التقارير

تمهيد

عانت منطقة إدلب من انقطاع الكهرباء القادمة من سد زيزون في حماة بعد خروجها عن سيطرة النظام في عام 2015، ما دفع السكان للاعتماد على مولّدات الديزل (الأمبيرات) رغم التكلفة العالية والتلوث البيئي. ونتيجة لذلك، بدأ البحث عن خيارات بديلة مثل الطاقة الشمسية، التي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في استخدامها بعد عام 2018.

بعد عام 2020، قامت شركة "GREEN ENERGY" باستجرار الكهرباء من تركيا وربطها بالشبكة العامة بأسعار مرتفعة نسبياً للاستهلاك المنزلي والتجاري والصناعي([1]). ومع تزايد اعتماد السكان على الطاقة الشمسية في المنازل ومشاريع الزراعة وتشغيل محطات مياه الشرب والآبار والمعامل، فتحت الشركة باب الاستثمار في مزارع شمسية تستهدف إنتاج الطاقة وبيعها للشركة مقابل مردود مادي محدد، ممّا شكّل فرصة ومساحة لجذب الاستثمار وتشغيل الأموال في هذا النموذج المحلي بغرض التربح، ضمن شروط يتم التعاقد عليها مع الشركة.

ساهم الاستجرار العكسي للكهرباء من المزارع الشمسية إلى الشبكة العامة في تحقيق الاكتفاء الذاتي لإدلب خلال أوقات الذروة من الساعة 9 صباحاً وحتى الساعة 3 عصراً، ليساهم في تخفيض تكاليف استهلاك الكهرباء للصناعيين والتجار والمنازل، مقابل تقليل حجم الكهرباء المستجرّة من تركيا. كما فتح المجال لإمكانية تصدير الفائض إلى مناطق أخرى عند توفر الظروف الملائمة.

يسعى هذا التقرير إلى تناول تجربة إدلب في مزارع الطاقة الشمسية من عدة جوانب؛ دور الطاقة الشمسية في توفير مصدر مستدام للطاقة الكهربائية في شمال غرب سورية، وتقليل الاعتماد على الكهرباء المستجرة من تركيا أو المولدة عبر مولدات الديزل، وتقليص الاعتماد على الطاقة غير النظيفة الملوّثة للبيئة. كذلك، يستعرض التقرير مساهمة الطاقة الشمسية في خفض أسعار الكهرباء، وتحسين الظروف المعيشية. بالإضافة إلى ذلك، يسلّط التقرير الضوء على إمكانية تعزيز البنية القانونية للاستثمار في المنطقة من خلال التعامل مع مئات المورّدين والمستثمرين، وضبط النزاعات المتعلقة بالشركات المستثمرة وتصفيتها ونقل ملكياتها، وكيفية تعزيز هذه المشاريع للاقتصاد المحلي في المنطقة.

نموذج استخدام الطاقة الشمسية في إدلب

تزايدت مشاريع الطاقة البديلة، وخاصة الشمسية، بشكل واسع في إدلب بعد العام 2020 بفضل مجموعة من العوامل التي حفّزت المستثمرين للانخراط في هذا القطاع. ومن بين هذه العوامل؛ استجرار الكهرباء من تركيا بوساطة شركة "GREEN ENERGY" التي مُنحت امتيازاً احتكارياً لتكون المزوّد الوحيد لخدمة الكهرباء العامة في إدلب، حيث يتطلب تطبيق الاستجرار العكسي من المزارع الشمسية توفر تيار كهربائي عام، وضمنت الشركة شراء الطاقة المولّدة من المزارع.

وساهم انخفاض العمليات العسكرية في إدلب من جهة، وهيمنة "هيئة تحرير الشام" على حوكمة المنطقة أمنياً واقتصادياً من جهة أخرى، في توفير حالة من الاستقرار النسبي وبيئة مشجعة تقوم على منظومة قانونية وقضائية ضامنة لحقوق رأس المال والمستثمرين، ومن بين العوامل أيضاً القدرة على استيراد المستلزمات الأولية للمشروع من ألواح ومحوّلات وكابلات عبر معبر باب الهوى.

كل تلك العوامل، إضافة إلى سرعة استرداد رأس مال المشروع، حفّزت المئات من أصحاب رؤوس الأموال للدخول والاستثمار في هذا القطاع. حيث تدرّ هذه المشاريع أرباحاً تصل لما بين 35 - 40% سنوياً، فيمكن لمشروع يكلّف 100 ألف دولار وبتشغيل كامل خلال السنة أن يدر دخلاً يصل إلى حوالي 25,000 دولار سنوياً (25% سنوياً) بعد خصم تكاليف التشغيل والأعطال والاهتلاك، أي استرداد رأس المال بعد حوالي 4 سنوات من إطلاق المشروع([2]).

في البداية، حددت الشركة الحد الأدنى للطاقة الإنتاجية لمنح الترخيص بنحو 50 كيلوواط يومياً، ولاحقاً رفعت الحد إلى 500 كيلوواط. وبعد ربط كافة مناطق إدلب بهذه المنظومة وتوزيع إنتاجها على كامل المحافظة، تم تحقيق الاكتفاء الذاتي في أوقات الذروة من الساعة 9 صباحاً وحتى الساعة 3 عصراً، حيث توقف استجرار الكهرباء من تركيا خلال هذه الفترة. وعلى إثر الإقبال الكثيف للاستثمار بهذه المشاريع، أوقفت الشركة تقديم تراخيص جديدة بسبب حالة التشبّع، نتيجة محدودية الاستهلاك في المنطقة، وعدم إمكانية البيع خارج إدلب، سواء لمناطق النظام أو تركيا أو مناطق ريف حلب([3]).

يحتاج الاستثمار في المزارع الشمسية إلى عدة عناصر رئيسية([4])، من بينها:

  • توفر مساحة كافية ومناسبة من الأرض: إذ يحتاج كل لوح شمسي إلى ثلاثة أمتار مربعة. يبلغ ثمن استئجار مساحة 10 دونمات حوالي 1,500 دولار سنوياً لمدة 3 سنوات أو 7 سنوات حسب مدة عقد الاستثمار. وقد ضمنت الشركة بأن تلتزم بموجب عقود الاستثمار باستجرار الكهرباء من هذه المشاريع لمدة 3 سنوات للمشاريع التي تقل طاقتها الإنتاجيّة عن 500 كيلو واط ساعي، و7 سنوات لتلك التي تزيد طاقتها الإنتاجية عن 500 كيلو واط ساعي، ونتيجة انخفاض سعر الكهرباء بعد تنفيذ هذه المشاريع، رفعت شركة الكهرباء مدة العقود سنتين إضافيتين، لتصبح مدة الـ 3 سنوات 5، والـ 5 سنوات 7.
  • ألواح طاقة شمسية: يحتاج المشروع إلى عددٍ كبيرٍ من ألواح الطاقة الشمسيّة. فمثلاً، المنظومة المؤلّفة من 1,000 لوح، يبلغ سعر اللوح الجديد 75 دولار بقدرة 550 واط، بينما يبلغ سعر اللوح المستعمل 25 دولار بقدرة 190 واط، ويحتاج إلى 4 إنفرترات بقدرة 110 كيلوواط بكلفة 16,000 دولار. بالإضافة إلى المستلزمات الأخرى مثل الكابلات والقواطع والهياكل المعدنية، التي تقدّر كلفتها بنحو 10,000 دولار.
  • وجود توتر متوسط قريب من المشروع: بهدف ربط الكهرباء المولّدة من الشمس مع الشبكة العامة واختصار تكاليف مد الكابلات وتركيب المحوّلات. وكانت شركة "GREEN ENERGY" قد جهزت منذ بداية عام 2021، 7 محطات لاستقبال خطوط التوتر العالي من الجانب التركي بقدرة 66 كيلو فولت، بالإضافة لتجهيز خطوط التوتر المتوسط.
  • توفر محوّل كهربائي وإنفرتر خاص: يجب توفير محوّل كهربائي ذي قدرة تصل لـ 400 أو 630 كيلوواط ساعي، وإنفرتر خاص لتفعيل تقنية الاستجرار العكسي إلى الشبكة العامة، يحتوي على 3 أقطاب (قطبين موجب وقطب سالب). وقد حددت الشركة للمستثمرين علامات تجارية معينة للإنفرترات وهي: HAUAWEIوGROW WATT وSAN CORCE وSOLIS وCASTERوDEYE. تتراوح تكلفة الإنفرتر بقدرة بين 40 إلى 125 كيلوواط من 2,800 إلى 4,000 دولار.
  • توصيل شبكة المنظومة الشمسية بالشبكة العامة: تتقاضى الشركة أجوراً لتوصيل شبكة المنظومة الشمسية بالشبكة العامة، ويقدر متوسط كلفة توصيل مشروع طاقته الإنتاجية 100 كيلوواط قرابة الـ 5,000 دولار.

ووضعت شركة الكهرباء جملة من الإجراءات والموافقات([5]) الواجب تطبيقها لبدء الاستثمار في مزارع الشمس، كما في الشكل أدناه:

 

الشكل رقم (1): الإجراءات والموافقات لبدء الاستثمار في مزارع الشمس

 

يُشترط على المستثمر الراغب بالحصول على ترخيص لإنتاج الكهرباء من المزارع الشمسية، تقديم طلب إلى الشركة مرفقاً بموقع المشروع، ومخطط من إعداد مهندس كهرباء، وتحديد الطاقة الإنتاجية لمشروعه، ونسخة عن عقد إيجار للأرض أو سند الملكية. تقوم بعدها لجنة من وزارة الزراعة في "حكومة الإنقاذ" بالكشف على الموقع والتأكد من وجود المشروع على أرضٍ غير صالحة للزراعة. وبعد صدور الموافقة، تُجري شركة الكهرباء كشفاً فنياً على موقع المشروع للتحقق من إمكانية وصله بشبكة التوتر المتوسط ومحول الكهرباء، فإذا توفر المحول يتم تحديد سعر الكيلوواط للمستثمر بنسبة 45% من السعر الذي تحدده الشركة للمستهلك، وعند عدم توفر المحول؛ يلتزم المستثمر بشرائه وترفع السعر لنسبة 55%([6]).

 وبعد استيفاء كافة الشروط يتم توقيع عقد بين المستثمر والشركة، ويتضمن العقد بنوداً صارمة لصالح الشركة، ومن بينها ما يلي([7]):

  • التزام المستثمر بعدم التعديل على المشروع، سواءً بزيادة أو إنقاص عدد الألواح أو أي تغيير في خصائص ومميزات المشروع، إلا بموافقة الشركة تحت طائلة المخالفة.
  • ألا يتعطل عمل المشروع لمدة تتجاوز 15 يوماً متواصلة، وأن يتم إبلاغ الشركة عن المشكلة التي تعطّل الإنتاج بسببها.
  • عدم بيع الكهرباء لطرف آخر كالمنازل المجاورة أو أصحاب المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية.
  • لا يحق للمستثمر أن ينقص من مستوى إنتاج مشروعه بحجة استهلاكه الذاتي لتخديم مشاريع أو تشغيل معدات عائدة له بالقرب من المشروع، ويستثنى من ذلك ما يحتاجه المشروع ذاته من إضاءة ليلية وكاميرات وتشغيل مضخات المياه لغسل الألواح، وتهدف الشركة إلى تحقيق استقرار نسبي في مستوى الاستجرار.
  • الشركة غير مُلزمة باستجرار كامل الإنتاج إن لم تكن بحاجة إليه.
  • وأخيراً، يسجل موظف من الشركة رقم العداد المخصص لكل مشروع في نهاية كل شهر، ويتم صرف البدل للمستثمر خلال الأسبوع الأول من الشهر التالي، بحيث تُضاف المستحقات في حساب للمستثمر في بنك شام في إدلب.

الآثار الإيجابية لمشاريع الطاقة الشمسية

بلغ إجمالي عدد المشاريع المرخصة خلال الفترة الماضية حوالي 600 مشروعاً تغذّي الشبكة العامة عبر الاستجرار العكسي في منطقة إدلب، 13 منها بطاقة إنتاجية 1 ميغاواط/ساعة، والبقية تتراوح طاقتها الإنتاجية ما بين 50 و500 كيلوواط/ساعة([8]). كان لهذه المشاريع في إدلب، آثاراً إيجابية انعكست على قطاع الطاقة خصوصاً وعلى الاقتصاد المحلي عموماً، يمكن تلخيصها فيما يلي:

  • خفض تكاليف الطاقة: ساهمت مشاريع الطاقة الشمسية في خفض تكلفة الكهرباء للمستهلكين المدنيين والصناعيين والتجار من 21 سنتاً إلى 12 سنتاً للكيلوواط الواحد، ومن المتوقع أن تنخفض التكلفة إلى 10 سنت في المستقبل. إذ من شأن هذا التخفيض تخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين، وتحفيز النشاط الصناعي على الإنتاج، وإيقاف العمل بمولدات الديزل. فعلى سبيل المثال، انخفضت تكاليف تشغيل مطحنة القمح التي كانت تعمل بمولدة كهرباء تعمل بالديزل بمقدار 4 دولارات للطن الواحد بعد استخدام الكهرباء المسعّرة بـ 12 سنتاً، إذ انخفضت أجور طحن طن القمح من 24 دولار إلى 20 دولاراً، ممّا زاد نسبة الإنتاج للضعف ([9]).
  • تنشيط الاستيراد: أدت المشاريع إلى تنشيط حركة الاستيراد لمستلزمات الطاقة الشمسية مثل الألواح والمحولات والكابلات، ممّا أنعش السوق المحلي بعد فترة من الركود.
  • تحفيز رؤوس الأموال: أصبحت مشاريع الطاقة الشمسية فرصة للمستثمرين، لما توفره من مردود مستدام، وسط انخفاض الفرص الاستثمارية في التجارة والصناعة. وقد غلب على تمويل تلك المشاريع النموذج التضامني لجمع رأس المال، بالاعتماد على مساهمات مجزّئة بين عدد من الشركاء مقابل نسبة أرباح توزع حسب نسبة المشاركة. وفي هذا السياق يمكن الاستفادة من تجربة هذه المشاريع التضامنية لتكون نموذجاً ملهماً لتمويل مشاريع إستراتيجية للمنطقة ومرهقة للحكومة وكبار المستثمرين.
  • تنشيط الورش الصناعية: أدت إلى تنشيط الورش الصناعية مثل الحدادة والورش الكهربائية، ممّا ساهم في خلق فرص عمل جديدة.
  • التوظيف: تتطلب المشاريع عمالاً ثابتين للإشراف والصيانة الدورية، ممّا يوفّر وظائف دائمة كالحرّاس، وفنيي الكهرباء، وعمال تنظيف للألواح، واختصاصات أخرى. حيث يحتاج المشروع على الأقل لـ 3 حرّاس للمنشأة يحرسونها بالتناوب على مدار الساعة، ويضاف لهم مهمة تنظيف الألواح يومياً بأجر 125 دولاراً لكل حارس، بالإضافة لأعمال صيانة الكابلات والألواح، ويصل متوسط الإنفاق على أعمال الصيانة إلى حوالي 150 دولاراً شهرياً ([10]).

على الرغم من الآثار الإيجابية لمشاريع الطاقة الشمسية المُشار إليها أعلاه، إلا أن تنفيذها واستمراريتها يواجهان العديد من التحديات التي لا بدّ من الوقوف عليها ومعالجتها لضمان نجاح واستدامة هذه المشاريع. ومن بين هذه التحديات:

  • الإطار القانوني والتنظيمي: تواجه هذه المشاريع صعوبات في الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة، فضلاً عن الشروط التعسفية المفروضة من شركة الكهرباء؛ مثل عدم التزامها باستجرار الطاقة إلا عند الحاجة، ومنع بيع الكهرباء لأي جهة أخرى.
  • الاضطرابات الأمنية المتكررة: تواجه إدلب اضطرابات أمنية متكررة ما يجعلها منطقة مهددة بانهيار اتفاقات وقف إطلاق النار وعودة الهجمات من قبل النظام وحلفائه في أي لحظة. والأشد خطورة هو احتمالية أن تصبح منظومات الطاقة الشمسية أهدافاً مباشرة للقصف من قبل النظام، ما يُلحق خسائر كبيرة للمستثمرين ويؤثّر على التجربة برمتها.
  • عدم الاستفادة من الطاقة الإنتاجية الكاملة للمشاريع: تفتقر هذه المزارع إلى القدرة على تخزين الكهرباء بسبب عدم توفر البطاريات المتطورة في المنطقة، ممّا يؤثر سلباً على القدرة والكفاءة الإنتاجية للمشاريع. وتشهد المنشآت الصناعية فترات توقف موسمية خلال الأعياد وشهر رمضان وأوقات أخرى من العام، بالإضافة إلى ذلك، تؤدي حالة الركود وعدم الاستقرار الاقتصادي إلى تقليص ساعات العمل في تلك المنشآت، ممّا يزيد من الأثر السلبي على إنتاجية المزارع بسبب نقص الطلب على الكهرباء.
  • ضعف التنافسية: يواجه تصدير الفائض من الكهرباء إلى عفرين ومنطقة عمليات "درع الفرات" صعوبات كبيرة بسبب فارق السعر أولاً؛ فسعر الكهرباء للاستهلاك المنزلي في إدلب يبلغ 12 سنتاً، بينما يبلغ في عفرين واعزاز 8.5 سنتاً، ممّا يجعل عملية التصدير غير مجدية اقتصادياً. وثانياً؛ عدم قدرة شركة “GREEN ENERGY” للعمل في ريف حلب بسبب عقود الاحتكار الموقعة بين المجالس المحلية في ريف حلب وشركة "AK ENERGY" والتي تمنع دخول منافسين وتحصر إنتاج الطاقة وتوزيعها بيد الشركة العاملة هناك ([11]).
  • الارتباط بالتيار الكهربائي النظامي: من شأن توقف التيار الكهربائي المستجر من تركيا لأي سبب كان أن يعطّل آلية الاستجرار العكسي من منظومة الطاقة الشمسية، لذا مهما بلغ إنتاج واتساع المزارع الشمسية ستظل مرتبطة بوجود تيار كهربائي في الشبكة العامة.
  • التحديات المالية: قد تواجه المشاريع صعوبات مالية متنوعة مثل تكبد خسائر تشغيلية ناجمة عن ارتفاع تكاليف الصيانة الدورية بسبب الأعطال واستبدال أجزاء محددة، وتقلبات أسعار العملة المحلية وأسعار الكهرباء من قبل الشركة والتي قد تؤثر على الإيرادات، وغياب الحوافز والدعم من قبل "حكومة الإنقاذ"، والتغييرات التي قد تطرأ على السياسات الحكومية المتعلقة بالطاقة المتجددة، بسبب عدم استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية في المنطقة.

نتائج وتوصيات

ساهمت مشاريع الطاقة الشمسية في تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي من الكهرباء في إدلب خلال أوقات الذروة النهارية من الساعة 9 صباحاً وحتى الساعة 3 عصراً، ممّا قلل من الاعتماد على الكهرباء المستجرة من تركيا. وأسفرت هذه المشاريع عن تخفيض تكلفة الكهرباء للمستهلكين المدنيين والصناعيين من 21 سنتاً إلى 12 سنتاً، مما أسهم في تخفيف الأعباء المالية وتحفيز النشاط الاقتصادي في المنطقة.

ويُنتظر من شركة الكهرباء في إدلب وضمن إطار تحسين البيئة الاستثمارية عموماً والمزارع الشمسية خصوصاً، أن تخفف من شروطها التعسفية تجاه المستثمرين، وخاصة فيما يتعلق بحصر بيع الكهرباء للشركة فقط، ومراجعة سياسة تسعير الكيلوواط للصناعيين بالشكل الذي يساعد على خفض تكاليف الإنتاج ويدفع نحو مزيد من التنافسية وتعزيز القطاع الصناعي في المنطقة، وخفض سعر الكيلوواط للأهالي مراعاة للظروف الاقتصادية السيئة وانخفاض الدخل، بما يعود بالفائدة على الحركة الاقتصادية في الأسواق المحلية جراء انخفاض حصة فاتورة الكهرباء من المصاريف العامة.

وفي سبيل منع حدوث نزاعات مستقبلية بين الشركاء قد تؤدي إلى تعطل عمل المزارع وانتكاس التجربة، ينبغي على شركة الكهرباء توثيق عقود الشراكة وضمان استيفاء الاستحقاقات من جميع الأطراف المشاركة في تمويل المشاريع.

ويسهم نجاح تجربة المزارع الشمسية في إدلب إلى نقلها نحو ريف حلب بدعم من الحكومة السورية المؤقتة وبالتعاون مع المجالس المحلية، ولتحقيق أعلى استفادة ممكنة من تجربة إدلب، على الحكومة المؤقتة دراسة الجدوى الاقتصادية للاستثمار في المزارع الشمسية في كافة مناطق ريف حلب، من حيث السلبيات والإيجابيات، وفهم العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على نجاح هذه المشاريع، ووضع الأطر القانونية والتنظيمية وتوفير البنية التحتية واللوجستيات اللازمة لضمان نجاحها، واعتماد سياسات واضحة لتسعير الكهرباء.

ومن المفيد أيضاً، فتح مجال الاستثمار في كافة مصادر الطاقة، مثل تدوير النفايات العضوية من مخلفات الحيوانات والنباتات وتحويلها إلى وقود وغاز حيوي، ومزارع الرياح لتوليد الكهرباء من طاقة الرياح في المواقع المناسبة.

بقي الإشارة في النهاية، إلى ضرورة توسعة النموذج التضامني المعمول به في تمويل مشاريع الطاقة الشمسية، إذ من المهم الاستفادة من نجاح هذا النموذج ليشمل قطاعات أخرى، ممّا يفتح آفاقاً جديدة للاستثمار في المنطقة. وتنظيم ورش وندوات لنشر الثقافة الاستثمارية التضامنية في المنطقة لتعزيز أفكار الاعتماد على الذات، وخفض الاعتمادية على المساعدات الإنسانية.

أخيراً، ستؤدي مشاريع واستثمارات المزارع الشمسية في إدلب وريف حلب نحو دفع عجلة التعافي الاقتصادي في المنطقة ككل، بالشكل الذي يسهم في تحسين جودة حياة السكان، وتوفير فرص عمل، وزيادة الاكتفاء الذاتي، وتعزيز الاقتصاد المحلي.


 

([1]) تصرّح الشركة أنها موجودة منذ العام 2014 تحت مسمى “GE POWER” وأنها اندمجت في العام 2019 مع شركة “GREEN FUTURE” تحت اسم “GREEN ENERGY”، إلا أن الشركة تتبع لـ"حكومة الإنقاذ"، ويتلخص عملها في ثلاثة أنشطة: إنشاء وتنفيذ مشاريع الطاقة الكهربائية، وصيانة البنى التحتية للشبكات والمحطات الكهربائية، واستثمار وتوزيع الطاقة الكهربائية. للمزيد انظر: فائز الدغيم، الكهرباء التركية تصل إدلب على مراحل.. الأسعار والخدمات والتحديات، تلفزيون سوريا، 15/05/2021، رابط مختصر: https://bit.ly/3WdNa4E.

([2])مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية من إدلب، 26/05/2024.

([3]) مقابلة فيزيائية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية من مدينة الدانا، 03/10/2023.

([4])مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية من إدلب، مصدر سابق.

([5]) مقابلة فيزيائية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في الدانا، مصدر سابق.

([6]) عمر حاج حسين، مشاريع كهرباء استثمارية في إدلب.. هل يكتفي الشمال ذاتياً بالكهرباء؟، تلفزيون سوريا، 26/06/2023، رابط مختصر: https://cuts.top/Hbcl

([7]) مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في إدلب. مصدر سابق

([8])  المصدر السابق نفسه.

([9]) مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في إدلب. مصدر سابق.

([10])مقابلة هاتفية أجراها مساعد الباحث مروان عبد القادر مع أحد المستثمرين في مشاريع المزارع الشمسية في الدانا، مصدر سابق.

([11]) للمزيد انظر: مناف قومان، ملف الكهرباء في مناطق المعارضة: التحديات وسبل المعالجة، 8/06/2022، رابط مختصر: https://ourl.io/gC6Ko

التصنيف تقارير خاصة
فرح أبو عياده, حسن جابر
ملخص تنفيذي باستمرار الاستهداف الإسرائيلي على الأراضي السورية؛ يُفسر نأي النظام السوري عن الانخراط في…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 25
نُشرت في  أوراق بحثية 
يمان زباد
ملخص تنفيذي كان للميليشيات والفصائل في السويداء دوراً أساسياً في المحافظة منذ عام 2015، وذلك…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 11
نُشرت في  أوراق بحثية 
محسن المصطفى
أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 27 بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر 2024 ([1]) القاضي بمنح عفو…
الأربعاء تشرين1/أكتوير 30
نُشرت في  مقالات الرأي 
صبا عبد اللطيف
تتعاظم خسارات طهران لأدوات استراتيجيتها الإقليمية في المنطقة والتي كانت تساهم بتموضعها المركزي ضمن النظام…
الأربعاء تشرين1/أكتوير 16
نُشرت في  مقالات الرأي