أوراق بحثية

المسارات

الملفات

الباحثون

التصنيف

تاريخ النشر

-

الملخص التنفيذي

  • منذ بداية مسار "المصالحة" الأول في درعا عام 2018 مروراً بمسار "المصالحة" الثاني عام 2021 وحتى الآن، شكَّل هذا النموذج حالة إشكالية في ذاته، لا سيما بعد مرور أكثر من أربعة أعوام على حالة عدم الاستقرار الأمني الذي أصبح أحد أبرز الخصائص التي تتسم بها درعا، نتيجةً لمقاربة النظام الأمنية تجاه المحافظة.
  • تُمثِّل الاعتقالات والاغتيالات الأدوات التنفيذية لمقاربة النظام الأمنية في درعا، والتي تستخدمها أجهزة النظام الأمنية والعسكرية لتصفية المعارضين السابقين ممن انضموا أو لم ينضموا للتسوية، مع وجود تباين بخصوص عرضة هذه الفئات للاغتيال وقدرتها على حماية نفسها.
  • تسعى الورقة من خلال تحليل كمي ونوعي لفحص كل من: (1) الاعتقالات بحسب الجهاز الأمني أو العسكري المنفذ للعمليات، (2) الاغتيالات بحسب الفئات المستهدفة، وفقاً لنطاق زمني يمتد بين تشرين الأول/أكتوبر 2021 وحتى نهاية أيلول/سبتمبر 2022، لتبيان الديناميات والسياقات المحلية والإقليمية لمسار التسوية في درعا.
  • يسعى النظام لتوسيع مساحات فعله الجزئية في درعا، ضمن استراتيجية أمنية بوصلتها الحل الصفري وفرض "سيادة الدولة" ونهجها التقدم التدريجي المستند على الاعتقالات والاغتيالات، في ظل تزاحم الفواعل الإقليمية والمحلية التي تقوِّض مساحات الفعل الكلية للنظام.
  • على الرغم من نشاط مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام في درعا، إلا أن النشاط الأكبر يعود لكل من: الأمن الجنائي والمخابرات العسكرية والمخابرات الجوية على التوالي، وذلك بدلالات ترتبط بالديناميات المحلية من جهة، وبنية هذه الأجهزة ووظيفتها ضمن هيكلية مؤسسات النظام من جهة أخرى.

تمهيد

شكلت محافظة درعا أحد أهم مراكز الصراع الدائر في سورية، لاسيما وأنها تتمتع بخصوصية رمزية كونها مهد الاحتجاجات التي اندلعت ضد النظام عام 2011 من جهة، وخصوصية جيوسياسية بالنسبة للنظام لتموضعها جنوبي العاصمة دمشق، ولفواعل إقليمية كالأردن وإسرائيل وذلك لقربها الجغرافي من حدود الدولتين من جهة أخرى. 

لهذا، لم تغب محافظة درعا عن كونها أحد أهم المناطق المستهدفة من قبل النظام ومن خلفه روسيا وإيران على مدار الأعوام السابقة، إذ شهدت درعا عدة مراحل ومستويات من الصراع كان آخرها دخول المحافظة مسار "المصالحة" الثانية في أيلول/سبتمبر عام 2021، وذلك بعد مرور ثلاث أعوام على المسار الأول الذي اتسم بالفوضى الأمنية وتفشي الاغتيالات، بالإضافة إلى حالة الاحتقان المحلي، الأمر الذي لوحظ استمراره في مسار "المصالحة" الثاني أيضاً.

وعليه، ونظراً لأهمية محافظة درعا في معادلات الصراع السوري وضرورة تتبع نموذج "المصالحة" الذي يسعى النظام وروسيا لفرضه في مناطق مختلفة من سورية؛ تسعى هذه الورقة لتبيان الديناميات والسياقات المحلية والإقليمية لاتفاق "المصالحة" الأخير، وذلك في ضوء ما  تبعه من تطورات أمنية وعسكرية تمَّت دراستها من خلال مؤشرين رئيسيين هما: (1) الاعتقالات المرتبطة بنشاط الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام، (2) الاغتيالات التي استهدفت شرائح واسعة من المعارضين السابقين وعناصر النظام، وفقاً لنطاق زمني يمتد بين تشرين الأول/أكتوبر 2021 وحتى نهاية أيلول/سبتمبر 2022؛ مستخدمةً تحليلاً كمياً ونوعياً للبيانات.

أولاً: مسارات "المصالحة" في درعا (غياب الاستقرار الأمني)

بدأ مسار "المصالحة" الأول في تموز/يوليو عام 2018، إذ تم فرضه على فصائل المعارضة السورية برعاية روسية، بعد حملة عسكرية واسعة شملت قصفاً صاروخياً ومدفعياً، وغارات جوية تزامنت مع تقدم بري لقوات النظام، أدت إلى نزوح ما يقارب 234 ألف شخص، ضمن سياسة "الأرض المحروقة" التي اتبعها النظام في السيطرة على مناطق المعارضة، ليأتي الاتفاق لينص على: إعلان وقف إطلاق النار، وتسوية أوضاع بعض المقاتلين وإعادة دمجهم، وإجلاء قسم آخر معارض للتسوية إلى محافظة إدلب بعد تسليمهم لأسلحتهم الثقيلة والمتوسطة، وعودة النازحين، وعودة مؤسسات "الدولة" بالإضافة لتثبيت سيطرة النظام على معبر نصيب الحدودي مع الأردن([1]) .

وضمن سياق "المصالحة" التي قادتها موسكو، حرصت الأخيرة على إمساك خيوط النفوذ في درعا وهو ما تجلى في تشكيل اللواء الثامن، بقيادة أحمد العودة القائد السابق لـ"قوات شباب السنة"، والذي يتألف بشكل رئيسي من المقاتلين السابقين في "قوات شباب السنة"، ومقاتلين معارضة سابقين، بالإضافة إلى بعض الكوادر الإدارية والتقنية ممن كانت منخرطة في أنشطة معارضة أو عملت لصالح المجالس المحلية أو منظمات غير حكومية أجنبية  في فترات سابقة.  وتركَّز انتشار اللواء الثامن في المنطقة الشرقية لمحافظة درعا عموماً ومدينة بصرى الشام في ريفها الشرقي خصوصاً، علماً أن اللواء الثامن تم إلحاقه رسمياً بالفيلق الخامس الذي تم تأسيسه بإشراف روسي مباشر في أواخر عام 2016، قبل أن يتم إلحاقه بالمخابرات العسكرية لاحقاً ([2]).

بمقابل انتشار اللواء الثامن المدعوم روسياً في المنطقة الشرقية من درعا، شهدت المنطقة الغربية حالة معقدة من تزاحم النفوذ لوحدات أمنية وعسكرية مختلفة: كالفرقة الرابعة والخامسة، والمخابرات العسكرية، والمخابرات الجوية، والمخابرات العامة، وميليشيات مدعومة إيرانياً كحزب الله على سبيل المثال لا الحصر، الأمر الذي شكل عاملاً رئيسياً لتوسع الفوضى الأمنية ودائرة العنف بمختلف أشكاله، واستهداف عناصر "المصالحة" من المعارضين السابقين إلى جانب استهداف بعض عناصر النظام والمدنيين أيضاً. أما درعا البلد، فقد اتسمت الحالة الأمنية فيها بالتعقيد، حيث تواجد محدود لقوات النظام وانتشار لمجموعات محلية مسلحة بأسلحة خفيفة وحالات مقاومة محلية بين الحين والآخر([3]) .

لذلك، لم يكن النفوذ الروسي وتشكيل اللواء الثامن كافياً لتأسيس استقرار أمني في درعا، إذ عانت المحافظة من حالة اضطراب أمني وعنف واسع النطاق – متباين بين منطقة وأخرى – بفعل مقاربة النظام الأمنية، ناهيك عن انتشار السلاح المصحوب بالاحتقان المحلي والنزعات الانتقامية، بالإضافة لنشاط تنظيم الدولة ضمن هذه الديناميات.

ضمن خارطة السيطرة والنفوذ الأمني المُعقَّد، لم يستطع النظام فرض مقاربة صفرية في محافظة درعا في 2018، أسوة بتلك التي فرضها في القلمون الشرقي، والغوطة الشرقية، وريفي حمص وحماة، وذلك لأسباب عديدة أهمها حضور النفوذ الروسي الذي يرتبط بالقلق والمخاوف الأردنية والإسرائيلية، والذي انعكس باستمرار وجود مقاتلي المعارضة تحت مظلات عسكرية وأمنية مختلفة أبرزها اللواء الثامن، مع اعتبار روسيا كضامن لتقويض النفوذ الإيراني من جانب كل من الأردن وإسرائيل.

 كما حافظت الحاضنة الشعبية المحلية على موقفها المعارض للنظام ومقاربته الأمنية تجاه المحافظة، الأمر الذي تجلى في رفض الأهالي المشاركة في انتخابات النظام الرئاسية في أيار/مايو من عام 2021، والخروج في مظاهرات واحتجاجات واسعة([4])، ناهيك عن الاحتجاجات ضد النظام في ذكرى الثورة السورية على مدار الأعوام السابقة بشكل عام وفي آذار/مارس من عام 2021 تحديداً([5]) .

لهذا، لم يكن مسار "المصالحة" الأولى مرضياً للنظام ومقاربته الأمنية، وهو ما تجلَّى في شنِّه عملية عسكرية في حزيران/يونيو من عام 2021 تضمنت حصاراً لأحياء درعا البلد وقصفاً مدفعياً سقط فيه العديد من القتلى المدنيين، الأمر الذي أدى لإطلاق شرارة مواجهات عديدة في ريفي درعا الشرقي والغربي شمل هجوماً على حواجز النظام وقتل وأسر العديد من عناصره([6]).

بعد عدة جولات من المفاوضات  الفاشلة بين اللجنة المركزية ووجهاء حوران ولجنة درعا البلد واللواء الثامن من جهة واللجنة الأمنية التابعة للنظام من جهة أخرى، والتي رافقتها حملات ضغط عسكرية من قبل النظام، تم الاتفاق على "الوقف الفوري لإطلاق النار، دخول دورية للشرطة العسكرية الروسية وتمركزها في درعا البلد، فتح مركز لتسوية أوضاع المطلوبين وأسلحتهم، معاينة هويات المتواجدين في درعا البلد لنفي وجود الغرباء، نشر أربع نقاط أمنية، فك الطوق عن محيط مدينة درعا، إعادة عناصر مخفر الشرطة، البدء بإدخال الخدمات إلى درعا البلد، العمل على إطلاق سراح المعتقلين وبيان مصير المفقودين"، وذلك بضمانة روسية في بدايات شهر أيلول/سبتمبر 2021([7]).

وهكذا شملت التسويات التي بدأت من درعا البلد معظم أنحاء محافظة درعا، ليعلن النظام السوري في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2021 عن إتمام عملية التسوية وافتتاح "مركز للتسوية في قسم شرطة المحطة بمدينة درعا لاستقبال من تبقى من الراغبين بتسوية أوضاعهم من مختلف مناطق المحافظة وفق الاتفاق الذي طرحته ’الدولة‘"([8])، بالتزامن  مع استمرار تواجد المجموعات المحلية المسلحة في مناطق مختلفة من درعا، بالإضافة للواء الثامن في معقله الرئيسي في بصرى الشام جنوب شرق المحافظة.

ثانياً: الاعتقالات (مطرقة المخابرات العسكرية)

نظراً لكون ملف المعتقلين أحد أبرز نقاط اتفاق التسوية؛ أعلن النظام السوري عن الإفراج عن  101 شخص "ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين"، وذلك على خمس دفعات خلال تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر من عام 2022، ضمن "إطار اتفاق التسوية الذي طرحته ‘الدولة‘ في المحافظة"([9]). وقد شملت هذه السلسلة من الإفراجات أشخاصاً تم اعتقال أغلبهم بشكل تعسفي بعد تسوية 2018 أو من المتهمين بقضايا جنائية([10])، منهم من خارج محافظة درعا([11])، في حين لم يتم الإفراج عن معتقلي ما قبل تلك المدة([12])، ناهيك عن استمرار قوات النظام بممارسة عمليات الاعتقال الممنهجة بعد التسوية الأخيرة، حيث اعتقلت قوات النظام منذ بداية التسوية الأخيرة في درعا في نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2021، 345 شخصاً في محافظة درعا 28% منهم من عناصر المعارضة السابقين. ونشطت في عمليات الاعتقال خمس جهات من مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية، أبرزها: الأمن الجنائي، والمخابرات العسكرية، والمخابرات الجوية، والمخابرات العامة، والأمن السياسي، وذلك وفقاً للنسب التالية([13]) :

وبحسب البيانات، فإن 40% من المعتقلين تم اعتقالهم من قبل الأمن الجنائي الذي ينشط في مختلف أرجاء درعا، وهو ما يعكس حالة انتشار الجرائم المرتبطة بالفوضى الأمنية في المحافظة، إذ شهدت أعلى معدل في انتشار الجريمة على مدار السنوات الأربع الماضية، والتي وصلت في عام 2021 فقط  لـ115 جريمة من أصل 414 جريمة في عموم مناطق سيطرة النظام، بحسب المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي التابعة للنظام([14]) .

 ولا يقتصر نشاط جهاز الأمن الجنائي على الأحداث الجنائية فقط، وإنما يمتد ليشمل مسائل غير جنائية كرصد الجهاز للنشاط الإعلامي للمواطنين تحت ذريعة "قانون الجرائم الإلكترونية"، إذ سبق وقام الأمن الجنائي بالتنسيق مع إدارة الشرطة وإدارة الاتصالات بملاحقة 192 مدنياً غالبهم في طفس بتهمة "الاشتراك بغرفة أخبار من شأنها بث الفتنة الطائفية وزعزعة الثقة بقوات الجيش العربي السوري والتشهير به"، وذلك بسبب اشتراكهم بغرفة "أخبار طفس لحظة بلحظة" في تطبيق "واتس اب"([15]). وتعتبر التهم المرتبطة بقانون الجرائم الإلكترونية، كـانتقــاد  الحالة المعيشية المتدهورة أو الفســاد الحكومــي فــي مناطــق سيطرة النظــام الســوري([16])،  ونقل المعلومات والأخبار المتعلقة بالوضع الميداني للوسائل الإعلامية من أبرز الذرائع التي يستخدمها الأمن الجنائي في عمليات الاعتقال التي يقوم بها، تحت تهمة "الإساءة لمؤسسات الدولة([17]) .

أما المخابرات العسكرية، فتعتبر مسؤولة عن 37% من عمليات الاعتقال في محافظة درعا مقابل 14% من العمليات قامت بها المخابرات الجوية، في حين قام كل من المخابرات العامة والأمن السياسي بتنفيذ 6% وَ 3% من عمليات الاعتقال على التوالي، وذلك بحكم تواجدهم المنخفض نسبياً في المحافظة مقارنةً بالمخابرات العسكرية والمخابرات الجوية.

ويرتبط ارتفاع نشاط المخابرات العسكرية بعمليات الاعتقال بازدياد نفوذها في محافظة درعا منذ بداية التسوية الأخيرة في نهاية أيلول/سبتمبر 2021، والتي تجلَّت بدايةً بانسحاب "الفرقة الرابعة" و"الفرقة 15" المدعومتين من قبل إيران من غربي درعا، وتَركُّز تواجد المخابرات الجوية المدعومة إيرانياً في المنطقة الشرقية باستثناء منطقة بصرى الشام التي بقيت تحت سيطرة اللواء الثامن([18]).  يُضاف إلى ذلك تنفيذ المخابرات العسكرية لعمليات أمنية محدودة  على غرار ما حدث في جاسم وطفس واليادودة غربي درعا بحجة تواجد مطلوبين أو أعضاء من تنظيم الدولة([19]).

لهذا، تتجه خارطة السيطرة الأمنية والعسكرية تجاه نفوذ أكبر للمخابرات العسكرية مقابل المخابرات الجوية لعدة عوامل أهمها: (1) فاعلية المخابرات العسكرية بشكل أكبر على مستوى قطاع المحافظات في سورية مقارنةً بباقي الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بما فيها المخابرات الجوية، وهو ما يعود لوجود فرع مخابرات عسكرية واحد مسؤول عن درعا والسويداء، (2) قيادة العميد "لؤي العلي" الذي شغل منصب رئيس القسم في درعا بدايةً عام 2011 ومن ثم تسلَّم رئاسة الفرع خلفاً لـ"وفيق ناصر" في كانون الثاني/يناير عام 2018 قبل بدء التسوية الأولى بدرعا وحتى اليوم([20]) .

وبالمقارنة، لا تتمتع المخابرات الجوية بذات المستوى من الفاعلية للمخابرات العسكرية على مستوى قطاع المحافظات بما فيها درعا من جهة، ولم يكن هناك حالة من الاستمرارية على مستوى قيادة القسم في درعا من جهة أخرى. ويتضح ذلك من خلال: (1) وجود قسم في محافظة درعا يتبع لفرع المخابرات الجوية في حرستا. (2) تعاقب ثلاث شخصيات على رئاسة هذا القسم منذ بدء الحراك الشعبي وهم: العميد "قصي ميهوب" بين 2011 وَ 2019 والعقيد الركن "سليمان محمود حمود" من بداية عام 2019 وحتى أيلول/سبتمبر من العام ذاته([21])، والعقيد "خردل ديوب" الذي تمَّت ترقيته لرتبة عميد في بداية عام 2022([22]).

ثالثاً: الاغتيالات (أداة النظام الانتقامية)

منذ اتفاق "المصالحة" الأخير في أيلول/سبتمبر 2021، لم تتوقف عمليات الاغتيال في محافظة درعا والتي طالت طيفاً واسعاً من المدنيين والعسكريين سواء من المحسوبين على المعارضة والمجتمع المحلي أو المحسوبين على النظام ، إذ تم رصد 359 عملية ومحاولة اغتيال ذهب ضحيتها ما يقارب الـ316 شخصاً تم تصنيفهم ضمن فئتين رئيسيتين: (1) فئة العسكريين السابقين أو الحاليين في مختلف التشكيلات المسلحة، ويُقدَّر عدد الأشخاص الذين اغتيلوا من هذه الفئة بـ178 شخصاً أي ما يُعادل 56ـ% من النسبة العامة، (2)  فئة المدنيين والتي تضم طيفاً واسعاً من السكان المحليين إلى جانب شخصيات تقنية وحزبية تعمل في مؤسسات النظام، ويُقدَّر عدد من اغتيل منهم بـ111 شخصاً بما يعادل 34% من النسبة العامة. بالإضافة إلى تجار المخدرات والذين يُقدَّر عدد من اغتيل منهم بـ18 شخصاً بنسبة 7%، وأعضاء اللجان المركزية ويقدَّر عدد من اغتيل منهم بـ9 أشخاص  بنسبة 3%،  وذلك وفقاً للجدول التالي([23]):

فئة العسكريين

يتوزع عدد من تم اغتيالهم من فئة العسكريين السابقيين والحاليين (والبالغ 178 شخصاً) على ست فئات رئيسية: (1)  العناصر العسكرية للمعارضة السورية ممَّن انخرطوا في التسويات الأمنية دون أن ينضموا لتشكيلات عسكرية أو أمنية لاحقاً والذين شكَّلوا نسبة 34% من الاغتيالات، (2) العناصر العسكرية للمعارضة ممَّن انضموا لتشكيلات النظام العسكرية أو الأمنية كالفرقة الرابعة والمخابرات العسكرية والمخابرات الجوية والمؤسسات الأمنية الأخرى والذين شكَّلوا نسبة 23% من الاغتيالات، (3) العناصر العسكرية للمعارضة ممَّن انخرطوا في التسويات الأمنية وانضموا للواء الثامن والذين شكَّلوا نسبة 6% من الاغتيالات، (4)  عناصر معارضة آخرون لم يشاركوا في التسوية الأمنية واستمروا في نشاطهم ضمن مجموعات محلية مسلحة والذين شكَّلوا نسبة 8% من الاغتيالات، (5)  عناصر النظام الأمنية والعسكرية والذين شكَّلوا نسبة 18% من الاغتيالات، (6) العناصر السابقين أو الحاليين في تنظيم الدولة والذين شكَّلوا نسبة 11% من الاغتيالات، وذلك وفقاً للجدول التالي:

وبحسب البيانات، يُلاحظ بأن عناصر المعارضة التي انضمت لـلواء الثامن هم الفئة الأقل عرضة للاغتيال والاستهداف، وذلك لكون اللواء الثامن كان قد تشكَّل ببنية تنظيمية يتألف عمودها الفقري من فصائل المعارضة السابقة والتي كان أبرزها قوات "شباب السنة"، واحتفاظه بمركزية جغرافية في منطقة بصرى الشام، وتمتعه بحاضنة شعبية نسبية لكون قيادته وعناصره من أبناء المنطقة والمعارضين القدامى، والاستقرار الخدمي الأمني والخدمي النسبي في مناطق سيطرته مقارنةً ببقية المناطق في درعا.

 وقد مكَّن ذلك اللواء من تأمين حماية أكبر نسبياً لعناصره مقارنةً بعناصر المعارضة السابقة التي اعتزلت العمل العسكري أو تلك التي انضمت لمؤسسات النظام الأمنية والعسكرية، إذ كانت الفئتان الأخيرتان الأكثر عرضةً للاغتيال بحكم تفكك البنى التنظيمية القادرة على تأمين حماية – وإن كانت نسبية – لهم في ظل مقاربة النظام الانتقامية، وانتشار النعرات الانتقامية المحلية المرتبطة بالتسوية في ظل الفوضى الأمنية في المنطقة.

بالمقابل، لا تخرج الاغتيالات التي طالت عناصر النظام أو المحسوبين أو المتهمين بالتعامل معه من جهة، والاغتيالات الأخرى التي طالت العديد من عناصر المجموعات المسلحة سواء تلك التي التحقت أم لم تلتحق بالتسوية بالإضافة إلى عناصر تنظيم الدولة من جهة أخرى، عن سياق ازدحام الفاعلين المحليين المتنازعين فيما بينهم في ظل غياب قوة مهيمنة بشكل مطلق على الأرض، بالإضافة لتولُّد حالة من النزعات الانتقامية بدوافع سياسيِّة نشأت نتيجة للصراع الدموي بشكل عام، وما تبعه من مواقف للفواعل المحلية بشأن "المصالحة" وعمليات التسوية التي ارتبطت بسلسلة من التصفيات والعمليات العسكرية والأمنية المتعددة، التي أدت للزيادة التدريجية لنفوذ أجهزة النظام وعلى رأسها جهاز المخابرات العسكرية  في المحافظة بشكل خاص. 

فئات غير العسكريين

لا تقتصر عمليات الاغتيال على العسكريين فقط، وإنما تمتد لتطال فئات واسعة بما فيها المدنيين الذين يُقدَّر عدد من اغتيل منهم بـ111 شخصاً من ضمنهم شخصيات مرتبطة بمؤسسات النظام الرسمية والحزبية كقيادات في حزب البعث، ورؤساء بلديات، وعاملين في مديريات مدنية وخدمية، وقضاة، وتقنيين في مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية. وقد وصلت نسبتهم ما يُقارب الـ20% من مجمل الاغتيالات التي طالت شخصيات مدنية. ويُقدِّم ذلك دلالة واضحة للنزعة الانتقامية المحلية تجاه العاملين في مؤسسات النظام بشكل عام بغض النظر عن طبيعة وظيفتهم، نتيجةً لممارسات النظام المستندة لمقاربته الأمنية الصفرية للمنطقة.

تُضاف إلى ذلك الاغتيالات التي طالت 9 أشخاص على الأقل من اللجان المركزية المسؤولة عن تمثيل المجتمع المحلي والتفاوض مع النظام في حالات التصعيد منذ اتفاق التسوية الأخير، الأمر الذي دفع اللجنة المركزية في ريف درعا الغربي لتجميد نشاطها في بدايات عام 2022 لا سيما بعد اغتيال أبرز شخصيتين في اللجنة: "الشيخ أحمد البقيرات" و "مصعب البردان"، وذلك في كانون الأول/ديسمبر 2021، وشباط/فبراير 2022 على التوالي([24]). وهكذا، تم تحييد دور اللجنة المركزية في ريف درعا الغربي، ودور اللجنة المركزية في منطقة درعا البلد التي حلَّت نفسها في آب/أغسطس 2022 بسبب عجزها عن القيام بدور فعال لحل مشاكل المنطقة واتهامها بـ"العمالة" لصالح النظام([25]) .

 إلى جانب الفئات السابقة، تعتبر الاغتيالات التي طالت 18 شخصاً على الأقل من تجار المخدرات كمؤشر إضافي لحالة الانتقامات المحلية من جهة، ومؤشر للتنافس بين مجموعات مختلفة تنشط في تجارة المواد المخدرة من جهة أخرى، ناهيك عن نشاط الفاعل الأردني كونه المتضرر الأكبر من نشاط تجارة المخدرات والذي يقوم بضبط شحنات ضخمة من المواد المخدرة القادمة من مناطق سيطرة النظام، يتم إنتاجها وتهريبها من قبل المجموعات المرتبطة بإيران و"حزب الله" وقوات النظام وشبكات التهريب المرتبطة بها([26])، إذ أنه وعلى الرغم من سعي روسيا لتقليص حجم النشاط الإيراني في درعا إلا أن ذلك لم ينعكس على نشاطها في إنتاج وتهريب المخدرات.

خاتمة

لا تعتبر استراتيجية النظام الأمنية تجاه محافظة درعا، والتي تهدف إلى فرض "سيادة الدولة" على المدى الطويل استثناءً عن مقاربته تجاه مختلف المناطق السورية الخارجة عن سيطرته، وهو ما يتَّضح على مستوى السردية التي يتبناها النظام تجاه التسويات معرفاً إياها بـ"اتفاق التسوية الذي طرحته الدولة".

ويتَّضح على مستوى الممارسة باعتماده نهجاً أمنياً انتقامياً تجاه المعارضين السابقين من المدنيين والعسكريين سواء أولئك الذين انضموا للتسويات الأخيرة أم لا، مستخدماً كلاً من عمليات الاعتقال والاغتيال كأدوات تنفيذية لهذا النهج، وذلك لغياب قدرة النظام على القيام بحملات عسكرية واسعة لأسباب تتعلق بالقدرات العسكرية والموقف الروسي والأردني الرافض لهذا النوع من التصعيد. لينعكس ذلك على أرض الواقع باستمرار الفوضى الأمنية، وانتشار النعرات الانتقامية التي طالت مخلتف الأطراف بما فيها عناصر النظام من العسكريين والمدنيين.

وفي ظل تزاحم الفواعل وغياب الهيمنة المطلقة في المحافظة، يسعى النظام لزيادة نفوذه عن طريق جهاز المخابرات العسكرية، المسؤول الأبرز عن عمليات الاعتقال في المحافظة، حيث يتزايد نفوذه على حساب بقية الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام، مستفيداً من بنيته المتماسكة وقدرته على المناورة ضمن إطار التسويات مع المجموعات المحلية.

ومع ذلك، لم يرق هذا التمدد لدرجة الهيمنة أو فرض "سيادة الدولة" حتى الآن، نظراً لكون المنطقة الجنوبية السورية بشكل عام ودرعا بشكل خاص ساحة نفوذ وتنافس إقليمية لكل من: روسيا وإيران والأردن وإسرائيل من جهة،  واستفادة المجموعات المحلية من هذه الخارطة ومقاومتها لهذا التمدد من جهة أخرى. لتلقي جملة هذه العوامل بظلالها على طبيعة توازن القوى ومساحات فعل النظام الكلية، ما دفعه للجوء لاستراتيجية التقدم البطيء التدريجي ضمن خارطة النفوذ والقوى المعقدة.

بالمقابل، تلعب الأجهزة الأمنية والعسكرية دوراً مهدداً للأمن المحلي والإقليمي عبر انخراطها المباشر وغير المباشر في تنفيذ أنشطة العنف بدوافع سياسية كالاعتقالات والاغتيالات من جهة، ورعايتها لأنشطة الجريمة المنظمة كشبكات تهريب المخدرات من جهة أخرى، ناهيك عن الهوة الموجودة بين هذه الأجهزة والمجتمع المحلي نتيجة الصراع الدموي.

ختاماً، وعلى الرغم من مضي أكثر من أربعة أعوام على مسار "المصالحة" في درعا، لم تنتج اتفاقيات التسوية التي فرضتها روسيا والنظام حلاً مستداماً في المحافظة، مثلما أنها لم تنتج نموذجاً مستقراً في مناطق التسوية الأخرى في ريف دمشق وريفي حمص وحماة. وإنما كانت بمجملها عبارة عن مسارات متعثرة لفرض حلول جزئية بهدف تجاوز الحل السياسي الشامل لمعالجة جذر الأزمة السياسية، مقدمةً مؤشرات واضحة على عدم نجاعة هذا النموذج الذي يتسم بانعدام الاستقرار الأمني، القابل للاستمرار في ظل أوضاع اقتصادية مزرية تزيد من وطأتها.


([1]) تعرف على تسلسل الحملة العسكرية على درعا.. هكذا بدأت، عربي 21، 07 تموز/يوليو 2018، الرابط: https://cutt.us/F7gDJ

2) Abdullah Al-Jabassini, From Insurgents to Soldiers: The Fifth Assault Corps in Daraa, Southern Syria, European University Institute, 14 May 2019, Link: https://cutt.us/AYHCT

(3) عبد الله الجباصيني، الحوكمة في درعا جنوب سوريا: أدوار الوسطاء العسكريين والمدنيين، برنامج مسارات الشرق الأوسط، 04 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، الرابط: https://cutt.us/LRaaw

(4) معن طلاع، اتفاقيات المصالحة في درعا 2021: السياق والانعكاسات المحتملة على المشهد السوري، مركز الجزيرة للدراسات، 29 تشرين الأول/أوكتوبر 2021، الرابط: https://cutt.us/vWpFW

(5)  مقتطفات من احتفالية أهالي درعا البلد في ميلاد الثورة العاشر 18 آذار 2021، تجمع أحرار حوران، 20 آذار/مارس 2021، الرابط: https://cutt.us/WScfh

(6) في أول تصعيد منذ 2018.. قتلى وجرحى في درعا وريفها جراء قصف للنظام السوري، الجزيرة نت، 29 تموز/يوليو 2021، الرابط: https://cutt.us/WLncA

(7) جلال بكور، المعارضة السورية تؤكد بنود اتفاق درعا البلد وروسيا تشرع بتنفيذه، العربي الجديد، 01 ايلول/سبتمبر 2022، الرابط: https://cutt.us/m02Tq

(8) إتمام تسويات الريف… وافتتاح مركز في مدينة درعا لاستقبال من تبقى من الراغبين بتسوية أوضاعهم، وكالة سانا، 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، الرابط: https://cutt.us/TIJ9Y

(9)حصيلة المعتقلين التي أعلن النظام عن الإفراج عنهم عبر وكالة سانا ضمن التسوية، الروابط: https://cutt.us/ySoZP - https://cutt.us/GqAhd - https://cutt.us/3jcKl - https://cutt.us/jFpQV - https://cutt.us/miwAC

(10) بيان صحفي – توضيح حول دفعتي المفرج عنهم من سجون قوات النظام، مكتب توثيق الشهداء في درعا، 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/Bl1xR

(11) تجارة الألم.. 3 كذبات لنظام الأسد وراء معتقلي درعا المفرج عنهم، أورينت نت، 07 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/auhCR

(12)  "انسوا المعتقلين قبل 2014".. تفاصيل زيارتين لرئيس المخابرات العامة لدرعا إحداها سرية، السورية نت، 28 شباط/فبراير 2019، الرابط: https://cutt.us/Zsgd4

(13) حصيلة رصد للمصادر المحلية على مدار عام كامل بدءاً من تشرين الأول/أكتوبر 2021 وحتى نهاية أيلول/سبتمبر 2022.

(14)  414 ضحية بسبب جرائم القتل 50 بالمئة تم اكتشافها خلال 48 ساعة و95 بالمئة خلال أسبوعين … «الطب الشرعي» لـ«الوطن»: 10 بالمئة انخفضت حالات الانتحار في العام الحالي، صحيفة الوطن، 14 كانون الأول/ديسمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/DDp7z

(15) ملاحقة 192 مدنيًّا بتهمة بث الفتنة الطائفية وزعزعة الثقة بالجيش والتشهير به، درعا 24، 18 كانون الثاني/يناير 2022، الرابط: https://cutt.us/YvD2z

(16) نشطت أفرع الأمن الجنائي على مدار عام 2021 في تنفيذ حملات اعتقال واسعة بتهمة انتقاد الوضع المعيشي والفساد الحكومي، ووجهت لهم سلسلة من التهم المرتبطة بقانون الجرائم الإلكترونية. للمزيد:

التقرير السنوي الحادي عشر: أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا في عام 2021: انهيار الدولة وتفتيت المجتمع، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 20 كانون الثاني/يناير 2022، الرابط: https://cutt.us/eK1gQ

(17) قام الأمن الجنائي باعتقال أحد الأشخاص بتهمة التواصل والتعامل مع مواقع إلكترونية تعمل لـ"غابات مشبوهة" تهدف لـ"الإساءة لمؤسسات الدولة". للمزيد: إدارة الأمن الجنائي تلقي القبض على أحد المتعاملين مع المواقع الإلكترونية المشبوهة، صحيفة تشرين، 17 أيار/مايو 2022، الرابط: https://cutt.us/65a4F

(18) تقاسم نفوذ جديد بعد انتهاء “التسويات” في درعا، عنب بلدي، 07 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، الرابط: https://cutt.us/u9pTV

(19)  النظام السوري يصوّب نحو اليادودة في ريف درعا بعد جاسم وطفس، العربي الجديد، 26 تشرين الأول/أكتوبر 2022، الرابط: https://cutt.us/wKY8q

(20) الأمن العسكري... العدو الأول لأهالي درعا والسويداء، العربي الجديد، 12 أيلول/سبتمبر 2022، الرابط: https://cutt.us/i2o4O

(21) منذ 2011.. شخصيتان تعاقبتا على رئاسة فرع “المخابرات الجوية” في درعا، عنب بلدي، 09 أيلول/سبتمبر 2019، الرابط: https://cutt.us/k3huu

(22) ماذا يعني نقل أحد أكثر جنرالات الأسد دموية إلى درعا؟، عربي 21، 3 تشرين الأول/أكتوبر 2019، الرابط: https://cutt.us/wa6qv

(23)  حصيلة رصد للمصادر المحلية على مدار عام كامل بدءاً من تشرين الأول/أكتوبر 2021 وحتى نهاية أيلول/سبتمبر 2022.

(24)باغتيال أعضائها أو مغادرتهم: النظام يفكك لجان التفاوض في درعا، سوريا على طول، 30 آب/أغسطس 2022، الرابط: https://cutt.us/O00uH

(25)  “لعجزها” عن حل المشاكل.. “اللجنة المركزية” في درعا البلد تحل نفسها، السورية نت، 04 آب/أغسطس 2022، الرابط: https://cutt.us/bzVal

(26) خليفات: قوات سورية غير منضبطة تدعم مهربي المخدرات على حدودنا، جريدة الغد، 15 أيار/مايو 2022، الرابط: https://cutt.us/NYI3u

التصنيف أوراق بحثية

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال المُنفَّذة ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري، خلال الفترة الممتدة من تموز/ يوليو وحتى كانون الأول/ديسمبر 2020، والتي بلغ عددها 74 عملية، مُخلّفة 471 ضحية.
  • توضّح عملية الرصد في مختلف المناطق، استخدام أدوات متعددة في تنفيذ الاغتيالات، إذ نُفذّت 47 عملية عن طريق العبوات الناسفة، بينما اُستخدم الطلق الناري في 24 عملية، في حين نُفِّذت 3 محاولات عبر القنبلة اليدوية.
  • تراوحت طبيعة العمليات في ريف حلب الشمالي الغربي، بين عمليات انتقائية، استهدفت أشخاصاً بعينهم، وأخرى عشوائية، استهدفت مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، وأخرى استهدفت تجمعات مدنية خالصة، كالأسواق.
  • سجّلت مناطق "درع الفرات" أكبر نسبة اغتيالات خلال الرصد، قياساً بباقي المناطق. كما أنها سجّلت أعلى نسبة للضحايا المدنيين، نتيجة طبيعة العمليات، وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها.
  • سجّلت مناطق إدلب وما حولها، انخفاضاً في معدل الاغتيالات، مقابل تعدد في الجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة، وسط بيئة أمنية معقدة، قد تكون مُرشّحة في المراحل القادمة لتدهور أكبر في الوضع الأمني العام.
  • بالرغم من الانخفاض النسبي في معدل الاغتيالات في إدلب؛ إلا أن العمليات المنفذة كانت انتقائية، اعتمدت في أغلبها على الطلق الناري، واستهدفت قياديين عسكريين وفاعلين مدنيين.
  • يلحظ التقرير الحالي تراجعاً في معدل العمليات المنفذة ضد القوات التركية، بعكس التقرير السابق، وقد يعود ذلك إلى إعادة تموضع أمني في بعض مناطق ريف حلب، كما قد يعكس تطوراً في العلاقة ومستوى التنسيق مع القوى العسكرية المحلية المسيطرة في إدلب.
  • إن معدل الاغتيالات وطبيعة أهدافها لا يعدّان مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـلقوى المسيطرة على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما يؤشّران لضعف قدرتها أيضاً على تأمين حماية عناصرها.
  • تفيد القراءة العامة للبيانات، بالمزيد من ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، مقابل عجز القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.

 

مدخل

يُعدُّ الملف الأمنيَ أحد أبرز الإشكاليات المُركّبة التي تعاني منها مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة في الشمال السوري، وأهم العقبات والتحديات التي تحاول القوى المسيطرة على تلك المناطق إيجاد حلول لها، ضمن بيئة مضطربة أمنياً، لناحية تعدد الجهات الفاعلة ذات المصالح المتضاربة، إضافة إلى التدخلات الإقليمية المباشرة، وما استتبعته من ردود فعل مضادة لجهات مختلفة، ناهيك عن القصف المستمر من قبل قوات النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق.

وتعدّ عمليات الاغتيال بما تمثله من اختراق أمنيّ، مؤشراً هاماً لطبيعة ودرجة الأمن والاستقرار، ومستوى إدارة الملف الأمني، والقدرة على ضبطه من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد وتيرة تلك العمليات، وتفاوت أهدافها، وتعدد منفذيها، واختلاف أساليبها. فعادةً، تتصف عمليات الاغتيال بالسريّة لناحية الجهة المنُفّذة؛ إلا أن غالبية العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علنيّ، في اختراق أمنيّ واضح وصريح لتلك المناطق، خاصة في ريف حلب الشمالي الغربي، والذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، ليمتد هذا الخرق لاحقاً إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام". وعلى الرغم مما تشهده بقايا جغرافية سيطرة الفصائل المعارضة في الشمال الغربي (إدلب) من انحسار نتيجة المعارك الأخيرة مع النظام، والذي من المفترض أن يُسهّل عملية الضبط والسيطرة الأمنيّة؛ إلا أنها أيضاً تكاد لا تختلف أمنياً عن سابقاتها من المناطق، لجهة معدلات الاغتيال، وتراجع مؤشرات الاستقرار الأمنيّ.

وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في الشمال السوري؛ صَمّمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات، وتحليل البيانات الخاصة بها، كمؤشرات للاستقرار الأمني([1])، وإخراجها ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائج تلك العمليات، وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة - إن عُلِمت - وكذلك الجهات المُستهدَفة. كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ، وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.

وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق عدة في الشمال السوري، منها: ريف حلب الشمالي الغربي، والذي شكّل نطاق العمليات العسكرية: "درع الفرات" و"غصن الزيتون". مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب شمال غربي سورية، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (تموز / يوليو، وحتى كانون الأول/ ديسمبر 2020)، إذ بلغ عددها 74 محاولة اغتيال، خلّفت 471 ضحية. وتوضّح البيانات انخفاض معدل الاغتيالات، مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدرته وحدة المعلومات في مركز عمران، (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2020)، إذ بلغت 96 عملية، مُخلّفة 271 ضحية ([2]).

وقد توزعت عمليات الاغتيال الـ 74 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 10 محاولات اغتيال خلال شهر تموز/ يوليو، في حين بلغت خلال آب/ أغسطس 13 محاولة، فيما بلغت المحاولات خلال أيلول/ سبتمبر 12 محاولة، بينما شهد تشرين الأول /أكتوبر 10 محاولات، لترتفع في تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 19 محاولة، في حين بلغت في كانون الأول/ ديسمبر 10 محاولات. ويسعى هذا التقرير بعد رصد تلك العمليات، إلى دراستها وتحليلها واستعراضها بحسب؛ مناطق السيطرة، والجهات المُستَهدَفة والمُنفّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، مقابل أثرها على مستوى الأمن والاستقرار في المنطقة.

أولاً: "درع الفرات" (تراجع طفيف وارتفاع ضحايا)

تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 27 عملية (الشكل 1)، نُفّذت 9 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن 9 ضحايا، إذ حققت 7 عمليات من 9 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت عمليتان في تحقيق هدفهما. وقد تبنّت ما تسمى "غرفة عمليات غضب الزيتون"([3]) 3 عمليات اغتيال من العمليات الـ 9، بينما بقيت 6 منها مجهولة المُنفّذ. وقد كانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 4 عمليات، مقابل 5 عمليات استهدفت كوادر إدارية مدنية من المجالس المحليّة والإعلاميين. بالمقابل، نُفّذت 18 من 27 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلفةً بمجموعها 42 قتيلاً و189جريحاً، منهم 202 مدني، مقابل 29 من عناصر "الجيش الوطني" (انظر الشكل 2)، فقد تم تفجير أغلب تلك العبوات في استهداف شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، إضافة إلى استهداف تجمعات مدنية خالصة، وتبنّت "غرفة عمليات غضب الزيتون" 4 عمليات، بينما بقيت 14 منها مجهولة المُنفّذ.

 

 

 

ويتضح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق، الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني/ يناير وحتى حزيران/ يونيو 2020، إذ سجّل التقرير السابق 33 عملية اغتيال في تلك الفترة، في حين رصد التقرير الحالي تنفيذ 27 عملية. بالمقابل، توضح الأرقام ارتفاعاً كبيراً لمعدل عدد الضحايا، مقارنة بالتقرير السابق، الذي سجّل 89 ضحية، بينما بلغ مجموع عدد الضحايا خلال فترة الرصد الحالية 240 ضحية، وقد يرد ذلك إلى اختلاف أدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، والتي اعتمدت بنسبة 67% على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، إضافة إلى استهدافها تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 87%، مقابل 13% من عناصر "الجيش الوطني".

بالمقابل، تشير طبيعة بعض العمليات والأدوات المستخدمة في تنفيذها؛ إلى أن جزءاً من الاغتيالات المُنفَّذة في تلك المنطقة، لم تكن عشوائية، بقدر ما بدت أهدافها مدروسة ومحددة، خاصة وأن 33% من العمليات الحالية، نُفذت عبر الطلق الناري، واستهدفت أشخاصاً بعينهم، بطريقة انتقائية غير عشوائية، ولم تقتصر تلك العمليات على عناصر "الجيش الوطني" فقط، وإنما طالت كوادر إدارية من عناصر الشرطة، إضافة لمدنيين من أعضاء المجالس المحليّة والإعلاميين.

أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، فيلحظ من البيانات تبنّي "غرفة عمليات غضب الزيتون" 26% من مجموع العمليات المرصودة، في حين 74% من عمليات الاغتيال بقيت مجهولة المُنفِّذ، الأمر الذي يشير إلى استمرار تردي الواقع الأمني، وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها، والحد منها.

وبالرغم من تسجيل التقرير تراجعاً طفيفاً في معدل عمليات الاغتيال في المنطقة، مقارنة بالتقرير السابق؛ إلا أن الواقع ما يزال يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل تراجع قدرة القوى المسيطرة على ضبط الاستقرار، وتضييق حجم هذا الخرق. خاصة في ظل سعي العديد من الأطراف والجهات إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وتقاطع مصالحها في ذلك، كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD"، الذي ما تزال خلاياه نشطة في المنطقة، وتعدّها امتداداً للنفوذ التركي، ومن فيها "أهداف مشروعة"، مقابل النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها، كما يتقاطع مع "PYD" في أهداف عدة ضمن تلك المناطق. ولعل طبيعة عمليات الاغتيال ونوعية أداة التنفيذ والجهات المستهدفة تشير إلى ذلك، إذ توزعت العمليات في تلك المنطقة بين: استهداف أشخاص بعينهم، منهم مدنيون وعسكريون، في حين استهدفت أغلب العمليات عناصر ومجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، بينما نُفِذَت عمليات أخرى عبر تفجير عبوات ناسفة في تجمعات مدنية، كالأسواق الشعبية. ويظهر من طبيعة العمليات الثلاث السابقة أن أهدافها تتراوح بين: تصفية أفراد بذاتهم، زعزعة أمن واستقرار المنطقة، وإرهاب المدنيين فيها.     

ثانياً: عفرين (انخفاض وتيرة وتبنٍ علنيّ)

من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 14 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، نُفّذت 4 عمليات منها عبر الطلق الناري، حققت عمليتان منها غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت محاولتان في تصفية أهدافهما (الشكل 3). وقد تبنّت غرفة عمليات "غضب الزيتون" جميع المحاولات الـ 4. وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات جميعها.

بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 10 عمليات من 14 عبر العبوات الناسفة (الشكل 3)، والتي استهدفت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، في حين استهدفت أخرى تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع؛ 14 قتيلاً و81 جريحاً (الشكل 4)، منهم 74 من الضحايا المدنيين، و18من عناصر "الجيش الوطني"، و3 من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة، وقد تبنّت غرفة عمليات "غضب الزيتون" عبر معرفاتها الرسميّة 8 من مجموع تلك العمليات، فيما بقيت محاولتان مجهولتا المُنفّذ.

وتبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها، انخفاضاً ملحوظاً في معدل عمليات الاغتيال، مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2020، إذ سجّل التقرير السابق 22 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 14 عملية. وعلى الرغم من انخفاض معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق؛ إلا أن نسبة الضحايا في التقرير الحالي كانت أكبر، فقد بلغت خلال أشهر الرصد الحالي 95 ضحية، في حين سجّل التقرير السابق 55 ضحية. وقد يرد ذلك إلى اختلاف الأهداف وأدوات التنفيذ في أغلب العمليات الحالية، والتي اعتمدت بنسبة 71% على العبوات الناسفة، التي استهدفت شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل أخرى استهدفت تجمعات مدنية كالأسواق والأفران، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 78%، مقابل 19% من عناصر "الجيش الوطني"، و3% من عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة. وتشير تلك النسب إلى استمرار الخرق الأمني، وعدم إحراز تقدم كبير على مستوى الضبط من قبل الجهات المسيطرة.

بالمقابل، يُلحظ من خلال البيانات نشاط متزايد لغرفة عمليات "غضب الزيتون" في عفرين ومحيطها، وتبنٍّ واضح وعلني للعمليات، فقد تبنّت الغرفة تنفيذ 12 عملية اغتيال من أصل 14، تعددت أدوات التنفيذ خلالها، إذ يبدو أنها تركّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين، التي شهدت أكبر عمليات اغتيال تبنتها الغرفة قياساً بباقي المناطق.

أما بالنسبة للجهات المُستَهدَفة، فيتضح من خلال البيانات أن عمليات الاغتيال استهدفت بالدرجة الأولى عناصر "الجيش الوطني"، والذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي وتصفية أفراد بعينهم، أم على مستوى جماعي، عبر استهداف مجموعات عسكرية لهم وسط تجمعات مدنية. بينما يلحظ من بيانات الرصد الحالي عودة استهداف الجنود الأتراك في عفرين من قبل "الغرفة"، قياساً بالتقرير السابق الذي لم يسجّل أي استهداف، في حين سجّل التقرير الحالي محاولة استهداف وحيدة أسفرت عن إصابة 3 عناصر، وذلك بالرغم من إعادة تموضع أمني للقوات التركية داخل عفرين بالذات، واتخاذ تدابير أمنية مشددة. بالمقابل يلحظ خلال هذا التقرير ارتفاع وتيرة العمليات التي استهدفت تجمعات ومرافق مدنية، كالأسواق الشعبية، بطريقة عشوائية، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين، بشكل يشير إلى أن جزءاً من تلك العمليات يهدف إلى إرهاب السكان، وزعزعة الأمن والاستقرار، خاصة وأن تلك العمليات تنسجم مع الرؤية المعلنة لـ"غرفة عمليات غضب الزيتون"، والتي تعد المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي"، وترى المقاتلين المحليين والعوائل المهجّرة بالإطار ذاته، وبالتالي تكثف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء، دون تمييز بين مدني وعسكري.

بالمقابل، فإن حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع مستوى القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر  في عمليات الاغتيال (27)، من عفرين ومحيطها (14)؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً كبيراً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن أغلب العمليات التي نُفّذت في عفرين كانت "نوعيّة"، ناهيك عن وضوح الجهة التي تقف خلفها، وهي "غرفة عمليات غضب الزيتون"، وتوسيعها لنشاطها، بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها، وزيادة النشاط الأمني لبقايا خلايا حزب الاتحاد الديمقراطي"PYD".

ثالثاً: "نبع السلام" (خرق واضح واتهامات لـ "PKK")

يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض، واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 15 عملية اغتيال، نُفّذت عملية وحيدة منها عبر الطلق الناري، محققة غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما نُفّذت عملية وحيدة عن طريق القنبلة اليدوية، لكنها فشلت بتحقيق غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 5)، في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 13 عملية، استهدفت أغلبها عناصر ومجموعات "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، بينما استهدفت أخرى جهات مدنية، ما أدى إلى وقوع 95 بين قتيل وجريح (الشكل 6)، منهم 58 مدنياً، و37 من عناصر "الجيش الوطني". وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك العبوات بواقع 9 محاولات، مقابل 4 محاولات استهدفت جهات المدنية.

ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، استمرار عمليات الاغتيالات بالوتيرة ذاتها، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل 16 عملية اغتيال، في حين سجّل التقرير الحالي 15 عملية، بالمقابل يلحظ ارتفاع واضح في معدل ضحايا تلك العمليات، قياساً بالتقرير السابق، والذي سجّل وقوع 76 ضحية بين قتيل وجريح، في حين رصد التقرير الحالي وقوع 97 ضحية بين قتيل وجريح، وقد لا يرد ذلك فقط إلى اعتماد العمليات بنسبة 86% على العبوات الناسفة، وإنما لتغيير نوعية الأهداف أيضاً، إذ استهدفت بعض تلك العبوات عناصر أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات مدنيين، مقابل عبوات استهدفت تجمعات مدنية خالصة، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، شكّلت نسبة المدنيين منهم 61%، في حين شكّلت نسبة عناصر "الجيش الوطني" 39%.   

بالنسبة للجهات المُستَهدَفة، فيتضح من خلال البيانات أن عمليات الاغتيال استهدفت بالدرجة الأولى عناصر "الجيش الوطني" بواقع 67% من نسبة العمليات، في حين استُهدِفَت جهات مدنية بواقع 33%، فيما يلحظ تراجع في تنفيذ العمليات ضد عناصر الجيش التركي، بعكس التقرير السابق، الذي رصد عمليات عدة استهدفتهم في المنطقة، في حين لم تسجّل أي عملية خلال هذا التقرير، وقد يرد ذلك إلى إعادة تموضع أمني للقوات التركية في المنطقة.

أما بالنسبة للجهات المُنفِّذة، وعلى الرغم من عدم وجود تبنٍ علني لتلك العمليات، إلا أن مصادر جمع البيانات تشير إلى اتهامات لخلايا حزب العمال الكردستاني "PKK" في الضلوع بأغلب تلك العمليات، خاصة وأن طبيعة العمليات لا تختلف عن سابقاتها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، لناحية الأهداف والأدوات، وأساليب التنفيذ.

من خلال تلك الأرقام السابقة لمختلف المناطق المرصودة، يتضح أن مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب الغربي "درع الفرات" الأكثر تردياً أمنياً، قياساً بمناطق (عفرين، تل أبيض، رأس العين). وذلك لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات، واتساع الخرق الأمني، وتعدد الجهات المُنفِّذة واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل تراجع قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الاستقرار وتضييق حجم هذا الخرق.  ولعل ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين حماية نفسها وعناصرها، وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات، والتي امتدت إلى مختلف مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، التي شهدت عمليات اغتيالات لا تختلف كثيراً عن سابقتها، لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. ومهما اختلفت دوافع تنفيذها والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أم القوات التركية.

رابعاً: إدلب وما حولها (أهداف انتقائية ومُنفّذ مجهول)

من خلال البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 18 عملية، خلال 6 أشهر من الرصد، حققت 12 عملية منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 6 محاولات في ذلك، بعد نجاة الطرف المُستَهدَف. وقد أسفر مجموع العمليات عن 34 ضحية، منهم 18 قتيلاً و16 جريحاً.

وبالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت 10 عمليات اغتيال على الطلق الناري، نجحت 9 منها في تصفية الهدف، بينما فشلت عملية وحيدة، وأسفر مجموع عمليات الطلق الناري عن 11 ضحية، ضمنهم 5 مدنيين، منهم تاجر مجوهرات ومدير "مخيم السلام"، مقابل 5 من الفصائل الجهادية، ضمنهم قيادي ومحقق في "هيئة تحرير الشام"، إضافة إلى قيادي ميداني في "الجبهة الوطنية للتحرير".

بالمقابل، نُفِّذَت 6 عمليات عن طريق العبوات الناسفة، أسفرت عن 21 ضحية، منهم 5 من فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير"، ضمنهم قياديون ميدانيون، مقابل 16 مدني، ضمنهم رئيس مجلس محلي. كما نُفِّذَت عمليتان عبر القنبلة اليدوية، وأسفرت عن ضحيتين مدنيتين، منهم إمام مسجد وموظف شركة صيرفة.

ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 18، استُهدِف عناصر وقيادات "مجموعات جهادية" بواقع 5 عمليات، بينما كانت فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" هدفاً في 3 منها، في حين تم استهداف جهات مدنية بواقع 10عمليات (الشكل 7). أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد بقيت المحاولات جميعها مجهولة المُنفّذ، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.

يتضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق إدلب وما حولها، انخفاض طفيف في معدل عمليات الاغتيال، قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران، وغطى الفترة الممتدة من كانون الثاني وحتى حزيران 2020. إذ سجّل التقرير السابق 22 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 18 عملية. كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت الجهات المدينة الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد الحالي بمعدل 55% من مجموع العمليات. بينما كانت بعض المجموعات "الجهادية"، خاصة "هيئة تحرير الشام"، هدفاً في 28% من عمليات الاغتيال المُنفّذة في هذه المنطقة خلال فترة الرصد. في حين مثلت "الجبهة الوطنية للتحرير" هدفاً في 17% من مجموع العمليات.

وعلى الرغم من الانخفاض النسبي في معدل عمليات الاغتيال؛ إلا أن طبيعة تلك العمليات كانت انتقائية، فقد اعتمدت بنسبة 56% على الطلق الناري، كأداة تنفيذ (الشكل 8)، مستهدفة أشخاصاً بعينهم، بطريقة غير عشوائية، سواء بالنسبة للعسكريين أم المدنيين، فعلى مستوى المجموعات العسكرية تم تسجيل عمليات اغتيال عدة بحق قياديين ميدانيين، سواء في "الجبهة الوطنية للتحرير"، أم ضمن "هيئة تحرير الشام"، التي تم استهداف شخصيات قيادية في صفوفها بعمليات طلق ناري، وسط ظروف متوترة بين الهيئة وبعض المجموعات الجهادية الأخرى في المنطقة.

بالمقابل اعتمدت بعض العمليات بنسبة 33% على العبوة الناسفة كأداة تنفيذ، والتي لم تكن بدورها أيضاً عشوائية، وإنما استهدفت شخصيات عسكرية ومدنية محددة، ما أدى إلى وقوع ضحايا إضافيين ضمن محيط التفجير، أو من مرافقي الشخصية المستهدفة. في حين اعتُمِدت القنبلة اليدوية بنسبة 11% من العمليات المُنفَّذة، والتي استهدفت أيضاً أشخاصاً مدنيين محددين (إمام مسجد، موظف شركة صيرفة).

وتشير طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة ضمنها، إلى اختلاف واضح في طبيعة الاغتيالات المنفذة في إدلب عن باقي مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، التي تغلب عليها العمليات العشوائية، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تبدو العمليات في إدلب منتظمة ومدروسة باتجاه تصفية شخصيات مدنية وعسكرية محددة، وذلك ضمن بيئة معقدة أمنياً، ومتعددة اللاعبين ذوي المصالح المتضاربة، في مؤشر لفوضى البيئة أمنياً، وتراجع القدرة على الضبط والسيطرة. 

وفيما يتعلق بطبيعة الجهات المُستَهدَفة، يلحظ خلال التقرير الحالي تراجع واضح لاستهداف عناصر الجيش التركي، قياساً بالتقرير السابق، الذي رصد تنفيذ 3 عمليات ضدهم، وذلك في الفترة التي بدأ خلالها تسيير الدوريات المشتركة الروسية -التركية على الطريق الدولي M4، سواء عبر استهداف عرباتهم أم استهداف نقاط المراقبة. بينما لم يلحظ ضمن التقرير الحالي أي استهداف، وقد يُردّ ذلك إلى إعادة تموضع أمني لتلك القوات، كما قد يعكس تطوراً في العلاقة ومستوى التنسيق مع القوى العسكرية المحلية المسيطرة على الأرض.

إجمالاً، وبناءً على البيانات المرصودة، يمكن القول؛ إن ما تبقى من مناطق إدلب، وبغض النظر عن القوى المسيطرة، قد تكون مرشحة في المراحل القادمة لتدهور أكبر في الوضع الأمني العام، سواء في حال استمرار توقف المعارك التقليدية وفقاً للتفاهمات الروسية - التركية، الأمر الذي سيفسح المجال لتصاعد وتيرة العمل الأمني أكثر، أم في حال تعرض المنطقة لعمليات عسكرية جديدة من النظام وحلفائه، والتي قد تتسبب بمزيد من التهجير للمدنيين، إضافة إلى الفصائل المحليّة، الأمر الذي قد يؤدي بشكل أو بآخر إلى فوضى أمنية نتيجة الاكتظاظ السكاني الذي قد تشهده بعض المناطق إثر موجات النزوح، إضافة إلى دخول الفصائل المهجّرة إلى مناطق نفوذ فصائل أخرى، ما يفرض على الجهات المسيطرة تحديات أمنيّة مركّبة، تحتاج مواجهتها إلى جهود جماعية مُنظّمة، لا تبدو متوافرة في الفترة الحالية.

خاتمة

 تفيد القراءة العامة لهذا التقرير بما يحمله من أرقام وبيانات تفصيلية عن عمليات الاغتيال، بالمزيد من ضعف الحالة الأمنية، في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وضعف قدرة القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات، التي تسهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.

وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن، من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية، وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة، وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها ما تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات، ولا تملك القدرة للوصول إلى مُنفّذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة، ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها، ورفدهم بالتجهيزات اللوجستية والتقنية كافة، التي تساعد في الحد من تلك العمليات، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة، وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، ولإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني.

مقابل كل ذلك، لا بد من الدفع لإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته المدنيّة في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يسهّل مهمتها، ويعزز من حالة الأمن، ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يسهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية. إضافة لذلك، من المهم أن تعمل القوى الأمنية والعسكرية المسؤولة عن تلك المناطق، على التعاطي مع الاغتيالات والتفجيرات بشفافية أعلى، عبر إعلان بيانات وأرقام رسميّة عن طبيعة تلك العمليات والمسؤولين عنها ونسب العمليات التي نُفِذّت مقارنة بالمحاولات التي تم إحباطها قبل وقوعها، وذلك بشكل دوري يوضَح وتيرة الاغتيالات والجهد المقابل في مكافحتها والحد منها، ويضع الرأي العام المحلي-الدولي بصورة الواقع الأمني في المنطقة.   

ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً ضمن مناطق سيطرة الفصائل العسكرية المعارضة، أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته، التي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ إن حالة الفوضى الأمنية التي تجلت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد، وكذلك مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، على الرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقدة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة.

 


 

([1]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: 1) نقاط الرصد الخاصة بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية في الشمال السوري. 2) التقرير الأمني الخاص الصادر عن مكاتب منظمة "إحسان الإغاثية" في الشمالي السوري. 3) المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (مدنية، عسكرية). 4) المُعرّفات الرسمية للجهات المُنفذة، أو التي تعلن تبنيها للعمليات كـ "غرفة عمليات غضب الزيتون". 5) المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة، التي تقوم بتغطية الأحداث في مناطق الرصد.

([2]) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني حتى حزيران 2020"، راجع الرابط التالي: https://cutt.us/a7iAH

([3]) "غرفة عمليات غضب الزيتون": وهي بحسب توصيفها   لنفسها على معرفاتها الرسميّة؛ "مجموعة من شباب وشابات عفرين، مختصة بالعمليات ضد مرتزقة الاحتلال التركي"، وتقوم باغتيال المقاتلين المحليين المدعومين من تركيا، بالإضافة إلى لمقاتلين الأتراك المتواجدين في المنطقة، للاطلاع والتعرف أكثر على هذه المجموعة راجع الرابط التالي: http://www.xzeytune.com

التصنيف تقارير خاصة

الملخص التنفيذي

  • في ظل المعادلة المعقدة التي تحكم الملف السوري في الوقت الحاضر، تبرز أسئلة الاستقرار الأمني في سورية كأحد المرتكزات الهامة والممَّكِنة لكل من التعافي المبكر والعودة الآمنة للاجئين والنازحين. وعليه يحاول هذا التقرير الإحاطة بالأرقام التقديرية الدالة على الاستقرار الأمني عبر تسليطه الضوء على أربعة مؤشرات بالغة الأهمية على مستوى الأمن الفردي والمجتمعي، باعتبار الفرد والمجتمع دعامة أي سياسة ترتجي النهوض والتعافي، والمؤشرات الأمنية الأربعة المدروسة في هذا التقرير هي: الاغتيالات والتفجيرات والاعتقالات والاختطاف، متبعاً "منهجية النماذج النوعية".
  • بتتبع مؤشري الاغتيال والتفجيرات في محافظات (الحسكة، دير الزور، درعا) خلال الفترة المدروسة تم حصر 380 عملية، مقسمة ما بين 308 عملية تفجير و72 عملية اغتيال. وتعددت الأدوات المستخدمة في تنفيذ هذه العمليات، ما بين إطلاق النار في 213 عملية، والعبوة الناسفة في 94 عملية، والآلية المفخخة في 39 عملية، واللغم في 25 عملية، والقنبلة اليدوية في 9 عمليات إضافة إلى أنواع أخرى من الأدوات. وبلغ العدد الإجمالي للضحايا 1008، موزعاً ما بين 490 عسكرياً و518 مدنياً. وكشفت النماذج المختارة في هذا التقرير والتي ضمت كلاً من (درعا – دير الزور – الحسكة) فشلاً واضح المعالم للنظام من جهة، وللإدارة الذاتية من جهة أقل. فقد جاءت أرقام التفجيرات والاغتيالات عالية بسبب الفوضى الأمنية التي تعيشها هذه المحافظات، جراء تعدد الفواعل وتوزعها ما بين محلي وأجنبي وميليشاوي، وتضارب الأجندة الخاصة بها وتباينها. الأمر الذي انعكس سلباً على مؤشر العودة الآمنة.
  • يبين كل من مؤشري الاغتيال والتفجيرات في مناطق سيطرة المعارضة السورية خلال الفترة المدروسة، أن وصول العدد الإجمالي لها إلى 266 حادثة، مُخلفة 1209 ضحية (890 مدنياً مقابل 319 عسكرياً)، إلى جانب تنفيذ 93 حادثة عن طريق العبوات الناسفة. بينما تم استخدام المفخخة في 69 حادثة. ويشير تحليل البيانات الخاص بمنطقتي "درع الفرات" وعفرين، إلى نشاط غرفة عمليات "غضب الزيتون"التي تصدرت تبني تنفيذ عمليات الاغتيال في هاتين المنطقتين. إلى جانب ذلك، فقد سُجلت نسبة مرتفعة من حوادث الاعتقال والاختطاف في هذه المناطق. وبشكل عام، تؤشر النسب السابقة إلى إخفاق الجهات الأمنية في تحصين بيئاتها المحلية من عمليات الاختراق، وعدم نجاحها في التعامل مع طرق ووسائل الاستهداف المتجددة التي تلجأ لها الجهات المنفذة للاغتيالات. وفي ظل هذه الهشاشة الأمنية التي تشهدها هذه المناطق، واستمرار عمليات غرفة غضب الزيتون، فإن الحديث عن العودة الآمنة للاجئين إلى هذه المناطق هو مثار شك لمن ينوي العودة إليها.
  • بتتبع مؤشريّ الاعتقالات والاختطاف في مدن جاسم ودوما والبوكمال والرقة خلال فترة إعداد هذا التقرير، تبين الإحصاءات حصول 73 عملية في هذه المدن وفق الآتي: جاسم: 15، دوما: 20 البوكمال: 20، الرقة: 18. إلى جانب 23 عملية نفذتها فواعل أجنبية استهدافوا 182 شخصاً، و19 عملية نفذتها فواعل محلية راح ضحيتها 117 شخصاً. فيما بقيت 31 عملية مجهولة المصدر، أدت إلى استهداف 89 شخصاً. كما بلغ عدد ضحايا العمليات 388 ضحية، متوزعة ما بين188 مدنياً، و 109من المصالحات، و 56عسكرياً، و12 من قوات الحماية الشعبية، و20 من الدفاع المحلي، و2 من الإدارة الذاتية، وعنصراً واحداً من مرتبات فرع الأمن العسكري. وتبين النتائج أعلاه وجود نسبة مرتفعة من التدهور في مؤشر الاستقرار الأمني، لا سيما في ظل تعدد الجهات المنفذة، والتي تنوعت ما بين جهات رسمية ودولية وميليشيات محلية، ناهيك عن العمليات التي بقيت مجهولة المصدر، الأمر الذي يؤكد عدم استقرار مؤشر العودة في ظل تدهور عوامل الحماية، وتعدد المرجعيات، وعدم كفاءة الفواعل الأمنية.
  • فيما يتعلق بمؤشري الاعتقال والاختطاف في كل من مدينتي عفرين وجرابلس. فقد بلغ عددها 169 حادثة. موزعة ما بين 37 حادثة في جرابلس، و132حادثة في مدينة عفرين، مخلفة 355 ضحية. وقد تبنت غرفة عمليات غضب الزيتون تنفيذ 17 عملية من مجموع هذه العمليات. فقد استهدفت جميع هذه العمليات عناصر تابعة للجيش الوطني عبر استدراجهم للتحقيق معهم ومن ثم القيام بتصفيتهم. وبحسب البيانات المرصودة، فإن النسبة الأكبر من العمليات وقعت في شهر كانون الثاني/ يناير من عام 2020. وقد تم التعرف إلى الجهات الفاعلة المنفذة لعمليات الاعتقال لـ 141 عملية، بينما بقيت 28 عملية مجهولة الفاعل. ويؤشر التباين في الأرقام المسجلة والذي يميل بشكل كبير إلى مدينة عفرين، إلى إخفاق الفواعل الأمنية في التصدي لمنفذي هذه العمليات، وضعف الإجراءات المتعلقة بالحوكمة الأمنية، مما يعزز بالتالي من تفاقم الاضطربات والمخاوف الأمنية، في ظل تعدد المرجعيات الأمنية، وتعدد موجبات الاعتقال.
  • يوصي التقرير بجملة سياسات، أهمها: تحفيز صناع القرار في الدول التي تستضيف لاجئين سوريين من أجل عدم التساهل في سياسات العودة. إذ تؤكد المعطيات وكما بين التقرير على تدهور مؤشر العودة الآمنة، وبالتالي ضرورة قيام حكومات هذه الدول بوضع حزم من الشروط القانونية والإدارية والسياسية التي تكفل توفير البيئة الآمنة، وفرضها على النظام.

مقدمة

تتسم العلاقة بين الاستقرار الأمني والتعافي المبكر بأنها علاقة عضوية في دول ما بعد النزاع، وعلاقة تبادلية في حالات الانتقال والتحول السياسي، إلا أن الثابت في معادلة تحقيق الأمن والاستقرار يتمثل بضرورة وجود مناخ سياسي جديد يجفف منابع ومسببات الصراع، والحالة السورية ليست استثناءً في هذا الأمر، فمن جهة أولى بات سؤال الاستقرار الأمني هاجساً وطنياً لكن بالوقت ذاته تعددت الأسباب الدافعة لحالات الفوضى والتشظي في المرجعيات، سواء المحلية أم الإقليمية والدولية، ومن جهة ثانية فإن الاستعصاء الذي يعتري حركة العملية السياسية وما رافقه من تحوير لجوهرها (من انتقال سياسي إلى لجنة دستورية غير واضحة المسار والمخرجات) فإنه يغيب في المدى المنظور أي انفراج متوقع من شأنه نقل البلاد إلى مناخات سياسية جديدة. وبالتالي بقاء مؤشرات الاستقرار بقيمها السالبة.

ومع اتجاه الملف السوري نحو سيناريو "التجميد القلق" معززاً احتمالية تصلب  الحدود الأمنية الفاصلة بين مناطق النفوذ الثلاثة في سورية: (منطقة النفوذ التركي وحلفيته المعارضة السورية في شمال غرب الفرات، ومنطقة النفوذ الأمريكي وحليفته الإدارة الذاتية شمال شرق الفرات، ومنطقة النفوذ الروسي والإيراني وحليفهما النظام)، فإن معدلات الاستقرار الأمني سترتبط بالتعافي المبكر والاستقرار الاجتماعي، سواء ما تعلق منها بالمقيمين في مناطقهم داخل سورية، أم أولئك النازحين من مناطق أخرى، واللاجئين في الخارج الذين يرتجون عودة كريمة وآمنة لمناطقهم، وهو محور اهتمام هذا التقرير، الذي يحاول رصد وتحليل أربعة مؤشرات بالغة الأهمية على مستوى الأمن الفردي والمجتمعي، وهي: الاغتيالات والتفجيرات والاعتقالات والاختطاف . وذلك من خلال عينة مختارة من المدن التي تمثل مختلف الجغرافية السورية.

من أجل الوصول إلى تقديرات صحيحة تم اختيار نماذج بإمكانها تقديم صورة قابلة للتعميم على باقي المناطق بارتياب مقبول. وعليه آثر التقرير، في قسميه الأول والثاني، تتبع مؤشري التفجيرات والاغتيالات خلال سنة كاملة، تبدأ من بداية شهر تموز/ يوليو 2019 وحتى نهاية شهر حزيران/ يونيو 2020، في مناطق النفوذ الثلاثة. ففي مناطق سيطرة النظام السوري تم اختيار المناطق التي يسيطر عليها النظام في محافظة دير الزور ومحافظة درعا باعتبارهما مناطق استعاد النظام السيطرة عليها، ويعد السؤال الأمني فيها الأكثر إلحاحاً.

 وبالنسبة لمناطق سيطرة الإدارة الذاتية، تم اختيار المناطق التي تسيطر عليها في دير الزور إلى جانب محافظة الحسكة التي تعدُّ مركزاً حيوياً هاماً لها. أما بالنسبة لمناطق سيطرة المعارضة السورية فتم تتبع كافة هذه المناطق في كل من محافظات إدلب وحلب والرقة والحسكة.

ولقياس هذين المؤشريّن تم تصميم نموذج خاص لرصد تلك العمليات، وتحليل البيانات الخاصة بها، كمؤشرات للعودة الآمنة، فقد شمل النموذج الخاص بالاغتيالات والتفجيرات كلاً من: (التاريخ - المكان - نوع الحادثة - المستهدف - أداة الاستهداف - صفة المستهدف - الجهة الفاعلة للعملية). وتم الإشارة إلى نتائج تلك العمليات وما أسفرت عنه. كما سعى التقرير كذلك إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمني وقياس أولي لمؤشرات الاستقرار والعودة الآمنة.

في حين اعتمد التقرير على المصادر التالية:

  1. المُعرّفات على مواقع التواصل الاجتماعي للناشطين في مناطق الرصد أو المتابعين للعمليات الأمنية.
  2. المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة التي تقوم بتغطية الأحداث في تلك المحافظات.

وشمل المؤشران الثالث والرابع كلاً من الاعتقالات والاختطاف وهما مؤشران بالغا الأهمية، نظراً لما يشكلانه من محددات مهمة للعودة الآمنة للاجئ والنازح على حد سواء. وهنا تم اختيار ثلاثة نماذج من مناطق سيطرة النظام، وهي مدن تم السيطرة عليها منذ عام 2018، وهي مدينة جاسم في درعا، ودوما في ريف دمشق، والبوكمال في ريف دير الزور. أما بالنسبة لمناطق المعارضة فقد تم اختيار مدينة جرابلس باعتبارها مدينة تم السيطرة عليها منذ حوالي العامين ضمن إطار ما عرف باسم عملية "درع الفرات". وبالتالي تعد اختباراً موضوعياً لمؤشرات الاستقرار الأمني فيها، كما تم اختيار مدينة عفرين لحساسيتها من جهة لحداثة السيطرة (منذ مطلع 2018). إلى جانب كونها توفر معطيات أولية تتيح للتقرير مقارنتها مع النموذج الأول ومدى مطابقته أو الاختلاف عنه.

 من أجل ذلك تم تصميم نموذجٍ خاصٍ لرصد تلك العمليات، وتحليل البيانات الخاصة بها كمؤشرات للاستقرار والعودة الآمنة خلال نصف سنة تبدأ من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 حتى نهاية آذار/ مارس 2020. فقد تم تصميم النموذج في ملف الاعتقال والاختطاف وفق الشكل التالي: (التاريخ - المكان - نوع العملية - صفة المستهدف - عدد المستهدفين - الجهات المسيطرة - أماكن الرصد - الجهة المستهدِفة - جنس المستهدف). فيما يتعلق بمصادر التقرير فقد تم الاعتماد على المقابلات الخاصة مع أشخاص مطلعين على تفاصيل الأحداث في المناطق المرصودة.  بالإضافة إلى الاعتماد على:

  1. نقاط الرصد الخاصة لوحدة المعلومات في مركز عمران في الشمال السوري.
  2. التقرير الأمني الخاص الصادر عن مكاتب منظمة إحسان للإغاثة والتنمية داخل سورية.
  3. المُعرّفات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي للجهات التي تم استهدافها.

لقراءة المادة انقر هنا

التصنيف الكتب

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، خلال الفترة الممتدة من كانون الثاني/ يناير وحتى حزيران/يونيو 2020، والتي بلغ عددها 96 عملية، مُخلّفة 271 ضحية.
  • توضّح عملية الرصد في مختلف المناطق، استخدام أدوات متعددة في تنفيذ الاغتيالات، حيث نُفذّت 39 عملية عن طريق العبوات الناسفة، بينما استخدم الطلق الناري في 45 عملية، مقابل تنفيذ 4 عمليات عبر الطائرات المُسيّرة، و6 عمليات عن طريق اللغم الأرضي، فيما نُفِّذت عمليتان عن طريق القنبلة اليدوية.
  • شهدت مناطق ريف حلب الشمالي الغربي، ارتفاعاً في معدل الاغتيالات، وتشير طبيعة تلك العمليات والأدوات المستخدمة في تنفيذها؛ إلى أن أغلب الاغتيالات المُنفّذة لم تكن عشوائية بقدر ما بدت مدروسة ومخططة مسبقاً.
  • يُلحظ نشاط متزايد لغرفة عمليات "غضب الزيتون" في عفرين ومحيطها وتبنٍّ واضح وعلني للعمليات، حيث تبنّت الغرفة تنفيذ 19 عملية اغتيال من أصل 22، تعددت أدوات التنفيذ خلالها وتوسعت دائرة أهدافها.
  • بالرغم من تسجيل مدينتي تل أبيض ورأس العين أقل نسبة اغتيالات خلال الرصد، قياساً بباقي المناطق؛ إلا أنها سجّلت أعلى نسبة للضحايا المدنيين، نتيجة طبيعة العمليات وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها.
  • سجّلت مناطق المعارضة في إدلب وما حولها، ارتفاعاً في معدل الاغتيالات، مقابل تعدد في الجهات المُستَهدَفة والمُنفِّذة وسط بيئة أمنية معقدة، قد تكون مُرشّحة في المراحل القادمة لتدهور أكبر في الوضع الأمني العام.
  • بالرغم من تكثيف التحالف الدولي عملياته في استهداف قياديين ضمن المجموعات "الجهادية"؛ يبقى لافتاً أن هيئة "تحرير الشام" وعناصرها لم يتعرضوا لأي محاولة اغتيال خلال الرصد، ما أثار تساؤلات عدة عن تراجع استهدافهم قياساً بجماعات "جهادية" أخرى.
  • يلحظ من زيادة وتيرة العمليات ضد القوات التركية في الشمال، مقابل ظهور مجموعات جديدة تتبنى تلك العمليات؛ بأن استهداف التواجد التركي في سورية عبر العمل الأمني بات يتصاعد بشكل ممنهج ومدروس.
  • ساهم تراجع العمليات العسكرية التقليدية والثبات النسبي للجبهات، بإفساح المجال أمام زيادة النشاط الأمني لقوى متعددة تتقاطع مصالحها وأهدافها في تنفيذ اغتيالات ضد جهات محددة.
  • إن ارتفاع معدل الاغتيالات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـلقوى المسيطرة على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين أنفسها وعناصرها.
  • تفيد القراءة العامة للبيانات، بالمزيد من ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، مقابل عجز القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات التي تساهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.

مدخل

يعد الملف الأمنيَ أحد أبرز الإشكاليات المُركّبة التي تعاني منها مناطق سيطرة المعارضة العسكرية في الشمال السوري، وأهم العقبات والتحديات التي تحاول القوى المسيطرة على تلك المناطق إيجاد حلول لها، ضمن بيئة مضطربة أمنياً، لناحية تعدد الجهات المسيطرة ذات المصالح المتضاربة، إضافة إلى التدخلات الإقليمية المباشرة وما استتبعته من ردود فعل مضادة لجهات مختلفة، ناهيك عن القصف المستمر لقوات النظام وحلفائه لبعض تلك المناطق.

وتعتبر عمليات الاغتيال بما تمثله من اختراق أمنيّ، مؤشراً هاماً لطبيعة ودرجة الاستقرار الأمني ومستوى إدارة هذا الملف والقدرة على ضبطه من قبل القوى المسيطرة، خاصة مع ازدياد وتيرة تلك العمليات وتفاوت أهدافها وتعدد منفذيها واختلاف أساليبها، فعادةً ما تتصف عمليات الاغتيال بالسريّة لناحية الجهة المنُفّذة؛ إلا أن غالبية العمليات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة تتبناها جهات محددة بشكل علنيّ، في اختراق أمنيّ واضح وصريح لتلك المناطق، خاصة ريف حلب الشمالي الغربي، والذي شكّل نطاق العمليات العسكرية؛ "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، ليمتد هذا الخرق لاحقاً إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام".  وعلى الرغم مما تشهده بقايا جغرافية سيطرة الفصائل المعارضة في الشمال الغربي (إدلب) من انحسار نتيجة المعارك المستمرة مع النظام، والذي من المفترض أن يُسهّل عملية الضبط والسيطرة الأمنيّة؛ إلا أنها أيضاً تكاد لا تختلف أمنياً عن سابقاتها من المناطق لجهة معدلات الاغتيال ومؤشرات الانفلات الأمنيّ.

وفي متابعة لملف الاغتيالات ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في الشمال السوري؛ صَمَمَتْ وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، نموذجاً خاصاً لرصد تلك العمليات وتحليل البيانات الخاصة بها كمؤشرات للاستقرار الأمني ([1])، وإخراجها ضمن تقرير دوريّ يرصد وتيرة عمليات الاغتيال، موضّحاً نتائج تلك العمليات وما أسفرت عنه، مقابل الجهات المُنفّذة-إن عُلِمت-وكذلك الجهات المُستهدَفة، كما يسعى التقرير إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمنيّ وقياس أوليّ لمؤشرات الاستقرار.

وعليه، يرصد هذا التقرير عمليات الاغتيال ضمن عدة مناطق في الشمال السوري؛ منها ريف حلب الشمالي الغربي والذي يضم منطقتي"درع الفرات" وعفرين "غصن الزيتون". إضافة إلى ما تبقى من محافظة إدلب في شمال غرب سورية، مقابل مدينتي تل أبيض ورأس العين "نبع السلام" في الشمال الشرقي، وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين (كانون الثاني/ يناير وحتى حزيران/يونيو 2020)، حيث بلغ عددها 96 محاولة اغتيال، خلّفت 271 ضحية. وتوضّح البيانات ارتفاع هذه النسبة مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدرته وحدة المعلومات في مركز عمران (الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من آب/أغسطس وحتى كانون الأول/يناير 2019) ([2]).

وتوزعت معدلات عمليات الاغتيال الـ 96 المرصودة ضمن التقرير الحالي، بحسب الأشهر، على الشكل التالي: 18 محاولة اغتيال خلال شهر كانون الثاني/ يناير، في حين بلغت خلال شهر شباط/ فبراير 4 محاولات، بينما شهد آذار/ مارس 17 محاولة، وفي نيسان/ أبريل 9 محاولات، لترتفع في شهر أيار/ مايو إلى 24 محاولة ومثلها في حزيران/ يونيو. بينما يفرد ما تبقى من هذا التقرير تلك المحاولات بحسب؛ مناطق السيطرة، والجهات المستهدفة، والمُنفّذة، وطبيعة أداة التنفيذ، ومدى نجاح تلك المحاولات.

أولاً: "درع الفرات" (تراجع أمني واغتيالات مدروسة)

تُظهر عملية الرصد الخاص بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، بلوغ معدل عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 33 عملية (الشكل 1)، نُفّذت 21 منها عبر الطلق الناري، وأسفرت عن 18 ضحية، حيث حققت 17 عملية من 21 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، فيما فشلت 4 عمليات في تحقيق هدفها. وقد تبنّت ما تسمى غرفة عمليات "غضب الزيتون" عملية اغتيال واحدة من العمليات الـ 21، فيما تبنّت خلايا تنظيم "داعش" عمليتين من مجموع المحاولات، بينما بقيت 18 منها مجهولة المُنفّذ. وقد كانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 14عملية، مقابل 7 عمليات استهدفت كوادر إدارية من عناصر الشرطة والمجالس المحليّة.

بالمقابل، نُفّذت 12 من 33 عملية عبر العبوات الناسفة، مخلفةً بمجموعها 7 قتلى و64 جريح، منهم 35 مدني مقابل 29 من عناصر "الجيش الوطني" والجيش التركي (انظر الشكل 2)، حيث تم تفجير أغلب تلك العبوات في استهداف شخصيات أو مجموعات عسكرية وسط تجمعات المدنيين، وقد تبنّت خلايا "داعش" عملية وحيدة، بينما بقيت 11 منها مجهولة المُنفّذ.

ويتضح من خلال أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمناطق ريف حلب الشمالي الغربي "درع الفرات"، ارتفاع معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من آب/أغسطس وحتى كانون الأول/يناير 2019، حيث سجّل التقرير السابق 24 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 33 عملية، بشكل يشير إلى اتساع الخرق الأمني، مقابل تراجع قدرة القوى المسيطرة على ضبط الاستقرار وتضييق حجم هذا الخرق.

بالمقابل، تشير طبيعة تلك العمليات والأدوات المستخدمة في تنفيذها؛ إلى أن أغلب الاغتيالات المنفذة في تلك المنطقة لم تكن عشوائية أو اعتباطية بقدر ما تبدو عمليات مدروسة ومخططة مسبقاً، خاصة وأن 21 عملية اغتيال من مجموع 33، نُفذت عبر الطلق الناري واستهدفت أشخاص بعينهم بطريقة انتقائية وغير عشوائية، ولم تقتصر تلك العمليات على عناصر "الجيش الوطني" فقط، وإنما طالت كوادر إدارية من عناصر الشرطة، إضافة لأعضاء مجالس محليّة.

أما بالنسبة للجهات المُنفّذة، فيلحظ من البيانات أن النسبة الأكبر من العمليات بقيت مجهولة المُنفّذ، حيث تبنّت خلايا تنظيم الدولة "داعش" 3 عمليات من أصل 33، في حين تبنّت غرفة عمليات "غضب الزيتون" واحدة، لتبقى 29 عملية مجهولة المُنفّذ، الأمر الذي يشير من جهة إلى تردي الواقع الأمني وضعف قدرة الجهات المسيطرة على تتبع تلك العمليات والكشف عن منفذيها، ومن جهة أخرى إلى تعدد الجهات المُنفّذة في تلك المنطقة وعدم اقتصارها على جهة واحدة، خاصة مع تحول "داعش" في بعض الأحيان إلى غطاء يُستخدم لتبني بعض العمليات وحرف الأنظار عن منفذها الرئيسي،

وهذا قد يبدو طبيعياً في ظل سعي العديد من الأطراف والجهات إلى زعزعة الأمن والاستقرار  وتقاطع مصالحها في ذلك، كحزب الاتحاد الديمقراطي"PYD" الذي لاتزال خلاياه نشطة في المنطقة وتعتبرها امتداداً للنفوذ التركي ومن فيها "أهداف مشروعة"، مقابل النظام الذي يسعى إلى زعزعة أمن المنطقة وإفشال أي نموذج أمني/حوكمي فيها، كما يتقاطع مع "PYD" في مضايقة الوجود التركي ضمن تلك المناطق، ولعل جزء من عمليات الاغتيال وطبيعة أداة التنفيذ والجهات المستهدفة تشير إلى ذلك، فقد نُفِّذت 12 عملية من العمليات الـ 33 عبر العبوات الناسفة التي استهدفت تجمعات أو عناصر عسكرية من الجيشين "الوطني" والتركي وسط تجمعات مدنية، الأمر الذي أدى إلى عدد كبير من الضحايا المدنيين.

ثانياً: عفرين (ارتفاع الوتيرة وتبنٍّ علني)

من خلال رصد وتحليل البيانات لعمليات الاغتيال الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها من المناطق، يتضح أنها شهدت بالعموم: 22 عملية اغتيال خلال 6 أشهر من الرصد، نُفّذت 11 عملية منها عبر الطلق الناري وحققت 8 من 11 غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 3 محاولات في تصفية أهدافها. بالمقابل نُفّذت عمليتين عن طريق اللغم الأرضي وحققت غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 3). ومن مجموع تلك العمليات الـ 13 تبنّت غرفة عمليات "غضب الزيتون" 12 منها، بينما بقيت محاولة وحيدة مجهولة المُنفّذ. وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 12 عملية، مقابل محاولة استهدفت جهات مدنيّة.

بالمقابل، وبحسب البيانات المرصودة، نُفِّذت 9 عمليات من 22 عبر العبوات الناسفة (الشكل 3)، والتي استهدفت عناصر ومجموعات لـ "الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، ما أدى إلى وقوع؛ 14 قتيل و28 جريح (الشكل 4)، منهم 18 من الضحايا المدنيين و10من عناصر "الجيش الوطني"، وقد تبنّت غرفة عمليات "غضب الزيتون" عبر معرفاتها الرسميّة 7 من مجموع تلك العمليات، فيما بقيت محاولتان مجهولتا المُنفّذ.

وتبيّن أرقام وبيانات الرصد الخاصة بمدينة عفرين ومحيطها، ارتفاع معدل عمليات الاغتيال مقارنة بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من آب/أغسطس حتى كانون الأول/يناير 2019، حيث سجّل التقرير السابق 17 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 22 عملية، بشكل يشير إلى اتساع الخرق الأمني وعدم إحراز أي تقدم على مستوى الضبط من قبل الجهات المسيطرة.

بالمقابل، يُلحظ من خلال البيانات نشاط متزايد لغرفة عمليات "غضب الزيتون" في عفرين ومحيطها وتبنٍّ واضح وعلني للعمليات، حيث تبنّت الغرفة تنفيذ 19 عملية اغتيال من أصل 22، تعددت أدوات التنفيذ خلالها، إذ يبدو أنها تركّز عملياتها ونشاطها الأمني في عفرين التي شهدت أكبر عمليات اغتيال تبنتها الغرفة قياساً بباقي المناطق.

أما بالنسبة للجهات المُستَهدَفة، فيتضح من خلال البيانات أن عمليات الاغتيال استهدفت بالدرجة الأولى عناصر "الجيش الوطني" والذين تحولوا إلى أهداف متحركة داخل مدينة عفرين، سواء على المستوى الفردي وتصفية أفراد بعينهم، أو على مستوى جماعي عبر استهداف مجموعات عسكرية لهم وسط تجمعات المدنيين، بينما يلحظ من بيانات الرصد أن استهداف الجنود الأتراك في عفرين من قبل "الغرفة" تراجع قياساً بالتقرير السابق الذي سجّل مقتل عدد منهم بعد استهداف عرباتهم، في حين لم يسجّل التقرير الحالي أي استهداف، وقد يعزى هذا التراجع إلى إعادة تموضع أمني للقوات التركية داخل عفرين بالذات واتخاذ تدابير أمنية أكثر شدة، تلك التي تبدو مختلفة عن منطقة "درع الفرات" التي شهدت، كما وضح آنفاً، استهدافاً أكبر للقوات التركية. 

بالمقابل، فإن زيادة حركة الاغتيالات في عفرين والتبني الواضح لها، يتناسب طرداً مع تراجع القدرة الأمنية للجهات المُسيطرة، فعلى الرغم من تسجيل مناطق "درع الفرات" نسبة أكبر  في عمليات الاغتيال (33) من عفرين ومحيطها (22) ؛ إلا أن ذلك لا يعني اختلافاً في مستوى الضبط الأمني، خاصة وأن العمليات التي نُفّذت في عفرين كانت نوعيّة، ناهيك عن وضوح الجهة التي تقف خلفها "غرفة عمليات غضب الزيتون" وتوسيعها لنشاطها، بشكل يشير إلى ارتفاع مستوى تلك العمليات وتوسيع دائرة أهدافها، وزيادة النشاط الأمني لبقايا خلايا حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD"، والتي تعتبر المنطقة "امتداداً للنفوذ التركي" وترى المقاتلين المحليين وبعض العوائل المهجّرة بذات الإطار، وبالتالي تكثف من عملياتها وتشرعنها تحت هذا الغطاء دون التمييز بين مدني وعسكري.

ثالثاً: "نبع السلام" (ضحايا وعمليات عشوائية)

يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 16 عملية اغتيال، نُفّذت عمليتان منها عبر الطلق الناري محققتين غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة، بينما نُفّذت عملية وحيدة عن طريق اللغم الأرضي لكنها فشلت بتحقيق غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 5)، في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 13 عملية استهدفت عناصر ومجموعات لـ"الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، ما أدى إلى وقوع؛ 35 قتيل و38 جريح (الشكل 6)، منهم 24 مدني و14من عناصر "الجيش الوطني". وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 14 محاولة، مقابل محاولتين استهدفتا عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة


ويتضح من خلال البيانات الخاصة بمدينتي رأس العين وتل أبيض "نبع السلام"، زيادة وتيرة عمليات الاغتيال في تلك المناطق التي لاتزال هشة أمنياً، ولا تختلف طبيعة العمليات والأهداف عن سابقاتها من المناطق لناحية الأدوات أو الأسلوب والجهات المُستَهدَفة ("الجيش الوطني"، القوات التركية)،يشير الرصد الخاص بمنطقتي رأس العين وتل أبيض واللتين شكلتا نطاق العملية العسكرية "نبع السلام"، إلى بلوغ عمليات الاغتيال خلال 6 أشهر من الرصد: 16 عملية اغتيال، نُفّذت عمليتان منها عبر الطلق الناري محققتين غايتهما في تصفية الجهة المستهدفة، بينما نُفّذت عملية وحيدة عن طريق اللغم الأرضي لكنها فشلت بتحقيق غايتها في تصفية الجهة المستهدفة (الشكل 5)، في حين كانت العبوة الناسفة أداة لتنفيذ 13 عملية استهدفت عناصر ومجموعات لـ"الجيش الوطني" وسط تجمعات للمدنيين، ما أدى إلى وقوع؛ 35 قتيل و38 جريح (الشكل 6)، منهم 24 مدني و14من عناصر "الجيش الوطني". وكانت فصائل "الجيش الوطني" هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 14 محاولة، مقابل محاولتين استهدفتا عناصر الجيش التركي المتواجد في المنطقة.

وبالرغم من أن المنطقة شهدت أقل نسبة عمليات اغتيال خلال فترة الرصد (16) قياساً بمناطق عفرين (22) و"درع الفرات" (33)؛ إلا أنها سجّلت أعلى نسبة للضحايا المدنيين، وذلك نتيجة طبيعة العمليات الإرهابية وأدوات التنفيذ المستخدمة فيها، إذ تم استخدام العبوة الناسفة في 13 عملية من أصل 16 استهدفت في أغلبها عناصر "الجيش الوطني" والقوات التركية وسط تجمعات المدنيين، وعمد بعضها الآخر إلى استهداف تجمعات مدنية بشكل عشوائي، ما قد يشير إلى أن الجهات القائمة على تنفيذ تلك العمليات تسعى بالدرجة الأولى إلى زعزعة الأمن والاستقرار، وإرهاب المنطقة حديثة السيطرة، عبر تفجيرات وعمليات عشوائية أكثر من كونها منتظمة وتستهدف أشخاص بعينهم. الهدف الذي تتقاطع حوله عدة جهات تسعى إلى استهداف قوات المعارضة ومضايقة الوجود التركي والمساهمة في خلق فوضى أمنية تعوق أي عملية استقرار.

بالمقابل، تساهم خلافات فصائل "الجيش الوطني" في تلك المنطقة، خاصة رأس العين، بتعقيد وصعوبة ضبط البيئة الأمنية، إذ شهدت المنطقة خلال وبعد فترة الرصد عدة اشتباكات متقطعة بين الفصائل المسيطرة عليها ([3])، الأمر الذي يسهم بالضرورة في زيادة الخلافات بين تلك الفصائل وبالتالي ضعف التنسيق الأمني فيما بينها، ما يؤدي إلى تسهيل وزيادة هامش الخرق الأمني. وتجدر الإشارة إلى أن مدينة تل أبيض، وبحسب بيانات الرصد، سجّلت تحسناً أمنياً نسبياً قياساً برأس العين وغيرها من المناطق.  

ومن خلال تلك الأرقام، يتضح أن المناطق التي تقع تحت سيطرة "الجيش الوطني" ("غصن الزيتون"، "درع الفرات"، "نبع السلام") هي الأكثر تردياً أمنياً، لناحية ارتفاع وتيرة الاغتيالات واتساع الخرق الأمني وتعدد الجهات المُنفِّذة واختلاف مصالحها وارتباطاتها، مقابل تراجع قدرة القوى المُسيطرة على ضبط الاستقرار وتضييق حجم هذا الخرق.    ولعل ارتفاع معدل العمليات إلى هذا الحد لا يُعدُّ مؤشراً على عجز التشكيلات الأمنية لـ "الجيش الوطني" على ضبط الأمن والاستقرار بالنسبة للمدنيين فحسب، وإنما ضعف قدرتها أيضاً على تأمين أنفسها وعناصرها، وهذا ما تدلل عليه طبيعة تلك العمليات، والتي تجاوزت حدود منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" لتمتد إلى مناطق "الجيش الوطني" شرق الفرات بعد السيطرة عليها مدعوماً بالجيش التركي ضمن عملية "نبع السلام"، حيث بدأت تشهد عمليات اغتيالات لا تختلف كثيراً عن سابقتها لناحية طبيعتها والجهات المُنفِّذة والمُستَهدَفة. ومهما اختلفت دوافع تنفيذها والجهات التي تقف وراءها؛ فإن الحد منها وتحمُّل مسؤولية نتائجها يقع في النهاية على عاتق القوى والتشكيلات العسكرية والأمنية المُسيطرة في تلك المناطق، سواء "الجيش الوطني" أو القوات التركية.

رابعاً: إدلب وما حولها (بيئة معقدة واستهداف نوعي)

من خلال البيانات المرصودة، يتضح أن عدد عمليات الاغتيال فيما تبقى من محافظة إدلب وما حولها بلغ 25 عملية خلال 6 أشهر من الرصد، أسفرت عن 51 ضحية، حيث حققت 16 عملية منها غايتها في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 9 محاولات في ذلك بعد نجاة الطرف المُستَهدَف.

ومن مُجمل عمليات الاغتيال الـ 25، استُهدِف عناصر وقيادات "مجموعات جهادية" بواقع 8 عمليات، بينما كانت فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" هدفاً في 11 منها، في حين تم استهداف جهات مدنية بواقع 3 عمليات، ومثلها استهدفت عناصر الجيش التركي المتواجد في المحافظة عبر الألغام الأرضية والعبوات الناسفة (الشكل 5). وبالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت عمليات الاغتيال المُنفّذة في محافظة إدلب على الطلق الناري في 11 محاولة، في حين نفذت 5 عمليات عن طريق العبوات الناسفة، مقابل 4 عمليات عبر الطائرة المُسيّرة، كما نُفِذت 3 عمليات عبر اللغم الأرضي، وعمليتان عبر القنبلة اليدوية، أما بالنسبة للجهة التي تقف وراء تلك العمليات، فقد نَفَذَ التحالف الدولي عمليتين في حين بقيت المحاولات الـ 23 الأخرى مجهولة حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

ويتضح من خلال بيانات الرصد الخاصة بمناطق سيطرة المعارضة العسكرية في إدلب وما حولها، ارتفاع معدل عمليات الاغتيال قياساً بالتقرير السابق الذي أصدره مركز عمران وغطى الفترة الممتدة من آب/أغسطس وحتى كانون الأول/يناير 2019، حيث سجّل التقرير السابق 14 عملية اغتيال في تلك الفترة، بينما رصد التقرير الحالي تنفيذ 25 عملية، نجحت 16 منها في تحقيق هدفها، بينما فشلت 9 في ذلك، بشكل يشير إلى ارتفاع نسبي في معدل الاغتيالات مقابل تقدم أمني طفيف في إحباطها.

كما تشير البيانات إلى تعدد الجهات محل الاستهداف، فقد كانت "الجبهة الوطنية للتحرير" الأكثر استهدافاً خلال فترة الرصد، في مؤشر لتصاعد العمليات ضدها وسط بيئة أمنية معقدة ومتعددة الجهات ذات المصالح المشتركة في هذا الاستهداف، فمن جهة خلايا النظام وحلفاؤه في المنطقة، ومن جهة أخرى المجموعات "الجهادية" المتفرقة التي تختلف علاقاتها مع "الجبهة الوطنية" بحسب مناطق النفوذ والسيطرة. بالمقابل، كانت بعض المجموعات "الجهادية" هدفاً في 8 عمليات، أي ما نسبته 32% من عمليات الاغتيال المُنفّذة في هذه المنطقة خلال فترة الرصد، وقد نُفِّذ بعضها عبر الطائرات المُسيّرة من قبل التحالف الدولي.

 وعلى الرغم من تكثيف التحالف الدولي عملياته في استهداف قياديين ضمن المجموعات "الجهادية"؛ يبقى لافتاً أن هيئة "تحرير الشام" وعناصرها لم يتعرضوا لأي محاولة اغتيال خلال فترة الرصد الحالية، ما أثار تساؤلات عدة عن تراجع استهدافهم قياساً بجماعات "جهادية" أخرى، خاصة تلك التي انضوت في غرفة عمليات جديدة تحت مسمى "فاثبتوا"، والتي دخلت فور إعلانها في خلافات مع هيئة "تحرير الشام"، تطورت لاحقاً إلى اعتقال الهيئة بعضاً من قيادات التشكيل الجديد، ومن ثم اشتباكات تم احتوائها بشكل مؤقت.

ويبدو أن توتر العلاقة بين الهيئة ومكونات هذا التشكيل قد تتجاوز الاعتقالات إلى الضلوع والتورط بعمليات اغتيالات ضمن صفوف تلك المجموعات، وفقاً لاتهامات بعض الأطراف "الجهادية"، والتي تستند إلى مؤشرات غير مباشرة، على رأسها أن أغلب عمليات الاغتيال التي ينفذها التحالف الدولي ضد قيادات تلك المجموعات تتم في مناطق سيطرة الهيئة الأمنية، كالاغتيال الأخير لقادة "حراس الدين" في مدينة إدلب، إضافة إلى استثناء قصف التحالف والولايات المتحدة لمقرات وقيادات الهيئة والتركيز على "الحراس" بالرغم من تصنيف الجهتين كمنضمات إرهابية، بل وتراجع حدة التصريحات الأمريكية التي تدين الهيئة خلال الأشهر الفائتة، خاصة بعد التصريح اللافت للمبعوث الخاص بواشنطن إلى سورية، جيمس جيفري، في تاريخ 5 شباط/فبراير 2020، والذي أوضح خلاله أن "الهيئة ركزت على محاربة نظام الأسد، كما أعلنت عن نفسها، -ولم نقبل بهذا الادعاء بعد -، بأنها تمثل مجموعة معارضة وطنية تضم مقاتلين وليس إرهابيين، كما أننا لم نشهد لهم مثلاً أي تهديدات على المستوى الدولي منذ زمن.([4])

إضافة إلى تلك المؤشرات، مثّل الظهور العلني والمتكرر للجولاني في الشمال مجالاً للتساؤل حول الحسابات الأمنية لهذا الظهور، تحديداً في الوقت الذي تتحرك فيه قيادات تلك المجموعات بشكل سري وحذر. كما اتهم بيان من قبل غرفة عمليات "فاثبتوا" الهيئة بتزامن اعتقال قياداتها مع تطبيق بنود التفاهمات الدولية، ملمّحة إلى تنسيق بين الهيئة وقوى إقليمية ودولية، خاصة وأن الجولاني قد ألمح لعرض حول هذا التنسيق خلال مقابلته مع "مجموعة الأزمات الدولية"، مؤكداً "حرصه على عدم تحول سورية إلى نقطة انطلاق لعمليات خارج الحدود، وإلى ضبط الفصائل "الجهادية" التي تحمل هذا التوجه"([5]).

بالمقابل، يلحظ من خلال بيانات الرصد تعرّض عناصر من القوات التركية في إدلب إلى استهداف بواقع 3 عمليات، وهذا مالم يسجله التقرير السابق في إدلب، والذي لم يرصد أي عملية استهداف للقوات التركية في ذلك الوقت، بينما تشير بيانات التقرير الحالي إلى تصاعد عمليات استهداف القوات التركية في إدلب بشكل ملحوظ، خاصة مع بدء تسيير الدوريات المشتركة الروسية-التركية على الطريق الدولي M4، حيث تشير طبيعة تلك العمليات والأدوات المستخدمة فيها إلى استهداف خاص لتلك القوات في نقاط تحركهم المحددة، إذ زُرعت بعض الألغام الأرضية على الطريق الدولي واستهدفت عربات الدوريات، بينما استُهدف رتل آخر بعبوة ناسفة أثناء توجهه إلى نقطة المراقبة في ريف إدلب. إضافة إلى عمليات أخرى استهدفت الدوريات المشتركة على الطريق الدولي M4، ولعل اللافت في تلك العمليات ظهور جماعات "جهادية" جديدة تبنّت تنفيذها (كتائب خطاب الشيشاني، سرية أنصار أبي بكر الصديق)، تلك التي لم تكن معروفة أو موجودة من قبل على الخارطة العسكرية للمنطقة ([6])، بما يوحي وكأنها ظهرت لتتبنى هذا النوع من العمليات، كما تزامنت تلك الاستهدافات في إدلب مع زيادة النشاط الأمني لمجموعة تطلق على نفسها اسم: "تحرير عفرين" ([7])، والتي تبنت بعض العمليات ضد القوات التركية في عفرين، وهي مجموعة لم يكن لها نشاط ملحوظ سابقاً قياساً بغرفة عمليات "غضب الزيتون".

 ويلحظ من زيادة وتيرة العمليات ضد القوات التركية في مناطق الشمال المختلفة، مقابل ظهور مجموعات جديدة تتبنى تلك العمليات؛ بأن استهداف الوجود التركي في سورية ضمن مناطق انتشاره بات يتصاعد بشكل ممنهج ومدروس، بهدف التضييق على هذا الوجود ومحاولة دفعه للانسحاب عبر تصعيد العمل الأمني، خاصة مع تراجع العمليات العسكرية التقليدية والثبات النسبي للجبهات، ما أفسح المجال أمام زيادة النشاط الأمني لقوى متعددة. قد تتقاطع مصالحها وأهدافها في تلك العمليات، خاصة وسط مناطق انتشار القوات التركية والتي تعد بيئة أمنية معقدة بلاعبين متعددين؛ منهم خلايا حزب الاتحاد الديمقراطي"PYD"، إضافة لخلايا تنظيم الدولة "داعش"، مقابل النظام وحلفائه، خاصة المليشيات الإيرانية التي استثنيت من التفاهمات الروسية-التركية التي حكمت أجزاء من الشمال، ناهيك عن بعض المجموعات "الجهادية" الرافضة لتلك التفاهمات.

إجمالاً، وبناءً على البيانات المرصودة، يمكن القول؛ إن ما تبقى من مناطق إدلب، وبغض النظر عن القوى المسيطرة، قد تكون مرشحة في المراحل القادمة لتدهور أكبر في الوضع الأمني العام، سواء في حال استمرار توقف المعارك التقليدية وفقاً للتفاهمات الروسية التركية، الأمر الذي سيفسح المجال لتصاعد وتيرة العمل الأمني أكثر، أو في حال تعرض المنطقة لعمليات عسكرية جديدة من النظام وحلفائه، والتي قد تتسبب بمزيد من التهجير للمدنيين، إضافة إلى الفصائل المحليّة، الأمر الذي قد يتسبب بشكل أو بآخر بفوضى أمنية نتيجة الاكتظاظ السكاني الذي قد تشهده بعض المناطق إثر موجات النزوح، إضافة إلى دخول الفصائل المهجّرة إلى مناطق نفوذ فصائل أخرى، ما يفرض على الجهات المسيطرة تحديات أمنيّة مركّبة تحتاج مواجهتها إلى جهود جماعية منظمة، لا تبدو متوافرة في الفترة الحالية.  

خلاصة

بقدر ما يحمله هذا التقرير من أرقام وبيانات تفصيلية عن عمليات الاغتيال، إلا أن قراءته العامة تفيد بالمزيد من ضعف الحالة الأمنية في جميع المناطق المرصودة ضمن الشمال السوري، وعجز القوى الفاعلة وتعثرها في الحد من هذه العمليات التي تساهم في تراجع مؤشرات الأمن والاستقرار على مختلف المستويات.

وعلى الرغم من محاولات بعض الفصائل والتشكيلات العسكرية المعارضة تطوير أدواتها في ضبط الأمن من خلال أجهزة الشرطة والشرطة العسكرية وازدياد أعداد المنتسبين لتلك الأجهزة وتخريج عدد من الدورات؛ إلا أنها لا تزال غير قادرة على الحد من تلك العمليات ولا تملك القدرة للوصول إلى منفذيها، الأمر الذي يستدعي إعادة هيكلة تلك الأجهزة ورفع مستوى التدريب الخاص بعناصرها ورفدهم بكافة التجهيزات اللوجستية والتقنية التي تساعد في الحد من تلك العمليات، إضافة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني بين المناطق المختلفة وتشكيل لجان أمنية مشتركة للتنسيق بين تلك المناطق من جهة، ولإعادة هيكلة آليات التنسيق الأمني بين الجانبين التركي والسوري من جهة أخرى، خاصة مع وجود عوائق إدارية تحول دون الشكل الأمثل لهذا التنسيق، وبالتالي تساهم بشكل مباشر وغير مباشر بتوسيع هامش الخرق الأمني. مقابل كل ذلك، لابد من الدفع لإشراك المجتمع المحليّ والتنسيق مع فعالياته ومؤسساته في هذا الإطار، والسعي لتجسير أي هوة بين تشكيلات قوى الأمن الداخلي والمجتمعات المحلية العاملة ضمنها، بما يسهّل مهمتها ويعزز من حالة الأمن ويرفع المسؤولية بأهميتها للجميع، وبشكل يساهم في تأمين بيئة أمنيّة مناسبة لنشاط المؤسسات المدنية

ولا يُعد تردي الأوضاع الأمنية محلياً ضمن مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، أمراً منفصلاً عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته التي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية بغض النظر عن القوى المسيطرة، إذ أن حالة الفوضى التي تجلت بصورة الاغتيالات في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تتكرر بصور وأدوات وكثافة مختلفة ضمن مناطق سيطرة نظام الأسد، وكذلك مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، على الرغم من المركزية الأمنية التي تحكم تلك المناطق، والمفتقدة في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة.


([1]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: 1) نقاط الرصد الخاصة بوحدة المعلومات في الشمال السوري. 2) التقرير الأمني الخاص الصادر عن مكاتب منظمة "إحسان الإغاثية" في الشمالي السوري. 3) المُعرّفات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (الجبهة الوطنية، هيئة تحرير الشام، حراس الدين وغيرها). 4) المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة التي تقوم بتغطية الأحداث في محافظة إدلب.

[2] )) للاطلاع على التقرير السابق "الاغتيالات في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من آب حتى كانون الأول 2019"، راجع الرابط التالي: https://cutt.us/o1fRy

([3]) "نبع السلام" اشتباكان داخليان بين فصائل الجيش الوطني، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 5/7/2020، متوافر على الرابط التالي: http://cutt.us.com/dFIXb6

([4]) ساشا العلو، الهيئة وإعادة تشكيل الفضاء الجهادي...ترتيبات داخلية ورسائل خارجية، ورقة تحليلية صادرة عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 7/6/2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/Wo1lh

([5]) المرجع السابق.

([6] )  تعرضت القوات التركية والروسية منذ تموز الماضي لهجمات عدة في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، تبنتها مجموعتا “كتائب خطاب الشيشاني” و”سرية أنصار أبي بكر الصديق” اللتين لم تكونا معروفتين قبل هذا التاريخ.  للمزيد حول تلك المجموعات راجع: مجموعتان مجهولتان تتبنيان استهداف الأتراك والروس في إدلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/h7tI0

([7]) “قوات تحرير عفرين” هي مجموعة من المقاتلين الكرد، الذين يصفون تجمعهم بــ "حركة مقاومة” عبر شن هجمات تستهدف الجيش التركي و"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا في عفرين ومناطق أخرى، كما أن هذه الحركة لا تقول صراحة إنها تابعة لـ "وحدات حماية الشعب" أو "قسد". للمزيد حول طبيعة عمليات تلك الحركة راجع: مجموعة "تحرير عفرين" تتبنى استهداف نقطة تركية بريف حلب، الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، 13 أيلول/سبتمبر 2020، متوافر على الرابط التالي: https://cutt.us/2f6xU

التصنيف تقارير خاصة

قدم الباحث في مركز عمران معن طلاع تصريحاً صحفياً ضمن تقرير نشرته صحيفة جسر الإلكترونية بعنوان: هل عاد “داعش” للحياة عبر الاغتيالات؟
رأى فيه الباحث إنه لا يمكن القفز إلى الاستنتاج بأن داعش يقف وراء عمليات الاغتيال تلك، وعندما نحلل مستويات الأرقام (من عمليات اغتيال وتفجيرات خلال شهري كانون الثاني وشباط الماضيين) نجد أن لا يمكن الحديث عن أي تحليل دون تحميل الجهات الأمنية المسؤولية الأولى عن حوادث القتل تلك. وطالما لا توجد نتائج لتحقيقات الاجهزة الأمنية، فإن الجزء الاكبر من المسؤولية يقع على عاتق تلك الأجهزة، التي يتوجب عليها تأمين الاستقرار الامني”.

مؤكداً الباحث أن “داعش” بعد الباغوز “أصبح يافطة أكثر من كونه جسم حقيقي، إذ بات غطاءاً للعديد من العمليات، جزء له علاقة بالعصابات، وجزء له علاقة بتصفية حسابات شخصية، وجزء مرتبط بدفع بعض الجهات السياسية، للقيام بعمليات أمنية تحت يافطة داعش”.

ووفقاً لرأيه فإن “الجزء الأكبر من عناصر داعش الذين خرجوا من المعتقلات، ليس لديهم ترابط تنظيمي، (مع عدم إغفال حالة الذئب المنفرد التي يستخدمها أشخاص ينتمون لداعش فكرًا ويقومون بعملياتهم)، لذا فإن هذه الحالة وغيرها ستشكل لما تبقى من داعش مناخاً جيداً لاعادة التفكير بمرحلة انتقالية ما، لا يمكن فهمها إلا بالنظر لواقع داعش عشية انهياره وما بعد الانهيار”.

للمزيد انقر رابط صحيفة الجسر: https://bit.ly/3cWYZme

 

مُلخصٌ تنفيذيّ

  • بلغت محاولات الاغتيال منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر وحتى كانون الثاني/يناير؛91 محاولة ضمن المناطق التي تم رصدها (ريف حلب ومحافظة إدلب)، وقد انخفضت النسبة بالمقارنة مع التقرير السابق (محاولات الاغتيال في مناطق المعارضة) ([1])، حيث بلغ مجموع تلك المحاولات 159محاولة خلال فترة رصد لمدة ثلاثة أشهر.
  • توضح عملية تحليل البيانات أن جميع عمليات الاغتيال المنفّذة في مناطق "درع الفرات" استهدفت الفصائل العسكرية بواقع 15محاولة، وأن 20 % من مجموع المحاولات نجحت في تصفية الجهة المستهدفة.
  • تغيّرت أدوات التنفيذ المستخدمة في الاغتيالات التي نفذتها مجموعة "غرفة عمليات غضب الزيتون" في عفرين، حيث نفذت 12 محاولة بطريقة العبوات الناسفة، بينما كانت تنفذ محاولتها في وقت سابق عبر الطلق الناري ([2]).
  • يشير تحليل البيانات الخاصة بمحافظة إدلب إلى أن الفصائل الجهادية هي الأكثر استهدافاً وعلى رأسها هيئة "تحرير الشام"، في حين حلّت الجهات المدنية في المرتبة الثانية، تليهم في المرتبة الثالثة الفصائل ذات التوجه الإسلامي، وأخيراً الفصائل "المعتدلة".
  • توضح البيانات المرصودة في محافظة إدلب، أن أكبر نسبة عمليات اغتيال حصلت في مناطق تقع تحت السيطرة العسكرية لهيئة "تحرير الشام"، بينما حلت مناطق سيطرة "الجبهة الوطنية للتحرير" في المرتبة الثانية، في حين حل حزب "الإسلام التركستاني" في المرتبة الثالثة من حيث عمليات الاغتيال المنفذة في مناطق سيطرته.
  • تُظهر عملية الرصد وتحليل البيانات في محافظة إدلب، أنه من مجموع 60 محاولة اغتيال، فشلت 6 محاولات في تحقيق هدفها، بينما نجحت 54 محاولة اغتيال في تصفيّة الجهة المستهدفة.
  • نُفّذ في مناطق سيطرة هيئة "تحرير الشام" خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر 12 محاولة اغتيال، منها 4 محاولات اغتيال لقياديين في الهيئة وجميعها ناجحة، ثم انخفضت خلال شهر كانون الأول/ديسمبر إلى 6 محاولات، أما في الشهر الأول من عام 2019 فقد ارتفعت إلى 23 محاولة اغتيال.
  • بالنسبة لأدوات تنفيذ الاغتيالات في محافظة إدلب: فقد نُفذّت النسبة الأكبر من محاولات الاغتيال عبر الطلق الناري، في حين حلّت العبوة الناسفة ثانياً، في حين وجدت محاولات اغتيال بأدوات وطرق مختلفة كالطعن والخنق.

مدخل

يبقى الملف الأمنيّ في مناطق المعارضة (درع الفرات، عفرين، إدلب وما حولها) من أهم وأخطر العقبات والتحديات التي تحاول القوى المسيطرة على تلك المناطق إيجاد حلول لها وآليات للتعاطي معها والحد منها، حيث ترسم محاولات الاغتيالات تلك العديد من إشارات الاستفهام وتشير دلالاتها إلى حجم تعقيد الملف الأمني في تلك المناطق، خاصة مع تعدد الأسباب والدوافع (سياسية، جنائية) والجهات التي تقف خلفها.  بالمقابل فإن حركيّة الملف الأمني في تلك المناطق توضح مؤشرات الهشاشة في مسألتي الاستقرار ومستقبل تلك المناطق. وعليه قامت وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بتصميم نموذج رصد لتلك المؤشرات ([3])، وقد تم تفريغ نتائجه ضمن هذا التقرير الذي يبين توزع عمليات الاغتيالات في مناطق سيطرة المعارضة ضمن محافظة إدلب، ومناطق ريف حلب (عفرين، "درع الفرات") منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر وحتى نهاية شهر كانون الثاني/ يناير عام 2019. ومن ثم تصنيف تلك النتائج وفق عدة مستويات توضح ماهيّة الاغتيالات المُنفّذة في تلك المناطق وملامحها العامة بحسب جغرافية تنفيذ الاغتيال والجهات التي تقف وراءه، مقابل الأطراف المستهدفة في عمليات الاغتيالات وأدوات التنفيذ المستخدمة، إضافة إلى النتائج النهائية لتلك العمليات في تحقيق أهدافها (فشل أو نجاح).

المؤشر العام للشمال السوري:(هشاشةٌ أمنيّة وأدواتٌ مُختلفة)

بلغت محاولات الاغتيال منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر وحتى كانون الثاني/يناير؛91 محاولة ضمن المناطق التي تم رصدها (ريف حلب ومحافظة إدلب)، وقد انخفضت النسبة بالمقارنة مع التقرير السابق (محاولات الاغتيال في مناطق المعارضة) ([4])، حيث بلغ مجموع تلك المحاولات 159محاولة خلال فترة رصد لمدة ثلاثة أشهر، بينما تشير الأرقام في هذا التقرير إلى وجود 16 محاولة في منطقة عفرين وما حولها، و15محاولة في مناطق درع الفرات، إضافة إلى 60 محاولة في باقي المناطق (إدلب وما حولها).

 

1: مناطق "درع الفرات": (تحسنٌ أمنيٌّ طفيف)

 تؤكد البيانات المرصودة في مناطق ريف حلب الشمالي (درع الفرات)، أن تلك المناطق شهدت 15محاولة اغتيال، بلغ أقصاها في شهر كانون الأول/ديسمبر بمجموع 6 محاولات، حيث تعطي الأرقام مؤشر لتحسن في ضبط الوضع الأمني للمنطقة قياساً بالأشهر السابقة، وقد يرجع ذلك لتطور عمل المؤسسات في مناطق درع الفرات ("الجيش الوطني" و"الشرطة الحرة") وازدياد خبرتها في التعامل مع ظروف المنطقة.                                                                                                                  

كما توضح عملية تحليل البيانات، أن محاولات الاغتيال جميعها استهدفت الفصائل العسكرية، وتشير البيانات أيضاً إلى أن 80% من مجموع المحاولات نجحت في اغتيال الجهة المستهدفة، بينما فشلت المحاولات بنسبة 20%، كما تبين من خلال الرصد أن 8 محاولات قامت بتنفيذها خلايا محليّة تحت مسمى غرفة عمليات "غضب الزيتون"([5])، والتي يعتقد أنها تتبع لوحدات حماية الشعب (YPG) التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي(PYD)، بينما بقيت 7 حالات مجهولة المُنفّذ (الشكل 3). أما بالنسبة لوسائل تنفيذ الاغتيالات فكان الطلق الناري يشكل نسبة 80% من حيث أدوات التنفيذ، بينما بلغت 20% نسبة تنفيذ المحاولات عن طريق العبوات الناسفة (الشكل 4).

2: منطقة عفرين: (تغيُّر أدوات الاغتيال)

توضح بيانات الرصد لمحاولات الاغتيال التي تم تنفيذها في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي الغربي؛ عدم وجود تحسن عن الأرقام الواردة في التقرير السابق؛ إذ نفذت غرفة عمليات "غضب الزيتون" 16 محاولة اغتيال، أدت في 10 منها إلى قتل الجهة المستهدفة، بينما 6 محاولات كانت فاشلة في تصفية الجهة المستهدفة، ولكن اللافت أن أداة التنفيذ التي استخدمتها غرفة عمليات "غضب الزيتون" خلال فترة الرصد كانت مغايرة عن السابق، حيث تم استخدام العبوات الناسفة في 75% من محاولات الاغتيال، بينما شكل الطلق الناري ما نسبته 25%، مستهدفاً بجميع العمليات الفصائل العسكرية، باستثناء حالة واحدة استهدفت عنصر من "الشرطة الحرة".([6])         

المؤشر العام لإدلب: (استهداف الجهاديين والمُنفّذ مجهول)

 بلغت الاغتيالات في محافظة إدلب خلال فترة الرصد وإعداد هذا التقرير 60 محاولة اغتيال، ووصلت أقصاها في شهر تشرين الأول/أكتوبر، حيث سُجلت 24 محاولة اغتيال، بينما بلغت في كانون الأول/ديسمبر 13 محاولة، وجاء شهر كانون الثاني/يناير بـ 23 محاولة.    

                             

  • بالنسبة لتوزع الاغتيالات بحسب الجهات المستهدفة: يشير تحليل البيانات الخاصة بمحافظة إدلب إلى أن الفصائل الجهادية هي الأكثر استهدافاً بواقع 35محاولة اغتيال، في حين حلّت الجهات المدنية في المرتبة الثانية بواقع 20 محاولة اغتيال، تليهم في المرتبة الثالثة الفصائل الإسلامية بـ 4محاولات، وأخيراً الفصائل "المعتدلة" بمحاولة وحيدة، كما يوضح الشكل رقم(7)؛

    

  • بالنسبة لتوزع الاغتيالات بحسب مناطق السيطرة التي وقعت ضمنها: توضح البيانات أن 41 محاولة اغتيال حصلت في مناطق تقع تحت السيطرة العسكرية لهيئة "تحرير الشام"، بينما وقعت 12 محاولة اغتيال في مناطق سيطرة "الجبهة الوطنية للتحرير"، أما ثالثاً فقد حل حزب "الإسلام التركستاني" الذي تمت 7 محاولات اغتيال في مناطق سيطرته، كما يوضح الشكل رقم: (7)

  • بالنسبة لأدوات تنفيذ الاغتيالات: فقد نُفذّت 40 محاولة اغتيال عبر الطلق الناري، في حين حلّت العبوة الناسفة ثانياً بواقع 18 محاولة، كما وجدت محاولتي اغتيال لكل من الطعن والخنق، كما يوضح الشكل رقم(8).
  • بالنسبة لنتائج محاولات الاغتيال من حيث النجاح والفشل: تفيد قراءة تحليل البيانات فيما يتعلق بمحافظة إدلب أن 54 محاولة اغتيال نجحت في تصفية الجهة المستهدفة، بينما هناك 6 محاولات فشلت في ذلك.
  • بالنسبة للجهة المنفّذة لعمليات الاغتيال: توضح البيانات الخاصة بإدلب أن محاولة واحدة نفذتها غرفة عمليات "غضب الزيتون" وأخرى نفذتها هيئة "تحرير الشام"، بينما بقيت 58 محاولة مجهولة المنفذ.

 

ختاماً:

تشير قراءة نتائج تحليل البيانات إلى استمرار حالة الهشاشة وعدم الاستقرار الأمني وتعثر القوى الفاعلة (محلية وإقليمية) في تطوير أدوات وآليات ضبط الوضع الأمني والحد من هذه العمليات، مقابل تطوير الجهات المُنفّذة لتلك الاغتيالات أدواتها وطرقها بما يتناسب مع كل منطقة وظرفها الأمنيّ. وعلى الرغم من تفاوت مؤشرات الاستقرار الأمني من منطقة إلى أخرى وتصدر الفصائل الجهادية وعلى رأسها هيئة "تحرير الشام" كهدف رئيسي للنسبة الأكبر من تلك الاغتيالات؛ إلا أن الظرف الأمني العام لايزال يُنذر باستمرار تلك العمليات في المدى المنظور بالنسبة لمختلف الأطراف ويعطي مؤشرات غير مستقرة حول مسألتي التعافي المبكر ومتطلبات الاستقرار في مختلف المناطق.


([1])محاولات الاغتيال في مناطق المعارضة خلال الفترة الممتدة من تموز حتى تشرين الأول 2018 "؛ تقرير خاص صادر عن وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، بتاريخ 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، متوافر على الرابط التالي: https://bit.ly/2SIRWb1

([2]) مرجع سابق.

([3]) فيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: 1) نقاط الرصد الخاصة لوحدة المعلومات في الشمال السوري. 2) التقرير الأمني الخاص الصادر عن مكاتب منظمة "إحسان الإغاثية" في الشمالي السوري. 2) المُعرّفات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي للجهات التي تم استهدافها (الجبهة الوطنية، هيئة تحرير الشام، حراس الدين وغيرها). 3) المُعرّفات والمواقع الرسمية للوكالات ووسائل الإعلام المحليّة التي تقوم بتغطية الأحداث في محافظة إدلب.

([4]) مرجع سابق.

([5]) غرفة عمليات "غضب الزيتون": وهي وفقاً لتعريفها عن نفسها مجموعة من شباب وشابات عفرين، ويعتقد بأنها تتبع للوحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي يقومون باغتيال المقاتلين الاتراك المتواجدين في المنطقة بالإضافة إلى المقاتلين المحليين المدعومون من تركيا وتدعي هذه المجموعة عبر صفحتها الرسمية قيامها خلال فترة شهري حزيران واب بتنفيذ 26 عملية قتلت من خلاله 45 مقاتل وجرحت 43؛ للاطلاع والتعرف على هذه المجموعة انظر الرابط: http://www.xzeytune.com

([6]) بيان رسمي صادر عن غرفة عمليات "غصن الزيتون" يتبنى اغتيال عنصر الشرطة الحرة، محمد الشيخ، بطلق ناري في شهر كانون الأول/ديسمبر 2018. للمزيد راجع الرابط التالي: https://bit.ly/2UlviT1

التصنيف تقارير خاصة

الملخص التنفيذي

  • توضح عملية تحليل البيانات الخاصة بمنطقة درع الفرات عدة أمور أهمها أن الجهات المدنية بواقع 30 محاولة واتبع منفذو عمليات الاغتيال عدة وسائل وطرق لتنفيذ عملياتهم أكثرها عن طريق العبوة الناسفة؛ وأن 26 % من مجموع المحاولات نجحت في اغتيال الجهة المستهدفة؛
  • نفذت مجموعة تطلق على نفسها "غرفة عمليات غضب الزيتون" 20 محاولة اغتيال في منطقة عفرين كلها حققت أهدافها وكانت أداة التنفيذ متشابهة في جميع حالات الاغتيال وهي الإطلاق الناري؛
  • توضح عملية تحليل البيانات بإدلب وما حولها أن هيئة تحرير الشام قد استهدفت ب 36 محاولة؛ والجبهة الوطنية للتحرير ب 10 محاولات؛ وتشير البيانات الى وجود 42 محاولة نفذت بإطلاق ناري ومثلها بعبوة ناسفة، وتظهر البيانات ارتفاع نسبة المحاولات الناجحة مقارنة بتلك الفاشلة،
  • استهدِفت هيئة تحرير الشام خلال شهر تشرين الثاني ب 17 محاولة؛ 7 محاولات منها استهدفت قيادات أجنبية و3 لقيادات محلية، بينما بلغت 4 محاولات للمقاتلين الأجانب مقابل 3 حالات للمقاتلين المحليين؛ وهذا يدل على مؤشرات صراع داخلي على السلطة؛
  • تفيد القراءة الأولية لنتائج تحليل البيانات على تنامي عوامل التدهور الأمني ومؤشرات البيئة غير المشجعة للاستقرار؛ وفشل القوى الفاعلة في تطوير أدواتها وقدرتها للحد من هذه العمليات وكشف ملابساتها ومسبباتها؛ وهو ما سينعكس حتماً على الواقع الأمني وسياسات التعافي المبكر ومتطلبات الاستقرار.

توطئة

لا يزال الملف الأمني في مناطق درع الفرات وعفرين وادلب وما حولها من أكثر التحديات والاختبارات التي تواجه القوى المسيطرة على تلك المناطق؛ فمن جهة أولى فإنه سيكون لتداعيات هذا الملف أثراً واضحاً على استحقاقات هذه المنطقة سواء فيما يتعلق بالبيئة الآمنة أو فيما يرتبط بعمليات التنمية والاستقرار (أو التعافي المبكر)؛ ومن جهة ثانية وفيما يرتبط بالاغتيالات التي تلقي بظلالها على الواقع الأمني فتجعله متعدد الدلالات؛ فإن الاغتيالات التي باتت سمة بارزة للواقع الأمني لم يعد البحث فيها عبارة عم كشف ملابسات جنائية بقدر ما هو محاولة لتلمس إمكانية وجود أسباب سياسية متسقة مع سياسات الاقتتال المحلي، ناهيك عن فهم الأسباب الأمنية المؤدية لتلك الحوادث. وفي محاولة لتتبع هذه القضية وتحليل مؤشراتها وقياس آثارها الأولية، قامت وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بتصميم نموذج رصد لهذه العملية ([1])؛ وتحليل بياناته ضمن هذا التقرير الذي يبين توزع عمليات الاغتيالات في الشمال المحرر (إدلب وما حولها، غصن الزيتون، ردع الفرات) منذ شهر تموز وحتى أيلول 2018، كما يشمل التقرير جزء خاص بمحاولات الاغتيالات التي حدثت في المنطقة العازلة بمحافظة إدلب والمناطق المحيطة بها خلال شهر تشرين الأول 2018([2]).

المؤشر العام لمناطق الدرع وعفرين: ارتفاع النسب

بلغت محاولات الاغتيال من شهر تموز حتى أيلول 159 محاولة في مناطق التي تم رصدها؛ وهي نسبة مرتفعة بالمقارنة مع التقرير السابق (قراءة أولية... الاغتيالات في مناطق المعارضة والفصائل الجهادية خلال النصف الأول لعام 2018)؛[3] إذ بلغ مجموع تلك المحاولات 212 محاولة خلال فترة رصد لمدة ستة أشهر، بينما تشير الأرقام في هذا التقرير الى وجود 20 محاولة في منطقة غصن الزيتون "عفرين" و46 محاولة في مناطق ردع الفرات، إضافة ل 93 محاولة في باقي المناطق "ادلب وما حولها"؛ (انظر الشكل المجاور) .     

 

 وفيما يخص منطقة درع الفرات تؤكد البيانات أنها شهدت 46 محاولة اغتيال بلغ أقصاها في شهر أيلول بمجموع (38) محاولة؛ تلك المنطقة التي يفترض لها أن تكون أكثر ضبطاً من الناحية الأمنية بحكم اشراف "الضامن التركي" وبحكم مأسسة العمل العسكري والأمني المحلي فيها (الجيش الوطني والشرطة الحرة)، الا أن محاولات الاغتيال من قبل خلايا تتبع للنظام أو تنظيم "داعش" أو الوحدات الكردية مستمرة.

كما توضح عملية تحليل البيانات أن الجهة الأكثر استهدافا بمحاولات الاغتيال هي الجهات المدنية بـ 30 محاولة اغتيال في حين حلت الفصائل المصنفة كمعتدلة في المرتبة الثانية بـ 16 محاولة اغتيال (الشكل رقم 4)؛ ولجأ منفذو عمليات الاغتيال لعدة وسائل وطرق لتنفيذ عملياتهم حيث كانت عن طريق العبوة الناسفة بحصيلة بلغت27 محاولة بينما حلت أداة الاطلاق الناري المرتبة الثانية ب 18 عملية من حيث أدوات التنفيذ وجاء الطعن ثالثاً بحالة وحيدة (الشكل رقم 3)؛ أظهرت نتائج تحليل البيانات ان 26 % من مجموع المحاولات نجحت في اغتيال الجهة المستهدفة بينما فشل المحاولات باغتيال الجهة المستهدفة بلغ 74% من مجموع المحاولات في منطقة درع الفرات (الشكل رقم 5). تبين من خلال الرصد ان 10 محاولات قامت بتنفيذها غرفة عمليات غضب الزيتون بينما بقيت 36 حالة مجهولة المنفذ (الشكل رقم 6).

كما تشهد منطقة عفرين أيضاً ذات المظاهر الدالة على الفلتان الأمني لا سيما من جهة "محاولات الاغتيال" خاصة بعد ظهور غرفة عمليات سميت "غضب الزيتون" التي أصدرت بياناً توضح به عدم تبيعتها لأي جهة سياسية أو عسكرية؛ وأنها لن تتعامل مع العناصر كأسرى حرب إنما سيتم تصفيتهم ميدانياً حتى "تحرير" عفرين. ([4]) إذ نفذت غرفة عمليات "غضب الزيتون" 20 محاولة اغتيال خلال فترة الرصد الممتدة من تموز حتى نهاية أيلول 2018 كلها حققت أهدافها وأدت إلى موت الجهة المستهدفة وكانت أداة التنفيذ متشابهة في جميع حالات الاغتيال وهي الإطلاق الناري[5].

 

المؤشر العام لمنطقة إدلب وما حولها: استهدافات نوعية

وفقاً للتقرير السابق فقد شهدت منطقة إدلب وما حولها عمليات اغتيالات واسعة لاسيما في شهر نيسان 2018 واستهدفت جهات مدينة بالإضافة إلى مقاتلين من الجبهة الوطنية للتحرير، هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى تم تصنيفها كفصائل متطرفة مثل تشكيل "حراس الدين"؛ بينما بلغت الاغتيالات خلال الفترة المدروسة في هذا التقرير 93 حالة اغتيال خلال الربع الثالث من العام 2018 بلغت أقصاها في شهر أيلول حيث بلغت المحاولات 45 محاولة اغتيال، بينما بلغت في تموز 28 محاولة، وجاء ثالثا شهر أب ب 20 محاولة؛ الشكل رقم (8)

ويوضح تحليل البيانات الخاصة بإدلب وما حولها أن الجهات المدنية هي الأكثر استهدافاً في منطقة إدلب وما حولها ب 47 محاولة اغتيال، في حين حلت هيئة تحرير الشام في المرتبة الثانية ب 36 محاولة اغتيال شملت العسكريين والشرعيين، تليهم ثالثا الجبهة الوطنية للتحرير ب 10 محاولات (الشكل رقم 9)؛ وأن  84 محاولة نفذت بالتساوي من حيث أداة التنفيذ، حيث قام منفذو عملية الاغتيال باستخدام الأدوات التالية (إطلاق ناري – عبوة ناسفة – لغم ارضي – طعن) لتنفيذ عملياتهم، وتشير البيانات الى وجود 42 محاولة نفذت بإطلاق ناري ومثلها بعبوة ناسفة بينما نفذت 4 محاولات عن طريق اللغم الأرضي و5 محاولات نفذت بطعن الجهة المستهدفة (الشكل رقم 10)؛

وفيما يتعلق بنتيجة محاولات الاغتيال، تظهر البيانات ارتفاع نسبة المحاولات الناجحة مقارنة بتلك الفاشلة، إذ بلغت نسبة المحاولات التي نجم عنها موت المستهدف 65%، مقارنة بـــ 35% فشلت في قتل الجهة المستهدفة؛ أي أن ثلث المحاولات فاشلة، (الشكل رقم 11).

 

 

هيئة تحرير الشام كجهة مُستهدَفة أو مستهدِفة فتوضح البيانات أن أكثر المحاولات الحاصلة منفذها مجهول وغير معروف بينما نفذت هيئة تحرير الشام محاولتين اغتيال؛ كما امتاز شهر تشرين الأول\أكتوبر باستهداف قيادات معروفة في صفوف الهيئة وأغلبهم كان من التيار الأجنبي المعروف بأنه الأكثر تشدد والذي أبدى اعتراض واضح على اتفاق إدلب الأخير في اجتماعات الهيئة التي حصلت بعد الاتفاق، حيث بلغ مجموع المحاولات في تشرين الأول 26 محاولة نفذ منها 18 محاولة في إدلب و6 محاولات في حلب ومحاولتين فقط في حماه.؛ واستهدِفت هيئة تحرير الشام ب 17 محاولة، تلاها الجهات المدنية ثانيا ب 5 حالات ثم الجبهة الوطنية للتحرير ب 4 حالات كما هو واضح في (الشكل رقم 12)؛ تلك المحاولات التي استهدفت بها الهيئة خلال شهر تشرين الأول كانت  7 محاولات لقيادات اجنبية و3 لقيادات محلية، بينما بلغت 4 محاولات للمقاتلين الأجانب مقابل 3 حالات للمقاتلين المحليين.

 

الخلاصة: هشاشة واقتتال بيني

تفيد القراءة الأولية لنتائج تحليل البيانات بجملة من الخلاصات التي من شأنها التأكيد على تنامي عوامل التدهور الأمني ومؤشرات البيئة غير المشجعة للاستقرار؛ كما تؤكد تلك النتائج على فشل القوى الفاعلة في تطوير أدواتها وقدرتها للحد من هذه العمليات وكشف ملابساتها ومسبباتها؛ ناهيك عن أن تزايد مؤشرات حالة الفلتان الأمني في مناطق درع الفرات وعفرين على سبيل المثال فإنه سينعكس حتماً على سياسات التعافي المبكر ومتطلبات الاستقرار ويدعم كافة المقاربات المراهنة على فشل المعارضة في التصدي لتحدياتها الأمنية؛ فوجود جهاز موحد للشرطة الحرة غير كافي لفرض الأمن؛ إذ ينبغي العمل على تكثيف الجهود المتعلقة بالجانب الاستخباراتي لا سيما تلك المتعلقة بعمليات غرفة "غضب الزيتون" والذي يتطلب بدوره تطوير الموارد البشرية وزيادة كفاءتها، ناهيك عن تكثيف الحملات الأمنية ( والتي بدأت )

وبقراءة البيانات المتعلقة في منطقة ادلب وما حولها؛ فهي عموماً تشير إلى جملة من العوامل الدافعة إلى ارتفاع نسب الفوضى وتبرز بشكل جلي عدم قدرة الأجهزة المعنية بالعمل الأمني على اكتشاف منفذو الاغتيال ودوافعهم ومحاسبتهم؛ وهو أمر قد تعود مسبباته لانتشار خلايا نائمة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية او تابعة لاستخبارات النظام من جهة؛ ولملامح اقتتال داخلي نوعي عابر للعناصر العسكرية ويصل إلى استهداف المدني من جهة ثانية؛ وفيما يتعلق ب "حرب الاغتيالات داخل الهيئة" فإنه لا يمكن اعتبارها إلا حرب سلطة خصوصا بين تيارين (العناصر المحلية والعناصر الأجنبية) من جهة ثالثة. إذاً توضح عمليات الاغتيال وازدياد نسبها في مناطق درع الفرات وعفرين وإدلب الهشاشة الأمنية في هذه المناطق.

ملحق جدول الاغتيالات ضمن نسخة التحميل..


([1])  وفيما يتعلق بمصادر التقرير فهي على الشكل التالي: 1) نقاط الرصد الخاصة لوحدة المعلومات في الشمال المحرر. 2) التقرير الأمني الخاص من مكاتب منظمة إحسان الإغاثية في الشمالي المحرر؛ 2) الحسابات الرسمية للجهات التي تم استهدافها (الجبهة الوطنية، هيئة تحرير الشام، حراس الدين وغيرها)؛ 3) الحسابات الرئيسية للوكالات المحلية التي تقوم بتغطية الأحداث في محافظة إدلب وما حولها.

([2])  توضيح: التقرير يقوم برصد محاولات الاغتيالات كافة بغض النظر عن نجاحها أو عدمه

([3])  "قراءة أولية ... الاغتيالات في مناطق المعارضة والفصائل الجهادية خلال النصف الأول لعام 2018"؛ تقرير خاص صادر عن وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ 8/يوليو/2018، الرابط: https://goo.gl/r3GhmM

([4]) وهي وفقاً لتعريفها عن نفسها مجموعة من شباب وشابات عفرين، ويعتقد بأنها تتبع للوحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي يقومون باغتيال المقاتلين الاتراك المتواجدين في المنطقة بالإضافة إلى المقاتلين المحليين المدعومون من تركيا وتدعي هذه المجموعة عبر صفحتها الرسمية قيامها خلال فترة شهري حزيران واب بتنفيذ 26 عملية قتلت من خلاله 45 مقاتل وجرحت 43؛ للاطلاع والتعرف على هذه المجموعة انظر الرابط: http://www.xzeytune.com

([5])  وفيما يلي أبرز الاغتيالات التي تبنتها "غضب الزيتون" مؤخراً: حزيران 2018: اغتيال الناشط الكردي "أحمد مستو" في منطقة عفرين بريف حلب؛ تموز 2018: اغتيال ثلاثة مقاتلين من فرقة السلطان مراد في عفرين؛ آب 2018: اغتيال المدعو عكاش حجي أحمد علي، في قرية دير صوان، بمقاطعة عفرين؛ أيلول 2018: اغتيال أحد عناصر فرقة الحمزة في الجهة الشرقية من منطقة عفرين

التصنيف تقارير خاصة
الأربعاء كانون1/ديسمبر 18
أطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ومعهد السياسة و المجتمع، كتابه الجديد بعنوان: “حرب الشمال: شبكات المخدرات في سوريا، الاستجابة الأردنية وخيارات الإقليم”، ويحلل الكتاب ظاهرة شبكات تهريب المخدرات المنظمة في…
نُشرت في  الكتب 
الإثنين تموز/يوليو 22
المُلخَّص التنفيذي: قسَّمت الدراسة مبناها المنهجي وسياقها المعلوماتي والتحليلي إلى فصول ثلاثة، مثّل الفصل الأول منها: مدخلاً ومراجعة لتاريخ القبائل والعشائر في الجغرافية السورية بشكل عام وفي محافظتي حلب وإدلب…
نُشرت في  الكتب 
الأربعاء آب/أغسطس 23
يأتي نشر هذا الكتاب في وقت عصيب على سورية، خاصة في أعقاب الكارثة الطبيعية التي حلت بالبلاد، إضافة إلى الزلازل السياسية التي شهدها الشعب السوري منذ بداية الثورة السورية عام…
نُشرت في  الكتب 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20