مدخل

خلال متابعة حركية أنشطة التعافي المبكر في مناطق المعارضة في ريف حلب ومحافظة إدلب يمكن ملاحظة انحسار المشاريع المنفّذة ضمن قطاعات النقل والمواصلات والمياه والنزوح الداخلي والتجارة؛ مقابل محدودية التنفيذ في قطاعات استراتيجية أخرى لعلّ أهمها قطاع التمويل، ولأهمية هذا القطاع وأدواره الوظيفية في تشكيل أطر دعم محلياتية ستحاول ورقة التوصيات التالية تنبيه الفاعلين حول إشكالية قطاع التمويل في المنطقة وضرورة العمل على تنويع القنوات التمويلية وتوجيهها نحو تطوير البيئة التمويلية وتنفيذ مشاريع صغيرة ومتوسطة في قطاعات إنتاجية كالزراعة والصناعة والخدمات.

بيئةٌ تمويليةٌ ضعيفة

في إطار رصد نشاطات التعافي الاقتصادي المبكر ضمن القطاعات التالية[1]: المياه، والنقل، والكهرباء، والزراعة، والتجارة، والإسكان والتعمير، والنزوح الداخلي، والصناعة، والتمويل، والخدمات الاجتماعية؛ نفّذت المجالس المحلية بالتعاون مع المنظمات العاملة في مناطق المعارضة نحو 3204 مشروعاً في ريفيّ حلب وإدلب خلال 3 أعوام بين 2018 و2021.
وشكّل الوزن النسبي للمشاريع اهتماماً أكبر بالمرافق الأساسية؛ كتأمين مياه الشرب عبر تمديد شبكات جديدة وإصلاح أعطال الشبكات القديمة، ومد شبكات صرف صحي، وتعبيد الطرق الفرعية والرئيسية داخل المدن والبلدات وخارجها بالإسفلت، وتقديم خدمات داخل المخيمات لتخفيف معاناة النازحين، فضلاً عن مشاريع أخرى مرتبطة بقطاع التجارة. حيث بلغت نسبة المشاريع المنفّذة في قطاع المياه والصرف الصحي 19% من إجمالي المشاريع الكلي، و18% في النقل المواصلات، و17% في التجارة، بينما بلغت نسبة المشاريع في الزراعة 8%، وفي كل من الكهرباء والتمويل 4% لكل منهما وفي قطاعي الصناعة والاتصالات 0%.

 

وتعتمد المجالس المحلية والمنظمات في تنفيذ المشاريع وتوظيف الكوادر على المنح والمساعدات المالية (الريع) المقدّمة من الدول والمنظمات الأجنبية، وتكاد تكون هذه الرافعة المالية الوحيدة لتنفيذ النشاطات والمشاريع فضلاً عن كونها المشغّل الرئيسي للسكان، وهو ما ربط حركة التعافي الاقتصادي المبكر وتنفيذ المشاريع من جهة بقرارات المانح وطرق توزيع الأموال اتجاه قطاعات محددة، ومن جهة أخرى بمحددات تعامل المجتمع الدولي حيال الملف السوري والتي تؤثّر على جحم التمويل من جهة أخرى، وبالتالي تمحورت معظم الأموال الممنوحة حول  أطر الأعمال الإغاثية أو التي تخدمها بشكل غير مباشر، ما أفرز هشاشة في الاقتصاد المحلي، وانكشاف على الخارج (تركيا)، واعتمادية متزايدة على فكرة المنح المالية، وعدم الالتفات لتوفير عناصر البيئة التمويلية من مؤسسات وأسواق وأدوات وخدمات مالية والتي تُسهم بدورها في خلق قنوات تمويلية جديدة  تعود على المجتمع بالفائدة المرجوّة.

تدفع المنهجية القائمة باتجاه ضرورة تبني مقاربات أخرى تُخفّف نسب الاعتمادية على الآخر؛ وتتكئ على التحسّن الطفيف في مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة (انظر الشكل رقم 2)، وتقوم هذه المقاربات المقترحة باتجاه تحويل منهجية عمل الأجسام الرسمية وغير الرسمية بشكل تدريجي نحو رفد القطاعات الاقتصادية ذات الشأن بتجديد الإنتاج الاجتماعي وتعبئة رؤوس الأموال المحلية والممنوحة في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والكهرباء والاتصالات والخدمات عموماً ودعم بيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

 

ثلاث أدوات لتطوير بيئة التمويل

يمكن الاعتماد على عدة أدوات لإيجاد بيئة تمويلية ضمن الظروف الحالية، وخلق قنوات تمويلية خاصة لتنفيذ مشاريع كثيرة مثل: مشاريع الطاقة المتجددة ومعالجة النفايات والصناعات النسيجية والطبية والغذائية والتقنية والمعدنية والورقية فضلاً عن المشاريع الزراعية والثروة الحيوانية ومشاريع استراتيجية متمثلة بشبكات الكهرباء والمياه والهاتف والانترنت والنقل والمواصلات والإسكان والتعليم وغيرها، ويمكن الاعتماد على ما يلي لتطوير هذه البيئة:

أولاً: المجالس المحلية وغرف التجارة والصناعة

ينبغي أن تلعب المجالس المحلية وغرف التجارة والصناعة دوراً محورياً في تهيئة بيئة العمل وتأسيس المشاريع، وفي سبيل تحقيق هذا الدور، يمكن التوافق على تشكيل خلية موحّدة باسم "هيئة إدارة المشاريع" تتعاون مع خبراء إداريين واقتصاديين في اختيار منطقة آمنة مناسبة لتأسيس وعمل المشاريع والشركات. تعمل الهيئة على كتابة نظام إداري وقانوني مرن يتضمن تفاصيل الترخيص والرسوم والضرائب والتوظيف والواردات والصادرات وأية تفاصيل أخرى، وتضمن معالجة كافة المخاوف والمشاكل المرتبطة بتأسيس المشاريع والعمل، وما يحتاجه صاحب الفكرة لتنفيذ مشروعه، والمستثمر سواءً كان فرداً أو منظمة أو شركة لضمان حقوقه وأرباحه، مع التأكيد على تضمين القوانين التركية والدولية ذات الشأن، ووضع خطة استثمارية تهدف لسد الفجوات في الأمن الغذائي والمائي والطاقة، وإيجاد فرص عمل للشباب.

 وتعمل هذه الهيئة ضمن المحاور التالية:

  • الاتفاق مع الجانب التركي، والمنظمات الدولية، على قواعد عمل هذه المنطقة وطرق الاستثمار فيها؛
  • تأسيس محكمة توظّف قضاة ومحامين في القضايا والحقوق المالية والتجارية والاستثمارية والنزاعات المرتبطة بها لاستمرار العمل ضمن بيئة قانونية صحيّة، وضمان حقوق الملكية والأوراق المرتبطة بالديون ورأس المال؛
  • وضع خطة تسويقية للمنطقة تتضمن الاستفادة من تجارب حواضن استثمارية قائمة، وزيارة بلدان عربية وأجنبية وبلدان المغترب السوري، ومنظمات محلية وأجنبية بهدف التشبيك وتعزيز الثقة وبناء جسور التواصل وجذب الاستثمارات المنشودة إليها؛
  • الاستفادة من المدخرات المحلية المتوفرة بيد قلّة من الأشخاص بالمنطقة عوضاً عن تسربها إلى الخارج، بما يُسهم في تمويل مشاريع واستثمارات متنوعة؛
  • تشجيع المستثمرين على تأسيس شركات مصرفية وإدارة أموال واستثمارات، تفيد في جذب الأموال المحلية والخارجية وتشغيلها في مشاريع ربحية؛
  • قوننة عملية "التمويل الجماعي" التي قد تُنفّذ من قبل المجتمع المحلي.

ثانياً: المنظمات المحلية

يُمكن للمنظمات المحلية العمل على توسيع دائرة العمل لتشمل قطاعات إنتاجية وإيجاد مانحين ومتبرعين، أفراداً ومؤسسات ودولاً، بكافة السبل المتاحة لتمويل مشاريع في الصناعة والزراعة والخدمات، ومن أجل ضمان نجاح أكبر للمشاريع يمكن تبني فكرة "الاحتضان" وتدريب صاحب المشروع مالياً وإدارياً وتسويقياً، بهدف إنجاح المشروع وتذليل الصعوبات. والجدير بالذكر أن المنظمات راكمت خبرة خلال السنوات الماضية وتمكنت من التأقلم في ظل ظروف عمل صعبة، فضلاً عن رصيد العلاقات والخبرة والموارد البشرية التي تمتلكها، ما يُمكنّها من تسويق واحتضان مشاريع إنتاجية تسهم في رفد المنطقة بالنجاح المطلوب.

ثالثاً: المجتمع المحلي

بات التمويل والعمل اللامركزي مُنافِساً قوياً للأنظمة البيروقراطية والمركزية في العالم خلال السنوات الماضية، يمكن الاستفادة من هذه الطفرة وتوأمة التجربة في مناطق المعارضة، عبر تشجيع أفراد في الداخل على تصميم منصات تمويل على الانترنت تستهدف جذب أصحاب المشاريع لعرضها على المنصة، وإتاحة التفاعل مع العالم لمشاركة الفكرة وجمع التمويل اللازم لتنفيذها، وقد تبدأ الأفكار انطلاقاً من تمويل فرد أو عائلة لشراء دواجن أو أبقار بمبالغ مالية صغيرة بهدف الاستفادة ممّا يتنج عنها، إلى تمويل مجموعة أفراد لصناعة منتجات معقّدة تباع في الأسواق المحلية أو الخارجية عبر أسواق إلكترونية. وتتيح هذه الطريقة تجاوز الصعاب والتحديات المحلية التي تواجه عملية التمويل، وتشجيع أصحاب الأفكار على طرحها وتنفيذها، وتأسيس مشاريع صغيرة متنوعة قابلة للنمو والتطور مع مرور الوقت، فضلاً عن خلق فرص عمل في المنطقة.

وتُصمم هذه الطريقة وفق نموذج "الكل أو لا شيء" بمعنى؛ ينفّذ المشروع في حالة جمع كامل المبلغ المطلوب فقط. ويوضّح الجدول التالي أنواع التمويل الجماعي المتاح:

 

خلاصة ختامية

إنّ تطبيق هذه الأطر وتنويع مصادر التمويل سيساهم في تعزيز شروط فعالية البيئة التمويلية، وبالتالي تطوير الاقتصاد المحلي بالمحصلة، ونقل دور المجالس والمنظمات والمجتمع المحلي رويداً رويداً من دور إغاثي عاجل إلى دور تنموي أكثر استدامة، إضافة لتعزيز جملة من الأمور في المنطقة من بينها:

  • دفع عجلة الاقتصاد وإيجاد فرص عمل تساهم في تعزيز استقرار السكان في تلك المناطق، فضلاً عن تحفيز فئات كثيرة من السوريين في دول الجوار للعودة إلى الداخل؛
  • الانتقال بشكل تدريجي من وضعية الاعتماد على الغير في تأمين الاحتياجات إلى الاعتماد على الذات، واكتساب الأجسام الإدارية القائمة ثقة عالية وأوراق تفاوض مع باقي الأطراف؛
  • تعزيز دور القطاع الخاص في رفد عملية التعافي الاقتصادي المبكر بالأعمال والمشاريع، وبالتالي منافسة مدن النظام وجذب التجار والصنّاع والأموال إلى مناطق المعارضة.

يُمثّل قطاع التمويل عصب الاقتصاد والأسواق إذ لا يمكن للأفكار أن تتحول إلى مشاريع، ولا يمكن للحكومة والمجالس المحلية أن تتقاضى الرسوم والضرائب بدون إنعاش هذا القطاع الهام. ومن شأن تطوير الاقتصاد المحلي في المنطقة خلال السنوات القادمة، تعافي المنطقة أكثر وصياغة هوية اقتصادية والعودة للحياة الطبيعية وتوظيف الكفاءات والكوادر في المكان المناسب، وتوفير تعليم وحياة أفضل للسكان.


 

[1] للاطلاع أكثر أنظر: مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة بين النصف الثاني 2018 والنصف الثاني 2020 على الروابط التالية: https://bit.ly/3jafNuC، https://bit.ly/2WzyRLb ، https://bit.ly/37donmN ، https://bit.ly/3ffE9BY 

التصنيف أوراق بحثية
قدم الباحث في #عمران_للدراسات_الاستراتيجية محمد العبدالله تصريحاً لـ المدن ضمن تقرير بعنوان: "رفع العقوبات عن مناطق المعارضة..رئة اقتصادية لخنق النظام".
 
شخص فيه الباحث أسباب إقدام الولايات المتحدة على هذه الخطوة والنتائج المتوخاة منها.
 

 

تمهيد

ما تزال مناطق سيطرة المعارضة في شمال وشمال غرب سورية تواجه العديد من المشكلات المركبة، والتي تعيق تحقيق الاستقرار، بعد أكثر من ثلاثة أعوام على تحرير المنطقة من تنظيم "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية"، عبر عمليتي"درع الفرات" و"غصن الزيتون"، فمع استتباب الأوضاع العسكرية نسبياً بقيت الأحوال الاقتصادية تشكل هاجساً كبيراً للسلطات الحوكمية التي تشرف على إدارة المنطقة.

تهدف عملية التعافي الاقتصادي كجزء من عملية التعافي المبكر إلى مساعدة المجتمعات المحلية للعودة إلى نوع من الحياة الطبيعية، واستقرار الوضع لمنعه من العودة إلى العنف والأزمة، ويتمثل الهدف العام للتعافي المبكر في شقين، الأول: استرجاع البنية التحتية الأساسية المادية والاجتماعية، التي تساعد على استئناف السكان لأنشطتهم الاقتصادية والاجتماعية؛ والثاني: توفير حلول مستدامة للمشكلات التي تعاني منها المنطقة، والتفكير بأهداف التنمية بعيدة المدى.

ويتكون برنامج التعافي الاقتصادي المبكر بحسب الأمم المتحدة من 3 مسارات، تبدأ بالتوازي بسرعات وكثافة مختلفة أثناء عملية التفاوض على اتفاق سلام أو تسوية سياسية. والمسارات الثلاث هي([1]): إحلال الاستقرار، توفير الدخل والتوظيف الطارئ، والمسار الثاني إعادة الدمج المحلي، والمسار الانتقالي، خلق وظائف مستدامة وعمل لائق في المسار الثالث. وبينما ينشغل المسار الثاني والثالث في خضم المرحلة الانتقالية، تنظر الورقة التالية في المسار الأول الذي يستهدف المقاتلين السابقين والشباب واللاجئين والعائدين إلى مناطق النزاع، وتُعطى الأولوية في هذا المسار للإجراءات قصيرة المدى، التي تخلق فرص عمل وتدعم العمل الحر، كما يوصي هذا المسار بالبرامج الضرورية لتحسين سبل العيش وتدعيم الاستقرار، مثل تقديم النقد مقابل العمل، والتوظيف الطارئ في القطاع العام والتدريب وتمويل الأعمال والمشاريع الناشئة.

تحاول هذه الورقة تلمس ملامح الاستقرار الاقتصادي في مناطق المعارضة، ضمن ظروفها السياسية والعسكرية والاقتصادية، منطلقة من أن بناء الاستقرار سيكفل وضع المنطقة في مصاف المرحلة الأولى من مراحل التعافي الاقتصادي المبكر، وينقل البلاد من النزاع إلى السلم، ويمهّد لإعادة الإعمار، دون نسيان شروط تحقيق السلام: البيئة الآمنة، والاتفاق السياسي.

واقع التعافي المبكر وفق القطاعات الاقتصادية والتنموية

بالنظر إلى ما تم جمعه من بيانات وإحصاءات، حول المشاريع والنشاطات في "درع الفرات" وعفرين وإدلب بين 2018 و 2020، فقد عملت المجالس المحلية والمنظّمات على إرساء قواعد الاستقرار، وفق منظورٍ ونطاقٍ ضيّقٍ، يتناسب وطبيعة وظروف المنطقة، فقد تركز اهتمامها على تأمين الخدمات الأساسية للسكان، على الرغم من عدم توفر أبسط المتطلبات والظروف الملائمة للعمل، جراء البيئة الهشّة المهدَدَة بعودة العنف، وعدم توافر الموارد المالية لتمويل المشاريع، وصرف جزء كبير من الأموال والجهد على العمل الإغاثي لمساعدة النازحين، والمهددات الأمنية المتمثلة بالاغتيالات والتفجيرات والخلافات بين الفصائل، واشتعال الجبهات بين الفينة والأخرى. يوضّح الجدول أدناه([2]) أرقاماً مفصّلةً حول المشاريع المنفّذة في القطاعات الأحد عشر([3])، نسوق من خلاله أبرز الملاحظات والنتائج وفقاً للقطاعات والمدن على مدار عامين ونصف بين 2018 و2020:

- بلغ إجمالي الأعمال والمشاريع التي تم تنفيذها في "درع الفرات" وعفرين وإدلب نحو 2434 مشروعاً، موزعاً على قطاعات اقتصادية عدة، لوحظ فيها ارتفاع الأعمال المنفّذة بشكل مطّرد، من 338 مشروعاً في النصف الثاني لـ 2018، إلى 812 مشروعاً في النصف الثاني لـ 2020. حاز خلالها قطاع النقل والمواصلات على الاهتمام الأوسع في تنفيذ المشاريع، إذ تم تنفيذ 451 مشروعاً، ساهمت في ترميم ما دمرته الحرب من طرقات رئيسية وفرعية، ووصل القرى والمدن بعضها ببعض، وتسهيل حركة المدنيين والتجارة البينية.

  • تنفيذ 441 مشروعاً في قطاع المياه والصرف الصحي، تتضمن إصلاح الشبكات القديمة، وتمديد شبكات جديدة، وإجراء ورشات دورية في إصلاح الأعطال، وقد وفرت هذه المشاريع في مختلف المناطق خدمة إيصال المياه النظيفة للسكان بدلاً عن شراء المياه من الآبار. كما تم إيصال الكهرباء عبر التعاقد مع ثلاث شركات تركية، هي: AK ENERGY وEST والشركة السورية التركية للكهرباء، عملت على استجرار الكهرباء من تركيا إلى مناطق عدة في المنطقة، أنارت المنازل والشوارع بعد خروج شبكة الكهرباء في المنطقة عن العمل، فتم تنفيذ 91 مشروعاً.
  • بلغ عدد المخيمات نحو 1293 مخيماً، بينها 282 مخيماً عشوائياً، وعدد سكان تلك المخيمات 1,043,869مليون نازح، من أصل أكثر من 4 ملايين شخص يسكنون المنطقة. وفي سبيل خدمة النازحين في تلك المخيمات؛ تم تنفيذ 330 مشروعاً، على شاكلة تمهيد الطرقات بين الخيم، وتمديد شبكات مياه وصرف صحي، وإيصال الكهرباء، وكانت المشاريع الأبرز في هذا القطاع بناء عشرات التجمعات السكنية، التي تضم آلاف الوحدات السكنية، ومن شأنها توفير منازل آمنة ومستدامة للنازحين، تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء، وتخفّض من فاتورة إغاثة المخيمات.
  • تنفيذ 295 مشروعاً في قطاع الإسكان والتعمير، مثل استخراج تراخيص وإنشاء أبنية سكنية وتجارية، و150 مشروعاً في قطاع الخدمات الاجتماعية، ممثلة ببناء المدارس، والمشافي، والمستوصفات، والملاعب، والحدائق، وترميم الأسواق التاريخية، والمرافق العامة الأخرى.
  • 198 مشروعاً تم تنفيذها في قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، يتركز معظمها في دعم المزارعين بالبذار والأعلاف والسماد، وتلقيح الأبقار، والأغنام، والدجاج. وتبع الزراعة قطاع التجارة بواقع 191 مشروعاً على مدار عامين ونصف، بالاستفادة من تطور حالة الطرق، والتشبيك الحاصل بين القرى والمدن من جهة، وبين المنطقة وتركيا من جهة أخرى، فضلاً عن زيادة أعداد المناقصات والعطاءات من قبل المنظمات. وأخيراً بقي قطاعات، مثل التمويل، والصناعة، والاتصالات، الأضعف في مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر، محققة 91 و12 و7 مشاريع لكل منها على التوالي، على الرغم من إنشاء غرف تجارة وصناعة، وإنشاء 3 مناطق صناعية في الباب والراعي وإعزاز.

واقع التعافي المبكر وفق المدن

وعلى مستوى المدن، يُلاحظ بالنظر إلى الجدول رقم (2) مدينة الباب في قمة المؤشر، بواقع 321 مشروعاً، نُفذت في مختلف القطاعات الاقتصادية، معظمها جاء من مشاريع الإسكان والتعمير، وجاء بعد الباب مدينة إدلب بـ306 مشاريع، معظمها في النزوح الداخلي وقطاع المياه والزراعة، ومن ثم مدينة إعزاز بـ259 مشروعاً، بفضل مشاريع الكهرباء والمياه والنقل. ومن بين الأسباب التي ساهمت في تنفيذ مشاريع أكثر من غيرها من المدن: الكثافة السكانية المتأتية من النازحين؛ وتواجد كثيف للمنظمات، والفصائل العسكرية، والتجار، والمستثمرين الأفراد؛ ومركزية هذه المدن وأهميتها ما قبل الثورة، ما يجعلها تحذو نحو التطور أكثر من غيرها من المدن. وقد ساهم تركز المشاريع في مدن محددة مثل إعزاز والباب وإدلب في أن تكون حواضر المنطقة، من حيث النشاط العمراني، وحركة الأسواق التجارية.

وغابت العديد من البلدات والمدن في العام 2018 و2019، لكنها شهدت نشاطاً أكثر في قطاعات عدة، كما في سرمدا والدانا ومعرة مصرين وحارم وأطمة، بفضل أعمال قطاع المياه والنقل والنزوح الداخلي. فيما اختفت مدن من المؤشر لاحقاً بعد سيطرة النظام على بلدات ومدن عدة في جنوب إدلب، مثل معرة النعمان وسراقب.

ومما يمكن لحظه أيضاً على المستوى الإداري، تشكيل غرف تجارة وصناعة، واتحاد لتلك الغرف، وتعاونيات، وجمعيات متخصصة في الحرف والمهن، مثل جمعية للصيّاغ والملابس والنسيج، تعمل على مساعدة التجار والصناعيين في إصدار إذن عبور بين سورية وتركيا، وتأسيس وترخيص الشركات، والتواصل مباشرة مع الولاة الأتراك المسؤولين عن المنطقة. كما حاولت المجالس المحلية لعب أدوار نقدية في المنطقة، عبر استبدال الليرة السورية بالليرة التركية، ومنع التعامل مع النظام، ومنع استيراد أو تصدير بعض المواد من وإلى تركيا، حفاظاً على استقرار الأسعار، فضلاً عن توقيع عقود ومذكرات تفاهم مع العديد من الشركات والمنظمات لتنفيذ مشاريع وتقديم خدمات.

التحديات والتوصيات الختامية

نجحت المجالس المحلية والمنظمات في تنفيذ المشاريع والنشاطات ما دفع ببدء عملية التعافي الاقتصادي المبكر، وتلمس ملامح استقرار نسبي على مستويات عدة، ومع تجاوز 3 أعوام على تحرر المنطقة من تنظيم "داعش" في 2017، ورصد نشاطات وأعمال عامين ونصف في المنطقة، تواجه المنطقة تحديات عدة، يمكن تقسيمها وفق الأطر التالية:

إطار أمني عسكري

ما تزال المعارك تشكل مثبطاً رئيسياً لأي نشاط اقتصادي وعملية استقرار في المنطقة، إذ أسهمت المعارك في ريف إدلب الجنوبي في سيطرة النظام على مدن كبيرة، مثل معرة النعمان وسراقب، ساهمت في زيادة أعداد النازحين، وقضم مساحات زراعية كبيرة. ومن جانب آخر، ما يزال مؤشر الاغتيالات يسجل ارتفاعاً في المنطقة، يسهم في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، وزيادة شعور التجار والأهالي بالتهديد، إذ شهدت مناطق "درع الفرات" وعفرين 67 عملية اغتيال وتفجير بعبوات ناسفة، أسفرت عن 39 ضحية من قبل غرفة عمليات غضب الزيتون، وخلايا تنظيم "داعش"، وأخرى مجهولة المنفّذ، استهدفت عناصر الجيش الوطني والجيش التركي. أما في إدلب فهناك 25 عملية بين اغتيال وتفجير بعبوة ناسفة وطيران مسير، أسفرت عن 51 ضحية، استهدفت عناصر وقيادات جهادية، وفصائل الجبهة الوطنية للتحرير والجيش التركي.

إطار قانوني وإداري

ما تزال البيئة القانونية تعاني من مواطن ضعف نتيجة تعدد السلطات القضائية؛ بين من يتّبع شكل الجهاز القضائي السوري في منطقة "درع الفرات" وعفرين، ومن يتبع مجلساً أعلى للقضاء، مكون من المشايخ، ويعتمد على أحكام الشريعة الإسلامية في إدلب وريفها، فضلاً عن احتكام المنطقة للقوى العسكرية والفصائلية. كما يسبب ترهّل القضاء وضعف القوانين الناظمة للأعمال والشركات والأموال والحقوق والعقود، في بطء عملية الاستقرار، ودخول الرساميل، وزيادة الاحتكار، والفساد. ومن ناحية ثانية ما تزال حالة التشظي بين المجالس المحلية والحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ تظهر المنطقة بهويات عدة، ومنهجيات مختلفة، في الإدارة وصناعة القرار.

إطار سياسي

تسبب تأخير الحل السياسي وفق القرارات الدولية ذات الشأن بالملف السوري، في تشكيل هاجس كبير لدى سكان المنطقة، والمغتربين الراغبين بالعمل والاستثمار فيها، وللدول الفاعلة والصديقة للمعارضة السورية، إذ يرتبط مصير مناطق المعارضة بشكل الحل السياسي، والتوافقات الإقليمية والدولية حولها.

تشكل الأطر الآنفة الذكر دافعاً في تأخير أي عملية استقرار وتعافٍ اقتصادي مبكر في المنطقة، وهي تحديات لا يسع للأجسام الحوكمية إلا أخذها بالاعتبار، والتواءم معها، وترتيب أوراقها الداخلية، إذا أرادت جذب المزيد من الاستثمارات والأعمال والأموال، ودفع عملية الاستقرار نحو الأمام. وتبعاً لتموضع المنطقة في المسار الأول من عملية التعافي الاقتصادي المبكر، إحلال الاستقرار، وتبعاً لأرقام وبيانات ما تم رصده على مدار عامين ونصف وللتحديات أعلاه؛ توصي الورقة بما يلي:

  • بعد إقدام غرف التجارة والصناعة في المنطقة على تشكيل اتحاد لها، سيكون من المفيد جداً إتباع هذه العملية بسياسات من شأنها توحيد شكل الإجراءات والقوانين فيما بينها، وإصدار قرارات استثمارية تغطي الفجوة القانونية والقضائية، وترسم آليات حفظ الحقوق والذمم المالية، وشكل العقود والتراخيص وأنواعها وشروطها، ووضع هيئة مختصة تتبع للاتحاد، لتنفيذ هذه المهمة.
  • تأسيس جمعية مالية ذات مساهمة محدودة بين اتحاد غرف التجارة والصناعة، وتحوز على ثقة وضمان رجال الأعمال، والوجهاء، والمجالس المحلية، والمنظمات، ويعمل فيها أصحاب الاختصاص، تقدم خدمات مالية محلية، من قبيل إيداع الأموال وسحبها، وتصريف العملات الأجنبية، وتعمد إلى فتح اعتمادات مالية في بنوك، مثل تركيا، وأربيل، وقطر، لتسهيل تحويل الأموال بين المنطقة وتلك الدول لأغراض تجارية.
  • نقل نشاط المنظمات الإغاثي، ولو جزءٌ منه، إلى نشاط تنموي، عبر تأسيس أذرع حاضنات أعمال خاصة Business Incubator، تهتم بدعم الصناعات الخفيفة، والحرف، والمهن اليدوية، وإحلال ما يمكن إنتاجه محلياً، عبر تقديم قروض متناهية الصغر، والدخول في عقود تشاركية مع تلك الأعمال.

ختاماً، تشكل عملية التعافي الاقتصادي المبكر الركيزة الأساسية في إخراج المنطقة من دائرة العنف والعودة للحياة الطبيعية، ولا يتم هذا إلا بتوفر الإرادة، وتكاتف جهود المؤسسات الرسمية مع المجتمع المدني؛ لتحقيق الأهداف المرسومة، والصعود في سُلّم مستويات التعافي المبكر. بعد ثلاثة أعوام يمكن القول إن المنطقة، وبفضل مشاريع وخدمات المجالس والمنظمات المحلية العاملة في سورية، استطاعت التقدم في المستوى الأول من التعافي المبكر، إحلال الاستقرار، عبر تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وتنظيم شؤون الحياة المختلفة، ولا شكّ، يعد هذا دافعاً لاستقرار الأهالي، وتحريك عجلة الاقتصاد. من شأن استمرار عمل المجالس المحلية والمنظمّات على هذه الوتيرة، والأخذ بالتحديات بعين الاعتبار، والتشاور مع الكفاءات الوطنية؛ التطور أكثر ضمن المستوى الأول في عملية التعافي الاقتصادي المبكر، والمضي قدماً نحو المستوى الثاني، إعادة الدمج المحلي.


 

 

 

([1])  United Nations (2009), United Nations Policy for Post-Conflict Employment Creation, Income Generation and Reintegration, UN system-wide policy paper: https://bit.ly/337K7xb

([2] ) انظر مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة بين النصف الثاني 2018 والنصف الثاني 2020 على الروابط التالية: https://bit.ly/3jafNuC، https://bit.ly/2WzyRLb ، https://bit.ly/37donmN ، https://bit.ly/3ffE9BY 

 ([3]) القطاعات الأحد عشر التي تم رصدها هي: التجارة، والصناعة، والزراعة والثروة الحيوانية، والتمويل، والاتصالات، والإسكان والتعمير، والخدمات الاجتماعية، والكهرباء، والمياه والصرف الصحي، والنقل والمواصلات، وأخيراً النزوح الداخلي.

 
التصنيف أوراق بحثية

أصبحت شبكات اقتصاد الحرب السمة الأبرز للاقتصاد السوري، وهي ليست حكراً على النظام، كما أنها تتقاطع جميعها من حيث الامتيازات الممنوحة لشاغليها، واندماج رأسمالهم المستحدث في الاقتصادين المحلي والوطني عبر استثمارات ريعية، مفضلين الربح السريع على استحقاق التعافي والتنمية الاقتصادية على المدى البعيد، وما لذلك من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية سلبية.

أعيد تشكيل الاقتصاد السوري خلال العشر سنوات الماضية على صعيد البنى والفاعلين، إذ لا يوجد اليوم مركز اقتصادي متحكم بكل الجغرافية السورية، بل اقتصاديات مناطق نفوذ، تدار من قبل شبكات اقتصاد الحرب التي شكلتها القوى المتحكمة عبر تحالفاتها الرسمية وغير الرسمية مع تجار وأمراء حرب متنفذين، يركزون استثماراتهم على القطاعات الريعية ذات الربح السريع كالعقار والتجارة والموارد الطبيعية.

قام النظام السوري بإعادة تشكيل شبكاته الاقتصادية عبر استبعاد بعض رجال الأعمال، ودمج أمراء حرب صاعدين ومتنفذين محلياً ، ومثال ذلك، علي مهنا القائد العسكري لفوج السحابات/ قوات النمر سابقاً، والذي افتتح في بداية أيار من عام 2021 بحضور رسمي مجمعاً تجارياً بمسمى “White center Tartous” في حي الغدير العائد لمجلس مدينة طرطوس بعد نيل عقد استثماره لمدة 10 سنوات، في خطوة مشابهة لوسيم قطان الذي نال حق امتياز استثمار عدة مجمعات تجارية في دمشق ومنها مول قاسيون ومجمع يلبغا، وما كان لكل منهما أن ينالا هذه الامتيازات الاقتصادية المتمركزة في قطاعات ريعية، لولا تمتعها بغطاء ودعم من النظام، مكنهما من إقصاء منافسيهم من رجال الأعمال المستقلين.

لا يبدو المشهد مختلفاً في مناطق الإدارة الذاتية، التي أسست بدورها شبكاتها الاقتصادية الخاصة بها، والمكونة من قيادين في هياكل الإدارة الذاتية وحزب العمال الكردستاني، إلى جانب تجار  ووسطاء محليين، وتحتكر هذه الشبكات القطاعات الاقتصادية الحيوية الريعية كالنفط والغاز، ومن الشخصيات البارزة في هذه الشبكات المدعو “فؤاد فايز محمد” والملقب بقاطرجي الإدارة الذاتية.

بالانتقال إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام، أسست فصائل المعارضة مكاتب اقتصادية خاصة بها، مسؤولة عن إدارة الموارد المالية في مناطق سيطرتها، وإدارة الأعمال التجارية والمعابر الداخلية، وتشير المعطيات إلى توسع شبكات اقتصاد الفصائل في الاقتصاديات المحلية واهتمامها بالقطاعات الريعية كالعقارات، إذ أشارت إحدى الدراسات المنشورة إلى استحواذ الجبهة الشامية على معامل اسمنت ومقالع رمل ومتاجر لبيع مواد بناء مستوردة في عدة مناطق في الشمال السوري. أما هيئة تحرير الشام، فقد تولت شخصيات قيادية في المكتب الاقتصادي للهيئة، تنتمي إلى الحلقة الضيقة  المقربة من الجولاني بحكم القرابة والولاء، تأسيس شبكات اقتصادية عبر شراكات مع وسطاء وتجار محليين، ومثال ما سبق شركات وتد المسؤولة عن توريد المحروقات ومؤسسة الوفاق والأمين لتوريد السلع الغذائية، وإن كان لا يعرف المالكيين الحقيقين لهذه الشركات، إلا أن علاقاتهم الوثيقة مع قيادات الهيئة مكنتهم من نيل هذه الاحتكارات.

يتهدد نمو شبكات اقتصاد الحرب ما تبقى من إنتاج محلي يكافح للبقاء، فمصالح هذه الشبكات قائمة على الربح السريع الناجم عن المتاجرة بسلع مستوردة أرخص ثمناً من المنتج المحلي، وما يعنيه ذلك من تدمير مشاريع إنتاجية تسهم في توفير فرص عمل للسكان المحليين، ويكفي التدليل على الآثار السلبية التي أحدثها استيراد الفروج التركي على صناعة الدواجن، ليس في مناطق الشمال السوري وإنما أيضاً في عموم سورية بحسب تقارير صحفية وبيانات رسمية. كذلك تثبط الامتيازات الممنوحة لشاغلي هذه الشبكات والحماية الموفرة لهم من عزيمة التجار ورجال الأعمال المستقلين للاستمرار بنشاطهم الاقتصادي، بل وتدفعهم للتفكير جدياً بالانسحاب من السوق نتيجة غياب التنافس الحر، إذ أشار مصدر محلي إلى نجاح تاجر معروف بعلاقاته مع الإدارة الذاتية في إقصاء تاجر آخر، والاستحواذ على عقد لتوريد مستلزمات لوجستية لمنظمة في الرقة، وهو ما دفع التاجر إلى تقييم خياراته المستقبلية لجهة الاستمرار أو الانسحاب. أيضاً، أشارت عدة مصادر صحفية إلى إحجام عدة مستثمرين سوريين وأتراك من الدخول للاستثمار في الشمال السوري، خشية اصطدامهم بتجار ورجال أعمال وأمراء حرب محسوبين على الفصائل. كذلك يسهم تنامي شبكات اقتصاد الحرب للقوى المتحكمة في ربط المزيد من السكان المحليين بمنظوماتهم الاقتصادية، وما يعنيه ذلك من تعزيز هيمنتها وتجذرها محلياً، وهنا تشير الأخبار المتواردة من إعلاميين محليين إلى استغلال هيئة تحرير الشام لأزمة رواتب عناصر الجيش الوطني لاستقطاب مقاتلين وضمهم إليها، يساعدها بذلك مواردها المالية المتحققة عن استثماراتها وممتلكاتها. ومن التداعيات السلبية لنمو شبكات اقتصاد الحرب، الحيلولة دون تبلور قطاع خاص مستقل يمكن التعويل عليه في إحداث تنمية في سورية، أو حتى بلورة القطاع الخاص لمطالبه تجاه القوى المتحكمة، وهو ما يجعل صوت التجار والصناعيين والمنتجين المحليين المستقلين مغيباً عن المشهد العام.

أمام تغول شبكات اقتصاد الحرب ومخاطرها القائمة، فإنه من الأهمية بمكان العمل على تشجيع منظمات المجتمع المدني للعب دور رقابي أكثر لفضح ممارسات هذه الشبكات،  إلى جانب تشجيع الجهات المانحة والمنظمات العاملة على إعطاء الأولوية للمشتريات المحلية في مشاريعهم بهدف دعم المنتجين المحليين لضمان استمرارية إنتاجهم، فضلاً عن دعم النقابات والجمعيات الزراعية والمهنية والصناعية لتعزيز دورها، وتأطير مطالبها وزيادة أوراقها التفاوضية في التعامل مع القوى المتحكمة.

 

المصدر: السورية نت

التصنيف مقالات الرأي

استضاف التلفزيون العربي المدير التنفيذي لمركز عمران، الدكتور عمار قحف، ضمن برنامجه شبابيك، للحديث عن عودة النازحين واللاجئين لمناطق سيطرة المعارضة، حيث أوضح القحف أن عدم عودة النازحين لمناطق سيطرة النظام هو تكريس لانعدام الأمان في مناطق النظام، إضافة لسوء الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل، في مقابل وجود أمن نسبي في مناطق سيطرة المعارضة في ظل وجود القواعد العسكرية التركية.


للمزيد: https://bit.ly/38E7BOZ

بتاريخ 8 شباط 2021 استضافت إذاعة وطن أف أم نوار شعبان الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية في مركز عمران ضمن حلقة حملت عنوان "مستقبل الملف الأمني في سورية.. أسباب وحلول"، والتي تحدث بها عن مشروع مركز عمران " مؤشرات الاستقرار الأمني في سورية وارتباطه بعودة اللاجئين والنازحين".

كما أوضح شعبان ماهية البيئة الأمنة في جميع مناطق السيطرة في سورية ومدى تأثير الفلتان الأمني في تلك المناطق على عودة اللاجئين.

رابط المقابلة: http://bit.ly/2Z9PNGl

رابط الأوراق البحثية: http://bit.ly/2J4iYWV

السيناريوهات الميدانية المتوقعة لمناطق سيطرة المعارضة في إدلب وشمال حماة وغرب حلب:

يمكن تقسيم مناطق سيطرة المعارضة الممتدة من غرب حلب إلى محافظة إدلب وصولاً إلى شمال حماة إلى ثلاثة محاور أساسية، وذلك اعتماداً على المؤشرات الميدانية من حيث طبيعة الحشود والاستهداف العسكري:

  1. محاور يحشد لها عسكرياً.
  2. محاور تستهدف بشكل دائم من قبل الطيران الحربي والمدفعية.
  3. محاور تم اختبار قدراتها العسكرية من خلال عمليات عسكرية محدودة.


  • لا يتوقع أن يُشن هجوم شامل على مناطق سيطرة المعارضة لاعتبارات موضوعية من أبرزها:
  1. عدم قدرة الإيرانيين على الحشد بما يكفي لشن هجوم شامل على هذه المناطق، علاوةً على رغبتها في تلافي الخسائر الكبيرة المتوقعة على ميليشياتها في حال شن مثل هكذا عمل عسكري.
  2. عدم حماسة الروس لهكذا عمل رغبة منهم في الحفاظ على علاقتها بتركيا وتطويرها سيما في ظل توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.
  • لا يلغي احتمال نشوب عمل عسكري شامل على مناطق سيطرة المعارضة، من احتمال جدي لتعرض مناطق محددة تتضمن؛ ريف إدلب الجنوبي-الغربي وكذلك ريف حماة الشمالي، لعمل عسكري متوقع في الفترة القادمة، حيث تم الحشد بدايةً على هذه المناطق من قبل ميليشيات تتبع لإيران، ليصار إلى استبدالها بقوات تتبع لسهيل الحسن الملقب بالنمر والمدعوم من روسيا، وهو ما يمكن اعتباره مؤشر جدي على رعاية موسكو لهكذا عمل عسكري متوقع، إضافة إلى تكثيف انخراط موسكو الميداني من خلال تسلمها لإدارة معبري مورك وقلعة المضيق من قوات الفرقة الرابعة، وما أحدثه ذلك من توتر بين الطرفين أدى إلى إغلاق المعبر من طرف مناطق سيطرة النظام السوري، علاوةً على استهداف الطيران الحربي والمدفعية بشكل مكثف لمناطق جنوب غرب إدلب وصولاً إلى سهل الغاب بالقرب من قاعدة جورين.
  • تظهر الحشود البرية القائمة الأهداف الميدانية المتوقعة للعمل العسكري والتي تشمل؛ مناطق تلحديا الواقعة جنوب غرب إدلب وكذلك جبهات صوران وقمحان، بمعنى التقدم نحو محور اللطامنة وتلحديا (الحمدانية، عطشان) حيث تتواجد هنالك نقطة روسية مقابل النقطة التركية القائمة في صرمان، باتجاه الخوين والبلدات المجاورة لها.
  • لا يتوقع أن يشمل العمل العسكري خان شيخون ومعرة النعمان راهناً، كما لا يتوقع أن يكون هنالك عمل عسكري بري على مناطق غرب حلب مثل كفرة حمرة وحريتان رغم استهدافها بالمدفعية والطيران نظراً لغياب حشود برية على تلك المناطق.
  • يهدف الروس من وراء شن عمل عسكري على هذه المناطق إلى تفريغها من أي تواجد لقوات الفصائل أو تلك المصنفة على أنها إرهابية، أي تفريغ المنطقة الواقعة بين طريق M5 وصولاً لسكة القطار.
  • لا يتوقع لهذا الهجوم أن يتوقف إلا بصيغة ما لتفاهم دولي-إقليمي يشمل هذه المنطقة، ولعل ما يؤخر الهجوم الروسي إفساح موسكو الوقت لمبادرة تركية تستهدف التعامل مع خطر القوى المصنفة إرهابياً في هذه المنطقة، بالاعتماد على فصائل المعارضة ذات التوجه الوطني، بما يقلل من كلف التدخل على الجانب الروسي وحلفائه الميدانيين.
  • لا تبدو ردة فعل فصائل المعارضة على المستوى المطلوب منها، حيث تفتقد إلى استراتيجية ميدانية وسياسية متكاملة للتعامل مع هكذا هجوم وما سينجم عنه من تبعات، كما يسود اعتقاد لدى عدد من هذه الفصائل باستحالة شن مثل هكذا عمل عسكري في الفترة القادمة.

 

التصنيف تقارير خاصة

من بعد مؤتمر أستانة وما نتج عنه من اتفاقات "خفض التصعيد"، يسير الملف السوري عسكرياً وفق بوصلة روسية باتجاه استعادة مناطق سيطرة المعارضة، سواء عبر الضغط العسكري أو التوافقات الإقليمية-الدولية، والتي تفضي في النهاية إلى تسويات محلية على الأرض لصالح موسكو وحليفها، وذلك بهدف روسي قريب يتمثل: باستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، سواء عسكرياً أو إدارياً (مؤسسات الدولة)، وإعادة ضبط الحدود واستكمال عمليات نزع السلاح الثقيل والمتوسط من أيدي المعارضة المسلّحة وتحييد الجيوب المصنفة "إرهابية" وفتح وتنشيط شبكة الطرقات الدولية. في حين يتمثل الهدف على المستوى البعيد بالسعي لترجمة كل تلك "الإنجازات" على الأرض إلى حصيلة سياسية تساهم في إعادة ضبط مسار الحل السياسي لصالح موسكو.

 وضمن هذا السياق، لا يمكن اعتبار محافظة إدلب استثناءً، خاصة وأن الروس بدأوا يلمحون لاحتمالية اندلاع معركة قريبة، مقابل تحذيرات تركية من انهيار اتفاق "خفض التصعيد"، الذي هو من الأساس مخترق في إدلب عبر عمليات القصف الروسية التي لم تهدأ خلال الأشهر الفائتة.

 لذلك، فإن وجود إدلب على خط المسار الروسي هو الثابت، ليبقى المتغيّر هو كيفية التعاطي معها بطبيعتها الجغرافية والإنسانية والفصائلية، والمحكومة بالضرورة بتوافقات روسية-تركية بالدرجة الأولى وأمريكية-تركية بدرجة أقل، وضمن تلك التوافقات المحتملة فكل السيناريوهات واردة؛ بدءاً من عمل عسكري للنظام والروس على أجزاء من المحافظة، مروراً باحتمالية ضبط بعض الفصائل وإعادة تشكيلها من قبل الجانب التركي ودفعها لمحاربة "هيئة تحرير الشام" و"حراس الدين" وغيرهم بدعم روسي، وخلق صيغ جديدة لضبط الحدود وإدارة المعابر ودخول "مؤسسات الدولة" وتأمين الجانب الإنساني، وصولاً إلى احتمالية تسويات جديدة ومختلفة تماماً، الثابت فيها محاربة "هيئة تحرير الشام" و"حراس الدين" وبعض الجيوب المصنفة "إرهابياً"، والمتغيّر هو مستقبل باقي فصائل المعارضة العسكرية والوضع الإنساني، ووفق السيناريوهات العديدة المحتملة لا يمكن استبعاد أن يتولى الجانب التركي عمليات نزع السلاح الثقيل والمتوسط وإعادة ضبط الفصائل وفق تركيبة جديدة بالتنسيق مع الروس وبشكل يجنب المحافظة الكارثة الإنسانية وتداعياتها المحتملة على الحدود التركية.

 وتبقى التوافقات الدولية وما قد يطرأ عليها من متغيرات هي العامل المرجح لسيناريو على حساب آخر أو حتى سيناريوهات جديدة، خاصة قمة هلسنكي وما ينتظر أن يتمخض عنها حول مستقبل الملف السوري من اتفاقات غير معلنة، فإذا استطاعت موسكو إقناع واشنطن بمنحها فرصة استكمال الترتيبات العسكرية على الأرض ومن ثم شرعنتها بمخرَج سياسيّ، سواء عبر حرف جنيف أو إعطاء زخم أكبر لسوتشي؛ فهذا سينعكس بالضرورة على تقويض هامش المناورة التركية مع روسيا، وبالتالي التنازل في الشمال وإدلب تحديداً، خاصة إذا استعاد الروس مناطق قسد في شرق الفرات بتوافق أمريكي، الأمر الذي سيخفف الهواجس التركية حيال حزب الاتحاد الديمقراطي PYD،  وهذا ما يبدو أنه يجري في الشمال الشرقي بالتوازي مع العمليات العسكرية في الجنوب، حيث يسير مجلس "سوريا الديمقراطية"  عبر خطوات متسارعة تجاه الانفتاح على النظام والروس من خلال عودة موظفي الدولة إلى قطاعاتهم ورفع مستوى التنسيق الأمني مع النظام في مناطق الإدارة الذاتية، والذي لم ينقطع أساساً، وسحب صور أوجلان من الشوارع والمراكز تمهيداً لعودة النظام، الخطوة التي من المرجح أن تكون برضى أمريكي، خاصة وأن "الاتحاد الديمقراطي" ومن خلفه "مجلس سوريا الديمقراطية" أصغر من أن يتخذا خطوة الانفتاح على الروس والنظام دون موافقة أمريكية.

 أما وفي حال العكس وعدم توصل قمة هلسنكي لاتفاقات واضحة بين واشنطن وموسكو حول سوريا، فمن الطبيعي أن يوسّع هامش الخلاف هذا مساحة المناورة التركية مع موسكو، الأمر الذي سينعكس على الشمال أيضاً.

كل شيء محتمل في ملفات النزاعات التي تدار وفق صفقات، طالما أن الملف مفتوح والمتغيرات عديدة؛ ليبقى مستقبل الشمال السوري رهينة لتوافقات إقليمية ودولية حددت مصير مناطق عدة سبقت إدلب، خاصة وأن السياسة الإقليمية والدولية اتجاه الملف السوري أصبحت خاضعة للصفقات ولا يمكن التنبؤ بالمستقبل بناءً على مواقف الدول المعلنة، لأن جميعها لم تلتزم في الملف السوري بنهج ثابت أو بخطوطها الحُمر.

 

المصدر السورية نت: https://bit.ly/2LBUQXt

التصنيف مقالات الرأي