تأقلم "تنظيم الدولة" بعد عام 2019 مع المعطيات الجديدة لقدراته الذاتية وقوة خصومه، بالانتقال من مرحلة "التمكين"/السيطرة على الأرض والقيادة المركزية، إلى النشاط اللامركزي المعتمد على الخلايا والعمليات الخاطفة، والتي اختلفت مستوياتها وأنماطها ومعدَّلاتها بحسب المناطق والقوى المسيطرة عليها. وقد تزامنت العمليات، التي تبنّاها "التنظيم" رسمياً، مع أخرى مُلتَبِسة نُفِّذَت تحت اسمه دون تبنٍ منه، مُستَهدِفَة أفراداً ومجموعات (مدنية، عسكرية) عبر الخطف والقتل.
ورغم أن مختلف مناطق السيطرة شهدت، بنسب متفاوتة، وقوع هذا النوع من العمليات المُلتبِسة؛ إلا أن البادية السورية مثَّلَت المسرح الأبرز لها، فبين عامي 2019-2024 تصاعدت العمليات التي استهدفت مجموعات مدنية من العشائر العربية، خاصة في بادية حلب الجنوبية المتصلة ببادية حماة، إضافة إلى بادية حمص، وكذلك باديتي الرقة/الرصافة ودير الزور، وقد أدّى بعضها إلى مجازر جماعية راح ضحيتها المئات من أبناء العشائر في المنطقة، كـ (بني خالد، العمور، الدليم، البوشعبان، الحديديين، الجملان، العقيدات، وغيرهم)، إضافة إلى عمليات متفرِّقة استهدَفَت أفراداً ومجموعات من رعاة الأغنام وقطعانهم، وكذلك جامعي الكمأة، حتى بات موسم الكمأة في البادية موسماً للمجازر وعمليات القتل والخطف.
وقد زاد من غموض والتباس تلك العمليات عوامل عدة، على رأسها؛ تعدد قوى السيطرة والمليشيات ذات المصالح المتضاربة، ومن ضمنها خلايا ومجموعات "التنظيم" التي تتخذ بعض مواقع البادية أماكن للتخفي والانطلاق لتنفيذ عمليات خاطفة. مقابل وقوع أغلب تلك المجازر على شبكة الطرق الرئيسية التي تتحكم بها المليشيات أو ضمن النطاق الجغرافي لمصالحها الحيوية، خاصة مع وجود عدد من حقول الطاقة في المنطقة (نفط، غاز، فوسفات). إضافة إلى عدم تبني "تنظيم الدولة" لأغلب تلك العمليات، واختلاف طبيعتها عن التي يعلنها "التنظيم" رسمياً، لناحية أسلوب التنفيذ والجهة المُستَهدَفة. ناهيك عن اتهامات العشائر لأطراف أخرى بالضلوع في أغلب تلك المجازر تحت اسم "داعش"، وبخاصة المليشيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة لأهداف وغايات عدة.
فيما يلي، خريطة توضِّح أبرز نقاط انتشار وتوزُّع قوى السيطرة في البادية السورية، إلى جانب شبكة الطرق الرئيسية، وأبرز حقول الطاقة، إضافة إلى أبرز المناطق التي شهدت نشاطاً لخلايا "التنظيم" أو مجازر وعمليات مُلتبِسة نُفِّذَت باسمه خلال عامي 2019-2024. للمزيد حول نشاط خلايا "تنظيم الدولة" في مختلف المناطق السورية، وطبيعة عملياتها المتبناة بشكل رسمي وتلك المُلتَبسة، راجع: دراسة صادرة عن مركز عمران، بعنوان؛ "تنظيم الدولة" في سورية ما بعد "التمكين".. مقاربة: حوامل النشاط وملامح البُنية ومستويات التوظيف.
لقراءة وتحميل الدراسة:
للاطلاع على الخريطة بدقة عالية:
للمزيد: https://bit.ly/48WyxWp
مع بدايات ظهور تنظيم “داعش” في سورية، بدأت التقارير الدولية تشير إلى تعاون اقتصادي بينه وبين نظام الأسد، وخاصة في المجال النفطي، ممازاد من ثروة التنظيم وقدرته على تمويل نفسه من جهة، وقدرته على فتح المعارك مع الجيش السوري الحر والاستيلاء على مناطق كانت حُررت سابقاً من سيطرة نظام الأسد من جهة أخرى.
أما على صعيد كوادر التنظيم، فقد أفرج نظام الأسد عن عدد من المتطرفين المعتقلين في سجونه والذين تزعموا لاحقاً مناصب في التنظيم، مثل علي موسى الشواخ (أبو لقمان) وغيره كثير، ولم تكن العلاقة بين الأسد وداعش علاقة أحادية الجانب، بل ساهم التنظيم بمساعدة الأسد بالسيطرة على أماكن كان يتواجد فيها التنظيم ولكنه انسحب منها بشكل مفاجئ، كما حدث في تموز 2014 عندما انسحب من الضواحي الشمالية لحلب في الوقت الذي كان فيه النظام يقاتل ويحاول الالتفاف على فصائل الجيش الحر المتواجدة في المدينة، وكانت نتيجة هذا الانسحاب أن الجيش الحر حوصر من ثلاث جهات من قبل جيش الأسد.
كل هذه الحقائق والوقائع غالباً ماتكون غائبة أو مغيَّبة طواعية عن ذهن كثير من المفكرين الغربين المهتمين بسلوك وتطورات الجماعات المتطرفة، ففي مقالته الأخيرة بعنوان ( Resistance Is Futile) أي المقاومة بلاجدوى، تحدث توماس هيغهامر عن نمو الجماعات الإرهابية وتَغُير أسلوبها وآلية تصدي الحكومات لخطر هذه الجماعات، و اعتبر أن “الحرب الأهلية السورية” حسب وصفه، أعطت فرصة لتنظيم داعش بالتمدد في سورية، وتشكيل ولاية له فيها، وأعتبر أن سورية أصبحت مركز عالمي للإسلام المتشدد وجذبت أهل السنة حول العالم للقتال مع المتمردين أو التطوع للقتال ضمن تنظيم داعش.
في مقالته لم يتطرق الكاتب أبدا إلى دور الأنظمة الاستبدادية في تغذية ودعم الجماعات الإرهابية بهدف جلب الدعم الدولي للقضاء على تلك الجماعات التي شكلوها و الثورات الشعبية في آن واحد، وهنا يظهر دور “المستشرقين الجدد” في تعميق جذور الدول الديكاتورية في العالم العربي، حيث سعى المستشرقون القدامى في جزء من كتابتهم إلى تبرير الاحتلالات الغربية و تجميل دورها في الدول التي دمرتها واحتلتها، أما المستشرقون الجدد كان دورهم أعتى وأكثر لؤماً اتجاه الشعوب العربية، حيث أنهم تناسوا فظائع المحتل الخارجي والاستبداد الداخلي وتاريخه في دعم المتطرفين ابتداءً من الدعم الأميركي لأول الانقلابات العسكرية في العالم العربي وهو انقلاب حسني الزعيم مروراً باحتلال العراق وأفغانستان حتى ثورات الربيع العربي، فاستطاع هؤلاء المستشرقون الجدد تحليل أدق تفاصيل بنى هذه الجماعات وآلية عملها وتفكيك سياسات تجنيدها للمتطوعين ولكن تعطلت لديهم حاسة التحليل و الملاحظة عند الوصول إلى الأنظمة الاستبدادية.
ولم يقتصر دور المستشرقين الجدد على تحليل مجتزأ لواقع الشعوب العربية و مستبديها و الجماعات المتطرفة التي سُلطَت عليها، بل حتى دعموا سياسيات بعض الحكومات الأوروبية اتجاه المسلمين في أوروبا سواء المهاجرين منهم أو الأوروبين وقمعهم أو إيقاف نشاطاتهم الشعائرية تحت ذريعة محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، حيث ربط توماس في مقالته بين سياسات الرئيس الفرنسي السابق فرانسو هولاند والتي أدت إلى إغلاق عدد من المساجد وملاحقة الدعاة وبين انخفاض عدد الهجمات والمؤامرات ضد الدول الأوروبية، مع أن سياسة فرنسا كانت ضد الإسلام كدين في تلك الفترة وحتى الآن وليس ضد ممارسات الأشخاص المتوقع انتسابهم للجماعات المتطرفة يناء على سلوكهم أو دعمهم المالي لها.
ولم يقتصر دور بعض المفكرين الغربيين على إهمال الحقائق بل تجاوزوا ذلك إلى تزويرها، ففقي كتابه (inside Syria- داخل سورية) يكتب ريز أرليخ عن أحداث السنوات الأولى من الثورة السورية بوصفه لها حرباً أهلياً ويُعيد تأليف رواية كاملة متعلقة بمجزرة الغوطة الشرقية في آب 2013 والتي حصلت نتيجة استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي في قصفه ضد المدنيين في الغوطة، فاعتبر ريز في كتابه أن المجزرة حدثت نتيجة صراع داخلي في الغوطة بين الفصائل، وأن السلاح الكيماوي كان بيد جبهة النصرة وأنها هي من قصفت قرى الغوطة به، ليتجاهل بذلك التقارير الدولية التي أدانت استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي وأفضت إلى قرار بتدمير ترسانته من هذا السلاح.
وختاماَ، في ساحة تحليل الظواهر والواقع سواء كحكومات أو جماعات أو سياسات، إن لم يوَصّف أبناء المجتمعات العربية واقعهم ويحللونه ويفككون بنيته بُغية شرحه وفهمه، فمن الطبيعي أن يأتي من يشرح الظواهر من وجهة نظر حكومات غربية تحاول أن تجد لنفسها مبرراً أخلاقياً ظاهرياً أمام شعوبها وأمام التاريخ لعدم التحرك من أجل إيقاف أنظمة مستبدة تقتل شعوبها، أو حتى من أجل تلميع صورة المستبد و إعادة تجميله ليكون أداة للمحتل من أجل ترويض الشعوب والسيطرة عليها، وتعزيز فكرة “قابليتها للاستعمار” كما وصف ذلك مالك بن نبي قبل ستين عاماً.
السورية نت: https://bit.ly/3rGu3kG
وسط القلق العالمي المتزايد على وقع تفشي جائحة "كورونا المستجد" (كوفيد 19) وما رافقها من آثار وتهديدات على عدة مستويات؛ أعلن نظام الأسد في 23آذار/مارس عن وصول الفايروس إلى سورية رسمياً، بعد التصريح عن إصابات وأولى الوفيات، مقابل إجراءات احترازية في محاولة احتوائه؛ لتتحول بذلك التخوفات إلى واقع يفتح الباب واسعاً أمام تحليلات آثار هذا الفايروس وتداعياته المتوقعة على عدة قطاعات ومستويات في البلد المُنهك. وعليه تحاول هذه الورقة تقديم قراءة تحليلية في الانعكاسات المحتملة على الملف السوري، خاصة في المستوى العسكري والجبهات المتعددة ضمن مناطق النفوذ الثلاث (معارضة، نظام، قسد)، إضافة إلى الآثار المحتملة على طبيعة التواجد الأجنبي في البلاد، مقابل العملية السياسية وآفاقها المتوقعة وسط المناخ الذي يفرضه الفايروس من البوابة الإنسانية وقابلياته للاستثمار السياسي.
تبدو فرضية تجميد الجبهات وتقويض العمليات العسكرية التقليدية نتيجة انتشار الفايروس منطقية حتى الآن، على الأقل في الفترة الحالية، والمتمثلة بالمواجهة الأولى مع الوباء والارتباك في احتوائه ومعالجة آثاره المتعددة، خاصة مع التخوف من تفشيه داخل القطع العسكرية والمليشيات ومجاميع الفصائل، إضافة إلى عدم القدرة على فتح معارك كبرى، تلك التي من الممكن أن تؤدي إلى عدد كبير من الجرحى يزيد الضغط على القطاع الطبي المشلول أساساً في مناطق المعارضة، والعاجز في مناطق النظام، إضافة إلى ما قد يترتب على تلك المعارك من نفقات وميزانيات سيضطر النظام إلى حرفها باتجاه قطاعات أخرى.
ناهيك عن محاولات موسكو والنظام تجنب أي قصف جوي تقليدي يُخرجُ المزيد من النقاط الطبية والمستوصفات والمشافي عن الخدمة أو يستهدف البنى التحتية الرئيسية، وذلك لا يبدو خوفاً على المدنيين أو حرصاً على القطاع الطبي في تلك المناطق، وإنما تجنباً لحرج حقيقي أمام المجتمع الدولي في ظل جائحة تهدد الإنسانية، خاصة في الوقت الذي يسعى فيه النظام وحلفاؤه إلى استغلال هذا الظرف الإنساني لإحداث خرق في جدار العقوبات الاقتصادية (الأوروبية-الأمريكية)، إضافة إلى محاولات الإفادة منها كمدخل للتطبيع والمساعدات وإعادة العلاقات العلنية مع بعض الدول العربية-الخليجية، أو فتح قنوات تواصل جديدة عبرها باتجاه قوى مختلفة، قد تكون غربية.
وضمن إطار الإجراءات الاحترازية في مواجهة تفشي المرض؛ أصدرت القيادة العامة لجيش الأسد أمرين إداريين ينهيان الاحتفاظ والاستدعاء للضباط الاحتياطيين المحتفظ بهم والملتحقين من الاحتياط المدني، اعتباراً من 7 نيسان المقبل، لكن بشروط تحددها مدة الخدمة، إضافة إلى تسريح بعض دورات الاحتفاظ ([1])، فيما بدا تخوفاً من تفشي الفايروس داخل القطع العسكرية للجيش. مقابل موسكو التي اتخذت إجراءات احترازية صارمة داخل قاعدتها العسكرية في حميميم، إضافة إلى ضبط احتكاك جنودها بالضباط السوريين والسكان. في حين لا تتوافر معلومات دقيقة حول المليشيات الإيرانية، والتي سجّلت بحسب تقارير أعلى نسب إصابات داخل سورية، سوى نقل بعضهم إلى نقاط طبية في العراق للعلاج، عبر المعبر الوحيد الذي لم يغلق (البوكمال)، إضافة إلى عزل بعض مناطق نفوذهم كحيّ "السيدة زينب" في جنوب العاصمة دمشق، بينما اكتفى حزب الله في التصريح على لسان أمينه العام أنه "يقوم بفحص مقاتليه قبل إرسالهم إلى سورية حرصاً على عدم نقل العدوى إليها، وفحصهم أثناء عودتهم لضمان عدم نقلها إلى لبنان" ([2]). بما يشير إلى عدم تأثر تواجد الحزب بالفايروس والاكتفاء بالإجراءات الاحترازية، حتى الآن.
كل تلك الإجراءات، وما قد يلحق بها من قرارات أخرى على وقع تفشي الجائحة في البلاد، تشير، حتى الآن، إلى قدرة الفايروس على فرض هدنته الخاصة والحدّ والتقويض من العمليات العسكرية التقليدية، ولكن وفي الوقت نفسه لا يعني أبداً نهايتها أو تجميدها، بل قد تتخذ مبدئياً أشكالاً مختلفة تتراجع فيها المعارك الميدانية التقليدية لصالح تزايد النشاط الأمني واتخاذ تكتيكات جديدة تتناسب وتحقيق مصالح كل طرف.
فعلى الرغم من انحسار قصف النظام وحلفائه لمناطق المعارضة، إلا أن الخروقات للاتفاق الروسي-التركي استمرت من طرف النظام، عبر قصف صاروخي استهدف أرياف مدينة إدلب بتاريخ 31 آذار/مارس و 1نيسان/أبريل([3])، بالإضافة إلى فتح النظام معارك محدودة على جبهات أخرى كالسويداء، حيث يخوض الفيلق الخامس اشتباكات متقطعة مع فصائل محليّة "رجال الكرامة"([4])، مقابل ملاحظة زيادة وتيرة الاغتيالات في درعا بين صفوف قياديين في المعارضة السورية، ممن وقعوا على اتفاقيات التسوية([5])، الاغتيالات التي يُرجّح أن النظام يقف وراءها بشكل مباشر، خاصة أنها تأتي في سياق توترات عاشتها المحافظة خلال شهر آذار، أدت إلى اقتحام قوات النظام مدن وبلدات عدة في أرياف درعا، ماتسبب بمقتل وجرح عدد من الطرفين وتهجير 21 من مقاتلي المعارضة إلى الشمال السوري.
ويقابل اغتيالات الجنوب، ارتفاع معدلات التفجيرات عبر السيارات المفخخة والاغتيالات التي طالت قياديين في "الجيش الوطني" ضمن مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون"([6])، إضافة إلى إدلب خلال الأسبوع الفائت([7])، وعلى الرغم من تعدد الجهات التي قد تقف وراء اغتيالات الشمال، كغرفة عمليات "غضب الزيتون" التابعة لـ(PYD)، إضافة لخلايا "داعش" في المنطقة وبعض المجموعات المتشددة، إلا أن النظام وخلاياه يعتبرون أحد أبرز المتهمين بتلك العمليات، بينما تبنّت "قسد" اغتيال أحد القيادين في "الجيش الوطني"، ضمن محيط بلدة عين عيسى في ريف الرقة إثر استهدافه بصاروخ حراري بتاريخ 30 آذار/مارس، وادعائها أن ذلك جاء "رداً على محاولات تقدم للجيشين الوطني والتركي"([8])، واللافت أن هذا التوتر في محيط البلدة سبقهُ بأسبوع وصول تعزيزات للنظام إلى محيطها.
بالمقابل، يُلحظ نشاط متزايد ولافت لتنظيم الدولة الإسلامية في ظل انتشار الفايروس، والذي وصفه التنظيم بـ "أسوأ كوابيس الصليبيين"، وذلك ضمن افتتاحية حول فايروس "كورونا" في طبعة 19 آذار/مارس من نشرة "النبأ" التابعة له، معتبراً أنهُ "سيُضعف من قدرات أعداء التنظيم وسيعيق إرسالهم للجنود لمحاربة المجاهدين، داعياً أنصاره إلى زيادة نشاطهم خاصة باتجاه تحرير الأسرى وتكثيف الهجمات التي تزيد من ضعف أعداء التنظيم ([9])".
وقد كثّف التنظيم من عملياته باتجاه قوات "قسد" والنظام السوري على حد سواء، حيث أعلن عبر وكالة أعماق 29 آذار/مارس عن أسرّ عناصر من "وحدات الحماية" في ريف الحسكة وإعدامهم، كما تم تنفيذ سلسلة تفجيرات في مدينة الطبقة بريف الرقة، لم يتبناها التنظيم، ما دفع البعض لتوجيه الاتهام للنظام السوري في إطار محاولاته لتهيئة بيئة من الفلتان الأمني. وبالتزامن مع عمليات تنظيم الدولة في ريف الحسكة، أعلنت صفحات محليّة في دير الزور عن فقدان الاتصال مع مجموعة من المليشيات الإيرانية في بادية البوكمال إثر قيامها بجولة تفقدية، كما نشر التنظيم إصداراً جديداً حول عملياته العسكرية التي يقوم بها في البادية السورية، وتحديداً في قرى منطقة السخنة التابعة لريف حمص الشمالي، في محاولة منه لإيصال رسالة بأنه ما زال موجوداً، ويظهر التسجيل مهاجمة شاحنات وأرتال عسكرية لقوات النظام ، إلى جانب عمليات إعدام لمقاتلين قال التنظيم إنهم من عناصر النظام أو "لواء القدس" المدعوم إيرانياً([10]).
وتزامن ذلك مع محاولات الاستعصاء والهروب التي نفذها عناصر التنظيم في سجن "الصناعة" ضمن حي غويران بمحافظة الحسكة، وهروب عدد منهم، وسط تصريحات متضاربة من قيادات "قسد" حول هذا الهروب، مقابل تصريحات المتحدث باسم التحالف، الكولونيل مايلز كاجينز، والتي خففت بشكل أو بآخر من وقع الحادثة، فيما يبدو أن قسد تسعى لتضخيمها، حيث اعتبر كاجينز أن "السجن لا يضم أي أعضاء بارزين في تنظيم داعش"[11]) )، الأمر الذي قد يشير إلى مبالغة قوات سورية الديمقراطية في موضوع أسرى تنظيم الدولة وإثارة الموضوع بهذا التوقيت بالذات، وذلك ربما لتمرير المحاكم العلنيّة التي تدفع بها الإدارة الذاتية لمحاكمة عناصر تنظيم الدولة الذين ترفض دولهم استقبالهم، إضافة إلى استغلالها كورقة سياسية-أمنية لتحصيل المزيد من الدعم الغربي في إطار مكافحة الإرهاب. والأهم من ذلك، أنها تعكس أيضاً تخوف "قسد" من الانكفاء الذي يقوم به التحالف في العراق واحتمالية امتداده إلى سورية عبر تخفيض عدد الجنود أو إعادة انتشار محتمل شرق الفرات، خاصة وأن "قسد" اتبعت سلوك الاستثمار والتلويح بعودة "داعش" عدة مرات، ليس آخرها مع بدء العملية العسكرية التركية "نبع السلام" وإعلان ترامب سحب القوات الأمريكية شرق الفرات، حين أعلنت عن هروب سجناء من تنظيم الدولة، نتيجة القصف التركي الذي استهدف مواقع السجون، ليأتي بعدها تصريح ترامب في تاريخ 14/10/2019 ويتهم فيه قوات سورية الديمقراطية "بتسهيل هروب السجناء، لابتزاز القوات الأمريكية والتحالف الدولي"([12]).
كما رافق نشاط التنظيم المتزايد في أرياف محافظات (الرقة، دير الزور، الحسكة)، رصد عبور عدد كبير من عناصر التنظيم الحدود السورية باتجاه الأراضي العراقية، ما دفع الحشد الشعبي في الجانب العراقي إلى جانب وحدات من الجيش العراقي "اللواء 44" و"51" وعدة قطع عسكرية، وبإسناد من طيران الجيش ومقاتلة الدروع في "الحشد الشعبي"، للاستنفار وإطلاق عملية عسكرية جديدة ضد عناصر تنظيم الدولة تحت اسم "ربيع الانتصارات الكبرى"، بحسب بيان صادر عن الحشد الشعبي بتاريخ 30 آذار/مارس، وتزامنت العملية مع هروب عناصر التنظيم من سجن الحسكة، إضافة إلى عودة تحليق طيران التحالف في السماء السورية([13]).
ويبدو أن تنظيم الدولة ينظر إلى آثار الفايروس كظروف ملائمة لإعادة تكثيف نشاطه العسكري وهجماته على عدة جبهات، الأمر الذي سيرتب ضغطاً مضاعفاً على قوات "قسد" في مناطق نفوذ الإدارة الذاتية، كما سيشكل بالنسبة لها مجال استثمار جديد لتحصيل المزيد من الدعم الغربي في مواجهة "داعش". وعلى الجانب الآخر قد يشكل نشاط "داعش" استنزافاً لقوت النظام والمليشيات الإيرانية المتواجدة في ريف دير الزور الشرقي وبادية حمص، كما أن نشاط خلايا التنظيم قد يطال مناطق نفوذ المعارضة السورية عبر الاغتيالات والتفجيرات، الأمر الذي قد يعطي فرصة جديدة لهيئة "تحرير الشام" لتصدير نفسها كقوة محلية قادرة على ضبط الأوضاع الأمنية، والتي ستمثل لها بوابة للتنسيق مع قوى إقليمية ودولية، خاصة وأن مناطق المعارضة السورية قد لا تقتصر على نشاطات تنظيم الدولة، وإنما قد تفسح أيضاً المجال لبعض المجموعات المتشددة التي ستجد في الظروف الحالية والارتباك الأمني والعسكري فرصة ملائمة لتنفيذ عملياتها باتجاه عرقلة الاتفاق التركي-الروسي، أو باتجاه تصفية حسابات مع فصائل محددة في إطار الصراع على النفوذ، إضافة لاحتمالية زيادة نشاط خلايا النظام الأمنية، عبر التفجيرات والاغتيالات لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة.
على مستوى مختلف، يبدو أن فايروس "كورونا" فرض على بعض الدول سياسات عسكرية انكفائية، خاصة تلك المنتشرة قواعدها حول العالم، أو يمكن القول إنه سرّع من قرارات دول أخرى بالانسحاب من تلك القواعد وإعادة التموضع والانتشار، وفي إطار مناقشة آثاره على التواجد الأجنبي في سورية، يبدو من المفيد الدخول عبر بوابة العراق، فقد أعلنت الحكومة الفرنسية عن انسحاب قواتها من العراق 25 آذار/مارس، وذلك ضمن اتفاق مسبق مع الحكومة العراقية، في الوقت الذي قام فيه التحالف الدولي بتسليم 3 قواعد عسكرية (القائم، القيارة، كي1) من أصل 8 للقوات العراقية، والانكفاء باتجاه إقليم كردستان (قاعدة حرير) والأنبار(قاعدة عين الأسد)، وبدأ التحالف بسحب قواته التدريبية من العراق، في 20 من آذار الحالي، بعد تعليق برنامج التدريب، في إطار الإجراءات الوقائية لمنع تفشي "كورونا المستجد"، كما انسحب نحو 300 جندي من قوات التحالف منتصف آذار الحالي من قاعدة القائم([14]).
وعلى الرغم من كون بعض تلك القرارات ليست جديدة، ولا يمكن فصلها عن سياق التوتر الأخير بين الولايات المتحدة وإيران وإعادة التحالف الدولي لتموضعه في العراق، خاصة على خلفية الاستهداف الأمريكي لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، والذي ترتب عليه بدفع من إيران، قرار البرلمان العراقي 5 كانون الثاني 2020 بضرورة خروج القوات الأجنبية من العراق، لكن وفي ذات الوقت لا يمكن إنكار دور "كورونا" في التسريع من تلك العمليات، خاصة بالنسبة للأوروبيين الذين باتوا ينظرون إلى العراق كساحة صراع ثنائية بين طهران وواشنطن، لا مكان لهم فيها، فيبدو أن كورونا شكّل فرصة مناسبة لتسريع عمليات الانسحاب وتعليق برامج التدريب.
وبينما يساهم الفايروس بتشكيل بيئة طاردة للقوات الأجنبية المتواجدة في العراق، يبدو أن إيران لن تفوت الفرصة في تخصيب تلك البيئة، خاصة باتجاه التواجد الأكثر تأريقاً لها، والمتمثل بالقواعد الأمريكية، وذلك عبر رفع وتيرة التهديد الأمني تجاه تلك القواعد من خلال التفجيرات أو الاستهدافات عبر مليشيات محليّة، في محاولة لتحفيزها وتسريع عملية الانكفاء، وهذا ما يتقاطع مع ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول أمريكي رفيع لم تسمه، حول توافر معلومات استخباراتية عن هجمات قد تستهدف قواعدها من قبل إيران، عبر مجموعات محليّة تعفي طهران من التورط المباشر، كمليشيا حزب الله العراقي([15])، إذ يبدو أن تفشي الجائحة في إيران لا يمنعها من استثمار المناخ الذي فرضته في دول نشاطها. ولكن وفي الوقت الذي ينسحب فيه التحالف الدولي من بعض القواعد؛ تعمل القوات الأمريكية على تعزيز مواقعها الحالية في العراق، عبر استقدام بطاريتي باتريوت تم نشر أحدها في قاعدة عين الأسد، والأخرى في أربيل، ويتم الحديث عن استقدام بطاريتين إضافيتين من دولة الكويت إلى الأراضي العراقية، ويبدو أن الإجراءات الأمريكية في تعزيز تلك القواعد تتناسب طرداً وحجم التهديد المتوقع لها ([16]).
وبمقاربة أثر الفايروس على القواعد الأجنبية في الظرف العراقي، إلى الحالة السورية التي تضم عدداً من القواعد الأجنبية، يبدو أن الظرف أيضاً قابل للاستثمار لتهديد تلك القواعد، وتشجيعها على الانكفاء، فعلى الرغم من عزلة القاعدة الأمريكية في التنف، بحكم بعدها عن مراكز المدن والاحتكاك، إلا أن هذا لا يعني أنها محصنة بشكل كامل ضد الفايروس، وكذلك باقي القواعد المتواجدة في شرق الفرات، والتي قد تشهد عمليات أو هجمات محتملة من قبل مليشيات محليّة، عملت إيران على إعدادها من فترة طويلة تحت اسم المقاومة الشعبية والتي ترفع شعارات ضد الوجود الأمريكي في سورية. إضافة إلى احتمالية تأثر باقي التواجد الأجنبي (فرنسي، بريطاني) وبرامجه على وقع زيادة تفشي المرض في سورية أو داخل تلك الدول، وما سيترتب عليه من إجراءات.
أما في غرب الفرات، حيث التواجد التركي وانتشار نقاط المراقبة، والتي تعتبر أيضاً شبه معزولة وتم رفع الجاهزية الطبية فيها، فإن الأخطار الأمنية عليها لا تبدو معدومة، فعلى الرغم من قرب تلك القواعد والنقاط من الأراضي التركية وتوافر طرق الإمداد والنقل السريع، والذي قد يخفف من أخطار تفشي الفايروس، إلا أن الظرف الحالي أيضاً يبدو مناسباً للعديد من الأطراف لرفع مستوى التهديد الأمني المحتمل لتلك النقاط، سواء عبر قوات النظام والمليشيات الداعمة لها، أو حتى بعض الفصائل الجهادية التي ترى في فتح الطريق الدولي m4 وتسيير الدوريات المشتركة تهديداً لنفوذها، خاصة وأن مختلف الجهات التي من الممكن أن تهدد نقاط المراقبة أو الدوريات التركية في هذه الظروف، تدرك وقع تفشي المرض في الداخل التركي، وانعكاس أي استهداف للجنود في هذه الفترة وما قد يسببه من حرج للحكومة التركية وتأزيم في الوضع الداخلي.
أما بالنسبة لإيران وميلشياتها أو القوات الروسية والمرتزقة المرافقة لها من الشركات الأمنية الخاصة، فمن المستبعد حتى الآن أن يؤثر الفايروس وتفشيه على تواجدها العسكري في سورية، إلا في حدوده الدنيا، المتمثلة بإعادة الانتشار والتموضع واتخاذ تدابير وإجراءات احترازية، وذلك على اعتبار أن طهران تعتمد على مجموعات مرتزقة، أغلبهم من غير الإيرانيين، وبالتالي لن تكون سلامتهم أولوية بالنسبة لطهران، وهذا ما حدث حتى على المستوى المدني في إيران، حيث أفادت التقارير الواردة من المدن الإيرانية عن سياسية عنصرية عالية في المستشفيات الإيرانية، والتي رفضت استقبال الأفغان والباكستانيين وغيرهم من الجنسيات المقيمين على الأراضي الإيرانية، وجعلت الأولوية للإيرانيين، لذلك فمن المحتمل ألا يتأثر النشاط الإيراني في سورية حتى الآن، بل وعلى العكس فقد تلجأ إيران إلى محاولات استثمار المناخ السياسي والعسكري قدر الإمكان لزيادة نشاطاتها العسكرية، ولعل الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت مطار الشعيرات في حمص تعد مؤشراً على استمرار تلك النشاطات([17]).
ناهيك عن أن موسكو وطهران تشتركان بعدم تأثر السياسة الخارجية بالمعادلة الداخلية، بمعنى أن هذين النظامين ومعهما الصين والنظام السوري لا يعانون من التهديد الذي تشكله الحسابات الداخلية وارتفاع نسب تفشي المرض وزيادة عدد الوفيات على الحكومات والنظام السياسي، كما هو الحال في الديمقراطيات الغربية، وذلك بحكم طبيعة تلك الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، والتي وعلى الرغم من انتظامها بذات الإجراءات الموحدة التي يتخذها العالم في مواجهة الفايروس؛ إلا أنها وبالوقت نفسه تنظر إليه كمجال استثمار سياسي وعسكري واقتصادي، سواء عبر تسهيل المساعدات للنظام السوري من مدخل "كورونا" والسعي لمحاولات رفع العقوبات الأوروبية-الأمريكية، أو استثماره كبوابة للتطبيع مع دول المنطقة وفتح قنوات تواصل جديدة، إضافة إلى كونه فرصة لمضايقة التواجد الأجنبي بأدوات مختلفة ومحاولة الدفع في التسريع بقرارات الانسحاب.
أما عن مدى قدرتهم في تحقيق ذلك والنجاح به، فهذا مالا يمكن التنبؤ به، إذا يتعلق بعدة عوامل على رأسها توسع خريطة انتشار المرض وسرعة تفشيه وزيادة مستويات تهديداته، وما سيبنى من استراتيجيات مضادة للدول في مواجهته، خاصة تلك المتعلقة بقواعدها المتواجدة في سورية.
في الوقت الذي قد تتراجع فيه النشاطات العسكرية خطوة بشكلها التقليديّ، أو تتخذ تكتيكات وأشكال جديدة تتناسب والمناخ الذي فرضه "كورونا المستجد"؛ تبدو الظروف ملائمة لفتح المجال السياسي ومحاولة تجميد الأوضاع وتثبيت وقف إطلاق النار من قبل الفاعلين الرئيسين في الملف السوري.
فقد عقد مجلس الأمن الدولي الاثنين 30 آذار/مارس، جلسة عن بعد عبر تقنية الفيديو، بحثت جوانب عدة أبرزها مكافحة انتشار فايروس "كورونا"، وسُبل تفعيل العملية السياسية وسير اتفاق إدلب، حيث توافق أعضاء المجلس على ضمان وقف العمليات القتالية في سورية، وتحقيق الهدوء اللازم لمكافحة الفايروس، ولم تستخدم أي من الدول الخمس دائمة العضوية، حق النقض (الفيتو)، ضد القرارات الصادرة عن المجلس، في موقف نادر الحدوث خاصة فيما يتعلق بالملف السوري ([18]).
كما شهد اليوم الأخير من شهر آذار/ مارس اتصالات متبادلة بين زعماء الدول الفاعلة في الملف السوري بخصوص سورية، حيث جمع اتصال ثنائي الرئيسين أردوغان وبوتين للحديث حول إدلب وتنفيذ الاتفاقات الروسي-التركية المتفق عليها في قمة موسكو 5 آذار/ مارس 2020، بحسب بيان صادر عن الكرملين والرئاسة التركية، وجاء هذا الاتصال بعد يوم واحد من اتصال ثنائي جمع دونالد ترامب وأردوغان، تناولا فيه سبل التصدي لجائحة "كورونا المستجد"، وخاصة في الدول التي تشهد صراعات مثل سورية وليبيا ([19]).
بالمقابل، دعا الاتحاد الأوروبي إلى وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية، بما يسهم في التصدي للجائحة، ونقلت وكالة "فرانس برس" عن متحدث باسم المفوضية الأوروبية، الأحد29 آذار/مارس، أن "وقف إطلاق النار الذي أُقر حديثاً في إدلب لا يزال هشاً، وينبغي الحفاظ عليه وأن يشمل كامل سورية، "داعياً إلى القيام بمبادرة واسعة النطاق من أجل الإفراج عن المعتقلين في سجون النظام السوري، الدعوة التي سبقها مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، ببيان مماثل، طالب فيه "بإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام السوري بشكل واسع، منعاً لتفشي الفايروس، وأكد ضرورة وصول المنظمات الإنسانية بشكل فوري إلى جميع أماكن الاحتجاز، واتخاذ خطوات عاجلة لضمان الرعاية الطبية الكافية وتدابير الحماية في جميع السجون" ([20]).
وضمن هذا السياق يمكن فهم وتفسير دعوات المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، حول الدفع لتفعيل المسار السياسي، المتمثل باللجنة الدستورية المُعطلة، وإعلانه أن النظام والمعارضة توصلا إلى اتفاق على جدول أعمال اللجنة والجولة المقبلة، إذ يبدو أن بيدرسون يحاول تحقيق أي إنجاز وتقدم ملموس في ملف اللجنة الدستورية، مستغلاً المناخ الحالي الذي تفرضه الجائحة وما قد يؤمنه من غطاء دولي داعم، ولكن وبالوقت نفسه قد تعطي تلك الدعوات والاجتماعات مجالاً جديداً للنظام للمناورة وكسب الوقت، خاصة وأن أي اجتماعات محتملة للجنة لن تعقد فيزيائياً في الفترة الحالية نتيجة الإجراءات الاحترازية في مواجهة تفشي الفايروس، لذلك فمن المتوقع ألا تسفر الجولة الجديدة، في حال عقدها، عن أي نتائج جديّة، قياساً بالجولات السابقة، خاصة مع تمسك النظام بشروطه حول "الثوابت الوطنية" وسعيه المستمر للتعطيل والتمييع.
أخيراً، وضمن ما يفرضه فايروس "كورونا" من ارتباك على جميع اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين في الملف السوري، يبدو أن العمليات العسكرية ستتراجع خطوة حذرة إلى الخلف بمعاركها التقليدية، بالنسبة للاعبين الأصلاء ووكلائهم المحليين، مع احتماليات توسع الهوامش لتنظيم الدولة وبعض المجموعات المتشددة، مقابل منح المزيد من الوقت وإفساح المجال لمناورات سياسية جديدة بين الأطراف المختلفة، وتهيئة المناخ السياسي لإعادة تفعيل واستئناف المفاوضات التي من المحتمل أن تكون بثلاثة اتجاهات، الأول: والمتمثل بتفعيل المفاوضات بين النظام والمعارضة عبر الدفع في اللجنة الدستورية، والضغط على الطرفين في هذا الإطار. الثاني: والذي قد يتمثل بإعادة إحياء قنوات المفاوضات بين "قسد" والنظام، خاصة مع ارتباك وتوجس "قسد" من إعادة انتشار وتموضع محتمل لقوات التحالف في شرق الفرات، أما الثالث فقد يتجلى في محاولات النظام وحلفائه لاستثمار هذا المناخ، والسعي لفتح ثغرة في جدار العقوبات الأمريكية-الأوروبية، سواء عبر غض الطرف عن مساعدات خليجية قد تقدم للنظام، أو عدم فرملة التطبيع العربي تجاهه، بالمقابل فإن فتح وتفعيل تلك المسارات أو أحدها، لا يعني أبداً إحراز خطوات متقدمة فيها، بقدر ما يعني أنها استجابة لواقع فرضه "كورونا"، وإعادة ترتيب الأوراق والأولويات، والتي يبدو أنها ستبقى مرهونة بمدى انتشار الفايروس وما سيرافقه من آثار وتهديدات، ومدى تأثيره في الخطط الخاصة لكل دولة واستراتيجياتها الخارجية تجاه سورية.
([1]) القيادة العامة للجيش: إنهاء الاحتفاظ والاستدعاء للضباط الاحتياطيين، الموقع الرسمي لوكالة الأنباء السورية "سانا"، 29/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/SR50k
[2])) نصر الله: المعركة مع كورونا في أولها ويجب وقف الحرب على اليمن، الموقع الإلكتروني لقناة الميادين، 28/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/muGUt
([3]) قوات النظام تخرق هدنة إدلب مجدداً...الفصائل ترد، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 1/4/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/uqbV9
([4]) بعد اشتباكات فصائل السويداء مع الفيلق الخامس..."رجال الكرامة تصعد ضد روسيا"، موقع الدرر الشامية، 2/4/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/PJwhz
[5])) تصعيد جديد...4 عمليات اغتيال في درعا خلال 24 ساعة، أورينت نت، 26/3/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/CQSgk
[6])) 3 قتلى في تفجير عند مدخل اعزاز بحلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة المدن، 19/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/fnsDG
[7])) انفجاران يستهدفان ريف حلب في أقل من 24 ساعة، وعودة محاولات الاغتيال إلى إدلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 25/3/2020، متوافر على الروابط التالية: https://cutt.us/EEyzE، https://cutt.us/PY048
[8])) قسد تتصدى لهجمات الفصائل المسلحة...تقتل اثنين وتدمر آلية عسكرية، موقع ولاتي نيوز، 30/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/lWyDU
([9]) للاطلاع أكثر على افتتاحية تنظيم الدولة في نشرة النبأ حول فايروس كورونا، راجع الرابط التالي: https://cutt.us/8Krtu
([10]) السخنة "أم القرى" التي يحاول تنظيم الدولة توسيع نفوذه منها، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 3/4/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/lkKtY
([11]) الحشد الشعبي يطلق عملية عسكرية بعد دخول مسلحين من سورية، صحيفة عنب بلدي، 30/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/QXisl
[12])) ترامب يتهم قسد بإطلاق عناصر داعش لعودة التدخل الأمريكي، الموقع الإلكتروني بروكار برس، 14/10/2019، متوافر على الرابط: https://cutt.us/D4jxu
[13])) مرجع سبق ذكره، متوافر على الرابط: https://cutt.us/QXisl
[14])) وسط تهديدات بهجمات...التحالف الدولي يخلي قاعدة ثالثة في العراق، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 30/3/2020/ متوافر على الرابط: https://cutt.us/OQi1x
([16]) أمريكا تعزز قواعد في العراق بـ"باتريوت"...وتنسحب من أخرى، 31/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/6lyuZ
([17]) غارات إسرائيلية على الشعيرات..استهدفت غرفة عمليات إيرانية، جريدة المُدن، 31/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/7r7uc
[18])) بسبب كورونا...إجماع نادر في مجلس الأمن حول الملف السوري، السورية نت، 31/3/2020، متوافر على الرابط: https://cutt.us/pFj46
([19]) خلال 24 ساعة اتصالات بين زعماء أبرز 3 دول مؤثرة في سورية، السورية نت، 1/4/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/DpH4w
[20])) الاتحاد الأوروبي يدعو إلى هدنة في كامل سورية وإطلاق سراح المعتقلين، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 30/3/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/uH5NE
واجه "النظام السوري" تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية عديدة منذ انقلاب البعث في 1963 وحتى اليوم، مارَسَ خلالها أدوات الالتفاف والاحتواء والقفز إلى الأمام واستثمار الحلفاء وغيرها ليصمد بتعريفه الخاص للصمود، وليُبقي على حاجة محيطه إليه من خلال امتلاكه لملفات أمنية عابرة للحدود. كما وازن علاقاته مع القطبين، السوفيتي والأميركي، خلال السنين السابقة، إضافة إلى بناء شبكة محلية يسيطر فيها على الحزب والدولة والمجتمع. ولكن الزلزال الأخير المتمثل بـ "الانتفاضة الشعبية" في عام 2011 -والتي دفع بها لتُصبح فيما بعد صراعًا إقليميًّا ودوليًّا- كَسَر عُمق التكوين البُنيوي للنظام دون أن يُنهيه، وأبقى على عوامل الاحتقان المجتمعي والجذور السياسية. وبالتالي، فإن بنية وأدوات وشبكات النظام الحالية في 2019 تختلف في الشكل وطبيعة التكوين والسلوك عما قبل 2011 -حيث بات محكومًا بتحالفات وسياق سياسي وأمني وميداني جديد- وخاصة بعد التدخل الروسي في 2015 وعودة كثير من الجغرافيا لسيطرة النظام.
ستقوم هذه الورقة بتحليل مآلات النظام السوري من خلال تقدير مدى قوة النظام العسكرية والسياسية والاقتصادية ومدى استدامتها، ومدى قدرته على الاستمرار في تنمية نفوذه في الميدان السوري من عدمه، ومن ثم تقييم قدرته على التأثير في تسوية مقبلة سواء بقدراته أو بتحالفاته أو ما تقدمه ظروف التسوية نفسها.
لقد تشكَّل مشهد الصراع الإقليمي والدولي في سوريا عبر سلسلة مقاربات دولية جزئية حاولت تجميد الصراع تارة واحتواءه أو تسكينه وتجميده على الوضع الراهن لزمن مطول أو التأقلم مع متغيراته. ومن خلال هذه التدافعات تشكلت مناطق نفوذ أمنية ثلاثة: الأولى: منطقة شرق الفرات، وهي التي تقع تحت حماية الجيش الأميركي (تحت غطاء قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة)، وتوجد قوات فرنسية وبريطانية مساندة إضافة إلى الشريك المحلي وهي قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب (YPG). الثانية: مناطق درع الفرات (ريف حلب الشمالي) وعفرين وإدلب، والتي يسيطر عليها الجيش التركي، وتخضع لتفاهمات أمنية وإدارة مباشرة في كل من درع الفرات وعفرين)، وإلى نقاط مراقبة تركية واتفاق منطقة منزوعة السلاح خاص لإدلب. الثالثة: باقي المناطق السورية وتخضع لسلطة النظام مع مشاركة إيران في عدة أجزاء (حلب ودرعا وحمص) وروسيا (حميميم وطرطوس ودرعا). ففي حين ركزت المقاربات العسكرية للفاعلين الإقليميين والدوليين على غايات أمنية متباينة ومتعارضة أحيانًا؛ أفرزت تفاعلات هذه المقاربات واقعًا محليًّا جديدًا غير مستقر وشديد التقلب، لكنه منضبط بأطر عامة تتجنب حل جذور الصراع وتتعاطى مع آثاره وتداعياته الأمنية العابرة للحدود، ما حال دون إيجاد أرضية لبيئة آمنة ومحايدة تسهم في الوصول إلى اتفاق سياسي ومن ثمَّ إلى عودة النازحين واللاجئين.
انطلقت السياسة الأميركية من مدخل "محاربة الإرهاب" المتمثل بتنظيم الدولة كأولوية مقابل تغيير النظام أو دعم المعارضة. واعتمدت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على قوات سوريا الديمقراطية عسكريًّا وإداريًّا حتى إعلان نهاية "الخلافة" وبقاء خلايا لتنظيم الدولة، وحينها تركزت السياسة الأميركية الجديدة التي أعلن عنها جيمس جيفري (المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا) على: محاربة تنظيم الدولة وضمان عدم عودته، وإخراج إيران والميليشيات المدعومة من طرفها من سوريا، والدفع بالعملية السياسية حسب قرار مجلس الأمن 2254(1). كما أنها تمضي باتجاه خطوات أكثر تصعيدًا لعرقلة "المشروع الإيراني" (رغم أنه لم يُترجم بعد بخطوات حقيقية) بشكل لا يجر التحالف الدولي للصدام المباشر مع طهران، ولكن هذا لا يعني أن مستويات المواجهة ستبقى مضبوطة بل تحتمل التفجر بمستويات متعددة، خاصة مع الضوء الأخضر الممنوح مسبقًا لـ "إسرائيل" بتوافق روسي وأميركي. كما تصطدم هذه المقاربة بالمحددات الاستراتيجية الأمنية لأنقرة التي ترى في قوات سوريا الديمقراطية غطاء "لشرعنة" حكم ذاتي لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وهو ما استوجب من تركيا عدم تنحية الخيارات العسكرية. ولابد هنا، من رصد تطور التفاهمات الأميركية-التركية وحدودها لما له من تأثير بالغ في المسار الأمني والسياسي القادم.
أما روسيا، فبعد تدخلها في 2015 لإنقاذ النظام وجدت نفسها أمام بنية عسكرية وإدارية هشة في مناطق النظام وتنافس إيراني لا يضمن لها الصدارة كوسيط وفاعل إقليمي في حل النزاعات في مقابل الولايات المتحدة. فحاولت تجزئة المعضلة والعمل على ترتيبات ما قبل الاتفاق السياسي من خلال "تسكين" وتهدئة الجبهات في مسار أستانا مع الاستمرار في تقديم الدعم والتوجيه العسكري لقوات النظام وحلفائه. وتصطدم هذه المقاربة بملف إدلب الذي عجزت فيه، وعملت على تجميد جبهته بالاتفاق الثنائي مع تركيا ومع الدول الضامنة في أستانا، وكذلك باتفاق المنطقة العازلة، في سبتمبر/أيلول 2018. ورغم التصعيد الأخير في إدلب، بداية مايو/أيار 2019، لا يُتوقع حاليًّا فتح معركة واسعة لاسترجاع كامل إدلب بسبب التفاهمات الروسية-التركية ويبدو أن هناك قضمًا تدريجيًّا لجزء من إدلب، على صلة بفتح الطرق التجارية الدولية. كما يرتبط ملف إدلب أيضًا بالتطورات الأمنية التركية في ملف التفاوض مع الولايات المتحدة، بخصوص قوات سوريا الديمقراطية والمنطقة الآمنة شرق سوريا.
وفيما يتعلق بمقاربة إيران، فهي تسعى لـ "حماية المكتسبات وضمان ديمومتها" عبر تدعيم انتشارها في البادية وإبقاء التهديد الأمني للجبهة الجنوبية. كذلك، فإن إيران خففت من حدة ظهورها وأذرعها من خلال الانصهار تحت غطاء مؤسسات أمنية وعسكرية وإدارية وخلق أجهزة ومجموعات كـ"دولة داخل الدولة" بغية "شرعنة" وجودها وحمايتها، وكذلك بناء أذرع محلية سورية تستطيع أن تعطِّل أي حل لا تراه مناسبًا أو تزيد من مكتسباتها السياسية. كما تعمل طهران على تكثيف زخم المقاومة الناعمة لمحاولات موسكو للاستحواذ التام على المشهد العسكري والأمني -حيث تضغط موسكو على حلفائها لتنسيق الدعم وحصره بغرفة حميميم- أو تعمل على استغلال حاجة موسكو للقوة البشرية التي افتقدها النظام وتمتلكها "الميليشيات" الإيرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية، فضلًا عن الانخراط -أي انخراط طهران- العضوي ببنية النظام.
وربما تتجلى العلاقة الحذرة بين الطرفين، الروسي والإيراني، من خلال تحليل للتصعيد العسكري الأخير في بداية شهر مايو/أيار 2019 في جنوب إدلب، حيث اعتمد الروس ميدانيًّا على بعض عناصر الفيلق الخامس الموالي لروسيا جنبًا إلى جنب بعض المجموعات الموالية لإيران، نظرًا لافتقار النظام لكتلة عسكرية صلبة. كما "تصطدم مقاربة طهران بمجمل المقاربات الأخرى التي تتفق على ضرورة محاصرتها وتحجيم قواها في سوريا سواء عبر سياسة عقوبات اقتصادية نوعية أو عبر تصنيف حرسها الثوري كقوة إرهابية أو عبر تضافر جهود دول "مؤتمر وارسو" في إنجاز سياسات حصار متعددة الجوانب؛ وهذا كله وإن بدا منضبطًا إلا أنه يحتوي مؤشرات انزلاق لحرب كبرى"(2).
أما تركيا فتتبع سياسة "القفز للأمام" وتجهيز البنية التحتية الأمنية والعسكرية والإدارية، وذلك من خلال تقوية مناطق "خط دفاعها الأمني" (درع الفرات وعفرين) وتدعيم بناها الأمنية بكافة المستلزمات اللوجستية والبرامج التدريبية. كما تهدف أيضًا إلى خلق قوة محلية قادرة على صد أي هجوم لقوى مهددة للأمن العام في تلك المنطقة وللحدود التركية. كذلك، فإن منطقة النفوذ التركية يتم تدعيمها لمواجهة "الإدارة الذاتية" بهدف إعادة تعريف القوة الإدارية المتحكمة في مناطق شمال شرق سوريا وضرب كافة أذرع "حزب العمال الكردستاني"، ورغم أن الصدام المتوقع يبدو محدودًا على الأغلب لكنه مرشح للتوسع والانزلاق بسبب كثرة العوامل الأمنية المهددة، بما فيها تداعيات التصعيد في إدلب. ويطمح النظام إلى استغلال كافة هذه المعادلات لتثبيت سيطرته الأمنية والعسكرية والسياسية على كافة الجغرافيا عبر القضم العسكري تارة والمصالحات "الاستسلامية" تارة أخرى.
أسهمت سياسات الدول الفاعلة في تكريس مناطق النفوذ عبر ترتيبات أمنية جزئية وتأجيل التعاطي مع جذور الأزمة السياسية، ورغم أن هذا أسهم في تهدئة معظم الجبهات القتالية إلا أنه نقل أزمة النظام السياسية إلى تحديات حكومية يعجز عن الوفاء بأقل متطلباتها، ليس فقط بسبب العجز المالي وإنما لعدم امتلاك أدوات الإصلاح الحقيقي بعيدًا عن إجراءات التحكم الأمني المطبق. كما أن عدم قدرة موسكو على تبني استراتيجية خروج سياسية مع استمرارها بتغليب "الحل الصفري" سواء بالمعنى السياسي أو العسكري، عزز احتمالات عودة التصادم ونقله لمستوى إقليمي ودولي بشكل أوضح. وفي ظل مناطق النفوذ المتشكلة؛ فإن عنصر مرور الزمن على اتفاقيات تجميد الصراع وثبات التفاهمات الأمنية لها، يحوِّل الحدود الأمنية رويدًا رويدًا لحدود سياسية ممأسسة لتشكل نظامًا سياسيًّا جديدًا، يكون مدخلًا لبلورة صفقة سياسية يتم إخراجها بصيغة "حل سياسي"(3).
يمكن تحليل أهم تحديات النظام في المرحلة الراهنة من خلال استقراء التغيرات الأمنية والإدارية التي حدثت في المناطق التي عادت لسيطرته، من حيث قدرته على إعادة بناء المؤسسات وخلق الحد الأدنى من البيئة الآمنة والمستقرة. الواضح -حسب تصريحات رأس النظام وعدد من قياداته- أنه غير مهتم بعودة جميع النازحين إلا عبر مصالحات "استسلامية" وبأطر قانونية جديدة وليس بالضرورة إلى مساكنهم الأصلية. كما أن المخصصات المالية لإعادة الإعمار في موازنة 2019 لا تتجاوز 115 مليون دولار، من دون مخصصات مالية لها في الخزينة ابتداء(4). وبالنظر إلى عدد من المناطق التي استعادها، فقد خلق أنماطًا أمنية مؤقتة وأعاد تشكيل شبكاته من خلال طبقة تجار الحرب الجدد والوسطاء في المصالحات، كما أجرى انتخابات للمجالس المحلية صدَّر فيها وجوهًا جديدة وأعاد تصدير حزب البعث. كل هذا لم يأخذ بعين الاعتبار أهمية توليد ديناميات جديدة للتعاضد المجتمعي والمصالحة المجتمعية. وتطمح تكتيكات النظام لما أسماه "برنامج إعادة الإعمار" لعودة تثبيت التحكُّم المركزي بهدف تصدير صورة وهمية عن قدرته على إدارة ملفات ما بعد الحرب، كما يتبع في هذا الصدد سياسات تهدف إلى تعزيز شبكات تحكمه الأمنية والطائفية، وبعيدة عن أي إصلاح حقيقي.
ترتسم معطيات أمنية وعسكرية تتوافق مع التعريف الروسي للحل السياسي (الصفري) وفق معادلة لا يمكن لها أن تولد ديناميات سلام يلتف حولها السوريون من جهة ولا بيئات آمنة (تستلزم إصلاحات عدة) دافعة لعودة السوريين، من جهة ثانية. ويمكن الاستدلال كمثال بحجم الاعتقالات والاغتيالات والإحالات القضائية في مناطق المصالحات، إضافة إلى سياسات التهميش الممنهج لمناطق كانت تخضع سابقًا لقوى معارضة. وترتكز عناصر معادلة الحل وفق منظور النظام وحلفائه الروس على استعادة سيطرة "النظام" على كامل الأراضي السورية، وترحيل القوى المعارضة والثورية، وبالتالي تحويل الاستحقاقات السياسية لتحديات حكومية، عبر المضي قدمًا بأستنة جنيف(5).
وبناء على ذلك، يتضح أن مقاربة نظام الأسد لا تعالج المسائل الدقيقة المتعلقة بشرعية المؤسسات وقدرتها، والتي لا توفر الأمن والعدالة والدمج السياسي للمواطنين، كما أنه يعتبر التعافي الاقتصادي فرصة للإثراء الذاتي ولتكريس التحولات الاجتماعية والديمغرافية التي برزت نتيجة سِنِي الصراع. ويواجه النظام أيضًا معوقات ترتبط بمعايير الاستقرار التي لا يمتلكها، كالبرامج الكريمة لعودة اللاجئين وما تُمليها من استجابة محلية وواقع أمني منضبط؛ وتوافق سياسي وتماسك اجتماعي؛ وإعادة الشرعية وتأهيل الدولة لامتحان إعادة الإعمار. ففي غياب اللحظة السياسية المعترف بها دوليًّا، وفي ظل بنية عالية الهشاشة للجيش السوري وتحكم الروس والإيرانيين بالمشهد العسكري المحلي، فإن النظام سيواجه مشهدًا لا يسمح له بأن يعيد تشكيل نفسه ويحافظ على الاستقرار الأمني والمجتمعي(6).
على الرغم من أن الاهتمام في مرحلة ما بعد النزاع ينبغي أن ينصب على امتلاك شروط الاستقرار الأمني والاجتماعي والحد من مُولدات العنف، إلا أن النظام وهو يعيش حالة "الانتصار"، يخيل إليه أنه ليس بحاجة لإجراءات حقيقية لإعادة الدمج وتفكيك المجموعات المسلحة وإعادة التأهيل، وإنما يحدد أولوياته بما يحافظ على كيانه ويُبقي له السلطة الأمنية الحاكمة. ويرى كذلك أن جهوده ينبغي أن تقتصر على إعادة ترميم وإعادة تشكيل مراكز القوة العسكرية والأمنية وليس عبر إصلاح العقيدة الأمنية ودورها المضخم في الحقل العام وضبط العلاقات المدنية-العسكرية. وبالتالي، فحتى عمليات التسريح وإعادة الدمج والتأهيل ستكون مصممة ليس بما يهدف لاستقرار سوريا دولة ومجتمعًا، وإنما خاضعة لمصلحة "النظام" بالدرجة الأولى، ومتكيفة مع جهود حلفائه بالدرجة الثانية، ومستوعبة للمتغيرات التي طرأت على بنية الجيش بالدرجة الثالثة.
وهنا، يبرز سؤال حول تصور النظام للحل وآلياته لإعادة الضبط والتحكم في الجيش(7)، لاسيما أنه باتت تتحكم وتتنافس في بنيته، أي بنية النظام العسكرية، القوات الروسية والإيرانية، ويضع كل منها شروطًا ويمارس الضغوط. فمثلًا تجد الفيلق الخامس مشروعًا روسيًّا بامتياز غير محصور بمنطقة معينة ويُعنى بضم مجموعات قتالية معارضة في مناطق المصالحات، وكذلك مجموعات تم تهميشها من قبل إيران، مثل الدفاع الوطني. وكذلك يعمل النظام على تقوية شبكات جديدة من رجال الأعمال (الفوز والقاطرجي مثالًا) وشبكات التهريب في مناطق القلمون وريف حمص والتي باتت تملك شبكة تتحكم بالمفاصل الأمنية في البلاد. ويتضح عبر تحليل سياسات النظام حول إعادة ترميم وتشكيل مراكز القوة العسكرية والأمنية، أنه لا توجد مؤشرات تدل على أنه يمتلك برنامجًا حقيقيًّا لـ"الهيكلة وإعادة الدمج"، بل هناك رغبة حذرة ومحدودة في كافة القرارات والتوجيهات الصادرة، ولا تزال تحافظ على الهيكلية القائمة والعقيدة القتالية والممارسات الوحشية والتركيز على هدف حماية النظام بشكل رئيس.
فقد اعتمد النظام بشكل انتقائي على بعض الجماعات دون الأخرى، فسمح لقوات النمر بمساحة وحرية للعمل باستقلالية عنه وبالتنسيق مع الروس، بينما تمت اعتقالات لقيادات بعض الميليشيات الأخرى الأصغر (مثلًا: صقور الصحراء التي يرأسها أيمن جابر تم التضييق عليها، بينما تم ضم كتائب الفضل بن العباس إلى ملاك أي إدارة الفرقة الرابعة بهدف ضمها ككيانات -وليس دمجها- في هيكلية الجيش)، تاركًا بذلك علامة استفهام كبيرة حول مصير الفصائل المتبقية. بالإضافة إلى ذلك، كانت مثل هذه الجهود في بعض الأحيان مقتصرة فقط على تصنيف الجماعات شبه العسكرية كقوى تابعة للجيش العربي السوري. وتقوم سياسات النظام على تجميع الميليشيات وليس دمجها وتشكيل جيش محترف، وهو ما يتقاطع مع ما تدفع إليه روسيا عبر تبنيها سياسة دمج المجموعات "المصالِحة" والمجموعات القوية إلى الفيلق الخامس والسادس. تكشف إجراءات النظام الحالية أنه غير جاد بعملية إعادة هيكلة شاملة لأن ذلك يقوض -حسب مخياله- صورته كمنتصر في هذا الصراع، وإنما يكتفي بإجراءات ضم وتجميع شكلي لبعض المجموعات بالتنسيق مع داعميها أحيانًا. ويبدو أن النظام لا يزال لا يرى ضرورة لتشكيل جيش محترف يتبع للدولة بإطار مدني، وإنما يحتاج إلى جيش يبقى أداة للسيطرة السياسية وحتى الاقتصادية.
كما لا تزال "محدودية القدرة" تفرض نفسها على منهجية إعادة التشكيل لدى النظام، وتجعلها محصورة في أوامر النقل والتعيين والتسريح؛ وهذا ما يوحي بأن التنافس الروسي-الإيراني على ملء مراكز القوة في الجيش (كالفرق المدرعة والاستخبارات الجوية والعسكرية والحرس الجمهوري وهيئة الأركان) هو المؤشر الأبرز لفهم مآلات ومخرجات تلك المنهجية. فمن زاوية مصالح النظام، فإن الاستنزاف يتطلب العديد من البرامج والسياسات المكلفة من حيث المال اللازم لإنجازها ومن حيث الجهود الإدارية والفنية التي لا تزال غائبة بحكم إدراك النظام لحجم الخسائر من جهة، وبحكم أنه ليس المتحكم والمقرر الوحيد في منهجية إعادة التشكيل والهيكلة بسبب وجود الروس والإيرانيين وتباين رؤاهم حول هذا الشأن.
وبهذا المعنى؛ فإن الهدف الأوضح للنظام هو زيادة الاهتمام ببيروقراطية الجيش، وهي المدخل الرئيس لفاعليته وتحكمه داخل الجيش. فتارة يستثمر ذلك في زيادة هوامش حركته، وتارة ثانية يجعل الجيش ورقة استثمار يطرحها ما بين الروس والإيرانيين كالاتفاق المبرم مع وزير الدفاع الايراني لإعادة بناء الجيش السوري(8) وقرار تشكيل الفيلق الخامس ومنح إدارته للجيش الروسي والشركات الأمنية المتعاقدة معه، وتارة ثالثة تُتيح له تدعيم شبكاته الأمنية والعسكرية المتحكمة بمسار مؤسستي الدفاع والأمن كالتعاون مع المخابرات الجوية ومنصب رئيس الأركان. بالمحصلة، يتجه النظام بحكم هذه القيود في مقاربته، نحو شكل هجين بين التصور الروسي والإيراني إضافة إلى تصوره للسيطرة المحكمة.
وفي هذا الصدد، لابد من إدراك حالة موضوعية في واقع مؤسسة الجيش السوري، وهي صعوبة العودة إلى جيش ما قبل 2011، لا من حيث القدرة النوعية ولا التمويلية ولا من حيث التماسك البنيوي، والذي يقوم في أساسه على "تحالف الأقليات" الذي صمَّمه حافظ الأسد(9). ويرى النظام ضرورة مقاومة سياسات التغيير الموضوعية وبالشروط الوطنية لأنها ستُفقده إحكام سيطرته على الجيش وتطويعه في صراعاته المحلية.
من جانب آخر، فإن النظام استمر بفضل تموضعه في ظل واقع عسكري مشرذم منحه صفة الشرعية والسيادة، حيث تكونت ميليشيات سورية تتبع له وأخرى تتبع للروس وثالثة لإيران، وسيطرت على الطرق والمعابر ومسالك التهريب وتحكمت بمناطق إدارية وخطوط الإمداد. أما بعد هدوء الحرب نسبيًّا فسيُواجه سيناريوهات اللامركزية في إدارة وتوجيه مؤسستي الدفاع والأمن. فمن جهة أولى، لا تزال هناك أنماط مغايرة لتلك المؤسسات متحكمة بجزء مهم وحيوي من الجغرافية السورية، ومن جهة ثانية، تفرض متطلبات إدارة التباين الداخلي والميليشيات المتعددة سيرًا إجباريًّا باتجاهات أنماط عدم اللامركزية. وتشير سياسة النظام إلى أنه لن يركز على إنجاز كامل لعمليات الدمج والتفكيك وإعادة التأهيل "للميليشيات"، بل سيقتصر على بعض التسريحات وبعض التسهيلات التنموية المحدودة بهدف خلق "تجمع عصابات" داخل المجتمع. لقد أسهمت هذه المجموعات في فترة الحرب في دعم بقاء النظام وكان يُكافئها بمنحها الغطاء السياسي والقانوني ويشاركها العوائد المالية. أما بعد سكون معظم الجبهات عسكريًّا فسيواجه النظام مشكلة في مشاركته السلطات مع هذه المجموعات، وسيسعى إلى ضم بعضها واحتوائها رغم شح الموارد. وفي نفس الوقت قد يدفع الروس لنموذج "المناطق العسكرية" مما يقيد سلطات النظام مستقبلًا في استخدام بعض القطعات العسكرية لحماية بقائه.
ويمكن توصيف النظام في هذا الصدد بأنه لا يزال لا يرى ضرورة لتغيير جذري ويعتقد أنه لا يزال يمتلك القوة العسكرية ولديه أدوات وتكتيكات لاستعادة السيطرة وفق مفهومه، ويمكن أن يؤجل ويماطل في الحل السياسي ريثما يزيد من قبضته الأمنية والعسكرية، وفي نفس الوقت يستثمر اختلاف الروس والإيرانيين حول هيكلية الجيش المقبلة لتوسيع سلطته.
وبناء على القدرة المحدودة للتشكل واستثماره سياسيًّا، يتجه النظام إلى تبني المنهجية التالية(10):
في النهاية، تُمكِّن هذه المنهجية النظامَ من كسب مزيد من الوقت في مواجهة تحدي إعادة التشكل، وكذلك لاستعادة أنفاسه والمراوغة في تجنب أي تنازلات تؤثر في قبضته وبقائه في السلطة، لأن أي تنازل سيفقده عنصر السيادة والتحكم بمخرجات تلك العملية. فيقوم تارة بإجراءات شكلية في تغيير الوجوه والشخصيات، وتارة بجمع الميليشيات دون دمجهم وتارة بالسماح لبعض المجموعات بهامش معين لتمويلها من ممول خارجي صديق. كل هذه يتم استثمارها بهدف التأثير على شكل الحكم فيما بعد الصراع بشكل يستطيع النظام فيه التحكم بالشبكات غير المرئية والقوة الناعمة التي تُفشل أية محاولة حقيقية للإصلاح.
لا يزال النظام وحلفاؤه يرَون نهاية الصراع في سوريا عبر بوابة "المصالحات"، وليس عبر بوابة الاتفاق الدولي المفروض من مجموع الدول الفاعلة؛ ذلك أن المصالحة تُعيد بناء منظومة الجيش عبر عودة العنصر البشري، ولمن يسمح لهم النظام بالعودة بشروطه، فسكان العشوائيات -مثلًا- لا يحق لهم العودة لأماكن سكناهم لعدم توفر إثبات الملكية، وكذلك من تم تهجيرهم وتدمير منازلهم فهم يخضعون لقوانين جديدة لتنظيم الإسكان والمدن الجديدة.
ويحاول النظام احتواء المخاطر الناجمة عن تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي، من خلال تبني سياسات وإجراءات تتصل بإصلاح مؤسسات الدولة، وإعادة توجيه الإنفاق العام، والدفع بإصلاح القطاع العام الاقتصادي. وقد أسهمت عدة منظمات دولية مؤخرًا بإعداد "الوثيقة التنفيذية لإصلاح القطاع العام الاقتصادي"(11). ومما يُلحَظ غياب الاتفاق بين أجهزة الدولة على تعريف وآلية لتنفيذ الوثيقة، وهذا أحد الأساليب التي يتم لاحقًا التنصل فيها من استحقاق الإصلاح دون أن يتعرض النظام لضغط دولي يهدد كيانه. أضف إلى ذلك أن خطط الإصلاح المفرغة من عنصر الإلزام وتفصيل الآليات والأدوات لا تعالج مشكلة شيوع الفساد والافتقاد للموارد المالية والكوادر البشرية. كما تُظهر المعطيات تملص الحكومة من التزاماتها المتعلقة بتأمين المواد الأساسية المدعومة كالمشتقات النفطية، في ظل بروز مؤشرات على عهد هذه المسؤولية للقطاع الخاص، وما سيترتب على ذلك من آثار سلبية في قطاعات عدة نتيجة لتحرير الأسعار، وإمكانية التلاعب بها من قبل هذا القطاع(12).
إن المشهد السوري بمناطق النفوذ الثلاثة، عدا عن التنافس الروسي-الإيراني في مناطق النظام، يجعل قدرة النظام على إبرام تسوية سياسية مستدامة -في حال توافرت الإرادة لديه- محدودة جدًّا. لكن النظام يعمل حاليًّا على كسب الوقت عبر إعادة هيكلة شكلية للجيش وإطلاق سلسلة من الاجتماعات واللجان للإصلاح الإداري، بهدف استعادة القبضة الأمنية وإعادة تجميع "الميليشيات" بشكل "تجمع ميليشياوي" وليس كجيش محترف. كما أن لدى النظام القدرة على تعطيل الحل الذي يُفرض عليه والتسويف واستثمار خلافات الدول حول التسوية وشكلها. إن هذه السياسات لدى النظام ستُبقي الأزمة في سوريا متأججة وغير مستقرة، وقابلة للاندلاع سواء بشكل العنف أو على الأغلب بصور أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية. فرغم عودة كثير من المناطق عبر "مصالحات" أو عبر الحل العسكري الصفري والتهجير القسري، لا يزال الفشل الحكومي والخدمي والأمني عنوانًا لهذه المناطق.
إن المحاولات لدفع مسار التسوية وفق مخيال النظام لن يوصل البلاد إلى حالة استقرار وسلام مستدام، من دون إصلاح حقيقي ينال الشبكات المتحكمة بالدولة والمجتمع والجيش والأمن. كما أن تمييع المسار الدولي عبر التهرب من تطبيق قرارات مجلس الأمن، وخاصة 2254، أدى إلى إعطاء فرصة للنظام لأن يعيد تشكيل ذاته ضمن نفس المحددات والأساليب غير الدولتية التي عاش بها منذ تأسيسه وواجه فيها تحديات كبرى سياسية واقتصادية عبر استغلال اختلاف الدول الداعمة له.
وحسب المؤشرات الحالية، لا يبدو النظام راغبًا بتسوية أو إعطاء أي تنازلات بدون ضغط وتهديد وجودي حقيقي، وهذا ما لا يتوافر حتى الآن، وبالتالي سيسعى مع حلفائه لتصدير نفسه راعيًا لمصالحات "استسلامية" محلية وعودة "الشرعية"، وأنه المنصة المناسبة لإجراءات إصلاحية تجميلية لا تُغير من حقيقة وشبكات النظام المتحكمة داخليًّا وشبكاتها العابرة للحدود والقادرة على تفريغ أي تفاهم سياسي يتم. يبقى التحدي الأساس الذي قد يغيِّر المعادلة هو التحدي المالي والاقتصادي نتيجة العقوبات وتحديات بناء الدولة والسلام، خاصة مع الصعوبات المالية التي تعاني منها روسيا وإيران والتردد الصيني في الاستثمار غير المضمون، وهذا ما سيُبقي الاحتمالات القادمة لتطور الصراع مفتوحة وغير مستقرة.
المصدر مركز الجزيرة للدراسات: http://bit.ly/2QIlUYK
1-Jeffrey, James, Toward a New U.S. Policy in Syria Ground Zero for Countering Iran and Deterring an Islamic State Revival, The Washington Institute for Near East Policy, July 2018. (accessed 27 May 2019). https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/toward-a-new-u.s.-policy-in-syria-ground-zero-for-countering-iran-and-deter
2- معن طلاع، السياق السياسي للتعافي المبكر في سورية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أبريل/نيسان 2019، قيد النشر.
3- المرجع السابق.
4- الشرق الأوسط، سوريا: البحث عن إعادة إعمار سياسية، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، العدد 14606، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019): https://bit.ly/2JRdE7l
5- طلاع، السياق السياسي للتعافي المبكر في سورية.
6- المرجع السابق.
7- معن طلاع، اختبار مدى قدرة النظام على إعادة الهيكلة والدمج، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أبريل/نيسان 2019، قيد النشر.
8- فرانس 24، سوريا وإيران توقعان اتفاقية لإعادة "بناء الجيش السوري"، بتاريخ 27 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019): https://bit.ly/2ooBhZ1
9- طلاع، اختبار مدى قدرة النظام على إعادة الهيكلة والدمج، بتصرف.
10- المرجع السابق، بتصرف.
11- مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر مارس/آذار 2019، مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019). https://bit.ly/2JtjTi8
12- المرجع السابق.
عكست نتائج اجتماع أستانة الأخير بتاريخ 25-26 نسيان/أبريل؛ استمرار حالة ما اعتُبر "جموداً سياسياً" اعترى الملف السوري منذ أمدٍ ليس بقصير، وتجلى في تعثر إعلان اللجنة الدستورية التي تعتبر الخطوة الأولى "باتجاه الحل السياسي" وهدوء نسبي على مستوى الأعمال العسكرية مع انحسار فصائل المعارضة إلى جيب صغير في الشمال وإعلان نهاية تنظيم الدولة، لتعود الديناميكية العسكرية في الملف السوري مجدداً عقب أيام من انتهاء اجتماع أستانة 12، مع الحملة الروسية على ريفي إدلب وحماه، وذلك بالتزامن مع عملية محدودة نفذها "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا شمال حلب ضد "وحدات حماية الشعب " التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD"" والعمود الفقري لـ"قوات سورية الديمقراطية".
ويبدو أن تلك الديناميكية العسكرية ما هي إلا انعكاس لديناميكية سياسية محمومة تدور منذ المرحلة الأخيرة من الحرب على تنظيم الدولة، وتتجلى في محاولة الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الملف السوري إعادة ترتيب أوراقها وصولاً إلى تفاهمات جديدة تحدد مصالح كل طرف من الأطراف بشكل يفضي إلى رسم ملامح الحل السياسي في سورية.
وتتوزع مصالح الأطراف على الجغرافيا السورية؛ بشكل قسّم الخارطة السورية إلى مناطق ساكنة ظاهرياً ولكنها، تحمل إمكانات الانفجار في أي وقت تبعاً لقدرة اللاعبين في كل منطقة على الوصول إلى تفاهمات، وتلك المناطق هي: الجنوب السوري والشمال الغربي، إضافة إلى ما تبقى من غرب الفرات بيد "قوات سورية الديمقراطية" وشرقي الفرات، مقابل مناطق سيطرة النظام السوري في الساحل ودمشق، بما فيها مؤسسات النظام وما يدور في تلك المنطقة من صراعات خفية وأزمات اقتصادية متلاحقة. وعليه تسعى هذه الورقة التحليلية إلى تفكيك المشهد السوري المعقّد، تبعاً لمناطق النفوذ ولاعبيها الإقليميين والدوليين، وصولاً إلى رسم ملامح التفاهمات الجديدة واستشراف ما قد تؤدي إليه من آثار على شكل الحل السياسي المرتقب.
شكّل تعثر مسار أستانة بجولته الثانية عشر في إعلان تشكيل اللجنة الدستورية، وإحالتها إلى جنيف؛ فشلاً في المسعى الروسي لقطف ثمار ما أحرزته موسكو من تقدم عسكري نتيجة لهذا المسار، وتحويله إلى بديل عن مسار جنيف الأممي لإنتاج حل سياسي استراتيجي في سورية.
ويضاف إلى هذا الفشل الناجم عن رفض أمريكي-أوروبي لتفرد موسكو في إنتاج الحل السياسي في سورية؛ فشل آخر يتعلق بإحباط أمريكي لجهود موسكو في عملية إعادة تعويم الأسد وتنشيط ملف عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، في حين يستمر الهدف التكتيكي لمسار أستانة من خلال القصف الروسي ومحاولات التوغل البري في أرياف إدلب وحماه وحلب، وذلك لقضم مساحات جديدة من آخر مناطق سيطرة المعارضة والهيمنة على الطرق الدولية M4- M5، وهو جزء من اتفاق سوتشي لم تنفذه تركيا([1])، وبذلك يكون مؤتمر أستانة قد أتم المطلوب منه عسكرياً وفق بوصلة روسية وإيرانية باتجاه استعادة مناطق سيطرة المعارضة، وإعادة ضبط الحدود واستكمال عمليات نزع السلاح الثقيل والمتوسط من أيدي المعارضة المسلّحة وتحييد الجيوب المصنفة "إرهابية" وفتح وتنشيط شبكة الطرقات الدولية. الأمر الذي يشير إلى بداية انفراط عقد التحالف الثلاثي (روسيا، تركيا، إيران) بعد أن أنجز لأطرافه الثلاثة الأهداف العسكرية المشتركة. حيث بدأت خلافات ثلاثي أستانة بالظهور للعلن على عدة مستويات، خاصةً بين إيران وروسيا من ناحية، وبين موسكو وأنقرة من ناحية أخرى، إذ يبدو أن التنافس بدأ لتثبيت المكاسب على الأرض عبر تحالفات جديدة.
أحرز تحالف "الضرورة" بين موسكو وطهران إنجازات هامة بالنسبة لهدف الطرفين المشترك في الحفاظ على بقاء بشار الأسد؛ إلا أن تراجع المعارضة المسلحة إلى جيب ضيق في الشمال وانحسار الأعمال العسكرية سرعان ما ظهّرَ الخلافات الاستراتيجية بين الطرفين، والمتعلقة برغبة كل طرف بالتحكم بالملف السوري وهندسة الحل السياسي، ويمكن إجمال الخلاف الاستراتيجي بين روسيا وإيران في عاملين ([2]):
بالإضافة إلى العاملين السابقين، أخذت أبعاد الصراع الاستراتيجي الروسي الإيراني تتجلى في عدة ملفات أساسية منها ملف إعادة الإعمار وقطاعات الاقتصاد السوري الحيوية، إضافة إلى ملف إعادة هيكلة الجيش السوري والتحكم به، وفي إطار هذا التنافس تتوجه موسكو للاستفادة من المناخ الإقليمي والدولي (إسرائيل، الخليج، الولايات المتحدة) المتخوف من الوجود الإيراني في سورية، ومقايضة ورقة إيران بورقة بقاء الأسد وتعويمه وتمويل عملية إعادة الإعمار. وهذا ما بدا واضحاً في صمت موسكو عن الضربات الجوية الإسرائيلية للمواقع الإيرانية في سورية، ومحاولة إدخال إسرائيل على خط الحل السياسي للأزمة السورية بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو، والتي تزامنت مع زيارة بشار الأسد إلى طهران ([3]). الأمر الذي قد يشير إلى أن موسكو اختارت التضحية بحليفها التكتيكي (طهران) لصالح حلفاء جدد يساهمون بتحقيق أهدفها الاستراتيجية في سورية (إسرائيل، الولايات المتحدة، محور مصر السعودية الإمارات). بالمقابل، لا يغيب هذا التحرك الروسي عن ذهن القيادة الإيرانية، والتي ردت بالاجتماع الثلاثي في دمشق ([4])، والذي جمع رئيس أركانها مع نظيريه السوري والعراقي واستثنى الجانب الروسي من هذا الاجتماع، مما يشير إلى أن إيران تسعى إلى تدعيم تحالفاتها بعيداً عن موسكو بالاعتماد على العراق وسورية ولبنان، وذلك استعداداً لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ومحاولات إضعاف وجودها في سورية.
تعتبر تركيا بحكم موقعها كقوة إقليمية على الحدود السورية؛ المتضرر الأكبر من تدخل إيران المباشر ومن ثم موسكو في سورية، حيث أضعف هذا التدخل الدور التركي وساهم بانحساره إلى حماية الأمن القومي التركي من تنظيم "داعش" وميليشيات "PYD" المدعومة من الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار انخرطت أنقرة اضطرارياً مع طهران وموسكو في مسار أستانة بالرغم من الخلافات العميقة في رؤى الأطراف الثلاث الاستراتيجية لمستقبل سورية. وعليه فقد كان تعاطيها مع الشريكين الروسي والإيراني ذو طابع تكتيكي تحكمه مقتضيات حماية الأمن القومي؛ فهي تتقارب تارةً مع موسكو على حساب طهران كما حدث إبان اتفاق حلب، وتارةً أخرى مع طهران على حساب موسكو كما حدث حيال الموقف الإيراني الحيادي من معركة إدلب، والذي تجلى بإبعادها عن اتفاق سوتشي.
وتعاني تركيا في موقفها من الأطراف المنخرطة في الملف السوري من معضلة حقيقية تكمن في وجود ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" الفرع السوري لـ PKK على حدودها، واستغلال هذا الوجود من قبل أطراف متعددة كورقة للضغط عليها؛ فمن ناحية تحاول إيران دعم وجود ميليشيات PKK على الحدود التركية مع سورية والعراق بهدف عزل الدور التركي في البلدين، كما تحاول موسكو استغلال وجود ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" في مثلث (تل رفعت، عين دقنة، مارع) لفرض تفاهمات جغرافية جديدة مع تركيا حول مناطق سيطرة المعارضة، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي وعلى رأسهم فرنسا، والذين يحاولون الضغط على تركيا باستخدام الورقة "الكردية" لتحجيم الدور التركي وتطويعه في خدمة رؤيتهم للحل في سورية.
وفي ظل هذا المناخ المتوتر بين الأطراف الثلاثة والضغط الأمريكي على إيران والتقارب الإسرائيلي الروسي فيما يخص تحجيم الوجود الإيراني في سورية، يبدو أن محاولات أنقرة لمسك العصا من المنتصف مع جميع الأطراف لن تفلح، وعليها أن تختار بين الأطراف الثلاثة، ومن المرجح أن أنقرة رغم مواقفها المتشددة مع الولايات المتحدة حول التزامها بصفقة S400 مع موسكو، ومحاولاتها لتمديد إعفائها من العقوبات على النفط الإيراني؛ إلا أنها ستحسم موقفها إلى جانب الولايات المتحدة في سورية على الأقل، وهو ما قد يشير إليه التقدم الحاصل بين الطرفين على مستوى المنطقة الآمنة شرق الفرات.
تعتبر منطقة شرق الفرات النقطة التي تجتمع فيها خيوط اللعبة في سورية، وهي بذلك تشكل هدفاً لكافة الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الملف السوري؛ نظراً لمساحتها التي تشكل ثلث سورية وغناها بالثروات الباطنية والغلال الزراعية، إضافة إلى موقعها المجاور لتركيا والعراق. تلك الامتيازات دفعت العديد من الأطراف لمحاولة ملء الفراغ الأمريكي بعد إعلان الرئيس ترامب نيته بالانسحاب من سورية، وتنقسم تلك الأطراف إلى أربعة معسكرات:
ولكل طرف من الأطراف الأربعة تصوراته الخاصة لمستقبل تلك المنطقة، كما له أدواته للتصعيد فيها؛ فبالنسبة لفرنسا وحلفائها يشكل الوجود الأمريكي ولو بشكل رمزي غطاءً لها للبقاء في المنطقة، وقد نجحت ضغوطها على الإدارة الأمريكية بحرف القرار الأمريكي نحو تخفيض عدد الجنود بدل الانسحاب الكامل. أما بالنسبة لموسكو والنظام فيحاولان الضغط باتجاه سحب كامل للقوات الأمريكية وتسليم المنطقة للنظام، وفي هذا الإطار تقدمت موسكو باقتراح تفعيل اتفاق أضنة مع تركيا لتهدئة مخاوفها، والتفاوض مع النظام بالنسبة لـ "قسد" لتسوية وضعها في ظل عودة النظام إلى المنطقة. في حين لا تثق أنقرة بكل تلك الأطراف وتعتبر أن المنطقة الآمنة هي الوسيلة الوحيدة لضبط حدودها وحمايتها، مما جعل العلاقات التركية متوترة مع واشنطن وحلفاء الناتو، إضافة إلى موسكو التي ترفض المنطقة الآمنة التركية وتريد استبدالها باتفاق أضنة.
وبالرغم من الهدوء النسبي الذي يعيشه شرق الفرات؛ إلا أن أطراف عديدة تقف متربصة بقواتها على حدوده، فمن ناحية هناك القوات الروسية والنظام السوري، والمليشيات الإيرانية في سورية والحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية، كما توجد المصالح (السعودية الإماراتية) الممثلة بالوجود العسكري الفرنسي، إضافة إلى الحشود التركية على طول الحدود مع سورية.
وهنا تقع الولايات المتحدة في معضلة إيجاد حل يوازن بين مصالح حلفائها ويحمي مليشيات "PYD" من مواجهة مع تركيا. ويبدو أن الخيار قد حسم باتجاه تشكيل منطقة آمنة، والتي طال التفاوض حولها بالرغم من التفاهم على خطوطها العريضة؛ فمن حيث امتدادها يبدو أن الجانب التركي استطاع فرض تصوره بأن تكون المنطقة الآمنة بطول 460 كيلومتراً على طول الحدود التركية السورية، وستضم مدناً وبلدات من 3 محافظات سورية، هي: حلب والرقة والحسكة([5])، أما من خلال العمق فلايزال الموضوع محل تفاوض، إذ تريدها تركيا بعمق 32 كم في حين تحاول الولايات المتحدة تضييقها، كما يتفاوض الطرفان على آلية الانتشار المشترك التركي الأمريكي وطبيعة القوات التي ستنشرها تركيا في المنطقة، خصوصاً بعد رفض بريطانيا وفرنسا مقترحاً أمريكياً لنشر قواتهما كفاصل بين "قسد" والجيش التركي. ويجري الحديث عن ثلاثة احتمالات للقوات التي ستنشر في المنطقة ([6]):
وبغض النظر عن الطرف المحلي الذي سينتشر في المنطقة الآمنة؛ فإن تطبيق تلك المنطقة يبدو أنه بات أمراً واقعاً، وهذا يعني بشكل أو بآخر نهاية الإدارة الذاتية وحلم فيدرالية شرق سورية، الأمر الذي بدأت تظهر مؤشراته من خلال حل الإدارة الذاتية لهيئاتها السيادية الأبرز ([7]) (هيئة الدفاع والحماية الذاتية، هيئة الخارجية)، إضافة إلى الوساطة الفرنسية للمصالحة بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي المقرب من تركيا ([8]).
كما أن إقامة المنطقة الآمنة خاليةً من مليشيات "PYD" يعني أن تلك القوات إما سيتم حلها، أو ستنسحب باتجاه العمق السوري خارج المنطقة الأمنة، في مدن الحسكة و الرقة وريف دير الزور، وبذلك ستزداد حدة التوترات مع النظام المسيطر على الحسكة من ناحية ومع العشائر العربية الرافضة للهيمنة "الكردية" على مناطقها من ناحية أخرى، وهذا ما سيدفع إلى مزيد من التوتر في المنطقة؛ إلا في حال كانت التفاهمات الأمريكية التركية تتجاوز المنطقة الآمنة إلى كامل مناطق سيطرة "قسد"، بشكل يحقق استبدال عناصر "قسد" التابعين لوحدات "حماية الشعب" بعناصر عربية، وهو ما لم يتم الحديث حوله حتى الآن. إضافة لذلك فإن التوافق حول المنطقة الآمنة في شرق الفرات سيساهم بحلحلة الخلافات التركية الناتوية وتشكيل شريط ناتوي ضخم على طول الحدود التركية السورية، يشمل مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات، ومثل هذا التقارب الناتوي لن يكون في صالح روسيا أو إيران، اللتان ترفضان فكرة المنطقة الآمنة، مما سيزيد من نطاق الخلاف مع تركيا.
يشهد جنوب سورية بمحافظاته الثلاث (درعا، القنيطرة، السويداء) حالة من الفوضى الأمنية المتمثلة بعمليات قتل وخطف وسرقات واغتيالات في ظل ظروف معيشية صعبة للأهالي وعجز قوات النظام عن ضبط الأمن وانتشار السلاح.
وبالرغم من أن الجنوب السوري يعيش ذات الظروف العامة؛ إلا أن الأحداث في محافظة درعا تحمل دلالات سياسية وأمنية خاصة. فمنذ عقد اتفاق المصالحة في يوليو/ تموز 2018 لم يفي النظام بوعوده على المستوى المحلي بالنسبة للأهالي والفصائل والمجالس المحلية التي وافقت على المصالحة، كما أن موسكو لم تفلح بتنفيذ تعهداتها للدول الإقليمية (الأردن، إسرائيل) بعدم تغلغل إيران ومليشياتها إلى حدود البلدين. فعلى المستوى المحلي تعيش درعا وريفها ظروفاً معيشية صعبة تتمثل بندرة المواد الأساسية وتعطل الطرق والمرافق العامة وتدهور الخدمات، إضافة إلى الفلتان الأمني الناجم عن صراع بين أجهزة النظام الأمنية وفرقه العسكرية، مما خلق حالة احتقان شعبي، خصوصاً في ظل تلكأ النظام بتنفيذ بنود اتفاق المصالحة المتعلقة بإطلاق سراح المعتقلين ورفع المطالبات الأمنية، وعودة الموظفين إلى وظائفهم وانسحاب الجيش والحواجز الأمنية خارج المدن والبلدات.
أما على المستوى الإقليمي فقد فشلت موسكو في منع تغلغل العناصر التابعة لإيران في درعا والقنيطرة ووصولها إلى نقاط قريبة من الحدود الإسرائيلية. حيث لجأت إيران لدمج ميليشياتها بالقطعات العسكرية السورية وبخاصة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري اللواء 105، إضافة إلى تشكيل خلايا شيعية من أهالي المنطقة وتجنيدها وتدريبها من قبل الفرقة الرابعة وجمعية البستان ([9])، والتي عُرفت باللواء "313" ثم جرى تغيير التسمية إلى "درع الوطن"([10]).
ونتيجة لاستراتيجية التخفي التي اتبعتها إيران، فقد باتت تحظى بوجود عسكري على حدود إسرائيل في الجنوب السوري تحت ستار القواعد العسكرية التابعة للنظام، حيث تهيمن إيران على منطقة "مثلث الموت" وهي المنطقة التي تربط محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا، وعززت سيطرتها على ذلك المثلث، بإنشاء قواعد عسكرية في تلال "فاطمة الزهراء"، كما تتواجد إيران عسكرياً في مدينة درعا، وفي سلسلة الجامعات الواقعة على أوتوستراد "دمشق-عمان"، وفي "خربة غزالة" وقرية "نامر" شرقي درعا، وفي "ازرع" والقطعات العسكرية المحيطة بها، وفي مدينتي "البعث وخان أرنبة" في القنيطرة، و "تل الشعار وتل الشحم وتل مرعي" ([11])، إضافة لتأسيس "حزب الله" معسكراً للتدريب شمال درعا يسمى "حقل كريم الشمالي" يتم فيه تدريب عناصر من محافظات الجنوب السوري (درعا، السويداء، ريف دمشق، القنيطرة) تحت إشراف عناصر الحزب وبتمويل إيراني([12]).
ويبدو أن فشل النظام بالوفاء بوعوده لأهالي درعا وعدم قدرته على وقف التمدد الإيراني في المنطقة، قد أدى إلى إحداث شبه تقارب بين روسيا والمجتمع المحلي في درعا على مستويين:
ويبدو أن موسكو لا تقف وحيدة في هذا المسعى، حيث تذكر تقارير أمنية دوراً للأردن والإمارات مؤيد للجهود الروسية، عبر دعم القيادي في الفيلق الخامس (أحمد العودة)، والذي يتزعم مهام الحد من التمدد الإيراني في الجنوب، ودعم جهود موسكو لتشكيل فيلق سادس بقيادة (عماد أبو زريق). وتشير المصادر أن القياديان زارا الأردن مؤخراً وعقدا اجتماع مع المخابرات الأردنية لبحث سبل إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود، إضافة لحديث حول إمكانية تشكيل غرفة جديدة للدعم في عمان على غرار غرفة "الموك" التي تم إغلاقها في العام الماضي ([14]).
وبالرغم من أن الجنوب السوري يبدو هادئاً ظاهرياً وتحت سيطرة النظام؛ إلا أنه يحمل قابلية الانفجار في أي لحظة، نتيجة للصراع الدائر بين أذرع موسكو وطهران في المنطقة (الفيلق الخامس، الحرس الجمهوري، الفرقة الرابعة، المخابرات العسكرية، الأمن السياسي، المخابرات الجوية، حزب الله)، حيث ازدادت في شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان من العام الحالي وتيرة الاغتيالات الممنهجة، والتي طالت مقربين من الطرفين، كما حدثت احتكاكات مباشرة بين فرق عسكرية مقربة من موسكو مع الفرقة الرابعة المقربة من طهران.
يعيش النظام أزمة اقتصادية أمنية في مناطق سيطرته التي تعرف بـ"سورية المفيدة"، إضافة إلى المناطق التي استعادها خارج هذا النطاق، دفعت تلك الأزمات حاضنته الشعبية إلى التململ ورفع الصوت في وجه الفشل الحكومي على مستوى الخدمات الأساسية، مما حدا ببشار الأسد للإشارة إلى المنتقدين في خطابه أمام أعضاء المجالس المحلية ([15]). ويمكن رد تلك الأزمات إلى ثلاث عوامل رئيسية:
ساهمت تلك العوامل بإضعاف هيمنة النظام داخل مناطق سيطرته لصالح حلفائه (روسيا وإيران) من جهة، ولصالح ميليشياته التي باتت خارجة عن سيطرته وبخاصة في الساحل السوري، حيث باتت التنازلات التي يقدمها لروسيا وإيران على الصعيد الاقتصادي مدعاة للتهكم حتى لحاضنته الشعبية، والتي باتت على ثقة بعجز هذا النظام عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية المتفاقمة والانفلات الأمني والفساد المنظّم الذي يسود مناطق سيطرته.
يمكن من خلال الاستعراض السابق لواقع المناطق السورية الوصول إلى النتائج التالية حول قابلية التصعيد في تلك المناطق، وخارطة التحالفات الجديدة وما سيتركه ذلك من أثر على الحل السياسي:
تشهد المنطقة برمّتها عملية إعادة تشكيل لخارطة القوة فيها، وتعتبر سورية إحدى الساحات التي تلتقي فيها مصالح القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على رسم ملامح النظام الأمني الجديد في الشرق الأوسط، ولذلك فإن الحديث لايزال مبكراً عن نهاية قريبة للحرب في سورية وفرصة إنتاج حل سياسي. ولكن يمكن القول؛ إن الأزمة السورية ببعدها الدولي والإقليمي دخلت في مرحلتها الأخيرة والتي عنوانها تثبيت النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي، أم شكل هذه المرحلة من حيث أدواتها، هل ستكون عسكرية أم ديبلوماسية؟ فهو رهن لقدرة تلك القوى على تسوية خلافاتها واقتسام المصالح على الأرض وعلى المستوى السياسي، بشكل يفتح المجال أمام جلوس الأطراف السورية على طاولة التفاوض مجدداً.
[1])) للاطلاع أكثر على بنود اتفاق سوتشي حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب (اتفاق النقاط العشر بين روسيا وتركيا حول إدلب)، راجع الرابط التالي: http://cutt.us/dBOo8
[2])) سقراط العلو، الصراع على الثروة السورية بين إيران وروسيا: الفوسفات نموذجًا، مركز الجزيرة للدراسات، 26 يوليو 2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Vkzl1x
([3]) الأسد في طهران... ونتنياهو في موسكو، جريدة الأنباء الكويتية، 28/2/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HnoGxY
([4]) إيران والعراق وسوريا في دمشق لأول مرة، موقع TRT عربي، 17 مارس 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2LCUJ2v
[5])) هذه تفاصيل المنطقة الآمنة التي ستقيمها تركيا على الحدود شمال سورية، موقع صحيفة العربي الجديد، 16 يناير2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2EaBabs
[6]))3 مقترحات أمريكية لمنطقة آمنة خالية من "بي كي كي"، موقع ترك برس، 22يناير 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2WR6fsp
([7]) بدر ملا رشيد، إلغاء هيئتي الدفاع والخارجية في "الإدارة الذاتية": إعادة هيكلة أم تحجيم وظيفي، مركز عمران للدراسات، 5 نيسان/ أبريل2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2vZ5ZeT
[8])) مصادر لـ"عربي21": جهود فرنسية لعقد اتفاق بين أكراد سوريا، موقع عربي21، 23 أبريل2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VEtXLD
(([9] المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، تقدير موقف 25 أبريل 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VQttlH
([10]) الأبعاد والمتغيرات الجديدة للوجود الإيراني في جنوب سوريا، شبكة بلدي الإعلامية، 14 كانون الثاني 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ANeTyO
[11])) المرجع السابق.
[12])) المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، مرجع سبق ذكره.
[13])) درعا: ما هو دور روسيا في التظاهرات؟، موقع جريدة المدن، 15/3/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HrdOR8
[14])) المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، مرجع سبق ذكره.
[15])) ساشا العلو، رسائلُ خطاب الأسد: عَودٌ على ذي بدء، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 19 شباط 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HxOZ6b
منذ نشأتها بداية العام 2014 إلى الآن قامت "الإدارة الذاتية" بتقليص مستمر لتعداد هيئاتها التابعة للهيئة التنفيذية، وفي حين أنها بدأت ب22، تم تخفيضها إلى 16 هيئة، عبر إلغاء بعضها ودمج بعضها الآخر بتاريخ 01/03/2016([1])، ومؤخراً وبتاريخ 26/03/2019، منح المجلس التشريعي في إدارة " إقليم الجزيرة" الثقة للمجلس التنفيذي الجديد للإقليم والذي تضمن 10 هيئات بعد إلغاء هيئات عدة وأهمها هيئتي الدفاع والحماية الذاتية والعلاقات الخارجية، بالإضافة لإلغاء كل من هيئتي الطاقة والسياحة، والقيام بعملية دمج لهيئة العمل والشؤون الاجتماعية مع هيئة شؤون الشهداء تحت مسمى" هيئة العمل وشؤون الشهداء([2])". وعليه؛ سيتبع تقدير الموقف هذا حركية التقليص تلك واستعراض سياق الخطوة الأخيرة ومدلولاتها واتجاهاتها العامة.
تتكون بُنية "الإدارة الذاتية" وفق "ميثاق العقد الاجتماعي" من: المجلس التنفيذي؛ المجلس التشريعي؛ المجلس القضائي؛ المفوضية العليا للانتخابات: المحكمة الدستورية العليا؛ المجالس المحلية. وشملت "الإدارة الذاتية" وقت إعلانها 3 مقاطعات (كانتونات): الجزيرة وكوباني وعفرين، وتم تغييرها لاحقاً "بموجب قانون التقسيمات الإدارية للفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا"، الذي تمت المصادقة عليه خلال الجلسة العامة لمجلس الفيدرالية الديمقراطية الذي عقد ما بين 27/28 تموز 2017.
وفيما يخص المجلس التنفيذي فقد تم تشكيله تنفيذاً لقرارات "المجلس العام التأسيسي للإدارة المرحلية" لتشكيلها في المقاطعات (الكانتونات) الثلاث: الجزيرة، وعفرين وكوباني/ عين العرب، وكانت البداية بدايةً بمقاطعة الجزيرة: في 12/01، وكوباني في 27/01، وعفرين في 29/01، ليُعلن عن الإدارة الذاتية من قبل "مجلس غرب كردستان" بتاريخ 21/01/2014.
بلغ عدد هيئات المجلس التنفيذ عند اعلان الإدارة الذاتية 22 هيئة، وهي أشبه بحكومة بوزارات كاملة، ووفق العقد الاجتماعي من المفترض ان تتم تسمية رئيس المجلس التنفيذي من قبل حاكم المقاطعة (الكانتون) الذي يقوم بتكليف الحزب أو الكتلة الحاصلة على أكثرية أصوات المجلس التشريعي بتشكيل المجلس التنفيذي على أن ينال ثقة ما لا يقل عن (50+1) من المجلس التشريعي وتكون مسؤولة أمامه.
تم تقليص عدد هيئات المجلس التنفيذي خلال جلسة استثنائية للمجلس التشريعي بتاريخ 01/03/2016، إلى 16، هيئة، وذلك عبر تحويل هيئتي الشؤون الدينية وحقوق الإنسان إلى مكاتب وربطها بشكل مباشر برئاسة المجلس التنفيذي، ودمج هيئتي الزراعة والاقتصاد، وهيئتَي البيئة مع هيئة البلديات لتُصبح هيئة البيئة والبلديات. كما تم توزيع مهام هيئة النقل (المواصلات) بين هيئتَي البلديات والداخلية، ودمج هيئة التموين مع هيئة البلديات. وارتأت الإدارة الذاتية القيام بعملية الدمج بين الهيئات بسبب تداخل وظائف البعض منها. كما تم الإقرار بتحويل الرئاسة في الهيئات إلى النظام المشترك -رجل وامرأة-مع إضافة 3 نواب، واستثناء منصب رئيس المجلس التنفيذي من هذا التعديل في الهيكلية([3]). يوضح الجدول أدناه تغير عدد الهيئات التابعة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية منذ تشكله إلى الآن([4]).
توافقت هذه الخطوة مع مقترحٍ ظهر في 10/09/2018 أثناء زيارة وفد من "الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال و شرق سوريا" إلى مقرّ المجلس التنفيذي "للإدارة الذاتية" في إقليم الجزيرة، وخلال اللقاء تباحث الطرفان "ضرورة إيجاد صيغة إدارية توافقية بين "الإدارة الذاتية لشمال و شرق سوريا" و "الإدارات الذاتية المحلية" لتشكيل نظام سياسي موحد في مناطق شمال و شرق سوريا، وعقب هذا الاجتماع وبتاريخ 04/10/2018 أعلنت "الإدارة الذاتية الديمقراطية في مناطق شمال وشرق سوريا “؛عن مجلسها التنفيذي الأول بـ 9 هيئاتٍ فقط، أي بهيئة أقل من المجلس المشكل مؤخراً والخاص بإقليم الجزيرة، وتشمل الفوارق بين الهيئتين وجود الزراعة ضمن هيئة مشتركة مع الاقتصاد في مجلس "الإدارة الذاتية"، كما تم الغاء هيئة " عوائل الشهداء " بالكامل، والغيت أيضاً هيئة الشباب([5])".
لا يمكن اعتبار التقليص الأخير ضمن الهيئات في " إقليم الجزيرة" أو المجلس التنفيذي للإدارة والمشكل عام 2018، خطوات في اتجاه توحيد شكل الإدارات وتقليص عدد الهيئات غير الفعالة كما حدث في حالات سابقة، فالإعلان الأخير شمل إلغاء ما يمكن اعتبارهما أهم هيئتين والمتمثلتين بـ هيئة الدفاع و الحماية الذاتية، وهي الجهة المسؤولة عن سوق ما يقارب 30 ألف مجند للخدمة الالزامية للإدارة الذاتية/ ولايزالون منتشرين في بقع المواجهة الاخيرة مع " تنظيم الدولة"، كما أن هيئة الخارجية هي الجهة المسؤولة عن تنظيم العلاقات الخارجية للحزب سواءً مع الشخصيات والأطراف الأجنبية القادمة إلى مناطق الإدارة أو عبر ممثلياتها التي تم فتحها في عدد من الدول الأوروبية واقليم "كردستان العراق"، كما يأتي الغاء هذه الهيئات في وقتٍ يمكن اعتبار السيطرة الجغرافية للإدارة الذاتية حالياً في اوسع مراحلها منذ نشأتها عام 2014، ومن الناحية الوظيفية ورغم اقدام "الإدارة الذاتية" على إلغاء بعض الهيئات ودمج بعضها الآخر، إلا أنها لن تكون علاجاً لداء " البيروقراطية" المستشري في جسد الإدارة الذاتية، فوفقاَ للمصادر بلغ عدد الأشخاص الذي يحصلون على رواتبهم من الإدارة سواءً ضمن مؤسساتها الإدارية أو العسكرية أو الأمنية لأكثر من مائتان وعشرة آلاف شخص، وهو رقم ضخم جداً مقارنةٍ بالحجم الجغرافي والأداء الفعلي للإدارة، ويندرج ضمن محاولاتها القيام قدر الامكان بعملية ربط للمجتمع بالمشروع السياسي لها عبر الوظائف، كما أن هذا العدد الضخم من الموظفين خلقوا مجتمعاً مرتبطاً امنياً ومعيشياً بالإدارة من ادنى الهرم الوظيفي والإداري، إلى أعلاه.
ترافقت عملية التقليص والدمج هذه مع إعلان هيئة الحماية والدفاع الذاتي تأسيس " وحدات فوج الغواصين “للضرورة العسكرية وفق بيان التشكيل([6])، وهذا الإعلان يشير إلى عدم وجود نية قريبة التحقق لدى الإدارة في اتجاه الإلغاء الكامل لهيئة الدفاع، بل ستقوم هيئات أخرى بعملية إدارة هذا الملف، ووفق طبيعة الهيئات المتبقية ضمن بنية المجلس التنفيذي فيرجح قيام هيئة الداخلية بإدارة ملف قوات " الدفاع والحماية الذاتية"، وكون أن القرار لا يزال قيد التفاعل والتشكل فإن هذا الأمر يفتح الباب أمام احتمالات عدة منها:
بالتزامن مع إعلانها بالسيطرة على آخر معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية"؛ فإن التنبؤ بمدلولات وماهية هذه الخطوة وحصرها بإعادة ترتيب البنية الداخلية يكون غير متسقاً لأنه يتجاهل السياق العسكري؛ فتلك الخطوة التي أقدمت عليها "الإدارة الذاتية" خصوصاً ما يتعلق بـ " هيئة الدفاع والحماية الذاتية " التي كانت سبباُ في هجرة عشرات الألوف من شباب المنطقة للخارج هرباً من أداء الخدمة العسكرية، وهيئة الخارجية التي كانت خلال فترة من الفترات ورقة تستخدمها الإدارة في اقناع المجتمعات المحلية بأنها قامت بإنشاء علاقات قوية مع دول عدة حول العالم؛ تتموضع دلالاتها في سياسة إعادة الهيكلة البنيوية والوظيفية؛ تركز فيها "الإدارة الذاتية" على البنى ذات الطابع الاقتصادي والإداري واستغنائها عن الهيئات السيادية (إن صح التعبير)، وهي سياسة ترمي من خلالها توجيه عدة رسائل تفيد بأنها تنحو باتجاه الانضباط الوظيفي وحصره بالمجالات الإدارية والاقتصادية وبالتالي فإنها تعتقد أن تلك الرسائل قد تغير من شروط التفاوض سواء مع تركيا التي تبدي رغبة قوية في تحجيم قواها العسكرية؛ أو مع النظام الذي ربما تساعد تلك الرسائل في إنجاز التمكين الإداري للإدارة الذاتية.
([1]) واقع الإدارة الذاتية في الشمال السوري تموز 2016، المصدر: مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، التاريخ: 01/09/2016، الرابط: https://bit.ly/2I7sXYm
([2]) تشكيل الهيكلية الإدارية الجديدة للمجلس التنفيذي لإقليم الجزيرة، المصدر: موقع المجلس التنفيذي للادارة الذاتية، التاريخ: 26/03/2019، الرابط: https://bit.ly/2CWlhFl
([3]) الكتاب السنوي الرابع لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية " حول المركزية واللامركزية في سورية: بين النظرية والتطبيق"، المبحث التاسع: الواقع الحوكمي في مناطق الإدارة الذاتية، بدر ملا رشيد، التاريخ: 28/09/2018، الرابط: https://bit.ly/2N7mnQH
([4]) تم استخلاص اسماء الهيئات المعلنة عام 2014 والمذكورة في الجدول من: موقع الحزب الديمقراطي الكردستاني –العراق، تحت عنوان: الـ PYDيعلن تشكيل حكومة "الإدارة المؤقتة" في مقاطعة الجزيرة، التاريخ: 24/01/2014، الرابط: https://bit.ly/2OBg3TV
([5]) إدارة شمال وشرق سوريا تلتقي مسؤولين في الإدارة الذاتية لإقليم الجزيرة، المصدر: موقع المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية، التاريخ: 10/09/2018، الرابط: https://bit.ly/2FN8Qxf
([6]) للضرورة العسكرية. قوات الحماية الذاتية تؤسس وحدات فوج الغواصين، المصدر: فدنك نيوز، التاريخ: 02/04/2019، الرابط: https://bit.ly/2Ig18NZ
في حديثه للجزيرة نت، بتاريخ 12 شباط/ فبراير 2019، قال الباحث بدر ملا رشيد -المختص بالشؤون الكردية-من مركز عمران، إن تركيا تحاول عبر إعلامها الرسمي تجنب ذكر " قوات سوريا الديمقراطية" بهدف عدم تشتيت التركيز الإعلامي المُسلط على "وحدات حماية الشعب" التي تعد المكون الأساسي لتلك القوات، وبهدف إبقاء الباب موارباً للحل مع الولايات المتحدة حول إدارة المنطقة عسكرياً في البند الخاص بالقوات المحلية.
وأضاف للجزيرة نت، أن التفاهم الأميركي مع وحدات حماية الشعب تم تبنيه عقب معركة عين العرب (كوباني) نهاية عام 2014، وحتى الآن فإن معظم العمليات العسكرية تحدث بتخطيط أميركي.
ولفت ملا رشيد إلى وجود تفاهمات بين تركيا وأميركا لمكافحة تنظيم الدولة كونه يشكل تهديداً للأمن العالمي، "لذا شاهدنا في العديد من المناسبات تدخل الولايات المتحدة والتحالف الدولي لتخفيف التوتر على الحدود السورية التركية".
ويرى الباحث أن "قوات سوريا الديمقراطية" ستستمر في عملياتها ضد تنظيم الدولة كي تمارس عبره جانباً آخر من الضغوط على واشنطن والمجتمع الدولي، تستفيد منه لاحقاً في مواجهة تركيا شرق الفرات.
وأوضح أن استمرار "قوات سوريا الديمقراطية" في العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة يُكسبها مزيداً من أوراق القوة للتفاوض مع النظام السوري، كون إنهاء تنظيم الدولة بالمنطقة يعني تثبيت سلطتها إلى حين قيام تركيا بعملية عسكرية، ومن الجدير ذكره أن "قوات سوريا الديمقراطية" تمثل القوة الثانية بعد النظام السوري من خلال سيطرتها على مساحة تتجاوز 28% من إجمالي الأراضي السورية. وتتمركز بالشمال الشرقي المجاور لتركيا.
رابط المصدر: http://bit.ly/2SW2ovj
في تاريخ 16 تشرين الأول/أكتوبر الفائت أعلنت قوات "سورية الديمقراطية" تحريرها مدينة الرقة بالكامل من تنظيم الدولة، بعد ما يقارب 120 يوماً على القتال، الإعلان الذي أثار عدة هواجس وتساؤلات بما احتواه من رفع لصورة عبد الله أوجلان في ساحة الرقة الرئيسية، وما تلاها من زيارة لوزير الدولة السعودية لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، والحديث عن إمكانية إطلاق عملية إعادة إعمار للمدينة. الأمر الذي أثار حفيظة العديد من الأطراف وعلى رأسها تركيا ذات الحساسية من حزب العمال الكردستاني والذي يشكل العمود الفقري لـ "قسد"، وأيضاً بالنسبة للنظام السوري وحلفائه اللذين أطلقوا تصريحاتٍ تشدد على عزمهم استعادة السيطرة على الرقة، مما يجعل مصير المدينة من حيث إعادة إعمارها وعودة أهلها النازحين نتيجة المعارك معلقاً بطبيعة الجهة التي ستؤول إليها إدارة المدينة في النهاية. الأمر الذي يرتبط بالتوافقات الأمريكية الروسية الراعيتان للطرفين المتصارعين على المدينة، وقدرتهما على إنتاج صيغة حكم مرضية بالنسبة لحليفهما المشترك تركيا. ويزيد من تعقيد المشهد في المدينة ارتباط مآلاتها بمستقبل مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" في سورية بعد انحساره إلى الشمال الشرقي فقط وإحباط تركيا وروسيا احتمالات تمدده إلى الشمال الغربي وربط الكانتونات الكردية الثلاثة. وعليه تسعى هذه الورقة التحليلية إلى تفكيك المشهد السياسي والعسكري في الرقة بعد تنظيم الدولة، من خلال فهم مصالح الأطراف المتدافعة للاستئثار والسيطرة على المدينة، من فاعليين محليين وداعميهم الدوليين والإقليمين، إضافة لاستشراف مآلات إدارتها واحتمالات إطلاق عملية إعادة إعمار فيها.
يبدو أن طرفي الصراع في الرقة(داعش، قسد) كانا الأقل خسارةً بموجب الاتفاق الذي عقداه في نهاية المطاف، والذي قضى بخروج 4000 من مقاتلي تنظيم الدولة المحليين من المدينة إلى باقي مناطق سيطرة التنظيم، وهو ما كشفه تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية([1])"BBC"، حيث بلغت تكلفة تحرير الرقة من تنظيم الدولة مقتل 1172 مدنياً على الأقل بغارات التحالف، بمن فيهم 276 طفلاً و203 نساء، ولقي 161 آخرون (بينهم 37 طفلاً و10 نساء) مصرعهم جراء انفجار ألغام أثناء محاولتهم الفرار من المدينة، علاوة على مئات المصابين بجروح متفاوتة الخطورة، في حين بلغ عدد مسلحي "داعش" الذين تمت تصفيتهم جراء عملية تحرير المدينة (1371 مقاتلاً) وهو رقم يكاد لا يزيد عن حصيلة القتلى بين المدنيين، بينما خسرت قوات "سوريا الديمقراطية" 655 من مقاتليها، حسب معطيات رسمية([2])، في حين بلغت نسبة التدمير في المدينة 80% بحسب تقديرات الأمم المتحدة وشهادات أبناء المدينة([3]).
وعلى الرغم من حجم الدمار الهائل في الرقة؛ إلا أن قوات حزب "الاتحاد الديمقراطي" العمود الفقري لـ"قسد" أقامت احتفالاً بالنصر على أنقاض دوار النعيم وسط الرقة، غطت فيه أعلامها الحزبية وصورة ضخمة لعبدالله أوجلان الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني على أعلام "سورية الديمقراطية" والفصائل العربية المنضوية تحت لوائها([4])، في إشارة واضحة بأن الرقة ستكون جزءاً من مشروع الفيدرالية التي يسعى حزب "الاتحاد الديمقراطي" لتحقيقها في سورية، بشكل يتوافق مع تصريحات قيادة "سوريا الديمقراطية" إبان انطلاق معركة تحرير المدينة، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الأتراك، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لإدانة رفع صورة أوجلان في الرقة معتبرةً إياه "شخصية غير جديرة بالاحترام" وشددت على أن الرقة هي مكسب لجميع السوريين([5])، الإدانة التي بدت وكأنها رسالة بأن تحالف الولايات المتحدة مع قوة يشكل عمادها حزب تصنفه هي إرهابياً (العمال الكردستاني) بات يثقل كاهلها، ويؤثر بشكل أعمق على علاقاتها مع تركيا الشريك الناتوي، الأمر الذي يعزز احتمالات تكرار سيناريو كركوك في الرقة وغيرها من المناطق العربية الواقعة تحت سيطرة قوات "سوريا الديمقراطية"، وخصوصاً بعد سقوط البوكمال آخر معاقل التنظيم في سورية.
ما إن انتهت العمليات العسكرية في مدينة الرقة حتى بدء الحديث عن إمكانيةٍ لإطلاق عملية إعادة إعمارها، وهي العملية التي عُقد مؤتمر روما لبحثها في سبتمبر/ أيلول أي قبل شهر من تحرير المدينة، حيث أعلنت العديد من الدول الأوروبية استعدادها للتبرع بمبالغ مالية للمشاركة في إعادة إعمار المدينة، وكان على رأسها بريطانيا التي أعلنت عن نيتها التبرع بمبلغ 13 مليون دولار، وألمانيا 10 مليون يورو، فرنسا 15 مليون يورو، هولندا 1.5 مليون لإزالة الألغام و2 مليون من الاتحاد الأوروبي لذات السبب([6])، ثم جاءت زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان برفقة ممثل الرئيس الأمريكي في التحالف الدولي ضد "داعش"، بريت مكغورك، إلى المدينة لتزيد من احتمالات دعم السعودية المادي لإطلاق عملية إعادة الإعمار، وهي العملية التي يبدو أنها أبعد ما تكون عن الواقع من قبل الدول المشاركة في التحالف الدولي المسؤول عن جزء كبير من دمار المدينة، وأقرب ما تكون لفرصة مناسبة لإرسال رسائل سياسية والضغط على تركيا وموسكو من جهة ثانية، وهناك عدة عوامل ترجح صوابية هذه القراءة لما يشاع حول إعادة إعمار الرقة، وأبرز تلك العوامل:
ووفقاً للعوامل السابقة فإن إطلاق عملية إعادة إعمار للرقة في الوقت الحالي يبدو شبه مستحيلٍ، ومع إدراك الدول المعلنة لذلك يتبدى سؤالٌ؛ إذاً لماذا هذا الإعلان أساساً؟ وماهي دوافع الدول المعلنة من التلويح بهذه الورقة ضمن هذا الظرف بالذات، فبالإضافة لمسؤوليتها عن الدمار الحاصل في الرقة، تتجلى مجموعة دوافع للدول العازمة على الاشتراك في عملية إعادة الإعمار من إعلانها هذا، ولعل أبرز تلك الدوافع المشتركة بين الدول المعلنة:
بعد نجاح تركيا في قطع الطريق على مشروع حزب "الاتحاد الديمقراطي" في وصل الكانتونات الكردية في الشمال السوري، يبدو أن الحزب تحول باتجاه توسيع سيطرته شرق الفرات كخيار بديل لفيدراليته المنشودة، والتي تشكل مدينة الرقة جائزتها الكبرى، فهي المدينة الأكبر بين المدن الواقعة تحت سيطرته، وفي إطار هذا السعي للتمدد وقضم المزيد من الأراضي العربية الغنية بالموارد في شرق سورية، لم يعد من الممكن للـ PYD"" الاستمرار في حالة التخادم مع النظام وإيران، لذا يبدو أن الحزب اختار الجانب الأمريكي كحليف وحيد، ودخل في مواجهة مباشرة مع النظام وحلفاؤه من المليشيات الإيرانية والقوات الروسية على ضفاف الفرات في دير الزور، والتي أصبح يسابق النظام فيها للسيطرة على الموارد النفطية.
بالمقابل تغيرت لهجة النظام وحليفه الإيراني المهادنة للأكراد على خلفية هذا التصعيد في دير الزور والرقة، بين تصريحات وليد المعلم حول إمكانية التفاوض مع الأكراد حول حكم ذاتي([11])، وبين تصريحات بشار الأسد الرافضة للتخلي عن السلطة المركزية ولو بشكل مؤقت([12])، كما سبق تصريحات الأسد بأيام زيارة الأمين القطري المساعد لحزب البعث، هلال هلال، لريف الرقة الجنوبي الواقع تحت سيطرة النظام؛ أطلق فيها تصريحات عن عزم النظام استعادة كامل الرقة([13]). فيما جاءت تصريحات الحليفين الإيراني والروسي أكثر شدة، حيث أعلن مستشار المرشد الإيراني، علي أكبر ولايتي، من بيروت عزم قوات النظام على التقدم إلى الرقة قريباً، كما صرحت القناة المركزية لقاعدة حميميم الروسية بأن الحل العسكري هو الخيار الوحيد للتعامل مع المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد([14]).
ويبدو أن سلوك حزب "الاتحاد الديمقراطي" ساهم في جعله إحدى نقاط التقارب الروسي التركي الإيراني في سورية، هذا بالإضافة إلى عدائه للقوى الثورية السورية وانعدام حاضنته الشعبية خارج المناطق الكردية ومنها الرقة، باعتباره يحمل مشروعاً خاصاً تجلت إحدى ملامحه برفع صورة عبد الله أوجلان في دوار النعيم بالرقة، في إشارة واضحة لهيمنة مليشيا الحزب على باقي المكونات الديكورية لقوات "سوريا الديمقراطية". الأمر الذي يجعل استمرار سيطرة حزب "الاتحاد الديمقراطي" على المناطق العربية التي حازها بدعم التحالف الدولي أمراً صعباً، ومسألة استعادة النظام وحلفائه لها قد تكون مسألة وقتٍ ورهنٌ بأمرين، هما: ترتيب أولويات النظام وحلفاؤه العسكرية، مقابل صفقة أمريكية روسية تركية يكون الحزب ضحيتها.
عند الحديث عن أي استشراف لمآلات الوضع في الرقة، لابد وأن يؤخذ بعين الاعتبار المؤشر العراقي وما حدث في كركوك وباقي المناطق العراقية المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان، وذلك لما له من أهمية كبرى في فهم آلية تفكير الولايات المتحدة الأمريكية وباقي شركائها في التحالف الدولي في تعاطيهم مع مطالب الكرد في المنطقة. ففي الحالة العراقية هناك فيدرالية كردية ناجزة تمتلك كل مقومات الانفصال وضعت كامل طاقاتها في خدمة الولايات المتحدة في "حرب الإرهاب"، وبالرغم من ذلك لم تمنحها الولايات المتحدة أي مكاسب فيما يخص مشروعها للاستفتاء على الانفصال أو على الأقل تمددها نحو المناطق غير الكردية وضمها للإقليم، وبدلاً من ذلك تركتهم بعد انتهاء حرب التنظيم لقمةً سائغةً للحشد الشعبي المدعوم من إيران، فإذا كان هذا الحال مع حكومة الإقليم الرسمية!، فكيف ستتعاطى الولايات المتحدة مع مليشيا تتبع حزباً تصنفه هي بنفسها إرهابي كوحدات "الحماية الكردية" في سورية؟، خصوصاً في ظل ضعف تأييدها في الشارع الكردي المنقسم بينها وبين المجلس الوطني الكردي، ناهيك عن انعدام أي حاضنة لها في المناطق غير الكردية الواقعة تحت سيطرتها، واعتبارها طرفاً معادياً من قبل الأطراف الإقليمية والمحلية المنخرطة في الصراع السوري، وعلى رأسها موسكو.
إذاً وقياساً على النموذج العراقي فمن المستبعد بعد انتهاء عمليات التحالف ضد "تنظيم الدولة" في سورية أن يكون هناك غطاء أمريكي أو أوروبي لتحقيق مشروع الـ PYD المنشود، أما فيما يخص الوضع الداخلي السوري فهناك أيضاً العديد من العوامل التي تحول دون استمرار سيطرة قوات "سوريا الديمقراطية" على مدينة الرقة، ولعل أبرزها:
لا تقتصر أهمية تحرير الرقة على أنه شكّلَ بداية النهاية الفعلية لتنظيم الدولة بسقوط "عاصمته"، وإنما تمتد أهميته لتشمل تحديد مصير طموحات حزب "الاتحاد الديمقراطي" (PYD) في سورية، فعلى الرغم من تعدد الأطراف ذات المصالح في المدينة وضبابية المستقبل حول الجهة التي ستؤول إليها إدارتها؛ إلا أن المعطيات التي تمت مناقشتها سالفاً تشير بوضوح إلى أن صورة عبد الله أوجلان لن تبقى طويلاً في ساحة المدينة.
([1]) تركيا “مصدومة” لموقف أمريكا من اتفاق على انسحاب الدولة الإسلامية من الرقة، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 15/11/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/twQ1we
([2]) الرقة.. ركام وأنقاض وخسائر هائلة بين المدنيين جراء غارات التحالف، موقع روسيا اليوم الإلكتروني، 23/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/zW3QNM
([3]) حجم الدمار في الرقة يترك وقع الصاعقة على نازحين تفقدوها، موقع صحيفة الحياة، 22/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/yV2pGC
([4]) واشنطن تدين رفع صورة أوجلان في الرقة، موقع صحيفة عنب بلدي، 21/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/cSjaGa
([5]) الرقة: أزمة رفع صورة أوجلان تتفاعل بين أنقرة وواشنطن، موقع جريدة المدن، 21/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/9CGAC8
([6]) زحمة “تبرعات” لإعمار الرقة. الاستقرار بدأ أم بيع أوهام؟، موقع جريدة عنب بلدي، 29/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/2WZmqk
([7]) السعودية تشترط استبعاد إيران للمشاركة بإعادة إعمار سوريا، موقع صحيفة العرب، 13/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/xyyTBi
([8]) زحمة “تبرعات” لإعمار الرقة. الاستقرار بدأ أم بيع أوهام؟، مرجع سبق ذكره.
([9]) ما بعد دمار الرقة: هل من سبيل للعودة؟، موقع القدس العربي، 21/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/3RCuwn
([10]) نائب رئيس الشيشان يصل القامشلي، صحيفة عنب بلدي، 19/10/2017، متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/ecJGxs
([11]) النظام السوري مستعد لمفاوضة الأكراد على الحكم الذاتي، موقع الجزيرة نت، 27/9/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/S8zBoQ
([12]) زوار دمشق نقلا عن بشار الأسد: لا تفاوض مع الأكراد على إدارة مناطق بصورة مستقلة، ولن تكون هناك كردستان أخرى في سوريا، المرصد السوري لحقوق الإنسان، 4/11/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/dQ7jaq
([13]) هلال هلال: الرقة ستعود لسيطرتنا، موقع جريدة عنب بلدي، 21/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/NDzekR
([14]) تصادم النظام و"قسد" يقترب... والرقة ساحة المواجهة، موقع صحيفة العربي الجديد، 6/11/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/7f4Jr3
([16]) واشنطن تعلن مراجعة دعمها لجماعات مسلحة في سوريا، موقع الجزيرة نت، 28/11/2017. متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/4HHvkv
([17])أهالي الرقة ممنوعون من العودة: دواعٍ أمنية أم مخططات سياسية؟، موقع صحيفة العربي الجديد، 28/10/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/bAMEXY