بتاريخ 27-28 كانون الثاني لعام 2020؛ وضمن سلسلة النقاشات المجتمعية التي ينظمها مركز عمران للدراسات الاستراتيجية في إطار سعيه لفهم الديناميات المحلية وتضمين الشرط المحلي في معادلات الاستقرار في سورية؛ عقد مركز عمران ورشة حوارية مع مجموعة من الفاعلين والناشطين والباحثيين والأكاديميين المحليين وذلك في مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث MERI في مدينة أربيل، حيث هدفت الورشة إلى تحديد الرؤى والمواقف المحلياتية حيال العملية السياسية واستحقاقاتها ووتحديد الأطر القانونية والعملية لتضمين أدوار المجتمع المحلي في استحقاقات الاستقرار في سورية.
تركز النقاش والحوار في اليوم الأول على العملية السياسية واستحقاقاتها؛ حيث استعرض المشاركون في الجلسة الأولى: مواقفهم من العملية الدستورية وتموضعها ضمن خطوات الحل السياسي، وماهية المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ينبغي تضمينها في الدستور الجديد، وتبيان آليات تفعيل دور المجتمعات المحلية في صياغة دستور تشاركي يعبر عن وجهة نظر السوريين. كما فنّد المشاركون في الجلسة الثانية القضايا المتعلقة بالاستحقاق الانتخابي بدءاً من الاجراءات التي ينبغي أن تتضمنها هذه العملية حتى تكون خطوة على طريق التأسيس لاستقرار مستدام في سورية، وصولاً لاستعراض شروط "البيئة الآمنة انتخابياً"، والضمانات السياسية والقانونية، التي ينبغي توافرها لإطلاق أي عملية انتخابية مستقبلية في سورية وكيفية ضمان إجراء انتخابات تضمينية تشمل اللاجئين والنازحين السوريين؛ ثم تم التركيز على الإصلاحات التي يتوجب إدخالها على النظام الانتخابي في سورية، على مستوى الدوائر الانتخابية ونظام القوائم، وشروط الانتخاب والترشح، وآليات الرقابة والإشراف وأدوار وحدات الإدارة المحلية في العملية الانتخابية ومتطلبات الكفاءة والقدرات للاضطلاع بهذه الأدوار.
وفي الجلسة الثالثة؛ وضمن الرؤى المجتمعية لشروط الاستقرار وضح المشاركون ضرورة تضمين العدالة والمحاسبة والبيئة الآمنة والممكنة والكريمة لعودة اللاجئين والنازحين وبحثوا في آليات وسبل تجسيرهوة الانقسام المجتمعي القائمة، وأدوات المجتمع التي تمكنه من ممارسة دوره في قضايا العدالة الانتقالية والمحاسبة. أما الجلسة الرابعة فقد تمحورت حول التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية، فقد حدد المشاركون المحددات الرئيسية لوثيقة "المبادئ الأساسية" لعمليات الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار، وكيفية الموازنة بين اعتبارات سيادة الدولة وحرية عمل المجالس المحلية في أطر عملها ووادوارها في هذه العمليات.
في اليوم الثاني خصص المشاركون جلساتهم للتباحث في مقاربة اللامركزية النوعية كمدخل موضوعي للحل؛ حيث تناولوا في الجلسة الأولى والثانية واقع المحليات وهياكل الإدارة والعلاقة مع المركز؛ إذ أكد المشاركون على أن تجارب الحكم المحلي متباينة في سورية من حيث الإداء الحوكمي والشرعية التمثيلية إلا أنه يمكن إيجاد قاعدة أولية لتطوير لامركزية نوعية ( تقاسم الوظائف) بين المركز والمحليات تستوعب مطالب المكونات المجتمهية ويمكن لها ان تشكل مدخلاً هاماً لعقد اجتماعي جديد، منوهين إلى جملة من التحديات والمخاوف وطرق معالجتها قانونياً ومؤسساتياً؛ بينما تركز النقاش في الجلسة الأخيرة حول الأطار القانوني للامركزية وصلاحية أن يكون القانون 107 أرضية لهذا الإطار مع التركيز على ضرورة أن تتوافر الضمانات الدستورية والقانونية والآليات المؤسساتية لحماية وحدات الإدارة المحلية من استبداد الحكومة المركزية.
بدعوة من مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى ومركز الجزير للدراسات والجزيرة مباشر؛ حضر الباحث في مركز عمران معن طلاع، ندوة نقاشية حول (عملية نبع السلام وانعكاساتها على سورية والمنطقة)، وقدم طلاع مداخلة مجدولة ضمن المحور الثاني حول تموضعات الجديدة للمعارضة والنظام والأكراد وداعش في سورية بعد نبع السلام، كما ناقشت الندوة محور ميزان القوى ودور اللاعبين الإقليميين والدوليين والتوافقات الدولية بعد عملية نبع السلام ومحور تشكل وإدارة المنطقة الآمنة واستحقاقاتها كإعادة الإعمار وإدارة المنطقة الآمنة والمساهمات الدولية في ملف المنطقة الآمنة.
رأى الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، معن طلَّاع، أثناء حديثه مع العربي 21 " حول انخفاض قيمة الليرة السورية ومدى تأثير ذلك على نظام الأسد. أن "التحديات ما بعد الحرب، يكون لها عادة تداعيات أكبر من فترة الحرب ذاتها. لذلك يحاول الأسد التهرب من تلك التداعيات، عبر الإبقاء على استمرار الحرب، كسبا للوقت، وأملاً في التكيف مع هذه التحديات"
متابعاً القول أن "سير العقوبات الاقتصادية على النظام، وأزمات ما بعد الحرب، في ظل استنزاف تام لقدرات الدولة والحكومة، ورهن كل موارد الدولة لخدمة العجلة العسكرية، فرضت نفسها الآن". ووفقاً لرأي الباحث، فإن كل هذه التداعيات، والاقتصادية منها على وجه التحديد، ستساهم في مكان ما بزيادة التحديات، والغرق في الأزمات أكثر.
وقال طلاع: "لكن الغرق في الأزمات، لا يبرر الإفراط في التفاؤل بحتمية سقوط النظام السوري من الأوساط المعارضة، فالنظام السوري نظام شمولي، وعوّدتنا هذه النوعية من الأنظمة أن الأزمات الاقتصادية لا تعنيها كثيراً".
مضيفاً أن "هذه الأزمات غالباً ما تتحمل تبعاتها الحاضنة الشعبية، بينما لا يعني النظام إلا البقاء في السلطة، وهذا ما بات يتضح من خلال مسار العملية السياسية"، مشيراً إلى "تجاوز الأسد لكل ما ينص عليه القرار الأممي 2254، بدءاً من المرحلة الانتقالية، كما أنه يتم تجاوز الدستور".
وكذلك، فإن ما يهم النظام، وفق طلاع، هو "إعادة تمكين أجهزته الأمنية، وإيجاد هامش له في ظل علاقاته مع الحلفاء، للمناورة والتفاوض وتقديم الصفقات، مثل إعادة اللاجئين مقابل إعادة الإعمار، وهذه الصفقات قد تكون عبر شبكات اقتصادية جديدة".
وبهذا المعنى، يعتقد الباحث أن الأزمة "قد تدفع بالنظام إلى تقديم المزيد من التنازلات الاقتصادية مع الحلفاء"، خاتماً بالقول: "بعبارة أخرى، النظام اليوم في مرحلة تصدير الأزمة الاقتصادية، لتكون تداعياتها على الشعب فقط، وليس عليه من الناحية السياسية والأمنية".
المصدر: http://bit.ly/33Nl2qq
أفرز النزاع الدائر في سورية منذ عام 2011 جملة من التحديات التي بدأت ترتسم ملامحها مع اقتراب النزاع من نهايته، ولعل من أبرزها التحديات المرتبطة بعملية التعافي الاقتصادي المبكر التي بدأت تظهر بوادرها في عدد من مناطق هذا البلد المتباينة من حيث النفوذ والاحتياجات والموارد والإمكانيات التي تحوزها. وفي ضوء مخرجات المشهد الراهن الذي امتاز بتعزيز مناطق النفوذ وتعثر العملية السياسية، بدأت سياسات الفواعل المحلية والإقليمية والدولية تتكيف مع هذا الواقع وتطلق مشاريع تعافي اقتصادي مبكر في مناطق النفوذ تلك، ولأن البيئة العامة ما تزال قلقة سياسياً وعسكرياً، ولأن هذه المشاريع تتطلب العديد من الإجابات عن أسئلة قدرات هؤلاء الفواعل والواقع الذي تعيشه هذه المناطق والسياق السياسي المرتبطة بعملية التعافي الاقتصادي داخلها، توجه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية إلى تنفيذ سلسلة من المخرجات البحثية بهدف فهم ديناميات هذه المشاريع، وبوصلتها السياسية ومتطلباتها وتحدياتها، حتى تكون تلك المشاريع دافعة باتجاه تكوين بيئة مستقرة.
تعد مرحلة التعافي المبكر على غاية في الأهمية، لأنها المرحلة التي يفترض بها أن تنقل البلاد من النزاع إلى السلم والاستقرار، والمرحلة التي تهيئ الأرضية اللازمة لعملية إعادة الإعمار اللاحقة. ولهذه المرحلة بعد سياسي وشق اجتماعي يماثل من حيث الأهمية الشق الاقتصادي. ويشمل الشق السياسي: العمل على وقف العنف في كافة أنحاء البلاد، وإقامة مؤسسات الحكم الجديد، والتركيز على إنجاز حل سياسي مولِّد للاستقرار. ويشمل الشق الاجتماعي: أعمال الإغاثة، واستيعاب اللاجئين وإسكانهم، وإجراء المصالحات الوطنية، بعد تهيئة البيئة الأمنية المناسبة. ويشمل الشق الاقتصادي: ترميم المرافق العامة الأساسية، وتحريك عجلة الاقتصاد، وإعادة التوازن للإطار الاقتصادي الكلي، وتفكيك مؤسسات اقتصاد النزاع في المناطق التي كانت خارج سيطرة الدولة كما ضمن سيطرتها. وتتداخل المكونات السياسية والاجتماعية والاقتصادية أعلاه بشكل كبير، وتعتمد النجاحات في أي منها على النجاح في النشاطات الأخرى.
ينطلق التوجه البحثي لمركز عمران من افتراض مفاده أن المرحلة القادمة في الملف السوري ستكون تحت إطار (ما بعد النزاع العسكري)، وأن السيناريوهات المتوقعة هي أسيرة اتجاهين، الأول: ترسيخ مناطق نفوذ: "سورية المفيدة" ذات نفوذ إيراني روسي، "سورية الشرقية" ذات نفوذ غربي عربي، "سورية الشمالية" ذات النفوذ التركي، والثاني: استمرار استثمار الفاعلين الإقليمين والدوليين بتثبيت وقف إطلاق النار، مع تغليب أولوية التفاوض المعلن أو غير المعلن بغية الوصول إلى صيغة سلطة جديدة، يكون فيها للنظام القائم الحصة الأكبر بحكم مجهودات حلفائه من جهة، وتمكنه من امتلاك "آليات التحكم" من جهة ثانية.
وتتمحور الأهداف العامة لهذا التوجه في تحديد المعايير الضامنة لتعافي اقتصادي مبكر، وتكوين إطار سياساتي عام لتنفيذ جهود التعافي تلك، وتحديد متطلباته وشروطه المرتبطة بثلاثية الأمن والحوكمة والتنمية، بالإضافة إلى تصدير موقف حيال كفاءة النظام اتجاه تحديات مرحلة ما بعد النزاع وسياسات التعافي وإعادة البناء. وضمن هذا السياق تم إنجاز خمسة مخرجات بحثية، الأولى: ورقة تحليل سياسي بعنوان السياق السياسي للتعافي المبكر في سورية، والثانية: ورقة تحليلية حول التعافي الاقتصادي المبكر في سورية: التحديات والأولويات. والثالثة: ورقة حول الاقتصاد السياسي للتعافي المبكر في سورية، والرابعة دراسة بعنوان: التعافي المبكر في سورية: دراسة تقييمية لدور وقدرة النظام السوري، في حين تضمنت الخامسة دراسة بعنوان: المقاربة التركية للتعافي الاقتصادي المبكر في سورية: دراسة حالة منطقة "درع الفرات".
لقراءة الكتاب كاملاً انقر الرابط التالي: http://bit.ly/2l73N3h
رسالة شكر وتقدير
يتوجه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالشكر الجزيل لمؤسسة Konrad-Adenauer-Stiftung على شراكتها ودعمها للمشروع البحثي وطباعة الكتاب
لم تنطلق مُعارضة موضوع اللجنة الدستورية للطرح بحد ذاته، وخاصة لمن يتبنى مرجعية القرارات الدولية كنقطة انطلاق لحل المعضلة السورية، فموضوع طرح دستور جديد للبلاد، يشغل حيزاً ما من فقرات القرار 2254 والذي هو في النهاية رؤية دولية أكثر تحديداً لبيان جنيف، الذي ينشد معظم السوريين اعتباره نقطة انطلاق مناسبة لعملية سياسية بناءة، تحقق الحد الأدنى من تطلعاتهم.
المشكلة في اللجنة الدستورية تكمن في انبثاقها عن بدعة السلل الأربعة، ثم بمنحها الأولوية في مجال عمل هذه السلل، تجاوزاً لأولويات يحددها وضوحاً بيان جنيف، من حيث المضي قدماً في تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، وما يترتب على ذلك من تفاصيل مرتبطة بإصلاح الجهاز الآمني ودمج مؤسسات الدولة، والعدالة الانتقالية، والإصلاح الدستوري والقانوني، وعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار، والافراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين،
أما المشكلة الثانية؛ أن اللجنة ستختزل تدريجياً التمثيل السياسي لقوى المعارضة والثورة المختزل أصلاً في جسم الائتلاف، ثم مرة أخرى في جسم هيئة التفاوض، ومن دون أي مشروعية ورضى شعبي، هما أصلاً منطلق تأسيسي لطرح دستور جديد، عداك عن غياب الحد الأدنى من الحوار المجتمعي والمصالحات الوطنية الحقيقية والندية، وتوفر البيئة الآمنة التي لا يمكن قبلها الحديث عن أي دستور يستظل تحت مرجعيته كل السوريين.
بل إن اللجنة الدستورية حال ولادتها اليوم، تحوز فيما يظهر كامل الشرعية الدولية، لكن في الواقع قد تكون مدخلاً مهماً ومنزلقاً لتجاوز مرجعية القرارات الدولية -في الوقت التي يتم تسويقها كأحد منطوقات القرارات الدولية آنفة الذكر (وهي كذلك)- لصالح تأصيل مرجعية أستانا، كناظم جديد ووحيد للعملية السياسية.
المشكلة الثالثة في اللجنة الدستورية، أننا كمعارضين وثوار، تعاطينا بالمجمل مع ملف اللجنة إما من منطلق اللامبالاة الكاملة، من خلال اعتبارها بمثابة مولود غير شرعي للمساعي الدولية للحل، أو الانزلاق السياسي أو الثوري غير التقني في قوائمها، في مقابل انتقاء النظام لمختصين وأكفاء (غير سياسيين بالغالب) ليكونوا ضمن باقته المعتمدة في اللجنة،
أما المشكلة الرابعة فتكمن في غياب مرجعية مؤسسية رسمية لطرف اللجنة من جهة المعارضة، فيما تحكم طرف اللجنة من جهة النظام بقايا دولة، ونظام يحاول التماسك والتعافي، مع تنامي المخاوف من أن تؤول اعتمادية قرارات اللجنة الدستورية إلى البرلمان التابع للنظام، في حال دفعت روسيا إلى اعتماد دستور العام ٢٠١٢، الذي يحيل الإصلاحات الدستورية إلى لجنة دستورية (بهذا الاسم حرفياً) مرجعيتها واعتماديتها برلمان النظام.
قد يلخص العرض السابق معظم المآخذ على تشكيل اللجنة الدستورية، إلا أنه ومع إعلان المبعوث الدولي غير بدرسون عن تشكيل اللجنة الدستورية، فإن ثمة فرص ربما تقف في صف السوريين وهم يحاولون تخطي عراقيل هذا التشكيل وهذا الإعلان؛ وهنا يمكن استعراض عدة مسارات غير خشنة يمكن العمل عليها في سبيل ذلك.
فمن حيث الجدول الزمني لا يتوقع للجنة أن تنهي مهمتها في وقت قصير، في ظل استقطاب دولي حاد جداً حول الملف السوري، وعليه يمكن التحرك على المسار السياسي في فضاءات عمل أرحب، فإذا انطلقنا من فرضية أنه لن يسمح بتسيد الحل الروسي المفضي لاستكمال سيطرة النظام على كامل التراب السوري، بما يعني لو حصل عدم الحاجة لوجود اللجنة الدستورية ويفقد أي حل سياسي معناه، فإن الفرصة سانحة لإعادة انتاج حياة سياسية في ما تبقى من مناطق خارجة عن سيطرة النظام وروسيا، يساهم تفاعل حواملها في خلق روحية عمل جماعي ينتج منظومات حوكمة رشيدة، مفضية إلى نظم إدارة وحكم متماسكة غير هشة، ويساهم في حوكمة قطاع الأمن والقضاء وخلق الأرضية المناسبة لإعادة الإعمار والتنمية المستدامة.
كما أن إعادة الروح إلى الحراك المجتمعي الحقوقي، سيسهم في انتاج حوامل صد ودفع، في مواجهة مخرجات اللجنة الدستورية، ليس عملها رفض أي مخرج بل تتجه لتضع محددات منطقية من زاوية حقوقية لأي منتج دستوري منطلقة من فضاء اجتماعي بوصلته حقوقه التي يطالب بها منذ ثمانية سنين، حقوقه في العودة الكريمة والآمنة والطوعية لبيئاته الأصلية واستعادة ملكياته وأيضاً حقوقه في المحاسبة والكشف عن مصير مفقوديه، والإفراج عن معتقليه، ويدفع من جهة أخرى إلى تعطيل أي مخرج غير متسق مع مصالحه، فضلاً عن الدفع باتجاه عدم خلق دستور دائم أو غير قابل للتعديل في ظل كل الإخفاقات التي رافقت انتاج اللجنة الدستورية والمثالب التي تعتريها.
أما المسار الثالث فيتجه إلى تطوير الملفات القانونية وتعزيزها، من أجل محاسبة كل المتورطين في سفك الدم السوري، والتضييق على مجرمي النظام وملاحقتهم. إن هذه الديناميات يفترض أن تستند إلى أرضية حوار وطني مجتمعي محلياتي عابر لحدود النفوذ والسيطرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ويفضي إلى توحيد نماذج الإدارة والحكم المحليين، ومواءمة نماذج الأمن والقضاء إلى جانب تكامل رؤى التنمية، وهي فرص تستند إلى تخلخل التوافق الدولي حول اللجنة الدستورية واستبعاد قطاعات سورية مهمة من التمثيل فيها.
إن استدعاء البعد السياسي والاجتماعي الحقوقي إلى جانب البعد القانوني، وذلك من زوايا حركية بحته وليس من منطلقات نخبوية جامدة أو مناظير (دكنجية) مغلقة، أو توقعات قانونية حالمة، سيحيلنا إلى فرص من المشروعية وإيجاد المرجعية البديلة وأوراق القوة وشرعية الإنجاز التي يستطيع أن يستند إليها طرف اللجنة المحسوب على المعارضة (إن أراد) بدرجة يفتقر إليها نظام "أمني محكم" لأي فرصة لحياة سياسية أو حراك مجتمعي، فضلاً عن كونه سيخرجنا من الدوائر الضيقة التي أراد ويريد الروس حصرنا ضمنها تضعف ضمنها قدرتنا على الحركة والمناورة.
سيبدع السوريون فرصهم في كل حين، وسيتمكنون إن أرادوا وبذلوا الوسع من تحويل مأزق اللجنة الدستورية من ملف تنازل واستسلام إلى ورقة قوة وعزم.
المصدر موقع السورية نت: http://bit.ly/2kVF0Po
بينما اشتعلت القاعة بالتصفيق والهتاف بحياة رأس النظام؛ صعد بشار الأسد إلى المنبر ليبدأ خطاباً امتد إلى ساعة وعشرين دقيقة لم يقطعها سوى أبيات من الشعر الرديء في مدح القائد على لسان شعراء المجالس المحليّة، فقد اختار الأسد أن ينطلق خطابه من "القاعدة" كما وصفها، أي المجالس المحليّة، في إطار الإيحاء بالإصلاح الإداري والتمثيل لكل المناطق والمكونات الاجتماعية عبر وحداتهم الإدارية، والتي وصل أعضاؤها "بانتخابات" اعتبر الأسد مجرد إجرائها نجاحاً وتحدياً كبيراً "للدولة"، ليرسل من تلك القاعدة عدة رسائل على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، لم تستثنِ حلفاءً وأعداء.
فقد عكس خطاب الأسد موقفه ونظامه من عدة مسارات وملفات مفتوحة تندرج تحت مسمى الحل السياسي ومتطلباته، وبما أن الجمهور الفيزيائي للخطاب هم رؤساء المجالس المحليّة، فقد افتتحه الأسد بالحديث عن ضرورة التحول من المركزية كنظام إداري للدولة إلى اللامركزية التي تتيح للمجالس المحليّة الاضطلاع بمهامها الخدمية التفصيلية وإفساح المجال للمؤسسات المركزية للتخطيط الاستراتيجي، إلا أن الأسد أكد على أن هذا التحول لابد أن يؤطّر بالقانون 107 فقط، والذي صدر وفق منظور النظام للتغيير ودعوى الإصلاح الإداري، ولكن بحسب الأسد فإن الحرب عطّلت تفعيله الذي حان وقته الآن.
ولم يكن التطرق للقانون 107 عبثاً؛ وإنما مثّل رسالة واضحة على حصر الأسد الإصلاح الإداري في سورية بقوانينه والهامش الذي يسمح به نظامه فقط، وأن الإصلاح الإداري على مستوى الدولة سيقتصر فقط على اللامركزية الإدارية التي تفوّض المجالس المحليّة بعض الصلاحيات على المستوى الخدميّ التنمويّ فقط، دون أي مضامين سياسية توسع قاعدة المشاركة الشعبية في سورية. وهو ما أشار إليه صراحة حين رفض مفهوم اللامركزية الموسّعة واعتبارها جزءاً من مؤامرة لتقسيم سورية، في إشارة منه إلى أن التفاوض حول هذا الموضوع مرفوض، وحصر الإصلاح الإداري إما باللامركزية الإدارية الضيقة أو بالشاملة التي تودي للتقسيم، وكأنه لا توجد عدة أنواع وأشكال من اللامركزية بين هذين المفهومين، تلك الكفيلة بتوسيع قاعدة المشاركة السياسية والاقتصادية للمواطنين والحفاظ على وحدة الدولة وصون أمنها المجتمعي.
وفي هذا السياق تُفهم الإشارة الضمنية التي توجه بها الأسد إلى قوات "سورية الديمقراطية" خلال خطابه، حيث كعادته لم يسمّ تلك القوات صراحة من باب "الإهانة وتقليل الشأن"، وبذات الوقت وضع سقفاً للمسار التفاوضي المفتوح بينه وبينها برفضه لمطالبها الرئيسية المتمثّلة باعتراف دمشق بالإدارة الذاتية كحكم محليّ وقواتهم كقوات محليّة تتبع للجيش السوري، ووضعهم أمام خيارين؛ إما العودة دون شروط للوقوف إلى جانب النظام مقابل حماية الجيش السوري لهم من "الغزو العثماني"، أو تركهم يواجهون مصيرهم مع الأتراك، خاصة مع إشارته إلى أن تحالفهم مع الولايات المتحدة مؤقت ولن يحميهم.
وخلال حديثه عن واقع الإدارة المحليّة، تطرق الأسد إلى الأزمة المعيشية وتعالي أصوات مؤيديه بانتقاد أداء حكومته في إدارة تلك الأزمة، والتي أرجعها للحصار والمؤامرة على المستوى الخارجي والفساد على المستوى المحلي، مقسماً مستوى النقد من قبل مؤيديه إلى شريحتين، الأولى: التي أطلق عليها "المتألمين" من الأزمة والتي يحق لها النقد نتيجة الألم، بينما الثانية هم "الاستعراضيون" الذين يبحثون عن التصفيق ويهددون بشق الصف، وذلك في إشارة غير مباشرة إلى الحملات التي قادها بعض الفنانين والإعلاميين المواليين في انتقاد أزمة المحروقات وغيرها، موضحاً أن لهذا النقد سقف محدد. ولعل التصنيف السابق يذكّر بتقسيم الأسد لمعارضيه في الأيام الأولى من الثورة السورية، بين أصحاب مطالب محقة وبين من يحاول استغلال تلك المطالب لتنفيذ أجندات خارجية، وهذا ما يشير إلى أن عقليّة النظام فيما يخص الإصلاح السياسي والحريات لم تتطور قيد أنملة، فإذا كان النظام لم يحتمل نقد بعض الأصوات التي ساندته لثمانية أعوام، فكيف لتلك العقليّة أن تتعاطى مع معارضين لها أو مع عودة لاجئين يطغى الموقف المعارض على أغلبهم.
بالمقابل كان لإعادة الإعمار نصيب من خطاب الأسد، حيث عرّج على العمليّة معتبراً أن الدولة بدأت بها منذ بداية "الحرب"، بوصفها عملية إعادة الماء والكهرباء والاتصالات وتهيئة الحد الأدنى من البنية التحتية الكفيلة بإعادة الحياة، معلناً أنه وبهذا الإطار لعملية إعادة الإعمار فإن الدولة قادرة على الاضطلاع بها. ومن المؤكد أن تأطير الأسد واختزاله لعملية إعادة الإعمار بتلك الصورة لا ينم أبداً عن سذاجة في فهمها كعملية أعقد من مجرد إعادة الكهرباء والماء إلى منطقة ما أخضعت عسكرياً، وإنما رسالة واضحة برفضه ونظامه المقايضة وإخضاع تلك العملية للمساومات السياسية وربطها بتنازلات ضمن الحل السياسي، والأهم من ذلك أن كلام الأسد يحمل تأكيداً ضمنياً بكونه غير معنيّ بإعادة إعمار كل المناطق المدمرة، كما يعتقد البعض، أو أنها قد تشكل مدخلاً مهماً للضغط عليه، وبالتالي فإن تلك المناطق قد تبقى لسنوات طويلة على حالها.
ذات الرسالة والمحتوى أوصلهما الأسد خلال حديثه عن ملف عودة اللاجئين، معتبراً أن الحكومة تهيئ كل الظروف لتلك العودة وترحب بمواطنيها وأن "ما يشاع عن التضييق على تلك العودة محض إشاعات على وسائل التواصل الاجتماعي"، وأن الدول المستضيفة هي من تعطّل العودة في إطار الابتزاز السياسي والمادي، وأن "الدولة" لن تخضع لهذا الابتزاز، وهذا ما يشير أيضاً إلى أن النظام غير معنيّ أساساً بعودة اللاجئين، وإنما يراهن على حصر تلك العودة في خيارين؛ إما العودة "الطوعية" لمن يرغب، أو تحول كتل اللاجئين إلى إشكاليات ضاغطة في بعض الدول وتصاعدها بمختلف الاتجاهات بشكل يدفع الدول المستضيفة إلى العودة للتفاوض معه. إذ لا يبدو ملفا إعادة الإعمار وعودة اللاجئين أولوية بالنسبة للنظام، كما تمثلهما بالنسبة لروسيا الساعية للتفاوض عليهما لأهداف تتناسب ونفوذها ومستقبلها في سورية وحصد النتائج السياسية للتقدم العسكري على الأرض، سواء على مستوى إعادة بناء الجيش أو كسر العزلة الإقليمية والدولية عن سورية وجلب استثمارات وإطلاق إعادة الإعمار، أو فيما يتعلق بعبء الوجود الإيراني وما يفرضه على موسكو من أداء والتزامات مع بعض الدول الفاعلة والمنخرطة في الملف السوري.
أما بالنسبة للمسارات الدولية المرتبطة بالحل السياسي، فقد أشار الأسد في خطابه باستهزاء إلى "جنيف" واعتبره غير ذي فائدة ولم يأتِ بأي نتيجة، في حين أشاد بمساريّ "أستانا" و"سوتشي"، معتبراً أنهما "أديا فائدة واحدة، وهي كشف أقنعة العملاء من المعارضة" وضبط مطالب مشغليهم، في إشارة إلى عدم الاعتراف بالطرف الثاني من التفاوض بعد ثماني سنوات، وأن العملية التفاوضية إن تمت فستكون مع "مشغلي المعارضة" من الدول وليس معهم، وهي ذات العبارات التي يرددها رئيس وفده الجعفري في كل جولة تفاوضية.
ولعل كلام الأسد ليس بجديد في هذا الإطار؛ إلا أنه يعتبر شهادة إضافية بكارثية مسار "أستانا" على المعارضة، وتأكيده على الاستمرار بنسف أي جهد تفاوضي وأي نتائج تم التوصل إليها أو سيتم التوصل إليها، وعلى رأسها اتفاق الهدنة في منطقة "خفض التصعيد" الرابعة والتي تتعرض لانتهاكات يومية من قبل النظام عبر القصف، كان آخرها مجزرة (خان شيخون) التي نفذتها طائرات النظام أثناء خطاب الأسد، وهنا يظهر سؤال واضح حول جدوى العملية التفاوضية مع النظام وهدفها؟ ليبقى الجواب برسم المعارضة السياسية.
عكست جزئيّة الخطاب الخاصة بالعمليّة السياسيّة وجهة نظر النظام بشكلٍ علنيّ من العمليات التفاوضية، بكونها مجرد مضيعة للوقت، وبخاصة اللجنة الدستورية، والتي اعتبرها لا تمثل السوريين بعد عام على التفاوض بين عدة دول وأطراف مختلفة على إعداد قوائم أسمائها، حيث قسّم الأسد أعضاء اللجنة الدستورية إلى فئتين، الأولى: وتُعبر عن وجهة نظر الحكومة، ولكنها ليست حكومية، أي أنها لا تمثل الحكومة رسمياً، وهذه إشارة خطيرة لكون مخرجاتها المتوقعة غير مُلزمة للنظام، أما الفئة الثانية: وتعبّر عن "وجهة نظر تركيا ومجموعة عملاء سوريين"، حيث اختصر الأسد الفئتين بعبارة: (طرف وطني وطرف عميل)، وهو بذلك لا يعترف باللجنة الدستورية أساساً ولا بأي مُخرج لها، اللجنة التي لا تزال بعض قوى المعارضة تعوّل على جدواها، ومنهم من يعتبرها مدخلاً للحل السياسي. ولا تبدو رؤية الأسد للعملية التفاوضية ومسارتها مختلفة عن ذي قبل، وإنما ذات الدبلوماسية القائمة على الإغراق بالتفاصيل وكسب الوقت واستثمار تلك المسارات كأدوات للتعويم وكسر بعض العزلة الإقليمية والدولية وإعادة فتح قنوات التنسيق مع بعض القوى، دون تقديم أي تنازل، وبالتالي إفراغها من أي مضمون حقيقي وحرفها عن غاياتها الرئيسية.
وقد أكد الأسد في أكثر من موضع من خطابه على رفض تشكيل لجنة لصياغة دستور من الخارج وأن "الدستور خط أحمر لا يمكن أن تتم صياغته وفرضه من الخارج عن طريق عملاء من السوريين"، واللافت في هذا الإطار إشارة الأسد إلى أن دور الحلفاء والأصدقاء في هذا المسار، إنما "يقتصر على النصيحة فقط"، فيما بدا تلميحاً إلى عدم قدرة إيران وروسيا على الضغط عليه لقبول أي مخرجات ضمن الأطر التفاوضية، ولعل ذلك ما يعززه الهجوم اللاذع وغير المسبوق على شخص أردوغان والدور التركي الذي يمثل ضلع أساسي من مثلث أستانة واللجنة الدستورية، ومهاجمته مشروع تركيا "للمنطقة الآمنة"، في الوقت الذي تصرح فيه أنقرة عن تنسيق استخباراتي بينها وبين النظام ويسعى الروس لإعادة تفعيل اتفاق "أضنة" الأمني بين الطرفين، بل ويعترفون بالوجود التركي "كوجود شرعي وبمطالب تركيا الشرعية"، وهو ما أكد عليه المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بعد يوم واحد من خطاب الأسد. ولعل تصعيد اللهجة ضد تركيا بهذا الوقت لا يمكن فصله أيضاً عن سياق عودة العلاقات بين النظام وبعض الدول الخليجية التي تنخرط في المحور المعادي لتركيا (مصر، الإمارات) وانسجام النبرة ضد تركيا مع خطاب هذا المحور، كما أن هذا التصعيد في اللهجة يشير بشكل أو بآخر إلى احتمالية تعطيل التوافقات بخصوص منطقة "خفض التصعيد" الرابعة، وبالتالي ينذر بمستقبل غامض لها.
وعلى الرغم مما حمله الخطاب من رسائل للداخل بأن الحرب لم تنتهي وأن نهاية العسكرة لا تعني نهاية الأزمة، في سياق محاولات احتواء الأزمات المحتملة وخفض سقف التوقعات لحاضنته، خاصة التوقعات الاقتصادية، وحرف الأسئلة حولها باتجاه المجالس المحليّة وتحميلها مسؤولية الإجابة ووضعها في الواجهة؛ إلا أن الخطاب حمل بشكل رئيسي رسائل النظام للقوى العربية والإقليمية والدولية المنخرطة في الملف السوري، بأن؛ "الحل الوحيد في سورية هو التفاوض معه بشكل مباشر ووفق شروطه"، ويبدو أن مفاعيل هذا الخطاب بدأت تظهر على دول الجوار عبر زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين السوريين إلى دمشق للتفاوض حول عودة اللاجئين السورين من لبنان، بعيداً عن الأمم المتحدة وما تفرضه من شروط للعودة الآمنة.
ولا يبدو خطاب الأسد جديداً أو غريباً عن شخصية النظام التي عبّر عنها منذ أول خطاب أمام مجلس الشعب إثر اندلاع الثورة السورية، فخطاب الأسد دائماً ينفخ في بوق العود على ذي بدء؛ باعثاً رسائل واضحة لكل من يراهن على إمكانية إصلاح هذا النظام أو وجود حل سياسي معهُ أو إمكانية الاعتماد على ضامنين لهُ قد يلزموه بالقرارات الدولية أو نتائج العملية التفاوضية، وبالتالي غير مستعد لتقديم أي تنازلات، سواء على مستوى العملية التفاوضية أو مستوى الحل السياسي عموماً وما يرتبط به من ملفات إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، وإنما لابد أن تتم بدون شروط مسبقة ومن مدخل النظام، الذي حدده بالمصالحات.
يعي بشار الأسد أن ترجمة الرسائل التي حملها خطابه إلى واقع أصعب بكثير من حصرها كشعارات وخطابات، وأن مفهوم السيادة الذي ما انفك يردده تم تقويضه لصالح عدة أطراف تتشارك مساحة القرار من المستوى المحلي إلى الدولي، ولكن بنفس الوقت فإن الأسد يدرك أن مجالات هذا الخطاب متاحة طالما ليس هناك أي رادع، خاصة وسط ظرف إقليمي ودولي يتيح له العديد من الهوامش، بدءاً من اضطراب الموقف الأمريكي إلى تهافت بعض دول المنطقة للانفتاح عليه مروراً بالتطمينات الإسرائيلية وصولاً إلى الهامش بين الروس والإيرانيين والذي لايزال يقفز بينهما، مقابل وجود معارضة سياسية ضعيفة، وهذا ما يفرض إعادة التفكير بعدة أسئلة حقيقية حول مدى قدرة الروس على فرض القرارات على النظام في ظل وجود الهامش الإيراني، وعن جدوى استمرار العملية التفاوضية وسط كل تلك الظروف، والأهم عن بدائل هذا المسار في حال استمر بسياقه دون أن يطرأ أي متغير خارجي.
ملخص تنفيذي
تركزت أولويات حكومة النظام السوري خلال شهر آب 2018 على الملفات التالية: تحديث المنظومة القانونية، عودة اللاجئين، مكافحة الفساد، التحضير لانتخابات الإدارة المحلية.
أنهى مجلس الوزراء دراسة التشريعات الصادرة في سورية، وذلك ضن خطة أعدتها الأمانة العامة لمجس الوزراء بهدف تهيئة البيئة القانونية لمرحلة "ما بعد الحرب"، حيث شملت الدراسة 949 تشريعاً صدروا في الفترة الممتدة منذ ما قبل 1970 لغاية 2018، لتخلص الدراسة إلى اقتراح تعديل 190 تشريع قانوني. ([1])
كما حظي ملف عودة اللاجئين بأهمية من قبل الفريق الحكومي تمثلت بإحداث "هيئة التنسيق لعودة المهجرين في الخارج"([2])، وتتألف اللجنة بموجب القرار من وزير الإدارة المحلية والبيئة رئيساً وعضوية معاوني وزراء الخارجية والمغتربين والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والإعلام وممثلين عن وزارة المصالحة الوطنية والجهات المختصة، هذا وقد عقدت الهيئة اجتماعها الأول منوهةً بعودة ثلاثة ملايين ونصف مهجر إلى مناطقهم في الداخل (دير الزور، الغوطة الشرقية، الرقة المحررة، حمص، حلب، القنيطرة).([3])
في ملف مكافحة الفساد، أقر اجتماع حكومي تطوير عمل الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية، سيما فيما يتعلق بالهيكلية الإدارية وتدريب الكوادر البشرية وتقييمها وتأمين المباني والآليات والتجهيزات وتفعيل الأتمتة والربط الشبكي بين المركز والفروع، وتشكيل فرق عمل خاصة في كل من "الهيئة والجهاز" لتنفيذ مهام محددة وإعداد تقارير تتبع دورية عن جميع قضايا الفساد "قيد التحقيق" وإرسالها لمجلس الوزراء. هذا وأوضحت آمنة الشماط رئيسة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش عن تفعيل قانون الكسب غير المشروع، الذي يطبق بشكل سري ولا يستطيع أحد الاطلاع على ذلك إلا الجهات المعنية فقط.([4])
في سياق مكافحة الفساد، كشف موقع موالي للنظام عن قضية فساد في صناعة الاسمنت تصل قيمتها إلى 5 مليارات ل.س (حوالي 11 مليون $) سورية، وهو ما أدى إلى توقيف كل من؛ مدير عام المؤسسة العامة للإسمنت ومدير إسمنت عدرا وعدد من المدراء والعاملين في معمل إسمنت عدرا.
بالانتقال إلى ملف الإدارة المحلية، واصلت وزارة الإدارة المحلية والبيئة دعمها لمجالس الوحدات الإدارية واقتصرت خلال شهر آب على دعم عدد من الوحدات الإدارية في محافظة طرطوس، كمساهمة من الوزارة في إنشاء البنى التحتية للمناطق الحرفية والصناعية في هذه الوحدات الإدارية، وقد توزعت المساهمة المالية بين 40 مليون ل.س (تقريباً 89 ألف $) لبلدة الروضة، و20 مليون ل.س لكل من بلدتي الصفصافة ودوير الشيخ سعد.
أما ملف انتخابات الإدارة المحلية، بلغ عدد طلبات الترشح لمجالس الإدارة المحلية 49096 مرشحاً في جميع المحافظات، تم قبول 41482 ممن استوفوا الشروط القانونية المنصوص عليها في اللوائح والقوانين الناظمة للانتخابات، وذلك بحسب ما أعلن عنه رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات.
أما بخصوص الناخبين، فقدرت الهيئة العليا للقضاء عددهم بــ 16.349.357 مليون ممن يحق لهم الانتخاب، توزعوا بين 8222701 ناخبة، و8126156 ناخب.
عدد المنشئات الصناعية والحرفية المنتجة في النصف الأول من 2018
توزع المنشئات العاملة في النصف الأول من 2018 بحسب القطاعات
تسعى حكومة النظام جاهدة إلى استقطاب الأموال ودفع عجلة النمو الاقتصادي، وفي مسعاها ذلك فإنها تراهن على معرض دمشق الدولي الذي سوف يعقد في أيلول 2018، وقد كشفت المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية عن مشاركة 46 دولة من أبرزها: روسيا وبيلاروسيا والهند وإيران، كما يقُدر عدد الشركات التجارية المشاركة بـــ 2000 شركة، من بينها وكالات من دول أوربية مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.
كذلك تعمل حكومة النظام على تقديم تسهيلات لرجال الأعمال لإقامة مشاريع اقتصادية، وفي هذا الصدد صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على تأسيس 8 شركات في شهر آب 2018 بحسب ما هو مرفق في الجدول، ليبلغ عدد الشركات المسجلة خلال النصف الأول من 2018 حوالي 859 شركة مقسمة بين: 432 سجلاً لشركات التضامن، و77 لشركات التوصية، 23 لشركات المساهمة، و327 لشركات محدودة المسؤولية.
تواصل العلاقات الاقتصادية السورية_ الروسية تطورها، حيث شهد شهر آب توقيع عدد من العقود الاقتصادية بين الجانبين من أبرزها:
كذلك من المقرر عقد الملتقى الثاني لرجال الأعمال السوري الروسي خلال فعاليات الدورة الستين لمعرض دمشق الدولي، ويتوقع أن يشارك بهذا المعرض 70 شركة روسية، ويضاف إلى ما سبق تقديم الجانب السوري مقترحاً لتحويل "جمهورية القرم" منطقة رئيسية للتجارة مع روسيا.
أما مع الجانب الإيراني، ما تزال المفاوضات جارية لتوقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي طويل الأمد بين الجانبين، وقد أفاد معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية لشؤون العلاقات الدولية عن إنجاز 75% من المسائل ذات الصلة بالاتفاقية، كما قام أمير أميني معاون وزير الطرق وبناء المدن الإيراني بزيارة إلى دمشق على رأس وفد اقتصادي، حيث التقى عدداً من المسؤولين السوريين كوزير النقل والأشغال العامة والإسكان ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية وهيئة التخطيط والتعاون الدولي، وعن نتائج الزيارة:
تواصل الحكومة تنويع شراكاتها الاقتصادية وتمتين علاقاتها من الدول التي تعتبرها صديقة لها وفي هذا السياق، بحث وزير الصناعة مع السفير البيلاروسي في دمشق ووفد شركة ماز البيلاروسية، العرض المقدم من الشركة لإقامة خطي إنتاج للشاحنات والباصات في سورية. كذلك دعا سفير سورية في الهند الشركات الهندية ورجال الأعمال الهنود للمشاركة في الدورة 60 لمعرض دمشق الدولي.
واصلت حكومة النظام تركيزها على ملف مكافحة الفساد، في محاولة منها للرد على ما يثار حولها من شبهات بالفساد والتي تزايدت في الآونة الأخيرة، إلا أن تأكيد رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بخصوص سرية تطبيق قانون الكسب غير المشروع، من شأنه أن يقلل من مصداقية الجهود المبذولة لمكافحة الفساد، ويجعل منها عنواناً إعلامياً وأداة لتصفية الحسابات داخل الجهاز الحكومي.
فيما يخص انتخابات الإدارة المحلية، تدل المؤشرات القائمة على ضعف مصداقيتها ولامبالاة المواطنين تجاهها، وكذلك تفرد حزب البعث فيها بعيداً عن حلفائه في الجبهة الوطنية التقدمية، حيث لوحظ تضارب البيانات الصادرة عن اللجنة القضائية العليا للانتخابات بخصوص عدد طلبات الترشيح، حيث أعلن رئيس اللجنة عن استقبال 49096 طلب ترشح في جميع المحافظات([8])، ليعود ويعلن عن ترشح 55164 شخص لانتخابات الإدارة المحلية([9])، دون تفسير التباين في الأرقام المصرح عنها.
ولا يبدو بأن جهود النظام في حشد السكان للمشاركة في انتخابات الإدارة المحلية قد تكللت بالنجاح، وهو ما يمكن التدليل عليه بلامبالاة السكان تجاه الانتخابات سيما عقب إعلان البعث لقوائم "الوحدة الوطنية"([10])، ولعل عزوف المرشحين عن إطلاق حملات انتخابية([11]) وانسحاب بعضهم الآخر([12]) مؤشرين بأن النتائج قد حسمت مسبقاً ووفق ترتيبات معينة دون الحاجة لخوض غمار الانتخابات.
يبدو بأن حزب البعث قد حسم خياره بالاستئثار بمعظم مقاعد المجالس المحلية، وما يعنيه ذلك من تهميش لأحزاب الجبهة الوطنية، فعلى سبيل المثال تضمنت قائمة "الوحدة الوطنية" لمجلس مدينة اللاذقية 50 مرشحاً كان لحزب البعث 39 مقعداً في حين توزعت المقاعد المتبقية بين 7 للمستقلين و4 لأحزاب الجبهة الوطنية([13])، كذلك حظيت أحزب الجبهة الوطنية بمرشح واحد في قائمة "الوحدة الوطنية" لمجلس محافظة السويداء مقابل 44 مرشح لحزب البعث و8 مستقلين.([14])
قاد توجه البعث إلى تصعيد الخلافات بينه وبين حلفائه في الجبهة الوطنية، وهو ما ظهر جلياً بانسحاب مرشحي الحزب السوري القومي الاجتماعي من انتخابات الإدارة المحلية في محافظة السويداء رداً على قائمة "الوحدة الوطنية" الإقصائية التي أعلنها البعث([15])، ويمكن لهذا الموقف أن يتطور وينسحب على بقية أحزاب الجبهة وفي حال تحقق ذلك فإن ذلك من شأنه أن يعيد النظر بتجربة الجبهة الوطنية التقدمية.
خدمياً، أظهرت الوقائع تعرض عدة مناطق لأزمة مياه خانقة تمركز معظمها بمحافظة ريف دمشق كما في ضاحية الأسد وصحنايا والتل، كما برزت أيضاً في ريف حماة الغربي ومدينة حمص. وفي جانب آخر تزايدت شكاوى السكان من رفع أجور النقل في عدد من المحافظات كما في حي الورود (مساكن الحرس) في دمشق، كما استمرت أزمة القمامة في عدد من المدن والبلدات كما في جرمانا وحي المزة 86 في العاصمة وأشرفية صحنايا أيضاً، ولعل الأبرز ظهور أزمة وقود في عدد من المحافظات من أبرزها اللاذقية وطرطوس والتي أرجعها موظفو الحكومة لتهريب الوقود إلى لبنان.
إن توسع نطاق سيطرة النظام بدعم مباشر من حليفيه، دون إحكام السيطرة الكلية على الموارد الطبيعية (النفط، الغاز)، من شأنه أن يظهر محدودية القدرات المالية والحوكمية للنظام، سيما مع استمرار العقوبات الاقتصادية والإحجام الأممي عن تمويل عمليات إعادة الإعمار، الأمر الذي يعزز احتمالية تعرض مناطق سيطرته لأزمات خدمية أكثر حدة في المستقبل المنظور.
شهدت العلاقة بين النظام السوري ومجلس سورية الديمقراطي توتراً ملحوظاً في شهر آب بخلاف ما كان متوقعاً، وهو ما ظهر في وقف مسد لإمدادات النفط باتجاه مناطق النظام وكذلك الحد من عمليات تسليم القمح، واعتقال مرشحي الانتخابات المحلية([16]) والإعلان عن الإدارة الذاتية المشتركة في شمال وشرق البلاد([17])، ويشير التوتر القائم إلى فشل مفاوضات الطرفين في تحقيق اختراق فيما يتعلق بالملفات الإشكالية كاللامركزية وإدارة الموارد الطبيعية والخدمات، ويمكن إرجاع فشل المفاوضات إلى توضح أكثر لاستراتيجية الإدارة الأمريكية في سورية وانتقالها للضغط الاقتصادي والسياسي على النظام وحلفائه.
اقتصادياً، يتزايد اعتماد النظام على الجانب الروسي في توريد القمح، سيما في ظل تدهور الإنتاج السوري من القمح (انخفض بنسبة 60% منذ 2011 حيث كان يبلغ آنذاك 4 مليون طن)، حيث ارتفعت كميات القمح الروسية الموردة لسورية من 47 ألف طن في 2015 لتتجاوز مليوني طن بين بداية 2017 ومنتصف 2018 بحسب البيانات الحكومية. كما تشهد العلاقات الاقتصادية بين الجانبين الروسي والسوري تنامياً ملحوظاً معبراً عنه بعدد الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين خلال شهر آب، ولعل الملاحظ تنامي الانخراط الروسي في قطاعات اقتصادية خارج النفط والغاز والسياحة كالعقار والصناعة وكذلك الزراعة.
بالمقابل، ما تزال اتفاقية التعاون الاستراتيجية طويلة الأمد قيد التفاوض بين الجانبين السوري والإيراني، حيث تمارس إيران من خلال زيارة مسؤوليها المتكررة إلى دمشق ضغوطاً على النظام للتوقيع على هذه الاتفاقية والحصول على امتيازات واسعة تشمل ميناء بحري وسكك حديدية ومناطق صناعية وعقارية، الأمر الذي لا يلقى تأييداً واسعاً داخل أروقة صنع القرار في دمشق.
([1]) دانيه الدوس، تطوير تشريعات القطاع الحكومي بما ينسجم مع توجهات عمل الدولة ومشروع الإصلاح الإداري، تشرين، تاريخ 02-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2N2vQxC
([2]) إحداث هيئة تنسيق لعودة المهجرين في الخارج، تشرين، تاريخ 05-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2N2XVou
([3]) وضع رؤية مشتركة وخطة عمل لعودة المهجرين السوريين من الخارج، موقع وزارة الإدارة المحلية والبيئة، تاريخ 09-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2oWEVcM
([4]) محمد زكريا، هيئة الرقابة والتفتيش تؤكد أن قانون الكسب غير المشروع مطبق لكنه محاط بالسرية، جريدة البعث، تاريخ 02-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2CDMDlA
([5]) البيانات الواردة في الجدول بحسب تصريحات وبيانات اللجنة القضائية العليا للانتخابات.
([6]) الضريبة غير المباشرة: نوع من أنواع الضريبة التي يتم تحصيلها لمصلحة الحكومة من خلال وسيط، وتفرض على الإنفاق أو الاستهلاك أو المبيعات، وذلك على خلاف الضرائب المباشرة التي تُفرض على الدخل والأصول والأرباح.
([7]) الدخل التشغيلي: دخل المصرف المتأتي من صافي إيرادات الفوائــد وصـــافي إيرادات العمولات والرســـوم، وصافي الأرباح التشغيلية الناتجة عن تقييم العملات الأجنبيــة، ومن خسائر أو أرباح غير محققة ناتجة عن إعادة تقييم مركز القطع البنيوي، إضافة إلى أرباح موجودات مالية للمتاجرة أو متوافرة للبيع والإيرادات التشغيلية الأخرى.
([8]) انتخابات الادارة المحلية. أكثر من 49 ألفا إجمالي طلب ترشيح، جريدة البعث، تاريخ 02-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2oYAPRx
([9]) محمد منار حميجو، قبول 34500 طلب ترشح ما عدا ثلاث محافظا، جريدة الوطن، تاريخ 08-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2x1rtJ9
([10]) صحفيون ينتقدون مسار الانتخابات… سنضع ورقة بيضاء، سناك سوري، تاريخ 11-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2oX3jLl
([11]) محمد منار حميجو، فقر في الحملات الإعلانية لانتخابات الإدارة المحلية … الأخرس لـ«الوطن»: لم يصلنا إلا عدد قليل من طلبات الإعلان، جريدة الوطن، تاريخ 03-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NFTC21
([12]) بعد صدور قوائم «البعث». مرشح للانتخابات ينسحب: «النتائج وضعت سلفاً» !، سناك سوري، تاريخ 09-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2N1TRVr
([13]) «البعث» يعلن قائمة اللاذقية. أحزاب الجبهة والمرأة نالوا من “الجمل أذنه”، موقع سناك سوري، تاريخ 09-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2QmX8gc
([14]) “البعث” يعطي حلفاءه مقعداً واحداً في قائمة “السويداء” التي وصفت بـ “الذكورية”، سناك سوري، تاريخ 08-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2CLiqBi
([15]) في سابقة تاريخية… حزب جبهوي ينسحب من الانتخابات، سناك سوري، 11-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2O7eRqh
([16]) «قسد» تعتقل مرشحين لـ «الإدارة المحلية» بالحسكة وتدعم داعش بدير الزور، جريدة الوطن، تاريخ 20-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2O8QybA
([17]) الإعلان عن تأسيس إدارة ذاتية كردية مشتركة في سوريا، موقع روسيا اليوم، تاريخ 06-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NsNTfR
أعلن عن نتائج انتخابات الإدارة المحلية التي جرت منذ يومين دون أن تتضمن أي مفاجئات، حيث جرت ضمن السياق المعتاد بتدخل سلطوي فج وترتيب أمني دون أي اعتبار لرأي السكان المعنيين بها أو مصالحهم، فهي لم ولن تكون أبداً في ظل النظام القائم إلا أداة لتجميل السلطوية وإعادة ترميمها، وصولاً إلى تثبيتها من جديد عبر بناء شبكات المحسوبية والزبائنية وإخضاع المحليات للمركز، لتؤكد هذه الانتخابات بأن اعتبارات الاستقرار السياسي والمجتمعي مغيبة لصالح اعتبارات أمنية ومصلحية وما يعنيه ذلك من استمرار حالة اللااستقرار ومفرزاتها.
أعلن النظام بشهر حزيران عزمه إجراء انتخابات الإدارة المحلية في شهر أيلول، لينهي بذلك حالة تمديد ولاية وحدات الإدارة المحلية بموجب المرسوم التشريعي رقم 14 الصادر في 2016، وما بين الإعلان عن موعد الانتخابات وإجرائها قام النظام باتخاذ مجموعة من الإجراءات لضمان تحكمه بالعملية الانتخابية ومخرجاتها لتعزيز سلطويته وضمان تحكمه بإعادة الإعمار على المستوى المحلي كما المركزي، حيث لجأ إلى إعادة بناء شبكاته المحلية القائمة على ثلاثية الشيخ والبعثي والمخبر الأمني، واستلحاق آخرين ممن أفرزتهم سنوات الأزمة من ميليشاويين وتجار أزمات ومصالحين من خلال زيادة عدد مقاعد المجالس المحلية من 17588 إلى 18474، كما قام النظام بإعادة تشكيل المحليات عبر استحداث أخرى وتغير التوصيف الإداري لبعضها الآخر، ليرتفع بذلك عدد الوحدات من 1337 إلى 1444 وحدة إدارية ذات شخصية اعتبارية، وهو ما مكنه من إضعاف محليات واحتواء أخرى لطالما كانت معارضة له، فضلاً عن توظيف هذه المحليات لتنفيذ وشرعنة إجراءات تنظيمية وإدارية كالقانون رقم 10، كذلك توظيفها للتحكم الكلي بعملية إعادة الإعمار على المستوى المحلي كما المركزي في حال التوصل إلى اتفاق دولي لدعم عملية إعادة الإعمار وهو غير متحقق لغاية الآن.
عمل النظام على استغلال الانتخابات المحلية لتنشيط دور البعث من جديد من خلال دمجه بالمحليات إدارة وتوجيهاً وعضوية كما كان سابقاً، الأمر الذي ظهر من خلال هيمنة البعث على قوائم الوحدة الوطنية مقابل حضور خجل لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية ممن استنكر بعضها علناً التوجه الإقصائي للبعث كالحزب السوري القومي الاجتماعي، وعلى الرغم من كل الإجراءات لم ينجح النظام بحشد الدعم الشعبي لهذه الانتخابات والترويج الخارجي لها، كما لم يتمكن أيضاً من دفع السكان للمشاركة بها رغم الحملات الإعلامية واللقاءات الميدانية المكثفة التي قام بها ممثلوه في المدن والبلدات، وتجلى ما سبق بانخفاض عدد الترشح ونسبة الناخبين، حيث اضطر النظام إلى تمديد فترة الترشيحات مبرراً ذلك بإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن لاستكمال مستنداتهم القانونية، في حين رشحت أخبار عن طلب البعث من عناصره الترشح خلال فترة التمديد للتغطية على ضعف المشاركة الشعبية، وهو ما يفسر ارتفاع عدد المرشحين بشكل كبير من 1800 مرشح خلال الأيام الأولى للترشح ليصل إلى ما يقارب من 50 ألف مرشح بنهاية المدة القانونية للترشح، كذلك أظهرت العملية الانتخابية وبإقرار الكثير من مؤيدي النظام ضعف نسب المشاركة بها، حيث قرر الكثيرين مقاطعتها بشكل مسبق باعتبار النتائج محسومة لصالح قوائم البعث، كما تجاهلها آخرين من منطلق كونها مسرحية وبأنها لن تغير شيئاً من واقع محلياتهم.
لا يبدو بأن المجالس الوليدة عن هذه الانتخابات وأعضائها سيحدثون فرقاً في واقع المحليات، فهم نتاج ترتيب طغت عليه الاعتبارات الأمنية والمصلحية للنظام، كما لا يحظوا بمصداقية وشرعيتهم مثار تساؤل في ظل عزوف كثير من السوريين عن المشاركة بالانتخابات واختطاف هذه العملية من قبل البعث، والإقصاء المتعمد لشرائح معتبرة من المجتمع السوري من المشاركة بها من النازحين والمهجرين والمقيمين في مناطق لا تخضع لسيطرة النظام، كذلك لا تتمتع هذه المجالس وأعضاؤها بالصلاحيات الكافية لإدارة مناطقهم إذ يحتكرها ممثلو المركز كالمحافظ، ولا يتوافر لها التمويل الكافي للتصدي للاستحقاقات الخدمية لمحلياتهم وخدمة مصالحها، ليفرغ جميع ما سبق الانتخابات المحلية من مضمونها ويجعلها أداة لإنتاج السلطوية وإخضاع المحليات، وهو ما يفتح الباب مشرعاً لاستمرار حالة اللااستقرار ومفرزاتها.
المصدر السورية نت: https://bit.ly/2NSp39a
نشاط محموم تقوده الحكومة السورية لإعادة النظر بالتقسيمات الإدارية القائمة بعدما عبثت بها الحرب، مدفوعة باعتبارات سياسية وأخرى تتصل بإعادة الإعمار، وتلقى هذه المساعي دعماً من قبل مراكز نافذة في النظام وأخرى محسوبة عليه، كما تجد صدى لدى الدول الداعمة له، كذلك لدى تلك المتوقع أن تتعهد فاتورة إعادة الإعمار.
وما الحديث عن تشكيل مدن جديدة ومنها مدينة القلمون، وتسريع وتيرة إصدار المخططات التنظيمية للوحدات الإدارية وإعادة إحياء مقترحات سابقة في هذا الصدد، إلا مؤشرات على التوجه الجديد للنظام والذي من المتوقع أن يتبلور بشكله الأوضح بنظام الأقاليم بمفهومه الإداري وليس السياسي بحسب بعض المصادر.
يتردد في الآونة الأخيرة ميل النظام إلى اعتماد نظام الأقاليم إدارياً وليس سياسياً وذلك لإعادة تنظيم الإدارة المحلية التي عبثت بها الحرب. ومن المتوقع إحداث أقاليم يتراوح عددها بين خمسة وسبعة أقاليم، يضم كل منها محافظات تتبع لها مجموعة مدن تضم نواحي مقسمة إلى بلدات وقرى. وما يعزز من صحة هذه التكهنات وجود مشاريع سابقة قبيل الأزمة لإحداث وحدات إدارية جديدة على مستوى المحافظات كريف حلب وتدمر والقامشلي، إضافة إلى تزايد الحديث عن إحداث وتشكيل مدن جديدة ضمن الرؤية السابقة كما ظهر في مقترح "مدينة القلمون"، والتي ستتشكل من دمج ثلاث وحدات إدارية هي؛ النبك ودير عطية وقارة.
تتلاقى توجهات النظام الجديدة مع مصالح رجل الأعمال المعروف رئيس مجلس إدارة "شركة النبراس القابضة" سليم دعبول، الذي يقود حملة على الصعيدين الرسمي والشعبي لتبني المقترح وتفعيله. واستغل دعبول زيارة وفد حكومي برئاسة رئيس الوزراء للمنطقة لعرض المقترح.
كما تشير المصادر إلى توقيع عريضة من قبل رؤساء بلديات المدن والبلدات المقربة من دعبول للمطالبة بتشكيل "مدينة القلمون" ومركزها دير عطية، فضلاً عن الترويج لمشروعه على الصعيد الشعبي من خلال إبراز إيجابيات المقترح من قبيل تخفيف العبء على المواطنين في ما يتعلق بإنجاز معاملاتهم الرسمية، وإقامة مشاريع تنموية كإنشاء سكة حديد تجمع البلدات والنواحي التي ستتبع للمدينة الجديدة من جهة، وبين باقي مدن القلمون والعاصمة من جهة أخرى، وتأسيس مدينة صناعية خامسة على مستوى سورية، وجر مياه نبع العاصي للمنطقة، إضافة إلى فتح معبر جديد بين القلمون ولبنان، كذلك تأسيس شركة لتكرير النفط والغاز من الحقول الثلاث القائمة في المنطقة وهي: البريج ودير عطية وقارة، والتي تُقدر احتياطاتها من الغاز الطبيعي بحسب وزارة النفط والثروة المعدنية السورية بـ20 مليار متر مكعب.
أثار المشروع الجديد حفيظة أهالي مدينة النبك وبلدة قارة ولكل منهم أسبابه، ويعتبر أهالي مدينة النبك أنفسهم الأحق تاريخياً وإدارياً بأن يكونوا مركزاً للمدينة المقترحة لا دير عطية، بينما يتخوف أهالي قارة من تجيير المزايا التنموية والاقتصادية الناشئة عن استغلال الغاز لصالح دير عطية.
وأمام هذه التحفظات ارتأت محافظة ريف دمشق بحسب المصادر تعليق مقترح رؤوساء البلديات وإحالته لمزيد من الدراسة، في حين يجري العمل على طرح حلول توفيقية لتجاوز هذه التحفظات من قبيل إيجاد مركز "مدينة القلمون" بالتوسط بين الحدود الإدارية للنبك ودير عطية. وتشير التوقعات الى أن المشروع سيجد طريقه للنور في ظل الحظوة التي يتمتع بها دعبول لدى النظام.
كذلك يعزز تسريع النظام لإصدار المخططات التنظيمية للوحدات الإدارية وإعادة النظر بما كان قائماً من واقعية التكهنات السابقة. وفي هذا الصدد أفادت "صحيفة الوطن" السورية بإحداث مناطق تنظيمية جديدة بمرسوم بناء على اقتراح من وزير الإدارة المحلية في المحافظات على غرار ما تم في منطقة "خلف الرازي" في دمشق، كذلك حديث معاون وزير الإدارة المحلية لؤي خريطة، عن مقترحات لدراسة تنظيم داريا وإدخاله ضمن تنظيم دمشق.
يتوخى النظام من إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية تحقيق أهداف سياسية بالدرجة الأولى، إذ يستهدف تفتيت مراكز ثقل المعارضة في المحافظات التي شهدت حركة احتجاجات واسعة ضده، وكذلك العمل على إيجاد ثقل تمثيلي في أي انتخابات محلية أو تشريعية مستقبلية؛ "مجالس الأقاليم" و"جمعية المناطق"، و"مجلس الشعب" أو "الجمعية التشريعية". بما يحول دون قدرة ممثلي مراكز المعارضة على تمرير مشروعات لا تتوافق مع المركز أو الاعتراض على تلك التي يريدها المركز. هذا بالإضافة إلى استيعاب الضغوط الروسية فيما يتعلق برؤيتها لـ"اللامركزية" الواردة في مقترحها للدستور السوري، والانفتاح على الأوربيين عبر إبداء مرونة في طرح ملف اللامركزية، واستغلاله لحثهم على الانخراط في دعم هذه العملية من بوابة "إعادة الإعمار". هذا علاوةً على استمالة ممثلي الأكراد وقطع الطريق على أي مقترحات أميركية منفردة بهذا الخصوص، عبر التلويح بمنح الأكراد إقليماً إدارياً معترفاً به دستورياً.
إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية وتبني رؤية جديدة لامركزية لإعادة ربط الجغرافية السورية ببعضها، ومعالجة إشكالية علاقة المركز بالأطراف وضمان مصالح وحقوق المجتمعات المحلية بالتكامل مع المركز، مطلب لكل السوريين كما أن هذه العملية ملكهم جميعاً. ومن شأن احتكار هذا الملف من قبل فريق دون آخر وإخضاعه إلى اعتبارات التوظيف السياسي والمحاصصات المصلحية، أن يجرد أي رؤية لامركزية من قيمتها وشرعيتها.
المصدر جريدة المدن الإلكترونية: https://goo.gl/XiB9CR
أجرى مركز عمران بالتعاون مع مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية استطلاع لرأي المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، شمل 170 مجلس بين مقيم ومهجر من أصل 470، وذلك في المحافظات السورية التالية: ريف دمشق، درعا، القنيطرة، حلب، إدلب، حمص، حماة، خلال شهر أيلول من عام 2017.
تناول الاستطلاع المالية المحلية للمجالس وأدائها في هذا الصدد، وذلك من خلال استعراض آلياتها في إعداد الموازنة المحلية ومصادر تمويلها واتجاهات الانفاق المحلي فيها، كذلك التطرق إلى منظومة الرقابة المالية القائمة لدى المجالس، كما تناول الاستطلاع توصيف المجالس من حيث آليات تشكيلها وخصائص قياداتها وطبيعة دورها، وقد خلصت نتائج استطلاع رأي المجالس إلى عدد من النتائج، كان أبرزها:
تعمل وحدات الإدارة المحلية على رسم سياساتها الاقتصادية والاجتماعية والتنموية المتوافقة مع مصالح ومطالب مجتمعاتها المحلية، ولكي تتمكن تلك الوحدات من ممارسة وظائفها وتحقيق أهداف سياساتها المعتمدة، فإنها تحتاج إلى إدارة مواردها المالية بكفاءة تجنباً للهدر واتقاءً للعجز المالي الذي يؤثر سلباً على وظائفها وحتى استمراريتها. انطلاقاً مما سبق يحظى التمويل المحلي بأهمية متزايدة في دراسات الإدارة المحلية، سيما مع تنامي توجه الحكومات المركزية لمنح الوحدات المحلية صلاحيات أوسع في إدارة شؤونها، إضافةً إلى تقليص تمويل تلك الحكومات للوحدات المحلية في ظل سياسات التقشف التي تتبعها، وهو ما يوجب على وحدات الإدارة المحلية العمل على تنمية مصادرها الذاتية وتعزيز أدائها المالي سعياً منها للقيام بأدوارها وضمان استقلالها المالي.
في الحالة السورية، يكتسب موضوع المالية المحلية أهمية إضافية في ظل تشكل وحدات محلية مستقلة عن المركز بحكم الأمر الواقع، تقوم بإدارة مناطقها وتوفير خدماتها للسكان المحليين بما تيسر لها من الأدوات والتمويل، وفي ظل ما تعانيه المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة من عجز مالي مزمن، وأمام ما تواجهه راهناً من تحديات توفير الخدمات سيما خلال مرحلة خفض التصعيد، وما ينتظرها من استحقاقات كبيرة تتصل بدورها المركزي في إنعاش الاقتصاديات المدمرة لمجتمعاتها المحلية، وكذلك دورها المتوقع ضمن عملية إعادة الإعمار مستقبلاً، يغدو من الأهمية بمكان تسليط الضوء على الأداء المالي للمجالس المحلية بما يتضمنه من تحليل موازناتها ومصادر تمويلها واتجاهات إنفاقها المحلي، كذلك التطرق لمنظومة الرقابة المالية القائمة لديها، لمعرفة أوجه الخلل والقصور في أدائها المالي ثم الخلوص إلى توصيات عامة، من شأنها تعزيز استقلالية مالية المجالس باعتبارها أحد أهم مقوماتها الأساسية، إضافةً إلى تعزيز قدرتها على أداء وظائفها الخدمية والتنموية، واشتقاق مبادئ عامة لتأطير علاقة المجالس المالية مع المركز فيما يتعلق بتقاسم الموارد وصلاحيات الإنفاق المحلي خاصة في مرحلة إعادة الإعمار.
يتوزع ما يقارب من 470 مجلس محلي على مناطق سيطرة المعارضة ([1])، منها 393 مجلس مقيم في حين تمثل المتبقية مجالس المناطق المهجرة بفعل اتفاقيات التهجير والإخلاء، ويذكر في هذا الصدد تقدم محافظة إدلب على غيرها من المحافظات بعدد مجالسها والتي بلغت 156 بحسب مجلسها، في حين جاءت محافظة دمشق بالمرتبة الأخيرة بــما مجموعه 5 مجالس بين قائمة ومهجرة.
تتنوع آليات تشكيل المجالس المحلية ما بين انتخاب وتوافق إلى تعيين ومبادرة فردية، وقد أظهرت النتائج تُشكل ما يزيد عن نصف المجالس المستطلعة بقليل 52% من خلال التوافق، مقارنة بـــ 44% ممن أشاروا إلى اعتمادهم آلية الانتخاب في تشكيلها. وقد أظهرت النتائج قلة الاعتماد على آليتي التعيين والمبادرة الفردية في التشكيل حيث بلغتا مجتمعتين ما نسبته %4 من إجمالي إجابات العينة.
وعلى الرغم من تنامي اعتماد القائمين على إدارة المجالس على الانتخابات كآلية لتشكيل المجالس وبروز تجارب رائدة في هذا الصدد، تبرز عدة عوائق تحول دون إجراء المجالس لانتخابات محلية، وقد رتبتها عينة الاستطلاع بحسب أهميتها وفق الآتي: الانقسامات المجتمعية، غياب إطار تنظيمي، قلة الوعي العام بأهمية الانتخابات، عوائق أمنية، معارضة القوى العسكرية.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج سابقة خُلص إليها مركز عمران في دراسته المعنونة بــ "قراءة في الدور السياسي للمجالس المحلية"، فإنه يلحظ ارتفاع نسبة الاعتماد على الانتخابات كآلية للتشكيل من 38% في الدراسة السابقة لتصل إلى 44% في الدراسة الراهنة، وهو ما تدلل عليه الوقائع الميدانية من حيث تنظيم عدد من المجالس لانتخابات محلية يلحظ تطورها من حيث آليات التمثيل وطرق التنظيم ونوع وحجم المشاركة ومن الأمثلة على ذلك: انتخابات المجالس في كل من إدلب (كانون الأول 2017) وسراقب (تموز 2017) وعدد من مجالس الغوطة الشرقية كدوما (تشرين الأول 2017) على سبيل المثال لا الحضر.
يمكن تفسير ميل القائمين على المجالس بالاعتماد على الانتخابات كآلية للتشكيل، برغبتهم في تعزيز الشرعية المحلية للمجالس أمام ما تواجهه من مخاطر واستحقاقات تفرضها المقاربة الروسية في سورية من جهة وتوجهات القوى المناوئة لها كالحركات الجهادية من جهة أخرى، إضافةً إلى مراكمتها لخبرات تنظيمية في مجال الانتخابات المحلية وتبادلها مع مجالس أخرى بدعم من منظمات المجتمع المدني، علاوةً على تزايد شريحة القوى المنخرطة في تشكيل المجالس وعدم قدرة التوافقات على تنظيم مشاركتهم في تشكيل المجالس، وتوافقها كقوى على اللجوء للانتخابات كآلية لحسم تنافسها وتمثيلها في المجالس.
لا تعتمد المجالس المحلية في مناطق المعارضة لوائح موحدة من حيث محتواها ومصدرها. حيث أظهرت النتائج اعتماد 44% من عينة الاستطلاع عل لوائح إدارية خاصة بها، مقابل 37% تعتمد تلك الصادرة عن الحكومة المؤقتة، في حين توزعت النسبة المتبقية من عينة الاستطلاع بين 17% لا تعتمد لوائح إدارية ناظمة لعملها، وما نسبته 2% تتبنى لوائح إدارية أخرى لم تحدد مرجعيتها.
تظهر النتائج السابقة ضعف المنظومة الإدارية التي تنتمي إليها المجالس المحلية وحالة اللامركزية العالية في مناطق سيطرة المعارضة، وهو ما يظهر بتبني عدد من مجالسها للوائح إدارية خاصة بها أو صادرة عن مرجعيات أخرى، إضافة إلى عدم اعتماد مجالس أخرى لأي لوائح إدارية ناظمة لعملها، ومن شأن ما سبق أن يعزز مخاطر عدم استقرار منظومة المجالس المحلية واستمرارها، وأن يضعف أيضاً من حضورها في ترتيبات المرحلة الراهنة وكذلك الانتقالية.
يحتل الشباب مواقع القيادة في المجالس المحلية، حيث بلغ عدد من هم دون 47 عاماً 92 رئيس مجلس محلي، مقابل 30 فقط ممن هم فوق 47 عاماً. كما تشير النتائج إلى حيازة نصف رؤساء المجالس شهادات جامعية، وثلثهم يحملون شهادة ثانوية، وتقريباً سدسهم على شهادات معاهد متوسطة، بينما جاء حملة الشهادات العليا في المرتبة الرابعة بما نسبته 5% من مجموع رؤساء المجالس.
توفر نتائج هذه الدراسة مؤشرات عامة وأولية حول الخصائص العمرية والمستوى التعليمي لقيادات المجالس المحلية، من حيث انتماء جزء معتبر منها لفئة الشباب من حملة الشهادات الجامعية، وهو ما يمكن تفسيره بتواجد شروط محددة من حيث العمر والمستوى التعليمي، منصوص عليها في الأنظمة الداخلية للمجالس لشغل منصب رئاسة المجلس. بالمقابل يمكن تفسير تواجد رؤساء للمجالس المحلية من حملة شهادة البكالوريا فما دون بتساهل الأنظمة الداخلية لهذه المجالس تجاه شرط الشهادة الجامعية نظراً لافتقاد مناطقها --غالباً ما تكون في أرياف المحافظات--لحملة الشهادات الجامعية أو تفضيلهم العمل في منظمات المجتمع المدني لما توفره لهم من استقرار مادي. كما قد يمكن تفسيره كذلك بافتقاد هذه المجالس لأنظمة داخلية ناظمة لعملها وتشكيلها.
تؤدي المجالس المحلية أدوار متنوعة الأبعاد، حيث تتيح للسكان المحليين فرصة المشاركة في صنع السياسات المحلية من خلال ممثليهم، كما تقوم بإدارة شؤون مجتمعاتها المحلية وتوفير الخدمات لهم، إضافة إلى دورها في تطوير اقتصاديات مجتمعاتها المحلية وتحقيق التنمية لسكانها.
فيما يتعلق بنظرة القائمين على المجالس المحلية في مناطق سيطرة المعارضة لطبيعة دور مجالسهم، أظهرت نتائج الاستطلاع توصيف 49% من العينة لدور مجالسهم بأنه خدمي يقوم على تقديم الخدمات المحلية للسكان في مجالات الإغاثة والبنية التحتية والصحة والتعليم، بينما أجاب 36% بأنه دور متعدد الأبعاد يشتمل على السياسي والخدمي والتنموي، في حين توزعت النسبة المتبقية من العينة بين 11% وصفت دورها مجالس بالتنموي فقط، و4% تنظر لدورها على أنه سياسي بحت.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "قراءة في الدور السياسي للمجالس المحلية"، فإنه يلحظ تعدد الأدوار التي تقوم بها المجالس وتنامي تعريفها لدورها خارج الإطار الخدمي ليشتمل على أدوار تنموية وسياسية، حيث انخفضت بشكل ملحوظ نسبة المجالس المعرفة لدورها على أنه خدمي فقط من 57% في الدراسة السابقة، إلى 49% في الدراسة الراهنة، بينما ارتفعت بشكل طفيف نسبة المجالس التي تعرف دورها على أنه سياسي من 1% في الدراسة السابقة لتصل إلى 4% في الدراسة الراهنة.
من المهم تناول الدور الخدمي للمجالس من حيث طبيعته ونطاق الخدمات والأولويات في هذا المجال، والتحديات التي تواجه المجالس في توفير خدماتها للسكان، سيما مع تزايد الأعباء الخدمية على المجالس في ظل ما ينتظرها من استحقاقات ناجمة عن اتفاقيات وقف التصعيد من حيث عودة اللاجئين والنازحين وتوفير الخدمات وترميم البنية التحتية.
يتراوح الدور الإداري والخدمي للمجالس بين المركزي والثانوي، فأغلبها يقوم بتأدية هذا الدور بمفرده بما يتوفر له من إمكانيات وموارد (69%) أو أن تؤديه بالتشارك مع هيئات أخرى توافقاً أو تنافساً (21%)، بينما كان 10% فقط منهم يقوم بالتنسيق لتقديم الخدمات.
تشير النتائج أيضاً إلى زيادة طفيفة (1إلى 4%)في وعي القائمين على المجالس بأهمية الدور السياسي لمجالسهم، سيما مع امتلاكها لمقومات الفاعلية السياسية المستندة على شرعيتها المحلية، ودورها الوظيفي في توفير الخدمات، إضافةً إلى إقرار القوى الفاعلة في الملف السوري بدورها في إنجاز ترتيبات المرحلة الراهنة (وقف التصعيد) وفي المرحلة الانتقالية (الحل السياسي وإعادة الإعمار)، وسعيها كقوى لفتح قنوات لتعزيز تمثيل المجالس في العملية السياسية على المستويين المحلي (استانة) والوطني (جنيف).
تعمل المجالس على توفير خدماتها وفق سلم أولويات مجتمعاتها، فقد أظهر ترتيب عينة استطلاع المجالس لأولوياتها الخدمية حلول قطاعي البنية التحتية والتعليم معاً في المرتبة الأولى، بينما احتل قطاع الصحة المرتبة الثانية، تليها الإغاثة ثالثاً، في حين شغل الدفاع المدني المرتبة الأخيرة في سلم أولويات المجالس.
أما عن نطاق خدمات المجالس فيغلب عليها تغطيتها للنطاق الجغرافي الذي يقع ضمن نطاقها الإداري، حيث أجاب 63 % من عينة الاستطلاع عن وصول خدمات مجالسهم إلى كافة مناطق القطاع الإداري الذي يتولون إدارته، بينما أجاب 20% عن وصول خدمات مجالسهم إلى غالبية المنطقة الجغرافية التي تتبع لهم إدارياً وليس كلها، وقد أفاد 5% بأن خدماتهم مقتصرة على أجزاء من النطاق الجغرافي لوحدتهم الإدارية. بالمقابل كشفت نتائج الاستطلاع عن قيام 12%من العينة بتخديم مناطق تقع خارج نطاقها الإداري.
وتواجه المجالس المحلية عدة تحديات تؤثر سلباً على قدرتها في توفير الخدمات، جاءت وفق الترتيب الآتي بحسب ما أظهرته نتائج الاستبيان: 1) قلة الموارد المالية، 2) قلة الكوادر، 3) صعوبات أمنية، 4) تدخل فصائل المعارضة المسلحة في عمل المجالس، 5) مشاكل إدارية.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج سابقة خُلصت إليها دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية"، فإنه يلحظ تعزز الدور المركزي للمجالس في توفير الخدمات المحلية، حيث ارتفعت وبشكل ملحوظ نسبة المجالس ذات الدور الوحيد في توفير الخدمات من 50% لتصل إلى 69%، وهو ما يمكن تفسيره بمراكمة المجالس لخبرات تخصصية في إدارة الشأن الخدمي فضلاً عن استمرارها في استقطاب التكنوقراط للعمل معها، كذلك تراجع عدد الهيئات المدنية المنافسة للمجالس في مجال توفير الخدمات في ظل ضعف التمويل وحصره من قبل عدد من الجهات المانحة بالمجالس المحلية.
يظهر سلم أولويات خدمات المجالس المحلية استمرار تركيزها على قطاعي البنية التحتية والتعليم، تأكيداً منها على ضرورة معالجة ملف البنية التحتية لدوره في تحقيق الاستقرار للمجتمعات المحلية، فضلاً عن سعيها لتعزيز حضورها في المرحلتين الراهنة (خفض التصعيد) واللاحقة (الحل السياسي وإعادة الإعمار) من خلال هذا الملف. أما فيما يتعلق بقطاع التعليم، تدرك المجالس ضرورة الانخراط فيه سواءً بزيادة إشرافها على هذا الملف أو بإدارته من قبلها، سيما في ظل بروز مؤشرات سلبية عن واقع التعليم في مناطق عمل المجالس.
ومما يثير الانتباه ما أظهرته نتائج الاستطلاع من حيث تخديم عدد من المجالس المحلية لمناطق تقع خارج نطاقها الإداري، وهو ما قد يفسر بعدة عوامل منها: 1) إعادة هذه المجالس النظر في حدودها الإدارية، 2) حيازة هذه المجالس لبنية مؤسساتية ذات موارد كافية قادرة على تخديم مناطق خارج حدودها الإدارية، 3) عدم حيازة هذه المناطق على مجالس محلية مما يضطرها للاعتماد على المجالس المجاورة لها لتأمين خدماتها.
ومن الطبيعي أن تواجه المجالس تحديات عدة تستهدف دورها الخدمي، ولم تظهر نتائج الاستطلاع الراهنة تحولاً جذرياً في قائمة التحديات التي تواجه المجالس مقارنة بنتائج الدراسة السابقة بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية" وذلك باستمرار معاناتها من ضعف التمويل والذي يمكن رده إلى أسباب عدة منها: 1) انخفاض كفاءة الأداء المالي للمجالس، 2) فقدان المجالس عدداً من مصادرها الذاتية نتيجة تدميرها أو السيطرة عليها من قبل الفصائل العسكرية.
تكتسب دراسة المالية المحلية أهمية لدى كل من الحكومة المركزية وصناع القرار والسكان على المستوى المحلي، لما لها من دور في وضع السياسات واتخاذ القرارات، وتحديد طبيعة المشهد الاقتصادي والوضع المالي للمحليات واحتياجاتها، الأمر الذي يساعد صناع القرار على إدارة الموارد بعقلانية لتحقيق الأهداف الموضوعة. وفي هذا الصدد يمكن تعريف الموازنة المحلية بأنها: الخطة المالية التقديرية لإيرادات الوحدات المحلية ونفقاتها سنوياً، والتي يتم من خلالها تحقيق الأهداف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المعتمدة من قبل تلك الوحدات.
يكتسب موضوع المالية المحلية أهمية لدى المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة نظراً لما تعانيه من عجز مالي مزمن يتهدد دورها واستمراريتها واستقلاليتها. انطلاقاً مما سبق سيتم التطرق لموازنة المجالس المحلية من حيث آلية إعدادها والهيئات المكلفة بذلك، ومصادر إيراداتها واتجاهات إنفاقها بغية معرفة مكامن الخلل بما يساعد على تصويبها.
تقوم المجالس المحلية بإعداد موازناتها المالية بناء على عوامل عدة، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع اعتماد 50 % من عينة الاستطلاع على الموارد المالية المتوفرة في إعداد موازناتها، بينما يعتمد 15% من عينة المجالس على خبراتها السابقة، وبفارق قليل تصوغ 14% من عينة المجالس سياساتها المالية بناء على النفقات المتوقعة، كذلك أظهرت النتائج اعتماد 12% على تقديرات المسؤول المالي في إعداد موازناتها، في حين يقدر 9% موازنته بناء على الدعم المتوقع من المانحين.
تتوزع مسؤولية إعداد مشروع الموازنة على عدد من الجهات، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع التقدم النسبي للمكتب المالي على غيره من الجهات في إعداد الموازنة وهو ما أفاد به 37% من العينة، بينما حدد 31% المكتب التنفيذي كجهة مسؤولة عن صياغة السياسة المالية للمجلس، في حين توزعت النسبقة المتبقية من العينة بين 22% تعتبر إعداد الموازنة من صلاحية المجلس بمكاتبه وإداراته، وما نسبته 10% تعتبره اختصاصاً حصرياً لرئيس المجلس.
ولا يعتبر مشروع الموازنة نافذاً إلا إذا تمت المصادقة عليه من قبل هيئة محددة وفق الأصول والإجراءات المتبعة والتشريعات النافذة، وقد أظهرت نتائج الاستطلاع ضعف دور الهيئة العامة المشكلة للمجلس في المصادقة على مشروع الموازنة وهو ما أفاد به فقط 6% من العينة، كذلك الأمر بالنسبة لمجالس المحافظات بما نسبته 8%، بينما جاءت النتائج متطابقة من حيث صلاحيات كل من المجلس المحلي بمكاتبه وإداراته وكذلك رئيسه في التصديق على مشروع الموازنة بما نسبته 33% لكل منهما، في حين حدد 19% المكتب التنفيذي كجهة مخولة بالتصديق على الموازنة. وما يثير الاهتمام في النتائج محدودية دور الفصائل العسكرية كجهات مرجعية في التصديق على موازنة المجالس وهو ما أفاد به 1% فقط من العينة.
تظهر النتائج السابقة افتقاد المجالس المحلية لنظام مالي وتشريعات قانونية ولوائح إجرائية موحدة ناظمة لعملية إعداد الموازنة واعتمادها، وقد أظهرت النتائج تنوع خبرات عينة المجالس في إعداد موازناتها، مع ميل نصفها لاعتماد الواقعية في صياغة سياساتها المالية المحلية بناءً على الموارد المالية المتاحة، وهو ما يمكن تفسيره بــ:1) الخبرات المالية التي راكمتها المجالس في إعداد الموازنات، 2) رغبتها في تجنب العجز المالي الذي يستهدف دورها واستقلاليتها، 3) تجنب التداعيات السلبية لرفع سقف توقعات السكان المحليين، والناجمة عن تبني موازنات غير ممكنة التطبيق. كذلك يعزز تعدد الجهات المسؤولة عن إعداد الموازنة والمصادقة عليها من الاستنتاج القائل بضعف اعتماد المجالس على نظام داخلي ومالي موحد، وهو ما يؤدي إلى تعدد الأدوار وتنازع الصلاحيات في إعداد الموازنات، كما يؤثر سلباً على الشفافية المالية للمجالس.
تتألف الموازنة بشكل عام من قسمين رئيسين هما الإيرادات والنفقات، وفيما يتعلق بمصادر تمويل المجالس المحلية لموازناتها، أظهرت النتائج تنوع المصادر المالية التي تعتمدها المجالس في تمويل إنفاقها المحلي، بحيث تشمل موارد ذاتية وأخرى خارجية رتبتها عينة الاستطلاع من حيث وفرتها وفق الآتي:
وتعتمد المجالس على عدة آليات لتحصيل الضرائب والرسوم من المكلفين مالياً، وقد أظهرت عينة الاستطلاع ترتيب تلك الأدوات وفق الآتي: تعيين جباه محليين، تحصيل الرسوم والضرائب من خلال فرضها على الخدمات (كالخبز، سلال الإغاثة) التي يوفرها المجلس للسكان، تفويض المجلس مهام الجباية لهيئات محلية (كالشرطة المحلية أو الفصائل أو منظمات المجتمع المدني).
على الرغم من تنامي اعتماد المجالس على الجباية المحلية لتعزيز مواردها ورفع سوية خدماتها من حيث جودتها وتوفيرها، إلا أنها تواجه تحديات عدة تعترض جهودها في هذا الأمر، وقد رتبتها عينة الاستطلاع بحسب أهميتها وفق الآتي:
يعتبر تقاسم الموارد بين الحكومة المركزية والمجالس المحلية إحدى أبرز القضايا الإشكالية المتوقعة بين الطرفين مستقبلاً خاصة في مرحلة إعادة الإعمار ولا سيما في المناطق الغنية بالموارد المحلية، وفي سؤال عن رأي المجالس المحلية تجاه هذا الموضوع، أكد ما نسبته 85% من عينة الاستطلاع على أحقية المجالس بالتصرف بالإيرادات المحلية دون إرسالها للحكومة المركزية، بينما أيد 10% من العينة فكرة تقاسم الإيرادات بين المركز والمجالس المحلية وفق صيغة متفق عليها، في حين كان التأييد لحق استئثار المركز بالإيرادات المالية المحلية ضعيفاً جداً حيث لما يتجاوز نسبة 1%، أما النسبة المتبقية من العينة والتي بلغت 4% فقد فضلت عدم الإفصاح عن رأيها تجاه هذا الموضوع.
تقوم المجالس المحلية بإنفاق مواردها المالية لتمويل نشاطاتها وتلبية متطلباتها وتنفيذ سياساتها، وقد رتبت عينة استطلاع المجالس مصاريفها بحسب الأكثر انفاقاً وفق الآتي:
وكما يمثل تقاسم الموارد بين المركز والمجالس إحدى النقاط الخلافية بين الطرفين، كذلك تعتبر صلاحيات الإنفاق المحلي من الملفات الإشكالية لارتباطها الوثيق بتقاسم الموارد وبتوزع الصلاحيات المالية بين المركز والمجالس، وقد أظهرت النتائج تأييد 84% من العينة حصر صلاحيات الإنفاق المحلي بالمجالس دون تدخل الحكومة المركزية، بينما أيد 13% فكرة تقاسم الصلاحيات بين المركز والمجالس، في حين أعرب ما نسبته 2% عن تأييدهم لحصر صلاحيات الانفاق المحلي بالمركز فقط، أما النسبة المتبقية من العينة والتي تشكل 1% فقد فضلت عدم الإفصاح عن رأيها تجاه هذا الموضوع.
ومن الطبيعي أن تتأثر الإيرادات والنفقات المحلية بالبيئة الاقتصادية لمناطق المجالس، ويلاحظ من نتائج الاستطلاع تنوع النشاط الاقتصادي لمناطق عمل المجالس، حيث يأتي في مقدمتها النشاط الزراعي، يليه الخدمي فالتجاري وأخيراً الصناعي.
بمقارنة نتائج الدراسة الحالية مع نتائج أخرى خُلصت إليها دراسة سابقة لمركز عمران بعنوان "الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية"، فإنه يلحظ تنامي اعتماد المجالس على الضرائب والرسوم المحلية كمصدر لإيراداتها المالية، حيث جاءت بالترتيب الأول في الدراسة الراهنة مقابل حلولها بالمرتبة الثانية في الدراسة السابقة وهو ما يمكن تفسيره بعدة أسباب منها: 1) رغبة المجالس في تعزيز الاعتماد على مواردها الذاتية خاصة مع تراجع مصادر الدعم الخارجي، 2) تعزيز المجالس لشرعيتها المحلية ودورها الخدمي بما يخولها فرض الضرائب والرسوم وجمعها.
الرغم ما حققته المجالس من تقدم ملحوظ فيما يتعلق باحتساب الضرائب وآليات جبايتها، فإن نتائجها ما تزال دون المستوى المأمول منها، ويعود السبب في ضعف الجباية المحلية بشكل رئيسي إلى عاملين هما:
يعبر تأييد غالبية المجالس لحقها بالاستئثار بالموارد المحلية دون إرسالها للمركز مستقبلاً، عن عدم ثقتها بالمركز نتيجة سياساته التنموية والاقتصادية التمييزية في وقت سابق، والقائمة على اعتبارات الولاء وترجيح مراكز المدن على أطرافها، وقد أفرزت هذه السياسات مشاكل تنموية وأزمات اقتصادية ساهمت في تأجيج الحراك الاحتجاجي مطلع 2011 خاصة في المناطق المهمشة اقتصادياً وتنموياً. كما تتعزز مخاوف المجالس من استئثار المركز بمنافع عملية إعادة الإعمار واستخدامها كورقة ضغط عليها، الأمر الذي يفسر تأكيد غالبيتها على ضرورة تمتعها بصلاحيات الانفاق المحلي بشكل مستقل عن المركز، باعتباره ضمانة لاستقلالها وبما يمكنها من تلبية متطلبات مجتمعاتها التنموية والخدمية.
وتفسر طبيعة الانفاق المحلي للمجالس أحد أسباب عجزها المالي، حيث تركز المجالس بالدرجة الأولى على دعم القطاعات الحيوية وإعادة تأهيل البنية التحتية، الأمر الذي يستنزف مواردها المحدودة نظراً لحجم الدمار الذي يتطلب قدرات مالية كبيرة لا تتوافر حتى لدى المركز.
شهدت الرقابة المالية على مستوى الدول وهيئاتها تطوراً ملحوظاً فيما يتعلق بالتشريعات القانونية والأدوات الإجرائية الناظمة لها، وذلك بهدف مراقبة التصرف بالمال العام ومعالجة حالات الفساد التي قد تنشأ، ويمكن تعريف الرقابة المالية بأنها: عملية الإشراف والتحقق التي تمارسها سلطة مخولة قانوناً على عملية التصرف بالمال العام، بهدف التأكد من الالتزام بالتشريعات والقوانين والأنظمة المعمول بها، وسلامة الأداء وتصويب مكامن القصور ومعالجة حالات الفساد.
يكتسب موضوع الرقابة المالية أهمية لدى المجالس المحلية سيما في ظل ما تتهم به من سوء إدارة المال المحلي هدراً أو فساداً، وتبعاً لما سبق سيتم التطرق لمنظومة الرقابة المالية القائمة لدى المجالس من حيث الأنظمة والآليات المعمول بها، والجهات المسؤولة عن ممارستها.
تدير المجالس المحلية ماليتها المحلية وفق نظام مالي ومحاسبي، وقد أظهرت النتائج تبني ما يزيد عن ثلثي العينة بقليل لنظام مالي ومحاسبي متوافر بشكل مكتوب، بينما أجاب ربع العينة تقريباً بعدم امتلاكها لأنظمة مالية مكتوبة، في حين لم تتخطى نسبة المجالس التي لا تعتمد أي أنظمة مالية عتبة 10%.
ومما يلحظ في هذا الصدد اعتماد ما يزيد عن ثلاث أرباع العينة بقليل على لوائح مالية خاصة بها، بينما لم تتجاوز نسبة المجالس التي تعتمد على الأنظمة المالية الصادرة عن مجالس المحافظات أو الحكومة المؤقتة مجتمعين حاجز 19%.
تثار التساؤلات حول مدى امتلاك المجالس المحلية لكفاءات مالية تخصصية قادرة على إدارة ماليتها المحلية، وفي هذ الصدد أجاب 38% من العينة عن حيازة مسؤولها المالي على شهادة تخصصية في الاقتصاد والعلوم المالية، سواءً أكانت شهادة جامعية بنسبة 26% أو شهادة معهد مصرفي بنسبة 12%. بالمقابل أفاد ما نسبته 40% من العينة عن امتلاك مسؤولها المالي لشهادة غير تخصصية، سواءً أكانت شهادة جامعية بنسبة 28% أو شهادة معهد متوسط بنسبة 12%، كما كشفت النتائج عن حيازة ما نسبته 22% من مسؤولي المكاتب المالية للمجالس على شهادة بكالوريا فقط.
توثق الغالبية العظمى من المجالس أنشطتها، حيث يعتبر التوثيق المالي لأنشطة المجالس من عوامل نجاحها، بما يعزز من ثقة السكان المحليين والجهات الداعمة بها، وقد بينت النتائج تعدد أدوات التوثيق المالي للمجالس، حيث رتبتها العينة وفق الآتي: الإيصالات والفواتير، دفتر حسابات مالي، برنامج محاسبة على الكمبيوتر وتقارير مالية، بينما لم تتجاوز نسبة المجالس التي لا توثق مصاريفها المالية عتبة 8%.
تتمتع أغلب المجالس بآليات رقابة تتنوع بين تلك داخلية وأخرى خارجية. أما عن الجهات المكلفة بالرقابة على شؤون المجالس ومتابعة أعمالها، فقد أظهرت النتائج تعدد الجهات الرقابية على المجالس حيث تعتمد 57% من عينة الاستطلاع على الرقابة الداخلية، مقابل تبني 25% للرقابة الشعبية، في حين أفاد 7% برقابة مجالس المحافظات على مجالسها. ومما يلحظ في هذا الصدد امتلاك بعض الفصائل لصلاحيات الرقابة على أعمال المجالس وهو ما عبر عنه 4% من العينة، في حين أجاب 2% عن صلاحية القضاء المحلي مراقبة المجالس، في حين لم تتجاوز نسبة المجالس التي لا تخضع لأي رقابة حاجز 5%.
تشير النتائج ذات الصلة بنظام الرقابة المالية للمجالس المحلية بتعدد الآليات وضعف الأداء، حيث يعتمد ما يزيد عن ثلثي العينة بقليل على أنظمة مالية مكتوبة، غالباً ما تكون من إعدادها وهو ما أفاد به ما يزيد عن ثلاثة أرباع العينة بقليل. وعند مقارنة النتائج السابقة مع تلك المتصلة باختصاص المسؤول عن المكتب المالي، يتضح جلياً أحد الأسباب المفسرة لضعف الأداء المالي للمجالس وذلك من حيث اعتماد ما نسبته 40% فقط على مسؤولين ماليين من حملة الشهادات التخصصية بمجال الاقتصاد والعلوم المالية. ومن العوامل المفسرة أيضاً لضعف الأداء المالي للمجالس افتقادها إلى جهة مرجعية تتولى مسؤولية الرقابة على أعمالها، حيث تظهر النتائج اعتماد المجالس بالدرجة الأولى على لجانها الداخلية للرقابة، في حين تكشف النتائج عن ضعف دور مجالس المحافظات وانعدام دور الحكومة المؤقتة في ممارسة الرقابة على أعمال المجالس.
تكتسب دراسة مالية الوحدات المحلية أهمية في ظل حاجة تلك الوحدات إلى تنظيم شؤونها المالية راهناً بما يساعدها على وضع السياسات المحلية واتخاذ القرارات وإدارة مواردها بعقلانية لتحقيق الأهداف المتوخاة، كما تكتسب هذه الدراسات أهمية من حيث إثارتها لقضايا إشكالية من قبيل تقاسم الموارد وتوزيع صلاحيات الانفاق المحلي بين المركز والوحدات المحلية سيما في مرحلة إعادة الإعمار.
ويكتسب موضوع المالية المحلية أهمية لدى المجالس المحلية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، نظراً لما تعانيه من عجز مالي مزمن يتهدد دورها واستمراريتها وحتى استقلاليتها، ويعود هذا العجز المالي بأحد أسبابه إلى انخفاض تمويل الجهات المانحة لأسباب تتصل باعتبارات ميدانية أو سياسية أو اقتصادية، كما يمكن تفسير ذلك العجز بأسباب أخرى تتعلق بإدارة المجالس المحلية لماليتها المحلية وطبيعة إيراداتها ونفقاتها، حيث تفتقد المجالس إلى نظام مالي وتشريعات قانونية ولوائح إجرائية موحدة ناظمة لعملية إعداد الموازنة والمصادقة عليها، كما تفتقر مكاتبها المالية إلى الكفاءات التخصصية في مجال الاقتصاد والعلوم المالية.
وفي حين يشكل اعتماد المجالس على الضرائب والرسوم كمصدر رئيسي لإيراداتها المالية نقطة تحول في تفكير المجالس لجهة التقليل من اعتمادها على المانحين لصالح الاعتماد أكثر على مواردها الذاتية، فإن النتائج المتحققة عن الجباية لا ترقى للمستوى للمأمول لأسباب تتصل بضعف الوضع الاقتصادي للمكلفين مالياً وعدم تجاوبهم مع جهود المجالس في الجباية لأسباب عدة، وإلى جانب ما سبق يفسر طبيعة الانفاق المحلي للمجالس عجزها المالي، حيث تقوم المجالس باستنزاف مواردها في دعم قطاعات حيوية تحتاج إلى موارد كبيرة لا تتوافر حتى لدى المركز. كما يفاقم ضعف منظومة الرقابة المالية للمجالس من عمليات الهدر، ويعزز من فرص تشكل حالات فساد مالي داخلها.
وفي ظل ما سبق تجد المجالس المحلية نفسها أمام استحقاق تعزيز إدارتها المالية بما يمكنها من معالجة عجزها المالي وتقليل اعتمادها على المانحين لتأدية وظائفها ومراكمة الخبرات الكفيلة بجعلها شريكاً موثوقاً في عملية إعادة الإعمار، ولكي تتمكن المجالس المحلية من تحقيق ما سبق فإنها بحاجة إلى دورات تدريب مكثفة في مجال الإدارة المالية، كما أنها بحاجة إلى توحيد أنظمتها المالية وتعزيز دور مجالس المحافظات والحكومة المؤقتة في الرقابة على أعمالها إلى جانب الرقابة الشعبية.
للمزيد حول منهجية البحث وملحق الورقة انقر هنا
[1] توصل الباحث إلى هذا الرقم من خلا ل التواصل مع مجالس المحافظات التابعة للمعارضة السورية.