في 12 تشرين الأول/أكتوبر، أصدرت إدارة بايدن وثيقة استراتيجية الأمن القومي الخاصة بها، والتي يتوجب على كل إدارة أمريكية إصدارها بهدف تحديد أبرز التحديات العالمية، وأولويات الإدارة ذات الصلة، والاستراتيجية المتبعة بحسب كل منطقة جغرافية. لم يغب الملف السوري عن قائمة التحديات في هذه الاستراتيجية، والتي كانت وما زالت تتفاعل معه الولايات المتحدة على كافة المستويات لا سيما العسكرية والأمنية منها، إلا أن الملاحظ وجود اختلاف في سياقات هذا التفاعل بالمقارنة مع استراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب والتي صدرت في كانون الأول/ديسمبر من عام 2017.
وعليه؛ يسعى هذا المقال لتحليل سياقات تفاعل إدارة بايدن وإدارة ترامب مع الملف السوري، كل على حدة، وذلك وفق الأولويات الاستراتيجية لكل إدارة على مستوى التحديات العالمية من جهة ووفق محددات واقع الصراع في الجغرافيا السورية من جهة أخرى.
في الوقت الذي تناولت فيه استراتيجية إدارة ترامب الملف السوري في سبعة مواضع من الوثيقة، تناولات استراتيجية إدارة بايدن الملف في ثلاث مواضع فقط، وهو ما يعطي دلالة لانخفاض درجة أهمية الملف السوري للولايات المتحدة بعد مرور ما يقارب الثلاث سنوات على تجميد خارطة النفوذ في الجغرافية السورية، وظهور تحديات عالمية جديدة أبرزها الغزو الروسي لأوكرانيا. وبالنسبة لاستراتيجية إدارة ترامب، فقد هيمن ملف الإرهاب المرتبط بتنظيم الدولة وتنظيم القاعدة على تعاطي هذه الاستراتيجية مع الملف السوري، إلى جانب تناولها لملف أسلحة الدمار الشامل لا سيما الأسلحة الكيميائية، وملف تسوية الصراع وعودة اللاجئين. أما استراتيجية إدارة بايدن، فقد تعاطت مع الملف السوري وفق ثلاث محددات: ملف الإرهاب، الهجرة الجماعية، وتموضع سورية في السياسة الخارجية التوسعية لروسيا.
ضمن ملف الإرهاب، حددت استراتيجية إدارة ترامب خطر الجماعات الإرهابية كخطر مستمر رغم الحاق الهزيمة بكل من تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة على مستوى السيطرة الجغرافية في العراق وسورية، لتضع الاستراتيجية على رأس أولوياتها مواصلة الحرب ضد "المجموعات الإرهابية الجهادية كتنظيم الدولة وتنظيم القاعدة"، والمرتبطة بـ "إيديولوجيا إسلاموية راديكالية مشتركة تحرض على العنف ضد الولايات المتحدة والشركاء"، مصنفةً سورية والعراق في خانة واحدة.
أما استراتيجية إدارة بايدن، فقد اعتبرت بأن الجماعات الإرهابية بشكل عام أصبحت أكثر "تنوعاً إيديولوجياً"، وهو ما قد يُعتبر إشارة غير مباشرة لمسار التحول في "هيئة تحرير الشام". بالمقابل، فقد صنَّفت هذه الاستراتيجية كل من سورية والصومال واليمن في خانة واحدة كبلدان تشكل "معاقل إرهابيين"، هادفةً لمنع تصدير الإرهاب منها وذلك عن طريق العمل مع الحكومات الإقليمية من جهة، وتقديم الدعم الأمني والمساعدة الاقتصادية للشركاء المحليين من جهة أخرى؛ الأمر الذي يشير لاستمرار الدعم الأمريكي لقوات قسد خلال الفترة القادمة.
ضمن ملف التسوية السياسية واللاجئين، وبحسب استراتيجية إدارة بايدن، لا يقتصر التعاون مع الحكومات الإقليمية وتقديم الدعم للشركاء المحليين على منع تصدير الإرهاب فقط؛ وإنَّما يمتد ليشمل الحد من حالة عدم الاستقرار ومنع تصدير الهجرات الجماعية من سورية وبلدان أخرى، من دون التطرق لملف التسوية السياسية أو عودة اللاجئين والذي يشكل أولوية لدول جوار سورية. وبالتالي، تُظهر استراتيجية إدارة بايدن تبايناً مع استراتيجية إدارة ترامب التي كانت أعلنت عن نيتها لإنشاء "تسوية للحرب الأهلية السورية تؤمن الظروف للاجئين للعودة"، والتي لم تقم بإنجاز خطوات عملية في هذا الصدد.
وفي هذا السياق، تَعتبر إدارة بايدن في استراتيجيتها التدخل العسكري الروسي في سورية كجزء من "سياسة خارجية إمبريالية" تتبِّعها الحكومة الروسية بهدف "قلب عناصر أساسية في النظام الدولي"، والتي بدأت بغزو شبه جزيرة القرم عام 2014، مروراً بالتدخل العسكري الروسي في سورية عام 2015، وصولاً للغزو الروسي الأخير لأوكرانيا؛ الأمر الذي يجعل الخيار السياساتي العام الأمريكي تجاه روسيا خيار مواجهة، وذلك في إطار السعي الأمريكي للحفاظ على النظام الدولي القائم، لا سيما أن روسيا تنشط في مناطق جغرافية عدة: أوربا، وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط. وعلى الرغم من ذلك، لا تُبدي إدارة بايدن في استراتيجيتها اهتماماً بمواجهة روسيا في الساحة السورية مقارنةً بما توليه من اهتمام بخيار المواجهة في الساحة الأوكرانية؛ كما أنها لم تتطرق بشكل مباشر لمحددات تعاطيها مع النظام السوري.
بالمقابل، تعاطت استراتيجية إدارة ترامب مع النظام السوري وفق محدد خطر استعماله للأسلحة الكيميائية، والذي كان قد اتضح على أرض الواقع بالهجوم الصاروخي الذي نفذته الولايات المتحدة ضد مطار "الشعيرات" في محافظة حمص في نيسان/أبريل 2017، وذلك عقب الهجوم الكيميائي الذي نفذه النظام السوري في ذات التاريخ. ويُعتبر هذا الهجوم الصاروخي الهجوم الوحيد الذي نفذه الجيش الأمريكي في سورية منفرداً خلال فترة الحرب، إذ يأتي ذلك متناسقاً مع مقاربة الحزب الجمهوري التي تعطي أولوية لاستخدام القوة الخشنة كأداة فاعلة في السياسة الخارجية.
بالمقارنة، لا تحبِّذ مقاربة الحزب الديمقراطي للسياسة الخارجية استخدام القوة الخشنة بشكل نشط؛ الأمر الذي يتجلَّى في استراتيجية إدارة بايدن الأخيرة أيضاً، والتي اعتبرت فيها أن السعي لتحقيق نتائج مستدامة عن طريق سياسات عسكرية-المركز كان مبنياً على "إيمان غير واقعي بالقوة وتغيير الأنظمة". ما يجعل هذه الاستراتيجية تولي أهمية أكبر للوسائل غير العسكرية ومن بينها الدبلوماسية، وهو ما يتضح في مقاربتها لإيران بشكل عام وملف السلاح النووي بشكل خاص؛ والتي تسعى إدارة بايدن في استراتيجيتها للتعاطي معه بوسائل "الدبلوماسية" لضمان عدم حصول إيران على سلاح نووي، والإبقاء على الوسائل الأخرى في حال عدم نجاح الوسائل الدبلوماسية، الأمر الذي يزيد من احتمالية حصول إيران على اتفاق نووي جديد بعد فسخ إدارة ترامب للاتفاق الأول في عام 2018.
ختاماً، وفي سياق تبنِّي إدارة بايدن لمقاربة تعطي أولوية لـ "خفض التصعيد"، و"الحد من مخاطر اندلاع صراعات جديدة" في منطقة الشرق الأوسط؛ يُرجَّح أن تبقى مقاربة إدارة بايدن تجاه الملف السوري داعمة لتجميد الصراع على المستوى العسكري. وبالتالي الإبقاء على خارطة مناطق النفوذ الحالية، بهدف تأمين استقرار عسكري وأمني نسبي يحول دون عودة تنظيم الدولة لنشاطه السابق في المنطقة، ودون زيادة نفوذ الفواعل الإقليمية والمحلية الأخرى في الساحة السورية، ودون حصول موجات هجرة جديدة. ووفقاً لما سبق، ومع الأخذ بعين الاعتبار نتائج الانسحاب الأمريكي الأخير من أفغانستان على كافة المستويات بما فيها انعكاساتها على السياسة الأمريكية الداخلية؛ يصعب الحديث عن انسحاب أمريكي من سورية حالياً، وإنما يُرجح بقاء التواجد الأمريكي الداعم لتجميد الصراع، الأمر الذي يُبقي على الوضع الراهن من دون وجود فاعل أو قوة مهيمنة في الساحة السورية. ومع ذلك، ستبقى محددات المقاربة الاستراتيجية عرضة للتبدل أو التغير في حال ظهور متغيرات جديدة تفرض نفسها على اعتبارات الأمن القومي.
قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد العبدالله تصريحاً لجريدة عنب بلدي ضمن تقرير معمق بعنوان " على وقع خطاب الكراهية المتنامي - #الاقتصاد_التركي.. ماذا لو رحل السوريون؟". بيّن فيه الباحث التداعيات المحتملة لمغادرة #السوريين على الاقتصاد التركي، والدور الذي يلعبه السوريين في هذا الاقتصاد.
للمزيد: https://bit.ly/3Ssmfhd
يُعلن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عن بدء قبول طلبات التقدم لبرنامج التدريب البحثي الرابع، والموجّه للطلبة السوريين من طلاب الدراسات العليا أو حملة الإجازة الجامعية. يقسم البرنامج إلى مرحلتين:
الأولى؛ موجهة للإحاطة بالأطر النظرية والمنهجية للعملية البحثية وأدواتها، وخاصة المتعلقة بمراكز التفكير والسياسات العامة وآليات عملها، بالإضافة إلى تحليل ملفات #المشهد_السوري وتحولاتها على كافة الصعد، على أن يمنح المتدربين في نهايتها شهادة حضور دورة تدريبية.
الثانية؛ مخصصة لعدد محدود من المتدربين، يتم انتقائهم بناء على معايير محددة، لإجراء تدريب عملي على إعداد مخرج بحثي، بإشراف ومتابعة مركز عمران في إحدى المجالات التالية: الاقتصاد السياسي، التعافي الاقتصادي، وإعادة الإعمار.
مكان التدريب:
1-#اسطنبول/ الفاتح
تقبل طلبات التدريب من تاريخ 17 ولغاية 26 حزيران 2022، وسيتم اختيار المقبولين بناء على شروط البرنامج ونتائج امتحاني القدرات التحليلية والمقابلات الشخصية، التي ستجريها اللجنة المسؤولة عن البرنامج مع المتقدمين.
رابط تقديم الطلب:https://ee.kobotoolbox.org/x/LSSV7Ajt
قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد العبدالله تصريحاً لجريدة عنب بلدي ضمن تقرير بعنوان " الجواز السوري يقفل أبواب المعاملات التجارية بوجه حامليه".
شخص فيه أسباب التقييد المالي المفروض على حملة الجواز السوري، والتداعيات المرتبطة بهذا التقييد على الواقع التجاري والاستثماري لهم داخل وخارج سورية.
للمزيد: https://bit.ly/37UhScC
بتاريخ 07 تشرين الثاني 2021، عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية جلسة نقاشية بعنوان (سورية بين التاريخ والمستقبل) قدمها الدكتور ياسر العيتي، في مدينة غازي عنتاب - تركيا، حضرها عدد من الناشطين والفاعلين في المجتمع المدني.
استعرضت الجلسة في محورها الأول أبرز التشوهات السياسية في تاريخ سورية الحديث، كما ركز المحور الثاني على الثورة السورية باعتبارها نقطة تحول في تاريخ سورية الحديث يبدأ التغيير منها ولا ينتهي عندها، فيما ناقش المحور الثالث الرؤى المستقبلية المستندة على المقومات الطبيعية والبشرية في سورية من أجل بناء المستقبل السوري.
بعد مصادقة البرلمان التركي على مذكرة/قرار رئاسة الجمهورية في أواخر أيلول/سبتمبر 2021،([1]) والتي تم بموجبها تمديد صلاحية إرسال قوات خارج البلاد، إلى سورية والعراق، وإثر انقسام الأحزاب التركية بين مؤيد ومعارض للمذكرة؛ تُثار تساؤلات حول حيثيات ودلالات مواقف هذه الأحزاب لا سيما مع تصاعد حدة الاستقطاب في المشهد السياسي الداخلي التركي مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي المقرر في حزيران/يونيو 2023، خصوصاً وأن "الملف السوري" يُشكل أحد أهم الملفات "المثيرة للجدل" بالداخل التركي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وذلك بكل ما يتضمنه من إشكاليات معقدة أبرزها: التشكيلات دون الدولتية والمتمثلة بشكل رئيسي بـ"قوات سورية الديمقراطية – قسد" و"هيئة تحرير الشام – هتش" وانعكاساتها على الأمن القومي التركي، والعلاقة مع الفواعل الإقليمية والدولية، وإشكالية اللاجئين وموجات الهجرة المحتملة. يُضاف إلى ذلك إثارة مسألة إعادة العلاقات مع النظام السوري من قبل أطياف عدة في المعارضة التركية.
في هذا السياق، تتباين مواقف الأحزاب التركية المختلفة تجاه "الملف السوري" بشكل عام، وتجاه التدخل العسكري التركي في سورية بشكل خاص، سواء من ناحية السردية التي تقدمها للمشهد السوري، أو من ناحية الدوافع الكامنة وراء اتخاذها لقرار تأييدها لـ "المذكرة" ومستوى هذا التأييد، لا سيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الخلفيات الأيديولوجية المختلفة، والتموضع السياسي لكل منها بين: تحالف حاكم، وأحزاب معارضة. وهو ما تجلى بشكل واضح في جلسة التصويت على المذكرة؛ إذ صوت كل من حزب العدالة والتنمية (AK Parti)، وحزب الحركة القومية (MHP)، والحزب الجيد (İYİ Parti)، لصالح المذكرة؛ بينما صوت ضدها كل من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP)([2]).
وعليه يسعى تقدير الموقف هذا إلى استعراض محددات الأحزاب التركية المختلفة تجاه القرار، وحيثيات مواقفها ودلالاتها المختلفة، إضافة إلى تقديم خطوط عامة لاتجاهات هذه المواقف والعوامل التي تحكم ثباتها أو تحولها.
تستند المذكرة التي قدمتها رئاسة الجمهورية، والتي تمت المصادقة عليها كقرار من البرلمان التركي، على "اتخاذ جميع التدابير اللازمة في إطار القانون الدولي ضد الحركات الانفصالية والتهديدات الإرهابية وجميع المخاطر الأمنية التي تهدد الأمن القومي لتركيا، والقضاء على أي هجمات أخرى من جميع المنظمات الإرهابية في العراق وسورية، وضمان الحفاظ على الأمن الوطني ضد المخاطر المحتملة الأخرى، مثل الهجرة الجماعية"، بالإضافة إلى إشارة القرار إلى "المخاطر والتهديدات المستمرة التي تستهدف فعاليات إنشاء الأمن والاستقرار، في إدلب، في إطار عملية أستانا"([3]).
لذلك؛ يُمكن القول بأن الأولوية الحالية للسياسة الخارجية التركية تتمثل في منع تشكُّل أي كيان حوكمي إثني في سورية، وإبعاد "قسد" والتشكيلات المرتبطة بها عن الحدود التركية، وصولاً إلى الحد من نشاط "حزب العمال الكردستاني" والمجموعات المرتبطة به في المنطقة، بالتوازي مع الحفاظ على الحد الضروري من الاستقرار النسبي في إدلب بشكل يمنع حدوث موجة هجرة جديدة تجاه الحدود التركية، وتراعي هذه الأولوية حساسية ملف الإرهاب للأمن القومي التركي على مدى العقود الأربعة السابقة، إضافة إلى الحساسية الكبيرة على المستوى التركي الداخلي تجاه أي موجة لجوء محتملة، في حال شنَّ النظام السوري عملية عسكرية واسعة في إدلب، الأمر الذي سيثير ردة فعل غاضبة على المستويين الاجتماعي والسياسي، خصوصاً مع التصاعد المتزايد للاحتقان الاجتماعي وخطاب الكراهية تجاه اللاجئين والمهاجرين بشكل عام، والسوريين منهم بشكل خاص([4]).
وفي ذات السياق، يُلاحظ إيلاء الحزب الحاكم أهمية لمسألة الاستقطاب السياسي وتفاعله مع "الملف السوري"، وذلك من خلال تمديده المذكرة لعامين مقبلين، حتى تشرين الأول من العام 2023، أي لما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة والمقرر عقدها في حزيران من العام ذاته، وهي المرة الأولى التي تتم فيها المصادقة على المذكرة لمدة سنتين، بعد أن كانت المصادقة تتم لمدة عام واحد فقط في السنوات السابقة، وهو ما يمكن تفسيره بتجنب أن تكون المذكرة في مركز الحسابات الانتخابية العام المقبل، خصوصاً مع تصاعد الاستقطاب السياسي كلما اقتربت البلاد من موعد الاستحقاق الانتخابي.
وعلى الرغم من تصدر حزب العدالة والتنمية (AK Parti) واجهة الاستقطاب السياسي بما يتعلق بـ "الملف السوري" والتدخل العسكري خارج البلاد، إلا أنه لا يمكن إهمال موقف حزب الحركة القومية (MHP) المؤيد للموقف الرسمي التركي، كونه حزباً حليفاً للأول في تحالف "الجمهور"، ويُعتبر بشكل أو بآخر فاعلاً سياسياً يُسهم في صياغة موقف التحالف، وبالتالي الموقف الرسمي للحكومة. علاوةً على كونه حزباً "قومياً-يمينياً"، يمتلك تقليداً سياسياً صلباً تجاه القضايا الأمنية بشكل عام، ومسألة "الإرهاب" و"حزب العمال الكردستاني" بشكل خاص.
يجتمع كل من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) بالتصويت ضد القرار، إلا أنهما يختلفان في الدوافع التي تقف وراء موقفهما. فقد اعتاد حزب الشعب الجمهوي (CHP) أن يصوت لصالح القرار في السنوات السابقة، إذ صوت بنعم لصالح القرار في العام 2020 تحت حجة حماية حياة الجنود الأتراك هناك ومكافحة الإرهاب([5])، وهو ما يمثل الموقف التقليدي الحازم للشعب الجمهوري (CHP) في القضايا الأمنية، في حين أن الشعوب الديمقراطي (HDP) كان وما يزال يرفض التدخل العسكري التركي في سورية، وذلك كون التدخل يستهدف بشكل أساسي المجموعات المسلحة التابعة لـ"الإدارة الذاتية"، والتي ينظر إليها الحزب كـ"مبادرة قيّمة" في برنامج الحزب الرسمي، في حين تنظر لها الأحزاب التركية الأخرى بشكل عام ككيان "إرهابي"، الأمر الذي يشكل أحد العوامل التي تجعل حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) موصوماً بتهمة "الإرهاب" وعدم فكه الارتباط بـ"حزب العمال الكردستاني".
وفي الوقت الذي يصف فيه الشعوب الديمقراطي (HDP) المذكرة على أنها "تذكرة عداء الكرد... وتقدم يد العون للجيش السوري الحر، وتنظيم الدولة، والنصرة " مصنفاً "الجيش السوري الحر" في خانة "التنظيمات الإرهابية"، ويصرح بأن "شمال وشرق سورية ممر للسلام بين الشعوب، وممر للاستقرار والديمقراطية"([6])، إضافة إلى رفضه لإعادة اللاجئين وخطاب الكراهية المتصاعد تجاههم([7])؛ فإن الشعب الجمهوري (CHP) يرى بأن الحل يكمن في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وفي "تسهيل إمكانية تأسيس الأسد لوحدة الأرض، والسيادة والوحدة السياسية في بلاده"، مع تأكيده على إمكانية القيام بمكافحة الإرهاب بالتعاون مع النظام السوري، وبوجود إمكانية لإيقاف "الحرب الأهلية" في سورية وتأسيس السلام وإعادة السوريين إلى بلادهم بـ"سلام"([8]).
لذلك، نجد بأن الدوافع وراء اتخاذ الحزبين قرار التصويت ضد القرار مختلفة، فالشعوب الديمقراطي (HDP) يمتلك موقفاً كان وما زال صلباً وثابتاً ضد التدخل العسكري التركي خارج البلاد، وذلك لدوافع أيديولوجية – إن صح التعبير – تتجلى في خطابه المؤيد لـ"الإدارة الذاتية" في سورية؛ في حين يمكن تقييم موقف الشعب الجمهوري (CHP)، كخطوة تكتيكية لزيادة الضغط على الحزب الحاكم بشأن "الملف السوري"، وكسب أصوات الشعوب الديمقراطي (HDP) في الانتخابات الرئاسية المقبلة على غرار ما حدث في الانتخابات المحلية (انتخابات البلدية) في كل من اسطنبول وأنقرة والتي لم يرشح فيها الأخير مرشحاً عنه، إذ يعمل الشعب الجمهوري (CHP) بذلك على محاولة حفاظه على تموضع سياسي يمكنه من التنسيق بين أطياف المعارضة المختلفة بغض النظر عن خلفيتها الأيديولوجية أو أسباب معارضتها للحزب الحاكم.
على الجانب الآخر، وعلى الرغم من كون الحزب الجيد (İYİ Parti) حزباً حليفاً للشعب الجمهوري (CHP) في تحالف "الملةMillet/"، إلا أنه صوّت لصالح المذكرة/القرار، تحت ذريعة حماية الأمن القومي. وبالتوازي مع ذلك، انتقد الحزب سياسة الحكومة التركية تجاه "الملف السوري"، متبنياً سردية "أن طريق الحل في سورية، لا يمر فقط من موسكو وواشطن، وإنما من دمشق أيضاً"([9])، فلطالما طالب قياديون في الحزب الجيد (İYİ Parti) بإعادة فتح القنوات الدبلوماسية مع النظام السوري، كخطوة لحل المعضلة السورية، بما يتضمن إعادة اللاجئين. لذلك، يُمكن تفسير موقف الحزب، برغبته بالتمايز عن الحزب الحاكم من جهة، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) من جهة أخرى.
بالاستناد إلى ما سبق، نلاحظ اختلاف تعاطي الأحزاب السياسية التركية مع "الملف السوري"، بحسب الخلفية الأيديولوجية والقاعدة الشعبية الانتخابية والتموضع السياسي لكل منها بين تحالف حاكم وأحزاب معارضة، إذ يختلف بالضرورة موقف الحزب المتموضع في موقع المسؤولية في الحكم عن المعارض، الذي يسعى لرفع أسهمه في الانتخابات المقبلة أو المحافظة على تقليده السياسي في هذا الصدد.
لذلك، لا تبدو أحزاب المعارضة إلى الآن مؤثرة في صياغة التصور العام للسياسات تجاه سورية في الوقت الراهن، على الرغم من تأثير أطروحاتها على المستوى الإعلامي والاجتماعي، إذ تُعنى مواقفها وأطروحاتها بديناميكيات السياسة الداخلية وتموضعها السياسي وقاعدتها الشعبية، أكثر من واقع الجغرافية السورية وديناميكيات السياسة الدولية ذات الصلة.
لهذا، يبدو بأن الحزب الحاكم سيبقى الموجِّه الرئيسي لبوصلة السياسات تجاه "الملف السوري"، وفق محددات الأمن القومي و"خطر" موجات الهجرة المحتملة وطبيعة علاقته مع حليفه الحركة القومية (MHP) بالدرجة الأولى، وديناميات السياسة الداخلية بالدرجة الثانية؛ وذلك حتى موعد الاستحقاق الانتخابي المقرر عقده في حزيران/يونيو 2023.
بالمقابل، تبقى كل هذه المواقف؛ سواء تجاه الفواعل على الجغرافية السورية، أو ملف اللاجئين السوريين عرضة للتبدل والتغير، الجزئي أو الكلي، بحسب التغيرات التي قد تطرأ على التموضع السياسي للأحزاب وديناميكيات السياسة الداخلية، أو ما قد يفرضه طول أمد "الأزمة" والعوامل المركبة والمعقدة، والمرتبطة بالفواعل الإقليمية والدولية وطبيعة مواقفها تجاه "الملف السوري"، والتطورات الميدانية في الجغرافية السورية.
([1]) Karar No. 1310, Türkiye Büyük Millet Meclisi Resmi İnternet Sitesi, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/MsRTG
([2]) TBMM Genel Kurulunda, Irak ve Suriye tezkeresinin süresi 2 yıl daha uzatıldı, Anadolu Ajansı, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/ehJCn
([3]) Karar No. 1310, Türkiye Büyük Millet Meclisi Resmi İnternet Sitesi, 26.10.2021, A.G.K.
([4]) السوريون في تركيا وحكاية “الملف المؤجل”..أيُ حلول وخيارات مستقبلية؟، السورية نت، 17 ايلول/سبتمبر 2021، انظر الرابط: https://cutt.us/mYutV
([5]) Yıldız Yazıcıoğlu, Irak ve Suriye Tezkeresi TBMM'de Kabul Edildi, VOA Türkçe, 08.10.2020, Link: https://cutt.us/Bp621
([6]) Buldan: Bu tezkere iktidarın gidiş tezkeresidir, HDP Sitesi, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/NJWwX
([7]) حمزة خضر، "قضية الموز".. أحزاب معارضة وحقوقيون أتراك يستنكرون قرار ترحيل سوريين، تلفزيون سورية، 29 تشرين الأول/أكتوبر 2021، انظر الرابط: https://cutt.us/uxcQv
([8]) CHP’li Çeviköz: “Tezkerelerin süresini uzatmakla ömrünüzü uzatmaya mı çalışıyorsunuz?”, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/HnC5d
([9]) Tezkere Meclis’ten geçti, Tele1, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/cKRXN