شهد النصف الأول من شهر أيار 2016 تقدماً لصالح قوى الثورة السورية على حساب كلٍ من تنظيم الدولة والنظام السوري في محافظتي حلب وريف دمشق. كما تمكنت قوى سورية الديمقراطية من تحقيق تقدماً طفيفاً على حساب تنظيم الدولة في ريف الحسكة الجنوبي. أما جبهات النظام والتنظيم فشهدت تصعيداً في كلٍ من ريف حمص الشرقي ومدينة دير الزور مما مكن الأخير من السيطرة على عدو مواقع جديدة، ولكن هذه الجبهات لم تمنع قوات النظام من التقدم في الغوطة الشرقية على حساب قوى الثورة السورية، مستفيدةً من حالة الاقتتال بين فصائل قوى الثورة السورية في الغوطة الشرقة.
2-1) تقدمت قوى الثورة السورية على تنظيم الدولة في منتصف شهر شباط بريف حلب الشمالي حتى مدينة الراعي، هذا الهجوم تحول مع بداية شهر نيسان إلى دفاع، حيث شن تنظيم الدولة هجوماً معاكساً استرجع من خلاله كافة المواقع التي كان قد خسرها بالإضافة إلى سيطرته على مواقع جديدة كان أخرها في 27 نيسان و بداية شهر أيار، حيث سيطر على على عدة بلدات تقع شرق بلدة الكفرة، حيث بات يفصله عن مدينة إعزاز مسافة 7 كلم فقط. كما استطاع التنظيم من السيطرة على بدلة دويدان في الريف الشمالي والتي بالقرب من الحدود التركية. 3) يشهد ريف حلب الغربي اشتباكات متقطعة بين قوى الثورة السورية من جهة وقوى سورية الديمقراطية من جهة أخرى وصلت لأشدها في 27 نيسان/أبريل وبالتحديد على جبهات قرية (عين دقنة) الواقعة في الجهة الشرقية من مدينة (تل رفعت)، حيث شنَ مقاتلي جيش السنة هجوماً على مواقع قوى سورية الديمقراطية والذي بدوره لم يكن له أي هدف استراتيجي واضحاً، خاصةً أن الهجوم حدث بالتزامن مع سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة على بلدتي (جارز ويامول) اللتان تقعان بالقرب من قرية (عين دقنة)، ولم تكتف قوى سورية الديمقراطية بصد الهجوم فقط، حيث قامت في بلدة عفرين باستعراض لجثث مفاتلي جيش السنة في أحياء مدينة عفرين. 4) شهدت أحياء مدينة حلب التي تخضع لسيطرة قوى الثورة السورية حملة عسكرية جوية من قِبل المقاتلات الروسية والسورية، وجاء هذا التصعيد بعد يومٍ واحد من إعلان الهيئة العليا للمفاوضات من تأجيل مشاركتها في مباحثات جنيف وذلك في 19 نيسان/أبريل. وسبق هذا التصعيد بعض التصريحات السياسة عن تواجد جبهة النصرة في حلب، واعتبر مراقبين أن تلك التصريحات كانت بمثابة مشرعناً لتلك الحملة، ولكن الطيران الروسي والسوري لم يستهدف مقراً عسكرياً واحد بل اقتصرت غاراته على مواقع المدنيين والمشافي والمساجد. 5) يشهد ريف حلب الجنوبي منذ 9 نيسان 2016 معارك كرً وفر بين ميليشيات إيران ووحداتها الخاصة من جهة وقوى الثورة السورية من جهة الأخرى، حيث أرسلت إيران فرقة 65 للمهام الخاصة من أجل الإشتراك بمعارك العيس والتي سيطرت عليها قوى الثورة السورية وفصائل إسلامية أخرى مؤخراً. ومع بداية شهر مايو تمكن مقاتلي غرفة عمليات الفتح من السيطرة على بلدة الخالدية وتلال خان طومان مما سهل لهم فيما بعد بالسيطرة على بلدة خان طومان بالكامل.
ضمن مشاركته ببرنامج "سوريا اليوم"، الدكتور عمار قحف:"الفاعل الأكبر اليوم هو "الفاعل السوري"اعتبر المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف أن "الفاعل الأكبر في المشهد السوري اليوم هو "الفاعل السوري"، سياسياً وعسكرياً ومدنياً، وسط تقارب وتوحد للفصائل والجهات المختلفة، مما سيمكنه من تغيير المشهد في عدة جبهات مختلفة، مثل دمشق وريفها، والجبهة الجنوبية، والساحل".
جاء ذلك خلال مشاركة الدكتور قحف في برنامج "سوريا اليوم" على قناة "الحوار" في بريطانيا، يوم الأربعاء 14 تشرين الأول/ أكتوبر، لمناقشة الأبعاد الدولية والإقليمية للتدخل الروسي وتداعياته على المنطقة، بمشاركة الكاتب الصحفي بسام جعارة.
وأشار مدير مركز عمران إلى أن "الولايات المتحدة تستخدم روسيا في الوقت الراهن لكيلا تغرق في الأزمة السورية"، مستدركاً أنها ستأتي في اللحظة التي تعتبرها مناسبة لـ "قطف الثمار".
وأضاف الدكتور قحف أن الحجة القانونية التي تستخدمها أمريكا هي "طلب من الحكومة العراقية"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تستخدم على عدة أطراف في الوقت نفسه لتأخير الحسم ومنع انتصار أي طرف على الآخر، ولذلك تدعم فصائل مثل "وحدات الحماية الشعبية"، مقابل دعمها ومشاركتها في تحالف بغداد، المكون من العراق وروسيا والأسد وإيران، عبر نفوذها الموجود في العراق.
وتابع المدير التنفيذي لمركز عمران بأن من أبرز صفات المشهد الجاري في سوريا والعراق حاليا هو "الانسياب الإقليمي للقوى العابرة للحدود"، و"انسياب المواقف الضبابية والعابرة"، موضحاً أن هذا يفسر تناقض الموقف الأمريكي عبر دعمه "غرفة بغداد"، ودعم قوات المعارضة بنفس الوقت، وكان آخرها دعمها بصواريخ التاو في حلب وحماة، عبر غرف عملياتها.
وأوضح الدكتور قحف أن "بوتين استغل الفراغ الأمريكي في المنطقة، وسط خروج للملف الليبي والعراقي من نفوذهم"، مشيراً إلى أن الروس يعتبرون هذه فرصة استراتيجية لاستعادة نفوذ سياسي، وسيطرة على أنابيب الغاز والنفط، مما يدفعهم لضرب مواقع محددة حسب مخططات محددة، تثبت النفوذ الروسي وتخدم مشروع أنابيب الغاز.
وأشار قحف إلى أن مناطق النفوذ الروسي تختلف عن مناطق النفوذ الإيراني، وسط تقاسم بين الجو والأرض.
وأضاف الدكتور عمار قحف أن "المنطقة مقبلة على مزيد من التعقد الإقليمي والداخلي"، مشيرا إلى دعم الدول للمجموعات المعارضة بمبادرات وزيادة الدعم، مثل دعم "الجبهة الجنوبية"، متوقعاً زيادة الانتصارات والانسحابات، وسط تضارب المشاريع والداعمين المختلفة.
وبخصوص تحرك القطع الصينية في البحر المتوسط، استبعد الدكتور قحف مشاركة الصين عسكريا في المشهد السوري لأسباب عديدة، منها: الارتباطات الاقتصادية بينها وبين الولايات المتحدة، وسط تغير في المشاريع والعلاقات والتحالفات بين الدول الإقليمية بعد الاتفاق النووي الإيراني.
تمخض الجبل فأنجب فأراً، خرج مؤتمر فيينا الذي ضم 19 وفداً دولياً في 30 أكتوبر بمجموعة من النقاط لا تُغير من مجرى العملية السياسية الذي لايزال يخضع لتوظيفات وتطويعات تتسق مع غايات بعض الفواعل الدولية على حساب القضية المجتمعية السورية الأساس، إذ يقرر هذا المؤتمر أنه على السوريين تشكيل دولة علمانية تبقي وتحافظ على المؤسسات السورية بما فيها مؤسستي الجيش والأمن، التي تآكلت بحكم سياسة الأسد الذي عمل على زجها واستغلالها لتطوير أدواته في قمعه للحراك الثوري من جهة، أو التي أضحت تحت السيطرة الكاملة من قبل الجيش الروسي والإيراني اليوم، كما لم يحسم هذا المؤتمر أهم مسألة والتي هو موطن خلاف بين الدول ألا وهي رحيل بشار الأسد وآلية تنفيذ الانتقال السياسي عبر انتخابات أو عبر هيئة حكم انتقالي وما هو دور الأمم المتحدة في هذا المجال، وهو ما لم يتم بحثه في فيينا مما يدلل على استمرار الهوة بين مواقف الدول.
انتهى المؤتمر من حيث بدأ وكأنه استعراض دبلوماسي جهدت موسكو لعقده بغية ضمان عدم تزمين تورطها في المشهد السوري السائل وعدم قدرتها على علاج أزمة الموارد البشرية المتزايدة في صفوف قوات الأسد وحلفائه، لذا سرعان ما تسابق الفاعلون بعد الاجتماع من الطرفين الداعم للمعارضة وللنظام لمحاولة إجراء تغيير سريع في موازين القوى السياسية والعسكرية، حيث تُقدم روسيا نفسها أنها الراعي للحل في سورية. غير أنه كان أول اجتماع من نوعه بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وبين الدول المجاورة لسورية والداعمة لكافة الأطراف، وبالتالي كان بمثابة المواجهة الأولى التي خرجت ببيان ضعيف لا يُراعي مفرزات المشهد السوري، وسرعان ما تحولت الاستقطابات بعده لإحداث تغيير في موازين القوة على الأرض ليعود كل طرف بوجه جديد تجاه الخصم. وتكمن المشكلة هنا أن الكل يحاول إيجاد الحل وفرضه على السوريين الذين تم تغييبهم في الاجتماع وتم الاكتفاء بذكر أن الحل بيد السوريين في البيان الختامي، بل وصرح أحد وزراء الخارجية الحضور أن مهمتهم التوصل للحل وأي فريق سوري لا يقبل بذلك الحل المقدم له يعتبر إرهابياً تجب محاربته وإرسال الطائرات بدون طيار.
كان تموضع الولايات المتحدة الأمريكية في فيينا ملفتاً للنظر حيث قدم نفسه كوسيط ومدير للنقاش بين الأطراف ودافعاً نحو عدم "الالتهاء" بقضية الأسد ومصيره وعدم تصنيف حزب الله والميليشيات التي استجلبها النظام كجماعات إرهابية، وعدم بحث كيف وصلنا إلى هذه النقطة من الاستعصاء في الحل، والتركيز بالمقابل على ضرورة إحداث حل سياسي يستطيع الجميع فوراً التركيز على محاربة الإرهاب، كما تم تأطير النقاش من قبل الجانب الأمريكي بـ "كيف نحارب الإرهاب في ظل حرب أهلية". إذن فالتصور للمشهد السوري لا يزال يعتريه التشويه الكبير لدى العديد من الدول وسط استقطاب حاد بين طرفين بشكل واضح: السعودية وتركيا وقطر وفرنسا وبريطانيا في مقابل روسيا وإيران والعراق وعُمان ولبنان، مع باقي الدول في الوسط يمكن جذبها لأي من الطرفين. كما أن الجانب الأمريكي بدى كأنه يُريد الحفاظ على موازين القوى وعدم اختلالها واستدراج الروس والجميع للتورط أكثر وهو يقف على الحياد ليدير الحوار بين الأطراف.
حاول الوزير الروسي وغيره اللعب على وتر "ضبابية تعريف الإرهاب" وأن المشكلة في محاربة الإرهاب هي أن التعريف غير موحد وأنهم لا يعرفون المعتدل من المتطرف، وهو محور قديم-جديد يحاول الروس شراء الوقت عن طريق الخوض فيه وتعويم المشهد في مواجهة مشهد النظام الذي وصل إلى درجة كبيرة جداً من التشرذم السياسي والعسكري والتنفيذي، بينما يستمر الروس في الواقع الميداني استهداف المشافي والمدارس والأسواق العامة للسوريين بل وفصائل المقاومة الوطنية التي حاربت وما تزال تحارب تنظيم الدولة. كما أن مناقشة تعريف الإرهاب لم يتم تأطيره بإطار واضح فرآه ممثل مصر ممثلاً بـ"الإخوان المسلمين"، وتغافل الروس عن إرهاب حزب الله معتبرين "أنه تم استدعاؤه من قبل حكومة شرعية ممثلة في الأمم المتحدة" وهذا ما يُعد انتكاساً مفاهيمياً لوظائف وأدوار الدولة، فمتى كانت تستدعي دولة عضوة في الأمم المتحدة ميليشيا عسكرية للدفاع!!!. واختلف الفرقاء على تصنيف الفصائل المقاتلة كل حسب الرؤية السياسية الخاصة ببلدانهم، وهنا أعاد مدير النقاش الأمريكي الحديث إلى كيفية إيقاف الحرب الأهلية والبدء بمحاربة داعش وتعويم النقاش وعدم حسمه ثم تأجيله.
ولا يمكن تجاهل الموقف القوي الذي سُرب للإعلام من وزير الخارجية السعودي حيث قال إن المملكة مستمرة بدعم الثوار وماضية حتى سقوط الأسد من خلال عملية سياسية أو عسكرية في حال لم يتم اعتماد خطة للحل يغادر فيها الأسد سورية. وكذلك موقف وزير الخارجية القطري والتركي المتناغم بشكل كبير مع الموقف السعودي. وكذلك موقف الوزير الفرنسي الذي واجه الروسي بشكل مباشر بأن يتوقف عن "إعطائهم الدروس" وأن "يحترم نفسه" وهي عبارات تؤكد حجم الهوة الكبير في قراءة المشهد السوري لدى كافة الأطراف.
تبقى هناك فرصة نرى بوادرها لكن لا يعلم مداها، وهي التباعد بين السياسة الروسية والإيرانية، فواضح أن الروس لم يتوقعوا حجم انهيار مؤسسات الدولة السورية فاضطروا لوضع يدهم على أغلب هذه المؤسسات وإدارتها بشكل انتداب، مما وضع الروس في موقف محرج يصعب عليهم الاستمرار فيه لمدة طويلة خاصة مع استمرار انخفاض أسعار النفط عالمياً. الواقع أكثر تعقيداً وأبعد عن الحل بيد مجموعة ال19 المجتمعين في فيينا إذ أن المصالح الدولية متناقضة لدرجة كبيرة والواقع في الأرض بعيد كل البعد عن دائرة القرار ولا يمكن فرض قرار بهذه الطريقة عليه. وستشهد المرحلة القادمة حراكاً ديبلوماسياً مكثفاً من طرف الروس مع تباعدهم (وليس تخاصمهم) عن الموقف الإيراني إضافة إلى عمل عسكري يحاول نفخ الروح في الجسم الميت للنظام، وفي المقابل ستُحاول فصائل المقاومة الوطنية الخروج بعمليات عسكرية نوعية في خواصر النظام الرخوة لتعديل ميزان الكفة والصمود في وجه الاحتلال الروسي. وتبقى الإرادة السورية الوطني تردد بأن أي حل لا يبدأ برحيل الأسد عن السلطة لا يمكن أن يحدث أي انفراج بالأزمة السورية وهو ما بدى بعيداً عن مائدة فيينا.
نشر على موقع السورية نت:https://goo.gl/wor2Hm
بتاريخ 12تشرين الأول / أكتوبر 2015. شارك المدير التنفيذي لمركز عمران الدكتور عمار قحف بندوة عقدها مركز سيتا (SETA) بمدينة أنقرة التركية بعنوان "الأزمة السورية بعد التدخل الروسي". وكان مشرف الندوة الدكتور أفق أولوتاش من مركز سيتا.
وتحدث خلال الندوة كلاً من السادة نورمان ستون من جامعة Bilkent، الأستاذ نهاد أوزكان من جامعة TOBB.
عقدت الندوة لمناقشة الوضع الراهن إثر الانحياز الروسي لنظام الأسد بتدخلها العسكري الأخير الهادف إلى دعمه والوقوف بوجه تقدم المعارضة المسلحة التي سيطرت على إدلب وبدأت بالتحرك نحو مدينة اللاذقية السورية التي تعتبر معقلاً لنظام الأسد وقواته، مما دفع روسيا إلى تصعيد وجودها العسكري في المنطقة وتعزيز حشودها في غرب سورية وإطلاق ضربات جوية على أهداف المعارضة.
الأمر الذي جعل من التدخل الروسي واحدة من أهم القضايا الرئيسية التي أثارت ردات فعل دولية وإقليمية هدفت إلى تغيير الخطوة الروسية التي خلقت نوعاً من التوتر بين الغرب وروسيا لكونها لا تؤثر فقط على الأزمة السورية والسياسية الإقليمية بل تأثر أيضاً على ديناميات السياسة العالمية.
قدم المدير التنفيذي لمركز عمران ضمن الندوة ورقة حملت عنوان "التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية" عرض فيها قراءة تحليلية للواقع وخصوصاً فيما يتعلق بتوصيف الفعل الروسي الجديد ودوافعه، مؤكداً خلال حديثه على الدور الوطني المطلوب من قوى المقاومة الوطنية التي تقف أمام مروحة فرص وتحديات تستوجب العمل على أصعدة مختلفة سياسياً وعسكرياً لبلورة برامجها وآلياتها الوطنية لإدارة المرحلة القادمة بكامل متطلباتها السياسية والتفاوضية والعسكرية.
طالما كان موقف جبهة النصرة لغزاً في كونها ذات منهجٍ قاعدي بعيد عن روح الثورة السورية في حين أن سلوكها المبدئي أظهر تفهماً لنسق الحاضنة الاجتماعية التي تتواجد فيها. ويبدو أن الأحداث الأخيرة حسمت القول في ميلها ونياتها. وتناقش هذه الورقة الخيارات المتعددة لجبهة النصرة والأثمان المترتبة على ذلك.