بتاريخ 24 أذار 2022، عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية جلسة حوارية بعنوان "أدوات وأساليب الصراع مع النظام بعد أكثر من عقد على الثورة"، في الداخل السوري، حضرها عدد من الفاعلين والناشطين في المجتمع المدني والسياسي.
استعرضت الجلسة في محورها الأول توصيف لأهم المراحل التي مرت بها الثورة السورية من السلمية مروراً بالعسكرة وما شهدته من تدخلات دولية (إيران،روسيا)، وصولاً لمرحلة الجمود والاستعصاء السياسي. كما ركز المحور الثاني على أهم الطرق والأدوات والوسائل المتبعة في سياق الحراك الثوري السوري، إضافة إلى المحطات الدولية التي مر بها الملف السوري وأثرها على المسار السياسي، وما رافقها من تحولات عسكرية ساهمت في تشكل مناطق نفوذ مختلفة،إضافة للتطورات في الأجسام والبنى التنظيمية السياسية. فيما ناقش المحور الثالث توصيات تهدف لتطوير أدوات تنظيم العمل السياسي والمدني وتفعيل دور النقابات وأساليب الرقابة والمحاسبة.
قال الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية “معن طلاع” خلال تصريحه لـ SY24، إن هذا التواصل والدعم ليس مفاجئاً وباعتقادي أن هذا الإجراء هو ضمن سلسلة من الإجراءات الآخذة بالتعاظم والتي اتخذتها أبو ظبي في إعادة تعريف علاقتها مع نظام الأسد؛ وهو عموماً يأتي ضمن (إدراك إماراتي) لأمرين، الأول إنتاج المشهد العسكري وتحولاته بعد التدخل الروسي؛ والذي فرض تسيداً روسياً أجبر -ابتداءاً- العديد من الدول الاقليمية إلى تعديل خططها ومواقفها، ثم التطبيع التدريجي مع غايات موسكو في سورية في ظل سياسة إدارة الظهر الأمريكي للصراع المحلي السوري”.
والثاني تفرضه محددات أمنية إماراتية ترى أن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا بعد هزيمة داعش تتمثل في محاصرة طهران وتحجيم تواجدها الأمني والعسكري والإداري، وهذا سيفرض فراغاً ما تسعى الإمارات لتعبئته.
للمزيد انقر الرابط التالي: https://bit.ly/3bKVP4C
أجريت انتخابات الإدارة المحلية في أيلول 2018 وذلك لأول مرة منذ اندلاع الحراك الاحتجاجي في 2011، وذلك في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، في حين تم تفعيل الإجراءات القانونية والآليات التنظيمية اللازمة في المناطق التي ما تزال خارج سيطرة النظام، لتعلن النتائج ويصار إلى اعتمادها وإعلانها لاحقاً بمرسومين صادرين عن رئيس السلطة التنفيذية. بغض النظر عن مصداقية الانتخابات ومدى شرعيتها وما اعتراها من مخالفات قانونية وتناقض في الأرقام المتداولة، إلا أنها توضح الآلية والعقلية التي يدير بها النظام المحليات، كما أنها تفصح عن الشبكات المحلية الناشئة للنظام وما هي القوى الوافدة إلى هذه الشبكات، كذلك تكشف عن توجهات النظام للتعامل مع استحقاقات المرحلة المقبلة وما هي التحولات التي طالت بعض هياكل النظام الرسمية.
من هنا تستعرض هذه الورقة التحليلية إدارة النظام للمحليات في سياقات مختلفة، وما هي التغيرات التي طرأت عليها منذ تولي حافظ الأسد السلطة إلى استلام بشار الأسد سدة الرئاسة، وصولاً إلى اندلاع الحراك الاحتجاجي وانتهاء باستعادة النظام السيطرة على عدد من المحليات بفعل التدخل الروسي والدعم الإيراني المباشرين، ليصار إلى تسليط الضوء على انتخابات الإدارة المحلية لما تتضمنه من مؤشرات على آلية النظام وعقليته في إدارة المحليات، وذلك من خلال التطرق إلى إدارة النظام للعملية الانتخابية والسياق الذي جرت فيه، وتحليل أبرز المؤشرات التي كشفت عنها نتائج الانتخابات، وتداعياتها المحتملة على الاستقرار الاجتماعي.
اعتمد نظام البعث المركزية كنمط والقبضة الأمنية كأداة لإدارة المحليات، في حين لجأ إلى اختراقها عبر نشر شبكات المحسوبية المحلية، والتلاعب بها بإثارة التنافس بين نخبها المحدثة والقديمة وإدارته، وفي حين حافظت الترتيبات على فعاليتها في عهد حافظ الأسد، بدأت بالتضعضع في عهد بشار الأسد وهو ما ظهر بعجزها عن احتواء حراك المحليات 2011، الأمر الذي دفع النظام إلى تبني تكتيكات مؤقتة تصب في استراتيجيته الرامية إلى إعادة بناء منظومة التحكم والسيطرة عبر تبني النموذج القديم لإدارة المحليات مع إجراء تعديلات طفيفة عليه.
أدرك نظام البعث بأن استقراره في الحكم يستلزم منه اختراق المجتمعات المحلية والهيمنة عليها وإحكام السيطرة على الدولة، لتكون المركزية المعززة أمنياً خيار البعث في إدارة المجتمع والدولة، وفي حين نجحت هذه المقاربة بتأمين استقرار نسبي للنظام، فإنها تسببت بتآكل الحوكمة وسخط المحليات.
سعى نظام البعث منذ استيلائه على السلطة 1963 إلى استبدال طبقة الوجهاء المحليين التي كانت متحكمة بالسياسات المحلية عقب الاستقلال بأخرى موالية له من ذوي خلفيات ريفية، وقد مارس هؤلاء نفوذهم المحلي الذي أتيح لهم باعتبارهم وكلاء للمركز، وساهموا من خلال شبكات المحسوبية والزبائنية التي شكلوها واستثمروا بها بتعزيز هيمنة النظام على المحليات، حيث أصبح بمقدور الوجيه القروي المنتمي لأحد تشكيلات النظام الرسمية وشبه الرسمية (حزب البعث والاتحاد الفلاحي)، الانتفاع بالموارد التي أتاحها له النظام شخصياً ولصالح شبكاته الزبائنية، لكنه بالمقابل توجب عليه إنفاذ توجهات النظام في قريته وحشد الدعم له إن لزم الأمر عبر توظيف مكانته المجتمعية وتفعيل شبكاته الزبائنية.[1]
لجأ النظام إلى تنظيم الإدارة المحلية بشكل مركزي عبر إصدار قانون الإدارة المحلية رقم 15 لعام 1971 وما أعقبه من مراسيم تشريعية وقوانين مكملة[2]، والتي أوجدت هياكل هرمية متمركزة تنحدر جميعها من قيادة النظام نزولاً إلى القرية أو الحي، حيث يعتبر المحافظ المعين بمرسوم صادر عن الرئيس ممثل السلطة التنفيذية على مستوى المحافظة والمسؤول عن أعمال وحدات الإدارة المحلية والإدارات التابعة للوزارات والقطاع العام على مستوى المحافظة[3]، كذلك وظف النظام الأطر الإدارية على المستوى المحلي كقنوات لإدارة التنافس المحلي بين الوجهاء المحدثين والقدامى، من خلال تعيينهم في عضوية مجالس الوحدات الإدارية دون إسناد أي صلاحيات يعتد بها لهم في مجال صنع القرار، والتي بقيت حكراً على دمشق.[4]
علاوةً على ما سبق، قام النظام باختراق المحليات بواسطة ثلاثي البعث ورجل الدين والمخبر المحليين، حيث شغل البعثين مكانة متميزة في عضوية مجالس الوحدات الإدارية[5]، كما تولوا مهام التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية في وحداتهم الإدارية عبر أمناء الفروع، كذلك مراقبة الوحدات المحلية بما أتاحه لهم القانون من صلاحيات[6]، بالمقابل لعب بعض رجال الدين المحليين دوراً في الترويج لخطاب النظام وحشد أنصاره لدعمه عند الضرورة، ليتولى المخبر المحلي مهمة مراقبة المحليات سكاناً وإدارة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والتي تقاسمت فيما بينها وفق ترتيب أقرته قيادة النظام مسؤولية الإدارة الأمنية للمحليات، فكان أن عهد للأمن السياسي الإدارة الأمنية لمدينة التل في ريف دمشق، أما أمن الدولة فكانت له الصدارة في إدارة ملف الحسكة والقامشلي، لتكون المخابرات الجوية الفرع الأقوى في إدارة مدينة حمص.[7]
غلب النظام اعتبارات السيطرة والتحكم في ترتيباته المحلية على اعتبارات الحوكمة، حيث ساعدته هذه الترتيبات على ترسيخ حكمه وحمايته في مواجهة هزات تعرض لها سيما في حقبة الثمانينات، لكنها بالمقابل أفضت إلى مركزية شديدة تعوزها الكفاءة ويغلب عليها الفساد ومنفصلة عن مصالح المحليات.
تآكلت ترتيبات إدارة المحليات في عهد بشار الأسد في سياق تقوض العقد الاجتماعي وتطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي، وهو ما زاد من سخط المحليات معبرة عن ذلك باحتجاجات محلية معزولة تم التعامل معها، لينفجر الموقف بحراك المحليات 2011 وخروج عدداً منها عن السلطة المركزية، ليلجأ النظام إلى تبني تكتيكات مؤقتة مكنته من إعادة بناء ترتيباته المحلية بتغليب اعتبارات التحكم على الحوكمة في إدارته للمحليات.
تولى بشار الأسد السلطة بحلول 2000، وكان عليه التعامل مع التركة الحرجة التي ورثها عن ابيه فيما يتعلق بحالة الانسداد السياسي وأزمتي النمو الاقتصادي والتنمية وتأكل الحوكمة في الدولة، ليلجأ إلى معادلة الاقتصاد أولاً عبر تبني إجراءات لتحرير الاقتصاد بغية رفع معدلات النمو واسترضاء النخبة الصاعدة من رجال الأعمال، ويمكن ملاحظة ذلك بثورة المراسيم والتشريعات الاقتصادية (بلغت 1200 مرسوم وقرار بين 2000-2005[8]) التي أعادت تعريف الدور الاقتصادي للدولة، وعززت من دور ممثلي التيار التحريري (مؤيدو ورجال القطاع الخاص الذين توزعوا على تحالفين رئيسين هما شام القابضة ([9]) وسورية القابضة ([10])) وحلفائهم في الإدارة والاقتصاد.
انعكس التحول السابق بتعطيل تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة (2006-2010) المصاغة وفق نموذج تحريري للاقتصاد محكوم بضوابط تنموية وبمقاربة إصلاح مؤسساتية، حيث تم حذف شق الإصلاح المؤسسي منها وعرقلة تنفيذ ما تبقى رغم تبنيها وإقرارها بصيغتها المعدلة بالمؤتمر القطري العاشر لحزب البعث (حزيران/ 2005)، في حين تم تبني سياسات ليبرالية محابية لمصالح نخبة رجال الأعمال الجدد المتحالفين مع النظام.[11]
قاد هذا التحول إلى تراجع دور الدولة كمعيل وتقويض العقد الاجتماعي الذي قام عليه النظام، كما ساهم التحرير الاقتصادي ببروز حلفاء لرجال الأعمال على المستوى المحلي، كذلك تقليص دور البعث والمنظمات المتفرعة عنه لصالح دور متزايد للجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية[12]، والمحصلة تقويض الترتيبات المحلية التي أرسى دعائمها حافظ الأسد سابقاً، وهو ما انعكس بتغير موازين القوى داخل المحليات وتزايد سخطها تجاه إدارة دمشق، الأمر الذي ظهرت مؤشراته بمواجهات معزولة النطاق بين ممثلي السلطة المركزية والسكان المحليين كما حصل في معربا 2006[13] والرحيبة 2009[14] على سبيل المثال.
تجاهلت قيادة النظام تقارير الأجهزة الأمنية بخصوص سخط السكان المحليين ومطالب المحليات، أو ربما أخفت تلك الأجهزة الوقائع وتلاعبت بالتقارير المرسلة للقيادة[15]، وتخلص كلا الروايتين لنتيجة مفادها عدم إدراك القيادة لحالة الاحتقان القائمة في المجتمع السوري والسخط المتراكم تجاه إدارة النظام وقياداته، وهو ما دفع بشار الأسد للقول بأن سورية محصنة ضد ما حدث في مصر وتونس.[16]
أخطأت قيادة النظام في قراءة الموقف وفشلت محاولاتها في احتواء حراك المحليات، عبر تفعيل شبكاتها المحلية والاعتماد على الوجهاء المحليين ممن فقدوا كثيراً من نفوذهم خلال السنوات السابقة، وكذلك عبر إصدار المرسوم التشريعي رقم 107 المتضمن قانون الإدارة المحلية لعام 2011 بغية استرضاء المحليات ولكن دون جدوى، حيث خرجت العديد من المحليات عن سلطة دمشق وأوجدت بدورها هياكل حوكمية مفرطة بلامركزيتها وطابعها المحلي، وهنا لجأ النظام إلى تكتيكات مؤقتة لإدارة المحليات سواء في المناطق التي بقيت خاضعة لسيطرته أو تلك التي خرجت عن سيطرته، حيث وسع النظام في مناطقه على نحو كبير عدد الوسطاء المحليين_ كل من يقوم بدور الوسيط بين المجتمع المحلي والسلطة المركزية، وغالباً لا ينتمون لمؤسسات رسمية بمعنى رجل الدين المحلي وكبار العائلات وقيادات العشائر هم وسطاء محليين_ لمساعدته على التصدي إلى الديناميكيات المتغيرة بسرعة للنزاع[17]، كما لجأ إلى تدمير البدائل[18] التي نشئت في المحليات سواءً من خلال التشويش عليها إدارياً وخدمياً وإبقاء السكان المتواجدين فيها معتمدين عليه فيما يتعلق بالحصول على الخدمات الأساسية التي توفرها مؤسسات الدولة كالوثائق الرسمية، أو بتشكيل شبكات محلية موازية في مناطق سيطرة المعارضة مكونة من تكنوقراط وبعثيين سابقين وتجار محليين وقادة دينيين، وتوظيفهم لإيجاد رأي عام محلي مؤيد وداعم لعودة النظام كما حدث في مناطق المصالحات المحلية كمدينة التل، أو بتدمير الهياكل الحوكمية بواسطة الحصار والتدمير العسكري كما حصل في شرق حلب على سبيل المثال.
تمكن النظام من استعادة السيطرة على العديد من المحليات عقب التدخل الروسي، بواسطة القوة العسكرية وتكتيكات الحصار، أو عبر المصالحات المسبوقة بإجراءات عسكرية، وكان يلجأ النظام عقب سيطرته على المحلة إلى تفكيك شبكات المعارضة المحلية وهياكلها التي كانت قائمة باعتبارها مصدر تهديد محتمل، مع الإبقاء على عناصرها كأفراد ممن قاموا بتسوية أوضاعهم أمنياً وتوظيفهم في إجراءات انتقالية ذات طبيعة أمنية، لحين تمكنه من إعادة فرض هياكله وترتيب شؤون المحلة وفق قواعد اللعبة القديمة ذاتها، أي عودة الإدارة الأمنية للمحليات، واختراقها من خلال شبكات المحسوبية المحلية التي توسعت بضمها وافدين جدد من تجار وقادة ميليشيات ورجال دين ووجهاء محليين برزوا خلال الصراع، كذلك ربط المحليات بالمركز من خلال هيمنة البعث على إداراتها المحلية.
يلقي مثال مدينة التل في ريف دمشق الضوء على هذه الديناميكية، حيث قام النظام بحصار المدينة عقب خروجها عن سيطرته منذ منتصف 2012، وجعلها تعتمد عليه خدمياً وإدارياً بما قوض من فرص نجاح معارضتها بتشكيل إدارة محلية ناجحة، وقد وظف النظام هذه الاعتمادية لتعزيز مواقع المواليين له داخل المدينة ممن شغلوا عضوية لجنة المصالحة المحلية (تشكلت بحلول 2013) إلى جانب وجهاء محليين لم يكونوا محسوبين على النظام، وحينما قرر النظام استعادة المدينة لجأ إلى استعراض قوته العسكرية واستثارة الرأي العام المحلي ضد فصائل المعارضة المحلية عبر مواليه، ليتم التوصل إلى اتفاق بحلول نهاية 2016 يقضي بخروج فصائل المعارضة المحلية غير الراغبين بتسوية أوضاعهم إلى إدلب، في حين تم استيعاب جزء ممن قاموا بتسوية وضعهم بترتيبات أمنية محلية "لجنة حماية مدينة التل" والتي لم تعمر طويلاً، حيث تم حلها مع عودة جهاز الشرطة والأمن السياسي لممارسة مهامهم في المدينة، كما قام النظام بترميم شبكته المحلية عبر ضم قوى جديدة لها من وجهاء محليين وممثلي عائلات كبرى ومتزعمي ميليشيات محلية برزوا خلال الفترة السابقة والإقرار بدورهم كوسطاء بينه وبين أهالي المدينة، ليتوج النظام سيطرته بهيمنة البعث على مقاعد مجلس مدينة التل ومكتبها التنفيذي.[19]
أجريت انتخابات الإدارة المحلية في أيلول 2018 لأول مرة منذ اندلاع الحراك الاحتجاجي، وذلك في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، في حين تم تفعيل الآليات القانونية واتخاذ الإجراءات التنظيمية اللازمة لاختيار ممثلين عن المناطق التي لا تزال خارج سيطرة النظام، لتسفر النتائج عن تصدر البعث ونجاح إيران في الولوج إلى عملية صنع القرار المحلي.
أجريت انتخابات الإدارة المحلية يوم السادس عشر من أيلول 2018 بمشاركة ما يزيد عن 40 ألف مرشح، تنافسوا على عضوية 18478مقعداً يشكلون بمجموعهم 1444 مجلساً، لتكون الانتخابات الأولى من نوعها منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية 2011، والتي بدء الاستعداد لها على الصعيدين القانوني والتنظيمي منذ حزيران 2018، تاريخ الدعوة لإجراء انتخابات محلية عقب تبلور معطيات سياسية وميدانية شجعت النظام على إجرائها.
أصدر بشار الأسد المرسوم رقم 214 القاضي بتحديد 16 من أيلول 2018 موعداً لانتخاب أعضاء المجالس المحلية[20]، وسبق هذا الإعلان إصدار المرسوم التشريعي رقم 172 القاضي بتعيين اللجنة القضائية العليا للانتخابات[21] باعتبارها المسؤولة عن الإشراف على انتخابات مجالس الإدارة المحلية بموجب المواد رقم (8-17) من قانون الانتخابات العامة رقم 5 لعام 2014.[22]
جاء الإعلان عن الانتخابات في سياق تعزز الموقفين السياسي والميداني للنظام على حساب المعارضة وربما تم بإيحاء روسي، أما الأهداف المتوخاة من إجراء الانتخابات فمتعددة ومنها: [23]
اُستكملت الاستعدادات لإجراء الانتخابات بإصدار الحكومة ووزارة الإدارة المحلية والبيئة عدة قرارات وإجراءات تنظيمية وإدارية تتصل بتحديد نسب تمثيل الفئات والدوائر الانتخابية وعدد أعضاء مجالس الوحدات الإدارية [24]، لتباشر اللجان الانتخابية عملها في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، في حين تم تشكيل لجان لمحافظتي الرقة وإدلب في محافظة حماة من قضاة ينتمون للمحافظتين، وفيما يتعلق بإجراء الانتخابات في المناطق التي تم استعادتها ولم يسمح لسكانها بالعودة إليها بعد، فقد أشار رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات إلى مسؤولية وزارة الإدارة المحلية والبيئة لوجستياً عن تحديد المراكز الانتخابية بالتنسيق مع اللجنة كما حدث سابقاً في الانتخابات التشريعية.
بلغ عدد طلبات الترشيح لعضوية مجالس الوحدات الإدارية نحو 49096، تم قبول 41482 منها ممن استوفوا الشروط القانونية المنصوص عليها في اللوائح والقوانين الناظمة للانتخابات[25]، وتفيد قراءة حركة الترشح بارتفاع غير مسبوق لطلبات الترشح في الأيام الأخيرة من المدة القانونية المعلن عنها للترشح، وفي حين برر النظام ذلك بعدم استكمال الراغبين بالترشح للأوراق والمستندات القانونية المطلوبة، أفادت رواية أخرى بانخفاض سقف توقعات السكان تجاه هذه الانتخابات ولامبالاتهم حيالها، وهو ما دفع حزب البعث إلى حث أعضائه على الترشح للتدليل على الإقبال الشعبي على هذه الانتخابات.[26]
أدلى ما يزيد عن 4 مليون ناخب[28] بأصواتهم في الانتخابات من أصل 16.349.35، أي ما نسبته 25% ممن يحق لهم التصويت[29]، في حين تفاوتت نسبة المشاركة على مستوى المحافظات فلم تتجاوز حاجز 30% في محافظة حمص[30]، في حين بلغت حوالي 50% في محافظتي طرطوس[31] وحماة[32]، ويعزى سبب انخفاض المشاركة عموماً إلى غياب أجواء المنافسة عقب صدور قوائم "الوحدة الوطنية" للبعث، فضلاً عن انخفاض سقف توقعات الناخبين من مجالس الإدارة المحلية في ظل هيمنة المركز على قراراتها وتحكمه بتمويلها وضعف صلاحياتها، ليتم إعلان النتائج الرسمية واعتمادها لاحقاً بإصدار المرسوم رقم 3044 المتضمن أسماء أعضاء مجالس المحافظات الفائزين بانتخابات الإدارة المحلية، وكذلك المرسوم رقم 305 المتضمن أسماء أعضاء مجالس مدن مراكز المحافظات الفائزين في انتخابات الإدارة المحلية.[33]
أظهرت نتائج الانتخابات وتشكيل المكاتب التنفيذية لمجالس الوحدات الإدارية هيمنة البعث عليها، بينما ولجت إيران في عملية صنع القرار المحلي، هذا وعكست النتائج تغليب النظام اعتبارات التحكم والسيطرة على الحوكمة في إدارته للمحليات، بما يمهد الطريق لحدوث اضطرابات جديدة.
أسفرت نتائج الانتخابات عن هيمنة البعث على مجالس الوحدات الإدارية ومكاتبها التنفيذية، وقد سبق ذلك تغيرات طالت المفاصل التنظيمية للحزب وأعضاء قياداته على مدى سنوات الأزمة، لتتوج عقب الانتخابات بتعديلات جوهرية شملت النظام الداخلي للبعث وهيكليته، لتشكل هذه الترتيبات رافعة لتعويم دور البعث كقائد للدولة والمجتمع للتعاطي مع الاستحقاقات القادمة، لكن بدون إقرار دستوري.
مُنح حزب البعث وضعاً استثنائياً بوصفه "قائداً للدولة والمجتمع" بموجب المادة 8 من دستور 1973، حيث تم توظيف الحزب ضمن البنية السلطوية للنظام باعتباره أداة للرقابة وشبكات الوصاية[34]، في حين شهد دوره تراجعاً ملحوظاً في عهد بشار الأسد مع تنامي حضور التكنوقراط ورجال الأعمال، لتظهر لحظة 2011 مدى تآكل دور الحزب مع عجز قياداته وشبكاته الزبائنية على المستوى المحلي عن احتواء الحراك الناشئ، كذلك انحسار دوره لصالح تزايد دور مؤسستي الجيش والأمن اللتين تصدرتا المشهد للتعاطي مع الحراك.
فقد الحزب مكانته الاستثنائية كقائد للدولة والمجتمع بإقرار دستور 2012، واستمرت معاناة البعث بانهيار هياكله تدريجياً على مستوى المحافظات والمناطق بفعل الحراك، كما خسر دعم قاعدته في العديد من المناطق التي شهدت حركة احتجاجية كما في درعا وحمص[35]، ليجد الحزب نفسه معزولاً مجتمعياً وضعيفاً مؤسساتياً وبدور هامشي ضمن بنية النظام.
حاول البعث احتواء الضغوط وإعادة التأسيس لدوره من جديد من خلال تشكيل كتائب للبعث[36] وإشراكها بالمعارك كقوات رديفة إلى جانب قوات الجيش والتي لم توفق في مهامها بسحق المعارضة المحلية، كما عمل البعث على إعادة ترتيب صفوفه عبر إجراء تعديلات تنظيمية وتعيينات جديدة فيما سميت بــ "التنظيف الذاتي" وفق تعبير بشار الأسد[37]، والتي استكملت لاحقاً بإجراء تعديلات جوهرية (نيسان/2017) طالت أعضاء قيادته القطرية ولجنتيه المركزية والحزبية[38]، أعقبها حل القيادة القومية (أيار/ 2017)[39]، لتتوج هذه الإجراءات بتعديلات شملت النظام الداخلي للبعث خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي في تشرين الأول 2018.[40]
أتاح تحول الموقفين الميداني والسياسي لصالح النظام عقب التدخل الروسي المجال أمام البعث لاستعادة زمام المبادرة داخلياً، مستفيداً من ميل النظام إلى تفعيل الأدوات المدنية والسياسية للتعامل مع استحقاقات المرحلة القادمة كإعادة الإعمار، ليبدأ البعث بترتيب أوراقه وحشد أدواته للتماشي مع التوجه الجديد للنظام، وذلك عبر تفعيل دوره المحلي من خلال تنشيط شبكاته المحلية واستقطاب أعضاء جدد ممن برز دورهم خلال الأزمة على الصعيد المحلي، وتمكين سيطرته على مجالس الوحدات الإدارية ومكاتبها التنفيذية من خلال الانتخابات المحلية، ويشار هنا إلى الدور المحوري لقيادات بعثية منها عمار الساعاتي عضو القيادة القطرية رئيس مكتب الشباب القطري في تنظيم ملف الانتخابات المحلية وإعداد قوائم "الوحدة الوطنية" بمعزل عن الحلفاء في الجبهة الوطنية التقدمية ممن أبدى بعضهم تذمره من إقصائية البعث[41]، وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية التي انحصر دورها في عملية فلترة وتصنيف المرشحين.[42]
أسفرت الانتخابات عن فوز قوائم "الوحدة الوطنية" بغالبيتها البعثية، ليواصل البعث هيمنته على مجالس الوحدات الإدارية عبر السيطرة على مكاتبها التنفيذية، مع ميله لتجديد الثقة بعدد من الرؤساء السابقين لمجالس الوحدات الإدارية[43]، ويكتمل مشهد هيمنة البعث على المحليات بانتماء جميع المحافظين إليه، ليؤكد النظام بسلوكه هذا تغليب اعتبارات الولاء والتحكم على اعتبارات الحوكمة.
ولجت إيران لعملية صنع القرار المحلي في عدد من المحليات، مستفيدة من أدواتها الخدمية وميليشياتها المحلية وتفعيلها للشيعة السوريين سياسياً على الصعيد المحلي، ولم يكن ذلك ليتم لولا موافقة النظام الضمنية، وبذلك أصبح لإيران إمكانية التأثير على استحقاقات المرحلة القادمة عبر قنوات رسمية دولتية.
وسعت إيران من نطاق انخراطها وتأثيرها في الجغرافية السورية، بحيث لم تقتصر على الميليشيات الشيعية الوافدة من وراء الحدود ومستشاريها من الأمنيين والعسكريين فقط، وإنما توسعت لتشمل السكان المحليين، حيث عملت إيران على الانخراط في شؤون المجتمعات المحلية مستفيدة من تآكل سلطة الدولة محلياً وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها تجاهها لقلة مواردها، وقد وظفت طهران عدة أدوات لبناء نفوذ لها على صعيد المحليات، حيث وفرت عبر أذرعها الخدمية "جهاد البناء" والإنسانية "مركز الثقلين" مظلة من الخدمات المحلية والرعاية الاجتماعية، تركزت في مناطق تواجد الشيعة السوريين سيما في نبل والزهراء وكلا من ريف دمشق وحمص الغربي وفي حمص دمشق وحمص الغربي، كما استهدفت الأحياء والمناطق الفقيرة سيما في محافظتي حلب ودير الزور[44]، إضافة إلى تركيزها على مناطق انتشار منتسبي ميليشياتها من الدفاع المحلي[45]، ومن منتسبي الدفاع الوطني ممن تم حرمانهم من الامتيازات التي تقدمها الدولة "لذوي الشهداء" باعتبارهم تشكيلات رديفة وليست نظامية.[46]
كذلك لجأت إيران إلى تجنيد السوريين ضمن تشكيلات عسكرية تعرف بــ "الدفاع المحلي"، والتي يتركز انتشارها في محافظة حلب كفيلق المدافعين عن حلب ولواء الباقر ويغلب عليها المكون العشائري، وعلاوة على ما سبق قامت إيران بتعبئة المجتمعات الشيعية المحلية من خلال تجنيدهم بحركات كشفية أبرزها كشافة الإمام المهدي والولاية، وتأسيس تشكيلات عسكرية خاصة بهم كقوات الرضا في حلب ولواء الإمام الرضا في حمص، كذلك إنشاء المجلس الإسلامي الجعفري الأعلى في سورية في 2012.
تمكنت إيران وموالوها من نسج علاقات مع مسؤولي النظام المحليين من إداريين وبعثيين وكذلك الوجهاء المحليين خلال نشاطهم المحلي، حيث راعت إيران الترتيبات المحلية وعملت من خلالها، في حين تعاطى المسؤولون والوجهاء المحليون مع إيران وموالوها باعتبارهم القوة الأكثر تحكماً في محلياتهم، كما عملوا على توظيف الخدمات والموارد التي توفرها إيران لتعزيز مكانتهم محلياً ولدى مرؤوسيهم.[47]
استطاعت إيران استغلال علاقاتها الشخصية مع المسؤولين المحليين والبعثيين وثقلها المحلي لترشيح عدداً من مواليها لعضوية مجالس وحدات الإدارة المحلية، ولم يكن لهؤلاء المرشحين أن ينجحوا لولا موافقة النظام وبدعم مباشر من حزب البعث بحسب ما أفادت به بعض المصادر الصحفية[48]، وبذلك بات لإيران موطئ قدم في عدد من المحليات سيما تلك التي يتركز فيها نشاطها المحلي بشكل مباشر أو من خلال وكلائها من السوريين.[49]
يتيح انخراط إيران في المجتمعات المحلية لها إمكانية دمج هياكلها تدريجياً في صنع القرار المحلي، والتأثير عليه واستغلاله في عملية إعادة الإعمار، فضلاً عن إمكانية توظيفه مستقبلاً في الانتخابات البرلمانية.
أرسى النظام في عهد حافظ الأسد دعائم استراتيجية المركزة الأمنية في إدارة شؤون المحليات، كما عمل على اختراقها عبر نشر شبكات المحسوبية المحلية، والتلاعب بها بإثارة التنافس بين نخبها المحدثة والقديمة وإدارته، وفي حين حافظت الترتيبات على فعاليتها في عهد الأسد الأب ومكنته من تجاوز ضغوط محلية تعرض لها، فإنها بدأت بالتآكل في عهد بشار الأسد في سياق تقوض العقد الاجتماعي وتطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي، التي طالت بآثارها السلبية المحليات معبرة عن سخطها تجاه المركز باحتجاجات محلية معزولة النطاق تمكن النظام من احتوائها.
انفجر الموقف في 2011 بحراك المحليات الناقمة على السلطة المركزية إدارة وقيادة، وفشلت كل أدوات النظام وتنازلاته في احتواء الموقف، وعوضاً عن تصويب العلاقة بين المركز والمحليات واعتماد مقاربة تشاركية لامركزية كبديل للمركزية المقيتة التي كانت متبعة، لجأ النظام إلى تكتيكات تحكم وسيطرة مؤقتة لحين استعادته السيطرة على المحليات وإعادة ترتيب شؤونها وفق قواعد اللعبة القديمة ذاتها، أي عودة الإدارة الأمنية الإدارة الأمنية للمحليات، واختراقها من خلال شبكات المحسوبية المحلية التي توسعت بضمها وافدين جدد من تجار وقادة ميليشيات ورجال دين ووجهاء محليين برزوا خلال الصراع.
استكمل النظام تشييد ترتيباته المحلية بإجراء انتخابات الإدارة المحلية، بغض النظر عن مصداقية تلك الانتخابات وشرعيتها وما شابها من انتهاكات قانونية، وقد كشفت النتائج عن هيمنة البعث على المحليات من خلال سيطرته على عضوية مجالس وحدات الإدارة المحلية ومكاتبها التنفيذية، كذلك لجوء البعث إلى ترميم شبكاته المحلية بضم شخصيات مؤثرة محلياً، ليستمر البعث بلعب الدور القائد للدولة والمجتمع دون إقرار دستوري، وتأتي هيمنة البعث على المحليات وتعزيز دوره في مؤسسات الدولة في ظل مساعي النظام لإعادة تعويم دور الحزب داخلياً كأداة مدنية وسياسية للتعاطي مع استحقاقات المرحلة المقبلة.
كذلك كشفت النتائج عن ولوج إيران في المشهد المحلي السوري من خلال عضوية بعض مواليها لعدد من مجالس وحدات الإدارة المحلية، وقد حققت إيران مرادها بما بنته من نفوذ محلي شيدته بأدوات خدمية وعسكرية، تركز في مناطق انتشار ميليشياتها المحلية وفي المناطق المعدومة اقتصادياً، كذلك في مناطق انتشار الشيعة السوريين، ولم يكن لإيران أن تنجح بمسعاها لولا موافقة النظام الضمنية على نجاح مواليها، لتتمكن إيران بذلك من دمج هياكلها تدريجياً في عملية صنع القرار المحلي، والتأثير عليه واستغلاله في عملية إعادة الإعمار، فضلاً عن إمكانية توظيفه مستقبلاً في الانتخابات البرلمانية.
غلب النظام اعتبارات التحكم والسيطرة على اعتبارات الحوكمة في إدارته لشؤون المحليات، ويبدو بأنه لم يستوعب جيداً دروس سنوات الأزمة ونتائجها، وفي حين يمكن لهذه الترتيبات أن تنجح إلى حد ما بتأمين استقرار نسبي النظام، إلا أن بافتقادها للحوكمة والشرعية يهدد بحدوث اضطرابات اجتماعية جديدة، قد تحتاج وقتاً للتعبير عن نفسها بأشكال متعددة.
[1] فولكر بيرتس، الاقتصاد السياسي في سورية تحت حكم الأسد، رياض الريس للكتب والنشر، ط1 أذار/ 2012، ص 341
[2] أعاد القانون رقم 15 للإدارة المحلية النظر بالتقسيمات الإدارية المتبعة في سورية والقائمة على، محافظة، منطقة، بلدة، لتصبح وفق القانون الجديد: المحافظة، المدنية، البلدة، القرية، كما تم تطوير القانون (15) بتشكيل وزارة الإدارة المحلية بموجب المرســــــــوم التشريعي رقم 27 (آب 1971)، وإصدار اللائحة التنفيذية للقانون بموجب المرسوم رقم 2297 (1971)، والمرسوم التنظيمي رقم 1349 لعام 1972 وكذلك المرسوم رقم 283 لعام 1983.
[3] فولكر بيرتس، الاقتصاد السياسي في سورية تحن حكم الأسد، ص261.
[4] خضر خضور، الحروب المحلية وفرص السلام اللامركزي في سورية، مركز كارنيجي، تاريخ 28-03-2017، رابط إلكتروني https://bit.ly/2PatNYi
[5] تنص المادة (10) على أن المجالس المحلية تتكون من ممثلين عن الفئات التالية: (الفلاحين، العمال، الحرفيين، صغار الكسبة، المعلمين، الطلبة، الشبيبة، النساء، المهن الحرة التي تضم؛ الاطباء، الصيادلة، المهندسين، المهندسين الزراعيين، المحامين، أطباء الاسنان، رجال الفكر والفن والصحافة) بالإضافة إلى الفئات الأخرى وتشمل: موظفي الدولة وسائر الجهات العامة، العاملين في الحقول الاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك من الفئات التي تحددها اللائحة التنفيذية، وهي تؤكد على أن لا تقل نسبة تمثيل الفلاحين والعمال والحرفيين وصغار الكسبة في المجالس المحلية عن 60%. وبما أن الحزب كان قد هيمن على كل الاتحادات، النقابات والمنظمات الشعبية في البلاد، فقد باتت نتائج الانتخابات المحلية معروفة سلفاً.
[6] للمزيد مراجعة، الإدارة المحلية في مناطق سيطرة النظام السوري، دراسة منشورة ضمن كتاب بعنوان حول المركزية واللامركزية في سورية بين النظرية والتطبيق، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ 28-09-2018، ص 163-164.رابط إلكتروني https://bit.ly/2N7mnQH
[7] حوارات أجراها الباحث مع سكان من هذه المناطق بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 18-10-2018.
[8] محمد الباروت، العقد الأخير في تاريخ سورية/ جدلية الجمود والإصلاح، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1 2010، ص 48.
[9] شركة شام القابضة، موقع الاقتصادي، رابط إلكتروني https://bit.ly/2MA8ezS
[10] شركة سورية القابضة، موقع الاقتصادي، رابط إلكتروني https://bit.ly/2BuhiQg
[11] محمد الباروت، العقد الأخير في تاريخ سورية/ جدلية الجمود والإصلاح، ص 49-51.
[12] هايكو ويمن، مسيرة سورية من الانتفاضة المدنية إلى الحرب الأهلية، مركز كارنيجي، تاريخ 22-11-2016، رابط إلكتروني https://bit.ly/2guLsVt
[13] مواجهات بين الشرطة والمواطنين في معربا، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، تاريخ 04-04-2006، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NOpHR8
[14] عساف عبود، بعد مواجهات مع الشرطة، عودة الهدوء لبلدة الرحيبة السورية، بي بي سي العربية، تاريخ 03-06-2009، رابط إلكتروني https://bbc.in/2RX25gx
[15] أطلع الباحث على عدة تقارير أمنية بخصوص وضع المحليات بحكم عمله سابقاُ في مركز الشرق للدراسات التي كانت ترد إلى إدارته مثل هكذا تقارير، وبحوار تم بين الباحث وأحد مسؤولي المركز قال الأخير؛ أن عقلية المسؤولين عن الأجهزة الأمنية تحول دون إيصال الصورة الحقيقة للواقع إلى القيادة مخافة أن يؤثر ذلك على مناصبهم".
[16] عادل الطريفي، رأي الأسد في الاحتجاجات المصرية والتونسية، الشرق الأوسط، تاريخ 02-02-2011، رابط إلكتروني https://bit.ly/2AheAMO
[17] خضر خضور، الحروب المحلية وفرص السلام اللامركزي في سورية.
[18] للمزيد مراجعة، خضر خضور، إمساك نظام الأسد بالدولة السورية مركز كارنيجي، تاريخ 08-07-2015، رابط إلكتروني https://bit.ly/2EtgyOt
[19] اعتمد الباحث على متابعته لملف مدينة التل بحكم كونه من سكان المدينة.
[20] المرسوم رقم /214/ لعام 2018 القاضي بتحديد السادس عشر من أيلول المقبل موعدا لإجراء انتخاب أعضاء المجالس المحلية، موقع رئاسة مجلس الوزراء السوري، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Cr9oYq
[21] سمور إبراهيم، الرئيس الأسد يشكل اللجنة القضائية العليا للانتخابات، موقع سيريانديز، تاريخ 24-05-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2ypCjJp
[22] تتولى اللجنة القضائية العليا للانتخابات الإشراف على الانتخابات وتسمية أعضاء اللجان الفرعية وتحديد مقراتها والإشراف على عملها، وتسمية أعضاء لجان الترشيح الخاصة بالانتخابات وتحديد مقراتها والإشراف على عملها والإشراف العام على إحصاء نتائج الانتخابات وإعلان النتائج النهائية للانتخابات. أما بالنسبة للجان الفرعية المشكلة فيناط بها تحديد مراكز الاقتراع قبل سبعة أيام على الأقل من يوم الانتخاب بالتنسيق مع الرئيس الإداري، والإشراف المباشر على عمل لجان الترشيح المتعلقة بانتخابات مجالس الإدارة المحلية، وعمل لجان المراكز الانتخابية وقبول انسحاب المرشح لانتخابات مجالس الإدارة المحلية، وإعطاء الكتب المصدقة التي تمكن وكلاء المرشحين من متابعة العملية الانتخابية ومراقبتها والإشراف على إحصاء نتائج الانتخاب الواردة من مراكز الانتخاب في الدوائر الانتخابية التابعة لها والبت في الطعون التي تقدم إليها بشأن القرارات الصادرة عن لجان الترشح ومراكز الانتخاب.
[23] للمزيد مراجعة، الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر حزيران 2018، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ 12-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OyzYWB
[24] الإدارة المحلية والبيئة تستعد لانتخابات المجالس المحلية، جريدة تشرين، تاريخ 05-07-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2AEQoGE
[25] تتضمن شروط الترشح، كل سوري أتم الخامسة والعشرين وغير المدان بجرم جنائي أو شائن، والمتمتع بالحقوق المدنية والسياسية وكذلك بالجنسية السورية منذ 10 سنوات، في حين تم استثناء الذين منحوا الجنسية السورية من المقيدين في سجلات أجانب الحسكة بموجب المرسوم 49 من هذا الشرط
[26] حوار أجراه الباحث مع أحد المنظمين للانتخابات المحلية بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ المقابلة 15-10-2018.
[27] تم تصميم الجدول بناء على تقرير رسمي أطلع عليه الباحث عن حركة الترشح لانتخابات الإدارة المحلية، وقد تم إيراد الجدول مسبقاُ في تقرير الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر آب 2018، مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، تاريخ 19-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NX2NLk
[28] محمد منار حميجو، الخاسرون يطعنون بالنتائج خلال 5 أيام من صدور المراسيم والقرارات. جريدة الوطن، تاريخ 23-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Qyj6fu
[29] محمد منار حميجو، الناخبون الإناث أكثر من الذكور... القائد للوطن أكثر من 16.349 مليون مواطن يحق لهم الانتخاب لاختيار مرشيحهم، جريدة الوطن، تاريخ 12-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2yp6PDw
[30] إقبال ضعيف على انتخابات الإدارة المحلية في سوريا، الشرق الأوسط، تاريخ 17-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2MzS44U
[31] عضو في اللجنة القضائية للانتخابات: الناخب وحده من يتحمل مسؤولية وصول المرشحين!، موقع سناك سوري، تاريخ 19-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Ce0lKf
[32] 53 % نسبة المقترعين لانتخابات الإدارة المحلية في حماه، موقع سناك سوري، تاريخ 18-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2ITAgl8
[33] مرسومان بأسماء أعضاء مجالس المحافظات ومجالس مدن مراكز المحافظات الفائزين بانتخابات الإدارة المحلية، وزارة الإدارة المحلية وشؤون البيئة، تاريخ 03-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OCL7Wq
[34] فولكر بيرتس، الاقتصاد السياسي في سورية تحت حكم الأسد، ص 290
[35] سهيل بلحاج، بعث سورية لم يَعُد الحزب الحاكم، مركز كارنيجي، تاريخ 05-12-2012، رابط إلكتروني https://bit.ly/2yQ15C2
[36] للمزيد مراجعة، يزن شهداوي، كتائب البعث ... قوة جديدة لمقاومة الثورة، جريدة الحياة، تاريخ 06-06-2014، رابط إلكتروني https://bit.ly/2EzXUVe
[37] الأسد: البعث "نظف نفسه" والإسلام السياسي سقط، موقع البي بي سي العربية، تاريخ 25-02-2014، رابط إلكتروني https://cnn.it/2NLIRqN
[38] اجتماع موسع للجنة المركزية لحزب البعث، جريدة الوطن، تاريخ 23-04-2017، رابط إلكتروني https://bit.ly/2RZN3q6
[39] حل "القيادة القومية" بحزب البعث السوري وتشكيل مجلس جديد، عربي 21، تاريخ 15-05-2017، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Al6ByF
[40] للمزيد حول هذه التعديلات مراجعة، بيان اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، الصفحة الرسمية لحزب البعث على الفيس بوك، تاريخ 09-10-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2ySwKm6
[41] في سابقة تاريخية… حزب جبهوي ينسحب من الانتخابات، سناك سوري، 11-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2O7eRqh
[42] حوار أجراه الباحث مع أحد أعضاء حزب البعث بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 15-10-2018.
[43] تم الخلوص إلى هذا الاستنتاج عقب رصد قوائم الوحدة الوطنية وأعضاء المكاتب التنفيذية في عدد من مجالس الوحدات الإدارية.
[44] تعرّف على مهام منظمة "جهاد البناء" الإيرانية في دير الزور، تلفزيون سورية، تاريخ 16-05-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OAwJhx
[45] افتتاح منظمة جهاد البناء الايرانية مشفى لرعاية جرحى الدفاع المحلي بـحلب، الصفحة الرسمية لفيلق المدافعين عن حلب على الفيس بوك، تاريخ 13-12-2017، رابط إلكتروني https://bit.ly/2q488D8
[46] جرحى الدفاع الوطني يشكون عدم تسليمهم رواتبهم، موقع سناك سوري، تاريخ 09-01-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2PiOLEN
[47] استغلت إيران وموالوها علاقاتهم الشخصية مع المسؤولين المحليين والحزبيين لدعم ترشيحهم لانتخابات الإدارة المحلية، حيث تولت هياكل الحزب المحلية رفع الأسماء للقيادة المركزية ليتم إقرارها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، حوار أجراه الباحث مع أحد أعضاء حزب البعث بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 15-10-2018.
[48] مجد الخطيب، ماذا تريد إيران من انتخابات الادارة المحلية؟، موقع المدن، تاريخ 16-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2OUKpmJ
[49] يذكر هنا نجاح علي النبهان "قائد فوج النيرب-دفاع محلي" كعضو عن مجلس مدينة حلب عن حي النيرب، حيث كان لفوج النيرب وفيلق المدافعين عن حلب دور في متابعة الوضع الخدمي للحي والتواصل مع مجلسي مدينة ومحافظة حلب لمعالجة مشاكل الحي. مثال من متابعة قائد فوج النيرب لشؤون الحي خدمياً، https://bit.ly/2J6HjGX
شكلت مواقف دول الخليج حالات داعمة للقوى المجتمعية الثورية السورية، حيث تولت منذ البداية طرح العديد من المخارج للأزمة السورية، وشكلت مبادراتها الدينامية الأساسية والمحركة لمبادرة الجامعة العربية الأولى إلا أن استمرار رفض النظام أدى إلى تطور الموقف الخليجي والمطالبة بتنحي رئيس النظام السوري لصالحه نائبه (المبادرة العربية الثانية)، ومن ثم رفض الحوار معه ليفضي إلى تعزيز تقديم الدعم السياسي والمعنوي للمعارضة السورية في المجتمع الإقليمي والدولي، وبلغ هذا الموقف ذروته في تلك المرحلة عندما سحبت دول الخليج سفرائها من دمشق وطردت نظرائهم السوريين من أراضيها. أما في المرحلة المسلحة فقد اتبعت كل من قطر والسعودية والإمارات سياسات تمكين المعارضة ومدها بالدعم اللوجستي بدايةً ثم دعوة المجتمع الدولي ومطالبته بتسليح الجيش السوري الحر والاعتراف بمؤسسات المعارضة الرسمية وهيئاتها، إلا أن التطورات السياسية والأمنية ساهمت في عرقلة الحركة والتأثير الخليجي، سواء تلك التطورات الناجمة عن التدخل الروسي وما فرضه من معادلات سياسية وعسكرية جديدة، أو تلك المتعلقة بالأزمة الخليجية والتحولات المحلياتية أو تلك المرتبطة "بالتخبط" الامريكي في المنطقة وما تفرزه من تمكين للمشروع الإيراني.
تناقش هذه الورقة -متكئة على أدوات التحليل الاستراتيجي-مسببات تلك العرقلة وأثرها على العلاقة الخليجية السورية وانحسار خيارات ومساحات التأثير، موضحة طبيعة المشهد السوري بعد هذه التطورات وموجبات عودة التلازم الوظيفية مع المسارات السورية الوطنية لتحقيق الاتساق العضوي لتفريغ المشروع الإيراني المتمدد، وتستكشف هذه الورقة ميادين هذا التلازم وحزم الإجراءات الضامنة لعودة الفاعلية في الحقل السياسي والأمني والتنموي.
دفعت التطورات الإقليمية والتعقيدات المحلية التي تعتري الجغرافية السورية منذ التدخل الروسي إلى ظهور عوائق مختلفة الحجم أمام القوى الإقليمية الفاعلة في الشأن السوري، مما أفرز تحولاً في مسار الحركية الإقليمية وفقاً لتغلب "المنطق الجيوأمني" على مداخل الحل والانفراج السوري وبحكم أولوية "عدم التعارض مع موسكو" التي باتت فاعلاً رئيسياً في هذه الجغرافية، ودول الخليج العربي من بين تلك القوى الإقليمية، فبالنظر لأهم تلك التطورات، فإنه يمكن حصرها بعدة دوائر "متعارضة"، فرضت على دول الخليج تغييرات واضحة أفرزت إعادة تقييم للسلوك والأداء الخليجي، وأهم هذه الدوائر وهي:
بعد تلك التطورات الدافعة لتغير السلوك الإقليمي لدول الخليج في سورية، فإنه يمكن تشكيل معادلة الدور الخليجي الراهنة وفق للآتي: )الفاعلية الخليجية = أدوار إنسانية ودبلوماسية+ دعم شديد المحددات والشروط+ انخراط إيجابي في عمليات التشكل السياسي(، وتؤكد هذه المعادلة -التي فرضت نفسها بحكم تنامي معوقات الفاعلية المثلى- تضيق مساحات التأثير وتقلص الفرص الكفيلة بعدم تحول سورية سواء كجغرافية لمسرح متشظي، "تُحسن" طهران المنتشرة أفقياً في هذا المسرح استغلاله ومل فراغاته بمشروعها السياسي والإيديولوجي، أو لتحول سورية كدولة إلى كيان دولتي فاشل غير قادر على ضبط المشهد الأمني والعسكري والسياسي وترتهن دوائر صنع القرار فيه لحلفائه وشروطهم الجيوسياسية في المنطقة.
من جهة أولى، فإن تسارع طهران لتحسين وتعزيز تموضعها في المنطقة وإن بدى غير مستقر فإنه باتجاهات امتلاك شروط التمكين، إذ يساهم تفتيت أهم المسارح الجيوسياسية في المنطقة في إضعاف دول الأطراف وتصدر طهران لدفة القيادة التي ستحاول من خلالها التحكم في ملفات المنطقة بغية ضمان عودته لممارسة دوره الشرطي قبل أحداث الربيع العربي من جهة ولاستكمال مشروعه الاستحواذي على مراكز القوة في المجال الحيوي والجيبولتيكي لهذه المنطقة.
ومن جهة ثانية، فإن عدم تحول الفعل الخليجي لاستراتيجية متكاملة قادرة على الدفع باتجاه تضمين الاتفاق السياسي المتوقع للشروط الأمنية والسياسية المحلية المتقاطعة مع محيطها العربي، واكتفائها في سياسة الصد، يسهم على المدى الاستراتيجي بإعادة فرز السلطة الحاكمة بكل ما تعنيه العودة من تعاظم شروط اللاستقرار والفوضى والتحكم في بؤر الإرهاب واتجاهاته.
ومن جهة ثالثة، فإن التدخل الروسي الذي يحاول استثمار "نصره" العسكري في ميدان السياسة و"رعاية" عملية سياسية لا تفضي لمعالجة أسباب الرفض والقطيعة المجتمعية، فإنه ينمي مناخات الانحدار باتجاه الأفغنة القابلة للتدحرج لتغدو سمة المنطقة ككل، وبالتالي فإن كافة المؤشرات تدل على أنها خطوات ديكورية في "مسلسل ادعاءات" الحل السياسي، وهو أمرٌ ينبغي أن تبقى دول الخليج مدركةً أبعاده السلبية على المنطقة ككل،
تحتم الاتجاهات أعلاه على دول الخليج تجاوز معطلات التأثير في الملف السوري سواء المرتبطة ببنيتها الداخلية أو المتعلقة بضرورات اتساق الرؤية والأدوات الخارجية، وإعلاء أولويات التلازم الأمني والسياسي السوري الخليجي، والاستمرار بالضغط على الفواعل الدولية لتبقى القضية المجتمعية هي المحرك الأساس في أي عملية سياسية، مستغلة عوامل في تمكين القوى الاجتماعية سياسياً واقتصادياً وتعزيز أدوار المجالس المحلية التي هي نتاج شرعية شعبية، وهو أمر سيكون صاداً للمشروع الإيراني غير المنسجم مع هوية المنطقة وتفاعلاتها من جهة، وسيعزز من مناخات صد وتجفيف قوة الجماعات العابرة للحدود واسقاط ورقة لطالما احسنت قوى الاستبداد توظيفها في تمزيق البنية المحلية واستغلال ذلك لإعادة شرعنة بقائها.
انطلاقاً من ضرورة وأهمية هذا التلازم، فإن ملامح أي انخراط استراتيجي خليجي ينبغي له الانطلاق من اعتبارات سياسية واقعية؛ وضرورات إعادة تقييم لأدوار التأثير محلياً والبحث عن أنماط تغييرها باتجاهات تعزيز التلازم؛ بالإضافة إلى أولوية تعزيز المشروع الصاد لطموحات طهران، وعليه يمكن– كمحاولة لرسم هذه الملامح –تحديد ثلاثة أطر للفاعلية، الأول متعلق باستنباط عناصر التأثير الكامنة في العملية السياسية وسبل تعزيز مقاربة التلازم، والثاني مرتبط بتحديد الأدوار المحلياتية، والإطار الثالث يحدده واقع المشروع الإيراني وآفاقه وسبل مواجهته وتحجيمه. فإذا ما انطلقنا من في هذا القسم من الإطار الأول، فإن المشهد السياسي الراهن بات يؤكد على ثوابت جديدة، لا سيما تلك التي تعد نتائجاً للتدخل الروسي، ومنها نذكر:
إلا أن إدراك موسكو لثابتين يتعلقان بالنظام (الأول: عدم قابلية تحمل بنيته لأي تغيير حقيقي؛ والثاني عدم نجاعة تزمين خفض التوتر من زاوية عدم قدرة النظام على الحفاظ على المكتسبات العسكرية، وبالتالي العمل على أولوية الاستعجال في الخطوات السياسية اللازمة وانجازها شكلاً على الأقل) يجعل عملية الهندسة الروسية للحل السياسي عملية يعتريها العديد من العراقيل وعناصر اللاستقرار، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن العملية السياسية وفق المخيال الروسي لا تزال مرتبطة حالياً بمرحلة تفاوضات مع الأطراف الإقليمية المعنية، ومتعلقة بمدى مقاومة المجتمع الدولي لهذه الخطوة الروسية التي ستسحب تدريجياً مرجعية جنيف، هذا المجتمع الذي وإن تماهى بحكم التدخل العسكري مع المخرجات الروسية، إلا أنه يدرك أن الأمر بنهايته رهين التقارب الروسي الأمريكي، وهذا ما لم تتعزز مؤشراته المرتبطة بالشروط الأمنية السورية المحلياتية([1]).
ووفقاً لأعلاه وبالتقاطع مع الشروط الوطنية كانتفاء مسببات الإرهاب والربط العضوي بين الانتقال السياسي والاستحقاقات الأخرى، فإنه يمكن تحديد عناصر الفاعلية السياسية الخليجية بأربعة مداخل:
تدلل الخريطة أدناه على واقع إيران العسكري والأمني في سورية في عام 2017، فبالإضافة إلى قواعدها العديدة في سورية (فعلى سبيل المثال يمتلك الحرس الثوري لوحده -عدا الميليشيات الأخرى-ثلاثة قواعد كبيرة في الكسوة بريف دمشق ومنطقة صلنفة في الساحل السوري ومنطقة السبع بيار في البادية السورية، عدا عن نقاط الاتصال والتسليح في مطار دمشق الدولي والزبداني وجمرايا في ريف دمشق ومدينة البعث في القنيطرة، والحاضر في ريف حلب) تنشط إيران حالياً على أربعة أبعاد:
بالمقابل ورغم تنامي العناصر المكملة للمشروع الإيراني وبلوغها مستويات متقدمة، إلا أن عوامل تفريغ هذه المشروع وتحجيمه لا تزال تمتلك فرصاً عديدة يمكن لدول الخليج استغلالها، خاصة أن أي حالة سياسية محتملة ستعترضها بنية أمنية هشة ومناخ فوضوي لا يمكن أن يفضي للتعافي والاستقرار المجتمعي، ومن هذه الفرص نذكر حزم الإجراءات التالية:
تشكّل إعادة الإعمار في سورية مهمة بالغة التعقيد والتشبيك مع المسار السياسي؛ فبحسب ما هو متعارَف عليه حول المعافاة وإعادة الإعمار بعد النزاعات، يجب أن تتم إعادة البناء المادّية والمعافاة الاقتصادية والإصلاحات السياسية والمصالحة المجتمعية بصورة متزامنة من أجل نقل البلاد من حالة الحرب والفوضى إلى "السلم والاستقرار". لكن في سورية، ثمة خطر بأن يتواصل الجزء الأكبر من إعادة الإعمار والمعافاة الاقتصادية بمعزل عن المفاوضات والإطار السياسي الملائم لشروط التعافي، إذ يمكن أن تتحوّل إعادة الإعمار بسهولة إلى أداة لتثبيت مكاسب الحرب وديناميكيات النفوذ القائمة، ما يحول دون عملية الانتقال من الحرب إلى السلم أو يطرح تعقيدات أمامها، بدلاً من دعمها، كما أن اهم ما يعزز هذا الخطر أنه مع تقدّم عملية إعادة الإعمار، ستواجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، معضلةً بين الاستثمار في إعادة الإعمار "التقنية" – التخلّي عن فرض شروط على المساعدات، والاتجاه بحكم الأمر الواقع إلى مكافأة النظام والمساهمة في ترسيخه لنفوذه على الأرض – وبين رفض المشاركة في عملية إعادة الإعمار برمتها، ما يُعرِّضهم لخطر خسارة مزيد من التأثير[2].
ورغم ذلك تتيح إعادة الإعمار فرصة لدول الخليج بتعزيز الاتساق السياسي مع الحاضنة المجتمعية السورية وزيادة أوراق التأثير والمساهمة في عملية التشكل السياسي لسورية ورسم معالمها المستقبلية، فإعادة تصوّر المشهد بكافة أبعاده لا يمكن له أن يتم دون إعادة صياغة الديناميكيات السياسية وديناميكيات النفوذ أو ترسيخها.[3] وتدرك دول الخليج طبيعة العلاقة بين إعادة الإعمار والحكم والنفوذ. فحتى فيما يتفاوضون على الترتيبات المتعلقة بنزع التصعيد ووقف إطلاق النار، فأنهم سيسعون أيضاً إلى ترسيخ دوائر نفوذهم في سورية عن طريق إعادة الإعمار. على سبيل المثال، تستثمر تركيا في إعادة إعمار البنى التحتية المتضررة من الحرب في الباب، آملةً بأن يساهم ذلك في طرد المجموعات المتطرفة وتشجيع عدد كبير من اللاجئين الذين تستضيفهم داخل الأراضي التركية، على العودة إلى سورية، وليس الهدف من هذه الجهود بسط الاستقرار في الوقت الراهن وحسب، إنما أيضاً تمكن ورائه أسباب سياسية.
وعليه يمكن تحديد ملامح سبل فعالية دول الخليج في سياسات إعادة الإعمار في عدة اتجاهات، أهمها ما هو مرتبط بمتطلبات تعزيز التواصل ما بين منظومة مجلس التعاون الخليجي مع الاتحاد الأوروبي (الداعم المادي الأكبر لإعادة الإعمار في سورية) والتوصل لمذكرات تفاهم وتنسيق وتعاون لإنجاز هذا التحدي، والعمل على الدفع باتجاه تحديد الشروط السياسية لبدء هذه العملية، والحذر من تحول هذا الملف من استحقاق سياسي داعم للاستقرار إلى تحدي حكومي يتوه في دهاليز البيروقراطية وشبكات الفساد الأسدية والإيرانية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه من أدوات الفاعلية يكمن في إنشاء منظومة التعاون الخليجي لصندوق مالي داعم لسياسات إعادة الإعمار وما تتطلبه من دراسة احتياجات وسياسات تنفيذية وبرامج تطوير الأداء والعودة الكريمة للاجئين والنازحين، والتركيز المباشر على مناطق سيطرة المعارضة وما تتطلبه من احتياجات تؤهلها لإدارة هذه العملية.
تتعاظم شروط التشكل السياسي غير المتسق مع طبيعة وتعريف القضية السورية التي تشهد تغييراً لمفاهيم سياسية كالانتقال والتغيير السياسي لصالح تسوية تفرغ الاستحقاقات السياسية الضامة لبناء سورية بما يتسق مع هويتها الحضارية وتحولها لمهمات حكومية غير مستعجلة وغير مرتبطة ببوصلة سياسية، وهو ما من شأنه تحول سورية لدولة فاشلة مزمنة تتحكم طهران في معظم دوائر صنع قرارها، وهو ما سيرتد فوضى أمنية متنامية على البنية السورية والخليجية والعربية، الأمر الذي يحفز دول الخليج لإعادة تقييم سياساتها تجاه الملف السوري ودراسة أسباب إعاقة فاعليتها عبر تعزيز مقاربة التلازم السياسي والأمني مع الملف السوري، والبحث عن امتلاك دوائر تأثير تضمن من خلالها دول الخليج إيقاف السيولة المتأتية من المشهد السوري وتضمين خطوات هندسة الحل أبعاده السياسية والاجتماعية الكفيلة بتحقيق الاستقرار والتعافي في سورية من جهة وتقوض وتفرغ المشروع الإيراني من جهة أخرى.
([1]) التثمير الروسي للمسار السياسي لما بعد الأستانة، تقدير موقف صادر عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ 13/11/2017، الرابط: https://goo.gl/6sN4h8
([2]) Benedetta Berti, “Is Reconstruction Syria’s Next Battleground?”, Carnegie endowment for international peace, 5/9/2017, https://goo.gl/xFWLxX
([3]) لقد تكبّدت سورية، خلال الأعوام الستة الماضية، خسائر تراكمية في إجمالي الناتج المحلي تخطّت 226 مليار دولار، وأصبح نصف سكّانها في عداد النازحين بسبب النزاع، ولحقت أضرار كبيرة بالبنى التحتية المدنية. بحسب التقديرات الواردة في تقرير صادر عن البنك الدولي في العام 2017، دُمِّر 27 في المئة من المنازل في المراكز المدينية التي خضعت للتقويم، أو لحقت به أضرار، ويُقدَّر مجموع تكاليف إعادة الإعمار بـ200 إلى 350 مليار دولار
ضمن تغطيتها الإخبارية، حاورت قناة الرافدين بتاريخ 20 حزيران 2017، الباحث معن طلاع من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية حول التصريحات الروسية الأخيرة باستهداف أي طائرة للتحالف تُرصد غرب النهر ضمن مناطق عملياتها العسكرية.
ضمن الدراسة الأولى الواردة في الكتاب السنوي الثالث بعنوان: "تحديات النهوض الوطني إبان التدخل الروسي"، يجيب الباحث ساشا العلو عن أهم التساؤلات التي يفرضها هذا التدخل على معادلات المنطقة والإقليم، كما يناقش الباحث المتغيرات الدولية والإقليمية التي خلقت بيئة مُيَسرة لهذا التدخل لا سيما محور العلاقة الروسية الأمريكية، والعلاقات الروسية مع الفاعلين الأساسيين في المنطقة.
تداعيات الحركية الروسية على الملف السنوي، هو عنوان الدراسة الثانية في الكتاب السنوي الثالث: "تحديات النهوض الوطني إبان التدخل الروسي".
تركز الدراسة على حيثيات هذا التدخل ومسار حركته المحلية، وذلك للوقوف على مدى ضبط موسكو لعناصر "هندسة الحل السياسي المرتجى" ورغبتها في إحداث متغيرات نوعية في أضلع هذا الحل لا سيما فيما يرتبط بالمعارضة الصلبة، كما اختبر الباحث في دراسته الثنائية الوظيفية التي تقوم موسكو بالعمل عليها والمتمثلة بـ(الضامن، الحليف) وما تفرزه من تناقضات تصعب إنجاز "استراتيجية الخروج الروسي الآمن".
خلال مقابلته الدكتور عمار قحف المدير التنفيذي لمركز عمران يقدم لمحة موجزة عن الكتاب السنوي الثالثـ والمصدر في شهر آذار عام 2017، بعنوان: "تحديات النهوض الوطني إبان التدخل الروسي".
أصدر مركز عمران كتابه السنوي الثالث الذي يتزامن مع بداية العام السابع من الزلزال السوري بعنوان "تحديات النهوض الوطني إبان التدخل الروسي"، هادفاً إلى تقديم قراءة منهجية لأهم متغيرات الملف السوري في عام 2016 ابتداءً من آثار التدخل الروسي في معادلات المنطقة، وكذلك حركية هذا الوجود الروسي وحدوده وأبعاده، إضافة إلى تسليط الضوء على الكمون الاقتصادي والتنموي في مناطق المعارضة وتحليلاً للبُنى الإدارية المحلية القادرة على ملء الفراغ وضبط الأمن وتوفير جسم قادر على الانتقال السياسي الحقيقي ميدانياً.
وتؤكد الدراسات الواردة على أهمية تقوية المكونات المحلية المدنية وخاصة منظومة المجالس المحلية كجسم تمثيلي شرعي رغم التفاوت في مستوى الأداء بما يهدف إلى ملء الفراغ الإداري وتمثيل رأي المواطنين في الحقل السياسي في مقابل طُغيان غير متوازن للفصائل العسكرية والأجسام السياسية التقليدية في المشهد التفاوضي.
استضاف برنامج "من تركيا" على قناة الأورينت السورية، الدكتور عمار قحف، مدير مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، للحديث عن مسار مؤتمر جنيف4 ومآلاته في ظل الانسداد السياسي القائم.
قدّم مدير مركز عمران للدراسات الاستراتيجية تحليلاً معمقاً للدور الروسي المتعاظم في سورية، وهو الأكبر منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وحلل أساليبها في خلق منصات متعددة لإضعاف المعارضة السورية لصالح نظام الأسد.
وإجابة منه على سؤال حول سرّ تعدد منصات المعارضة في مؤتمر جنيف، وتأثيرها على المسار السياسي في جنيف، أجاب الدكتور عمار قحف، بأن غاية روسيا من صناعة منصات موالية لها، هو الإعداد للمرحلة المقبلة من المفاوضات لضمان مصالح موسكو في سورية.
كما تناولت المقابلة الحديث عن بيانات جنيف1 ومساعي الروس للالتفاف على البيان من خلال اعتماد سياسة الغموض البناء على الرغم من مبادرة موسكو نفسها لصياغة البيان.