديق على الموازنة. وما يثير الاهتمام في النتائج محدودية دور الفصائل العسكرية كجهات مرجعية في التصديق على موازنة المجالس وهو ما أفاد به 1% فقط من العينة.
تظهر النتائج السابقة افتقاد المجالس المحلية لنظام مالي وتشريعات قانونية ولوائح إجرائية موحدة ناظمة لعملية إعداد الموازنة واعتمادها، وقد أظهرت النتائج تنوع خبرات عينة المجالس في إعداد موازناتها، مع ميل نصفها لاعتماد الواقعية في صياغة سياساتها المالية المحلية بناءً على الموارد المالية المتاحة، وهو ما يمكن تفسيره بــ:1) الخبرات المالية التي راكمتها المجالس في إعداد الموازنات، 2) رغبتها في تجنب العجز المالي الذي يستهدف دورها واستقلاليتها، 3) تجنب التداعيات السلبية لرفع سقف توقعات السكان المحليين، والناجمة عن تبني موازنات غير ممكنة التطبيق. كذلك يعزز تعدد الجهات المسؤولة عن إعداد الموازنة والمصادقة عليها من الاستنتاج القائل بضعف اعتماد المجالس على نظام داخلي ومالي موحد، وهو ما يؤدي إلى تعدد الأدوار وتنازع الصلاحيات في إعداد الموازنات، كما يؤثر سلباً على الشفافية المالية للمجالس.
تتألف الموازنة بشكل عام من قسمين رئيسين هما الإيرادات والنفقات، وفيما يتعلق بمصادر تمويل المجالس المحلية لموازناتها، أظهرت النتائج تنوع المصادر المالية التي تعتمدها المجالس في تمويل إنفاقها المحلي، بحيث تشمل موارد ذاتية وأخرى خارجية رتبتها عينة الاستطلاع من حيث وفرتها وفق الآتي:
وتعتمد المجالس على عدة آليات لتحصيل الضرائب والرسوم من المكلفين مالياً، وقد أظهرت عينة الاستطلاع ترتيب تلك الأدوات وفق الآتي: تعيين جباه محليين، تحصيل الرسوم والضرائب من خلال فرضها على الخدمات (كالخبز، سلال الإغاثة) التي يوفرها المجلس للسكان، تفويض المجلس مهام الجباية لهيئات محلية (كالشرطة المحلية أو الفصائل أو منظمات المجتمع المدني).
على الرغم من تنامي اعتماد المجالس على الجباية المحلية لتعزيز مواردها ورفع سوية خدماتها من حيث جودتها وتوفيرها، إلا أنها تواجه تحديات عدة تعترض جهودها في هذا الأمر، وقد رتبتها عينة الاستطلاع بحسب أهميتها وفق الآتي:
يعتبر تقاسم الموارد بين الحكومة المركزية والمجالس المحلية إحدى أبرز القضايا الإشكالية المتوقعة بين الطرفين مستقبلاً خاصة في مرحلة إعادة الإعمار ولا سيما في المناطق الغنية بالموارد المحلية، وفي سؤال عن رأي المجالس المحلية تجاه هذا الموضوع، أكد ما نسبته 85% من عينة الاستطلاع على أحقية المجالس بالتصرف بالإيرادات المحلية دون إرسالها للحكومة المركزية، بينما أيد 10% من العينة فكرة تقاسم الإيرادات بين المركز والمجالس المحلية وفق صيغة متفق عليها، في حين كان التأييد لحق استئثار المركز بالإيرادات المالية المحلية ضعيفاً جداً حيث لما يتجاوز نسبة 1%، أما النسبة المتبقية من العينة والتي بلغت 4% فقد فضلت عدم الإفصاح عن رأيها تجاه هذا الموضوع.
تقوم المجالس المحلية بإنفاق مواردها المالية لتمويل نشاطاتها وتلبية متطلباتها وتنفيذ سياساتها، وقد رتبت عينة استطلاع المجالس مصاريفها بحسب الأكثر انفاقاً وفق الآتي:
وكما يمثل تقاسم الموارد بين المركز والمجالس إحدى النقاط الخلافية بين الطرفين، كذلك تعتبر صلاحيات الإنفاق المحلي من الملفات الإشكالية لارتباطها الوثيق بتقاسم الموارد وبتوزع الصلاحيات المالية بين المركز والمجالس، وقد أظهرت النتائج تأييد 84% من العينة حصر صلاحيات الإنفاق المحلي بالمجالس دون تدخل الحكومة المركزية، بينما أيد 13% فكرة تقاسم الصلاحيات بين المركز والمجالس، في حين أعرب ما نسبته 2% عن تأييدهم لحصر صلاحيات الانفاق المحلي بالمركز فقط، أما النسبة المتبقية من العينة والتي تشكل 1% فقد فضلت عدم الإفصاح عن رأيها تجاه هذا الموضوع.
ومن الطبيعي أن تتأثر الإيرادات والنفقات المحلية بالبيئة الاقتصادية لمناطق المجالس، ويلاحظ من نتائج الاستطلاع تنوع النشاط الاقتصادي لمناطق عمل المجالس، حيث يأتي في مقدمتها النشاط الزراعي، يليه الخدمي فالتجاري وأخيراً الصناعي.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج أخرى خُلصت إليها دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية"، فإنه يلحظ تنامي اعتماد المجالس على الضرائب والرسوم المحلية كمصدر لإيراداتها المالية، حيث جاءت بالترتيب الأول في الدراسة الراهنة مقابل حلولها بالمرتبة الثانية في الدراسة السابقة وهو ما يمكن تفسيره بعدة أسباب منها: 1) رغبة المجالس في تعزيز الاعتماد على مواردها الذاتية خاصة مع تراجع مصادر الدعم الخارجي، 2) تعزيز المجالس لشرعيتها المحلية ودورها الخدمي بما يخولها فرض الضرائب والرسوم وجمعها.
الرغم ما حققته المجالس من تقدم ملحوظ فيما يتعلق باحتساب الضرائب وآليات جبايتها، فإن نتائجها ما تزال دون المستوى المأمول منها، ويعود السبب في ضعف الجباية المحلية بشكل رئيسي إلى عاملين هما:
يعبر تأييد غالبية المجالس لحقها بالاستئثار بالموارد المحلية دون إرسالها للمركز مستقبلاً، عن عدم ثقتها بالمركز نتيجة سياساته التنموية والاقتصادية التمييزية في وقت سابق، والقائمة على اعتبارات الولاء وترجيح مراكز المدن على أطرافها، وقد أفرزت هذه السياسات مشاكل تنموية وأزمات اقتصادية ساهمت في تأجيج الحراك الاحتجاجي مطلع 2011 خاصة في المناطق المهمشة اقتصادياً وتنموياً. كما تتعزز مخاوف المجالس من استئثار المركز بمنافع عملية إعادة الإعمار واستخدامها كورقة ضغط عليها، الأمر الذي يفسر تأكيد غالبيتها على ضرورة تمتعها بصلاحيات الانفاق المحلي بشكل مستقل عن المركز، باعتباره ضمانة لاستقلالها وبما يمكنها من تلبية متطلبات مجتمعاتها التنموية والخدمية.
وتفسر طبيعة الانفاق المحلي للمجالس أحد أسباب عجزها المالي، حيث تركز المجالس بالدرجة الأولى على دعم القطاعات الحيوية وإعادة تأهيل البنية التحتية، الأمر الذي يستنزف مواردها المحدودة نظراً لحجم الدمار الذي يتطلب قدرات مالية كبيرة لا تتوافر حتى لدى المركز.
شهدت الرقابة المالية على مستوى الدول وهيئاتها تطوراً ملحوظاً فيما يتعلق بالتشريعات القانونية والأدوات الإجرائية الناظمة لها، وذلك بهدف مراقبة التصرف بالمال العام ومعالجة حالات الفساد التي قد تنشأ، ويمكن تعريف الرقابة المالية بأنها: عملية الإشراف والتحقق التي تمارسها سلطة مخولة قانوناً على عملية التصرف بالمال العام، بهدف التأكد من الالتزام بالتشريعات والقوانين والأنظمة المعمول بها، وسلامة الأداء وتصويب مكامن القصور ومعالجة حالات الفساد.
يكتسب موضوع الرقابة المالية أهمية لدى المجالس المحلية سيما في ظل ما تتهم به من سوء إدارة المال المحلي هدراً أو فساداً، وتبعاً لما سبق سيتم التطرق لمنظومة الرقابة المالية القائمة لدى المجالس من حيث الأنظمة والآليات المعمول بها، والجهات المسؤولة عن ممارستها.
تدير المجالس المحلية ماليتها المحلية وفق نظام مالي ومحاسبي، وقد أظهرت النتائج تبني ما يزيد عن ثلثي العينة بقليل لنظام مالي ومحاسبي متوافر بشكل مكتوب، بينما أجاب ربع العينة تقريباً بعدم امتلاكها لأنظمة مالية مكتوبة، في حين لم تتخطى نسبة المجالس التي لا تعتمد أي أنظمة مالية عتبة 10%.
ومما يلحظ في هذا الصدد اعتماد ما يزيد عن ثلاث أرباع العينة بقليل على لوائح مالية خاصة بها، بينما لم تتجاوز نسبة المجالس التي تعتمد على الأنظمة المالية الصادرة عن مجالس المحافظات أو الحكومة المؤقتة مجتمعين حاجز 19%.
تثار التساؤلات حول مدى امتلاك المجالس المحلية لكفاءات مالية تخصصية قادرة على إدارة ماليتها المحلية، وفي هذ الصدد أجاب 38% من العينة عن حيازة مسؤولها المالي على شهادة تخصصية في الاقتصاد والعلوم المالية، سواءً أكانت شهادة جامعية بنسبة 26% أو شهادة معهد مصرفي بنسبة 12%. بالمقابل أفاد ما نسبته 40% من العينة عن امتلاك مسؤولها المالي لشهادة غير تخصصية، سواءً أكانت شهادة جامعية بنسبة 28% أو شهادة معهد متوسط بنسبة 12%، كما كشفت النتائج عن حيازة ما نسبته 22% من مسؤولي المكاتب المالية للمجالس على شهادة بكالوريا فقط.
توثق الغالبية العظمى من المجالس أنشطتها، حيث يعتبر التوثيق المالي لأنشطة المجالس من عوامل نجاحها، بما يعزز من ثقة السكان المحليين والجهات الداعمة بها، وقد بينت النتائج تعدد أدوات التوثيق المالي للمجالس، حيث رتبتها العينة وفق الآتي: الإيصالات والفواتير، دفتر حسابات مالي، برنامج محاسبة على الكمبيوتر وتقارير مالية، بينما لم تتجاوز نسبة المجالس التي لا توثق مصاريفها المالية عتبة 8%.
تتمتع أغلب المجالس بآليات رقابة تتنوع بين تلك داخلية وأخرى خارجية. أما عن الجهات المكلفة بالرقابة على شؤون المجالس ومتابعة أعمالها، فقد أظهرت النتائج تعدد الجهات الرقابية على المجالس حيث تعتمد 57% من عينة الاستطلاع على الرقابة الداخلية، مقابل تبني 25% للرقابة الشعبية، في حين أفاد 7% برقابة مجالس المحافظات على مجالسها. ومما يلحظ في هذا الصدد امتلاك بعض الفصائل لصلاحيات الرقابة على أعمال المجالس وهو ما عبر عنه 4% من العينة، في حين أجاب 2% عن صلاحية القضاء المحلي مراقبة المجالس، في حين لم تتجاوز نسبة المجالس التي لا تخضع لأي رقابة حاجز 5%.
تشير النتائج ذات الصلة بنظام الرقابة المالية للمجالس المحلية بتعدد الآليات وضعف الأداء، حيث يعتمد ما يزيد عن ثلثي العينة بقليل على أنظمة مالية مكتوبة، غالباً ما تكون من إعدادها وهو ما أفاد به ما يزيد عن ثلاثة أرباع العينة بقليل. وعند مقارنة النتائج السابقة مع تلك المتصلة باختصاص المسؤول عن المكتب المالي، يتضح جلياً أحد الأسباب المفسرة لضعف الأداء المالي للمجالس وذلك من حيث اعتماد ما نسبته 40% فقط على مسؤولين ماليين من حملة الشهادات التخصصية بمجال الاقتصاد والعلوم المالية. ومن العوامل المفسرة أيضاً لضعف الأداء المالي للمجالس افتقادها إلى جهة مرجعية تتولى مسؤولية الرقابة على أعمالها، حيث تظهر النتائج اعتماد المجالس بالدرجة الأولى على لجانها الداخلية للرقابة، في حين تكشف النتائج عن ضعف دور مجالس المحافظات وانعدام دور الحكومة المؤقتة في ممارسة الرقابة على أعمال المجالس.
تكتسب دراسة مالية الوحدات المحلية أهمية في ظل حاجة تلك الوحدات إلى تنظيم شؤونها المالية راهناً بما يساعدها على وضع السياسات المحلية واتخاذ القرارات وإدارة مواردها بعقلانية لتحقيق الأهداف المتوخاة، كما تكتسب هذه الدراسات أهمية من حيث إثارتها لقضايا إشكالية من قبيل تقاسم الموارد وتوزيع صلاحيات الانفاق المحلي بين المركز والوحدات المحلية سيما في مرحلة إعادة الإعمار.
ويكتسب موضوع المالية المحلية أهمية لدى المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، نظراً لما تعانيه من عجز مالي مزمن يتهدد دورها واستمراريتها وحتى استقلاليتها، ويعود هذا العجز المالي بأحد أسبابه إلى انخفاض تمويل الجهات المانحة لأسباب تتصل باعتبارات ميدانية أو سياسية أو اقتصادية، كما يمكن تفسير ذلك العجز بأسباب أخرى تتعلق بإدارة المجالس المحلية لماليتها المحلية وطبيعة إيراداتها ونفقاتها، حيث تفتقد المجالس إلى نظام مالي وتشريعات قانونية ولوائح إجرائية موحدة ناظمة لعملية إعداد الموازنة والمصادقة عليها، كما تفتقر مكاتبها المالية إلى الكفاءات التخصصية في مجال الاقتصاد والعلوم المالية.
وفي حين يشكل اعتماد المجالس على الضرائب والرسوم كمصدر رئيسي لإيراداتها المالية نقطة تحول في تفكير المجالس لجهة التقليل من اعتمادها على المانحين لصالح الاعتماد أكثر على مواردها الذاتية، فإن النتائج المتحققة عن الجباية لا ترقى للمستوى للمأمول لأسباب تتصل بضعف الوضع الاقتصادي للمكلفين مالياً وعدم تجاوبهم مع جهود المجالس في الجباية لأسباب عدة، وإلى جانب ما سبق يفسر طبيعة الانفاق المحلي للمجالس عجزها المالي، حيث تقوم المجالس باستنزاف مواردها في دعم قطاعات حيوية تحتاج إلى موارد كبيرة لا تتوافر حتى لدى المركز. كما يفاقم ضعف منظومة الرقابة المالية للمجالس من عمليات الهدر، ويعزز من فرص تشكل حالات فساد مالي داخلها.
وفي ظل ما سبق تجد المجالس المحلية نفسها أمام استحقاق تعزيز إدارتها المالية بما يمكنها من معالجة عجزها المالي وتقليل اعتمادها على المانحين لتأدية وظائفها ومراكمة الخبرات الكفيلة بجعلها شريكاً موثوقاً في عملية إعادة الإعمار، ولكي تتمكن المجالس المحلية من تحقيق ما سبق فإنها بحاجة إلى دورات تدريب مكثفة في مجال الإدارة المالية، كما أنها بحاجة إلى توحيد أنظمتها المالية وتعزيز دور مجالس المحافظات والحكومة المؤقتة في الرقابة على أعمالها إلى جانب الرقابة الشعبية.
للمزيد حول منهجية البحث وملحق الورقة انقر هنا
[1] توصل الباحث إلى هذا الرقم من خلا ل التواصل مع مجالس المحافظات التابعة للمعارضة السورية.