تتعاظم خسارات طهران لأدوات استراتيجيتها الإقليمية في المنطقة والتي كانت تساهم بتموضعها المركزي ضمن النظام الإقليمي، فالمواجهة غير المتكافئة في غزة المترافقة مع صمت دولي مطبق، والضربة القاسية التي وجهتها إسرائيل لـ "حزب الله" باستهداف منظومة القيادة وشبكة الاتصال والتواصل، والانتقال إلى سياسة هجومية ضد الحزب؛ يجعل الموقف الإيراني في المنطقة يتراوح بين تعزيز جبهات محددة أو المواجهة المفتوحة والشاملة لكل أدواتها بدءاً من اليمن مروراً بسورية وانتهاء بالعراق. وضمن تلك الخيارات يبرز السؤال حول الجغرافية السورية كإحدى الساحات المحتملة للتصعيد عبر وكلاء إيران المحليين، خاصة في ظل موقف نظام الأسد المتردد، والمتقاطع مع المنظور الروسي لعزل الجغرافية السورية عن أي صراع يعيدها إلى ديناميات عسكرية تقلق مكاسب موسكو الاستراتيجية.
تمتلك إيران حضوراً عسكرياً قوياً في سورية عبر الميليشيات التابعة لها، مثل "حزب الله" اللبناني وقوات من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المحلية والطائفية-الأجنبية، ناهيك عن تغلغلها في أغلب قطاعات الدولة الحيوية وانتشار مليشياتها في جل الجغرافية السورية، مما يمنحها القدرة على تنفيذ عمليات ضد إسرائيل أو ممارسة ضغط دون الدخول في مواجهة مباشرة.
وفي هذا السياق، يبدو خيار توظيف الجبهة السورية مطروحاً، فقد تسعى إيران لفتح جبهات جديدة في سورية لتخفيف العبء عن باقي الجبهات وتوسيع رقعة المواجهة وتشتيت قدرات إسرائيل الدفاعية، عبر استخدام سورية كنقطة انطلاق ضد إسرائيل، دون أن ينخرط نظام الأسد بشكل مباشر في عملية توسيع الصراع. خاصة أن توسيع قواعد الاشتباك عبر سورية لن يحقق أهدافاً عسكرية فحسب، وإنما سيعقد الحسابات الجيوسياسية، لا سيما أن مؤشرات الانزلاق متنامية في المنطقة، ومؤشرات الانخراط والعودة الأمريكية لتشكيل نظام أمن إقليمي جديد باتت أكثر احتمالية، الأمر الذي قد يدفع باتجاه خلق مناخ تفاوضي يعزّز موقف طهران ويوقف تدهور مكاسبها.
بالمقابل، فإن انخراط سورية في الصراع سيستتبع برد فعل إسرائيلي قوي، مما قد يهدد استقرار نظام الأسد ويؤدي إلى تدخل دولي. لذلك، ستكون حسابات طهران في هذا السياق بالغة الدقة باعتبار أن "جبهة سورية" هي مكسبها الاستراتيجي الذي تطلب منها أعواماً من الدعم الأمني والسياسي والاقتصادي، ناهيك عن كونها جغرافية مهمة تستطيع أدواتها التحرك فيها دون تهديدات داخلية، إضافة إلى عدم قدرتها على المواجهة المباشرة بسبب استنزاف مواردها في سورية خلال السنوات الماضية.
وعليه، يمكن القول: إن إقحام سورية في الصراع المباشر، ورغم كونه خياراً متاحاً لإيران؛ إلا أنه لا يبدو وفق المعطيات السابقة مطروحاً على المدى المنظور، والذي قد تسعى إيران خلاله للحفاظ على الجغرافية السورية كممر عبور/إسناد لميليشياتها وأسلحتها، في حين يبقى التصعيد وتوظيف سورية كورقة ضغط إضافية متاحاً في حال تفاقم الصراع مع إسرائيل، لكن من المرجح أن يكون ذلك بشكل محدود وعبر وكلاء محليين وليس عبر مواجهة عسكرية مباشرة تشمل "الدولة السورية" ككل.
لا يبدو أن لدى نظام الأسد رغبة/قدرة حالية في فتح جبهة الجولان ضد إسرائيل، أو حتى استخدام الجغرافية السورية ضمن الصراع الدائر ولو عبر الوكلاء، حتى بعد اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان، إذ اكتفى النظام بإدانة إسرائيل وشجب العملية العسكرية المستمرة على غزة ولبنان فقط، ولعلّ أبرز الأسباب الدافعة لهذا الموقف هي:
إلا أن الأسد يدرك أن قطار التطبيع مع الدول العربية هو الأساس الذي ينتظر تحوّله من الشق السياسي إلى الاقتصادي، خاصة من بعض الدول الخليجية التي سبقت إلى التطبيع مع إسرائيل، والتي ربما يمتد أثر موقفها هذا إلى سعي لتحييد الأسد وعزله عن هذا الصراع و"إخراجه من العباءة الإيرانية"، مقابل الحفاظ على نظامه ومحاولات إعادة تعويمه.
لا يبدو أن أمام النظام خياراً سوى تحييد الجغرافية السورية والاكتفاء بمواقف سياسية-إعلامية، فالمغامرة هنا ليست مضمونة وغير محسوبة النتائج، لذلك سيحافظ على بقاء قواعد الاشتباك ذاتها أو يصمت عن تغييرها من قبل إسرائيل، وسيتغافل عن حركية الميليشيات المحلية والعراقية، وعن سياسات إيران في التحريك والتسليح والإسناد.
قد تتخذ إسرائيل خطوات استباقية في سورية إذا شعرت بتهديد متزايد من قبل إيران أو الجماعات المسلحة المدعومة منها في المنطقة، وستغير قواعد الاشتباك التي كانت تعتمدها لضرب القيادات الإيرانية ومواقعها ومواقع "حزب الله" بهدف منع إيران من تعزيز وجودها العسكري ونقل أسلحة متطورة إلى الحزب في لبنان.
ولعل توسيع قواعد الاشتباك تبدت ملامحه من خلال التوغل البري الأخير والمحدود لإسرائيل في القنيطرة، بينما تبدو محددات الضربات الجوية، والتي ترسم بنك الأهداف الإسرائيلية في سورية، ثابتة حتى الآن وتتراوح بين ثلاثة مستويات، الأول: يستهدف خطوط النقل (الحدود العراقية-السورية واللبنانية-السورية)، والثانية: تستهدف قادة إيرانيين أو قادة في "حزب الله" أو غيرهم من قيادات المليشيات المرتبطة بإيران، أما الثالث: فيهدف إلى منع أي محاولات لتطوير الأسلحة سواء الكيميائية أو القدرات الصاروخية بعيدة المدى، وغالباً ما يستهدف مراكز البحوث العلمية.
ومن المرجّح أن تستمر الضربات الإسرائيلية الجوية ضمن تلك المستويات مع زيادة وتيرتها خلال الفترة القادمة، خاصة في استهداف قيادات "حزب الله" والحرس الثوري، وذلك للاستفادة من زخم العمليات في لبنان من جهة، واستجابة لتراجع قيادات الحزب إلى العمق السوري من جهة أخرى. بالإضافة إلى وجود إلحاح حول سرعة الإنجاز استباقاً لزيادة الضغوط الغربية على إسرائيل، يضاف إلى ذلك التخوّف من سيناريو ردة فعل إيران.
أما بالنسبة للغزو البري الموسَّع، فيبدو كسيناريو مستبعد ومرتبط بفتح الجبهة السورية، خاصة أن تل أبيب تفضل الاستهداف عن بعد والتدخلات البرية المحدودة جداً، وذلك للحفاظ على الدور الوظيفي للأسد، خصوصاً أن القيادات الإسرائيلية ستسعى إلى ترجمة إنجازاتها العسكرية إلى سياسية متمثلة بالتطبيع وعمليات "سلام". وفي حال تدخلت في سورية برياً، كما حدث مؤخراً في القنيطرة؛ فسيكون تدخلها مؤقتاً ومحدوداً وقد لايرتبط بأهداف ضمن الأراضي السورية، بقدر ما يرتبط بأهداف خاصة بلبنان والمناطق الحدودية و"حزب الله".
يبدو أن عودة سورية إلى ساحة صراع إقليمي مباشر ليست احتمالاً وشيكاً في ظل الظروف الراهنة، لكنها تبقى معادلة مفتوحة على تطورات قد تكون مفاجئة. فقد تسعى إيران، بشكل غير مباشر، إلى استخدام الأراضي السورية لتوسيع نطاق المواجهة مع إسرائيل، عبر أسلوب "حرب الوكلاء" لتجنب المواجهات المباشرة.
على الجانب الآخر، يواجه نظام الأسد تحديات داخلية ضخمة وأزمات اقتصادية واجتماعية وأمنية متفاقمة، مما يجعله أقل ميلاً لفتح جبهة عسكرية ضد إسرائيل. وأي تحرك في هذا الاتجاه قد يؤدي إلى رد فعل إسرائيلي قوي قد يعيد النظام إلى دوامة عدم الاستقرار التي يسعى للخروج منها.
أما روسيا، الحليف الأقوى لنظام الأسد، فتنظر إلى أي تصعيد عسكري بقلق بالغ بعد استثمارها العسكري والسياسي الكبير في سورية، كما أنها تروج "كلاسيكياً" لفكرة الحلول السياسية والدبلوماسية للصراعات في الشرق الأوسط، وعودة سورية كساحة جديدة للصراع تتعارض مع هذه الرؤية.
بناءً على ذلك، يمكن القول: إن سورية ستظل ساحة ذات أهمية جيوسياسية كبيرة، لكنها في الوقت الحالي أقرب إلى سيناريوهات التصعيد المحدود والمدروس بدلاً من المواجهة المفتوحة والمباشرة. والتي تبقى احتمالاتها مرهونة بتغيرات جوهرية في خارطة المواقف، إلا أن الخيارات الإيرانية المتاحة تبدو أكثر ميلاً نحو الحفاظ على الوضع القائم، والانخراط التدريجي في استراتيجية الإسناد، مع السعي لتجنب الانزلاق إلى مواجهات إقليمية قد تكون نتائجها غير محسوبة.
بدأت الأزمة السورية نتيجة الانتفاضة الشعبية التي قامت ضد نظام الأسد عام 2011، وفي فترة ما بعد الأزمة تمّ إعادة تشكيل العديد من العلاقات الدولية ومن أهم هذه العلاقات، هي العلاقات بين إيران وروسيا، تبحث هذه الدراسة في كيفية تأثير الأزمة السورية على إعادة تشكيل العلاقات الروسية الإيرانية، وكيف أثرت القوى الإقليمية الأخرى التي تأثرت بالأزمة مثل تركيا وإسرائيل، على التحالف الروسي الإيراني.
يلتقي البلدان في إطار الأهداف المشتركة ويعملان على تطوير علاقاتهما، وانعكست الديناميّات المتغيرة في المنطقة بعد الأزمة السورية أيضاً على العلاقات الإيرانية الروسية، وعلى الرغم من تصريحات البلدين بأنهما يقومان بأنشطة من أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، إلا أن البلدين يعملان بما يتماشى مع مصالحهما المشتركة، هذه المصالح الثنائية تمنع وجود القوة الكبيرة أي الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك فإن روسيا تتواجد في سوريا بسبب سياساتها التي تنتهجها فيما يتعلق بالاقتراب من البحار الساخنة، أما إيران فهي تهدف إلى أن تكون عنصراً رئيسياً في الشرق الأوسط والقضاء على القوى التي تهدد وجدها في المنطقة، وما يجري من أنشطة وانعكاسات في منطقة الشرق الأوسط يحدث في إطار يتماشى مع أهداف البلدين، لقد أثر وجود فاعلين إقليميين رئيسيين آخرين في سوريا على العلاقات الروسية الإيرانية، ووجود دول قوية مثل تركيا وإسرائيل يحمل العلاقات بين البلدين إلى أبعاد مختلفة، وفي هذه النقطة، قد تظهر المواقف والسلوكيات أيضاً اختلاف فيما يتعلق بالأزمة السورية.
لتحميل ملف الـ PDF اضغط هنا
المصدر: مجلة دراسات الشرق الأوسط
رابط المادة : https://bit.ly/3vqanWs
تُعد إشكالية الكابتاغون إحدى أكثر المعضلات الأمنية الحرجة للأردن، نظراً للمحاولات المتزايدة لتهريب المخدرات والأسلحة عبر حدوده التي أصبحت تهديداً للأمن الوطني الأردني وفق ورقة التقدير الرسمية، بالإضافة إلى عدم نجاعة الآليات الحالية في ردع الجهات المتورطة في الكابتاغون، وخصوصاً الميليشيات المدعومة من إيران والنظام السوري. رغم اتفاق خفض التصعيد في عام 2017 الذي كان من المفترض أن يؤمِّن -بضمانة روسية- إبعاد الميليشيات المدعومة من إيران 40 كم عن الحدود الأردنية، إلا أن روسيا لم تفِ بكامل تعهداتها. كما فشلت التسويات التي رعتها روسيا في عامي 2018 و2021 في تقديم بيئة توفر الأمن من خلال عملية نزع السلاح وإعادة الإدماج لمجموعات المعارضة المسلحة في درعا جنوب سورية.
لعبت الديناميات الأمنية للتسويات دوراً محورياً في خلق بيئة تُسهل تجارة الكبتاغون، أهمها غياب الفاعل الأمني المهيمن في ظل تعدد الفواعل من روسيا وإيران والنظام، بالإضافة إلى المجموعات السابقة من المعارضة التي خضعت لعملية تحول في دوافعها (سياسية أو اقتصادية) وأهداف استخدام القوة (صفرية أو متغيرة). فقد تخلَّت العديد من المجموعات المسلحة التي سبق وحاربت بشدة ضد النظام السوري عن طموحاتها السياسية لصالح مكاسب أخرى، وتورَّط العديد منها في تهريب الكابتاغون نتيجةً للتسويات غير الناجحة.
يُقدِّم هذا المقال رؤية للمشهد الأمني، وخصوصاً الترابط بين الحالة الأمنية والكابتاغون، كأحد ديناميات اقتصاد الحرب في درعا، كما يقدم عدة سيناريوهات سياساتيّة بديلة.
الوضع الراهن لمشهد التسويات
أسفرت تسويات عامي 2018 و2021 بين النظام السوري وفصائل المعارضة التي فرضت من قبل روسيا بشكل رئيسي عن عودة تدريجية لأجهزة النظام الأمنية إلى المحافظة، ودمج العديد من مقاتلي المعارضة في هذه الأجهزة، دون تحقيق تقدم ملموس فيما يتعلق بالمعتقلين أو الأشخاص المختفين قسريًا في سجون النظام. منذ التسوية الأولى، تميزت درعا بحالة أمنية هشة وتفشي استخدام العنف، المدفوع إلى حد كبير بأسباب سياسية، ضد مختلف الأفراد المدنيين والمسلحين، سواء كانوا مرتبطين بالمعارضة أو النظام.
شكَّلت الاغتيالات والاعتقالات التي تستهدف عشرات الأفراد شهرياً أدوات النظام للقضاء على خصومه، حيث اعتمد بشكل كبير على فرع المخابرات العسكرية في درعا/السويداء، بقيادة “لؤي العلي“، العميد الذي فُرضت عليه عقوبات من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا، وتم ترقيته إلى منصبه الحالي قبل التسوية في عام 2018 بعد أن شغل منصب رئيس قسم المخابرات العسكرية/درعا بين عامي 2011 و2018، والذي سيكون له دور في إدارة شبكات مسلحة غير رسمية.
لهذا، اعتمد النظام على استخدام متغير للقوة لتعزيز سيطرته الجغرافية، والقضاء على خصومه، والاستفادة الاقتصادية من تهريب الكابتاغون، وتعزيز دوره المركزي في ديناميات التسوية في المحافظة. ومع ذلك، فإنَّ التحوُّل في سلوك النظام من الاستخدام الصفري للقوة إلى الاستخدام المتغير يعود في الأساس إلى الدبلوماسية القسرية الروسية والوضع القائم الذي فرضَ من الفواعل الخارجية، أي ديناميات الصراع المجمَّد نسبياً الذي بدأت ملامحه في التشكُّل عام 2018.
مسار التحول لفصائل المعارضة
اعتمدت فصائل المعارضة السابقة في درعا على استراتيجيات بقاء مختلفة للتكيُّف مع أو موازاة النفوذ الأمني المتزايد للنظام في المحافظة. وقد أدى مسار التحوَّل هذا إلى ظهور أنواع مختلفة من المجموعات المسلحة بدوافع وأهداف متباينة. ففي الوقت الذي أصبح فيه اللواء الثامن معنياً، بشكل رئيسي، بالحفاظ على الوضع القائم الجديد عقب التسوية والذي ضمن له سيطرة جغرافية على بعض المناطق المحلية والقدرة على المناورة والتوسع نسبياً؛ فإنَّ العديد من المجموعات الأخرى، أصبحت مرتبطة بالنظام، وتخلَّت عن دوافعها السياسية لصالح الدوافع الاقتصادية من خلال المشاركة في تهريب الكابتاغون و/أو أنشطة العنف (الاغتيالات) والبلطجة.
اللواء الثامن، والذي يقوده القائد المعارض السابق، أحمد العودة، ويتألف بشكل رئيسي من مقاتلي المعارضة السابقين في “قوات شباب السنة”، استمرَّ في الحفاظ على السيطرة الجغرافية في بصرى الشام في شرق درعا منذ تشكيله برعاية روسية عقب التسوية الأولى في عام 2018. ونظراً للبيئة الآمنة نسبياً في مناطق سيطرته، حيث يلحظ معدلات أدنى للاغتيالات وحالة خدمية أفضل بالمقارنة مع المناطق الأخرى في درعا، نجح اللواء في الحفاظ على الدعم الاجتماعي وموازاة تأثير النظام ساعياً إلى الحفاظ على الوضع القائم للتسوية، وزيادة نفوذه عبر استخدام متغير للقوة، أي محدود النطاق.
في هذا السياق، نفَّذ اللواء الثامن عمليات أمنية متعددة ضد داعش أو المجموعات المتهمة بالانتماء إلى داعش في أجزاء مختلفة من درعا مثل جاسم في درعا الغربية في أغسطس/آب 2022، وحي درعا البلد حيث قضت العملية على ميليشيا حفو-حرفوش في المنطقة في ديسمبر/كانون أول 2022. وقد تمَّت هذه العمليات بعد تصعيد النظام وتهديده بشن هجمات في هذه المناطق بذريعة خلايا داعش، حيث استفاد اللواء الثامن من الرفض الاجتماعي لتدخل النظام وشبكة علاقاته المحلية. بالإضافة إلى دوره الوسيط، في مرحلة سابقة، بين النظام والمجتمعات المحلية لتخفيف التصعيد مثل حالات تصعيد مارس/آذار 2022 في جاسم وتصعيد فبراير/شباط 2020 في مدينة الصنمين شمال غرب درعا. بالإضافة لذلك، استهدف اللواء الثامن أيضًا مجموعات أخرى متورطة في تهريب الكابتاغون في شمال شرق درعا، بما في ذلك جماعة تابعة لفايز الراضي، قيادي سابق في المعارضة والذي اغتيل لاحقاً بعد تصعيد مع اللواء الثامن.
بالمقابل، فإنَّ مجموعات أخرى، مثل تلك التي يقودها مصطفى المسالمة و عماد أبو زريق، وهما قياديان سابقان في المعارضة، لم تتخل عن كفاحها السياسي ضد النظام بعد التسوية فحسب، بل أصبحت تابعة للنظام، حيث أصبحت مدفوعة بدوافع اقتصادية في ظل الوضع القائم الجديد. حيث انخرطوا في عمليات تهريب مخدرات الكبتاغون، وفرض الإتاوات على السكان المحليين، والقيام باغتيالات ضد معارضي النظام نيابة عن المخابرات العسكرية، التي أصبحت تدير شبكة من المجموعات المسلحة المحسوبة عليها بشكل غير رسمي.
بحلول أبريل/نيسان 2023، تمّ فرض عقوبات على كل من أبو زريق والمسالمة، إلى جانب الأفراد المنتسبين لعائلة الأسد بما في ذلك أبناء عمومته، من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لمشاركتهم في إنتاج وتصدير الكابتاغون. لاحقاً، قُتل المسالمة بعد عدة محاولات لاغتيال حياته من قبل الفصائل المحلية بسبب تورطه في اغتيال العديد من معارضي النظام.
ميليشيا الحفو–حرفوش هي جماعة مسلحة أخرى بقيادة اثنين من قيادات المعارضة السابقين، محمد المسالمة ومؤيد عبد الرحمن، الذين رفضوا التسويات ورفضوا التهجير إلى شمال سورية. كانت الميليشيا متمركزة في أحياء درعا البلد حتى المعركة التي قامت بها مجموعات محلية مدعومة من اللواء الثامن في نوفمبر/تشرين ثاني 2022، بسبب صلتهم بخلايا داعش، وتورطهم في تنفيذ اغتيالات ضد شخصيات معارضة بدوافع انتقامية، بالإضافة للتورط في أنشطة البلطجة مثل السرقة وفرض الإتاوات على السكان المحليين. حيث توضح جملة الديناميات الأمنية السابقة التداخل بين الديناميات الأمنية واقتصاد الحرب، وعلى رأسها تجارة الكابتاغون.
السياسات البديلة: معالجة معضلة الكبتاغون
لم تكن آلية العقوبات فعالة في إجبار النظام على تقديم تنازلات أو تغييرات ملموسة، كما توضَّح في حالة الاستخبارات العسكرية في درعا، كما لم يكن لها تأثير مماثل على قادة المعارضة السابقين، المرتبطين حاليا إلى النظام. بالنسبة للتواصل العربي مع النظام، فلم يفشل الأخير في إحراز تقدم في مكافحة تهريب الكبتاغون فحسب، بل زاد الاتجار نفسه أيضًا بعد محادثات التطبيع التي أدت إلى عودة النظام إلى جامعة الدول العربية في مايو/أيار العام الجاري، ناهيك عن تطوُّر القدرات التكنولوجية المتزايدة لتجار المخدرات مثل استخدام الطائرات بدون طيار “الدرون”.
بالنسبة لما يعنيه ذلك للسياسات الإقليمية: أولاً، يجب اعتبار الأمن القومي الأردني أمراً حيوياً للأمن الإقليمي من قبل حلفاء الأردن الدوليين والعرب في مواجهة الرغبة الإيرانية بدومينو جديد بعد لبنان والعراق واليمن وسورية. ثانياً، ينبغي إعادة النظر في الافتراض القائم بأن النظام السوري لديه الرغبة و/أو القدرة على التصدي لمشكلة الكابتاغون أو الانفصال عن إيران. ثالثاً، وأثناء تطوير سياسات مكافحة الكابتاغون، لا يمكن تجاهل الترابط بين أجهزة النظام الأمنية وتجارة الكابتاغون، بالإضافة إلى القدرات التقنية المتزايدة لشبكات التهريب. إنَّ التصريح السابق لوزير الخارجية الأردني مايو/أيار بشأن احتمال القيام بعمل عسكري لمواجهة تهديد الكابتاغون في سورية، والغارات الجوية الأردنية الثلاث التي استهدفت مهربي المخدرات والمصانع في مايو/أيار وأغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول 2023، يعني بشكل أو بآخر خياراً سياساتياً بديلاً قائماً على استخدام أدوات قسرية يمكن اعتمادها في مكافحة تهريب المخدرات.
ونظراً لعدم وجود حل شامل، يمكن توضيح ثلاثة سيناريوهات سياساتية بديلة:
ختاماً، لم يعد من الممكن تجاهل ديناميات التسوية في درعا وإفرازاتها الأمنية وارتباط ذلك بديناميات اقتصاد الحرب، لا سيما مع خطر تمدد هذه الديناميات إلى محافظة السويداء المجاورة في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها.
المصدر: معهد السياسة والمجتمع
رابط المقالة: https://bit.ly/3vf9uQp
بتاريخ 8 كانون الثاني 2022 قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد العبدالله تصريحاً لصحيفة الاستقلال ، ضمن تقرير بعنوان: " أهداف أخرى وراء سعي إيران للاستثمار بنفط سوريا.. ما موقف الأسد وروسيا؟ ".
شخص فيه الباحث الغايات التي تسعى إليها إيران من التوجه للاستثمار في قطاع النفط رغم محدودية الفرص المتاحة فيه في الوقت الحاضر.
المصدر جريدة الاستقلال: https://bit.ly/3HZHGjY
منذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، ومنذ مؤتمر قمة الملوك والرؤساء العرب الذي عقد في أنشاص عام 1946 وحتى الآن، لم تستطع الحكومات العربية الاتفاق على “نظام عربي” تُدير المجموعة العربية شؤونها به ومن خلاله، رغم ما مر على العالم العربي خلال هذه المدة الطويلة من أحداث وحروب وإخفاقات وويلات.
المقصود بالنظام العربي هو تحديد الأهداف ومناهج العمل وآلياته، وتوصيف الحقوق والواجبات لكل دولة تجاه الدول العربية الأخرى، وتجاه القضايا العربية المشتركة، مما يُمكّن هذه الدول من التعاون والتضامن سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، ويؤهلها لحماية نفسها وتنمية مجتمعها وتحقيق أمنه واستقراره، وتدفع لاعتماد المواطنة كأساس رئيس لبناء الدولة.
الذي حصل هو أن البلدان العربية، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أي منذ بدء استقلال الدول العربية الحقيقي، اتفقت على تأسيس جامعة الدول العربية دون أن تُحدد الأهداف والاستراتيجيات ومناهج العمـل والعلاقـات بينها، فلم يتضمن ميثاق الجامعة إلا ألفاظاً إنشائية عامة وهامة لكنها غير مُحددة، ويمكن الاطلاع عليه لتلمّس العموميات الضبابية فيه، ولم يُلزم نظام الجامعة العربية وميثاقها الدول الأعضاء بأي التـزام جدّي، فقرارات الجامعة تُلزم من يقبلها، ولا تلوم من يرفضها أو يشذ عنها، فهي تجمع “الأشقاء” دون الالتزام بقراراتها، ودون النظر بمصالحهم منفردين أو مجتمعين، ورغم مرور الزمن وتعقُد الوضع الإقليمي والدولي، والصراع المسلح مع “إسرائيل” وإيران وغيرهما، ورغم توسع مؤسسات الجامعة ومنظماتها، بقيت قراراتها لا تُلزم أحداً، وأهدافها بلا ملامح، ووظائفها متروكة للظروف، مع أن بعض الإعلام العربي أسماها “بيت العرب”، ويبدو أن العرب يعيشون تحت سقف هذا البيت دون أن يكونوا شركاء أو أشقاء، ويلجؤون إليه فقط عندما تنقطع بهم السبل.
إن عدم وجود مثل هذا “النظام العربي” هو الذي لم يتح للعرب مواجهة تأسيس دولة “إسرائيل” مواجهة موحدة، ولم يستطيعوا أن يخوضوا حرباً واحدة بقيادة واحدة أو بجيش واحد أو بسياسة واحدة، فكانت عين دولة على الشرق وعين الأخرى على الغرب وعين الثالثة ترقب الرابعة لئلا تطمع في التدخل في شؤونها، فلم يستطيعوا أن يواجهوا أي عدو، فخسروا كل معاركهم على المستوى الدولي، العسكرية والسياسية والاقتصادية، دون أن يتّعظوا، ولم تستطع كل الكوارث إقناعهم بأهمية تأسيس “نظام عربي”.
خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وقف العرب مكتوفي الأيدي لعدم وجود نظام يحدد واجب كل منهم، وترك أمر التضامن مع مصر في ذلك الوقت لمبادرات الحكومات التي لم تجد ما تُبادر به بعد أن بدأ العدوان، وبُني أساساً على أن العرب مشرذمون ولا خوف منهم في المواجهة أو الرد.
وفي ستينات القرن العشرين انشغل العرب بشن حروب إعلامية شرسة بعضهم ضد البعض الآخر، وتآمر كل منهم على الآخر، ولم يستفيقوا حتى عدوان 1967 واحتلال “إسرائيل” للمزيد من الأرض، وتسجيلها هزيمة مجلجلة بحقهم، ومع ذلك لم يحرضهم هذا كله ليسعوا إلى نظام عربي يُحدد حقوق كل دولة وواجباتها.
والأمر نفسه خلال حرب 1973 والحرب الأهلية اللبنانية، والغزو الإسرائيلي للبنان، وحرب الخليج الأولى والثانية، ومؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو ثم حصار العراق وانهياره، والتغلغل والتمدد الإيراني الأخطبوطي، ومن بعد ذلك الثورات العربية والتدخل الأجنبي فيها جميعها، والمأساة السورية والليبية واليمنية والعراقية وغيرها.
حاولت الأنظمة العربية أن تُعالج عدم وجود مثل هذا النظام بعقد مؤتمرات قمة عربية، علّها تعوض قصور الجامعة وربما تقصيرها وفقدان التضامن وآلية العمل المشترك، فعقدت مؤتمر أنشاص عام 1946 وكان أهم ما فيه اطلاع القادة العرب على مزارع الخيول التي يمتلكها الملك فاروق، ثم نام مؤتمر القمة طوال عقدين إلى أن دعاه عبد الناصر عام 1964 للانعقاد، وأخذ يُعقد بما يشبه الانتظام دون أن يعمل من خلال نظام، ولم يبحث في أي من قممه شيئاً جدياً، ولم يتخذ قرارات مصيرية، اللهم إلا قراره بأن يكون سنوياً.
صار للأوروبيين نظامهم، ولدول جنوب شرق آسيا نظامها، ولدول أمريكا الشمالية نظامها، وكذا دول أمريكا الجنوبية، وأصبح العالم يعيش مرحلة النظام العالمي الجديد، إلا العرب ما زالوا دون نظام، بل ربما لا يشعرون بحاجة لمثل هذا النظام. ولهذا، لا يُجانب الحقيقة من يؤكد أنه لا فائدة من الجامعة العربية، لأن قراراتها لن تجد من ينفذها، ولن تجد من يحترمها، لانعدام آلية تنفيذ متفق عليها، أي لانعدام “النظام العربي”.
المصدر: السورية نت
مع بداية الاحتجاجات الشعبية في سورية عام 2011، زجّ النظام السوري بالجيش والقوات المسلحة ضمن صراع مفتوح لقمع المتظاهرين بدايةً، ومن ثم مواجهة مقاتلي المعارضة المسلحة، الأمر الذي ساهم مع طول أمد الصراع العسكري بتأثر عدد كبير من الوحدات العسكرية بشكل مباشر، سواء على صعيد الموارد البشرية نتيجة الانشقاقات والهروب وعدم الالتحاق، مقابل مقتل وجرح وأسر عدد كبير من العسكريين، أو على الصعيد اللوجستي (معدات، مقرات، عتاد)، نتيجة العمليات العسكرية المتتابعة والضربات التي تلقتها تلك الوحدات من قبل مقاتلي المعارضة في سنوات الثورة الأولى. يُضاف إلى ذلك، تأثر تلك الوحدات بعمليات إعادة الانتشار التي قام النظام بها عبر توزيع وحداته العسكرية بشكل أفقي موسّع على مختلف المناطق السورية بعيداً عن أماكن انتشارها الأصلية،[1] وهو ما دفعه لتأسيس تشكيلات جديدة، عبر ضمّ وحدات مختلفة التبعية ضمن جسم عسكري جديد.
من جهة أخرى، تمكن حلفاء النظام (إيران، روسيا) بعد تدخلهم العسكري المباشر، من التأثير على الهيكلية العامة للجيش والقوات المسلحة بدرجات متفاوتة، ففي حين تمثل تأثير إيران بتشكيل ميليشيات خارج الهيكلية، ثم لاحقاً ضمّ ميليشيات محلية صغيرة نسبياً إلى فرق عسكرية تحظى إيران بنفوذ عسكري ضمنها. [2] بالمقابل، كان التدخل الروسي ذو تأثير أكبر وأعمق، حيث قامت موسكو بالإشراف على التدريب والتسليح ووضع الخطط العسكرية لأغلب قطعات وتشكيلات الجيش، بالإضافة إلى إعادة هيكلة وتشكيل بعض الوحدات العسكرية، واستحداث تشكيلات عسكرية جديدة ترتبط بها مباشرة.
أدى كل ما سبق إلى تعرض هيكلية الجيش والقوات المسلحة لتحولات عديدة،[3] على مستوى البنية ومراكز القوة، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على سلسلة القيادة وتراتبية الأوامر العسكرية ضمن الشبكات الرسمية أو الشبكات غير الرسمية.
وعليه تسعى هذه الورقة إلى تقديم قراءة في سلسة القيادة ومسارات تدفق الأوامر ضمن الشبكات الرسمية وغير الرسمية، موضحةً تأثير حلفاء النظام على المؤسسة العسكرية السورية ككل، وذلك عبر "شكل تفاعلي" يسمح بتتبع مسار الأوامر عبر سلسلة القيادة ضمن أهم المناصب في الجيش والأجهزة الأمنية، إضافة إلى وزارة الداخلية. كما يقدم "الشكل التفاعلي" بطاقات تعريفية لقادة هذه الوحدات، ويوضح تابعية كل وحدة منها ضمن سلسلة القيادة والأوامر.
تتمثل نقطة الارتكاز وبداية سلسلة القيادة والأوامر الرسمية في بشار الأسد، كـ"رئيس للجمهورية والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة" بحسب المادة /105/ من دستور عام 2012،[1] ويرتبط به بشكل مباشر كلٌ من وزير الدفاع، العماد علي عبدالله أيوب. ورئيس مكتب الأمن الوطني، اللواء علي مملوك. ووزير الداخلية، اللواء محمد رحمون.
تتم كافة عمليات التعيين والترقية لقادة ومدراء ورؤساء وضباط مختلف وحدات الجيش والقوات المسلحة بما فيها الأجهزة الأمنية، عبر مراسيم وقرارات يصدرها بشار الأسد حصراً. وتتم وفق مستويين: الأول، روتيني بيروقراطي يتمثل بإصدار نشرات ترفيعات وتنقلات وتعيينات دورية وفق سلسلة القيادة والأوامر الرسمية،[2] واستشارة مكتب الأمن الوطني وأجهزة المخابرات، كلٌ بحسب اختصاصه دون أي تدخل من أجهزة ومؤسسات الدولة المدنية، بينما المستوى الثاني فيتم عبر إدارة توازنات العلاقة مع حلفاء النظام، وإجراء تعيينات تراعي تلك التوازنات.
وبالرغم مما توضّحه سلسلة القيادة من تراتبية في آليات اتخاذ القرار وإصدار الأوامر الرسمية، وفقاً للرتب والمناصب؛ إلا أن هذه التراتبية غير مُلزمة للأسد، والذي يتجاوزها في إصدار الأوامر لأي طرف كان، يساعده في ذلك الصلاحيات الواسعة الممنوحة له وفق الدستور والقوانين الناظمة لعمل الجيش والقوات المسلحة، إضافة إلى طبيعة وبنية النظام المركّبة (أمنية، عائلية، طائفية) والتي غالباً ما تجعل آلية صنع القرار ضمنها عملية يشوبها الكثير من الغموض.
مكتب الأمن الوطني وأجهزة المخابرات
يُمثل مكتب الأمن الوطني -وريث مكتب الأمن القومي- الذي يرأسه اللواء علي مملوك منذ تموز 2012، نقطة الربط الأساسية في عمل الأجهزة الأمنية، كما أنه يُشرف وينسق ويوجّه عملها،[3] ويلعب المكتب دوراً استشارياً رئيسياً لبشار الأسد في مختلف القضايا المتعلقة بالأمن الوطني والمفاوضات وغيرها من الشؤون الأمنية الداخلية والخارجية، بحكم إطلاعه المباشر على عمل الأجهزة الأمنية الرئيسية الأربعة باختلاف تبعيتها (شعبة المخابرات العسكرية، إدارة المخابرات الجوية، إدارة المخابرات العامة، شعبة الأمن السياسي).
تتبع شعبة المخابرات العسكرية لهيئة الأركان العامة بشكل مباشر، في حين تتبع إدارة المخابرات الجوية إدارياً لقيادة القوى الجوية والدفاع الجوي، وهذان الجهازان هما أقوى أجهزة المخابرات وأكثرها عدداً ويتبعان في نهاية الأمر "بشكل رسمي" إلى وزارة الدفاع. أما إدارة المخابرات العامة "أمن الدولة" فتتبع لرئاسة الجمهورية مباشرة، وهي في حالة تنسيق دائم مع مكتب الأمن الوطني. في حين أن شعبة الأمن السياسي تتبع إدارياً لوزارة الداخلية، ولكن ليس لوزير الداخلية أي صلاحيات فعلية في عملها، إلّا من النواحي الإدارية واللوجستية، بل هي من تراقب فعلياً وزارة الداخلية ابتداءً من وزير الداخلية وحتى أصغر عنصر فيها.[4]
بشكل أساسي، يتم تعيين رؤساء الأجهزة الأمنية الأربعة وغيرها من الأفرع التابعة لها، من قبل رئيس الجمهورية حصراً، دون تدخل من مؤسسات الدولة المدنية أو حتى اطلاعها بذلك. إن قادة جهازي المخابرات العسكرية والجوية هم من مرتبات الجيش حصراً، أما قادة جهازي المخابرات العامة والأمن السياسي قد يكون بعضهم مندوباً من وزارة الدفاع أو من وزارة الداخلية للعمل فيهما، وينطبق هذا على كافة الضباط العاملين في أجهزة المخابرات.
حالياً يقود هذه الأجهزة أربعة ضباط برتبة لواء، هم: كفاح ملحم، يقود شعبة المخابرات العسكرية. غسان إسماعيل، يقود إدارة المخابرات الجوية. حسام لوقا، يقود إدارة المخابرات العامة. غيث ديب، يقود شعبة الأمن السياسي. وجميعهم من خريجي الكلية الحربية، ويقود المخابرات العسكرية والجوية ضباط من الطائفة العلوية منذ تأسيسهما بالشكل الحالي في سبعينيات القرن الماضي، بينما المخابرات العامة والأمن السياسي قد يقودهما ضباط من الطائفة العلوية أو من طوائف أخرى.
وزارة الدفاع
يرأس وزارة الدفاع حالياً العماد، علي عبدالله أيوب، منذ بداية عام 2018، خلفاً للعماد، فهد جاسم الفريج، وتتم تسمية الوزير من قبل رئيس الجمهورية/ القائد العام للجيش والقوات المسلحة،[5] ولا يتدخل رئيس مجلس الوزراء بهذه العملية أبداً. ويشغل وزير الدفاع منصب نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة، وكذلك نائب أول لرئيس مجلس الوزراء، وعضو في القيادة المركزية واللجنة المركزية لحزب البعث الحاكم، وتُشرف الوزارة بشكل رئيسي على هيئة الأركان العامة وعلى عدد من المكاتب والإدارات التابعة لها، كما تُنسق مع وزارات ومؤسسات الدولة الشؤون المتعلقة بالجيش والقوات المسلحة، في الجوانب التي تتطلب هذا التنسيق.
هيئة الأركان العامة
عادةً ما يشغل منصب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة ضابط برتبة "عماد"، تتم تسميته بمرسوم من قبل رئيس الجمهورية/ القائد العام للجيش والقوات المسلحة، كما يعامل رئيس الأركان معاملة الوزير تماماً، بحكم قانون الخدمة العسكرية لعام 2003 وتعديلاته،[6] وهو الضابط المرشح لتولي وزارة الدفاع لاحقاً، مع العلم أن كافة وزراء الدفاع منذ عام 1967 خدموا كرؤساء لهيئة الأركان العامة قبل تولي منصب الوزارة.
كان العماد، علي أيوب، يشغل منصب رئاسة الأركان منذ تموز 2012، قبل أن تتم تسميته وزيراً للدفاع في بداية عام 2018، ومنذ ذلك الحين يعد منصب رئيس هيئة الأركان شاغراً، في حالة لافتة لم يشهدها الجيش السوري منذ تأسيسه عام 1946. الأمر الذي أثار عدة تساؤلات حول كيفية إدارة عمليات عسكرية في عموم البلاد ضمن ظرف "حرب" دون وجود رئيس هيئة أركان يُدير تلك العمليات، وتُشير مصادر بأن الروس يتولون مهام رئيس هيئة الأركان المتعلقة بالعمليات العسكرية بالإضافة للإيرانيين، وذلك من خلال غرفة العمليات الروسية الموجودة في دمشق (مقر هيئة الأركان) ،[7] في حين يتولى وزير الدفاع مهام رئيس الأركان ذات الطابع الإداري، وبقدر ما يشير فراغ هذا المنصب الحساس ضمن الظرف القائم إلى وجود خلل رئيسي في سلسلة القيادة والأوامر؛ إلا أنه وبالوقت ذاته يدلل على أثر التدخل العسكري لحلفاء النظام في تلك السلسلة وعمق هذا التدخل، بشكل ساهم بكسر مركزية وبيروقراطية قرار النظام العسكري لصالح حلفائه بأكثر المناصب حساسية وحيوية بالنسبة لإدارة العمليات العسكرية في سورية، إذ تعتبر هيئة الأركان الوحدة المركزية لـ "الجيش والقوات المسلحة" حيث تُشرف وتقود كافة الفيالق والفرق والوحدات العسكرية المقاتلة، كما تُشرف على عدد كبير من الإدارات والشُعبْ.
الفيالق والفرق والوحدات العسكرية
تتبع مختلف الفيالق والفرق والوحدات العسكرية ضمن سلسلة القيادة والأوامر إلى رئيس هيئة الأركان العامة، ويبين "الشكل التفاعلي" كيفية توزع الفيالق العسكرية الخمسة، وكذلك الفرق التابعة لها، بالإضافة إلى الفرق والشُعب والهيئات والإدارات العسكرية التي تتبع لهيئة الأركان العامة مباشرة دون التبعية لأحد الفيالق.
ويقود كافة الفيالق والفرق والإدارات حالياً - عدا الفرقة 18 - ضُباط من الطائفة العلوية ينحدرون من أربع محافظات هي (اللاذقية، طرطوس، حمص، حماه)،[8] كما أن منصب قائد الفيلق يكاد يكون منصباً إدارياً شكلياً، في حين أن قائد الفرقة يتمتع بقوة أكبر نظراً لقيادته المباشرة لوحدة عسكرية مقاتلة، وتختلف هذه القوة باختلاف تعداد الفرقة وطبيعة مهامها العسكرية.
من منظور آخر، ما زالت هذه الوحدات تُحافظ على تشكيلها الحزبي المرتبط بحزب البعث الحاكم حتى الآن، بما فيها من فروع وشُعب وحلقات،[9] ومازال يُحظر على العسكريين بشكل عام الانتماء السياسي لغير حزب البعث، بالرغم من إلغاء المادة الثامنة من الدستور.[10]
بالمقابل، فرض كل من التدخل العسكري الايراني والروسي تأثيره على مختلف الوحدات العسكرية وقادتها وضباطها، وكان لروسيا التأثير الأكبر والأوسع في عدد كبير من الوحدات كـ (الفيلق الخامس، الحرس الجمهوري، الفرقة 17، الفرقة 25، قيادة القوى الجوية والدفاع الجوي)، ووصل الأمر حتى اخترق المستشارون العسكريون الروس كافة الوحدات العسكرية بدءاً من الفرقة نزولاً حتى مستوى الكتيبة،[11] على عكس إيران التي اكتفت بعلاقات جيدة مع بعض قادة وضباط وحدات معينة نتيجة بعض المصالح مع قادة تلك الوحدات كـ (الفرقة الرابعة، الفيلق الرابع، الفرقة التاسعة) وبعض الأفرع في أجهزة المخابرات.[12]
خلاصة
يمكن القول أن سلسة القيادة والأوامر ضمن هيكلية الجيش والقوات المسلحة السورية، تأثرت بشكل كبير بعد العام 2011، وفق عدة متغيرات وعوامل على رأسها تدخل حلفاء النظام العسكري وأثره المتنامي يوماً بعد يوم، وبخاصة التأثير الروسي بشكل أكبر من الإيراني في بُنية الجيش والقوات المسلحة، ضمن دوائر تأثير رسمية وشبكات غير رسمية، الأمر الذي انعكس أحياناً بصيغة تجاوز الالتزام الرسمي بسلسلة القيادة والأوامر وكسر مركزيتها التقليدية، بشكل أدى إلى صعوبة فرض سيطرة كاملة وتحكم فعلي ببعض الوحدات العسكرية.
وبالرغم من تنامي التأثير الإيراني والروسي على المؤسسة العسكرية؛ إلا أن بشار الأسد كـ"رئيس للجمهورية وقائد عام للجيش والقوات المسلحة" ما زال يتحكم رسمياً بسلسلة القيادة والأوامر، لكن هذا التحكم الرسمي لا يعني السيطرة الكاملة على تعيينات سلسلة القيادة وتدفق الأوامر ضمنها، وقد يخضع للتوازنات مع الحلفاء بحسب ما تقتضيه الحاجة.
يسعى بشار الأسد قدر الإمكان إلى التقليل من تأثير حلفائه على المؤسسة العسكرية، ومحاولة الإيحاء بمركزية التحكم في سلسلة القيادة والأوامر– كما هو الحال قبل التدخل الروسي – وذلك عبر القيام بتعيينات دورية لعدد من قادة المناصب العسكرية، وبالتالي تخفيف أثر الشبكات التي يتم نسجها حول كل منصب. في حين يتمتع قادة أجهزة المخابرات باستقرار نسبي نوعاً ما في مناصبهم، نظراً لطبيعة الأعمال المُناطة بهم وصعوبة إيلاء تلك المناصب لأي من الضباط. بالمقابل لا تزال عمليات الترقية والتعيين تتم على أساس غير مِهنيّ وغير احترافي، بل يتحكم بها طبيعة الولاء الذي يعد فوق كل اعتبار، كما لا تزال العصبية الطائفية تخترق الجيش من أعلاه إلى أدناه.
من جهة أخرى، توضح سلسلة القيادة بكل تعقيداتها وطبيعة تدفق الأوامر ضمنها، جزء من آلية صناعة القرار ضمن بنية النظام السوري، كما تُشير هذه السلسة التي ترتبط في البداية والنهاية وتتقاطع لدى بشار الأسد كنقطة ارتكاز فيها، إلى مسؤوليته المباشرة عن القرارات المُتخذة بعد العام 2011، بما فيها الانتهاكات المرتكبة من قبل الجيش والأجهزة الأمنية بحق المدنيين وغيرها من المجازر الموثقة، إضافة إلى استخدام الأسلحة المحظورة دولياً بما فيها السلاح الكيماوي.
ملحق
وثيقة رقم (1): تظهر طلب مكتب الأمن القومي من وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية توجيه فروعها لتنفيذ أمر معين
[1] محسن المصطفى، "انتشار القوّات المسلّحة السورية: طريق اللاعودة"، توازن مؤشر العلاقات العسكرية المدنية، تاريخ النشر: 11\01\2021، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3lH1LDY
[2] "تحولات المؤسسة العسكرية السورية: تحدي التغيير وإعادة التشكيل"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، اسطنبول، تاريخ النشر: 31/8/2018، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3xuDoLR
[3] مصدر سابق.
[4] "دستور الجمهورية العربية السورية"، مجلس الشعب السوري، تاريخ النشر 7/7/2014، رابط إلكتروني: https://bit.ly/2GHAsHy
[5] تتم عملية التعيينات والترقية عادة عبر نشرات دورية نصف سنوية في نهاية شهري حزيران وكانون الأول من كل عام، كما أن عمليات التعيين في المناصب القيادية لا يُشترط أن تتم ضمن هذه النشرات.
[6] انظر الصور الموجودة في الملحق.
[7] على الرغم من أن شعبة الأمن السياسي نظرياً تُعتبر إحدى وحدات وزارة الداخلية في سورية؛ إلا أن وزير الداخلية ليس هو من يقترح تعيين رئيسها، وإنما يتم تعيين الأخير بمرسوم من رئيس الجمهورية وليس لوزير الداخلية أي دور في ذلك، كما لا يقوم رئيس شعبة الأمن السياسي برفع تقاريره الأمنية إلى وزارة الداخلية وإنما يرفعها مباشرة إلى مكتب الأمن الوطني أو رئيس الجمهورية أو إلى الجهات الأخرى الحكومية ورئاسة الوزراء والوزراء بشكل مباشر دون المرور على وزير الداخلية. للمزيد راجع: ساشا العلو، "وزارة الداخليّة في سورية..الواقع وضرورات الإصلاح"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: 22/01/2019، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3AhmX7t
[8] "المرسوم التشريعي 18 لعام 2003 قانون الخدمة العسكرية "، مجلس الشعب، تاريخ النشر: 21/04/2003، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3xJosJG
[9] "قانون الخدمة العسكرية "، مصدر سابق.
[10] رائد الصالحاني، "الأركان والدفاع مع الروس.. وحافظ مخلوف إلى الواجهة مجدداً"، المدن، تاريخ النشر: 19\01\2018، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3fIDmtF
[11] محسن المصطفى، "مراكز القوة في جيش النظام 2020: "نهج الصفاء العلوّي"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر: 13/3/2020، رابط إلكتروني: https://bit.ly/2VAtvz5
[12] بالعموم يوجد في الجيش 27 فرعاً لحزب البعث و212 شعبة حزبية و1656 حلق حزبية، للمزيد راجع: "المؤسسة العسكرية السورية في عام 2019: طائفية وميليشاوية واستثمارات أجنبية"، الصفحة 105، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر 1/7/2019، رابط إلكتروني: https://bit.ly/2VXn356
[13] "قانون الخدمة العسكرية "، المادة 134، مصدر سابق.
[14] يزيد صايغ، "الاعتبارات السياسية السورية تغلب على الإصلاحات العسكرية الروسية"، مالكوم كير – كارنيغي، تاريخ النشر: 26\3\2020، رابط إلكتروني: https://bit.ly/37uxzDD
[15] بناءً على تتبع التعيينات والتنقلات وطبيعة الارتباط مع كل من روسيا وإيران، على سبيل المثال يحظى العميد سهيل الحسن قائد الفرقة 25، برعاية روسية كاملة كما يحظى بحماية شخصية من قبل القوات الروسية؛ تملك ايران علاقة مميزة مع اللواء رمضان رمضان قائد الفيلق الرابع؛ أيضاً شهد الربع الأخير من عام2020 صراع روسي – إيراني بخصوص منصب قائد للقوى الجوية والدفاع الجوي حيث تم تعيين اللواء حسان علي بدلاً من اللواء أحمد بلول وإحالة الأخير للتقاعد ثم تم التراجع عن القرار لعدة أشهر قبل إنفاذه مرة أخرى لاحقاً بضغط روسي.
عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ورشة عمل بعنوان: "قراءة في خارطة مصالح الفاعلين الدوليين والإقليميين في درعا وأولويات الفعل الوطني" وذلك بتاريخ 12 أب/ أغسطس 2021، بمقر مركز عمران بمدينة اسطنبول - تركيا.
هدفت الورشة إلى تفكيك مواقف الدول المتدخلة في سياق الأحداث الأخيرة في محافظة درعا والسيناريوهات المتوقعة التي يمكن أن تتطور إليها هذه الأحداث خلال الفترة المقبلة وأولويات الفعل الوطني إزاء كل من هذه السيناريوهات.
بدأت الورشة في محورها الأول بقراءة في مواقف وتوجهات كل من إيران، وأمريكا، وروسيا والنظام السوري ، كما تم في المحور الثاني مناقشة أولويات الفعل الوطني وفق توجهات الفاعلين في الأبعاد الإنسانية والسياسية والعسكرية.
انخرط حزب الله إلى جانب نظام الأسد في وقت مبكر من الثورة السورية، مدفوعاً بعوامل ذاتية تتعلق بحماية وجوده من جهة، وتفعيلاً لدوره الوظيفي في الإقليم بحسب الاستراتيجية الإيرانية والمصالح الغربية من جهة أخرى.
وقد ترك هذا الانخراط تداعيات ذات أبعاد مركبة شملت الساحة السورية والمشهد الإقليمي والحزب نفسه، فمن جهة عزز تدخل الحزب موقف نظام الأسد في مواجهة قوى الثورة والمعارضة، كما أدى إلى زيادة مستوى التدافع الإقليمي في الجغرافية السورية بأدوات غير مباشرة، إضافة إلى مساهمته في زيادة منسوب التوتر المذهبي في الإقليم.
ولم يكن الحزب خارج هذه التداعيات حيث تعرض إلى تحولات شملت بنيته وهويته ودوره والموقف الشعبي تجاهه.
فيما يتعلق بمسار الحزب المستقبلي في سورية، فإن ذلك رهن لتفاعل المتغيرات الحاكمة للصراع السوري بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية.
وتقدم هذه المقالة، وهي ضمن سلسة مقالات حول الحزب اللبناني في سورية، تقييماً عاماً لتموضع الحزب في سورية من الناحية العسكرية والأمنية الحالية من جهة، كما تحاول توقع دور الحزب المستقبلي من جهة أخرى.
انحصر دور حزب الله في بداية الصراع المسلح على بعض المناطق التي تعتبر مقدسة بالنسبة للشيعة في ضواحي مدينة دمشق وريفها، إلا أنه وبعد تنامي دورها وبروزها في القتال خصوصاً مع دخول حزب الله اللبناني وحركة أمل بشكل مباشر إلى معركة القصير وسيطرتهم عليها، أصبح جلياً أهمية هذه المليشيات للنظام وسبب قدومها ونذكر منها:
اتخذ حزب الله مقاربة ثنائية إزاء دول الربيع العربي بناءً على علاقته بالأنظمة الحاكمة في تلك الدول وموقفها من المقاومة، ففي حين رحب الحزب بحركات الاحتجاج التي شهدتها مصر وتونس واليمن وحتى ليبيا، تبنى الحزب مقاربة على النقيض تماماً تجاه الحراك الثوري السوري باعتباره مؤامرة تستهدف إسقاط حليفه الاستراتيجي نظام الأسد.
بناء على ما سبق وبتأثير إيراني واضح اتخذ الحزب قراره بالتدخل لتحقيق هدفين رئيسيين:
حماية الوجود: شكل الحراك الثوري تحدياً لإيران والحزب لجهة احتمال سقوط نظام الأسد وما يمثله من خسارة استراتيجية تحد من الدورين الإقليمي لإيران والمحلي للحزب، الأمر الذي اضطر الحزب للتدخل وشرعنته وفق مقولات سردية “المقاومة” لحماية مصالحه الحيوية المعرفة ببقاء النظام بما يضمن له العمق الاستراتيجي واستمرارية الدعم العسكري والسياسي.
أما الهدف الثاني فيتمثل بتطوير الدور حيث وجد الحزب في الحراك الثوري فرصة لتطوير دوره خارج الإطار المحلي من خلال لعب دور متقدم في الاستراتيجية الإيرانية التي تتطلب منه الانخراط بشكل أكبر في الساحات الإقليمية المأزومة وفي مقدمتها سورية، وقد لجأ الحزب إلى سردية “المظلومية التاريخية للشيعة” لتبرير تدخله لحماية الشيعة المضطهدين في سورية. كذلك عمل الحزب على إيجاد تقاطعات مع المصالح الغربية في المنطقة من خلال استغلال المخاوف من “الإرهاب” ليطرح سردية “التطرف السني” ودوره في مواجهته.
أما بخصوص العوامل التي تحدد حجم تدخل الحزب فهي متعددة كالأولويات إذ يتدخل الحزب وفق سلم أولويات محددة ضمن مجموعة عوامل في مقدمتها طبيعة الأهداف التي يتوخى الحزب تحقيقها ضمن المجالين الحيوي الخاص به وبإيران، إضافة إلى الموقف العام الميداني لنظام الأسد؛ وكالمشروعية؛ إذ يطرح الحزب سرديات يبرر من خلالها لجمهوره وللخارج الدور الذي يمارسه في سورية.
وفي هذا المجال فإن الحزب يتحرك ضمن 3 سرديات رئيسية وهي: حماية مشروع المقاومة، محاربة الإرهاب، المظلومية التاريخية للشيعة؛ أما بالنسبة للموارد ورغم بعض التقديرات التي تقول بتزايد موارد الحزب البشرية والتسليحية نتيجة انخراطه، إلا أن ذلك لا يخفي تعرض الحزب لخسائر نوعية وتخوف قيادة الحزب من مخاطر الاستنزاف على المدى الطويل وفي ساحات مفتوحة؛ أما بخصوص البيئة الإقليمية والدولية: يتعاطى الحزب بواقعية مع مصالح الفاعليين الإقليميين والدوليين في سورية، ويعمل على إيجاد تقاطعات مصلحية معها كما في مسألة الحرب على الإرهاب التي تشرعن تدخله من جهة وتحدد حجمه في مكان آخر.
أما عن مراحل تدخل حزب الله فيمكن تقسميها بحسب التوجه العام الذي انتهجه الحزب وهو يتقاطع مع التوجه الإيراني، والذي يمكن تقسمي إلى:
الحزب لم ينحز فوراً إلى الخيار العسكري في سورية، إذ حاول في البداية إيجاد حل سياسي بمساعدة حركة حماس الفلسطينية التي توسطت في عام 2012 لمحاولة إبرام اتفاقية تقاسم للسلطة في سورية، بيد أن هذا الجهد تعثّر حين اشترطت الحكومة السورية أن تضع المعارضة سلاحاً أولاً.
وبحسب دراسة نشرها مركز غارنغي، فإن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني حسين همذاني الذي قُتل قرب حلب في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، تحدث في مذكراته عن أنه في ربيع عام 2012، طلب منه المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، التشاور مع زعيم الحزب حسن نصر الله الذي قيل إنه كان مسؤولاً عن سياسة محور المقاومة في سورية. وكان نصر الله التقى خامنئي في طهران في أواخر 2011 لاتخاذ قرار حول التدخّل، أي بعد 9 أشهر من انطلاق الأزمة السورية. ثم عاد إلى بيروت لبدء الاستعدادات، بسبب الحاجة إلى تأطير هذا التدخل على نحو ملائم في المشهد السياسي اللبناني الذي كان يعيش أصلاً حالة استقطاب حادة.
نفى الحزب مع انطلاق الأحداث في سورية عام 2011 أكثر من مرة مشاركته بالقتال هناك، ومن ثم اعتمد سياسة لإعلان ذلك تدريجياً. فأشار في المراحل الأولى إلى أن «مواطنين لبنانيين» هم من يشاركون في المعارك دفاعاً عن بلداتهم الواقعة على الحدود بين البلدين. ثم انتقل لتأكيد مشاركة عناصر منه في هذه المعارك تحت عنوان «حماية القرى اللبنانية» الحدودية مع سورية. وبعدها برّر القتال بحماية «المقامات المقدسة» لدى الشيعة، ثم حسم الموضوع بالإعلان الواضح عن المشاركة في معركة القصير في مايو (أيار) 2013.
سنة 2013، وفي ذكرى حرب يوليو (تموز)، قال نصر الله: «إذا كان عندنا ألف مقاتل في سورية فسيصبحون ألفين، وإذا كانوا 5 آلاف فسيصبحون 10 آلاف. وإذا احتاجت المعركة مع هؤلاء التكفيريين ذهابي وكل (حزب الله) إلى سورية فسنفعل».
شارك الحزب بعد ذلك في معارك ميدانية بأعداد رمزية، لكن هذه المشاركة توسّعت في عام 2013 عندما شن النظام هجمات منسقة على مدن وبلدات القلمون وريف حمص المحاذي للحدود اللبنانية، وتحوّلت المشاركة الرمزية إلى مشاركة فعلية، وأصبح الإعلان عن قتاله في المعارك ضرورة ملحة، نظراً لأن عناصره سيتولون المهمة الأساسية في بعض تلك المعارك، فلجأ إلى ترويج دعاية تقول بأن هناك قرى في هذه المناطق يسكنها لبنانيون شيعة يتعرّضون للخطر من قبل من يسميهم التكفيرين، ثم انتقل بعدها للحديث عن تدنيس مقامات وقبور آل البيت المدفونين في أنحاء متفرقة من سورية، داعياً عناصره للدفاع عن “العتبات المقدسة”، وهي دعاية شملت جميع المليشيات الشيعية الأجنبية المدارة من قبل إيران، قبل أن تختفي هذه الرواية من الخطاب السياسي في عام 2014، رغم أنها بقيت حاضرة في صفوف الحاضنة الشعبية لغايات حشد المقاتلين وتبرير الخسائر البشرية بينهم.
تصاعد عدد مقاتلي الحزب في سورية بشكل تدريجي، كما يُعتقد أنه تأرجح صعوداً ونزولاً، حيث كان في أوجه خلال عامي 2014 و2015، عندما كان النظام السوري في أضعف حالاته قبل التدخل الروسي. أما اليوم فيعتقد أن الحزب لديه ما بين 2000-4000 مقاتل داخل سورية
ولم يكن خيار الاستمرار في المشاركة الصامتة متاحاً للحزب، لعدّة أسباب، أهمها الخسائر البشرية المتوالية للحزب بالتوازي مع محدودية الحاضنة الشعبية له في بلد صغير أصلاً، وبالتالي فإنّ مشاركته في سورية سوف تتحول لقضية رأي عام، خاصة في ظل انقسام كبير في الوسط السياسي اللبناني تجاه نظام الأسد. كما يُعتقد أن إيران دفعت باتجاه التموضع العلني، بعد اتضاح عدم قدرتها على حسم المعركة خلال أسابيع أو أشهر، وبالتالي دفعت الحزب لتقديم رواية كاملة للمشاركة ودوافعها، بدلاً من السماح للآخرين بصناعة هذه الرواية.
وجدت قيادة حزب الله مع مطلع عام 2018 أنه لم يعد هناك الحاجة إلى الكمّ الكبير من المقاتلين والوحدات على الجبهات السورية وعمدت إلى التركيز على التمركز في مواقع السيطرة المطلقة ذات الفائدة الاستراتيجية للحزب، ما دفع الحزب إلى إعادة الكثير من مقاتليه إلى لبنان، ويمكن ربط عملية سحب القوات مع انتفاء الحاجة العسكرية إليها، ومع العقوبات التي فرضت على الحزب، التي تجبره على اتخاذ إجراءات وقائية وتقشفية.
مع نهاية عام 2018 نفذ حزب الله أول عملية إعادة تموضع، من مناطق بمحيط حلب، وإدلب، وشرق سورية، وحتى حمص، باتجاه غرب سورية، والعاصمة دمشق. وأصبح ثقل وجوده وتمركزه يتمحور في محيط العاصمة، وريفها، والقلمون وصولاً إلى ريف حمص من الجهة اللبنانية، وتحديداً مدينة القصير، التي أصبحت قاعدة عسكرية أساسية وكبرى له. لكن إعادة التموضع هذه، لا تعني أن الحزب ترك نقاطه السابقة بشكل كامل، إنما احتفظ بنقاط مراقبة أو فرق إستشارية عند كل نقطة حساسة، على نحو يشرف مسؤول من قبله على مجموعات سورية أصبحت هي الممسكة بزمام الأمور على الأرض.
في عام 2019 عمل الحزب على تعزيز أدوار أبناء المنطقة الأصليين، مقابل الإشراف عليهم ودعمهم ومساعدتهم، حيث أن قيادات الحزب تدرك بشكل كامل على أن البقاء في تلك المناطق لن يكون طويلاً أو أبدياً. والغاية الأساسية تبقى بالحفاظ على النفوذ والتأثير. وبذلك، يخفف الحزب من الأعباء والتكاليف المالية والبشرية، مقابل الاحتفاظ بالقوى الموالية التي تصون مناطق النفوذ، وتضمن الحضور في أي مفاوضات تنطلق للبحث عن حلّ للأزمة السورية.
إذاً: في المرحلة الأولى استطاع حزب الله اللبناني من تحقيق مكاسب كبيرة من التجربة على المستويين العسكري والإقليمي. فبالرغم من مقتل أكثر من 1600 وجرح أكثر من 5000 من العناصر المقاتلة للحزب، بحسب تقديرات، فإن الحزب قد تمكن من رفع المستوى القتالي لآلاف آخرين من خلال مشاركتهم في المعارك. كما حول الحزب سورية إلى “حقل تجارب” مفتوح لمختلف الأسلحة، و”ميدان تدريب” كبير لآلاف المقاتلين على تكتيكات لم يعتدها الحزب من قبل، فهذه الحرب هي الأولى من نوعها التي يخوضها الحزب منذ تأسيسه، حيث يقف مقاتلوه في موقع الهجوم، لا كما اعتاد في حروبه السابقة مع إسرائيل.
إلى جانب ذلك، فإن قيادات الحزب العسكرية، قد تمكنت للمرة الأولى من خوض معارك جنباً إلى جنب مع القوات الروسية، كما حدث في معركة تدمر في مارس/آذار الماضي، حيث تمكن قادة الحزب ومقاتلوه من التعرف على التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية المتقدمة التي يستخدمها الروس، إلى جانب إلقاء نظرة عن قرب على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية.
ولكن يبقى التحدي الأكبر للحزب الأن هو كيفية تثبيت مكاسبه في سورية في مرحلة ما بعد الصراع وخاصة في ظل العقوبات على النظام السوري والضغط الإسرائيلي على حليف الحزب الأول في سورية وهي إيران.
المصدر: السورية نت https://bit.ly/3uj2s7C
أكد مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية معن طلاع، في مقابلة مع صحيفة عنب بلدي حول اللقاء الروسي القطري التركي في الدوحة، إن إيران لن تخدم موسكو في هذا المسار اقتصاديًا، ومن سيخدمها هي الدول العربية، "لذلك فالهدف الرئيس من مسار الدوحة، هو محاولة إيجاد طرق خروج نظام الأسد من أزمته الاقتصادية عبر البوابة العربية"، ويرى طلاع، أن اختيار قطر لتكون بداية لمسار “روسي-قطري-تركي” جاء بسبب امتلاكها علاقات متوازنة مع إيران، وهي رسائل دبلوماسية لإيران بأنها "غير مغيّبة بشكل من الأشكال عن هذا الملف"، كما أن موسكو بحاجة إلى مسار لا يوجد فيه الإيرانيون، لأن تدخلهم العسكري أدى إلى عقدة أمنية، شكّلت نقطة خلاف دائمة بين الروس والولايات المتحدة من جهة، وبين الروس وإسرائيل من جهة أخرى.
وأوضح طلاع أن روسيا تحتاج إلى دور سياسي انطلاقًا من مسار “جنيف”، وصولًا إلى مؤتمري “فيينا- 1″ و”فيينا- 2” والقرار “2254” ،لضمان التوازن في لغة المصالح بينها وبين الولايات المتحدة.
للمزيد: http://bit.ly/3qGQLVS