ملخص تنفيذي
- هدفت جولة الأستانة الأخيرة إلى تهدئة الجبهات الغربية من أجل التركيز على الجبهات الشرقية في الرقة ودير الزور، حيث أن الأخيرة باتت أكثر أهمية للنظام وللروس من إدلب والغوطة.
- انتهت جنيف 6 بدون نتائج بانتظار الحسم العسكري في الشرق، ولا يتوقع لجنيف استعادتها لاعتبارها دون وضوح الموقف الميداني ورغبة القوى الكبرى في الحل.
- لن يكون حسم المعارك في الشرق سهلاً ولا سريعاً نظراً لهشاشة وعدم احتراف القوى المحلية المستخدمة للسيطرة من قبل الروس والأمريكان.
- لن تهدأ الجبهات الغربية أيضاً مع محاولات هيئة تحرير الشام التمدد وإنهاك القوى المعتدلة.
- سيكون هناك سباق محموم من الغرب وكذلك الروس على التواصل مع المجالس المحلية من أجل توسيع النفوذ أثناء المرحلة الانتقالية.
- على المعارضة السياسية توحيد وفود التفاوض والعمل على زيادة كفاءتها وشرعيتها، وعلى المعارضة العسكرية دعم المعارضة السياسية في جهودها وتقدم رؤى حول دورها في المستقبل.
- على المجالس المحلية التركيز على دورها الخدمي وتعزيز كفاءتها وقدراتها لمواجهة متطلبات المرحلة والابتعاد عن التسييس المحلي وعن التجاذبات الإقليمية والدولية للمحافظة على دورها في المستقبل.
خريطة رقم (1) معركة شرق حمص وصحراء الشام
مقدمة
انتهت جولتان تفاوضيتان جديدتان بخصوص سورية إلى تأجيل الحديث الجاد في التسوية إلى ما بعد وضوح نتائج المعركة على الشرق السوري. وأخرجت الأستانة اتفاق مناطق التهدئة بضمان الروس والأتراك والإيرانيين وبدون وجود أي من السوريين من ضمن الموقعين. كذلك لم تخرج جولة جنيف 6 عن إطار التوقعات بعدم الجدية. وقد وظف الروس مخرجات تفاوض الأستانة كتكتيك للتغطية على تحويل العمليات العسكرية من الغرب للشرق، ولتفويت جولة جنيف الأخيرة. يرى الروس والإيرانيين والنظام السوري أن الأولوية الآن لصد التمدد الأمريكي على الحدود السورية العراقية، باعتبار أن الجبهات الغربية يمكن العودة لها لاحقاً. يتسابق الجميع نحو الرقة ودير الزور بحجة طرد داعش، لكن الهدف هو الاستحواذ على أكبر مساحة استراتيجية ممكنة تتحول إلى أوراق في جولات تفاوضية قادمة. ولا يبدو أن المعركة ستكون سريعة في الشرق، كما لا يتوقع أن تكون الأمور هادئة في الغرب.
تُعالج هذه الورقة سياق اتفاق مناطق التهدئة وتستشرف مآلات الوضع في كامل سورية، بينما تنتهي بتوصيات للمعارضة السورية (السياسية والعسكرية والمجالس المحلية) لتطوير شرعيتها وآليات تفاوضها. وترى الورقة أن كلاً من الروس والأمريكان يستعينون بقوات محلية غير مدربة وغير محترفة ما يجعل السيطرة على مسار العمليات صعباً للغاية ومستحيل التوقع، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الضحايا من المدنيين. هذا الوضع المضطرب سيستمر لفترة ليست بالقصيرة خصوصاً مع عدم وجود إطار سياسي لاستيعاب الأوضاع بعد هزيمة داعش وهروب عناصرها إلى مناطق جديدة. في المقابل، ستستمر التفاعلات في الغرب خصوصاً مع استمرار هيئة تحرير الشام في إنهاك العناصر المعتدلة واستقطاب أفرادها أو القضاء عليها. كذلك سيكون هناك سباق دولي على المجالس المحلية باعتبارها الحصان الأسود لجلب الاستقرار في مناطق التهدئة عبر توزيع المساعدات، وإدارة عودة اللاجئين وإعادة الإعمار حال استقرار الأوضاع.
تهدئة في الغرب واشتعال في الشرق
بينما نتنقل الأنظار نحو الرقة ودير الزور في شرق سورية يتم تهدئة الأوضاع في غربها لتوفير الجهود وتركيزها على المعركة المقبلة. لم تكن مناطق التهدئة الأربع المقترحة في مؤتمر الأستانة الأخير، والواقعة جميعاً في غرب سورية، إلا تعبيراً عن احتياج الروس والإيرانيين لتجميد الصراع هناك حتى يتسنى لهم تأمين الحدود الشرقية مع العراق وضمان ألا تقع دير الزور في يد الأمريكيين. فبالنسبة للروس، لابد أن تكون السيطرة على الحدود العراقية من نصيب دمشق من منطلق سيادي، وبالنسبة للإيرانيين فإن دير الزور أساسية لتأمين طريق من طهران إلى بيروت عبر دمشق. وفي خضم هذا التحول الكبير في مسار المعارك انتهى مؤتمر جنيف كما بدأ، بانتظار استقرار موازين القوى العسكرية التي ستفرز وضعاً تفاوضياً ولاعبين جدد.
التفت النظام وحلفاؤه متأخراً إلى خطر سقوط الحدود مع العراق في يد قوات الجبهة الجنوبية والأكراد الممولين والمسلحين أمريكياً. وقد أنهكت الحرب النظام وأجهزت على قواته، وشتت الجبهات المفتوحة بطول الغرب السوري جهود حلفاءه. فكان لابد من إعادة تموضع القوات الروسية والمليشيات العراقية واللبنانية لتتمكن من السيطرة على دير الزور قبل وصول الأمريكان إليها. كذلك تسارعت جهود الإيرانيين والروس للسيطرة على القبائل الشرقية وإدماج قواتهم في الفيلق الخامس. يضاف إلى ذلك هروع حزب الله إلى إخلاء مواقعه على الحدود اللبنانية السورية للجيش اللبناني، وفي الجنوب السوري للقوات الروسية متوجهاً إلى تدمر. فلا تخلوا تحركات حزب الله الأخيرة من رسائل تهدئة للداخل اللبناني وكذلك لإسرائيل، لكنها أيضا تهدف إلى حماية خط إمداده الاستراتيجي.
ركزت الأخبار القادمة من سورية على نبأ قصف طيران التحالف الأمريكي لقافلة عسكرية لأحد حلفاء النظام عند اقترابها من معبر التنف الذي سيطرت عليه فصائل معارضة مؤخراً. وقد يُؤشر هذا لطبيعة التصميم الأمريكي على حماية حلفائها والتقدم نحو دير الزور واستكمال السيطرة على الحدود السورية العراقية. أمام هذا التطور لا توجد مؤشرات على نجاح المليشيات الإيرانية بدعم روسي في ضمان خلو المسار من إيران إلى بيروت من أي معوقات. قد يتفاوض الروس نيابة عن الإيرانيين لفتح الطريق، لكن هذا سيكون بثمن باهظ حال حيازة الأمريكيين لأوراق حيوية مثل الحدود ودير الزور.
لم تُعبر اتفاقية مناطق التهدئة من المنظور الروسي إذاً عن نوايا لتقسيم سورية بأكثر مما عبرت عن رغبة في تهدئة مؤقتة لستة شهور أو سنة لمناطق لا جدوى من القتال فيها مثل محيط دمشق، أو بحاجة إلى تهدئة إسرائيل فيها مثل الجنوب، أو بتولي الأتراك والفصائل المعتدلة مسؤوليتها مثل إدلب. ولا يرى الروس في إدلب أولوية مقارنة بدير الزور، كما لا يرون النصرة خطراً حالاً مقارنة بتمدد القوى المدعومة أمريكياً في الشرق وسيطرتها على الحدود مع العراق، حيث أن هذا يُغير كثيراً من معادلات استقرار النظام في دمشق ويهدد سيطرة إيران على سورية. ففي لحظة ما قد يغري الأمريكيين قوتهم فيبدأوا في التحرك غرباً باتجاه مناطق النظام بعد استبدالهم داعش بالأكراد أو الفصائل الموالية لهم. ولن يكون ذلك وضعاً مؤاتياً للنظام ولا لحلفائه.
قد تُغري وعود الاتفاق الأخير بالتفاؤل، لكن هذا يتلاشى مع عدم وجود أي آليات للتطبيق ولا للمتابعة والتقويم. وهناك دوماً حديث عن قوات دولية وآليات للمراقبة وضامنين وإمكانية لدخول المساعدات وعودة اللاجئين وإعادة إعمار البنية التحتية، لكن كل هذا مرهون بتثبيت التهدئة والتعاون في محاربة المتطرفين. هنا يكمن مثار الخلاف المستقبلي حول مدى التزام الفصائل بالتهدئة التي ستكون ضمناً قرينة لقتالهم لهيئة تحرير الشام. أن تحالف النصرة الأخير لا يمكن التصدي له بدون حل سياسي أشمل يعمل على إزالة دوافع العديد من الفصائل الصغيرة والأفراد للعمل معهم أو الاحتماء بهم، إضافة إلى توفير حوافز لهم للانخراط في عمل وطني عسكري أو سياسي يحقق أهداف الثورة.
هذا الفخ ينسحب إلى تركيا التي من المتوقع أن تضطلع بدور أكبر في تحقيق الاستقرار في إدلب. فبدون غطاء سياسي يتمثل في حل شامل للقضية قد تجد تركيا نفسها في مواجهة غير محسوبة ولا مرغوبة مع تشكيلات عسكرية يمكنها أن تهدد العمق بسهولة نسبية. ولا يوجد في الاتفاق ذاته ما يبرر وجود تركيا فيه ولا سكوتها عن وجود إيران كضامن فيه. لكن بالنظر إلى حاجة تركيا لقطع الطريق على قوات سورية الديمقراطية ومنع تمددهم باتجاه الرقة يمكن فهم تضامن الأتراك مع الروس في ذلك. ولا ينظر الأتراك إلى دعم الأمريكان لقوات حماية الشعب الكردية بعين الرضا ولا يسعدهم ازدياد قوتهم العسكرية وانخراطهم في ترتيبات إقليمية تسمح لهم بمقعد دائم على موائد الحل في المستقبل. إضافة إلى أن سيطرة الأمريكان، سواء عبر قوات حماية الشعب الكردية (PYD) المهيمنة على تحالف "قسد" أو عبر فصائل الجنوب، على الحدود السورية العراقية يزيد من النفوذ الأمريكي في كلتا البلدين وبالتالي يثير الكثير من مخاوف الأتراك حول تقليص نفوذهم الإقليمي. في هذه اللحظة يجد الأتراك أنفسهم في جانب الروس والإيرانيين، أمام قوات حماية الشعب الكردية (PYD)، وبالتالي الأمريكان، ولو ضمناً.
لم يهتم الأمريكان والأوروبيون بالأستانة من البداية لعدم رغبتهم في التخلي عن قيادة التفاوض للروس، وللمحافظة على مسار جنيف، وكذلك اتساقاً مع استراتيجية تهميش إيران في الصراع. ولم يهتم كذلك الأمريكان بسقوط حلب ولا بأمر إدلب لعدم سيطرتهم الكاملة على فصائلها الوطنية منها والراديكالية. في المقابل ركزوا كل جهودهم مؤخراً لانتزاع الشرق من داعش وتعزيز وجودهم وشرعية القوات المتحالفة معهم. هذا التحرك يخلق وضعاً جديداً لا يجد فيه النظام وحلفاؤه فيه بداً من التفاوض بجدية. تجسد هذا الموقف الأمريكي من اتفاق مناطق التهدئة عبر تشكيكهم في تطبيقه وانتقادهم لوجود إيران كضامن فيه. وفي اتساق تام مع موقفهم المتجاهل لمسار الأستانة، لم يعلق الاتحاد الأوروبي على الاتفاق ولم يلتقط أياً من الطعوم التي مررها الروس في الاتفاق مثل الحديث عن دخول المساعدات وعودة اللاجئين أو إعادة الإعمار.
عدم الحسم في الشرق ونيران هادئة في الغرب
بالنظر إلى تشكيلات القوات المتسابقة نحو الرقة ودير الزور نجد أن أغلبها غير نظامية وغير محترفة باستثناء قوات حزب الله. وهذا سيؤثر بشكل كبير على مسار المعارك الذي سيكون متعرجاً وكذلك على سرعة الحسم الذي سيستغرق وقتاً. كما لن يتمكن مقاتلو قوات سورية الديمقراطية من تحقيق الاستقرار في المناطق التي سيسيطروا عليها حتى لو تمكنوا من طرد داعش. فمن المحتمل أن يكون هناك مقاومة عربية كبيرة لوجودهم خصوصاً في حالة ارتكابهم لمجازر أو لانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ضد المدنيين العرب. وسيعيق هذا تقدمهم لما بعد الرقة باتجاه الجنوب، وقد يعجل بانسحابهم منها تاركين وراءهم فراغاً سيُربك الأمريكان كما المكونات المحلية في هذه المناطق. أيضاً هناك مغاوير الثورة وأسود الشرقية وكتائب الشهيد أحمد العبدو، وقوات أحمد الجربا في الحسكة، وكلها تتمتع بنفس عدم الاحتراف وعدم الانضباط.
في المقابل تعتمد قوى الروس والإيرانيين والنظام على تشكيلات لا تزيد كثيراً في احترافها وعدم انضباطها. مع هذا الفراغ حول دير الزور لن تتمكن القوات المدعومة روسياً من ملئه بسهولة بواسطة قوات غير مدربة من القبائل أو بمليشيات شيعية تخلق مقاومة حيثما حلت أو حتى بقوات حزب الله الأكثر تدريباً. تؤشر هذه المعطيات أن هذا الوضع القلق قد يستمر لفترة ما من الزمن، وأن عدم الحسم قد يكون سيد الموقف لفترة ليست بالقصيرة.
لا يعني الانشغال العسكري عن الغرب خروجه الكامل من دائرة التفاعل. فمن المتوقع أن تستمر تفاعلات الفصائل المعتدلة منها والراديكالية لكسب مزيد من النفوذ والتأييد الشعبي. فمع تدريب الأتراك لفصائل درع الفرات ومحاولة توحيدهم قد تظهر فرصة لبناء كيان منظم يمثل المعارضة ويستطيع أن يفرض سيطرته على إدلب في لحظة ما. قد يبدو هذا بعيداً، لكن لا مفر منه للحفاظ على ما تبقى من مناطق تحت سيطرة قوى المعارضة. ولن تنتظر هيئة تحرير الشام حتى تتوحد الفصائل ضدها، بل ستستمر في إنهاكها وقضم مناطق وموارد منها حتى تستحوذ عليها تماماً قبل أن تنتقل لمواجهة العالم كما تتخيل. لحسن حظ القوى المعتدلة، لا لحسن تخطيطها ولكن لظروف موضوعية، لا يوجد أفق لهذا المشروع. بل على العكس، قد يكون أحد أهداف مناطق التهدئة الأساسية هو إتاحة الفرصة لسيادة المتطرفين قبل تبرير إبادتهم لاحقاً عندما تنضج الظروف. هنا قد يجد المعتدلين أنفسهم وجهاً لوجه أمام المتشددين، والخاسر هي قوى المعارضة.
إن أحد التفاعلات الهامة أيضاً هو تفعيل دور المجالس المحلية كعنصر قادر على بناء شرعية محلية وكمنسق للمساعدات الإنسانية وكلاعب تنموي مستقبلي حال استقرار الأوضاع سواء في ظل انتقال سياسي شامل أو تحت هدن مطولة. يتسابق جميع اللاعبين الآن، بما فيهم الروس، لتوثيق العلاقة مع مجالس إدلب المحلية. ويريد الأوروبيون والأمريكان أن يعمقوا التعاون القائم بينهم وبين المجالس لتطوير إداراتها وتعزيز مواردها. ولا يخلو الأمر من توسيع لنفوذهم لما وراء العسكريين الذين سيخفت نفوذهم بمجرد انتفاء الحاجة لخدماتهم. هذا أيضاً هو مقصد الروس من سعيهم للتواصل مع المجالس، فهم يحتاجون إلى توسيع دائرة نفوذهم لتشمل مناطق المعارضة سواء لاستيعابها سياسياً، أو لاستخدامها ضد الإيرانيين والأسد في وقت من الأوقات، أو حتى لتدميرها حالما انتفت الحاجة إليها أو كانت عقبة أمام طموحاتهم.
توصيات للمعارضة واللاعبين الدوليين
- المعارضة السياسية
لم تكن المعارضة السورية ضمن الموقعين على الاتفاق كما الحكومة السورية. ويعكس هذا التجاهل للسوريين مدى سيطرة القوى الدولية والإقليمية على الأوضاع ومدى هوان السوريين، نظاماً ومعارضة، في أعين حلفائهم. جدير بالملاحظة هنا أن مؤتمر الأستانة لم يُقدم للمعارضة السورية منصة لتقدم طلباتها وتمثيل شعبها وتحوَّل وفدها إلى مراقب للتفاعلات بين القوى الدولية والإقليمية كما الوضع في جنيف. لا حاجة إلى بيان غياب التأثير لكليهما بأكثر من ذلك. إن هناك الكثير من الهوامش والمساحات يمكن للمعارضة السياسية التركيز عليها، نقترح بعضه هنا:
- الحوار مع الحلفاء لتشكيل وفد موحد للأستانة وجنيف: قد يكون من الضيم مطالبة المعارضة السورية بتوحيد جهودها في ظل تجاهل حلفائها لها، لكن الواقع يؤكد على ضرورة الضغط على الحلفاء من أجل تحقيق التوحيد. وهناك حاجة للحديث مع السعوديين والأتراك لتمكين إعادة بناء وفد موحد للأستانة وجنيف يعمل على التكامل بين المؤتمرين وعلى تشكيل المسار التفاوضي. قد يقلل كلا الوفدين من أهمية ذلك، لكن الحد الأدنى من القوة التفاوضية يفترض التوحد وهذا لا يتوافر حتى الآن. سيستغرق توحيد الوفدين جهوداً كبيرة ووقتاً ليس بالقصير، حتى يتحقق هذا يجب التنسيق بين الوفود على المستوى السياسي والفني.
- رفع الجاهزية الفنية للتفاوض حول الملفات المتخصصة: هناك حاجة لتوفير المتخصصين في تنسيق العمليات الإنسانية، وملفات عودة اللاجئين وإعادة الإعمار مع وفود التفاوض. إن هناك اعتقاد خاطئ بأن التفاوض مع النظام وحلفائه سيكون حول الدستور والانتخابات، لكن في الحقيقة هناك الكثير من التفاصيل المتعلقة، على سبيل المثال، بتنفيذ وقف إطلاق النار مثل رسم خطوط التماس وتحديد المناطق العازلة وتشكيل قوات المراقبة، والتي تحتاج إلى متخصصين على إطلاع كامل بالأوضاع وعلى تواصل بوفد التفاوض وكذلك مع اللاعبين على الأرض.
كذلك يسود تصور بأن أحد العسكريين من الفصائل أو الضباط المنشقين قد يقوم بهذه المهمة، وهذا خطأ كبير. حيث أن المعرفة والمهارات الفنية المتعلقة بوقف إطلاق النار تتجاوز في كثير من الأحيان الخبرة العسكرية إلى ضرورة الإلمام بخبرات دولية في وقف إطلاق النار، ومعرفة بآليات المراقبة ومتطلباتها المادية، وإلمام بأوليات القانون الدولي الناظمة للعملية وكافة أطرافها. وبدون وجود هذه الجاهزية الفنية بشكل ملائم سيقوم الوفد إما بالتوقيع على ما لا يتوافق مع مصلحة السوريين، أو رفض التوقيع على اتفاقيات كان بالإمكان تحسينها في حال وجود خبرات فنية ملاءمة. خياران أحلاهما مر.
- زيادة شرعية الوفد التفاوضي: إن أحد المعضلات الأساسية للمعارضة السورية هي عدم تحدثها للشعب السوري الذي من المفترض أنها تمثله، وضعف تواصلها مع اللاعبين المحليين.
- الحديث للشعب السوري: هناك حاجة لتحسين التواصل مع السوريين في الداخل والخارج عبر توجيه خطابات ورسائل مستمرة قبل جولات التفاوض توضح الأهداف وأثناء التفاوض توضح القضايا وبعد التفاوض لتوضيح النتائج وشرح المسار المستقبلي. ومن الطبيعي جداً في حالة تشرذم وفود التفاوض وعدم قدرتها على تحقيق الحد الأدنى من انضباط أعضائها أن تضيع الرسالة الموجهة إلى السوريين ويضيع معنى تمثيل الوفد لمطالب السوريين.
- التواصل مع المكونات المحلية: هناك حاجة للحصول على دعم الفصائل المعتدلة وإظهار ذلك في رسائل الوفد. هذه مهمة سياسية للوفد تتحقق بمساعدة الحلفاء وبدونها تنتفي سلطة الوفد الرمزية والعملية على طاولة التفاوض أمام النظام. أيضاً لابد من تمثيل مكونات الحوكمة المحلية بتأمين احتياجاتها عبر التشكيلات السياسية للمعارضة. فعندما يعجز التشكيل السياسي عن توفير احتياجات قاعدته المؤسسية والشعبية تصبح شرعيته محل شك كبير.
- المعارضة العسكرية
قد ترى المعارضة العسكرية في السياسيين أنهم غير جديرين بتمثيل تضحيات السوريين على الأرض، لكن دون بناء بديل سياسي يحظى بشرعية دولية لن تستطيع المعارضة العسكرية تحويل تضحياتها إلى بناء سياسي مستدام. ولا تبدو مهمة المعارضة العسكرية سهلة على الإطلاق، فبجوار مهمتهم للدفاع عن الأرض والعرض ومكافحة المعتدين والمتطرفين، يجب عليهم أيضاً أن يدعموا العملية السياسية عبر فريق تفاوض واحد. لا يسمح الوزن التفاوضي لجسم المعارضة ككل بتشتيت الجهود بين أكثر من فريق على أكثر من مائدة. كما لا يوجد هناك وزن سياسي، ولا إمكانات مادية ولا دعم فني كافيين. في مثل هكذا وضع ستضطر المعارضة لقبول ما يفرض عليهم ولا عزاء للشهداء. ولتلافي مثل هذا المصير، يمكن لجسم المعارضة العسكرية عمل التالي:
- الضغط لتشكيل وفد تفاوضي موحد: لا يمكن لضغط من المعارضة السياسية على دول الإقليم والداعمين أن ينجح دون مشاركة الفصائل على الأرض لهذه الجهود. فلابد من توضيح الحاجة الماسة لذلك والرغبة في الدعم المادي والمعنوي لجهد تفاوضي موحد يمثل المعارضة بأغلب تياراتها.
- تقديم رؤية عن دورهم في المرحلة الانتقالية: يتوقع من الفصائل أن تقدم رؤية تُجيب على أسئلة محورية بخصوص قدرتهم على توفير الأمن، والاندماج في جيش موحد، والسيطرة على السلاح، وكذلك مستقبل المقاتلين بعد انتهاء الحرب. إن عدم وجود أو وضوح الإجابة على هذه الأسئلة سيصعب عملية التفاوض، وكذلك سيهدر حقوق هؤلاء المقاتلين بما سيحبطهم ويحولهم لمشكلة أخرى برسم الانفجار.
- المجالس المحلية
من أجل أن يتم الحفاظ على المجالس المحلية ورفع قدراتها ومنع الاستغلال السياسي الإقليمي والدولي لها يقترح التالي:
- التركيز على الطابع الاحترافي للمجالس في تقديم خدماتها وخدمتها لجميع السوريين بدون تمييز.
- تعزيز شرعية المجالس عبر الحفاظ على دورية الانتخابات والنأي بها عن التجاذبات السياسية الأيديولوجية المحلية.
- الحفاظ على الطابع المدني لعضوية ولوظيفة المجالس بعيداً عن تدخلات المعارضة العسكرية، وبما يكفل لكافة المواطنين المشاركة والتفاعل معها.
- ينبغي أن تطالب المجالس المحلية بتحييدها عن الصراع العسكري وتحريم استهدافها من أي جهة كانت، وألا يخضع وجود وحماية المجالس لعملية التفاوض السياسي.
- تعزيز العلاقات البينية بين المجالس المحلية في المحافظات ومع مجالس المحافظات.
- الشفافية في جميع تعاملات المجالس مع المانحين لتجنب شبهة الانخراط في تحالفات إقليمية أو دولية تضر في المستقبل.
- الولايات المتحدة وأوروبا
يمكن للولايات المتحدة وأوروبا المساهمة في تحسين مضمون المفاوضات الجارية في الأستانة وجنيف وكذلك تسهيل الانتقال المؤسسي في المرحلة الانتقالية عبر التالي:
- الانخراط أكثر في مفاوضات الأستانة ولو على مستوى تحسين الاتفاقات وضمان وجود آليات تنفيذية لها ومتابعة التنفيذ. حيث سيضعف هذا الأمر من إمكانية تجاهل نتائج الاتفاقات من قبل الدول الموقعة وسيعزز من الموقف المسؤول للولايات المتحدة وأوروبا تجاه القضية السورية.
- دعم تشكيل وفد سوري واحد ورفده بالإمكانات المادية والفنية المطلوبة. ومن المهم هنا التأكيد على أهمية إتاحة تشكيل كفاءات سورية فنية داخل الوفد بدلاً من فرض شركات استشارات أجنبية بتكاليف مرتفعة ونتائج مشكوك في جدواها.
- احترام مهنية واحتراف المجالس المحلية ودعمها بما لا يضعها في مرمى نيران التجاذب الدولي والإقليمي.
- روسيا
يمكن لروسيا أن تصل لنتائج أفضل وأسرع في جهودها الدبلوماسية لحل النزاع وتحسين مضمون المفاوضات الجارية في الأستانة وجنيف وكذلك تسهيل الانتقال المؤسسي في المرحلة الانتقالية عبر التالي:
- عدم تقويض شرعية وفد المعارضة بإظهار حسن النية بعدم قصف قوات المعارضة ومنع النظام وحلفائه الإيرانيين من قصفهم.
- التواصل مع الوفد قبل الجولات التفاوضية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر الأتراك، وذلك من أجل تحسين محتوى النقاشات وبالتالي مخرجات التفاوض. يجب أن يحصل وفد المعارضة على كافة المعلومات التي تمكنه من تمثيل مطالبه بشكل فعّال وتحويلها لنتائج ملموسة بعد التفاوض.
- تسهيل وصول المساعدات الإنسانية لمناطق المعارضة لبناء الثقة مع المواطنين السوريين المعارضين للأسد وكذلك تدعيم شرعية وفد التفاوض.
- التعامل مع المجالس المحلية باعتبارها ممثلة شرعية للسكان وتدعيم دورها كمقدم للخدمات والأمن في مناطق المعارضة وعدم محاولة استقطابها بما سيؤدي لفقدانها لشرعيتها وكذلك للدعم المحلي والمالي لها.