مقالات

تحدث الفقاعة الاقتصادية إثر تشكل فجوة كبيرة بين سعر السلعة أو الخدمة الحقيقي، وسعرها الخيالي الجديد، تؤدي في لحظة ما إلى انفجار الفقاعة وذعر في الأسواق يؤدي إلى انهيار الأسعار وجرّ الاقتصاد في أتون أزمة اقتصادية.

عرف العالم أولى تلك الفقاعات في القرن السابع عشر مع ارتفاع أسعار زهرة التوليب في عام 1637 إلى مستويات خيالية في هولندا، وصل الحال لمقايضة البصيلة بالأراضي والمنازل الفاخرة، ولدى إدراك السكان ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه وإحجامهم عن تقديم طلبات شراء، انفجرت "فقاعة التوليب" مخلّفة أزمة اقتصادية.

وشهد العالم أحدث فقاعة اقتصادية في عام 2008 مع انفجار أزمة الرهون العقارية إثر تهافت البنوك الأميركية على منح قروض عالية المخاطر بين 2004 و2008 لأشخاص من ذوي الدخل المحدود، وعمدت البنوك الاستثمارية لتوريق الرهون وبيعها بين البنوك الاستثمارية، التي اكتشفت لاحقاً أنها ممنوحة لأشخاص لا يملكون ملاءة مالية، فانفجرت الفقاعة في عام 2007 إثر فشل البنوك في تسديد تسليفات الرهون وتعثّر الدائنين عن السداد، ما سبّب إفلاس بنوك وانهياراً في الأسواق المالية، وطاولت معظم دول العالم.

لا تكاد تختلف الأحداث الاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم عن سابقاتها مع نشوء فقاعات تلوح في الأفق في قطاعات عدة، لا يُعرف متى ستنفجر وتهوي بالأسعار وتسبب أزمة اقتصادية.

أزمة عقارات في الصين

تُعتبر الصين قاطرة النمو بمشاركتها بنسبة 30% من نمو الاقتصاد العالمي، وبحجم ناتج إجمالي يبلغ 18 تريليون دولار، جعلها تتموضع في مكانة مهمة على مستوى العرض والطلب وضمن شبكة سلاسل التوريد واستقبال استثمارات أجنبية، حيث بلغت حصة الصين من الصادرات السلعية في 2018 نسبة 12.2% من إجمالي الصادرات السلعية في العالم، فضلاً عن مشاركتها في تعزيز التعاون المشترك عبر عدة منصات ومبادرات عالمية.

تشهد سوق العقارات في الصين منذ فترة ملامح فقاعة تلوح في الأفق، لا يُعرف مدى قدرة بكين على ضبطها في حدود المكان، حيث أسهمت عمليات المضاربة في انتعاش السوق العقارية بشكل مبالغٍ فيه، لتصبح في اتجاه صاعد ورهان رابح للسكان، إذ وضعت 8 من أصل 10 أسر مدخراتها في العقارات كاستثمار طويل الأجل، وأحد أهم المحركات الأساسية في الاقتصاد الصيني بقيمة 2.4 تريليون دولار، ويعمل فيه نحو 60 مليون شخص. واستفادت الحكومات المحلية للمقاطعات من زيادة مداخيلها لتمويل ميزانياتها، ومن شأن انخفاض مبيعات الأراضي، وإفلاس شركات التطوير العقاري وتعثرها في سداد القروض، أن تنقل الأزمة إلى السلك المصرفي الدولي وتؤثر سلباً بمعدلات نمو الاقتصاد الصيني والعالمي.

ففي أحدث ضربة لهذا القطاع، اضطرت بعض الشركات قبول منتجات زراعية (مثل البطيخ والخوخ) كدفعة مقدمة لشراء المنازل، وأعلنت شركة تطوير العقارات "شيماو" في شنغهاي تخلفها عن سداد الفوائد والأقساط الأساسية لسندات خارجية بقيمة مليار دولار، فيما تبلغ قيمة السندات الدولية المعلّقة 6.1 مليارات دولار، وتُعَدّ الشركة سادس أكبر مصدر بين المطورين الصينيين، وتحتاج شركات التطوير العقاري إلى سداد ما يقرب من 100 مليار دولار من الديون هذا العام، وسبق أن تخلّف 3 من أكبر 5 مصدرين للديون، بينها "إيفرغراند غروب" التي باتت الشركة العقارية الأكثر مديونية في العالم بنحو 300 مليار دولار.

وكان صندوق النقد الدولي قد قدّر ديون كيانات التمويل الحكومية المحلية لشراء الأراضي بنحو 6.2 تريليونات دولار في عام 2020، بينما قدرتها مؤسسة غولدمان ساكس المصرفية بـ53 تريليون يوان، أو حوالى نصف الناتج المحلي الإجمالي للصين. في المقابل، انخفضت عائدات مبيعات الأراضي التي تعتمد عليها الحكومات المحلية في تحقيق نحو 40% من إيراداتها.

ولجأت بكين إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الاقتراض المُفرط، وكبح جماح الأسعار، وفرضت خمسة بنوك تديرها الدولة قيوداً على القروض المقدمة إلى كيانات التمويل الحكومية المحلية، وأثرت إغلاقات الحجر الصحي خلال فترة انتشار فيروس كورونا بقطاع العقارات بشكل ملموس، إلا أن ملامح الأزمة لا يزال يلوح في الأفق، مع تخلف المزيد من الشركات عن سداد ديونها وانحدار مبيعات المساكن.

فقاعة العملات الرقمية

من العقارات في الصين إلى العملات الرقمية التي شهدت هي الأخرى ارتفاعاً كبيراً في أسعارها لامست القمة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 عند 69 ألف دولار للبيتكوين، لتهبط إلى دون 20 ألف بنسبة 74% ومنذ بداية العام الحالي بنسبة 60%، فيما انخفضت القيمة السوقية للسوق إلى أقل من تريليون دولار من الذروة التي بلغت 3 تريليونات دولار في تشرين الثاني 2021.

وتتشابه سوق العملات الرقمية مع صناعة الإنترنت التي انتشرت بين 1995 و2000 وانفجرت الفقاعة في عام 2000 بعد إفلاس 1100 شركة إنترنت في السوق. في المقابل، ظهر أكثر من 4000 نوع من العملات المشفرة خلال وقت قياسي، ومنذ انهيار نظام عملة "تيرا" بخسارة العملة المستقرة الخوارزمية سببت تبخر 40 مليار دولار، لا يخلو السوق يومياً من أخبار انخفاض العوائد في الإقراض وتخارج المستثمرين من السوق وتزايد الضغوط الدولية لتنظيمها.

وفي أحدث أزمات هذا القطاع، تقديم شركة الوساطة "فوييجر ديجيتال" في نيويورك طلب الحماية من الإفلاس بعدما أرسلت إخطاراً بالتخلف عن سداد قرض تبلغ قيمته 675 مليون دولار لشركة "ثري أروز كابيتال"، وبعد تعليقها عمليات التداول والإيداع والسحب هبطت أسهم الشركة بنسبة 43% في سوق التداول الأميركية، وجمّد بنك "فولد" للعملات المشفرة في سنغافورة عمليات السحب لمنع نفاد السيولة، وأوقف مقرض العملة المشفرة "سيليسيوس" عمليات السحب المؤقتة بسبب صعوبات مالية ملحوظة، وعلى إثر الجفاف الحاصل في عمليات التداول، بدأت بورصات العملات المشفرة مثل "بتستامب" المشهورة فرض رسوم تبلغ 10 يورو على الحسابات التي تشهد عدم نشاط وتداول لمدة عام برصيد إجمالي أقل من 200 يورو.

وأظهرت بيانات "كوين غيكو" تراجع قيم التداول اليومي في ثلاث بورصات هندية بنسب تراوح بين 60 و87% بعدما فرضت الحكومة هناك ضريبة مقتطعة من المصدر بنسبة 1% سارية المفعول في 1 يوليو/تموز، وتدرس سنغافورة سَنّ قواعد جديدة لحماية المستهلكين بعد الانخفاض الحاد في أسعار الأصول الرقمية وإخفاقات شركات التشفير.

وباعت العديد من الشركات عملاتها لتأمين سيولة مالية وسداد الديون والبقاء في السوق، كما حصل مع شركة "كور سينتافيك" إحدى أكبر شركات التعدين، التي تخلصت خلال شهر يونيو/حزيران من 79% من مقتنياتها من البيتكوين مقابل 167 مليون دولار، وباعت شركة "بيت فارمز" الكندية نصف عملاتها لسداد القروض، وأشار مؤسس بورصة FTX إلى أن بعض بورصات العملات المشفرة قد تفشل قريباً، ومع تسجيل سوق العملات الرقمية أسوأ ربع لها منذ أكثر من عقد تجاوزت التكاليف التشغيلية عائدات التعدين لبعض الشركات.

وصنّفت وزارة الخزانة الأميركية العملات المستقرة عملات رقمية مدعومة بأصول تقليدية كتهديد محتمل للاستقرار المالي، جراء غموض القواعد والإفصاحات المحيطة بهذه العملات لتسهيل التداول في الأصول الرقمية، وتزايدت هذه المخاوف بعد انهيار العملة المستقرة UST لمشروع لونا، وانخفاض عملة USDT وUSDD و DEI عن 1 دولار. وتعد هذه العملات صِمام أمان للسوق، وفي الوقت نفسه بوابة حدوث أي أزمة قادمة. فمن شأن عدم قدرة العملة المستقرة على تلبية طلبات المتداولين لاستبدال عملاتهم المشفرة بالدولار، أن يؤدي إلى انتشار ذعر قد يمتد إلى الأسواق المالية الأخرى.

وفي الوقت الذي تدّعي هذه الشركات أن قيمتها مدعومة باحتياطيات كبيرة من الدولار والأصول التقليدية، تظهر البيانات المالية لشركة "تيثر" صاحبة الرمز USDT أن جزءاً كبيراً من احتياطياتها مرتبط بديون شركات غير مضمونة، من النوع الذي يصعب تحويله إلى نقد. وكان المدعي العام الأميركي في نيويورك قد فرض غرامة قدرها 18.5 مليون دولار على الشركة، لأنها كذبت بشأن احتياطياتها. وقد مرّت العملة خلال الأسابيع الماضية بحالة استعصاء خفيفة بعد تهافت المتداولين على استبدال ما لديهم بالدولار، ما شكّل ضغطاً على العملة أدى إلى انخفاض قيمتها دون 95 سنتاً، ودفع الشركة 10 مليارات دولار من احتياطياتها لتلبية الطلب.

أخيراً، لا أحد يعرف متى وكيف تنفجر الفقاعة ويبقى الملمح الرئيسي لمتابعتها والتنبؤ بها ارتفاع الأسعار بشكل غير منطقي بعيداً عن القيمة الحقيقية للأصل، وما يحصل في العالم اليوم في عدة قطاعات بينها السوق العقارية في الصين وسوق العملات الرقمية تنبئ بأن الأسعار لا بد عائدةٌ إلى أسعارها الطبيعية.

المصدر:

العربي الجديد: https://bit.ly/3zcTfTd 

الأربعاء كانون1/ديسمبر 18
أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومعهد السياسة و المجتمع، كتابه الجديد بعنوان: “حرب الشمال: شبكات المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم”، ويحلل الكتاب ظاهرة شبكات تهريب المخدرات المنظمة في…
نُشرت في  الكتب 
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20