مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Displaying items by tag: وسيم القطان

 

"تشكلت خلال سني الأزمة منظومة اقتصادية ناشئة، كان رجال أعمال الحرب الموالون للنظام أبرز شاغليها، ومن شأن تركيز هذه النخب استثماراتها على القطاعات الخدمية والريعية كنظرائهم من نخبة ما قبل 2011، أن يولد اختناقات اقتصادية ذات كلف اجتماعية باهظة"

تشكلت شبكات اقتصادية غير رسمية بين شاغلي السلطة وكبار مالكي رأسمال مع تولي حافظ الأسد زمام السلطة، وقد خضعت تلك الشبكات إلى إعادة تشكيل خلال مراحل عدة كان أهمها صعود بشار الأسد وتوليه زمام السلطة سنة 2000، حيث أفضت تلك العملية إلى صعود نخبة اقتصادية معولمة، توزع أعضائها على تحالفين رئيسين هما شام القابضة وسورية القابضة، وقد حفز النشاط الاقتصادي الاحتكاري لهذه النخبة، وطبيعة استثماراتها الاقتصادية المتمركزة على القطاعات الخدمية والريعية، الحراك الاحتجاجي سنة 2011، والذي سرعان ما انزلق لمتاهات التنافسين الإقليمي والدولي.  تفكك الاقتصاد السوري خلال الحرب وبفعلها، وأدى ذلك إلى تشكل أنماط اقتصادية مشوهة كاقتصاد الحرب، وقد اضطرت الضائقة الاقتصادية والعقوبات الأوربية والأمريكية النظام إلى تبني سياسات انكماشية وأخرى تكيفية، كان منها إعادة تشكيل الشبكات الاقتصادية على المستوى المركزي كما المحلي، عبر استبعاد من يشك بولائهم وممن أحجموا عن دعمه كرجل الأعمال عماد غريواتي، وتوسيع شبكاته الاقتصادية عبر دمج طامحين استغلوا مساحات الفراغ المتشكلة في الشبكات الاقتصادية القديمة والمتفككة لاحتلال مواقع متقدمة في هذه الشبكات، وغالباً ما كانت تدار عمليات انتقاء واعتماد الوافدين الجدد من قبل المراكز المؤثرة بالقصر الجمهوري وفق صيغة "الرعاية مقابل الولاء"، وقد دعمت هذه العملية النظام اقتصادياً واستنزفت خصومه المحليين، كما احتوت مخاطر سياسية محتملة لاستقلالية مجمع رجال الأعمال، فضلاً بأنها ساعدته على تجاوز قيود فرضها خصومه عليه عبر التحايل على نظام العقوبات، علاوةً على تصدير أسماء جديدة من رجال الأعمال لجلب الاستثمارات من الخارج، وقد تمكن رجال الأعمال الجدد من تطوير دورهم من مجرد وسطاء إلى الانخراط بأدوار اقتصادية متقدمة، مرسخين بذلك حضورهم كفاعلين جدد في شبكات النظام الاقتصادية الناشئة.

يلقي مثالي رجل الأعمال وسيم قطان وآل القاطرجي الضوء على الآلية السابقة، والمكاسب المتحققة للنظام من خلالهما في سياق الحرب، وكيفية تطور دور كل منهما وتعزيز مكانتهما في شبكات النظام الاقتصادية الناشئة.

وسيم القطان: متعهد منشئات الدولة

لم يكن وسيم قطان الدمشقي الأربعيني عضواً في نادي كبار رجال الأعمال قبيل سنة 2011، حيث تميل الروايات المتداولة إلى كونه أحد موظفي شركة الاتصالات Syria Tell المملوكة لرجل الأعمال رامي مخلوف، بالإضافة إلى مزاولته للنشاط التجاري في سوق الحريقة، ليتبدل هذا الحال مع اقتحام قطان مجمع رجال الأعمال الكبار بشكل علني اعتباراً من سنة 2017، بصفقاته المليارية الأربع لاستثمار المنشئات الحكومية وأخرها عقد استثمار مجمع يلبغا السياحي([1]).

سبق ظهور قطان العلني نشاط اقتصادي جرى في الظل كما تؤكده بعض الروايات، حيث كان أحد متعهدي عقود أتاواة الغوطة الشرقية عقب استهداف جورج حسواني بالعقوبات الأوربية والأمريكية في سنة 2015،([2]) ولعل ذلك يفسر مصدر الأموال التي دفعها القطان لاستثمار عدد من منشئات الدولة، وما كان للقطان أن يبرز لولا قدرته على حيازة ثقة القصر الجمهوري ونجاحه في نسج علاقات مباشرة مع مراكز الثقل المؤثرة فيه، حيث لجأ القطان إلى توظيف علاقاته مع رامي مخلوف للولوج بداية إلى القصر، ولا يستبعد بأن مخلوف قد زكاه للقصر لمنحه عقود الأتاواة عقب استهداف جورج حسواني بالعقوبات، ليتمكن القطان لاحقاً من تطوير علاقته ببشار الأسد ونيل ثقته عقب رعايته لعدد من مبادرات القصر الجمهوري التي تعنى بشؤون جرحى وقتلى "الجيش السوري"([3]).

انعكست ثقة القصر بقطان من خلال تعيينه كرئيس لغرفة تجارة ريف دمشق عقب حل وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك للغرفة، وكان أن سبقها نجاح القطان بنيل عقود استثمار لعدد من منشئات الدولة الخدمية والسياحية، وانتزاع أخرى من أيدي مستثمريها القائمين بشكل قانوني كما حصل في مول ماسا بلازا،([4]) وفي حين تعتبر ثقة القصر ضرورية لنيل عقود الاستثمار، لكنها غير كافية، إذ لا بد من كسب رضا وقبول مسؤولي البيروقراطية الحكومية لتسيير الإجراءات الإدارية ونيل الموافقات الضرورية، الأمر الذي عمل عليه قطان عبر دفع رشى ومنح هدايا للمسؤولين الحكوميين.

استفاد النظام من قطان بداية عبر إدارة صفقات الحرب التجارية "عقود أتاواة الغوطة الشرقية" من خلاله، والتي أتاحت للنظام استنزاف اقتصاد الغوطة الشرقية واستحواذ الدولار من داعميها، ليجد النظام فيه شريكاً لأداء أدوار اقتصادية متطورة عبر السماح له باستثمار منشئات الدولة بما يحقق له هدفين؛ يتمثل الأول بزيادة موارد الخزينة العامة عبر إعادة النظر ببدلات استثمار المنشئات الحكومية، في حين يتمثل الهدف الثاني بالاستفادة من قطان غير المستهدف بالعقوبات لنسج علاقات مع رجال أعمال ومستثمرين أجانب وخليجين من أجل الاستثمار في سورية، ولعل الرسالة الأهم التي وجهها النظام من خلال القطان هي استعداده لفتح المجال واسعاً أمام القطاع الخاص للاستثمار في سورية بما في ذلك استثمار منشئات الدولة والقطاع العام. تمكن القطان من تعزيز مكانته في شبكات النظام الاقتصادية بداية عبر أداء دور الوسيط التجاري، لينتقل لاحقاً إلى لعب أدوار اقتصادية متقدمة من خلال استثماره لمنشئات الدولة، وتوحي المؤشرات وزيارة القطان الأخيرة إلى الإمارات ضمن وفد موسع من رجال الأعمال السوريين، إلى توسع دوره ومراهنة النظام عليه للعب أدوار متقدمة في إعادة الإعمار([5]).

آل القاطرجي: عرابي النفط والقمح

يعتبر آل القاطرجي أبرز الحيتان الجدد في اقتصاد الشمال السوري برأسمال يصل إلى 300 مليار ليرة سورية،([6]) حيث أتاحت لهم الحرب فرصة تطوير أنشطتهم الاقتصادية عبر تفعيل شبكاتهم المحلية ووضعها في خدمة النظام، وبذلك أثبتوا الولاء ونالوا الحظوة والرعاية، الأمر الذي مكنهم من بناء إمبراطورية اقتصادية نواتها الرئيسية مجموعة القاطرجي، إضافة إلى عدة شركات تتنوع خدماتها لتشمل قطاعات النفط والنقل والأمن([7]).

سُلط الضوء على نشاط عائلة القاطرجي منذ سنة 2016 حينما كُشف عن دورها في توريد القمح والنفط للنظام السوري من مناطق سيطرة كل من "تنظيم الدولة" وقوات "PYD"، لكن المؤكد بأن عائلة القاطرجي قد بدأت أعمالها التجارية غير الشرعية قبيل سنة 2011 بالشراكة مع ضابط من القصر الجمهوري،([8]) وما كان من عائلة القاطرجي إلا الاستفادة من الوضع الناشئ عقب انطلاق الحراك الاحتجاجي لتزيد من نشاطها التجاري، هذا ويعود الفضل في اعتماد آل القاطرجي كعرابين لصفقات القمح والنفط المحلية لصالح النظام، إلى شريكهم الضابط في القصر الجمهوري، والذي تولى عملية تزكية العائلة إلى ذو الهمة شاليش (المسؤول عن إدارة الملف الاقتصادي في القصر الجمهوري)، ليصار إلى اعتمادها كعراب لصفقات النفط والقمح([9]).

تولى آل القاطرجي إدارة صفقات القمح والنفط لصالح النظام، مستفيدين من شبكاتهم المحلية وعلاقاتهم العشائرية، كما استطاع آل القاطرجي تعزيز مكتسباتهم من خلال نسج علاقات مع نخبة القصر سيما مع ماهر الأسد، وهو ما يظهر بتولي الفرقة الرابعة مهام ترفيق شاحنات القاطرجي.([10])

أدار آل القاطرجي العمليات التجارية المرتبطة باقتصاد الحرب لصالح النظام المستهدف والمحاصر بالعقوبات، ونجحوا في تأمين جزء معتبر من احتياجاته من المواد الأساسية ذات الإنتاج المحلي كالقمح والنفط، كما أسسوا ميليشيات داعمة للنظام "قوات القاطرجي"، وكان لهم دور محوري في حشد جزء من العشائر العربية لدعم النظام،([11]) لتكون مكافأة النظام لهم بتسهيل أعمالهم التجارية في حلب والمنطقة الشرقية والإقرار بها، وتأمين الحماية الأمنية الشخصية لهم ولاستثماراتهم، كذلك منحهم دوراً سياسياً شكلياً عبر عضوية حسام القاطرجي في البرلمان السوري دورة 2016.

لم تؤثر العقوبات الأمريكية والأوربية التي طالت عدداً من آل القاطرجي على أعمالهم التجارية بشكل ملموس، بل عمدوا إلى توظيف رأس المال الذي تحصلوا عليه من خلال أعمالهم التجارية غير الشرعية في استثمارات ريعية داخل سورية([12])، ومن خلال هذه الاستثمارات والشركات انتقل آل القاطرجي من لعب دور الوسيط التجاري، إلى ممارسة دور رجال الأعمال المالكين لرأسمال والاستثمارات ليكونوا أحد أبرز الوافدين لنخبة حلب الاقتصادية.

يظهر مثالي وسيم القطان وآل القاطرجي عملية ظهور النخب الاقتصادية المستحدثة من تجار الحروب، وكيف ساهم صعود هذه الطبقة بتشكيل منظومة اقتصادية جديدة عمادها تجار الحرب والوسطاء التجاريين، ممن تم إدماجهم باقتصاد النظام عبر آليات متعددة كان حاملها وناظمها الرئيسي نخبة القصر الجمهوري، ولا يختلف الوافدون الجدد عن نظرائهم من نخبة ما قبل 2011 من حيث تركيزهم جميعاً على الاستثمار في قطاعات خدمية وريعية بحثاً عن الريح السريع، ومن شأن هيمنة هذا التوجه الاقتصادي على مرحلة إعادة الإعمار أن يفضي إلى حدوث اختناقات اقتصادية ذات كلف اجتماعية باهظة، كتلك التي حفزت اندلاع الحراك الاحتجاجي سنة.


([1]) وسيم قطان يفوز بعقد استثمار مجمع يلبغا السياحي موقع الاقتصادي، تاريخ 10-01-2019، رابط إلكتروني https://bit.ly/2Cs3KUm

([2]) هادي المنجد، الغوطة الشرقية. ما بين حصار الأسد والإتاوات والأسعار الخيالية، أورينت، تاريخ 16-10-2017، رابط إلكتروني https://bit.ly/2RyLnYa

([3]) حوار أجراه الباحث عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع صحفي متخصص بالشؤون الاقتصادية مقيم في سورية. تاريخ المقابلة تموز/ 2018.

([4]) وسيم القطان: مواطن سوري. وأحترم القانون...!، الاقتصاد اليوم، تاريخ 20-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2MkIxjr

([5]) القطان...زيارة الوفد الاقتصادي الى ابو ظبي عتبة لعلاقات واسعة قادمة بين سورية والامارات، موقع الاقتصاد اليوم، تاريخ 15-01-2019، رابط إلكتروني https://bit.ly/2toOcwp

([6]) “القاطرجي”: كيف صار “أولاد” الخياط حيتانا موقع حرية برس، تاريخ 01-02-2019، رابط إلكتروني https://horrya.net/archives/90897

([7]) ملف تعريفي عن حسام القاطرجي، موقع الاقتصادي، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NxJXqL

([8]) القاطرجي”: كيف صار “أولاد” الخياط حيتانا؟ مرجع سابق.

([9]) المرجع نفسه

([10]) حوار أجراه الباحث عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع مصدر محلي مقيم في المنطقة الشرقية، تاريخ المقابلة تموز/2018.

([11]) “القاطرجي”: كيف صار “أولاد” الخياط حيتانا؟ (2)، موقع حرية برس، تاريخ 03-02-2019، رابط إلكتروني https://horrya.net/archives/91182

([12]) من استثمارات آل القاطرجي: شركة فولاذ للصناعات المعدنية، شركة حلب المساهمة المغفلة الخاصة القابضة، شركة أرفاد البترولية، استثمار فندق الشهباء بحلب.

التصنيف مقالات الرأي