إن كنتُ أعزُ عليك فخذ بيدي... فأنا محتاج من رأسي حتى قدمي... هكذا هي حال غالبية السوريون هذه الأيام بعد مرور خمسة أعوام من الصراع المتواصل الذي أهلك الضرع والزرع وفجر أزمة إنسانية عميقة على مختلف الصعد تتكشف تداعياتها السلبية يوم بعد آخر، وتتفاقم في ضوئها الحاجات مع فقدان السكان لمقومات الصمود الاقتصادي واعتمادهم المتزايد على المساعدات الإغاثية.
وفي ضوء هذه الظروف برزت الحاجة إلى منظمات الإغاثة والتنمية المحلية بشكل متزايد في ظل المعاناة الإنسانية التي يعيشها السكان وافتقادهم إلى الكثير من مقومات الحياة الأساسية، حيث تمثل الأنشطة التي تقوم بها هذه المنظمات ركيزة أساسية في دعم صمودهم وتلبية الاحتياجات الإنسانية المختلفة. إلا أن المتتبع لواقع حال هذه المنظمات على مر السنوات الخمسة الماضية يلمس بشكل واضح غياب فاعلية الكثير منها وانخفاض كفاءتها في المجال الإغاثي والتنموي، وافتقار العديد منها إلى برامج عمل ورؤى واضحة في هذا المجال، إلى جانب غياب الخطط التنموية الشاملة والبرامج الزمنية التي تحدد طبيعة الأنشطة والأهداف التي يمكن تحقيقها أو تحقيق تطوير نوعي فيها. وقد يعود هذا لأسباب عدة. ففي الجانب الإداري تعاني هذه المنظمات من غياب الكفاءات البشرية المتخصصة في المجال التنموي بشكل عام وقطاع الإنعاش وسبل العيش بشكل خاص، إلى جانب صغر حجمها وقلة عدد كوادرها وانتشارها الجغرافي الواسع وغياب التخصص في عملها من حيث القطاعات المستهدفة بنشاطي الإغاثة والتنمية، بالإضافة إلى كثرة عدد هذه المنظمات مع غياب جهة ناظمة لعملها.
أما على جانب التمويل فإن جلَّ هذه المنظمات تعاني من ضعف قدرتها المالية واعتمادها على مصادر تمويل غير ثابتة وارتباطها بسياسات وأجندة مموليها إلى حد كبير، مما انعكس بشكل واضح على نوعية مشاريعها ومدى استدامتها، فضلاً عن انتشار الفساد المالي والإداري في العديد منها كالإعلان عن مشاريع تنموية أو إغاثية وهمية، وغياب ثقافة الشفافية وعدم نشر المعلومات المتعلقة بأنشطتها الإغاثية والتنموية بشكل علني. وقيام البعض منها بتسويق نفسها على حساب المواطنين الذين يتلقون مساعداتها مما أثر على مصداقيتها لديهم.
كما تشير المعطيات المتوافرة عن هذه المنظمات إلى تركز جل برامجها على تقديم المساعدات الإغاثية، في حين أن المطلوب هو تجاوز فكرة المساعدة الإنسانية والإغاثية إلى العمل التنموي والتأهيل والتدريب للفئات المستهدفة من نشاط هذه المنظمات والإسهام في بناء المجتمع.
إلا أننا في ذات الوقت لا نستطيع تجاوز بعض التجارب الناجحة في المجال الإغاثي والتنموي، كما يجدر القول بأن عدد من هذه المنظمات عملت جاهدة على الظهور بقدر من المسؤولية تجاه مانحيها والمتبرعين لها، وذلك من خلال وضوحها وشفافيتها وحرصها على توفير الضوابط اللازمة في عمليات إنفاقها، مما زاد من دجة ثقة وقناعة الممولين والمتبرعين لها سواء أكانوا حكومات أو قطاعاً خاصاً أو منظمات أهلية محلية وخارجية أخرى. وقد ضمن هذا لها نوعاً من الديمومة في الحصول على التمويل.
إن تقلد دور الوسيط بين المانح والمحتاج والذي تلعبه أغلب هذه المنظمات عبر تنظيمها لأدوار العمل الخيري وتقديم المساعدات إلى المحتاجين، لم يعد يلبي الحاجات الاجتماعية المتجددة التي تتطلب تجاوز هذا الدور في الوقت الحاضر للمساهمة الفعالة في عملية التنمية والمشاركة في معالجة مشكلات البطالة والفقر. عبر توفير فرص عمل جديدة والمساهمة في تأسيس مشروعات تنموية صغيرة ومتناهية الصغر مدرة للدخل، إلى جانب إتاحة الفرصة لذوي الدخل المحدود لزيادة إنتاجيتهم والمساهمة في الانتقال من الأدوار العلاجية للنتائج السلبية الناجمة عن فقدان مصادر الدخل إلى المساهمة في رسم وتنفيذ سياسات وقائية تعيد النظر في آليات وأساليب تمكين اقتصادي لمختلف شرائح المجتمع. وحتى تتمكن هذه المنظمات من تأدية هذا الدور التنموي فإنها تحتاج إلى تحديث القوانين الناظمة لعملها سواء لجهة علاقتها بالمنظمات المانحة أو لجهة علاقتها بالفئات المستفيدة.
إن الواقع المعيشي الصعب الذي يكابده السكان يفرض على هذه المنظمات تبني نهج جديد لتعزيز قدرتهم على الصمود الاقتصادي واستيعاب الصدمات الحالية والمستقبلية والتكيف معها والتعافي من آثارها على نحو متدرج. ويعتمد هذا النهج بشكل أساسي على بناء استراتيجية لتنمية سبل العيش من خلال مجموعة من برامج العمل والمشاريع التي تهدف بشكل أساسي إلى القضاء على مواطن الضعف الاقتصادي لدى السكان في الأجل القريب وتدعيم قدرتهم على امتصاص الصدمات الناجمة عن تدهور سبل العيش وفقدانها في الأجل الطويل.
لذا كان لا بد من وضع حلول تمكينية تضمن نجاح تطبيق استراتيجية برامج سبل العيش من قبل هذه المنظمات تنفذ عبر مراحل متعددة وتشمل:
• الفصل بين نشاطي الإغاثة والتنمية بحيث تختص بعض المنظمات بالنشاط الإغاثي والبعض الآخر بالنشاط التنموي، مما يساهم في زيادة فاعلية هذه المنظمات. إلى جانب زيادة التنسيق والتعاون بين هذه المنظمات وتطوير قاعدة بيانات مشتركة بينها لزيادة فاعلية الأنشطة والبرامج المتعلقة بسبل العيش المنفذة. مثل تأسيس شبكة إغاثة سورية والتي تضم سبعون منظمة وهيئة إغاثية عاملة في سورية. والعمل على إيجاد شراكات فاعلة مع القطاع الخاص للمساهمة في تنمية هذه البرامج عن طريق تأسيس صناديق ائتمانية تدعم تنفيذها في المناطق ذات الاستقرار النسبي. كذلك بذل الجهود للحصول على مصادر دخل متنوعة من مشاريع أو استثمارات تعود بالنفع على المجتمع من جهة وبعائدات مالية على هذه المنظمات من جهة أخرى مما يمنحها الوصول إلى الاكتفاء الذاتي والاستقلالية في قراراتها عن المانحين.
• وضع آليات تدخّل محددة لبرامج سبل العيش وفقاً لحاجات كل منطقة ومواردها المتاحة ونطاق تدخلها الجغرافي والحاجة الفعلية. فضلاً عن إعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية والمجتمعية. إلى جانب دعم سبل العيش الموجودة وتوطيد استقرارها والإسهام في توسيعها بما يزيد من فرص السكان للبقاء على قيد الحياة ويقلل إلى حد بعيد من الاعتماد الكامل على المساعدات الإغاثية والإنعاشية.
• التركيز على برامج التشغيل السريع ذات الطبيعة المؤقتة كثيفة العمالة لضمان تحفيز أسرع للانتعاش المحلي والتي تستهدف بشكل خاص فئات الشباب المعرضين للخطر والعائدين والنازحين والمقاتلين السابقين. والتي يمكن أن تعزز الأمن والاستقرار بعد انتهاء الحرب. كذلك تطوير آليات الاقتصاد المنزلي عبر مشاركة ربات المنازل وتشجيعهن على خلق فرص عمل تساعدهن في توفير موارد مالية تدعم أسرهن اقتصادياً واجتماعياً وتخفف الأعباء الاقتصادية الناجمة عن الأوضاع الراهنة. إلى جانب إيلاء اهتمام خاص بتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة من خلال تقديم التدريب المهني وتوزيع الأدوات اللازمة لهم بغية إشراكهم في أنشطة مدرة للدخل، مع توفير الدعم النفسي والاجتماعي.
إذ يبدو من الأهمية بمكان في ظل استمرار الأزمة وتفاقم المعاناة الإنسانية ضرورة قيام منظمات الإغاثة المحلية بتبني نهج جديد لتعزيز قدرة السكان على الصمود الاقتصادي واستيعاب الصدمات الحالية والمستقبلية والتكيف معها والتعافي من آثارها على نحو متدرج من خلال تطبيق الحلول التمكينية السابقة.
نشر على موقع السورية نت: https://goo.gl/uRF26X