مقالات

كان استحقاق إعادة إنتاج دور الدولة وفق رؤية الثورة، في المناطق التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد، ولا زال الاستحقاق الأكثر تحدياً، مع ما تطلبه ذلك من تعزيز مشاركة المجتمع في إدارة مصالحه ومساءلة الجهات التنفيذية والتقريرية (أو التشريعية فيما يتعلق باتخاذ القرار والمساءلة) على المستوى المحلي والرقابة على أدائها بما يضمن تحقيق سلطة المجتمع ككل وكسر تغوّل المنظومات العسكرية على المجتمع، وصولاً إلى تعزيز سلطة المجتمع بدءاً من المستويات المحلية ومروراً بتعزيز المشاركة الشعبية على مستوى القرار الوطني وتجاه استحقاقات رسم خارطة المستقبل وتقرير المصير.

في الوقت الذي استمر فيه التعاطي الدولي والإقليمي مع الملف السوري انطلاقاً من التفاعل بين الرؤى السياسية المختلفة للحل من جهة وانعكاسات الواقع الميداني والعسكري على تقييم هذه الرؤى وفعاليتها وواقعيتها، وفي المقابل مدى فرض الواقع الميداني لمقاربات جديدة للحل السياسي، فإن المقدمات التي ريما تغيب عن حسابات أصحاب المصلحة الرئيسيين في الملف السوري هو مدى انعكاس الحالة الاجتماعية وتأثيرها في بناء هذه الرؤى وبروز آثارها المباشرة على الواقع الميداني وأيضاً في اعتبارات الحل السياسي واستدامته.

لا يمكن فهم القضية السورية وصولاً إلى صياغة جملة من المبادئ المؤسسة لآليات التعاطي مع الملف وإداراته وحل إشكالياته دون الرجوع إلى جذر المشكلة السورية المتمثل في وهن العقد الاجتماعي وهشاشته بنتيجة تهميش المجتمع السوري وتغييبه عن المشاركة في إدارة مصالحه والرقابة على أداء الدولة وأجهزتها، وأيضاً في تحقيق المجتمعات لذواتها وحيازة مواردها بعدل وتكافؤ، ما يعزز الانتماء إلى الرابطة الوطنية ويفكك حالة الخصومة وحتى العداء بين الدولة والمجتمع ، الأمر الذي بالغ النظام في إهماله وصولاً إلى الانفجار السوري العظيم .

كان امتحان الإدارة المحلية للمناطق التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد في سوريا بمثابة الاستحقاق الأهم الذي واجهته المجتمعات المحلية في المناطق الثائرة ، من حيث إعادة إنتاج دور الدولة في هذه المناطق وفق رؤية الثورة، وما يتطلبه ذلك من تعزيز مشاركة المجتمع في إدارة مصالحه ومساءلة الجهات التنفيذية  والتقريرية (أو التشريعية فيما يتعلق باتخاذ القرار والمساءلة)على المستوى المحلي والرقابة على أدائها بما يضمن تحقيق سلطة المجتمع ككل وكسر تغوّل المنظومات العسكرية على المجتمع، وصولاً إلى تعزيز سلطة المجتمع بدءاً من المستويات المحلية ومروراً بتعزيز المشاركة الشعبية على مستوى القرار الوطني وفي استحقاقات رسم خارطة المستقبل وتقرير المصير.

في ضوء ما سبق قدّم نموذج الإدارة المحلية رسالتين عمليتين:

كانت الأولى لنظام الأسد وعنوانها قدرة المجتمعات المحلية على إعادة إنتاج الدولة وفق نموذج اللامركزية، الأمر الذي استدعى من النظام التركيز على استهداف المجالس المحلية تارةً و مهادنتها تارةً أخرى عبر الضغط على حاجتها الدائمة لتأمين الخدمات، وذلك بهدف تهميش دورها ضمن مجتمعاتها بشكل مباشر من خلال إحياء بلدياته ضمن مناطقها كأحد استحقاقات الهدن أو عدم التعرض، وضخ الدعم المستمر لهذه البلديات بموارد الخدمة والإدارة رغم افتقارها للشرعية الثورية وشرعية التمثيل الشعبي، أو بشكل غير مباشر عبر احتكاره لتأمين الخدمات القطاعية من تعليم وكهرباء وصحة وغيرها ضمن مناطق هذه المجالس.

وأما الرسالة الثانية فتوجهت للفاعلين الدوليين والإقليميين حيث قدمت المجالس المحلية نفسها كبديل عن نظام الأسد، والضامن لمؤسسات الدولة ومنظوماتها عبر اعتماد لوائح قانونية ومعايير لجودة الحكم الرشيد يزداد التوافق عليها بين المجالس يوماً بعد يوم (يمكن التدليل على ذلك باعتماد معظم المجالس المحلية للائحة التنفيذية للقانون 107 الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة مع مراعاة خصوصيات كل مجلس وأيضاً بإطلاق الحكومة المؤقتة بالتعاون مع منظمة التعاون الألمانية GIZ  "مشروع معايير أداء المجالس المحلية في سوريا" والذي اعتمد بشكل أساسي على المجالس نفسها في رسم إطار هذه المعايير وتحديدها)، الأمر الذي يعزز شرعية هذه المجالس بالمجمل، وفي نفس الوقت ضمان مصالح السكان المحليين بغض النظر عن أي مصلحة أخرى من خلال تمثيلهم والتعبير عن تطلعاتهم ، ما منحها المشروعية الكافية للقيام بهذا الدور وهو ما استدعى من بعض الأطراف الإقليمية والدولية السعي للتخفيف من آثار هذا الدور عبر دفع بعض منظمات المجتمع المدني المحلية لمزاحمة المجالس المحلية على الأدوار المنوطة بها لتحقيق رؤى الداعمين وتوجهاتهم، وأحياناً من خلال السكوت على تجاوزات بعض الفصائل القريبة من هذه الدول ومزاحمتها أيضاً لدور المجالس المحلية .

ورغم كل القصور الذي شاب أداء الكثير من المجالس المحلية نتيجة للأسباب الموضوعية آنفة الذكر وغيرها أو نتيجة لأسباب ذاتية مرتبطة ببنية هذه المجالس وآليات عملها، فإن قدرة المجالس المحلية على الارتقاء بأدائها وإثبات دورها في مجتمعاتها تزداد يوماً بعد يوم.

ويلمس المراقب لمنحى عمل المجالس المحلية في سوريا تطوراً ملحوظاً في وعي الإدارة المحلية لدى المجتمع المحلي ووعي للمجالس المحلية نفسها بذاتها وأهمية دورها ومحوريته، وأيضاً أهمية مأسسة هذه المجالس وحيازتها لأدوات الإدارة والخدمة وتعزيز الموارد ورفدها ذاتياً، حيث بدأ يُلحظ تزايد اعتماد المجالس المحلية لآليات مؤسسية معيارية كاعتماد آليات الشكاوى والجباية المحلية إضافةً إلى إدارة فعاليات التنمية المحلية وغير ذلك.

يضاف إلى ما سبق جملة من الأدوار التي ينبغي على المجالس المحلية القيام بها بصورة مؤقتة تبعاً لطبيعة الظرف الذي تعيشه البلاد وضعف الحالة المركزية التي تنظم عمل المجالس المحلية ضمن إطار دولتي، إضافةً إلى الهواجس المتزايدة من إعادة إنتاج المنظومات العسكرية الحاكمة(حيث تتدرج العلاقة مع البنى العسكرية من الصدام أو التنافس إلى النأي بالنفس إلى التفاهم وتقاسم الأدوار)، والعودة إلى دائرة تهميش السكان في المرحلة الحالية من خلال عدم استثمار المستوى التمثيلي الذي يميز المجالس المحلية وحضورها في تقديم الخدمات وإدارتها، في التفاعلات السياسية عبر الدفع السياسي أو المشاركة السياسية في رسم معالم الحل وملامح المستقبل  بحسب درجة تردد أداء البنى السياسية الثورية.  حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية على 104 مجالس محلية، (ضمن دراسة بعنوان دور المجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية) أن أغلبية المجالس تنظر بإيجابية لهذه البنى (الموقف من الهيئة العليا للتفاوض) في حين يرى قرابة نصف هذه المجالس أن دورها سياسي وخدمي في ذات الوقت. ويعود ذلك إلى أن أغلب المجالس المحلية كانت إفرازاً طبيعياً لحالة البنى الثورية التي وجدت نفسها في مواجهة أسئلة المجتمع المحلي فيما يتعلق بإدارة مصالحه وتقديم الخدمات له فتحولت صوب عمل المجالس المحلية بما يحمله من أبعاد خدمية إدارية ونحو العمل السياسي، مدفوعةً برؤيتها السياسية كقوى ثورية طالبت منذ البداية بالتغيير السياسي، فيما آثرت مجالس أخرى الاكتفاء بالأدوار الخدمية التي تميز مهام المجالس المحلية في حالات الاستقرار.

لا تشكل النقاط الإيجابية التي سلط هذا المقال الضوء عليها في أداء ومنظور عمل المجالس المحلية طابعاً عاماً يسم عمل كل المجالس المحلية في سوريا، وإنما يمثل ميلاً محموداً لسيرورة نسق تفكير المجالس تتفاوت في تحقيقه واقعياً ولكنها تسعى إليه، وهو ما سوف نتناوله تفصيلاً في مقالات قادمة.

  

الأربعاء كانون1/ديسمبر 18
أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومعهد السياسة و المجتمع، كتابه الجديد بعنوان: “حرب الشمال: شبكات المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم”، ويحلل الكتاب ظاهرة شبكات تهريب المخدرات المنظمة في…
نُشرت في  الكتب 
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20