التقارير

مقدمة

يعتبر القطاع الزراعي في سورية أحد أهم القطاعات في الاقتصاد السوري لما يوفره من أمن غذائي وفرص عمل للسكان، ورفد الخزينة المالية بالقطع الأجنبي من الصادرات. عانى هذا القطاع في المنطقة عموماً ومنطقة عمليات "نبع السلام"(1) خصوصاً صعوبات عديدة جراء الحرب وتعاقب جهات السيطرة، (تنظيم "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية" ولاحقاً "الجش الوطني") وعلى الرغم من مرور 4 سنوات من سيطرة "الجيش الوطني" لا يزال القطاع الزراعي يرزح تحت مشاكل تقلل من استقرار المنطقة وتعافيها اقتصادياً.

تسعى هذه الورقة إلى تقديم جملة من السياسات التي من شأنها تحريك عجلة القطاع الزراعي ودفعه باتجاه الفاعلية وذلك من خلال تحليل واقع القطاع وسياسات فاعليه وتحديد الفجوات والإشكاليات الرئيسية التي تعرقل حركيته باتجاه التعافي والتنمية.

واقع القطاع الزراعي في تل أبيض ورأس العين

عانى القطاع الزراعي من عدم الاستقرار بحكم تعاقب الجهات الفاعلة وتعدد أنماط الحوكمة، حيث خرجت رأس العين وتل أبيض عن سيطرة النظام أواخر العام 2012، وبقيت تحت سيطرة الجيش الحر حتى شهر حزيران 2014 إلى أن وقعت تحت سيطرة تنظيم "داعش" الذي فرض سياسات جديدة لتنظيم عملية الزراعة من قبيل تأسيس "ديوان الزكاة" وفرض ضرائب على المزارعين.
في العام 2016 سيطرت "قوات سوريا الديمقراطية" بدعم من "التحالف الدولي" على المنطقة، تبنت خلالها سياسات لدعم الزراعة، تضمنت إنشاء مديرية زراعية للإشراف على الزراعة وتنظيمها، وفتحت مصرفاً زراعياً مسؤولاً عن توزيع الإعانات الزراعية للمزارعين بأسعار مدعومة. وفي إطار توفير الموارد والدعم للمزارعين أنشأت الإدارة مؤسسة "سادكوب" لتأمين المحروقات اللازمة للزراعة، كما تم تفعيل دور مجالس البلديات في إدارة الموارد الزراعية وتنظيم النشاطات الزراعية المحلية، وتحسين التنسيق بين المزارعين والسلطات المحلية. إلا أن العقوبات الاقتصادية وصعوبات الوصول إلى الأسواق الإقليمية والدولية والنزاعات المسلحة شكلت تحديات أمام تطوير القطاع الزراعي في تلك الآونة. وعلى إثر الحرب على "داعش" نزح أهالي محافظة الرقة إلى رأس العين ليصل عدد السكان إلى حوالي 215 ألف نسمة.
وفي العام 2019، سيطر "الجيش الوطني" بدعم من تركيا خلال عملية "نبع السلام" على المنطقة الممتدة من رأس العين حتى تل أبيض، بمساحة إجمالية تقدر بـ4 آلاف كيلو متر مربع أي حوالي 3,805,000 مليون دونم، تبلغ المساحات الصالحة للزراعة منها حوالي 2 مليون دونم تقريباً، يُزرع فيها محاصيل مروية وبعلية، وتشتهر بزراعة القمح والشعير والقطن والذرة والمشمش والرمان والجوز بالإضافة إلى الفول والكمون وبعض أنواع الخضراوات.
تستحوذ رأس العين على ما يقارب 35% من الإيرادات الزراعية لمحافظة الحسكة عموماً، وتتيمز بتربتها الخصبة ووفرة المياه وجودة الإنتاج الزراعي فيها. وتبلغ مساحة الأراضي في رأس العين وريفها لوحدها ما يقدر بـ112,676 هكتاراً مقسمة بين 20,349 هكتار أراضي مروية و92,328 أراضي بعلية. وهناك أراضي عامة ملك للدولة تبلغ مساحتها 35 ألف هكتار. أما منطقة تل أبيض فتقع في أرض سهلية خصبة غنية بالينابيع التي تغذي نهر البليخ، ومنها: نبع عين العروس، نبع عين الحصان، نبع صلولع. وتعتبر بوابة المدينة "تل أبيض" أهم ما فيها، حيث اعتاش سكانها على التجارة والتهريب(2).
بعد العملية العسكرية افتقد القطاع الزراعي الموارد البشرية، حيث نزح من منطقة رأس العين أكثر من 80% من أهالي المدينة والريف المحيط بها، إلى مدن مثل الحسكة وعامودا والقامشلي والدرباسية، كما لجأ قسم منهم إلى كردستان العراق، ولم يعد إليها سوى عدد قليل لا يزيد عن 12% من مجمل السكان الذي كان يبلغ نحو 50 ألف نسمة(3) . أما في تل أبيض وتشمل المدينة وسلوك وعين عيسى وأريافها فيبلغ عدد السكان 160 ألف نسمة بحسب آخر إحصائية للمجلس المحلي في تل أبيض(4). انخفض إنتاج القمح في رأس العين وتل أبيض بين أعوام 2011 و 2021 بنسبة 63% والشعير بنسبة 40% والقطن بنسبة 47% (كما يظهر في الشكل أدناه)، ولم يصل الإنتاج إلى حدود العام 2011 من القمح والشعير والقطن والتي بلغت 179 ألفاً و201 ألف و66 ألف طن على التوالي. في حين زاد إنتاج الذرة بنسبة 82%، وهو مؤشر على اتجاه المزارعين لزراعة الذرة لعدة أسباب منها: زيادة الطلب على الذرة، وسهولة تسويقها في السوق التركية، وتهريبها إلى أسواق مناطق الإدارة الذاتية والنظام والمعارضة، وانخفاض تكاليف زراعتها مقارنة بالزراعات الأخرى(5).


إنتاج محاصيل زراعية بين 2011- 2022 في رأس العين وتل أبيض – طن

تحديات القطاع الزراعي

في ظل الواقع الحالي، يواجه القطاع الزراعي في رأس العين وتل أبيض تحديات متعددة الأبعاد. أبرز هذه التحديات يكمن في التداخل بين الأطراف الفاعلة والمؤثرة في القطاع، ممّا يعقّد عملية صنع القرار، ويؤثر سلباً على الإنتاجية والفعالية. وتفاقمت هذه التحديات بسبب الظروف الأمنية المتقلبة، ويمكن تصنيفها كما يلي:


تحديات حوكمية

يمكن تقسيم الفواعل المسؤولة عن قطاع الزراعة في كل من رأس العين وتل أبيض كما يلي:
1. المنسق التركي في ولاية شانلي أورفة.
2. وزارة الزراعة التابعة للحكومة السورية المؤقتة والمديريات التابعة لها مثل: المديرية العامة للأعلاف والثروة الحيوانية، والإدارة العامة للبحوث العلمية الزراعية. ووزارة الاقتصاد والتي يتبع لها المؤسسة العامة لإكثار البذار. والمجالس المحلية وغرف الزراعة والموارد المائية والتي تتبع نظرياً لوزارة الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة.
نشأت تداخلات في الاختصاصات وزيادة في تعقيد عملية صنع القرار نظراً لوجود عدة جهات فاعلة (كما هو موضح في الشكل أدناه). تُدار مسؤوليات القطاع الزراعي من قِبل ثلاث وزارات في الحكومة السورية المؤقتة؛ الاقتصاد، والزراعة، والإدارة المحلية، دون وجود تنسيق محوري يهدف إلى تنظيم وتطوير القطاع الزراعي ومعالجة مشاكل المزارعين. ويعد المكتب الزراعي ضمن المجلس المحلي أحد الفاعلين في القطاع، يضم عدداً من الموظفين بينهم مهندسون وفنيون في مجال الزراعة وأطباء بيطريون. ويساهم بالتخطيط ودراسة مشاريع الري والزراعة.
تمركزت التوجيهات التنفيذية في يد "المنسق التركي" في مكتب رأس العين وتل أبيض التابع لوالي شانلي أورفة، حيث حافظ على تواصلات غير رسمية مع كلا المجلسين، ووفّرت الولاية التركية الدعم المالي واللوجستي لهما لضمان استقرار المنطقة بعد العملية العسكرية، بينما ظلّ التواصل بين "المنسّق" ووزارة الزراعة في الحكومة المؤقتة محدوداً جداً(6). يوضّح الشكل أدناه حوكمة رأس العين وتل أبيض في القطاع الزراعي من وزارات ومديريات ومجالس محلية وشكل التنسيق مع "المنسق التركي".


                           شكل الحوكمة في القطاع الزراعي في رأس العين وتل أبيض، تنسيق رسمي، تنسيق غير رسمي


بالنسبة للمنظمات فقد اقتصر تواجدها على منظمات الإغاثة التركية بشكل رئيسي، حيث تتواجد "هيئة الإغاثة الإنسانية" التركية (IHH) بشكل أساسي وتقوم بمشاريع تستهدف القطاع الزراعي مثل توزيع بذور القمح والأسمدة على المزارعين ضمن خطتها لدعم الأنشطة الزراعية في المنطقة(7). في المقابل، هناك وجود محدود للمنظمات العاملة في ريف حلب ضمن منطقة "نبع السلام"، مثل "عطاء" والتي يقتصر عملها على مشاريع إغاثية مثل توزيع السلال الغذائية وأدوات التدفئة والنظافة.

تحديات اقتصادية وسياسية

أدت مجموعة من الأسباب الاقتصادية إلى تدهور القطاع الزراعي في المنطقة، تشمل ارتفاع تكاليف المواد الأولية كالمحروقات، والبذور، والأسمدة، والمحروقات، والكهرباء، وغيرها من مستلزمات الزراعة، إلى جانب عدم توفر الدعم المالي الكافي من الجهات المختصة للمزارعين وغياب أسواق محلية وخارجية فعّالة لتسويق المنتجات بأسعار مجزية، بالإضافة إلى انتشار الاحتكار وشراء المحاصيل بأسعار منخفضة.
• على صعيد التسويق: يضطر بعض المزارعين إلى بيع محاصيلهم لمكتب الحبوب التركي “TMO” جراء عدم قدرة الحكومة السورية المؤقتة على شراء كامل المحصول الزراعي(8)، ويطلب مكتب الحبوب من المزارع فتح حساب في مؤسسة البريد التركية (PTT) ليتقاضى الثمن بعد فترة تتراوح بين 20 إلى 25 يوماً. ويضطر المزارع للتعامل مع شركات خاصة مرتبطة بفصائل "الجيش الوطني" تشتري المحاصيل من المزارعين بأسعار منخفضة وتبيعها في تركيا.
• أما على صعيد تكاليف الإنتاج: تبلغ تكلفة زراعة دونمين من القمح في رأس العين حوالي 142 دولاراً لإنتاج طن واحد من القمح، مع تكاليف إضافية للحصاد، الأسمدة، الأدوية، و25 دولار محروقات، 10 دولارات أكياس، و29 دولار عمالة، و 14 دولار زكاة، ليصل مجموع التكاليف إلى 220 دولاراً لكل طن. كما يدفع المزارع 10دولارات للمجلس المحلي تحت اسم "رسم شهادة المنشأ الزراعي" عن القطن و5 دولارات عن القمح والشعير، و500 ليرة تركية كرسوم تصدير إلى تركيا(9 -10). في المقابل، يُباع الطن بحوالي 285 دولاراً، ويبقى المبلغ المتبقى ربحاً وقدره 65 دولاراً على كل 2 دونم، أي 3,250 دولاراً على الـ100 دونم، وهو مبلغٌ قليلٌ إذا قُسّمّ على مدار السنة (270 دولاراً) بالكاد يكفي احتياجات الأسرة ويغطي متطلبات المزارع للموسم القادم(11) .
• فيما يتعلق بالتحديات السياسية فقد ساهمت الضغوط الأمريكية والأوروبية وبعض الدول العربية على تركيا بعد العملية العسكرية، بآثار سلبية على اقتصاد المنطقة واستقرارها من ناحية؛ نقص المنح المالية الدولية تجاه المنطقة، وغياب صندوق الائتمان لإعادة إعمار سورية والعديد من المنظمات السورية والأجنبية العاملة في ريف حلب، على الرغم من صدور إعفاء للمستثمرين والشركات الخاصة من العقوبات الأمريكية في شباط من العام 2022 حيث شمل قانون وزارة الخزانة الأمريكية تل أبيض ورأس العين(12-13).

تحديات أمنية 

تظهر الخريطة أدناه تقاسم النفوذ بشكل غير رسمي بين فصائل "الجيش الوطني"؛ فـ"الفيلق الثالث" الذي تتزعمه "الجبهة الشامية" لديه النفوذ الأكبر على تل أبيض والمعبر مع تركيا، وتسيطر فصائل من "الفيلق الأول" على مناطق في رأس العين، وأسفر تعدد جهات السيطرة والاشتباكات بين الفصائل عن تعزيز مؤشرات الهشاشة الأمنية(14)، وتأخير استقرار المنطقة وتعافيها الاقتصادي(15).
وألقى الواقع الأمني بظلاله على وتيرة عودة السكان النازحين وبينهم المزارعون، إذ تشير الأرقام الرسمية إلى عودة 28,525 شخصاً بين أعوام 2020 وشهر آذار 2023 من تركيا أغلبهم من محافظات دير الزور والحسكة(16)، وتعد هذه الأعداد قليلة جداً لعدة اعتبارات؛ لم تسجل عودة أبناء المنطقة النازحين إلى بلداتهم ومدنهم ومزاولة نشاط الزراعة المعتاد، وتسجيل حالات تهريب الأشخاص باتجاه مناطق "الإدارة الذاتية" ومناطق المعارضة، واستمرار محالاوت التهريب لعشرات الأشخاص إلى تركيا بشكل يومي.


خريطة توزع فصائل الجيش الوطني في منطقة نبع السلام – مركز عمران للدراسات


كما أثّر انتشار فصائل "الجيش الوطني" في مدن وبلدات رأس العين وتل أبيض على القطاع الزراعي من خلال فرض ضرائب ورسوم على عبور الشاحنات التي تنقل محاصيل زراعية إلى تركيا أو من منطقة إلى أخرى مقابل 5 دولارات على كل طن؛ مما يزيد الضغط المالي على المزارعين ويؤثّر على عوائد الزراعة المالية، وانتشرت حالات الاحتكار لتجارة المحاصيل الزراعية على رأسها القمح والشعير والقطن عبر وسطاء وشركات خاصة لها ارتباطات مع الفصائل بأسعار منخفضة وأقل بـ40 دولاراً عن تسعيرة الحكومة المؤقتة في بعض الأحيان وبيعها في تركيا أو تهريبها إلى مناطق "الإدارة الذاتية" أو مناطق النظام من خلال معابر غير رسمية للتربح من الفارق في الأسعار بين مناطق النفوذ(17) ومن شأن استمرار هذه الممارسات زيادة تكاليف الإنتاج الزراعي والتأثير على مواسم الإنتاج القادمة، وتحميل المزارع أعباءً مالية تجعل من عمله غير ذي جدوى عالية.


توصيات مقترحة

تناولت الورقة الفجوات التي تعطّل فاعلية القطاع الزراعي في رأس العين وتل أبيض، تشمل هذه الفجوات عدم الاستقرار الأمني والتقلبات السياسية التي أثرت بشكل مباشر على القطاع الزراعي في المنطقة، إضافة إلى التحديات التي يواجهها المزارعون من الناحية المالية واللوجستية، مما يقلل من جدوى العمل الزراعي ويضعف قدرة القطاع على التعافي والنمو. هذه العوامل مجتمعة تشكل الأساس الذي من خلاله تم تطوير التوصيات الواردة أدناه والتي يمكن العمل عليها من قبل الحكومة السورية المؤقتة بهدف تطوير القطاع الزراعي وتعافيه، كما هو مبين أدناه:

توصيات حوكمية وإدارية

• تعزيز التواصل المباشر بين المنسق التركي والحكومة السورية المؤقتة، من خلال إنشاء لجنة متابعة مشتركة لمراقبة التقدم وتنفيذ القرارات بالإضافة لتحديد أجندة عمل مشتركة بين الجانبين بما يضمن حل المشاكل العالقة.
• تطوير استراتيجيات وسياسات شاملة من قبل وزارة الزراعة، من خلال إجراء دراسات ميدانية شاملة لتحديد احتياجات الفلاحين الفعلية، وتشكيل فرق عمل تخصصية لكل محصول (الحبوب، الفواكه، الخضار)، وإشراك المزارعين في عملية التخطيط وصنع السياسات.
• دمج مديرية إكثار البذار ضمن وزارة الزراعة لتعزيز قدرتها على توفير بذور محسّنة للمحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والقطن. وتقديم حزمة من البرامج التدريبية لمساعدة الموظفين على جمع الإحصاءات وتحليلها وتقديم مؤشرات بالمحاصيل الزراعية والأمراض التي تصيب كل محصول والتنبؤات اللازمة بالطقس.
• تأسيس نقابات وجمعيات زراعية لتسهيل نقل مشاكل المزارعين ومطالبهم إلى المكاتب الزراعية، وتعزيز التعاون ضمنمناطق المعارضة في ريف حلب. وكذلك تنظيم فعليات وورش عمل ودورات تدريبية للفلاحين.
• قطع تدخلات الفصائل العسكرية بالقطاع الزراعي والمزارعين، وإيجاد صيغة مناسبة للحد من التجاوزات. واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تهريب المحاصيل إلى مناطق "الإدارة الذاتية" أو مناطق سيطرة النظام.

توصيات اقتصادية

• إيجاد حل لمشكلة شهادة المنشأ في مناطق المعارضة بالتنسيق بين وزارة الزراعة وتركيا، ووضع معايير السلامة والجودة ومطابقتها مع المواصفات الدولية.
• إنشاء صندوق مالي زراعي تحت إشراف لجنة من التقنيين والمختصين في الداخل والخارج، يغطي كافة مناطق المعارضة، وبدعم من السوريين المغتربين، يركز على تقديم التسهيلات المالية والائتمانية للمزارعين بهدف تحسين الإنتاج الزراعي وتعزيز استدامته.
• تحفيز القطاع الخاص على تأسيس شركات استثمارية في الزراعة والصناعات الغذائية، إذ من شأن هذا أن يساهم في زيادة الإنتاج الزراعي، وتعزيز الاقتصاد المحلي، وخلق فرص عمل، ودعم ربحية المزارعين.
• تحويل البرامج الإغاثية إلى برامج تنموية مستدامة تدعم القطاع الزراعي، مثل دعم مشاريع الري الحديث، تطوير مزارع شمسية لإنتاج الكهرباء، وتبني أساليب زراعية حديثة وفعالة.
• إنشاء سوق للمحاصيل الزراعية يخدم مناطق المعارضة ككل، ويعمل على تجميع وبيع المحاصيل وفق آليات العرض والطلب، مما يساعد في ضمان استقرار الأسعار وشفافيتها.
أخيراً لا بدّ من التأكيد على تكامل حوكمة مناطق المعارضة مع بعضها، وتوحيد آليات اتخاذ القرار والعمل، من رأس العين وتل أبيض إلى ريف حلب، وتناول مشاكل القطاع الزراعي في المنطقة ككل وليس كل منطقة على حِدى، واعتبار أي كيان ومؤسسة ناشئة لأجل المنطقة برمتها. من شأن تطوير قطاع الزراعة في تل أبيض ورأس العين أن يخلق فرص عمل للسكان ويعزز الاكتفاء الذاتي من الغذاء، ويدفع عملية التعافي الاقتصادي المبكر نحو الأمام ليساهم في استقرار السكان وعودة اللاجئين السوريين من تركيا.


([1]) تقع رأس العين في شمال غرب محافظة الحسكة على مسافة 85 كم عن مدينة الحسكة، و90 كم عن مدينة القامشي، يبلغ عدد سكانها حوالي 177 ألف نسمة حسب إحصاء العام 2004، أما مدينة تل أبيض فتقع في منطقة الجزيرة على بعد 100 كم عن مدينة الرقة ويقدر عدد سكانها بنحو 75 ألف نسمة، وتتصل بتركيا عبر معبر تل أبيض.

([2]) ماذا تعرف عن مدينتي تل أبيض و رأس العين؟، راديو روزنة، 12/10/2019، رابط مختصر: https://cutt.us/8w1D5

([3] ) نينار خليفة، برسم المحاسبة.. انتهاكات “ممنهجة” تطال الملكيات العقارية في رأس العين، عنب بلدي، 26/9/2020، رابط مختصر: https://cutt.us/LP2FQ

([4]) مقابلة هاتفية مع مدير معبر تل أبيض فايز القاطع بتاريخ 18/12/2023.

([5])  مقابلات هاتفية أجراها الباحث مع مدير دائرة الزراعة في رأس العين عمر المحمود، ومدير دائرة الزراعة في تل أبيض نايف الحمد، في تاريخ 10/01/2023.

([6]) مقابلات أجراها الباحث مع وزير الزراعة في الحكومة السورية المؤقتة هايل الكلش، ومدير دائرة الزراعة في المجلس المحلي برأس العين عمر المحمود بتاريخ 13/1/2023.

([7]) الإغاثة التركية توزّع بذور القمح على المزارعين شمالي سوريا |فيديو، تلفزيون سوريا، 12/07/2021، رابط مختصر: https://bit.ly/41vAU0s

([8])  من يشتري محصول القمح والشعير في رأس العين، عنب بلدي، 21/06/2020، رابط مختصر: https://cutt.us/ouYkc

([9])  مقابلة مع مزارع في رأس العين، ومدير دائرة الزراعة في رأس العين عمر المحمود أجراهما الباحث في تاريخ 10/01/2023.

([10] )  مزارعو رأس العين وتل أبيض: الخندق في أرضنا والرسوم تلاحقنا، عنب بلدي، 25/06/2023، رابط مختصر: https://cutt.us/wVDSv

([11]) مقابلات أجراها الباحث مع مزارعَين من رأس العين وتل أبيض في المنطقة في تاريخ 15/12/2022.

([12]) أمريكا تفرض عقوبات على تركيا.. وتلوح بالمزيد في حال استمرار "نبع السلام"،سي ان ان العربية، 15/10/2019، رابط مختصر: https://cutt.us/NqcSK

([13]) بينها السعودية والإمارات.. دول عربية تدين عملية “نبع السلام”، عنب بلدي، 10/10/2019، رابط مختصر: https://cutt.us/vzHvu

([14]) بلغ عدد عمليات الاغتيال والتفجيرات في المنطقة خلال العام 2022 نحو 26 عملية، أسفرت عن وقوع 111 شخصاً بين قتيل وجريح استخدمت خلالها العبوات الناسفة والطلق الناري كأداة للتنفيذ، انظر راتب بوطة، انظر تقارير مركز عمران للدراسات، الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى كانون الأول 2022، رابط مختصر: https://rb.gy/vee622 و https://rb.gy/blku1c

([15]) خالد الخطيب، تنافس الفصائل يؤخر استقرار منطقة "نبع السلام"، تلفزيون سوريا، 2/05/2020، رابط مختصر: https://rb.gy/cdqtm6  

([16])  مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع مدير معبر تل أبيض فايز القاطع في تاريخ 4/03/2023.

([17]) مقابلة مع مزارع في رأس العين أجراها الباحث في تاريخ 25/12/2022.

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • هدفت الدراسة إلى تسليط الضوء على الواقع الحالي للقطاع المالي، وملامح السياسة المالية ضمن المناطق الخاضعة للنفوذ التركي في الشمال السوري، والتعرف إلى طبيعة العلاقات المالية بين هذه المناطق والمناطق المجاورة لها، إلى جانب محاولة تشخيص التطور التدريجي للخدمات المالية المقدمة للأفراد والمؤسسات منذ عام 2017، ومدى مناسبة وكفاية هذه الخدمات لحاجات المجتمعات المحلية. كما هدفت إلى التعرف إلى أدوار الفاعلين الرئيسيين في هذا القطاع، والجهود المبذولة من قبلهم في تعافيه. وتشخيص واقع التنسيق والتعاون بين هؤلاء الفاعلين من أجل حوكمة عمل هذا القطاع والخطوات المتخذة من قبلهم لتأمين متطلبات ذلك.
  • يسود نمط اللامركزية المالية الواسعة في مناطق النفوذ التركي، فكل مجلس محلي مركزي يتبع في عمله لولاية تركية مختلفة، وله سياساته وأسلوبه وقوانينه الخاصة بالإدارة والتنظيم والتراخيص وغيرها، ما أثر بشكل عام على حوكمة القطاع المالي في هذه المناطق، وأضعف الفاعلية والتنسيق بين هذه المجالس.
  • في مناطق هيئة تحرير الشام لم تتمظهر حالة المركزية الواسعة والسطوة الأمنية الكبيرة للهيئة في شكل مؤسساتي محوكم ذي سياسات تنموية مستدامة في القطاع المالي، تراعي متطلبات الظروف التي تعيشها المنطقة، بل غلب عليها السياسات المصلحية التي تحاول تسخير الفرص الاقتصادية في القطاع المالي لصالح شبكة من المتنفذين في السلطة الحاكمة، وإلباس هذه السياسات لبوس المصلحة العامة.
  • يظهر جلياً الدور المركزي للمجالس المحلية عبر مكاتبها المالية، من حيث وجود علاقة بمستوييها القوي والمحدود مع جميع الفواعل في القطاع المالي، في نطاق حدود نفوذ المجلس جغرافياً. ما يؤشر لضرورة التفكير في صياغة نموذج مناسب يتجاوز الشكل القائم فيما يرتبط بالواقع الحالي لحوكمة القطاع المالي، بحيث يتم سن الضوابط والتشريعات التي تستهدف تنظيم التشابك القائم بين هؤلاء الفواعل، وتحديد أدوار كل منهم في القطاع المالي بشكل رسمي.
  • إن غياب هيكل تنظيمي مشترك بين هذه المجالس المركزية، على شكل كيان مالي موحد يُعهد إليه إصدار لوائح وقوانين وتشريعات مالية موحدة، ساهم بشكل كبير في تعزيز اللامركزية المالية القائمة حالياً بشكل لا يتناسب والمساحة الجغرافية لهذه المنطقة وعدد سكانها وتوزعهم، إلى جانب محدودية مواردها، وصعوبة فصل اقتصادات هذه الوحدات الإدارية عن بعضها بعضاً، أضف إلى ذلك الاستقرار النسبي على المستويين الأمني والاقتصادي.
  • ثمة تحديات سياسية وإدارية أسهمت تردي حوكمة القطاع المالي، ومن بينها المقاربة التركية التي أقرت بدور المجالس المحلية ككيانات حوكمية فرعية، لكل منها استقلاليته الكاملة، مع تحجيم دور الحكومة السورية المؤقتة عبر وزارة الاقتصاد والمالية، ما عمق من القصور في ضبط القطاع المالي وتأخر حوكمته، إذ ما تزال هذه الكيانات تفتقد الأدوات الممكنة لها لضبط الواقع الحوكمي في هذا القطاع، إلى جانب وجود تحديات تفرضها البيئة المحلية على حوكمة القطاع المالي في هذه المناطق، في جوانبها الاقتصادية والأمنية والقانونية والتكوين المجتمعي، والتي أسهمت أيضاً في تأخر تعافي القطاع المالي وحوكمته.

للمزيد: https://bit.ly/44Fx0TO 

 
التصنيف الدراسات

قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد العبدالله تصريحاً صحيفة الاستقلال، ضمن تقرير بعنوان: "رغم التقارب الدبلوماسي.. لماذا يخشى العراق إعلان دعمه لنظام الأسد؟. شخص فيه الباحث أسباب إحجام الحكومة العراقية عن تقديم الدعم المادي لنظام الأسد رغم الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه، في حين تُظهِر تأييدها السياسي له على المستوى الرسمي.

رابط المصدر: https://bit.ly/33UJb47

 

تمهيد

يشهد قطاع الزراعة في مناطق المعارضة إشكالات عدّة منها ارتفاع كمية المعروض الزراعي بشكل يفوق الطلب المحلي أمام ضعف القوة الشرائية للمواطن وافتقار البيئة المحلية لمصانع غذائية تستوعب الفائض، فضلا عن قلة قنوات التصدير الخارجية، وانخفاض الأسعار مقابل ارتفاع تكاليف الإنتاج ما يؤدي إلى مشاريع بدون جدوى، ولا تزال حركة التصدير إلى تركيا بالحد الأدنى من حيث الحجم والاستمرارية، حالت هذه الإشكاليات كلها دون تعزيز الإنتاج الزراعي وتوظيف القوة العاملة على مدار السنوات القليلة الماضية، ولم تنفع الديناميات الحوكمية الراهنة في إيجاد حلول جذرية لتلك الإشكالات ما وضع المزارع أمام خسائر متراكمة انعكست عموماً على تطور القطاع الزراعي.

تطرح ورقة التوصيات التالية بعد محاولتها تفكيك الإشكالات المعرقِلة للتنمية الزراعية، اختبار توصية مباشرة من شأنها تحقيق حد أدنى لتطور للقطاع الزراعي وخلق مساحات تحرك جديدة تساعد في بلورة حلول ناجعة.

إشكالياتٌ متراكمة

تتلخص الإشكالات التي يعاني منها قطاع الزراعة سواءً من حيث العرض أو الطلب بما يلي:

ساهم عدم حساب قدرة السوق الاستيعابية (الطلب) من المحاصيل الزراعية في تزايد الخسائر المالية للفلاحين وعدم جدوى الزراعة أصلاً، كما في محصول البصل والبطاطا مثلاً، حيث قدّرت المؤسسة العامة لإكثار البذار الفائض من إنتاج البصل المحلي حوالي 25% ومن البطاطا 19% من إجمالي الإنتاج، وبالكاد يربح المزارع 100 دولار في الهكتار الواحد بدون احتساب أتعابه في مادة البصل، بينما تبلغ خسارته 1668 دولار في الهكتار الواحد من زراعة البطاطا، بحسب دراسة تقديرية للمؤسسة العامة لإكثار البذار في 2020.

ولا يعد تصدير منتجات زراعية من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام أمراً سهلاً وذو جدوى بسبب ارتفاع تكاليف النقل والإتاوات على الطريق، ففي الوقت الذي يبلغ كيلو البصل في منطقة الباب 200 ليرة يصل إلى سوق الهال في دمشق بحوالي 500 ليرة للكيلو ([1]). أما صادرات مناطق المعارضة إلى تركيا فلا تزال أرقامها غير مشجعة على الإنتاج، إذ صدّرت مناطق المعارضة في حزيران 2018 نحو 4000 طن بطاطا إلى تركيا فيما يبلغ الإنتاج المحلي للبطاطا في مناطق المعارضة قرابة مليون طن. وتجدر الإشارة إلى محدودية أدوار المجالس المحلية في دفع حركة التصدير (المتواضعة) إلى تركيا، فعادةً ما تُبدي الجهات التركية اهتماماً باستيراد سلعاً مثل العدس، والحمص، والفستق الحلبي، والرمان، والكرز، والبطاطا والبصل، بحسب حاجتها وبعد إبلاغ المجالس المحلية التي تقوم بدورها بلعب وساطة بين الحكومة التركية والمزارعين ([2]).

من جهة أخرى؛ لم تُسهم إجراءات أجسام الحوكمة القائمة في ضبط ميزان السوق بين السلع المورّدة من الخارج مع السلع المنتجة محلياً، ما أدى إلى إغراق السوق المحلية بمنتجات ومحاصيل مستوردة أضرّ بالمنتج المحلي. لا سيما بعدما خفضت الحكومة المؤقتة في شهر آذار 2021 الرسوم الجمركية على البضائع التركية الداخلة إلى مناطق ريف حلب عبر معبر السلامة والراعي وجرابلس والحمام وتل أبيض ورأس العين، كما يُظهر الجدول التالي ([3])

أيضاً لا يمكن – بطبيعة الحال – إغفال عدة إشكاليات ضاغطة على قطاع الزراعة كجفاف منابع التمويل وأثره المسحوب على قطاع الصناعة والتي تضم الصناعات الغذائية على مختلف أنواعها، وارتفاع تكلفة المواد الأولية وعلى رأسها حوامل الطاقة من كهرباء ومياه ومحروقات، وإغلاق الطرقات، فضلاً عن انخفاض القوة الشرائية لدى المواطنين. ناهيك عن ارتباط كل ذلك ببيئة أمنية قلقة وبإشكاليات مرتبطة في مسألة المياه وجفاف المياه الباطنية في مدينة الباب وحفر آبار عشوائية تستنزف المخزون الاستراتيجي للمياه، والعمليات العسكرية المتكررة التي تقضم مساحات زراعية واسعة.

التجمع الفلاّحي خطوةٌ دافعة

للتخفيف من عبء الإشكالات الواردة أعلاه فإنه ينبغي التوجه إلى دعم مقاربة العمل المدني اللا حكومي لقطاع الزراعة، والتي من شأنها تعزيز وتثمير التواصل مع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية ووضع خطة لضبط الإنتاج الزراعي واتخاذ قرارات حاسمة لتحقيق المصلحة الوطنية واستدامة الإنتاج المحلي ورأس المال الزراعي.

وفي سبيل تحقيق هذا يمكن إنشاء "جمعية الزراعة الوطنية" National Agriculture Authority اختصاراً NAA؛ وهي جمعية زراعية مدنية غير ربحية تضم المزارعين والنقابات الفلاحية المنتشرة في المنطقة. تُوظّف خبرات وكفاءات وطنية وتبني علاقات وشبكات اتصال مع المؤسسات العاملة؛ كمديرية الزراعة في الحكومة السورية المؤقتة، ومؤسسة إكثار البذار، والمجالس المحلية، واتحاد الغرف التجارية والصناعية، والمنظّمات الإغاثية. وتعمل على وضع خطة متكاملة لإدارة قطاع الزراعة، كمّاً ونوعاً، عرضاً وطلباً، تعتمد علامة تجارية للمحاصيل الزراعية المحلية، ومواصفات صحية وإدارة جودة مُطابقة للمواصفات العالمية، كما يصدر عنها تقريرٌ ربعي، يحمل بين طيّاته مؤشراً اقتصادياً لقياس حجم النمو في القطاع الزراعي لتعزيز قيم الشفافية.

وتتكون الجمعية كما يظهر في الشكل أدناه: من هيئة عامة تضم مزارعين ونقابات فلاحية من كل مدينة وبلدة، ينتخبون إدارة عامة، تعمل الأخيرة على تأسيس مكتب قانوني؛ للاهتمام بشؤون التراخيص الزراعية وحقوق الملكية وضبط عملية الاستثمار وإصدار الصكوك وضبط المخالفات، ومكتب تسويقي؛ لترويج المنتجات والمشاريع للمستثمرين الأفراد والمؤسسات والتفاوض مع الحكومات وتوقيع مذكرات التفاهم وبروتوكولات العمل لتسويق المحاصيل الزراعية وتأمين قنوات تصريف، ومكتب إدارة الإنتاج؛ يُعنى بحجم ما سيتم زراعته وتوزيعه على القنوات المختلفة من استهلاك محلّي للغذاء وصناعات غذائية وتخزين وتصدير، أما المكتب المالي فهو المسؤول عن حركة التقابض والسيولة المالية والعملية التمويلية والائتمانية.

ويمكن للجمعية العمل على أربعة محاور كخطة أولية كما يلي:

  • علامة تجارية مسجلة للزراعة السورية

يتضمن هذا المحور تأطير العملية الزراعية وهيكلة القطاع الزراعي برمته، وإصدار شهادة للمزارع تعبيراً عن ثقة الجمعية والمجتمع به وتقديراً لجهوده، وتتيح هذه العملية إحصاء كافة المزارعين ومتابعتهم بشكل حثيث والعمل على حل مشاكلهم والاستماع لشكاويهم. والخطوة الأخرى ختم المحصول بـ"دمغة" خاصة بالجمعية للدلالة على أن المنتج مطابق للمواصفات الصحية والزراعية العالمية وخاضع لرقابة الجمعية وثقتها، ومن شأن هاتين الخطوتين تحفيز المزارع للعودة إلى أراضه واكتساب ثقة أكبر بعمله وبمنتجه.

  • ضبط عملية الإنتاج

عدم حساب نقطة التعادل بين عرض المنتج وطلبه سيؤدي إلى ارتفاع أو انخفاض في الأسعار بشكل كبير، لذا ستعمل الجمعية مسبقاً على حسابات دقيقة لتحديد كمية الإنتاج بالنظر إلى حجم الطلب سواءً للاستهلاك أو التصنيع أو التصدير، كما ستعمل الجمعية في هذا الإطار لإدارة تكاليف عملية الإنتاج والحؤول دون خسارة المزارع في نهاية المطاف.

  • حماية المنتج المحلي

إصدار توصيات ورفعها للحكومة المؤقتة والفاعلين بالمجال الحوكمي لسن سياسات حمائية تحد من استيراد أي منتج مشابه لمواصفات المنتج المحلي، تجنباً لإغراق الأسواق والإضرار بالمنتج المحلي، وفرض ضرائب ورسوم على المنتج المستورد الشبيه بالمنتج المحلي، ومن شأن هذا حماية المنتج المحلي ورفع تنافسيته وتنويع الأسواق.

  • تسويق المنتج

ستعمل الجمعية في سياق عملية التسويق على بندين، الأول: مرتبط بالأساس القانوني للعقود والمواثيق التي تُبرم بين أي طرفين وفق الأطر القانونية المعمول بها في التسويات الدولية. والثاني: تعزيز أوراق القوة والتفاوض مع تركيا حول الواردات والصادرات من وإلى مناطق المعارضة وعبور المنتجات المحلية عبر الأراضي التركية لتصديرها للخارج.

  • تطوير بيئة التمويل والدفع

عدم توفر مؤسسات مالية مثل البنوك في مناطق المعارضة ساهم في تجفيف منابع الائتمان وهشاشة بيئة التمويل والدفع وألقى بظلاله على حركة سعر الصرف والأسعار، وعليه سيكون لزاماً على جمعية الزراعة الوطنية تصميم برنامج مالي ينظّم العملية الائتمانية والتمويلية، وتوقيع بروتوكولات عملٍ مع المنظمات والشركات والمصارف وفتح اعتمادات بنكيةٍ في تركيا ودولٍ أخرى بهدف تيسير عملية الدفع والاستلام، وإصدار صكوك مزارعة([4]) خاصة تُباع لمستثمرين سوريين في الداخل والخارج بضمانة الجمعية والمشروع الزراعي، فضلاً عن توجيه الأموال نحو دعم قطاع الصناعات الغذائية وصناعات متنوعةٍ في قطاع الزراعة.

خاتمة

لابد أن ولادة جسم جديد على شاكلة ما تقدم "جمعية الزراعة الوطنية" سيكون تحدياً كبيراً للمجتمع المحلي ولكن حساب تكلفة إنشاء الجسم والعملية برمّتها، ستكون ولا شك أقل من حالة الاستنزاف الحاصل في قطاع الزراعة، وستقطف المنطقة ثمار هذا العمل لا من خلال إيجاد أسواق قريبة وبعيدة لتصريف المنتجات وحسب، بل عبر زيادة الثقة بالمنتج السوري، وتنظيم العملية الإنتاجية للزراعة، وتمويل منشآت ومعامل غذائية، وإيجاد سلسة توريد محلية للمنظمات والشركات العاملة في الداخل عوض الاعتماد على الخارج، وأخيراً دفع عملية التعافي الاقتصادي المبكر نحو الأمام وصناعة نموذج حوكمي للمعارضة قادر على صناعة "الاستقرار".  

 

 

 ([1]) الفلاح يبيع كيلو البصل بـ 200 ليرة وكلفة نقله إلى دمشق 300 ليرة، تلفزيون سوريا، 26-1-2021 رابط: https://bit.ly/3CSLdyA

([2])Turkey starts importing potato from war-torn Syria, 27-6-2018, link: https://cutt.ly/zRC8lhw

([3]) “الحكومة المؤقتة” تعلن تخفيض الرسوم الجمركية للبضائع التركية، موقع السورية نت: 14-3-2021، رابط: https://cutt.ly/XRC3zs3

([4] الصكوك: أوراق مالية من أدوات التمويل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يرتبط الصك بمشروعات محددة وفرص استثمارية قائمة فعلياً أو قيد الإنشاء، ويساوي الصك قيمة حصة في ملكية ما ويحصل حامله على أرباح والحق في المشاركة بالإدارة ورأس المال والتداول، ومن بين أنواع الصكوك، صك المضاربة، والمرابحة، والاستصناع، والمساقاة، والمزارعة، والإجارة، والخدمات، وغيرها. 

التصنيف أوراق بحثية

ملخص تنفيذي

  • تم تنفيذ 870 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، خلال النصف الأول من 2021، بارتفاع 7% عن النصف الثاني 2020 أو بواقع 58 مشروعاً. وفي رصد لأعداد المشاريع في التعافي الاقتصادي المبكر أظهر التقرير تنفيذ 3304 مشروعاً بين 2018 و2021 في مناطق المعارضة.
  • استحوذ قطاع التجارة على النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة بواقع (185 مشروعاً) ثم قطاع المياه (182مشروعاً) ويليه قطاع النزوح الداخلي بواقع (143 مشروعاً)، وقطاع النقل والمواصلات (141 مشروعاً).
  • يلحظ التقرير قضايا عدة منها ارتفاع الأعمال المنفّذة في إدلب وريفها بواقع 51% لإدلب (448 مشروعاً) مقارنة بالمشاريع المنفّذة في حلب وريفها بواقع 49% (434 مشروعاً)؛ بالإضافة إلى استمرار التعاون والتنسيق بين المجالس المحلية والمنظمات العاملة فقد تم عقد 13 مذكرة تفاهم في مجالات عدة، بينها بناء مدرسة شرعية في بزاعة بين المجلس المحلي ومنظمة صكاريا. كما تلمّس التقرير ارتفاع فرص العمل التي تركز معظمها في القطاع الطبي وقطاع النزوح الداخلي لتنفيذ أعمال متعلقة بالمخيمات والبنية التحتية الخاصة بها، إذ تم تسجيل 1030 فرصة عمل تتراوح مدة الالتزام بها بين شهر و6 أشهر وسنة.
  • من بين نقاط الضعف التي أوردها التقرير عدم ذكر المنظمات والمجالس المحلية لتفاصيل الأعمال المنجزة ما يضيف ضبابية على عملية الرصد والتحليل، وبناء مناطق صناعية وأسواق "هال" تجارية قبل تأمين بيئة قانونية وضبط السياسات العامة والقوانين اللازمة لجذب الأموال وأصحاب المعامل والمصانع.
  • ومن بين نقاط القوة التي لحظها التقرير؛ استمرار العمل على مشاريع إنارة الطرقات وتركيب أنظمة طاقة شمسية لتوليد الكهرباء في مئات المنازل بالمنطقة، فضلاً عن تعبيد وتأهيل المزيد من الطرقات والساحات والأسواق، بالإسفلت وحجر الأنترلوك، وكذلك زيادة أعداد المناقصات والعطاءات في قطاع التجارة.
  • ويوصي التقرير بتوجيه المجالس المحلية المنظمات لبناء مجمعات سكنية، ونقل النازحين إليها بشكل منظّم، ووفق خطة ممنهجة يتم التخلص من المخيمات بعد فترة محددة، وبدء المجالس المحلية عملية تنظيم متكاملة لأوراق ومأسسة قطاعات الصناعة والزراعة والتمويل بما يسهم في تنظيم عملها أكثر، وإعطاء هوية أوضح للمنطقة، وتدفق أموال الاستثمار في المشاريع.

 

حول التقرير: المنهجية والأدوات

يحاول تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة في مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب استكمال ما بدأه منذ النصف الثاني لعام 2018 عبر رصد نشاطات الفاعلين من مجالس محلية ومنظمات خلال النصف الأول لعام 2021 بين كانون الثاني وحزيران. ويهدف التقرير لتشخيص وفهم ثلاث أذرع ضمن التعافي الاقتصادي المبكر وهي:

  1. حركية النشاطات والأعمال المنجزة في المنطقة المحددة وبالتالي قياس تطور الاقتصادات المحلية ومقارنة المناطق والقطاعات مع بعضها بعضاً؛
  2. قدرة الفواعل على إيجاد بيئة آمنة للعمل والاستثمار تؤدي إلى خلق فرص عمل والقيام بأعمال ونشاطات متنوعة وتحريك الطلب المحلي؛
  3. قدرة المجالس المحلية على لعب دور حوكمي وتوقيع مذكرات تفاهم مع الشركات والمنظمات تسهم في رفد عملية التعافي المبكر بالنشاطات اللازمة؛
  4. معرفة حجم ما تصدره المجالس من تشريعات وقرارات وتعميمات والدور التشريعي الذي تلعبه المجالس في مأسسة العمل، وضبط آليات العمل فيها.

وتتشكل أهمية هذا التقرير من قدرته على تشخيص حركة الإنجاز في المشاريع الاقتصادية والتنموية المنفّذة بعموم المناطق التي يتم رصدها وتقييم الإيجابيات والسلبيات، مما يشكل دافعاً وإسهاماً لصنّاع القرار والفواعل لتوجيه الدعم وسد الثغرات في القطاعات الاقتصادية.

ركّز التقرير خلال عملية الرصد على المدن الرئيسية والبلدات المبين في الجدول رقم (2) التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً، ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي، كما تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للمجالس المحلية والمنظّمات العاملة على "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية الموضّحة بالجدول رقم (1)، وفق معادلة رصد مضبوطة تؤمّن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين، المستوى الأول مستوى القطاعات الاقتصادية، والثاني وفقاً للمستوى الجغرافي.

يوضّح الجدول أدناه خارطة الفواعل التي يرصد التقرير أنشطتها التنموية والخدمية والاقتصادية

 

 كما يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:

 

أولاً: مؤشرات التعافي الاقتصادي المبكر في النصف الأول من عام 2021

تم تنفيذ 870 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، بارتفاع عن النصف الأول بنسبة 7% أو بواقع 58 مشروعاً. وحسب الشكل رقم (1) فإن النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة كانت ضمن قطاع التجارة (185 مشروعاً) وقطاع المياه والصرف الصحي (182مشروعاً) وقطاع النزوح الداخلي (143 مشروعاً) وقطاع النقل والمواصلات في المرتبة الرابعة بواقع (141 مشروعاً) وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية خامساً (64 مشروعاً).

ارتفعت الأعمال المنفّذة في إدلب وريفها كما يظهر في الشكل رقم (2) بواقع 51% لإدلب (448 مشروعاً) على المشاريع المنفّذة في حلب وريفها بواقع 49% (434 مشروعاً).

وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة، فقد حلّت مدينة إدلب في المرتبة الأولى (131 مشروعاً) في المؤشر، وجاءت مدن الدانا (89 مشروعاً) والباب (81 مشروعاً) في المراتب الثانية والثالثة على التوالي إضافة إلى اعزاز وسرمدا وعفرين، ويعود تركز المشاريع في هذه المدن إلى عوامل عدة لعلّ أبرزها تمركز معظم المنظمات المحلية والأجنبية فيها، وحجم الكثافة السكانية سواءً لأهل المنطقة والنازحين فيها، واحتوائها على أسواق تجارية ومعامل، ومن جانب آخر احتضانها لمخيمات ومساكن نازحين.

 

ويُظهر الشكل أدناه النسب المئوية لكل قطاع من القطاعات الأحد عشر التي تم رصدها، فقد حاز قطاعا التجارة والمياه على نسبة 21% من إجمالي المشاريع (870 مشروعاً)، و17% لقطاع النزوح الداخلي، و16% لقطاع النقل والمواصلات، فيما تباينت القطاعات الأخرى بين 3 و7%.

 

وفيما يخص القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية في القطاعات المرصودة، بلغت عدد القرارات في هذه الفترة 36 قراراً وتعميماً في القطاعات كافة، ومن بين أبرز القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية خلال هذه الفترة: منع تداول الليرة السورية فئة 2000 و5000 ليرة في مارع، ومنع المكاتب والمطابع بيع كتب ومذكرات ولوازم قرطاسية تشير إلى النظام وشعاراته وعباراته، وتنبيه المنشآت والعاملين في القطاع الصحي والرياضي للحصول على رخصة في الباب وأخترين، وتأسيس جمعية مصنعي الأحذية والمنتجات الجلدية في الراعي، وتفعيل رقم خاص لاستقبال الشكاوى ضد ارتفاع الأسعار في قباسين.

وتم عقد 13 مذكرة تفاهم في عموم المنطقة بينها: بناء مدرسة شرعية في بزّاعة، ومذكرة بين المجلس المحلي لسرمدا وجامعة الشمال الخاصة، ومذكرات عدة بين جامعة حلب الحرة وجامعات تركية ومراكز دراسات تهدف لتطوير الجامعة والعملية التعليمية. كما ارتفعت فرص العمل إلى 1030 فرصة، بنسبة 8% عن النصف الثاني 2020، جلّها عقود مؤقتة بين شهر و6 أشهر وسنة، تركزت في القطاع الطبي والنزوح الداخلي لتنفيذ أعمال متعلقة بالمخيّمات والبنية التحتية الخاصة بها.

استحوذ قطاع التجارة على المرتبة الأولى ضمن مؤشر التعافي بواقع 185 مشروعاً، أقل بـ8 مشاريع عن النصف السابق، حازت فيه إدلب على المرتبة الأولى بنحو 62 مشروعاً. يدفع حجم المناقصات لتوريد سلع وخدمات من قبل المنظمات في زيارة أعداد المشاريع في هذا القطاع، مثل توريد المياه والمازوت والمعدّات الكهربائية وطباعة الكتب وتوريد قرطاسية وتجهيزات عديدة أخرى.

 

وفيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي تم تنفيذ 182 مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل أدناه، بارتفاع 17 مشروعاً عن النصف السابق. وتربّعت مدينة الدانا في إدلب على رأس القائمة بواقع 30 مشروعاً، بعدها مدينتي سرمدا (17 مشروعاً) وعفرين (17 مشروعاً) وبعدها اعزاز وإدلب بواقع 15 و14 مشاريع لكل منهما.

 

وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي، حافظ هذا القطاع على معدل مرتفع للمشاريع بالمقارنة مع الفترات السابقة، بواقع 143 مشروعاً ما نسبته 17% من مجموع المشاريع المنجزة، وبارتفاع 24 مشروعاً عن النصف السابق، وحازت فيه كل من إدلب، وأطمة، وسرمدا على المراتب الثلاثة الأولى في المؤشر، نظراً لكثافة أعداد النازحين والمخيمات فيها، وشملت الأعمال تقديم خدمات البنية التحتية في المخيمات وترميم المنازل لتحسين الظروف المعيشية للنازحين القاطنين فيها.

 

ارتفعت أعمال قطاع الكهرباء في هذه الفترة عن النصف السابق بواقع 24 مشروعاً، إذ تم تنفيذ 43 مشروعاً في المنطقة. جاءت مدينة الباب على رأس القائمة بـ7 مشاريع وبعدها بزاعة، والراعي، تم خلالها إيصال الكهرباء للبلدات والمدن وتأهيل البنية التحتية في الكهرباء فضلاً عن إنارة الطرقات وصيانة المحوّلات، وتركيب طاقة شمسية في طرقات البلدات والمدن.

 

أما قطاع النقل والمواصلات فقد شهد تنفيذ 141 مشروعاً في المنطقة أقل بـ 13 مشروعاً عن النصف السابق في 2020، وحازت الدانا وقباسين وأخترين وسرمدا على المراتب الأربعة الأولى كما يظهر في الشكل أدناه. ومن بين المشاريع المنفذة استمرار رصف الطرقات والساحات بحجر الأنترلوك في العديد من البلدات والمدن مثل اعزاز، وأخترين، وعفرين، وقباسين، والدانا، وغيرها، كما تم تنفيذ تعبيد طرقات بالإسفلت مثل طريق اعزاز – كفركلبين، وطرق المحلق الشمالي في بزاعة، وتوسيع طريق بين إسقاط وحارم، وطريق بين سرمدا والدانا، ودير حسان والدانا، وطريق في كفرلوسين، وإصلاح طرقات بالبحص في سرمدا وأطمة والعديد من البلدات الأخرى.

 

سجّل قطاع الإسكان والتعمير تنفيذ 52 مشروعاً بزيادة 13 مشروعاً عن النصف السابق، وبقيت مدينة الباب في قمة المؤشر بواقع 25 مشروعاً كما يظهر في الشكل أدناه، واستمرت مشاريع نقل المخيمات إلى مجمعات سكنية مؤلّفة من مبانٍ  عدة تتسع لمئات العائلات ومجهّزة بكافة الخدمات، كما حصل في إدلب واعزاز والباب وحارم، بإشراف العديد من المنظمات بينها؛ منظمة إحسان للإغاثة والتنمية، وفريق ملهم التطوعي، ومنظمة بنيان، ومنظومة وطن، ومن بين المشاريع المهمة التي تم تنفيذها، ترميم السوق العام في اعزاز وبناء المنطقة الصناعية في جرابلس واعزاز والراعي، وتشييد مبنى الحكومة السورية المؤفتة في الراعي، وبناء سوق بديل عن البسطات في إدلب، وسوق شعبي يتضمن 50 نقطة بيع في سرمدا.

 

فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 26 مشروعاً أقل بـ 7 مشاريع عن النصف السابق، فقد نُفذت 3 مشاريع في كل من بزّاعة واعزاز والباب، ومن بين المشاريع التي نفّذت؛ إنشاء وترميم مدارس وجامعات ومشافٍ ومستوصفات ومراكز صحية ومرافقها وصالات ومراكز صحية.

 

بالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 64 مشروعاً بزيادة 8 مشاريع عن النصف السابق، بينها توزيع علف وبذار وسماد وتلقيح أغنام وأبقار في المنطقة تهدف إلى دعم الثروة الحيوانية في المنطقة ومساعدة الأهالي في تكاليف المواد الطبية، وكانت كل من عفرين وإدلب وريف حلب وقباسين في المراتب الأربعة الأولى ضمن هذا القطاع.

وفيما يتعلق بقطاع التمويل، تم تنفيذ 27 مشروعاً أقل بـ4 مشاريع عن النصف السابق، حازت فيه مدينة الباب على المرتبة الأولى، ومن بين المشاريع التي يتم تنفيذها في هذا القطاع، النقد مقابل العمل التي تستهدف أعمال النظافة العامة والمشاريع الخدمية، وتأسيس مشاريع تجارية صغيرة للمستفيدين، وطرح مزادات لاستثمار محال وصالات تجارية.

تم تنفيذ 6 مشاريع في قطاع الاتصالات، بينها تمديد الخط الضوئي إلى صوران واعزاز ومارع وإصلاح نقاط عدة من الكبل، وتركيب كاميرات مراقبة في شوارع أخترين، وتوسيع شبكة النت والهاتف في قباسين وإدلب. أما في قطاع الصناعة فقد تم تنفيذ مشروع واحد فقط في مجال تصنيع كمامات في ريف حلب.

أخيراً، يمكن القول إن النصف الأول من 2021 شهد تطوراً ملحوظاً في أعداد المشاريع المنفّذة، إذ ارتفعت المشاريع من 812 مشروعاً في النصف الثاني 2020 إلى 870 مشروعاً في النصف الأول 2021، بنسبة 7%. وبقي تركز المشاريع في قطاعات التجارة والمياه والنقل والنزوح الداخلي، وللمرة الثانية تجاوزت محافظة إدلب ريف حلب في تنفيذ الأعمال والمشاريع بواقع 51% لإدلب مقابل 49% لريف حلب، وشكلت زيادة الأعمال في إدلب رافعة مهمة لمؤشر التعافي في المنطقة، على رأسها تخديم النازحين في المخيمات وتحسين بنيتها التحتية، والعمل على إنشاء مجمعات سكنية للنازحين.

بالنسبة لفرص العمل فقد زادت هي الأخرى بشكل مطّرد، فقد ارتفعت من 224 (النصف الثاني 2019) إلى 891 في النصف الأول 2020 إلى 947 في النصف الثاني 2020 إلى 1030 فرصة مؤقتة ودائمة خلال النصف الأول 2021 مدفوعةً من ارتفاع فرص العمل في القطاع الطبي، سواءً في المدن والبلدات أو حتى ضمن المخيمات، فضلاً عن زيادة مشاريع البنى التحتية في قطاعات المياه والصرف الصحي وزيادة الطلب على أعمال النظافة والتعقيم بعد انتشار وباء كورونا.

ثانياً: التقييم العام

يُظهر الشكلان أدناه بيانات التعافي الاقتصادي المبكر بين 2018 والنصف الأول لعام 2021 ويمكن استخلاص مجموعة من النتائج من بينها:

  • تسير عملية التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة في الشمال، ريف حلب وإدلب، بوتيرة بطيئة وبخطى ثابتة في تنفيذ المزيد من المشاريع والأعمال وتقديم الخدمات للسكان بالأخص الأساسية. إذ وصل مجموع المشاريع المنجزة بين 2018 والنصف الأول 2021 إلى نحو 3304 مشروعاً في القطاعات الأحد عشر المرصودة، كما في الشكل رقم (15)، ويظهر الشكل ارتفاع المشاريع من 338 مشروعاً في 2018 إلى 870 مشروعاً في 2021.
  • شكّلت قطاعات المياه والنقل والمواصلات والتجارة قاطرة عملية التعافي في المنطقة على مدار الفترة الماضية، وحازت على 19% 18و% و17% على التوالي من مجموع المشاريع التي تم تنفيذها خلال الفترة كلها كما يظهر في الشكل رقم (14)، وتشكل هذه المشاريع اللبنة الأولى نحو تحريك العجلة الاقتصادية والتمهيد لبيئة مستقرة أكثر وعدم العودة إلى العنف، وبالرغم من الحركة النشطة في هذه القطاعات إلا أن انحسارها فيه يؤشر لمواطن ضعف في قطاعات أخرى، مثل الصناعة، والتمويل، والاتصالات، والزراعة.

 

  • ولوحظ أيضاً أن قطاعات مثل التمويل والصناعة والخدمات الاجتماعية والاتصالات ما تزال تشكل مواطن ضعف مؤشر التعافي الاقتصادي في المنطقة، نتيجة انصراف المجالس والمنظمات إلى سد ثغرة كبيرة تتعلق بفقدان الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وطرقات، ولا شك أن تنفيذ مثل هذه المشاريع في هذه القطاعات ساهم في تسهيل معيشة السكان وإيصال الخدمات لهم.
  • حافظ قطاع النزوح الداخلي على ارتفاع مطّرد وبلغ مجموع المشاريع في كل الفترة نحو 473 مشروعاً، ما نسبته 14% من مجموع المشاريع كلها، ويشير هذا الرقم إلى ارتفاع أعداد النازحين جراء استمرار المعارك من جهة واستخدام موارد متزايدة من قبل المنظمات لتخديم النازحين في المخيمات من جهة أخرى.
  • تؤثر عوائق عدة على رأسها الأمنية، والسياسية، والمالية، على قطاعات التمويل، والصناعة، والزراعة، يُمثل هذا الثالوث دعامةً كبيرةً للاقتصاد المحلي، إلا أن المجالس والمنظمات لم تستطع تخطي العقبات الكثيرة التي تقف عائقاً أمام تنفيذ مشاريع فيها.

  • يُظهر الشكل رقم (16) توزع المشاريع على البلدات والمدن في مناطق المعارضة، إذ حلّت مدينة إدلب على رأس قائمة المدن الأكثر تنفيذاً للمشاريع بواقع 437 مشروعاً، وتلتها مدينتا الباب واعزاز 402 و306 على التوالي. ويشير تركز المنظمات المحلية والأجنبية من جانب، والمخيمات من جانب آخر إلى استقطاب هذه المدن للمشاريع بشكل أكثر من غيرها. ومن جانب آخر يلحظ التقرير التغيرات الجذرية التي حلّت على بعض القرى والبلدات الصغيرة التي باتت مع تدفق النازحين وتموضع المخيمات والمنظمات ونشاط المجالس المحلية فيها وظروف الحرب، حواضر كبيرة تحظى بأهمية وذات كثافة سكانية عالية، مثل بزّاعة والدانا وسرمدا، وأخيراً يتضح من الشكل أيضاً؛ صعود بعض البلدات والمدن إلى أعلى الترتيب جراء ارتفاع سوية الأعمال المنفّذة فيها خلال الفترة القريبة الماضية، مثل الدانا وعفرين.

تبين نتائج الرصد في النصف الأول لعام 2021 جملة من نقاط القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب، فبالنسبة لنقاط الضعف يمكن شملها بالنقاط الآتية:

  • ما تزال العديد من المنظمات والمجالس المحلية لا تصرّح بأعمالها المنجزة في المنطقة، أو لا تذكر تفاصيل ووصف المشروع ومكانه عند نشر صور تنفيذها لمشاريع لأسباب عديدة بينها أمنية، ومع عدم وجود مركز إحصاء مركزي، يحيل هذا إلى ضبابية في عملية الرصد قد ينعكس على تحليل القطاعات والمدن بشكل أو بآخر.
  • تم الإعلان عن تنفيذ مشاريع مدن صناعية، وأسواق هال تجارية، وتجاوز خطوات تسبق هذا الإعلان وهذه المشاريع، مثل تجهيز بيئة قانونية ذات قوانين وتشريعات تساعد هذه القطاعات الاستراتيجية، والتسويق لها لجذب الأموال والمصانع إلى المنطقة.
  • تشكل المخيمات المتناثرة في المنطقة عبئاً ليس على ساكنيها وحسب، بل على المنظمات والمجالس المحلية أيضاً، بسبب استهلاكها العالي للموارد المالية التي يمكن توجيهها إلى قطاعات وبلدات أخرى، أو يمكن ضخها في بناء مجمعات سكنية يقيم فيها النازحون ويهنئون بحياة أكثر أمناً واستقراراً.


أما بالنسبة لنقاط القوة التي يسجلها التقرير:

  • خلال هذه الفترة استمرت المجالس المحلية في إنارة المزيد من الطرقات في بلدات ومدن عدة، سواءً من خط الكهرباء الرئيسي أو من ألواح شمسية، فضلاً عن تركيب أنظمة طاقة شمسية لتوليد الكهرباء في مئات المنازل كما في كفر تخاريم وسلقين ومعرة مصرين.
  • إذا كانت هناك فروقات يمكن لحظها في المنطقة بين كل نصف عام، فهي تعبيد وتأهيل الطرقات والساحات والأسواق، بالإسفلت وحجر الأنترلوك، إذ يتم تشبيك المدن والقرى بعضها بعضاً بالشكل الذي يسهّل عملية تنقل المدنيين والتجارة المحلية.
  • زيادة اعتماد المنظمات في تنفيذ المشاريع على منح المناقصات والعطاءات، وهو ما ساهم في ارتفاع أعداد المشاريع في قطاع التجارة والمنطقة عموماً.

توصيات ختامية

في ظل ارتفاع مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر خلال النصف الأول من 2021 يورد التقرير توصيتين من شأنهما رفد العملية بمزيد من التنسيق في المنطقة وفواعلها، ومزيد من العمل في القطاعات غير الفاعلة حتى الآن:

  • توجه المجالس المحلية والمنظمات لبناء مجمعات سكنية ونقل النازحين إليها بشكل منظّم ووفق خطة ممنهجة، يتم التخلص من المخيمات بعد فترة محددة، سيسهم هذا الأمر في إعادة توزيع رأس المال المتوفر نحو قطاعات اقتصادية أخرى مثل الصناعة والتمويل والزراعة والثروة الحيوانية والاتصالات والإسكان والتعمير، وتخليص النازح من عبء حياة المخيمات البالية، وسوء ظروفها المعيشة.
  • أن تبدأ المجالس المحلية عملية تنظيم للبيئة التمويلية والصناعية عبر مأسسة متكاملة للأوراق والقوانين والهيئات الناظمة لعمل هذه القطاعات، بالشكل الذي يقدم المنطقة بيئة جاذبة للاستثمار تحتوي على كل المرغّبات التي يبحث عنها رأس المال، وصاحب المصنع، والمعمل، والورشة.

 

التصنيف التقارير

عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة نقاشية قدمها الدكتور سمير العيطة بعنوان: "الاقتصاد السياسي في سورية في 2021" وذلك بتاريخ 31 تموز 2021، بمقر مركز عمران بمدينة اسطنبول - تركيا.

 

بدأت الندوة بمناقشة الاقتصاد السياسي السوري الراهن، كما تم مناقشة موضوع المعابر والمساعدات الإنسانية. و قراءة أثر الأزمة اللبنانية على الاقتصاد السياسي في سورية.

 

أما القسم الثاني من الندوة كانت جلسة نقاش مفتوحة تضمنت أسئلة واستفسارات الحضور للعرض الذي قدمه الدكتور سمير العيطة. 

التصنيف الفعاليات

أصبحت شبكات اقتصاد الحرب السمة الأبرز للاقتصاد السوري، وهي ليست حكراً على النظام، كما أنها تتقاطع جميعها من حيث الامتيازات الممنوحة لشاغليها، واندماج رأسمالهم المستحدث في الاقتصادين المحلي والوطني عبر استثمارات ريعية، مفضلين الربح السريع على استحقاق التعافي والتنمية الاقتصادية على المدى البعيد، وما لذلك من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية سلبية.

أعيد تشكيل الاقتصاد السوري خلال العشر سنوات الماضية على صعيد البنى والفاعلين، إذ لا يوجد اليوم مركز اقتصادي متحكم بكل الجغرافية السورية، بل اقتصاديات مناطق نفوذ، تدار من قبل شبكات اقتصاد الحرب التي شكلتها القوى المتحكمة عبر تحالفاتها الرسمية وغير الرسمية مع تجار وأمراء حرب متنفذين، يركزون استثماراتهم على القطاعات الريعية ذات الربح السريع كالعقار والتجارة والموارد الطبيعية.

قام النظام السوري بإعادة تشكيل شبكاته الاقتصادية عبر استبعاد بعض رجال الأعمال، ودمج أمراء حرب صاعدين ومتنفذين محلياً ، ومثال ذلك، علي مهنا القائد العسكري لفوج السحابات/ قوات النمر سابقاً، والذي افتتح في بداية أيار من عام 2021 بحضور رسمي مجمعاً تجارياً بمسمى “White center Tartous” في حي الغدير العائد لمجلس مدينة طرطوس بعد نيل عقد استثماره لمدة 10 سنوات، في خطوة مشابهة لوسيم قطان الذي نال حق امتياز استثمار عدة مجمعات تجارية في دمشق ومنها مول قاسيون ومجمع يلبغا، وما كان لكل منهما أن ينالا هذه الامتيازات الاقتصادية المتمركزة في قطاعات ريعية، لولا تمتعها بغطاء ودعم من النظام، مكنهما من إقصاء منافسيهم من رجال الأعمال المستقلين.

لا يبدو المشهد مختلفاً في مناطق الإدارة الذاتية، التي أسست بدورها شبكاتها الاقتصادية الخاصة بها، والمكونة من قيادين في هياكل الإدارة الذاتية وحزب العمال الكردستاني، إلى جانب تجار  ووسطاء محليين، وتحتكر هذه الشبكات القطاعات الاقتصادية الحيوية الريعية كالنفط والغاز، ومن الشخصيات البارزة في هذه الشبكات المدعو “فؤاد فايز محمد” والملقب بقاطرجي الإدارة الذاتية.

بالانتقال إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام، أسست فصائل المعارضة مكاتب اقتصادية خاصة بها، مسؤولة عن إدارة الموارد المالية في مناطق سيطرتها، وإدارة الأعمال التجارية والمعابر الداخلية، وتشير المعطيات إلى توسع شبكات اقتصاد الفصائل في الاقتصاديات المحلية واهتمامها بالقطاعات الريعية كالعقارات، إذ أشارت إحدى الدراسات المنشورة إلى استحواذ الجبهة الشامية على معامل اسمنت ومقالع رمل ومتاجر لبيع مواد بناء مستوردة في عدة مناطق في الشمال السوري. أما هيئة تحرير الشام، فقد تولت شخصيات قيادية في المكتب الاقتصادي للهيئة، تنتمي إلى الحلقة الضيقة  المقربة من الجولاني بحكم القرابة والولاء، تأسيس شبكات اقتصادية عبر شراكات مع وسطاء وتجار محليين، ومثال ما سبق شركات وتد المسؤولة عن توريد المحروقات ومؤسسة الوفاق والأمين لتوريد السلع الغذائية، وإن كان لا يعرف المالكيين الحقيقين لهذه الشركات، إلا أن علاقاتهم الوثيقة مع قيادات الهيئة مكنتهم من نيل هذه الاحتكارات.

يتهدد نمو شبكات اقتصاد الحرب ما تبقى من إنتاج محلي يكافح للبقاء، فمصالح هذه الشبكات قائمة على الربح السريع الناجم عن المتاجرة بسلع مستوردة أرخص ثمناً من المنتج المحلي، وما يعنيه ذلك من تدمير مشاريع إنتاجية تسهم في توفير فرص عمل للسكان المحليين، ويكفي التدليل على الآثار السلبية التي أحدثها استيراد الفروج التركي على صناعة الدواجن، ليس في مناطق الشمال السوري وإنما أيضاً في عموم سورية بحسب تقارير صحفية وبيانات رسمية. كذلك تثبط الامتيازات الممنوحة لشاغلي هذه الشبكات والحماية الموفرة لهم من عزيمة التجار ورجال الأعمال المستقلين للاستمرار بنشاطهم الاقتصادي، بل وتدفعهم للتفكير جدياً بالانسحاب من السوق نتيجة غياب التنافس الحر، إذ أشار مصدر محلي إلى نجاح تاجر معروف بعلاقاته مع الإدارة الذاتية في إقصاء تاجر آخر، والاستحواذ على عقد لتوريد مستلزمات لوجستية لمنظمة في الرقة، وهو ما دفع التاجر إلى تقييم خياراته المستقبلية لجهة الاستمرار أو الانسحاب. أيضاً، أشارت عدة مصادر صحفية إلى إحجام عدة مستثمرين سوريين وأتراك من الدخول للاستثمار في الشمال السوري، خشية اصطدامهم بتجار ورجال أعمال وأمراء حرب محسوبين على الفصائل. كذلك يسهم تنامي شبكات اقتصاد الحرب للقوى المتحكمة في ربط المزيد من السكان المحليين بمنظوماتهم الاقتصادية، وما يعنيه ذلك من تعزيز هيمنتها وتجذرها محلياً، وهنا تشير الأخبار المتواردة من إعلاميين محليين إلى استغلال هيئة تحرير الشام لأزمة رواتب عناصر الجيش الوطني لاستقطاب مقاتلين وضمهم إليها، يساعدها بذلك مواردها المالية المتحققة عن استثماراتها وممتلكاتها. ومن التداعيات السلبية لنمو شبكات اقتصاد الحرب، الحيلولة دون تبلور قطاع خاص مستقل يمكن التعويل عليه في إحداث تنمية في سورية، أو حتى بلورة القطاع الخاص لمطالبه تجاه القوى المتحكمة، وهو ما يجعل صوت التجار والصناعيين والمنتجين المحليين المستقلين مغيباً عن المشهد العام.

أمام تغول شبكات اقتصاد الحرب ومخاطرها القائمة، فإنه من الأهمية بمكان العمل على تشجيع منظمات المجتمع المدني للعب دور رقابي أكثر لفضح ممارسات هذه الشبكات،  إلى جانب تشجيع الجهات المانحة والمنظمات العاملة على إعطاء الأولوية للمشتريات المحلية في مشاريعهم بهدف دعم المنتجين المحليين لضمان استمرارية إنتاجهم، فضلاً عن دعم النقابات والجمعيات الزراعية والمهنية والصناعية لتعزيز دورها، وتأطير مطالبها وزيادة أوراقها التفاوضية في التعامل مع القوى المتحكمة.

 

المصدر: السورية نت

التصنيف مقالات الرأي

ملخص تنفيذي

  • تعد عسكرة الدولة وسوء إدارة النظام للموارد من أبرز العوامل التي أدت لتدهور مؤشرات الاقتصاد والتي رافقت الثورة خلال أعوامها التسعة الماضية، حيث تسببت في إزهاق أرواح نحو 400 ألف شخص وتشريد 13 مليون داخل البلد وخارجها، وزادت المصروفات العسكرية بعد الثورة بمعدلات عالية بواقع 14.5 مليار دولار بين 2011 – 2015، وتراجعت سورية في مؤشر التنمية البشرية من المرتبة 121 إلى المرتبة 173 من بين 187 بلداً في العام 2015 على مستوى الصحة والتعليم والدخل، وتكبّدت البلاد خسائر اقتصادية وصلت إلى 689 مليار دولار حتى العام 2019 مضافاً لها تكلفة النمو ومن المتوقع أن تتجاوز الخسائر ترليون دولار في العام 2020.
  • رسمت عدة مؤشرات اقتصادية مشهداً سوداوياً للاقتصاد السوري في العام 2019 ومن بينها اشتداد حدّة العقوبات الأمريكية والأوروبية، وانخفاض الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، والارتفاع العام في الأسعار، وشلل مستمر في الإنتاج الزراعي والصناعي وأخيراً شح كبير في مواد الطاقة من مازوت وبنزين وغاز وكهرباء تسبب بأزمة كبيرة.
  • في إطار جهود المجتمع الدولي لما سماه "تعديل سلوك " النظام الأمني ومعاقبة دول مثل إيران لخرقها العقوبات؛ استكملت الولايات المتحدة ودول أوروبية فرض عقوبات واسعة الطيف خلال 2019 استهدفت قطاع النفط ومكافحة الإرهاب والأسلحة الكيميائية والتمويل وإعادة الإعمار ومحاسبة النظام. ويواجه النظام في شهر حزيران 2020 بدء سريان أقسى أنواع العقوبات ممثلة بقانون "سيزر" الذي من شأنه جعل سورية بلداً معزولاً عبر معاقبة كل من يدعم النظام مالياً ومادياً ويساعد في إعادة الإعمار. كما لعبت العقوبات المفروضة على ناقلات النفط الإيرانية لمنع إيصال النفط إلى النظام السوري، دوراً مفصلياً في شح مواد المحروقات في السوق المحلية السورية.
  • فشل النظام في تلبية احتياجات البلاد من المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وكهرباء. إذ تحتاج سورية يومياً: 136 ألف برميل خام، ونحو 4.5 مليون لتر بنزين، و6 ملايين لتر مازوت، و7000 طن فيول، و1200 طن غاز منزلي أو 120 ألف اسطوانة غاز، حيث وصل العجز في مادة المازوت إلى 90 يوماً، والبنزين إلى 108 أيام، والغاز إلى 45 يوماً.
  • في قطاع الطاقة هبط إنتاج النفط في عام 2019 بنسبة 94% عن مستويات 2010 ولا شك أن هذا الحجم من الإنتاج غير قادر على الإيفاء بالاحتياجات اليومية سوى بـ18%. كما انخفض إنتاج الغاز بنسبة 51% من 34 مليون متر مكعب في 2010 إلى 17.5 مليون متر مكعب يومياً في 2019، واعتمد النظام على استيراد الكمية المتبقية من الخارج لتغطية الاحتياجات اليومية، وأمام النقص الحاصل للغاز في الأسواق المحلية ارتفعت أسطوانة الغاز في السوق السوداء لأكثر من 10 آلاف ليرة.
  • في قطاع الصناعة بلغ الانخفاض في مؤشر الصناعة بين 2010 – 2016 من 89 إلى 7 في قطاعات الصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية: مثل الأثاث والأخشاب والورق والفحم والجلود والمعدات الكهربائية والآلات ومنتجات المطاط والمواد الكيميائية والغذائية والمشروبات، وصناعة الكهرباء والماء، كما بلغت نسب التراجع في العديد من المنتجات في القطاع العام كالإسمنت والكابلات والأجهزة الكهربائية والغزل والأقمشة بين 44 - 99% في الفترة بين 2010 و2018 ويُعزى هذا التراجع للإشكال في سلاسل الإمدادات الناجم عن تعسر الاستيراد إما بسبب العقوبات أو سياسات النظام المالية أو لعدم توفر القطع الأجنبي وتذبذب سعر الصرف وأسباب أخرى، وتشير الوقائع إلى استمرار ضعف هذه القطاعات بعد العام 2016.
  • في قطاع الزراعة تراجعت قدرة سورية على إنتاج غذائها بشكل كبير وعلى رأسها المحصول الاستراتيجي، القمح، العنصر الأساسي في صناعة الخبز. وعلى الرغم من الأمطار الجيدة في موسم 2019 وزراعة 1,26 مليون هكتار وهي قرابة 3 أرباع المساحات المزروعة في 2010 بلغ الإنتاج 2170 مليون طن من القمح وهذا يمثل نصف إنتاج العام 2011 ووصل الإنتاج للقاع في العام 2018 بنحو 1199 مليون طن من 642 ألف هكتار تم حصدها فقط، وهو أدنى إنتاج منذ 29 عاماً.
  • وفي قطاع التجارة بلغ عدد الشركات التي تم ترخصيها في عام 2019 نحو 105 شركات فقط في مختلف القطاعات وهو رقم متواضع جداً في الوقت الذي تحتاج فيه سورية إلى عشرات آلاف الشركات لإعادة بناء ما دمرته الحرب. وقد حازت لبنان على المرتبة الأولى بـ27 شركة من حيث مصدر المكون الأجنبي للشركات المرخّصة أو من ساهمت في الترخيص، وتليها الصين بـ5 شركات.
  • استمر مؤشر أسعار المستهلك في الصعود خلال عام 2019 ملامساً 880 في شهر آب ومن المتوقع أن يشهد المؤشر ارتفاعات متواصلة متجاوزاً الألف بعد التزايد المستمر في أسعار السلع والخدمات، إذ ارتفعت سلة الاستهلاك الأساسية في دمشق لأسرة من خمس أفراد إلى 380 ألف ليرة في الربع الأخير من 2019 ومن خلال مقارنة مجموعة من أسعار المواد الأساسية بين 31 كانون الأول 2019 و28 آذار 2020 يظهر ارتفاعاً في الأسعار بين ضعف وأربعة أضعاف. وجراء هذه الارتفاعات في الأسعار وتكاليف المعيشة وبقاء مستوى الأجور الوسطي عند 60 ألف ليرة تربعت سورية على عرش أفقر دولة بالعالم بنسبة 83% من السكان تحت خط الفقر ويعانون من حرمان متعدد الأبعاد.
  • واجهت الليرة السورية أربع موجات صعود منذ منتصف 2019 حتى آذار 2020 لامست خلالها أعلى مستوياتها عند 700 ليرة و950 ليرة و1230 وأخيراً 1360 ليرة، ومن بين محركات هذه الموجات العقوبات الدولية على سورية وإيران وقانون "سيزر" والأزمة الاقتصادية في لبنان والعمليات العسكرية في الشمال وإعلان تفشي فيروس كورونا واتخاذ إجراءات حكومية.
  • ومن بين العوامل التي ساهمت في هبوط قيمة الليرة والارتفاع العام في الأسعار على مدار الأعوام التسعة للثورة؛ استنفاذ النظام لاحتياطي العملة الصعبة موصلاً إياه لـ 2 مليار دولار في 2012، والاعتماد المتزايد على التمويل بالعجز في جميع موازنات أعوام الثورة فزادت المديونية الداخلية لأربع تريليونات ليرة سورية أي ما يعادل 8 مليار دولار وقد أسهم هذا في زيادة العرض النقدي وظهور آثار تضخمية واضحة، وتشوه في الموازنة العامة حيث ارتفع عجز الموازنة من 195 مليار ليرة عام 2011 إلى 946 مليار ليرة في موازنة العام 2019، وانخفض حجم الموازنة العامة بالدولار من 17 مليار دولار في 2011 إلى 7 مليارات دولار في 2019، كما ارتفع الدين الخارجي بنسبة 63% من الناتج المحلي الإجمالي السوري في 2015 جراء اعتماد النظام على المساعدات الأجنبية من إيران وروسيا عبر ديون غير مصرّح بها وهو ما يعرض الأجيال المقبلة والاقتصاد لمخاطر الديون وإملاءات الدائنين.
  • أخيراً، أسهمت مجموعة من الصعوبات خلال الربع الأول من 2020 في زيادة تأزم المشهد الاقتصادي مثل العملية العسكرية التركية في الشمال، وتفشي وباء كورونا، والأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان جراء التعثر في سداد الديون، إضافة لزيادة ضغوط أمريكا لإخراج إيران من سورية.

مقدمة

يشهد النظام منذ بداية 2011 أزمة اقتصادية خانقة تصاعدت حدتها سنة تلو أخرى، فتهاوت قطاعات الاقتصاد وانخفضت قيمة الليرة السورية وارتفع المعدل العام للأسعار ودخل الاقتصاد في ركود تضخمي. وشكل عام 2019 عاماً استثنائياً بسبب باقة من الأمور بينها العقوبات ووصول سعر صرف الليرة مقابل الدولار مستوى غير مسبوق إلى 950 ليرة وشح شديد في المحروقات وانقطاع متواصل في خدمة الكهرباء وقد ساهم هذا في ارتفاع حدة الانتقادات من حاضنة النظام وعدم الرضى الشعبي حيال الظروف المعيشية السيئة.

كشفت هشاشة الاقتصاد السوري والأزمة التي دخل بها ارتباطاً وثيقاً بمسببين هما: العسكرة؛ التي استنزفت البلاد مواردها البشرية والمالية وما تسببت به من تدمير للمرافق والمدن أعادت عجلة التنمية لعشرات السنين إلى الوراء وكبّدت الاقتصاد خسائر قاربت الترليون دولار. وإدارة النظام المتخلّفة للموارد والتي ألحقت بالاقتصاد اختلالات هيكلية وإشكالات لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من إيجاد حلول جذرية لها. لذا لم يكن الاقتصاد السوري بعد اندلاع الثورة في 2011 بحاجة إلا للكز الهيكل الهش ليدخل في دوامة من الهبوط.

يهدف هذا التقرير إلى تلمس أبعاد الأزمة الاقتصادية التي واجهها النظام في العام 2019 وتحديد جذورها وتبيان آثارها على الوضع الاجتماعي والاقتصادي. ويحاول التقرير خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2020 مراجعة مؤشرات الأزمة المرصودة في العام 2019 ورؤية التغيرات فيها، واستشراف وضع الليرة السورية باستخدام أدوات تحليل تقنية لتوقع حركة السعر حتى نهاية العام 2020. ومن ثم سرد مجموعة من الصعوبات التي تواجه الاقتصاد والمواطن بالنظر إلى ما تم تقديمه. ويخوض التقرير في فهم مؤشرات الاقتصاد السلبية في عام 2019 عبر التكوّن التاريخي لهيكل الاقتصاد السوري ما قبل 2019 وقبل الثورة، فيصبح تحليل ما هو آني في إطار الكل التاريخي الذي شكل الاقتصاد ولعب في تكوين هشاشته.

اعتمد التقرير في رصد آثار الأزمة وكشف أبعادها على تقارير الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام في العام 2019([1])، فخرج بجملة من الأبعاد التي أسهمت في احتدام الأزمة الاقتصادية في هذا العام ومن بينها: العقوبات الدولية؛ والارتفاع العام في الأسعار؛ وشلل الإنتاج؛ والنقص الكبير في مواد المحروقات؛ وأخيراً تهاوي الليرة السورية.

فرضيات فشلٍ مستمرة

فشلت حكومات النظام المتعاقبة على مدار العقود الأربعة السابقة لانطلاق الثورة؛ في بناء نموذج اقتصادي مستدام وخلق بيئة تنموية تشاركية يحدد لهذه الدولة وسكانها هوية اقتصادية شكلاً ومضموناً. فتقلّب الاقتصاد بين الاشتراكية؛ منذ هيمنة "حزب البعث العربي الاشتراكي" على الدولة في العام 1963، والسوق الحر في أواخر عهد حافظ الأسد على إثر إصدار قانون الاستثمار رقم 10 في العام 1991، والشكل الأخير ظهر مع بداية عهد بشار الأسد بالتوجه نحو ما سمي بـ "اقتصاد السوق الاجتماعي" وبينما كان الهدف خدمة الطبقة السائدة في المجتمع. قادت تلك النماذج إلى خدمة "رأسمالية المحسوبيات" ولإنتاجية ضعيفة وعدم استثمار الإمكانيات الكامنة لسورية اقتصادياً واجتماعياً ومؤسساتياً.

لازَم الاقتصاد السوري على مدار العقود السابقة، بينها عقد الثورة، افتراضان يعود لهما السبب في هشاشة البينة الاقتصادية السورية ووقوعها دوماً في إشكالات متعددة. يتعلق الأول: بعسكرة الدولة وما أحدثته من استنزاف في كافة الموارد؛ والثاني: يتعلق بأزمة في إدارة الاقتصاد والتي تسببت باختلالات هيكلية.

فمن خلال ثلاثية الدولة العميقة، الجيش والمخابرات وحزب البعث، أحكمت عائلة الأسد هيمنتها على الدولة والمجتمع بعيداً عن السلطة التشريعية والتنفيذية الظاهرية. وعمدت إلى عسكرة الدولة عبر تضخيم المؤسسة العسكرية من حيث الكم والوظيفة، عبر الخدمة الإلزامية والانتشار الكثيف للقطع العسكرية بين البلدات والمدن ونشر الآلات العسكرية في الأحياء وممارسة القمع مستخدماً مختلف أنواع الأسلحة بينها ما هو محرم دولياً، كما استحوذ الجيش على حصة كبيرة من الموازنة العامة. ومنذ العام 1990 أصبحت نفقات الدفاع تزيد كثيراً على المبالغ التي يمكن لسورية تخصيصها للإنفاق الإنمائي([2])؛ وارتفع الإنفاق العسكري من 14 مليار ليرة سورية في العام 1988 إلى 120 مليار ليرة في العام 2011 وبلغ أعلى مستوى للإنفاق العسكري نسبة للإنفاق الحكومي في العام 1991 عند 30.4% فيما أخفت الحكومة البنود المتعلقة بالديون لتمويل عقود الشراء والصيانة وقطع التبديل والتي إذا أضيفت سترفع من معدلات الإنفاق العسكري بشكل كبير([3]). وزادت المصروفات العسكرية بعد الثورة أيضاً بمعدلات عالية بواقع 14.5 مليار دولار بين 2011 – 2015 فضلاً عن ارتفاع معدلات الدين لروسيا وإيران حليفي النظام ومن أسنداه بعملياته العسكرية بالأسلحة والعتاد اللازم.

عرّضت ممارسات النظام العسكرية البلاد لدمار كبير وشلّت قطاعات اقتصادية بأكملها واستنزفت مقدرات البلد الطبيعية والبشرية والمالية، فتراجع الاقتصاد النظامي مقابل ازدهار الأسواق السوداء وانتشرت أعمال ووسائل جديدة وسادت عمليات السلب والابتزاز والتهريب واستغلال السكان والسيطرة على الأصول المربحة.

وبلغت خسائر الاقتصاد السوري بسبب الحرب 260 مليار دولار بناء على الدمار التي تعرضت له البلد و689 مليار دولار مع تكلفة النمو الذي لم يحصل على مدار الأعوام الماضية، وستصل الخسائر إلى 1.3 ترليون دولار إذا استمرت الحرب في العام 2020([4]). وفيما يلي بعض المعطيات التي تعكس الحالة الاقتصادية العامة:

  • استنفذ النظام احتياطي العملة الصعبة موصلاً إياه لـ 2 مليار دولار في 2012. وبلغ العجز المالي ذروته في العام 2013 بنسبة 56% من الموازنة العامة وتشير تقديرات لزيادة المديونية الداخلية جراء التمويل بالعجز حاجز أربع تريليونات ليرة سورية أي ما يعادل 8 مليار دولار وقد أسهم هذا في زيادة العرض النقدي وبالتالي ظهور آثار تضخمية واضحة وتشوه في الموازنة العامة([5]).
  • اعتمد النظام على المساعدات الأجنبية من إيران وروسيا عبر ديون غير مصرّح بها حيث ارتفع الدين الخارجي من 47% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 إلى 63% في عام 2015 وهو ما يسهم في إخلال التوازن في الموازنات العامة وتعريض الأجيال المقبلة والاقتصاد لمخاطر الديون وإملاءات الدائنين([6]).
  • تراجعت سورية من المرتبة 121 إلى المرتبة 173 من بين 187 بلداً في العام 2015 في مؤشر التنمية البشرية على مستوى الصحة والتعليم والدخل؛ وذلك جراء قصف النظام الممنهج للأهداف المدنية كالمدارس والمشافي وانخفاض في سنوات التمدرس. فتراجع دليل الصحة بنسبة 30.3% في العام 2015 مقارنة مع العام 2010، وانخفض دليل التعليم بنسبة 34.3% مقارنة مع العام 2010 فنصف الأطفال في سن التعليم الأساسي خارج المدارس منذ عام 2014. وفي عام 2015 تراجع دليل الدخل بنسبة 24.3% مقارنة بالعام 2010 ويعكس هذا الانخفاض في دخل الفرد وتبدد الثروة خلال النزاع، ما وضعها بين مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المنخفضة([7]).
  • تآكل القوة الشرائية جراء زيادة تكاليف المعيشة لمعظم السوريين، وبات معظم السوريين في نهاية العام 2015 يعيشون في حالة فقر ويعانون من حرمان متعدد الأبعاد، وتشير التقديرات أن معدل الفقر الإجمالي بلغ 82.5% مع نهاية العام 2015 مقابل 83.5% في عام 2014 و73.3% في عام 2013. وبلغت نسبة البطالة في العام 2012 حوالي 34.9% ارتفاعاً عن 14.9% في العام 2011 و8.6% في 2010([8]).

ومع بداية العام 2019 دخل النظام السوري منتشياً بانتصاراتٍ ناجزةٍ على الساحة العسكرية على مدار السنوات الماضية ابتداءً من السيطرة على مدينة حلب في أواخر العام 2016 وبسط سيطرته على حزام دمشق في الغوطة الشرقية في نيسان 2018 وريف حمص الشمالي وحماة الجنوبي في أيار 2018 ومحافظة درعا في تموز من نفس العام، متسلحاً بمصالحات هشّة وتهجيرِ من يرفض من الثوار والأهالي إلى الشمال في محافظة إدلب. ومع توسع سيطرة النظام على حساب المعارضة زادت وتيرة تصريحات النظام الداعية لرفع العقوبات وبدء عملية إعادة الإعمار وإعادة شرعيته الإقليمية والدولية وأن الأوضاع الاقتصادية ستؤول للتحسن، إلا أن إيقاع المؤشرات الدولية والإقليمية جاء على غير ما اشتهى له النظام، إذ بدأ العام بعقوبات اقتصادية أوروبية وانتهى بفرض قانون "سيزر" من الولايات المتحدة، وأَفشلَت الأخيرة جهود بعض الدول في إعادة شرعية النظام وعودته لحضن الجامعة العربية.

من بين أبرز الملامح التي ساهمت في رسم مشهد سوداوي للاقتصاد السوري في العام 2019كما في الشكل رقم(1): : إصرار النظام على استمراره في الممارسات الاضطهادية مما أدى إلى ازدياد حدة العقوبات على النظام من قبل الولايات المتحدة وأوروبا؛ وتفاقم مشكلة تأمين مواد الطاقة؛ والشلل المستمر في قطاعات الإنتاج؛ والتراجع الملحوظ في مستويات المعيشة وأخيراً تسجيل الليرة السورية سعر صرف غير مسبوق عند 950 ليرة في نهاية العام.

 

عقوبات اقتصادية تخنق النظام وشبكاته

يبين الملحق رقم (1) جميع العقوبات الدولية التي تعرّض لها النظام السوري خلال عام 2019 من أوروبا وأمريكا، وتمت إضافة بعض العقوبات التي مسّت، إيران، حليف النظام؛ لما لإيران من تأثير في تمويل العمليات القتالية وتوفير الدعم المالي والمادي لاقتصاد النظام. ويظهر من العقوبات المفروضة مجموعة من الملاحظات نوردها كما يلي:

أولاً: تشكلت أول ضربة للنظام عبر عقوبات أوروبية على شركات إنشائية مهتمة في أعمال إعادة الإعمار ورجال أعمال لهم علاقات بالنظام ومستفيدين من المشاركة في تطوير عقارات فاخرة ومشاريع تدعم النظام، من بينهم: سامر فوز، حسام قاطرجي، مازن ترزي، ومن بين الشركات: شركة مطورين المساهمة الخاصة، شركة ميرزا، شركة بنيان، شركة أمان القابضة، شركة روافد التي يمتلكها رامي مخلوف، ليبلغ بهذا عدد الشخصيات السورية المشمولة بالعقوبات الأوروبية 270 شخصاً بالإضافة إلى 72 كياناً على صلة بنظام الأسد([9]). ومن ثم جاءت العقوبات الأمريكية في حزيران على سامر فوز وأقاربه حسين وعامر فوز و13 كياناً يملكها سامر فوز يقوم بأعمال إعادة الإعمار وإعادة تطوير سورية، لتُفشِل مساعي النظام في تصدير أشخاص جدد وتبييض صورته أمام المجتمع الدولي. وشكّل قانون "سيزر" الموقّع في 21 كانون الأول 2019 مرحلة جديدة من اشتداد وتيرة العقوبات، إذ من شأن هذا القانون أن يفرض عقوبات على النظام وكل من يدعمه مالياً أو عينياً أو تكنولوجياً.

بعيداً عن “الجدل” الاقتصادي بتأثير تلك العقوبات من عدمها على أنظمة شمولية، تعد هذه العقوبات مع بداية العام رسالة واضحة من الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بعدم تغيير سياستها المتبعة في معاقبة النظام على سلوكه الإجرامي والقمع الممارس ضد المدنيين، ومن جانب آخر تشير إلى عمق النظرة الأوروبية ومتابعتها الحثيثة في استهداف أركان النظام وقائمة الرجال والشركات الداعمة له والمساهمة في تعويمه. ومع تجديد العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي وأمريكا حتى 1 حزيران من العام 2020 ترسل رسالة مفادها أنه لا حل في سورية مع ممارسات النظام العسكرية وانتهاكاته، وأن مصير النظام العزلة الدولية ومزيد من العقوبات للرضوخ للقرارات الدولية. ويتوافق تجديد العقوبات الأوروبية في 2020 مع بدء سريان قانون "سيزر" ليعملا جنباً إلى جنب على خنق النظام واقتصاده أكثر ومعاقبة كل من يدعمه وينفذ مشاريع تعود بالفائدة على النظام.

ثانياً: إفشال حركات النظام في تسويق إعادة الإعمار والترويج لنفسه عبر معرض دمشق الدولي في دورته الـ 61 في شهر أيلول، حيث حذّرت الولايات المتحدة في 23 آب من مشاركة الشركات التجارية والأفراد في المعرض وتعاملهم مع نظام الأسد بما يعرّضهم للعقوبات، وقد بلغ عدد الدول المشاركة في المعرض 38 دولة فقط وشغلت إيران وروسيا معظم المساحة المشغولة فيه، وغاب توقيع العقود الكبيرة مع شركات عربية حضرت المعرض مثل الإمارات وسلطنة عُمان خوفاً من التهديدات الأمريكية وجاءت مشاركة دول مثل الصين والأرجنتين والعراق ولبنان وعُمان والإمارات والجزائر شبه شكلية([10]).

ثالثاً: أدت العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران بهدف تجفيف إيراداتها من النفط وعزلها عن النظام المالي العالمي، إلى تقييد حركة الناقلات النفطية الإيرانية والأجنبية من وإلى إيران وبالتالي عدم القدرة على إيصال النفط لسورية كما في السابق.

وكانت الولايات المتحدة حذرت في شهر آذار من مخاطر إيصال شحنات النفط للنظام السوري وأضافت وزارة الخزانة الأمريكية إلى لائحة العقوبات العشرات من الناقلات الجديدة المشارِكة في شحنات النفط غير المشروعة، بما في ذلك 16 ناقلة تشحن النفط إلى سورية وأكثر من 30 تشارك في عمليات النقل من سفينة إلى سفينة. وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي 16 كياناً و10 أفراد وحدد 11 سفينة شحن كممتلكات محجوزة تسري عليها العقوبات، كما حصل مع الناقلة الإيرانية "غرايس 1" التي غيّرت اسمها لاحقاً إلى "أدريان درايا 1" وأشارت وزارة الخارجية الأمريكية أن الناقلة "غريس 1" كانت تساعد "الحرس الثوري الإسلامي" عن طريق نقل النفط من إيران إلى سورية، وحذّرت الوزارة من عواقب وخيمة لأي فرد مرتبط بالناقلة.

رابعاً: تسببت العقوبات الأمريكية المفروضة على أذرع مالية مقرّبة من "حزب الله" كما حصل مع بنك "جمال ترست" في لبنان، ومكاتب صرافة وشركات سورية ولبنانية من إثارة مخاوف في سورية للحد من حركة الأموال([11])، وبات من نافلة القول إن لبنان تشكل رئة سورية وبوابتها نحو العالم الخارجي. ومع نهاية عام 2019 واندلاع احتجاجات في لبنان على إثر سوء الأوضاع المعيشية أغلقت البنوك أبوابها وتم تقييد بيع الدولار في شهر آب ومنع المودِعين من سحب مدخراتهم بها، فباتت أموال المستوردين السوريين والودائع في المصارف اللبنانية شبه محجوبة وبالأخص بعد دخول لبنان أزمة مالية جراء تخلّفه عن سداد سندات دولية مقوّمة بالدولار في 9 آذار 2020 وهو ما يعكس الضغوط المالية والاقتصادية الشديدة التي يمر بها لبنان بحسب وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني([12]).

شحٌ شديد في المحروقات

تعرّضت ميزانية سورية لصدمة قوية جراء خسارتها أهم مولّدات الإيرادات ممثلة بالنفط والغاز والمعادن تشكّل 25% من عائدات الميزانية، وعليه لم يتمكن النظام من رفع القدرة الإنتاجية للبلاد، وزادت العقوبات الأجنبية المفروضة على إمدادات الوقود للنظام ورصد أي ناقلة نفط متجهة إلى سورية تحمل وقود وغاز طبيعي من صعوبة الموقف، إذ مدّت إيران النظام معدل ناقلتين كل شهر عبر الخط الائتماني الموقع بين البلدين([13]).

أسهم هذا في عدم قدرة النظام على تلبية احتياجات البلاد من المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وكهرباء، إذ تقدر حاجة سورية اليومية من مواد الطاقة: 136 ألف برميل خام، ونحو 4.5 مليون لتر بنزين، و6 ملايين لتر مازوت، و7000 طن فيول، و1200 طن غاز منزلي أو 120 ألف اسطوانة غاز، وتقدر الفاتورة المالية اليومية 8.8 مليون دولار وعليه تصل قيمة الفاتورة الشهرية إلى 264 مليون دولار و3 مليارات و168 مليون دولار سنوياً، فيما أشارت الحكومة أن قيمة الفاتورة الشهرية لشراء المشتقات النفطية تبلغ 200 مليون دولار([14]). وقد أسهم توقف الخط الائتماني الإيراني نهاية 2018 في عرقلة تسديد فاتورة الطاقة وإمداد البلاد بما تحتاجه من محروقات فتشكلت أزمة كبيرة، حيث وصل العجز في مادة المازوت إلى 90 يوماً، والبنزين إلى 108 أيام، والغاز إلى 45 يوماً([15]).

يُظهر الشكل رقم (2) حجم إنتاج واستهلاك النفط من 2010 حتى 2019، ويبدو جلياً هبوط الإنتاج من 385 ألف برميل في 2010 إلى 24500 ألف برميل نفط يومياً مع نهاية العام 2019([16])، وهو أقل من إنتاج عام 2010 بنسبة 94% ولا شك أن هذا الحجم من الإنتاج غير قادر على الإيفاء بالاحتياجات اليومية سوى بـ18% إذا عُرف أن الاستهلاك اليومي يبلغ 136 ألف برميل يومياً في 2019.

وجراء عدم قدرة الحكومة على تغطية حاجة السوق المحلية سمحت في 4 آذار 2019 لغرف الصناعة والصناعيين باستيراد الفيول والمازوت براً وبحراً لمدة 3 أشهر وعادت ومددت الفترة لمدة 3 أشهر أخرى، ويفسر هذا الإجراء عجز الحكومة للوصول إلى حلول ضمن الظروف الراهنة ورمي العبء على كاهل التجار، علماً أن هذا الحل يخلق أزمة بحذ ذاته في سوق الصرف، فالنقص في الدولارات لدى المركزي سيحيل التاجر لطلب دولارات من السوق السوداء وهو ما يخلق طلباً متزايداً يؤدي لارتفاع السعر، كما يُفهم من خطوة الحكومة تلك نجاح العقوبات في تقييد وصول المحروقات إلى النظام وحركية النظام المالية في النفاذ للأسواق الدولية، وانكشافه أيضاً على إمدادات الطاقة القادمة من إيران حتى إذا توقفت الإمدادات الإيرانية وقع النظام في فاقة وعجز.

والوضع في قطاع الغاز ليس أفضل حالاً، إذ انخفض الإنتاج بنسبة 51% من 34 مليون متر مكعب في 2010 إلى 17.5 مليون متر مكعب يومياً في 2019، واعتمد النظام على استيراد الكمية المتبقية من الخارج لتغطية الاحتياجات اليومية([17]). وتبلغ حاجة الاستهلاك اليومية للغاز حوالي 1200 طن يومياً تشكل نسبة الاستيراد منها 50% يومياً فيما الـ50% الأخرى تأتي من الإنتاج المحلي([18])، وبلغة الاسطوانات تقدر الحاجة اليومية بين 120 – 140 ألف اسطوانة يتم تأمين بين 40 – 50% منها محلياً والباقي يتم استيراده([19]). وما انطبق على أزمة البنزين والمازوت ينطبق على أزمة الغاز من حيث اعتماد النظام على الإمدادات الإيرانية التي توقفت إضافة إلى تشديد العقوبات على النظام وإيران.

 

يُدلل الشكل رقم (3) على أسعار الغاز والبنزين والمازوت، الرسمية، إلا أن الأسواق في الواقع لا تعترف بهذه الأسعار، أمام أزمة العرض، إذ بلغ سعر الاسطوانة في محافظة حلب بالسوق السوداء نحو 17 ألف ليرة بداية 2019، بينما وصل سعرها في مناطق متفرقة في ريف دمشق إلى 11 ألف ليرة سورية، وشوهدت طوابير طويلة جداً لأناس ينتظرون دورهم للحصول على اسطوانة غاز من مراكز التوزيع، والأمر سيّان أمام كازيات البنزين والمازوت، وقد بلغ سعر لتر المازوت 450 ليرة في السوق السوداء([20]). وانتهى عام 2019 بدون إيجاد حلول للأزمة سوى الوعود والسماح للقطاع الخاص بالاستيراد، إضافة إلى فكرة البطاقة الذكية حيث يمنح حاملها حصته من الغاز كل 23 يوماً؛ وتعتبر هذه الأداة التقنية حلاً لمشكلة الازدحام لا لنقص المعروض.

فيما بقي التقنين في الكهرباء الوضع المتسيّد في مناطق عدة من سورية وعلى رأسها دمشق حيث وصلت ساعات التقنين إلى 20 ساعة يومياً في بعض الأوقات في الكثير من المناطق المتاخمة لدمشق([21])، وفي معظم مناطق ريف دمشق تُقطع الكهرباء بمعدل أربع ساعات ثم تأتي مدة ساعتين ولكن خلال هاتين الساعتين تنقطع مرات عدة([22]). وترجِع أسباب الانقطاع المتكرر للكهرباء إلى استجرار الكهرباء غير المشروع، وإجراءات الصيانة وإصلاح الاعطال لمحطات الكهرباء؛ جراء تحميلها أكثر من طاقتها بعد زيادة استخدام الكهرباء كبديل عن الوقود في التدفئة والتبريد، إضافة لعدم توفر مواد المحروقات من فيول وغاز والتي تسهم بنسبة 56% في توليد الطاقة الكهربائية؛ يُشار أن توليد 500 ميغا واط من الكهرباء يحتاج إلى 20 مليون متر مكعب من الغاز و10 آلاف طن من الفيول([23])، فضلاً عن خروج قوة الدفع المائي على نهر الفرات من سيطرة النظام، وخروج 34 محطة توليد من أصل 54 محطة عن الخدمة خلال سنوات الحرب([24]) ([25]). وهو ما يفسر عدم تحسن الكهرباء حتى نهاية 2019 على الرغم من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع الروس والإيرانيين وشركات الطاقة التي شاركت في معرض دمشق الدولي بين 2017 و2019. يُظهر الشكل رقم (4) الانخفاض الحاصل في توليد الكهرباء بين 2011 و2019 من 9000 ميغاواط إلى 5000 ميغا واط، بنسبة 45%.

شللٌ في القطاعات والقدرات الإنتاجية

يعد الحديث عن القطاع العام والخاص في سورية بتجلياته من زراعة وصناعة وتجارة خلال سنوات الحرب حديثاً شائكاً، إذ أرخت الحرب بظلالها على قدرات إنتاجية كبيرة تسببت بزيادة معدلات الاستيراد وفقدان ميزة تغطية الحاجات المحلية وسياسة إحلال الواردات، وهو ما خلق حاجة متزايدة للقطع الأجنبي لتغطية طلبات الاستيراد تلبيةً للاحتياجات الأساسية. كما أن الفساد المستشري جعل الموارد الاقتصادية بيد قلة من "الأولغارشيا" المتحكّمة والمقرّبة من السلطة والتي تبحث دوماً عن المال السهل، ومن جهة أخرى أسهمت العقوبات وتحذيرات الولايات المتحدة للدول من مساعدة النظام والتعامل معه من جعل سورية وقطاعاتها الاقتصادية عبارة عن شبه جزيرة معزولة لا تتعامل إلا مع دول قليلة.

وعلى الرغم من السياسات والوعود والإجراءات في تشغيل العجلة الإنتاجية بالبلد إلا أنها لم ترق إلى ما هو كفيل بإحداث تطور ملموس في الحركة الإنتاجية، فبلغت نسب التراجع في العديد من المنتجات بين 44 - 99% في الفترة بين 2010 و2018 ومن بين القطاعات الإنتاجية المتراجعة في القطاع العام: الإسمنت، الكابلات، البرادات والتلفزيونات، الأسمدة، الجلود المدبوغة، الغزل والأقمشة القطنية، التبغ، حليب مبستر، الزيت النباتي، الطحين والخبز([26]). ولا عجب في هذا التراجع بسبب الإشكال في سلاسل الإمدادات الناجم عن تعسر الاستيراد إما بسبب العقوبات أو سياسات النظام المالية أو لعدم توفر القطع الأجنبي وتذبذب سعر الصرف وأسباب أخرى، فصناعة الملابس بحاجة لاستيراد أقمشة وخيوط، والصناعات البلاستيكية بحاجة لاستيراد حبيبات بلاستيكية، والأدوية بحاجة لاستيراد المادة الدوائية الفعّالة، وصناعة الأجهزة الالكترونية بحاجة لاستيراد قطع الكترونية، وكل هذا وغيره متوقف.

يبين الشكل رقم (5) الانخفاض في مؤشر الصناعة بين 2010 – 2016 من 89 إلى 7 في قطاعات الصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية: مثل الأثاث والأخشاب والورق والفحم والجلود والمعدات الكهربائية والآلات ومنتجات المطاط والمواد الكيميائية والغذائية والمشروبات، وصناعة الكهرباء والماء. وتشير الوقائع إلى استمرار ضعف الصناعات الاستخراجية والكثير من الصناعات التحويلية بعد العام 2016.

وبلغ عدد الشركات التي تم ترخصيها على مدار العام 2019 نحو 105 شركات فقط في مختلف القطاعات كما يُظهر الشكل رقم (6)، وهو رقم متواضع جداً في الوقت الذي تحتاج فيه سورية إلى عشرات آلاف الشركات لإعادة بناء ما دمرته الحرب. المُلفت للانتباه استحواذ قطاع الخدمات والتجارة على أكثر الشركات المنشأة وهي إشارة إلى انخفاض رؤوس أموال تلك الشركات؛ وعدم المخاطرة والدخول في سوق تعاني من عقوبات وأزمات غير واضحة المعالم وبالتالي الدخول في أعمال ذات طبيعة تجارية وذو كثافة مالية قليلة ولا تحتاج إلى توظيف عاملين كثُر؛ وفشل مقاربة النظام في اجتذاب استثمارات وأموال تسهم في إعادة إعمار البلد على الرغم من التطورات العسكرية على الأرض؛ ويمكن ملاحظة ضعف بطانة وأعوان النظام ورغبتهم في جمع أموال سهلة من خلال التجارة التي تحتوي على طرق فساد كثيرة واستغلال للمواطنين، وعدم المخاطرة في استثمار أموالهم بالصناعة والزراعة في هذا الظرف الذي تمر به سورية.

ومن جملة الشركات التي تم ترخيصها في قطاع الخدمات والتجار: الشحن البري والبحري والاستيراد والتصدير والتجارة العامة والعقارات واللوجستيات والاستثمارات السياحية، في حين كان نصيب قطاع الصناعة 13 شركة عاملة في الاسمنت والأسلاك الكهربائية وصناعة المواد البلاستيكية وصناعة الأدوية، فيما حاز قطاع الزراعة على الحصة الأقل. مع التنويه أن هذا العدد هو ما تم رصده خلال تقارير الواقع الحوكمي الصادرة عن مركز عمران للدراسات. ولا يجب إغفال المشاريع السياحية والعقارية التي تم ترخيصها مثل "ماروتا سيتي" و"جاردن ستي" ومنشآت سياحية في طرطوس واللاذقية في وقت عُدَّت سورية البلد الأفقر في العالم([27]).

وحازت لبنان على المرتبة الأولى بـ27 شركة من حيث مصدر المكون الأجنبي للشركات المرخّصة أو من ساهمت في الترخيص، وتليها الصين بـ5 شركات، ومن ثم العراق والأردن وإيران بـ4 شركات، وجاءت الكويت والإمارات بـ3 شركات، وروسيا وفلسطين وتونس بشركتين، وأخيراً هناك اسبانيا واليمن ومصر والسودان وهولندا بشركة واحدة لكل منها. ويشير اهتمام شركات ذات مكوّن لبناني للعمل في سورية إلى التداخل السوري – اللبناني من خلال مليشيا "حزب الله" الداعم للنظام عسكرياً ومالياً ومادياً، كما يُظهر تركز الشركات في هذه البلدان إلى انحسار انجذاب المستثمرين من بلدان ذات ثقل استثماري مثل أوروبا وأمريكا وبلدان آسيوية، بسبب طبيعة سورية الطاردة للاستثمار جراء العقوبات الدولية المفروضة عليها وعدم التوافق على حل سياسي يضع حداً للأزمة ويؤذن ببداية مرحلة الانتقال السياسي للسلطة وبدء مرحلة إعادة الإعمار، ويمكن القول أن هذه البلدان بعضها حليف للنظام أو لا مشكلة لديه في بقاءه في السلطة.

يتمثل أحد أوجه القصور في الاقتصاد الكلي في الميزان التجاري، كما يوضح الرسم البياني رقم (7) بشكل لا تخطئه العين الميزان التجاري الخاسر بين الصادرات والواردات حتى عام 2017، وتراجعت الصادرات في عام 2018 بنسبة 1% عن العام السابق وبلغت قيمتها الإجمالية 713 مليون دولار، مع الإشارة أن معظم الصادرات هي عبارة عن مواد خام زراعية إضافة للفوسفات ومعادن مثل النحاس والرصاص([28]). بالرغم من أهمية سورية الاستراتيجية كممر يربط القارات إلا أن الأوضاع الأمنية وشلل قطاعات الإنتاج السوري وسياسات الحكومة المالية المتخبّطة لا تسمح بتحسن هذا المؤشر.

وأدى رفع النظام لرسوم ترانزيت مرور الشاحنات عبر المعابر الحدودية البرية في أيلول 2018 إلى انخفاض الصادرات الأردنية إلى وعبر سورية، في الربع الأول من 2019 بعد تصدير ما قيمته 19 مليون دينار (نحو 27 مليون دولار) مقابل 61 مليون دينار (نحو 86 مليون دولار) خلال الفترة ذاتها من العام 2018 حيث بات مرور الشاحنة الواحدة يكلف ألف دولار([29])، جنباً إلى جنب مع مطالبة الملحق التجاري الأمريكي في السفارة الأمريكية في عمّان بحظر أي نشاط تجاري أردني مع سورية([30]).

ولحق قطاع الزراعة بقطاعي الصناعة والتجارة، حيث تراجعت قدرة سورية على إنتاج غذائها بشكل كبير وعلى رأسها المحصول الاستراتيجي، القمح، العنصر الأساسي في صناعة الخبز. وعلى الرغم من الأمطار الجيدة في موسم 2019 وزراعة 1,26 مليون هكتار وهي قرابة 3 أرباع المساحات المزروعة في 2010 بلغ الإنتاج 2170 مليون طن من القمح وهذا يمثل نصف إنتاج العام 2011 كما يبين الشكل رقم (8)، ووصل الإنتاج للقاع في العام 2018 بنحو 1199 مليون طن من 642 ألف هكتار تم حصدها فقط، وهو أدنى إنتاج منذ 29 عاماً([31]).

ويُعزى التحسن الحاصل في موسم 2019 إلى الهطولات المطرية إذ توسّع الإنتاج البعلي ليصل إلى قرابة مليون طن في موسم 2019 ولا يزال المزارعون يواجهون ظروفاً سيئة، فالكثير من المزارعين لم يعد بإمكانهم الحصول على البذار والأسمدة والمازوت والأكياس والعمالة والآلات إما بسبب عدم توفرها أو بسبب غلاء ثمنها فضلا عن هجرة الفلاحين لأراضيهم بسبب النزوح الداخلي والهجرة خارج البلد، ووجود ألغام في بعض حقولهم، إلى جانب محدودية فرص التسويق([32]).

لم يقتصر فشلُ النظام على التعامل مع إشكال نقص محصول القمح، فهناك حالة مغايرة عبر محاصيل حققت فائضاً كبيراً كما في الحمضيات، فشل النظام في إيجاد أسواق لتصريفها في الداخل أو الخارج. ويكاد خط التصريف المحلي لا يتجاوز دمشق وتشير التقديرات إلى استيعاب السوق المحلية ثلث الإنتاج خلال الموسم ما يترك كميات كبيرة جاهزة للتصدير. وبات المزارعون في الساحل يعانون من فائض إنتاجهم وعدم القدرة على تسويق محاصيلهم بأسعار مُجدية إذ يباع الكيلو دون سعر التكلفة، وهو ما دفع البعض لاقتلاع أشجار البرتقال واستبدالها بزراعات استوائية، إذ بلغ عدد الأشجار المقلوعة في 2016 نحو 5086 شجرة وقفز العدد في عام 2017 لـ 20338 شجرة([33]).

وبقيت وعود النظام لمزارعي الحمضيات حبراً على ورق مثل وعود التصدير وافتتاح معامل لتغليف وتسويق الإنتاج ومشروع العصائر، إضافة لعدم استثمار الفاكهة في مجالات التجفيف والمركبات الطبية والغذائية الصحية، فيما لا يتجاوز مجموع ما تم تصديره إلى روسيا 10 آلاف طن أي لا تشكل أكثر من 1% من فائض الإنتاج، ويُشار أن كميات التصدير في العام 2017 لم تتجاوز عملياً 3000 طن من ثمار البرتقال بحسب منظمة الفاو، فيما بلغت كميات التصدير في 2019 نحو 140 ألف طن ولا تشكل سوى 28% من الفائض المتعارف عليه والمقدر بـ500 ألف طن من الثمار([34]).

تآكل القوة الشرائية

لم تكن نهاية العام 2019 أسهل من بدايتها مع الارتفاع المتزايد لأسعار السلع والخدمات وتهاوي القوة الشرائية للدخول، وهو ما ساهم في تردي الأوضاع المعيشية للمواطن. يشير الرسم البياني أدناه في الشكل رقم (9) مسيرة مؤشر أسعار المستهلك بين 2010 و2018 ويظهر بوضوح الارتفاع المطّرد فيه ونقطة التحول في العام 2015 بعد خسارة النظام لمساحات جغرافية واسعة ضمّت موارد طبيعية لها مساهمة كبيرة في الموازنة العامة، وهو نفس العام الذي تدخلت فيه روسيا لنجدة النظام عسكرياً. وأسهم الاستنزاف في الموارد والتشظي على الأرض بالتأثير على الأسواق عرضاً وطلباً وأدى لارتفاع معدلات التضخم.

والجدير بالذكر أن الواقع يخالف الأرقام الصادرة عن نشرات المؤسسات الرسمية التابعة للنظام فبعض السلع بلغ الارتفاع فيها أكثر من 1000 و2000%. على العموم أسهمت إجراءات النظام عبر السنوات الماضية في طباعة العملة بدون غطاء إنتاجي أو أصل مالي، إلى زيادة حتمية في معدلات التضخم وللإشارة فقد رفع المصرف المركزي الكمية المعروضة من الليرة في السوق المحلية بأكثر من 289% بين 2010 - 2016 في الوقت الذي بلغ معدل النمو السنوي للمعروض النقدي 16.1% بين 2006 - 2011([35]). كما أن اعتماد موازنات مالية كما هو موضح في الجدول رقم (1) تقوم على التمويل بالعجز خلال السنوات الماضية كانت بمثابة بيئة خصبة لارتفاع الأسعار، حيث ارتفع عجز الموازنة من 195 مليار ليرة عام 2011 إلى 946 مليار ليرة في موازنة العام 2019، وانخفض حجم الموازنة العامة بالدولار من 17 مليار دولار في 2011 إلى 7 مليارات دولار في 2019.

العام

2011

2012

2013

2014

2015

2016

2017

2018

2019

الموازنة العامة

1790

2288

1965

842

353

404

519

693

773

النفقات الجارية

771

1420

1459

558

236

252

352

350

371

النفقات الاستثمارية

814

636

387

230

93

104

132

179

219

الجدول رقم (1) الموازنات العامة وبنودها الجارية والاستثمارية بين 2011 و 2019 – الرقم بعشرات الملايين- الوحدة دولار - المصدر: المصرف المركزي السوري

 

لم يحصل أي تطور ملموس في العام 2019 فيما يتعلق بمؤشر أسعار المستهلك على الرغم من استعادة النظام لمساحات واسعة من المعارضة وإعادة تشغيل المعارض وفتح المعابر الحدودية، إذ واصل المؤشر الارتفاع خلال العام كما يظهر في الشكل رقم (10) من 790 في نهاية 2018 إلى 880 في شهر آب 2019 علماً أن الأشهر التالية شهدت ارتفاعاً أكثر في الأسعار لذا من المتوقع أن يستمر المؤشر في الارتفاع. ويُفسّر الارتفاع العام بالأسعار بجملة من العوامل من بينها: اشتداد وتيرة العقوبات المفروضة على سورية؛ وانخفاض قيمة الليرة السورية؛ واعتماد موازنات ذات عجز مالي كبير وغلبة الإنفاق الجاري على الإنفاق الاستثماري؛ واستمرار هشاشة القطاعات الإنتاجية في البلد من زراعة وصناعة مع عدم قدرة الحكومة على الإيفاء بوعودها؛ وأخيراً عدم جدوى سياسات الرقابة والضبط والإغلاق بالشمع الأحمر وتسيير الدوريات كسياسات حكومية لحماية المستهلك.

وفي صورة أكثر قرباً لتفسير تلك الأرقام وإسقاطها على الوضع الاجتماعي يُظهر الشكل التالي رقم (11) سلّة من المواد الأساسية التي تحتاجها أسرة مكونة من 5 أفراد في دمشق، حيث احتاجت الأسرة في الربع الأخير من 2019 لنحو 380 ألف ليرة سورية لتغطية تكاليفها شهرياً بحسب "مؤشر قاسيون" لتكاليف المعيشة، بلغت تكلفة الغذاء والمشروبات فيها 147 ألف ليرة أي نحو 38% من التكلفة الإجمالية. حجم المشكلة لا يظهر في ارتفاع الأسعار لوحده بل عند مقارنته بمعدل الأجور، إذ بلغ متوسط الأجور 60 ألف ليرة سورية (67 دولار الدولار يساوي 900 ليرة في نهاية 2019) بحسب الزيادة الأخيرة الصادرة في المرسوم التشريعي رقم 23، علماً أن متوسط الأجر بلغ في 2017 نحو 35500 ألف ليرة (68 دولار) وفي 2010 نحو 11350 ألف ليرة (200 دولار). وبالتالي فإن العامل الذي يتقاضى 60 ألف ليرة يحتاج لمضاعفة أجره مرتين ونصف للحاق بتكاليف الغذاء والمشروبات، وبحاجة لمضاعفته نحو 7 مرات للحاق بتكاليف المعيشة الكاملة البالغة حوالي 400 ألف ليرة، وفي حال عدم حصوله على كامل المبلغ سيلجأ لاتباع استراتيجيات التكيف مع شظف العيش من بينها التقشف والاقتصار على شراء الأساسيات فقط، وبيع الأصول، وإخراج الأطفال من المدارس وزجّهم في سوق العمل، وتزويج البنات باكراً، واللجوء إلى الأعمال غير المشروعة، أو الهجرة من البلد.

لقد أدّت الأوضاع المعيشية المتردية والفجوة بين الأجور والتكاليف إلى وقوع معظم السكان تحت خط الفقر بنسبة بلغت 83% لتكون سورية الأكثر فقراً على مستوى العالم([36]). علماً أن حد الفقر يبلغ 1.9 دولار لكل فرد يومياً و285 دولار شهرياً لأسرة مكونة من 5 أفراد، هذا يعني أن الأسرة بحاجة لـ256,500 ألف ليرة (الدولار 900 ليرة في نهاية 2019) شهرياً لتكون على خط الفقر وبالعودة إلى تكاليف الأسرة المعيشية الشهرية والتي تقارب 380 ألف ليرة أو 422 دولار سيكون خط الفقر السوري اليومي عند 2.8 دولار للفرد يومياً، وهذا الرقم أعلى من الخط العالمي للفقر بنسبة 147% أي أن الأسرة السورية عليها أن تمتلك 1.4 ضعف ما يملكه فقراء العالم لتصبح على خط الفقر العالمي. ومع بلوغ الأجر الوسطي 60 ألف ليرة (67 دولار) سنخلص إلى حاجة رفع الأجر ثلاث مرات وربع لتصبح الأسرة على خط الفقر العالمي في سورية.

لم تُفلح إجراءات الحكومة في ضبط الأسعار ومنع التلاعب والاستغلال من كبح لجام السوق السوداء حيث لجأت إلى زيادة عدد دوريات التموين لمراقبة الأسعار ومخالفة التجار غير المتقيّدين بالأسعار الرسمية أو أصحاب المحلات الممتنعين عن البيع، وتم فرض غرامات باهظة على المخالفين، كما لم يُسهم قرار رفع الأجور والرواتب إلا في زيادة معظم أسعار السلع والخدمات، فالزيادة في الأجر يقابلها زيادة في الأسعار ما يحيل إلى تبخر القوة الشرائية للدخل.

ولو أمكن قياس درجة حرارة الشارع السوري، أو مدى رضى المواطن على توفر الخدمات والسلع وقدرته على الشراء لظهر مدى السخط والإحباط من الظروف المعيشية السيئة بسبب الغلاء وانخفاض القدرة الشرائية للدخل، وقد تبدى ذلك في خروج مواطنين في السويداء الخاضعة للحكومة هاتفين "بدنا نعيش" ورفع شعارات في درعا كُتب عليها "ما بدنا ليرة ولا دولار بدنا تنزل الأسعار" جراء ارتفاع الأسعار لمعدلات وصلت لـ1000% في بعض السلع وتبخر القدرة الشرائية للمواطن وانتشار مخاوف من حصول مجاعة([37]).

سقوط الليرة السورية

يجدر التنويه هنا أنه تم تثبيت الفترة الزمنية لسعر الصرف حتى نهاية آذار 2020 ليتسنى تطبيق أدوات التحليل التقنية والأساسية.

أسهمت جميع المعطيات السابقة في تعطيل قدرة الليرة السورية على الصمود في مستوى سعري ثابت بينما قادت السوق السوداء مسيرة الارتفاع في سعر الصرف أمام الدولار قُدماً مدفوعةً بالعقوبات والمُهددات السياسية والعسكرية والاقتصادية جنباً إلى جنب مع المضاربة واستغلال تثبيت المركزي لسعر الصرف. وقد شجعت الأوضاع المضطربة والتذبذب الحاصل في قيمة الليرة لزيادة ظاهرة "الدولرة" في الاقتصاد.

لامس سعر صرف الليرة مقابل الدولار أعلى سعر في السوق السوداء عند 950 ليرة في كانون الأول 2019 فيما بقي سعر الصرف الرسمي عند 434 ليرة، لتنخفض قيمة الليرة بنسبة 94%. وتخلل هذا العام عدة أمور ساهمت في انخفاض الليرة وصعود سعر الصرف في 3 موجات كما يظهر في الشكل رقم (13) يمكن إيجازها بما يلي:

  • تشكلت الموجة الأولى مع تحريك قانون "سيزر" في أمريكا منذ بداية العام وتجديد العقوبات الأوروبية على سورية وفرضها على عدة مؤسسات ورجال أعمال مقربين من النظام، دافعاً لصعود سعر صرف الليرة في النصف الأول من 2019 بشكل بطيء ليصل إلى مستوى 600 ليرة، مع تنامي المخاوف من قدرة النظام على التحرك مالياً وتأمين العملة الصعبة لتغطية فاتورة الواردات؛
  • زادت العقوبات الأمريكية الصارمة على إيران بسبب تزويدها المحروقات للنظام السوري، الوضع المالي ضبابية وتطلب اعتماد النظام على موارده لتأمين فاتورة الواردات، بعد تقلّص حجم المساعدات الإيرانية المقدّمة للنظام جراء منع وصول البواخر الإيرانية المحملة بالمحروقات والمواد الأساسية إلى المرافئ السورية؛
  • وقد تبين شُح الدولار لدى البنك المركزي السوري في نهاية شهر أيلول عندما خفّض قائمة المنتجات المستوردة التي يسمح للبنوك بتوريدها أو تمويلها من 40 مادة إلى 13 مادة معظمها مواد غذائية وأدوية؛
  • تفاعلت أزمة الليرة مع ما حدث في لبنان على إثر اندلاع الاحتجاجات في الربع الأخير وما نجم عنها من إغلاق للبنوك والحركة المصرفية بشكل سلبي، جراء اعتماد سورية على البنوك اللبنانية للدخول إلى الأسواق العالمية وشراء السلع عبر النظام المالي العالمي تجنباً للعقوبات، فيما أدى إغلاق البنوك وتقييد حركة السحب والإيداع واستقالة الحكومة اللبنانية لموجة هلع في الأسواق اللبنانية سرعان ما انتقلت المضاربات على الدولار في لبنان وسورية ليضغط على الليرتين، وهو ما جعل سعر الصرف يشكل موجة الصعود الثانية ويلامس مستوى 950 ليرة؛
  • فيما كانت موجة الصعود الثالثة مع توقيع الرئيس الأمريكي على قانون "سيزر" في 21 كانون الأول ليصبح نافذاً ويزيد من زخم الصعود مع تدفق الأخبار السلبية على الليرة ومستقبل الاقتصاد السوري بالعموم.

 ومن الناحية التقنية، شكل وصول السعر إلى 700 ليرة للمرة الأولى مستوى المقاومة الأول واختراق حاجز نفسي مهم كما يظهر في الشكل رقم (13)، ليصبح اختراقه لاحقاً دافعاً للصعود واختبار مستويات جديدة ملامساً أعلى سعر لليرة عند 950 ليرة ويرسم عند هذا السعر خط المقاومة الثاني، فيما كانت خطوط الدعم بعد كل موجة صعود عند 600 ليرة و755 ليرة. ويبدو الاتجاه الصاعد واضح كما في الشكل رقم (14) عند تطبيق "الوسطي الحسابي المتحرك" لمدة 14 يوم (للمدى القريب) و50 يوم (للمدى المتوسط) كون السعر يتحرك فوق الوسطي الحسابي.

 

ظهر متغيرٌ طارئٌ استثنائي أثناء فترة إعداد وإخراج التقرير بصعود سعر صرف الليرة أمام الدولار إلى فوق 3000 ليرة جراء أزمة رامي مخلوف مع بشار الأسد والتي تفاعلت خلال نهاية شهر نيسان حتى شهر حزيران الحالي، حول قضية الاتهامات الموجهة لشركة "سيريتل" حيث تغيّرت لهجة رامي مخلوف من مناشدة لبشار الأسد في الفيديو الأول إلى رسائل تحذيرية وتهديد في آخر منشور له في 1 حزيران 2020. وجراء تفاعل الأزمة بين الحكومة ورامي مخلوف واشتداد حدة المضاربة خرجت الليرة عن السيطرة لتصعد يومياً بين 100-300 ليرة وتصل عتبة 3175 في 8 حزيران 2020 لتشهد على إثر ذلك الأسعار العامة ارتفاعاً ملحوظاً واضطراباً حلَّ في الأسواق المحلية.

2020 سيناريو الهبوط

دخلت سورية مع بداية العام 2020 مرحلة الهبوط من أوسع أبوابه على كافة المستويات. إذ أضاف الاتحاد الأوروبي في 17 شباط 8 رجال أعمال وكيانين إلى قائمة العقوبات بسبب علاقاتهم مع نظام الأسد وتحقيق أرباح عالية جراء تلك العلاقة، وفي 20 شباط فرض مكتب الأمن القومي الأمريكي عقوبات على 12 شخصاً وشركة بينها شركة هندسة عسكرية ومزوّد صيني للاتصالات اللاسلكية ومنتجات الأقمار الصناعية في إطار دعمها لإيران وسورية وكوريا الشمالية، وطبّقت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات على وزير الدفاع علي أيوب تتضمن تجميد أصول وحظر سفر، بسبب مسؤوليته عن العنف والأزمة الإنسانية الكارثية في شمال سورية منذ كانون الأول 2019. ومع اقتراب موعد تطبيق قانون "سيزر" في حزيران 2020 سيكون هناك ضغط أكبر على النظام وداعميه وكل من يتعامل معه على كافة الأصعدة.

ومن المتوقع أن تستمر معاناة النظام في تأمين مواد المحروقات بسبب عدم قدرة إيران على إيصال ناقلات محمّلة بالمحروقات من بنزين ومازت وغاز طبيعي للنظام. كما أن جميع محاولات النظام في تسويق إعادة الإعمار ستبوء بالفشل بسبب تقويضها من الولايات المتحدة عبر قانون "سيزر"، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من التدهور في قطاعي الصناعة والتجارة.

فيما يخص قطاع الزراعة فقد عمد النظام إلى السماح باستيراد القمح جراء العجز المتواصل بين الإنتاج والاحتياج، ما أدخل البلاد في أزمة خبز وأدى نقص المادة في الأسواق إلى ظهور سوق سوداء حيث بيعت ربطة الخبز بـ500 ليرة (10 أرغفة) بينما يبلغ سعرها الرسمي 50 ليرة([38]). ولم تكن موازنة العام 2020 أفضل من سابقاتها ولم يصحح النظام الخطأ الهيكلي في اعتماده على التمويل بالعجز وتحمل ديون محلية وخارجية، إذ اعتمد موازنة بحدود 6 مليارات دولار (الدولار 665) وهي أقل من موازنة 2019 بقيمتها بالدولار وليس بالليرة([39]).

وقفزت أسعار الكثير من السلع التموينية في الأسواق المحلية بشكل غير مسبوق، ولدى مقارنة أسعار عيّنة من المواد في 31 كانون الأول 2019 مع نفس المواد في 28 آذار 2020 ستظهر نسب الارتفاع بين ضعف وأربع أضعاف السعر السابق كما يظهر في الشكل رقم (15). وهي نسب ستؤدي إلى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك ومعدل التضخم، لذا من المتوقع أن ترتفع هذه التكلفة ساحبة معها تكاليف المعيشة الشهرية للربع الأول في 2020 ارتفاعاً عن 380 ألف ليرة.

لم تكن أسعار الغذاء ما ارتفع فقط، إذ ارتفعت أيضاً أسعار البنزين بكل تصنيفاته بحسب قرار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الأول من آذار 2020، حيث بلغ سعر لتر البنزين المدعوم أوكتان (90) 250 ليرة ارتفاعاً عن 225 ليرة، ومما لا شك فيه أن الارتفاع في أسعار المحروقات ستقود لارتفاع أسعار السلع والخدمات([40]).

وفيما يتعلق بسعر صرف الليرة مقابل الدولار فقد عبّر المرسومين 3 و 4 الصادرين عن بشار الأسد في كانون الثاني من 2020 عن فلسفة النظام الأمنية وتعاطيه مع المعطيات الاقتصادية، إذ تم تشديد الإجراءات الأمنية ضد المتعاملين بغير الليرة، وتصل عقوبة المخالفين حد الاعتقال والسجن 7 سنوات وفرض مبالغ مالية تصل إلى 5 ملايين ليرة، وتشير قرارات كهذه لعجز البنك المركزي عن استخدام أدوات السياسة النقدية كالتدخل بضح دولار في الأسواق ورفع معدل الفائدة لكبح جماح التضخم وحماية الليرة. وعلى الرغم من الإجراءات الأمنية مع المخالفين إلا أن الليرة استمرت في الهبوط([41]).

وشكل سعر صرف الليرة مقابل الدولار موجة الصعود الرابعة بين كانون الثاني وآذار مسجلاً أعلى سعر في 26 آذار 2020 عند 1360 ليرة كما يظهر في الشكل رقم (16). وساهم في هذا الارتفاع تصاعد وتيرة الأزمة المالية في لبنان طالت الاحتياطات بالعملات الأجنبية وإعلان الحكومة في 8 آذار عن تعليق سداد سندات "يوروبوند" للمرة الأولى في تاريخ لبنان؛ ومن ثم جاء إعلان الحكومة عن أول إصابة بفيروس "كورونا" في سورية في 22 آذار واتخاذ جملة من الإجراءات في إطار الحجر الصحي الجزئي.

ومع تطبيق اتجاه متسارع، trend line exponential على الرسم البياني في الشكل رقم (17) حتى نهاية 2020 سيظهر سيناريو ارتفاع سعر الصرف إلى مستوى 2000 ليرة أمام الدولار.

 

صعوبات كبيرة تمهّد لتنازلات

يواجه الاقتصاد السوري جملة من العوامل خلال عام 2020، تجعل الواقع أكثر صعوبة ويُنذر باستنزاف متزايد لجيوب السوريين وتعبهم ومن بينها ما يلي:

العقوبات: لم تثبت التجارب التاريخية نجاعة العقوبات في تعديل سلوك الأنظمة الشمولية، إلا أن ما طُبّق من عقوبات على سورية وإيران، ومن ثم فقانون "سيزر" كفيل بزيادة الخناق على النظام وتقييد قدرته على التهرب والالتفاف على العقوبات، إذ من شأن القانون فرض عقوبات على  الأفراد الأجانب الذين يبيعون أو يوفرون كميات يُعتدّ بها من سلع أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات تيسّر أو توسّع نطاق الإنتاج النفطي السوري الحكومي المحلي، وخدمات بناء أو هندسة وطائرات أو قطع غيار أو خدمات أخرى للحكومة، وبالتالي قد يشهد قطاع الطاقة مزيد من التدهور وشح متزايد في المحروقات، وإيقاف مساعي النظام في تسويق ملف إعادة الإعمار وأخيراً إفشال أي محاولة لإعادة الشرعية للأسد وإعادة العلاقات كما كانت.

تخلي الدولة عن الدعم: تخلّي النظام عن دعم المواد الأساسية من غذاء ومحروقات يخفف عن كاهله مبالغ مالية كبيرة وأعباءً اجتماعية لكنها في نفس الوقت تزيد من ارتفاع الأسعار ومن سخط المواطنين على النظام.

حلفاء الأمس: أسهمت العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، بسبب مساندتها النظام وتدخلها في سورية، والأزمة الاقتصادية في لبنان، والضغوط الاقتصادية على روسيا، للحد من قدرة تلك البلدان على مساعدة النظام مالياً ومادياً التي لطالما اعتبرها حليفاً له.

كورونا: تشكل جائحة كورونا ضيفاً ثقيل الظل على سورية على مستوى الحكومة والاقتصاد والمواطن، إذ تواجه سورية هذا الفيروس وسط نظام رعاية صحي متردٍ جداً فـ50% من المشافي خارج الخدمة وتراجع إنتاج الأدوية لأكثر من 50% وهرب أكثر من ثلثي العاملين في مجال الرعاية الطبية من البلاد إضافة إلى ارتفاع أسعار مئات الأصناف من الأدوية. ومع انتشار الوباء في سورية ارتفع سعر الكمامة إلى 3500 ليرة من 30 ليرة، وسعر عبوة مطهر اليدين من 250 إلى 500 ليرة وزجاجة الكحول الطبية بلغ سعرها 2500 ليرة بعدما كانت 500 ليرة.

تشظي البلاد: يُسهم استمرار اندلاع عمليات عسكرية كما في العملية التركية "درع الربيع" في آذار 2020 وعدم التوصل لاتفاق مع الإدارة الذاتية في شمال شرق الفرات، بضغوط متزايدة على الاقتصاد السوري جراء توزع الأدوار والثروات.

خاتمة

أسهمت عسكرة الدولة وسوء إدارة النظام للاقتصاد قبل الثورة لترسيخ إشكالات هيكلية رافقت الاقتصاد السوري خلال العقود الماضية التي سبقت الثورة، ومع تنامي هذين العاملين وتغوّل النظام في الحلول الأمنية وزج أفراد الجيش واستخدام كافة أنواع الأسلحة لقمع المتظاهرين وإعادة السيطرة على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وزاد حجم الإنفاق العسكري فاستنزف الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي وهبطت قيمة الليرة إلى أدنى مستوى لها وتردت مستويات المعيشية وارتفع حجم الديون الخارجية لصالح إيران وروسيا.

واتبع المجتمع الدولي سياسة فرض العقوبات والعزلة الدولية لتعديل سلوك النظام القمعي ومنع أي تحركات إقليمية ودولية لإعادة الشرعية للنظام وتمرير أموال إعادة الإعمار، فراقبت الولايات المتحدة وأوروبا عن كثب الكيانات ورجال الأعمال والمقرّبين من النظام الذين ساهموا في تطوير البلد وإعادة الإعمار وتم تطبيق عقوبات عليهم، وأثّرت العقوبات الأمريكية على إيران على المساعدات المقدمة للنظام فعانت سورية من شح شديد في المحروقات أدى لارتفاع أسعارها في الأسواق المحلية، وأغلقت الأزمة الاقتصادية في لبنان المتنفس الوحيد الذي يستخدمه النظام في تعاملاته المالية والاقتصادية مع العالم. ومع نهاية العام 2019 فرضت الولايات المتحدة على سورية عقوبات شديدة ضمن قانون "سيزر" ليلامس سعر صرف الليرة مقابل الدولار أعلى سعر في تاريخه عند 950 ليرة.

ولاحقاً في عام 2020 أصبح الاقتصاد على أعتاب انهيار متسارع بعد ظهور وباء كورونا واشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان واقتراب موعد سريان قانون "سيزر" في شهر حزيران واندلاع عمليات عسكرية في الشمال، وهو ما رسم صورة قاتمة لمستقبل سورية قد يجعلها بلداً معزولة ومتخلفة في كافة المؤشرات.

وبيّن التقرير في تحليل الجانب التقني لسعر صرف الليرة السورية حتى الربع الأول من 2020 سلوك الليرة أربع موجات صعود بعد اختراق مستوى 700 ليرة و950 ليرة و1230 ليرة و1360 ليرة وأظهر استخدام المتوسط المتحرك على المدى القريب والمتوسط والاتجاه المتسارع احتمال صعود السعر إلى 2000 ليرة في نهاية العام 2020.

انعكس تردي أوضاع الليرة والإنتاج على مؤشر أسعار المستهلك ليرتفع حتى شهر آب 2019 إلى 880 ومن المتوقع أن يتجاوز الرقم مستوى 1000 مع التحديثات التي حصلت على الأرقام والمؤشرات بعد ذلك الشهر. ولدى مقارنة أسعار مجموعة من السلع الأساسية بين 31 كانون الأول 2019 و28 آذار 2020 تبين ارتفاع الأسعار ضعف وأربع أضعاف السعر السابق، وهو ما سيزيد من تكاليف احتياجات الأسرة من 5 أفراد إلى أكثر من 380 ألف ليرة في الربع الأخير من 2019، ولم تفلح سياسة زيادة الأجور إلى 60 ألف ليرة إلا لمزيد من ارتفاع المعدل العام للأسعار. وبدورها ساهمت الزيادة في الأسعار والارتفاع في تكاليف المعيشة والانخفاض المتواصل في بيئة العمل، إلى زيادة معدلات الفقر لتتربع سورية على عرش أفقر دولة في العالم بوقوع 83% من السكان تحت خط الفقر.

أخيراً وبعد تسع سنوات من الثورة ومن ممارسات النظام العسكرية وإدارته السيئة للاقتصاد يبدو جلياً أن عام 2019 كان الأسوأ على النظام من حيث فرض مزيد من العقوبات واحتدام أزمة المحروقات وانخفاض قيمة الليرة وفشل جهوده في إعادة الإعمار وعودة الشرعية، والأسوأ على المواطن بعد تزايد الأسعار وتآكل القوة الشرائية وحرماناً متعدد الأبعاد، وهو ما يدخل البلاد في سيناريو كارثي خلال الشهور المقبلة. ولا يمكن الحديث عن أي تغير إيجابي في المؤشرات دون وضع البلد على سكة الانتقال السياسي للسلطة وفق القرارات الدولية ذات الشأن بالملف السوري، وإيقاف العسكرة وإدارة الاقتصاد من أشخاص ذوي كفاءات عالية قادرين على تصحيح ما آلت إليه الأوضاع.

ملحق: جدول بالعقوبات الأمريكية والأوروبية على النظام خلال عام 2019

التاريخ

البلد

القطاع/النوع

الوصف

21 كانون الثاني

أوروبية

الإنشاء وإعادة الإعمار

محكمة الاتحاد الأوروبي تفرض عقوبات على شركة بنا العقارية وشام القابضة

21 كانون الثاني

أوروبية

الإنشاء وإعادة الإعمار

إضافة 11 رجل أعمال و5 مؤسسات للعقوبات لدعم/استفادة من النظام من خلال المشاركة في تطوير عقارات فاخرة ومشاريع تدعم النظام.

21 كانون الثاني

أوروبية

محاسبة

إضافة 9 أشخاص ومؤسسة للعقوبات المفروضة على استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، تشمل تجميد أصول ومنع سفر.

21 كانون الثاني

ألمانية

مكافحة إرهاب

منع خطوط الطيران الإيرانية "mahan air" من تشغيل رحلات الركاب من وإلى مطاراتها بسبب نقل المليشيات ومعداتهم إلى سورية وبلدان الشرق الأوسط الأخرى التي تشهد نزاعات.

24 كانون الثاني

أمريكية

مكافحة إرهاب

فرض عقوبات على مليشيات مدعومة من إيران لها مقرات في سورية، فاطميون ولواء زينبيون، لتقديم الدعم المادي لفيلق الحرس الثوري الإسلامي، قدس.

6 شباط

أمريكية

محاسبة

أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بالأغلبية قانون سيزر القاضي بفرض عقوبات على النظام وداعميه.

8 شباط

أوروبية

تجارة وصناعة

تجديد العقوبات السنوية على رجل الأعمال وائل عبد الكريم وشركة الكريم للتجارة والصناعة في سورية.

4 آذار

أوروبية

محاسبة

الاتحاد الأوروبي يضيف سبع وزراء لقائمة العقوبات السورية (حجز أصول ومنع سفر) على خلفية التغييرات الحكومية في سورية.

7 آذار

أوروبية

محاسبة

المحكمة الأوروبية ترفض رفع العقوبات عن مؤسسات مرتبطة برامي مخلوف هي: شركة صروح، والمشرق للاستثمار، ودريكس تكنولوجي.

27 آذار

أمريكية

النفط

نشر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية تقريراً حول المخاطر التي تواجه الأطراف المشاركة في شحنات النفط للحكومة السورية بغض النظر عن مواقع أو جنسية أولئك الذين يسهلون هذا الدعم.

29 آذار

أوروبية

محاسبة

دول مقدونيا وصربيا وألبانيا والبوسنة توافق على قرار الاتحاد الأوروبي بتمديد العقوبات على سورية

8 نيسان

بريطانيا

مكافحة غسيل الاموال

نشرت بريطانيا لوائح بموجب قانون العقوبات ومحافظة غسل الأموال لعام 2018 بشأن سورية والذي سيدخل حيز التنفيذ بعد أن غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق.

9 أيار

أمريكية

محاسبة

تجديد العقوبات على سورية لمدة عام بسبب وحشية النظام وقمع الشعب السوري وما يتعلق باستخدام الاسلحة الكيميائية

10 أيار

أوروبية

محاسبة

رفضت المحكمة الأوروبية طلب عمار شريف لإلغاء العقوبات الخاصة به 

17 أيار

أوروبية

محاسبة

تجديد العقوبات المفروضة على سورية لمدة عام حتى 1 حزيران 2020 على خلفية العنف الممارس من النظام ضد المدنيين

23 أيار

بريطانية

التمويل

مصادرة 25 ألف جنيه استرليني من ابنة أخت بشار الأسد، أنيسة شوكت، بعد استخدام حسابها المصرفي للتهرب من العقوبات والاحتفاظ بأموال النظام السوري.

29 أيار

بلجيكية

الأسلحة الكيميائية

أدانت المحكمة الجنائية في بلجيكا 3 شركات وشخصين من مدراءها الإداريين بانتهاك عقوبات الاتحاد الأوروبي لتصدير مواد كيميائية إلى سورية دون ترخيص، احتوت 24 عملية تسليم للنظام بينها 160 طن من مكونات غاز السارين

12 حزيران

أمريكية

إعادة الإعمار

حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكية، سامر فوز وأقاربه حسين وعامر فوز و13 كياناً يملكها سامر فوز يقوم بأعمال إعادة الإعمار وإعادة تطوير سورية.

24 حزيران

أمريكية

محاسبة

فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على خامنئي وثمانية من كبار القادة العسكريين في إيران. واستهدفت تصفير إيرادات النفط الإيرانية ومنع أي دولة وشركة للتعامل معها في هذا المجال.

4 تموز

بريطانية

النفط

الاستيلاء على ناقلة عملاقة "غرايس 1" شرق جبل طارق يشتبه أنها خرقت عقوبات الاتحاد الأوروبي عن طريق نقل النفط الخام إلى مصفاة بانياس في سورية.

8 تموز

بريطانية

النفط

اعتمد جبل طارق لوائح قانون العقوبات لعام 2019 والاعتراف والتنفيذ التلقائي لجزاءات الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة.

15 آب

أمريكية

النفط

طلبت وزارة العدل الأمريكية الاستيلاء على الناقلة الإيرانية "جريس 1" التي احتجزتها في جبل طارق للاشتباه في اختراق عقوبات أوروبا على سورية

16 آب

أمريكية

النفط

أشارت وزارة الخارجية الأمريكية أن الناقلة "غريس 1" كانت تساعد الحرس الثوري الإسلامي عن طريق نقل النفط من إيران إلى سورية، وحذرت الوزارة من عواقب وخيمة على أي فرد مرتبط بالناقلة

23 آب

أمريكية

محاسبة

حذرت الولايات المتحدة من مشاركة الشركات التجارية والأفراد في معرض دمشق الدولي وتعاملهم مع النظام السوري وهو ما قد يعرضهم للعقوبات.

29 آب

أمريكية

محاسبة التمويل

أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية بنك جمال ترست على لائحة العقوبات لتقديمه خدمات مصرفية لحزب الله ومؤسسة الشهداء في إيران.

2 أيلول

أمريكية

النفط

طبق مكتب مراقبة الأصول الأجنبية ناقلة "أدريان درايا 1" كممتلكات محجوزة، وربان الناقلة كومار أخليش من الحرس الثوري الإيراني.

6  أيلول

أمريكية

مكافحة الإرهاب

أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية 16 كياناً و10 أفراد وحدد 11 سفينة شحن كممتلكات محجوزة. وهؤلاء هم شبكة تتألف من مسؤولين وشركات شحن وتأمين يديرها الحرس الثوري الإيراني الداعم للنظام السوري.

10 أيلول

أمريكية

محاسبة والتمويل

عاقب مكتب مراقبة الأصول الأجنبية قائمة من الأشخاص والشركات بتهمة تقديم الدعم المالي لجماعات مصنفة إرهابية، ومن بينها شركة سكسوك للصرافة في تركيا ولبنان وسورية، وشركة الحرم للصرافة، والخالدي، والحبو للمجوهرات.

11 أيلول

بريطانية

النفط

اتهمت إيران بتسليم النفط لنظام الأسد في انتهاك لتأكيداتها أنها لن تسلم النفط لأي كيان في سورية أو مكان آخر يطبق عليه عقوبات في أوروبا بعد إطلاق سراح سفينة "أدريان داريا 1". 

20 أيلول

أمريكية

مكافحة الإرهاب

استهداف البنك المركزي الإيراني وصندوق التنمية الوطنية الإيرانية وشركة اعتماد للتجارة.

23 أيلول

بريطانية

محاسبة

اتهام شركة دان بونكيرنع بانتهاك العقوبات على سورية في أوروبا من قبل المدعي العام الدينماركي، بزعم أن الشركة باعت ما لا يقل عن 30 ألف طن من وقود الطائرات لنظام الأسد.

30 أيلول

أمريكية

النفط

حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية كيان (شركة مارتيم) و3 أشخاص و5 سفن قيل إنها سهلت إيصال وقود الطائرات إلى القوات الروسية في سورية.

14 تشرين الأول

أمريكية

الأسلحة الكيميائية

مدد المجلس الأوربي التدابير التقييدية التي تتناول استخدام الأسلحة الكيميائية وانتشاراها حتى 16 تشرين الأول 2020، وتشمل حظر السفر وتجميد الأصول على 9 أشخاص وكيان، 5 منهم مرتبطين بنظام الأسد. 

25 تشرين الأول

كندية

محاسبة

تطبيق عقوبات على المواطن السوري الكندي نادر محمد قلعي، بسبب خرقه التدابير الاقتصادية الخاصة بسورية بعد دفع ما يعادل 140 ألف دولار كندي إلى شركة العقارات والاتصالات السورية.

28 تشرين الأول

بريطانية

محاسبة

فرض مكتب العقوبات المالية عقوبة قدرها 146,341 ألف جنيه استرليني على شركة تاليا المحدودة للتوظيف لخرقها لوائح العقوبات على سورية.

19 تشرين الثاني

أمريكية

مكافحة الإرهاب

حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية 2 من وكلاء المشتريات في "داعش" ومقرهما تركيا و4 شركات مرتبطة بـ"داعش" تعمل في سورية وتركيا والخليج وأوروبا لتقديم الدعم المالي واللوجستي لـ"داعش".

18 كانون الأول

أمريكية

محاسبة

صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون "سيزر لحماية المديين السوريين عام 2019" يسمع بفرض عقوبات على مسؤولين وقادة عسكريين ومدنيين سوريين وكل من يثبت تورطه في الأعمال الوحشية في سورية.

21 كانون الأول

أمريكية

محاسبة

ترامب يوقع على قانون سيزر ليصبح ساري المفعول

 الجدول رقم (1) العقوبات الأمريكية والأوروبية على النظام السوري خلال 2019 المصدر:

Enab Baladi, US department of treasury, European sanctions


([1]) استقى الباحث فكرة التقرير وبيانات كثيرة للاقتصاد السوري على التقارير الصادرة خلال عام 2019 من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، مؤشرات الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق سيطرة النظام السوري خلال عام 2019 انهيار متواصل، واعتمادية متنامية، رابط:  https://t.co/tf26VRsiug?amp=1

([2])  المحمود حمود، اقتصاد الحرب في الصراع السوري: تكتيك "دبر راسك"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 23 تموز 2015، رابط:

 https://carnegie-mec.org/2015/07/23/ar-pub-60273

([3])  الإنفاق العسكري في سورية من 1988 – 2011 ونسبتها من الإنفاق الحكومي ومن الناتج المحلي الإجمالي، معهد ستوكهولم للسلام، المصدر:

https://www.sipri.org/databases/milex

([4]) خسائر الاقتصاد السوري تقترب من ترليون دولار والتعافي يحتاج 20 عاماً، cnbc  عربية، رابط يوتيوب: https://bit.ly/2Use3kQ

([5]) الموازنة العامة في سورية لعام 2019: أداة لتمويه الواقع الاقتصادي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 24 كانون الأول 2018، رابط مختصر: https://bit.ly/2YOJxVi

([6]) سورية مواجهة التشظي، المركز السوري لبحوث السياسات، تقرير يرصد آثار الأزمة السورية خلال العام 2015، شباط 2016.

([7]) سورية مواجهة التشظي، المركز السوري لبحوث السياسات، مصدر سابق.

([8]) المصدر السابق مباشرة.

([9])  رجال أعمال "ماروتا سيتي".. تحت عقوبات الاتحاد الأوروبي، المدن، 22 كانون الثاني 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/33WNIPv

([10]) معرض دمشق الدولي نجاح إعلامي تكذبه الأرقام، عنب بلدي، 6 أيلول 2019، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/326378

([11]) واشنطن تفرض عقوبات على شركات سورية مختصة بتحويل الأموال، عنب بلدي، 11 أيلول 2019، رابط:  https://bit.ly/2AZZnT6

([12])يازجي جهاد، مصائب سورية الاقتصادية المتزايدة: الأزمة اللبنانية، قانون قيصر، ثم فيروس كورونا، 26 آذار 2020، مبادرة الإصلاح العربي، رابط: https://bit.ly/2w9bADc

([13]) هكذا تغزو إيران سورية اقتصادياً، إيران انسايدر، رابط مختصر: https://bit.ly/2X4qdTr 

([14]) تصريح لرئيس الحكومة عماد خميس في مجلس الشعب، كانون الثاني 2019، موقع الحل السوري، رابط مختصر: https://bit.ly/3azasaX

([15]) أزمة البنزين: الائتمان الإيراني متوقف.. بانتظار التنازلات؟، المدن، 17 نيسان 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/2UQ3Uhp

([16]) تصريح لوزير النفط والثروة المعدنية، علي غانم أثناء مداخلة للوزير في مجلس الشعب في أكتوبر 2019، رابط: https://www.syria-oil.com/11938/

([17])  أخبار النفط والغاز السوري، تشرين الأول 2019، رابط: https://www.syria-oil.com/11935/

([18])  أخبار النفط والغاز السوري، شباط 2020، رابط: https://www.syria-oil.com/12859/

([19])  أخبار النفط والغاز السوري، شباط 2020، رابط: https://www.syria-oil.com/12917/

([20]) اسطوانة الغاز تنخفض إلى 7 آلاف ليرة في السوق السوداء، 12 كانون الثاني 2019، عنب بلدي، رابط: https://bit.ly/2AZZnT6

([21]) شباط فادي، في "سوريا الأسد".. هل أصبح التقنين الكهربائي إنجازاً؟، 21 آذار 2019، اقتصاد، رابط: https://www.eqtsad.net/news/article/24384/

([22]) فارس محمد، سوريا الحنين إلى الكهرباء، 15 نيسان 2019، درج، رابط: https://daraj.com/16640/

([23]) شباط فادي، في "سوريا الأسد".. هل أصبح التقنين الكهربائي إنجازاً؟، مصدر سابق.

([24]) مكية أسامة، قطاع الكهرباء في سورية ينهار تحت وطأة الحصار، 12 آذار 2016، الحل، رابط مختصر: https://bit.ly/33XlXXd

([25]) فارس محمد، سوريا الحنين إلى الكهرباء، مصدر سابق.

([26]) ما هي أهم الصناعات العامة المتوقفة والمتراجعة؟، قاسيون، 24 شباط 2020، رابط: https://bit.ly/2WXoS0t

([27]) سورية الأكثر فقرا في العالم، عنب بلدي، 22 شباط 2002، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/365162

([28]) محمود عشتار، الصادرات السورية خام ومتراجعة في 2018، قاسيون، 6 آب 2019، رابط: https://kassioun.org/economic/item/62551-2018

([29]) مرور الشاحنة الواحد عبر سورية يكلف ألف دولار، بروكار برس، 26 نيسان 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/3ayoKsl

([30]) أمريكا تطالب تجار الأردن بمغادرة أسواق النظام بأسرع وقت، بروكار برس، 24 آذار 2019، رابط مختصر: https://bit.ly/2youxT6

([31])الطقس غير المستقر والنزاع الذي طال أمده يلحقان الضرر بالإنتاج الزراعي في سورية، 9 تشرين الأول 2018، منظمة فاو الدولية، رابط مختصر: https://bit.ly/2JGfkzj

([32]) موسم 2019 مليونا طن من القمح ومثلها من الشعير، 9 أيلول 2019، قاسيون، رابط: https://www.kassioun.org/economic/item/62853-2019

([33]) موسم الحمضيات الحقول عامرة بالخير ماذا عن التسويق، 10 كانون الأول 2018، سانا، رابط: https://www.sana.sy/?p=859529

([34]) توزع عوائد الحمصيات بين المنتجين والتجار والمصدرين، قاسيون، 3 شباط 2020، رابط: https://bit.ly/2QXNHpq  

([35]) ظاهر جوزيف، الأسباب العميقة لتدهور قيمة الليرة السورية، 31 كانون الثاني 2020، مسارات الشرق الأوسط، رابط مختصر: https://bit.ly/3bJDS6u

([36]  سورية الأكثر فقراً في العالم، 22 شباط 2020، عنب بلدي، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/365162

([37]) احتجاجات السويداء تتمسك بـ«مطالب معيشية» وتبتعد عن السياسة، 19 كانون الثاني 2020، الشرق الأوسط، رابط مختصر: https://bit.ly/3dPE9Xp

([38]) السماح باستيراد الطحين للجميع أزمة خبز مستمرة في سوريا، 30 آذار 2020، عنب بلدي، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/373805 

([39]) حداد وجيه، موازنة 2020 السورية: التمويل بالعجز، 29 تشرين الأول 2019، المدن، رابط: https://bit.ly/2V4CeFR

([40]) سوريا ترفع أسعار البنزين، 1 آذار 2020، روسيا اليوم، رابط: https://bit.ly/2xEthLi

([41]) مراسيم الأسد لمواجهة "الدولرة"... صارمة لكنها هشة، عنب بلدي، 2 شباط 2020، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/359970

التصنيف تقارير خاصة

عكس ظهور رامي مخلوف بحمولة من الرسائل والدلالات، استثنائية الحدث وحجمه، خاصة ضمن التوقيت والسياق الحاليين للملف السوري. الاستثنائية التي تكمن بداية في الخروج عن المألوف لناحية سلوك أحد رموز النظام في التعاطي مع الإشكاليات الداخلية وتصديرها، تحديداً تلك المتعلقة بجزء من نظام الحكم والمقربين من الدائرة العائلية، والذين لطالما أحيطت بهم هالة من التقديس والسريّة، ساهم ظهور مخلوف بكسرها عبر تصديره إشكالية مركّبة (سياسية-اقتصادية-عائلية-دولية) إلى مستوى مختلف تماماً، تمثل بالرأي العام والشارع.

ولا تكمن الاستثنائية في رد فعل رامي مخلوف فقط، وإنما تمتد أيضاً إلى سلوك آل الأسد وعقلية السلطة والنظام، والذي لم يؤمن يوماً بهذا النوع من المحاسبة في إطار تشويه سمعة لأي من أركانه ورموزه ضمن دائرة الحكم، خاصة العائلية والطائفية، فرفعت الأسد الذي حاصر دمشق بالجيش وزاحم أخاه السلطة، خرج في إطار صفقة ضمنت لهُ امتيازات عدة، أقلها تحفّظ الإعلام الرسمي حتى الآن عن تناوله وتشويه سمعته.

 وكذلك غازي كنعان، الذي أتى بما لم يأتِ به رامي وهدد السلطة بمخطط انقلاب، ورغم انتحاره/تصفيته فقد حظي بجنازة عسكريّة. ولا يبدو أن النظام قد أحدث أي تغيير في تلك العقلية ضمن ظروف أكثر حساسية واتجاه شخصيات أقل وزناً، كعاطف نجيب في مطلع العام 2011، فكيف برامي محمد مخلوف ونفوذه؟ والذي لا يبدو ظهوره إلا ذروة لخلاف كان يتفاعل منذ وقت.

 فقد تعرض مخلوف خلال العامين الفائتين لحملات مُنظّمة ومتتالية على مستويات مختلفة، تعددت أشكالها غير الرسمية، لتنتهي اليوم بوضعه كغريم لـ "القانون" الممثل بـ"الدولة"، والتي خاطبها رامي بشكل مباشر في ظهوره دون ذكر كلمة الحكومة أو أي من أجهزتها المعنية بالإشكالية، وذلك ليس فقط لوعيه "الفطري" بأنه جزء منها ومن النظام المُسيطر عليها، وإنما لإدراكه الكامل أن القرار الذي اتُخذَ بحقه هو قرار سياسي أولاً، يتجاوز مبلغ 233.8 مليار ل.س، والذي لم يحتج على دفعه، وإنما على السياق وآليات التحصيل، وما بعده؟.

ولعل الخصوصية المركّبة لرامي مخلوف مقابل طبيعة التحركات والإجراءات التي يتخذها النظام بحقّه عبر مؤسسات الدولة، تعطي مؤشرات لملامح تحوّل في بنية النظام، على الأقل الاقتصادية، فمخلوف ليس مجرد ابن خال الرئيس، ورجل أعمال مهيمن على الحصّة الأكبر من الاقتصاد السوري، وإنما يمثل منظومة داخل منظومات متداخلة، عائلية وطائفية وعشائرية.

وهو ابن محمد مخلوف عرّاب بشار الأسد وأحد أهم الذين وقفوا معه في سنوات حكمه الأولى، خاصة في وجه الحرس القديم، والذي تمتد قوته في شجرة السلطة إلى أنيسة مخلوف، وآل مخلوف الذين ينحدرون من عشيرة الحدادين التي تشكل قوة داخل البنية العشائرية للطائفة، وكذلك العائلة ذاتها داخل العشيرة.

فضمن السياق السوري، لا يمكن التعاطي مع رامي مخلوف كشخص فقط، بقدر ما هو جزء من مرحلة كاملة وتحوّل رافق حكم بشار الأسد وسياسات الانفتاح الاقتصادي (النيو ليبرالية)، التي صعّدت طبقة رجال أعمال مقربين تغولوا في السوق على حساب تراجع دور الدولة والقطاع العام، التحول الذي أخلّ بتوازنات حافظ الأسد، ليس على مستوى شكل الاقتصاد فحسب، وإنما على مستوى تجاوز هيمنة الطائفة، عبر النظام، للجيش والأجهزة الأمنية والاكتفاء بالإتاوات من التجّار، إلى الإطباق على الاقتصاد السوري.

 وقد شكّل رامي مخلوف وعائلته وعدد من أبناء رموز نظام الأسد الأب أداةً لهذا الإطباق، من خلال شركات وبنوك واستثمارات في مختلف القطاعات وصلت حد الاحتكار والتشبيح الاقتصادي، وتسخير أجهزة الدولة لخدمة هذا الاحتكار ومنع كسره عبر قوانين مصممة له، وبذلك ضيّق الهامش لباقي رجال الأعمال من مختلف المكونات، والذين يعملون أيضاً في المتاح اقتصادياً ويشاركهم رامي في أغلبه، بعكس التوازنات التي كانت راسية عهد الأسد الأب والقائمة على ترك الاقتصاد للنخبة التقليدية من السُنّة والمسيحيين، في إطار تحالفات وتوازنات اقتضتها ضرورات تثبيت السلطة.

وكما مثّل صعود رامي مخلوف جزءاً من مرحلة وتحولاً في بنية النظام السوري، فإن أفُولهُ اليوم ومحاولات تحجيمه وإزاحته عن الساحة الاقتصادية، قد تشير إلى بدايات وملامح تحوّل جديد، لا يبدو مخلوف المحطة الأخيرة ضمنهُ.  التحوّل الذي يحمل سمة القسريّة ويسعى النظام إلى إحداثه في بنيته ضمن دوافع وسياقات معقّدة، منها داخلية تتعلق بتغيير الأولويات بعد تراجع العمليات العسكرية وما ظهّرته من إشكاليات مركّبة، انعكست بشكل أزمات اقتصادية مزمنة يعيشها النظام على عدة مستويات، ومالها من آثار عميقة على حركة الحياة العامة والمعيشة.

وأُخرى خارجية، تمثلت بتصاعد أثر العقوبات الاقتصادية واقتراب فرض قانون قيصر، كضغط دولي سياسي-اقتصادي لدفع النظام لإحداث تغيير في "سلوكه" بحسب تعبير الولايات المتحدة، والذي لا يبدو أنه سيحدث دون تغيير في البنيّة. مقابل ضغط الحلفاء الاقتصادي في إطار استرداد فاتورة التدخل العسكري، والتزاحم على التغلغل في بنية الاقتصاد السوري والتنافس على تحصيل عقود طويلة الأمد في قطاعاته الحيوية، والتي تحاول إيران التموضع ضمنها عبر شبكاتها الاقتصادية ووكلائها المحليين، مقابل نشاط موسكو وشبكاتها وما يرافقه من محاولات للتغلغل وإعادة هيكلة بعض قطاعات ومؤسسات الدولة، بما يتوافق ومصالحها ورؤيتها للحل السياسي وتفاهماتها مع اللاعبين الإقليميين والدوليين.

وقد ساهم هذا المناخ إضافة لعوامل أخرى، بصعود طبقة رجال أعمال جدد كوكلاء للحلفاء في عدة قطاعات، والذين ساهموا برسم شكل جديد للسوق عبر التغول أكثر على حساب "الدولة" التي تحولت إلى طرف ميليشياوي وشريك أمني وليس اقتصادي.

في تلك السياقات المعقّدة وما يتخللها من ضغوطات داخلية وخارجية، يبدو أن الأسد يسعى لإحداث تحوّل في جزء من بنيّة النظام، عبر براغماتية توائم بين مصالحه الخاصة والضغوطات المتعددة، فكما يناور النظام في هامش التنافس بين حلفائه، فإنه أيضاً يحاول التكيّف مع ضغوطاتهم، خاصة الروسية منها، عبر محاولات التوفيق بين مصالحه ومصالحهم ومقاطعتها.

ولعل مخلوف أحد أمثلة هذا التقاطع، الذي اقتضى سلسلة تحركات باتجاه تحجيم نفوذه، إذ لم تكن الإجراءات الأخيرة ضده هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها أخرى على مستويات وفترات مختلفة، كحلّ ميلشيات "الحزب القومي السوري" المدعومة منه، إضافة إلى مليشيات أخرى، مقابل التضييق على أعمال جمعية البستان والحجز على بعض الشركات.

 وفي هذا السياق لم يكن رامي الوحيد، ولكنه الأبرز، فقد تزامنت تلك الحملات مع أخرى استهدفت شرائح مختلفة من الشبكات الاقتصادية (ضباط، رجال أعمال، تجّار) وفرضت بدايةً محاصصتهم في الكسب الذي حققوه خلال سنوات الصراع، وذلك في إطار إعادة تعريف علاقة النظام بهم.

ويبدو أن تحركات النظام تأتي كمحاولات لإعادة ترتيب مراكز القوى، وفرض نفسه عبر الدولة الساعية إلى استعادة أدوارها، والتي تنازلت عن العديد منها بعد العام 2011، سواء في الشق الاقتصادي أو العسكري، وفوضتها لمليشيات مسلحة وشبكات اقتصادية بشكل يتلاءم وطبيعة الصراع المسلّح وما أفرزه من أشكال لاقتصاد الحرب على مرّ الأعوام الفائتة.

وربما يتقاطع ذلك مع ما أشار إليه بشار الأسد خلال لقائه بــ "المجموعة الحكومية لمكافحة الـكورونا" والمؤلفة من وزارات ومؤسسات الدولة، اللقاء الذي تلا الظهور الأخير لرامي مخلوف بأيام قليلة ونشرته رئاسة الجمهورية عبر معرفاتها الرسمية، وأكد خلاله الأسد على "ضرورة إعادة دور الدولة كلاعب على مستوى الاقتصاد وضابط للسوق".

 ذات الخطاب حمل تلميحات غير مباشرة ومدروسة باتجاه قضية مخلوف، فمجرد الظهور بالفريق الحكومي واستعراض ملفات عديدة و"تحديات المستقبل"، بدا كردّ "الدولة التي تنشغل بملفات أكبر من أفراد"، وهذا هو سلوك النظام الرسمي والتقليدي في التعاطي مع أزماته الحساسة، عبر تجاهلها والحرص على تظهير الدولة كطرف وليس الشخص أو العائلة أو الطائفة.

ولا تبدو محاولات استعادة دور "الدولة" على المستوى الاقتصادي منفصلة عن باقي المستويات، فقد رافق إجراءات  النظام في الجانب الاقتصادي تحركات على مرّ العامين الفائتين باتجاهات مختلفة، منها حلّ بعض المليشيات وإعادة تنظيم ودمج بعضها الآخر في الجيش، وذلك أيضاً في إطار إعادة ضبط وتعريف العلاقة بينها وبين "الدولة"، الأمر الذي استدعى أحياناً الصدام معها وبعض العوائل والأسماء المتنفذة التي تدعمها، كما حدث سابقاً في الساحل السوري 2018-2019، خاصة مع تحوّل تلك المليشيات إلى شبكات عائلية وأمنية، تنافس سطوتها في مناطقها "الدولة".

ولعل القاسم المشترك في أغلب تحركات النظام على المستويات السابقة، هو الغطاء الروسي، خاصة في تلك التي تستدعي صداماً مع مراكز القوى داخل النظام والعائلة والطائفة، واحتواء أي آثار محتملة لهذا الصدام. وفي هذا السياق لا تبدو أسماء الأسد ورجال الأعمال المقربين منها قوة كافية في مواجهة هذا النوع من الصدامات، خاصة ضمن بنيّة نظام الأسد المركّبة، والتي يبدو فيها دور أسماء الأخرس منفعلاً ومرسوماً، أكثر من كونه فاعلاً وعاملاً حاسماً في إحداث تحولات داخل البنيّة.

وهذا لا يعني التقليل من دور "السيدة الأولى" وأثره، بقدر ما هو إشارة إلى الدور الروسي كغطاء رافق هذا النوع من تحركات النظام السابقة، الغطاء ذاته الذي قد يتراجع أحياناً للضغط على النظام، ويعود لدعمه في حال الاستجابة. ويبدو أن الحملة الروسية غير الرسمية، التي شنت هجوماً على الأسد قبيل ظهور مخلوف، جاءت في هذا السياق، خاصة وأنها ركزت على توصيفي (ضعيف، فاسد)، لتأتي تحركات الأسد تجاه مخلوف كإثبات للعكس في ظاهرها، بينما بدت في العمق كرد منسجم مع مطالب الحملة، أكثر منه تحدٍ لموسكو.

وخلال استجابة النظام للضغوطات المركّبة عبر ديناميات داخلية جديدة، يبدو أنه بشكل أو بآخر يرسل إشارات تُعبّر عن رؤيته الخاصة لحجم التغيير المحتمل وسقف التنازلات التي قد يقدمها خلاله، فيما بدا وكأنه أشبه بالعودة إلى توازنات حافظ الأسد في بعض المستويات، والتي تقتضي إعادة فتح المجال الاقتصادي، وربما التنازل في غيره من المجالات مستقبلاً بما ينسجم مع حجم الضغوط والمرحلة المقبلة، ولكن دون التنازل في البنيّة الرئيسية المتمثلة بالإطباق على الجيش والأجهزة الأمنية، كصمام أمان النظام وأداته للتحكم والهيمنة على البلاد.

إذ يحاول النظام التكيّف مع الضغوط الخارجية للتغيير في بنيته الطائفية والعائلية، عبر التمسك بالجيش والأجهزة الأمنية وفتح ما دونهما لمشاركة الأغلبية السُنية من الموالين، في محاولة للاستمرار بعزل المعارضة وعدم الاعتراف بها، والإيحاء بأن الصراع في سورية طائفي على الحكم، ويمكن حلّه بتوسيع هامش مشاركة السُنة وباقي المكونات في مجالات مختلفة.

 فرغم هذا التحوّل الذي يقوده الأسد على المستوى الاقتصادي أو الإيحاء به على مستويات أخرى؛ إلا أن الأجهزة الأمنية والجيش لم يشهدا إلى الآن أي تغيير حقيقي، خاصة لناحية الهيمنة الطائفية، بل على العكس زاد تغول تلك الهيمنة على مستوى المراكز القيادية، وهذا ما أثبتته دراسة صادرة عن "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، تناولت طبيعة شاغلي المراكز القيادة في الجيش، والتعديلات التي طرأت عليها حتى العام 2020.

يدرك النظام أن اللجوء إلى مستويات من توازنات حافظ الأسد، ليس إلا تكيّفاً مرحلياً في واقع اختلفت فيه توازنات سورية والمنطقة، وتأقلماً مع حجم الضغوطات الداخلية لسنوات الصراع، وضغط المجتمع الدولي وداعميه، وذلك كمحاولة للتملص من إحداث تغيير حقيقي في سورية عبر مشاركة المعارضة وإعادة هيكلة أجهزة الدولة بما فيها القطاع الأمني، الأمر الذي يبدو أنه لم يعد رهناً بإرادة بشار الأسد وتصوراته، بقدر ما تحول إلى عملية خاضعة لتفاهمات ومصالح الفاعلين في القضية السورية.

 فرغم أن تحولات مراكز القوى قد تشير إلى تصدع في بنيّة نظام الأسد، إلا أنها وبالوقت ذاته ليست مؤشراً كافياً على تآكل تلك البنيّة أو تغييرها بالكامل، الأمر الذي بات مرتبطاً بعوامل إقليمية ودولية مختلفة، وتوافقات بين لاعبين متعددين بمصالح متضاربة، سيشكل التوفيق فيما بينها أساساً لأي حل سياسي قادم، وتحديداً لشكل النظام الجديد وموقع الأسد ضمنه.

التصنيف مقالات الرأي

توطئة؛

دأبت حكومة النظام على استخدام الرقم الاقتصادي أداة لتمويه الحقائق حول الانهيار الذي ألمَّ بالاقتصاد السوري بعد عام 2011. بعد التراجع الكبير الذي سجلته مؤشرات الاقتصاد الكلي، وانخفاض أداء القطاعات الإنتاجية والخدمية، والتدهور في إيرادات الخزينة العامة وتدني المستوى المعيشي للمواطنين. وقد تبدى هذا التمويه بشكل واضح في الأرقام التي أُعلِنَ عنها في الموازنات العامة السنوية المتتالية مع غياب الشفافية اللازمة حول إجراءات إعدادها وتنفيذها، وخاصة بعد الانكماش الحاد في مصادر تمويلها والاعتماد بشكل كبير على التمويل بالعجز. ويعكس كل ما سبق السياسة التي يسعى إليها النظام باستخدامه الاقتصاد كوسيلة لشرعنة وجوده وتوطيد سلطته في هذا البلد.   

العجز المتأصل في الموازنة

في موازنتها لعام 2019 والتي بلغت قيمتها (3882) مليار ليرة سورية أي ما يعادل (8.92) مليار دولار أمريكي. وفي جانب العجز الذي يمثل أحد البنود الأساسية في الموازنة العامة أكدت حكومة النظام في بيانها المالي استمرار التدهور في وضعها المالي، حين أقرَّت الموازنة العامة للدولة بعجز بلغت نسبته 42.8% من قيمتها([1]أي ما يساوي 948.3 مليار ليرة سورية و2.18 مليار دولار أمريكي، الأمر الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام لدى المتابعين والمحللين للوضع الاقتصادي في سورية حول مدى قدرة الحكومة على تغطية هذا العجز. ومع تأكيد الحكومة على أن هذه الموازنة هي الأكبر في تاريخ سورية، إلا أنَّ ذلك لا يعدو كونه تمويهاً إعلامياً للتغطية على تراجع اعتمادات الموازنة خلال السنوات الماضية وانخفاضاً في قيمتها. ففي عام 2011 بلغت قيمة الموازنة 12.96 مليار دولار، وبفارق 4.04 مليار دولار عن موازنة عام 2019، و6.66 مليار عن موازنة عام 2018. ولم تظهر في الموازنة العامة الحالية تفصيلات الإيرادات التي سيتم الاعتماد عليها لتمويل الموازنة وجعلها خالية من العجز. ورغم تأكيد وزير مالية النظام أن مصادر التمويل تعتمد بالكامل على الموارد الداخلية والمديونية الداخلية للمصرف المركزي عن طريق سندات موضوعة في التداول النقدي؛ لكن من المستبعد جداً أن تكون "الحكومة" قريبة من تغطية نفقاتها، في ضوء التراجع الحاد في قيمة هذه الإيرادات خلال الأعوام الماضية عما كانت عليه عام 2010، ممَّ يجعل هذه الموازنة كسابقاتها تعتمد على التمويل بالعجز.

تراجعت نسبة تغطية الإيرادات للنفقات العامة بشكل كبير على مدار الأعوام الماضية، حيث بلغت نسبة العجز في الموازنة عام 2018 (25.3%) من قيمة الموازنة أي ما يساوي(808.4) مليار ليرة سورية وهو ما يعادل (1.616) مليار دولار أمريكي. في حين بلغت هذه النسبة في الأعوام السابقة كما يبين الشكل (1).

 

وتثير هذه النسب الكبيرة للعجز السنوي العديد من التساؤلات التي تمحورت حول مدى قدرة "الحكومة" على تغطية هذا العجز، وما هي الآثار المحتملة لهذا العجز على مستقبل الاقتصاد السوري، على اعتبار أنَّ هذه النسب أكبر من قدرة الاقتصاد السوري على تحملها، بسبب غياب السوق المالية الفاعلة وعدم القدرة على الوصول إلى الأسواق الدولية للحصول على التمويل. وبعد أن بلغت كلفة الدمار الذي خلفته الحرب نحو 400 مليار دولار أمريكي وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة([2]). فضلاً عن ارتباط ملف إعادة الإعمار بالاعتبارات السياسية والاقتصادية على المستوى الدولي.       

السعي الحثيث لتغطية العجز

على مدار الأعوام الماضية، وفي سبيل تغطية هذا العجز سعت حكومة النظام جاهدة نحو زيادة إيرادات الخزينة العامة بمختلف الوسائل، ابتداءً من الاستفادة من الضرائب والرسوم عبر استحداث أوعية ضريبية جديدة، وزيادة الرسوم على الأوعية الضريبية الحالية وتحسين إجراءات التحصيل الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي، إلى العمل على زيادة الإيرادات الاستثمارية، مروراً بضبط الإنفاق العام وترشيده، أو بالتضخم عن طريق الإصدار النقدي بدون تغطية، وانتهاءً بالاعتماد على القروض المحلية والخارجية لتمويل إيرادات الموازنة بالعجز. إلا أن هذه الإجراءات لتخفيض العجز تبدو في قسمها الأكبر خارج سيطرة السلطات المالية بشكل كبير، لأسباب ترتبط بالظروف الأمنية الحاضرة وتأثيرها على الظروف الاقتصادية، والعقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على قطاعي الطاقة والاقتصاد، إلى جانب الخسائر الكبيرة لدى المؤسسات في القطاعين العام والخاص والتي أدت إلى تراجع إيراداتها وعدم قدرتها على تسديد الضرائب.

كما تبدو المشكلة أكثر تعقيداً في ظل غياب خيارات التمويل والاعتماد بشكل كبير على التمويل بالعجز عبر الاقتراض الداخلي من المصرف المركزي الذي أظهرَ تقرير للبنك الدولي في عام 2016 تراجع احتياطات المصرف من القطع الأجنبي من 20 مليار دولار في بداية عام 2011 إلى 700 مليون دولار([3]). أو اللجوء إلى الاستدانة من المصارف المحلية المتخصصة التي تعاني من مشكلات كبيرة في السيولة والديون المشكوك في تحصيلها. بالإضافة إلى قيام "الحكومة" بتدوير بعض الديون إلى سنوات مقبلة دون أن يرصد لها أي بند في الموازنة. إلى جانب غياب أي معلومات مؤكدة عن مصير احتياطي الذهب لدى المركزي والذي بلغ حجمه في بداية عام 2012 (25.8) طن وما قيمته 1.36 مليار دولار، ووجود تسريبات تفيد بقيام النظام ببيعه لتعويض نفاد احتياطي العملة الصعبة([4]). إلى جانب ذلك فإن ما يتداول عن نية المصرف المركزي طرح سندات وأذونات لا يعدو كونه إجراء لطمأنة السوق، ومن المتوقع ألا يكون هناك إقبالاً لشراء هذه السندات مهما بلغت نسبة الفائدة عليها، في ظل عدم ثقة المستثمرين بالوضع الاقتصادي، لا سيما مع فقدان الليرة السورية لنسبة 1000% من قيمتها منذ عام 2011 والذي لا يمكن أن تجاريه أي فائدة([5]).

وبالتالي فإن تصريح حكومة النظام باللجوء إلى الاقتراض من البنك المركزي لتمويل العجز لا يعدو كونه مجرد وسيلة تتكئ عليها لتفسير كيفية تمويلها للعجز، وتسويقاً لفكرة أن المصرف المركزي لا يزال قادراً على لعب دوره في تمويل عجز الموازنة العامة للدولة.

التبعات المستقبلية للدين 

إن لجوء هذه "الحكومة" إلى الاعتماد على الاقتراض الداخلي خلال الأعوام الماضية أدى إلى زيادة المديونية الداخلية بشكل كبير، والتي تخطت وفقاً لبعض التقديرات حاجز أربع تريليونات ليرة سورية، أي ما يعادل حوالي 8 مليار دولار أمريكي. مجبراً إياها في الوقت ذاته على اتخاذ إجراءات تقشفية، مثل الضغط على الإيرادات من أجل تخفيض حجم النقد الأجنبي اللازم لتمويل المستوردات، وتخصيص الفائض من أجل تمويل الإنفاق الجاري، واللجوء في المقابل على صعيد الإيرادات إلى احتساب فائض السيولة لدى شركات ومؤسسات القطاع العام، وقسم من أموال التأمينات الاجتماعية وأموال التأمين والمعاشات كمورد من موارد الموازنة على الرغم لما لهذه التدابير من تبعات وآثار سلبية على كل من النمو والنشاط الاقتصادي. وبالتالي أسهم هذا الوضع في زيادة العرض النقدي وظهور تأثيرات تضخمية واضحة، وأدى إلى تشويه الموازنة وانخفاض مستوى الشفافية فيها نظراً لعدم انعكاس هذا التمويل في بنودها بشكل واضح.

إنَّ ما سبق يدلل بشكل واضح أن النظام وفي سبيل استمراره يعتمد بشكل كبير على الاقتراض الخارجي لتمويل موازنته، فبعد القرض الائتماني الأول الذي حصل عليه من إيران في عام 2013، والذي بلغت قيمته 3.5 مليار دولار؛ بدأت عجلة الديون الخارجية بالدوران لتتخطى في نهاية عام 2018 حاجز 60 مليار دولار ترجع في جزء كبير منها لكل من إيران وروسيا([6]). مع عدم وجود أية أرقام معلنة من قبل النظام ودائنيه حول هذه الديون، وقيام أفراد حكومته بالتعمية عليها ومحاولة التقليل من أرقامها بشكل كبير عبر التصريحات المنمَّقة. وبالتالي ستفرض هذه الديون نفسها على الاقتصاد السوري وستشكل أبرز الملفات التي ستواجه مستقبل الأجيال القادمة في سورية، مجبرة إياها على تسديد فواتيرها الضخمة تحت عنوان خدمة الدين العام إلى أن تتمكن بعد عقود عدة من تسديدها. ولتشكل حجر عثرة في طريق نهوض هذا البلد وتعافيه من الآثار المدمرة التي خلفتها الحرب. يضاف إلى ذلك الارتهان السياسي والاقتصادي للقوى والتكتلات التي ستنخرط في عملية إعادة الإعمار.     

ختاماً يمكن القول، أنه وعلى الرغم من تمَّكن النظام من الاستفادة من القروض المحلية والخارجية والعوامل الاقتصادية الداخلية لتثبيت وجوده خلال الأعوام الماضية لإرساء وتنفيذ موازناته العامة؛ إلا أنه لن يتمكن على المدى المنظور من السيطرة على آثار الاختلال الجاري في توازنات الاقتصاد الكلي إلا بشكل محدود، في ظل التدني المستمر لفاعلية أدوات التدخل المالية والنقدية في الاقتصاد، والتخبط الواضح في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وفي ظل تداعي هذا الاقتصاد وتفككه نتيجة تعرض محركاته الأساسية لضربات قوية أنهكت بنيته وأفقدته الكثير من مقوماته جراء الحرب المستمرة والتدمير الممنهج للبلد إنسانياً وعمرانياً واقتصادياً.


([1]) قراءة أولية في أرقام موازنة 2019 … الحكومة تتوقع زيادة الإيرادات بنسبة 23 بالمئة، جريدة الوطن، 05-11-2018: http://bit.ly/2Gk9nsM

([2])  400 مليار دولار كلفة الدمار في سورية، جريدة الشرق الأوسط، 10-08-2018: https://goo.gl/YHTkdY

([3]) البنك الدولي يعلن انهيار احتياطي سورية من العملات الأجنبية، السورية نت، 20-04-2016:  https://goo.gl/v4SK1X

([4]) الأسد يبيع احتياطي الذهب بأسعار بخسة، بيروت اوبسيرفتر، 18-04-2012: https://goo.gl/voCuWy

([5]) عدنان عبد الرزاق، الليرة السورية تخسر 1000% من قيمتها في سبع سنوات، العربي الجديد، 01-07-2018: https://goo.gl/DttDNL

([6]) نضال يوسف، سورية غارقة بالدم والديون، مجلة صور، 27-05-2017: https://goo.gl/vMG2Ha

التصنيف تقدير الموقف
محسن المصطفى
أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 27 بتاريخ 22 أيلول/سبتمبر 2024 ([1]) القاضي بمنح عفو…
الأربعاء تشرين1/أكتوير 30
نُشرت في  مقالات الرأي 
صبا عبد اللطيف
تتعاظم خسارات طهران لأدوات استراتيجيتها الإقليمية في المنطقة والتي كانت تساهم بتموضعها المركزي ضمن النظام…
الأربعاء تشرين1/أكتوير 16
نُشرت في  مقالات الرأي 
محسن المصطفى
ملخص تنفيذي منع نظام الأسد خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2010 و2023 نشر /140/…
الإثنين تشرين1/أكتوير 14
نُشرت في  أوراق بحثية 
معن طلَّاع
على الرغم من وضوح تمسك جل فواعل المنطقة بقواعد الاشتباك السائدة على مدار العقدين الماضيين،…
الأربعاء تشرين1/أكتوير 02
نُشرت في  مقالات الرأي