مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Displaying items by tag: سورية
الخميس, 04 حزيران/يونيو 2020 00:47

ندوة بحثية بعنوان: تشريح الجمود السوري

عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة افتراضية بعنوان "تشريح الجمود السوري" وذلك في 03 حزيران/ يونيو 2020، هدفت الجلسة إلى تسليط الضوء على الجهود الجارية لحل "الجمود السوري" عبر جهودات المجتمع الدولي لإنهاء الجمود السياسي الحالي.

عُقدت الجلسة بمشاركة السفير د. ألكسندر أكسينوك (نادي فالداي ، RIAC) والدكتور كونستانتين تروفتسيف (معهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم) في تحليلهم وتصوراتهم للأحداث الأخيرة في سورية ، بما في ذلك اتفاق خفض التصعيد في إدلب، قسد، علاقات النظام ، اندلاع كوفيد 19 ، الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها نظام الأسد.

التصنيف الفعاليات

تعتبر العقيدة العسكرية جزء أساسي في عملية بناء أي جيش واستثماره، كما تعتبر إحدى محفزات العسكريين، للاستمرار في عسكريتهم والخدمة بها على أكمل وجه، وعلى هذا الأساس تستثمر القيادات العسكرية حول العالم في هذه المفاهيم، من أجل ترسيخ الأفكار التي تراها مناسبة في عقول وضمائر العسكريين، وذلك لضمان تنفيذ المهام والأوامر دون أدنى تشكيك ودونما أي تردد، وكبقية جيوش العالم ومن المنظور الخاص بهذه الزاوية، حاولت القيادة السياسية/ العسكرية في سورية تأسيس عقيدة خاصة بالجيش السوري، إلا أن هذه العقيدة تغيّرت عدّة مرات قبل أن تصل لما هي عليه اليوم.

بشكل عام، فإن معنى كلمة "عقيدة"، يدل على ما عقد عليه القلب والضمير، كمبدأ، ويرتبط المعنى بالروحانيات والايمان الراسخ بقضية ما، أما "العقيدة العسكرية" فهي مجموعة من القيم والمبادئ الفكرية التي تهدف إلى إرساء نظريات العلم العسكري وعلوم فن الحرب، لتحدد بناء واستخدامات القوات المسلحة في زمن السلم والحرب بما يحقق الأهداف والمصالح الوطنية، وتختلف توظيفات هذه العقيدة بحسب الحاجة التي تفرضها محددات الأمن القومي، أو شكل الحكم القائم أو طبيعة المجتمعات الموجودة في الدولة.

في سورية، طرأ على مفهوم العقيدة في الجيش السوري عدّة تغيرات أهمها: تحوله من مفهوم الجيش الوطني إلى مفهوم الجيش العقائدي، وذلك بعد استيلاء حزب البعث على الحكم بتاريخ 8 آذار/ مارس 1963، حيث تم ربط الجيش السوري بعقيدة حزب البعث وأفكاره، كما تمت مصادرة إرادة الجيش لصالح الحزب طبقاً لما حصل مع الدولة نفسها، وسبق لحافظ الأسد القول: "إن جيشنا ليس جيشاً حزبياً ولا حزباً سياسياً، وإنما هو جيشٌ عقائدي مؤمن بعقيدة حزب البعث العربي الاشتراكي ويعمل على ما تخططه القيادة المسلحة من أجل مصلحة الشعب".

أما التغير الثاني والذي يمكن القول بأنه انحراف عن المسار السابق، هو تغلغل فكرة القائد وتقديسه، والذي بدء بعد استيلاء حافظ الأسد على الحكم في سورية بعد انقلابه على رفاقه الحزبيين في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، حيث استمر هذا التقديس بعد مماته وتوريث الحكم لبشار الأسد عام 2000.

بما يتعلق بحافظ الأسد، لا يمكن القول بأن الرجل لم يبذل جهوداً لسنوات، في سبيل استيلاءه على حكم سورية، والذي تم له لمدة 30 عاماً، ولاحقاً تمهيده توريث السُلطة لأحد أبناءه بشكل مماثل لما هو قائم في الدول الملكية في بلد يعمل بالنظام الجمهوري، إلا أن هذا التقديس حصل ويحصل عليه بشار الأسد، بالرغم من أنه مجرد وريث للسلطة فقط.

يملك الجيش السوري على المستوى العقائدي منظومة متكاملة من المفاهيم والكلمات المختلطة، بما هو حزبي "بعثي"، ومفاهيم اجتماعية تحمل في طياتها عدة طبقات مختلفة، يمتد بعضها حتى للاقتباس من الكتب المقدسة، وتغلفُ تلك المفاهيم بصمة بصرية واضحة (صور – رسومات – شعارات مكتوبة) تُسيطر على المشهد، وتشكل بمجموعها أساس العقيدة العسكرية (الجانب غير التقني) حيث يمكن استنتاج هذه العقيدة بالكلمات الموجودة على مداخل الثكنات العسكرية وجدرانها وقاعاتها ومكاتبها ومحارسها، كما تُسطر كلمات القائد وكلمات تقديسه بالإضافة لمفاهيم البعث في كل حيز يمكن استغلاله في سبيل ذلك، حتى الشعارات الصوتية الحماسية التي يتم ترديدها،  فهي موجهة لشخص هذا القائد، وحتى إن تغير أو مات فالكلمات والرسوم والشعارات جاهزة من أجل خدمة القائد الجديد، وهو ما حدث ما بين حافظ وبشار الأسد، "بالروح بالدم نفديك يا......" على سبيل المثال.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمن خدم في صفوف الجيش قبل عام 2011، يعلم جيداً كمية العبارات التي تقدس وتمجد القائد وتردد العبارات التي دأب ضباط التوجيه السياسي المنتشرون في الوحدات العسكرية على إلقاءها على مسامع الجنود، لا بل تتحول تلك العبارات لنظام معين مع النظام المنظم (المنضم) تملئ حناجر الجنود، وبالأخص الأغرار منهم والأمثلة كثيرة على ذلك، "لعيونك يا بو سليمان بدنا نحرر الجولان"؛ "موزوناً أمة عيد، أمة؛ عربية؛ واحدة؛ ذات رسالة خالدة؛ أو  "الدورة نزلت عالساحة...تحيي أسد القرداحة"، "الجيش العربي السوري ، وحوش، وحوش، وحوش"؛ "موزوناً بشار عيد، بشار؛ بشار؛ عربية ؛ واحدة: وعلى ذات النهج يتم أحياناً استبدال "بشار" بـ "باسل" بالرغم من وفاته في عام 1994، وكأنما الأمة تختزل بشخص "القائد"، حتى أن الفرقة الرابعة لها عباراتها الخاصة والتي تمجد اللواء ماهر الأسد، حتى قبل أن يتم تعيينه قائداً للفرقة بشكل رسمي.

في المقابل هناك كم كبير من العبارات المُهينة التي يتلاقها الجنود من مرؤوسيهم أو حتى ممن هم أقدم منهم من الجنود، وهذه العبارات يطال بعضها الذات الإلهية ولا مشكلة في ذلك لديهم، طالما أنها لا تطال مقام القائد، بالإضافة لمحاولة الكثيرين تقليد لهجة أهل الساحل كونها اللهجة المتعارف عليها للعلويين، في محاولة منهم لإضفاء القليل من "الواسطة" لأنفسهم والإيحاء بأنهم من أبناء البيئة الموالية.

بالطبع بعد بداية الثورة عام 2011 سرعان ما انهارت تلك العقيدة، عند الآلاف الذين أنشقوا عن الجيش، بالمقابل ظهرت حقيقة تلك العقيدة في صفوف من بقي في ذلك الجيش، الذي تحول اليوم إلى خليط من بقية الجيش وعدد كبير من الميليشيات المحلية والأجنبية، حيث رافق تلك الفترة انتشار الكثير من عبارات التحدي للشعب كعبارات "الأسد أو لا أحد"؛ "الأسد أو نحرق البلد"؛ "حاربوك ونسيوا مين أبوك"؛ "إن عدتم عدنا" وهذه الأخيرة مقتبسة من الآية الثامنة من سورة الاسراء ولا مشكلة في الاقتباس من القرآن الكريم طالما أنه يخدم غايتهم.

وطن؛ شرف؛ إخلاص، ثلاث كلمات هي شعار الجيش السوري منذ تأسيسه، ويتم وضعها على سواعد العسكريين بمختلف اختصاصاتهم ورتبهم، كما أنها موجودة على أعلام الجيش السوري والقوى الرئيسية إلا أن الواقع يقول أن الجيش يفتقر لهذه الكلمات في ممارسته العملية، حتى عبارة "حماة الديار" والتي يبدأ بها النشيد الوطني خص بها نفسه دون غيره وجيرها في خدمته، علماً أن القصيدة كتبها الشاعر خليل مردم بك في عام 1936، أي قبل عشرة سنوات على تأسيس الجيش السوري،  وعلى الرغم من مرور عشرين عاماً على موت حافظ الأسد، ما زالت عبارة "لعيونك يا بو سليمان" تصدح في الحناجر ولكن لا الجولان تحرر ولا بقي "الأسد للأبد" في ظل وجود سورية تحت احتلال قوات من سبعة دول أجنبية على الأقل وعشرات الميليشيات العابرة للحدود.

المصدر السورية نت: https://bit.ly/3gM45Vc

 

التصنيف مقالات الرأي

قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، بدر ملا رشيد، تصريحاً صحفياً لجريدة عنب بلدي ضمن مادة حملت عنوان: "الأمريكيون حجر عثرة.. عين روسيا على شرق الفرات".

وبحسب رأي الباحث بدر؛ هناك انسجام بين الهدف الروسي من الضغط على الولايات المتحدة و”الإدارة الذاتية”، وبين  الهدف الروسي في سورية عمومًا، إذ ترمي روسيا لمساعدة النظام للسيطرة على كل الجغرافيا السورية، ما جعل من قرار انسحاب واشنطن الشامل من سورية العام الماضي، جائزة مجانية منحتها واشنطن لروسيا وإيران والنظام.

لكنّ التراجع الأمريكي خفّض سقف التوقعات والرغبات الروسية فيما يخص إعادة بسط السيطرة على كامل الأراضي السورية وشبكات الطرق الدولية، وفيما يخص شمال شرقي سورية بالسيطرة والتحكم بمخزون سورية من النفط والغاز والقمح.

وهذا ما سيدفع بروسيا دومًا للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، سواء لزيادة نفوذها المباشر في مناطق شرقي القامشلي وجنوبها، أو لدفع واشنطن لتقبل أكثر بصيغ الحل النهائي التي تحاول روسيا فرضها عبر السلاح، وفق رأي الباحث.

للمزيد انقر رابط المصدر: https://bit.ly/2Ldg2oc

قال الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية “معن طلاع” خلال تصريحه لـ SY24، إن هذا التواصل والدعم ليس مفاجئاً وباعتقادي أن هذا الإجراء هو ضمن سلسلة من الإجراءات الآخذة بالتعاظم والتي اتخذتها أبو ظبي في إعادة تعريف علاقتها مع نظام الأسد؛ وهو عموماً يأتي ضمن (إدراك إماراتي) لأمرين، الأول إنتاج المشهد العسكري وتحولاته بعد التدخل الروسي؛ والذي فرض تسيداً روسياً أجبر -ابتداءاً- العديد من الدول الاقليمية إلى تعديل خططها ومواقفها، ثم التطبيع التدريجي مع غايات موسكو في سورية في ظل سياسة إدارة الظهر الأمريكي للصراع المحلي السوري”.

والثاني تفرضه محددات أمنية إماراتية ترى أن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا بعد هزيمة داعش تتمثل في محاصرة طهران وتحجيم تواجدها الأمني والعسكري والإداري، وهذا سيفرض فراغاً ما تسعى الإمارات لتعبئته.

للمزيد انقر الرابط التالي: https://bit.ly/3bKVP4C

بتاريخ 9 كانون الثاني 2020، شارك الباحث محمد العبد الله بتقرير موسع نشره موقع السورية نت بعنوان: "ضواحي سكنية على قوائم الانتظار: توغلٌ إيراني ناعم لتكريسِ سيطرةٍ مستقبلية"، رأي فيه يرى الباحث أن توصيف العلاقة بين روسيا وإيران في سورية “لا تتعدى كونها علاقة تعاون مصلحية ظرفية، ولا ترقى لأن تكون بمثابة علاقة تحالف بين الدولتين”، على حد تعبيره، وذلك على اعتبار أن كلا الطرفين استفاد من المزايا التي يتمتع بها، لتحقيق الانتصار ضد معارضي النظام، وكان لكل منهما طموحاته العسكرية والسياسية والاقتصادية في سورية.

وعلى الرغم من الكلفة المادية الكبيرة التي وضعتها إيران لقاء تدخلها في سورية، تمكنت موسكو من التفرد بالفرص الكبرى في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، ما دفع طهران إلى محاولة الاستئثار بما تبقى من الفرص التي لم تطالها الأيادي الروسية، ومنها قطاع الإسكان، وذلك من خلال توقيع مذكرات تفاهم مع حكومة النظام، وتنفيذ تلك المشاريع بالتشارك مع المؤسسات والشركات الحكومية التابعة له، بهدف منحها شرعية أكبر في المستقبل.

للمزيد حول التقرير انقر رابط المصدر: https://bit.ly/3bpxrF8

 

بتاريخ 27-28 كانون الثاني لعام 2020؛ وضمن سلسلة النقاشات المجتمعية التي ينظمها مركز عمران للدراسات الاستراتيجية في إطار سعيه لفهم الديناميات المحلية وتضمين الشرط المحلي في معادلات الاستقرار في سورية؛ عقد مركز عمران ورشة حوارية مع مجموعة من الفاعلين والناشطين والباحثيين والأكاديميين المحليين وذلك في مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث MERI في مدينة أربيل، حيث هدفت الورشة إلى تحديد الرؤى والمواقف المحلياتية حيال العملية السياسية واستحقاقاتها ووتحديد الأطر القانونية والعملية لتضمين أدوار المجتمع المحلي في استحقاقات الاستقرار في سورية.

تركز النقاش والحوار في اليوم الأول على العملية السياسية واستحقاقاتها؛ حيث استعرض المشاركون في الجلسة الأولى: مواقفهم من العملية الدستورية وتموضعها ضمن خطوات الحل السياسي، وماهية المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ينبغي تضمينها في الدستور الجديد، وتبيان آليات تفعيل دور المجتمعات المحلية في صياغة دستور تشاركي يعبر عن وجهة نظر السوريين. كما فنّد المشاركون في الجلسة الثانية القضايا المتعلقة بالاستحقاق الانتخابي بدءاً من الاجراءات التي ينبغي أن تتضمنها هذه العملية حتى تكون خطوة على طريق التأسيس لاستقرار مستدام في سورية، وصولاً لاستعراض شروط "البيئة الآمنة انتخابياً"، والضمانات السياسية والقانونية، التي ينبغي توافرها لإطلاق أي عملية انتخابية مستقبلية في سورية وكيفية ضمان إجراء انتخابات تضمينية تشمل اللاجئين والنازحين السوريين؛ ثم تم التركيز على الإصلاحات التي يتوجب إدخالها على النظام الانتخابي في سورية، على مستوى الدوائر الانتخابية ونظام القوائم، وشروط الانتخاب والترشح، وآليات الرقابة والإشراف وأدوار وحدات الإدارة المحلية في العملية الانتخابية ومتطلبات الكفاءة والقدرات للاضطلاع بهذه الأدوار.

وفي الجلسة الثالثة؛ وضمن الرؤى المجتمعية لشروط الاستقرار وضح المشاركون ضرورة تضمين العدالة والمحاسبة والبيئة الآمنة والممكنة والكريمة لعودة اللاجئين والنازحين وبحثوا في آليات وسبل تجسيرهوة الانقسام المجتمعي القائمة، وأدوات المجتمع التي تمكنه من ممارسة دوره في قضايا العدالة الانتقالية والمحاسبة. أما الجلسة الرابعة فقد تمحورت حول التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية، فقد حدد المشاركون المحددات الرئيسية لوثيقة "المبادئ الأساسية" لعمليات الانتعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار، وكيفية الموازنة بين اعتبارات سيادة الدولة وحرية عمل المجالس المحلية في أطر عملها ووادوارها في هذه العمليات.

في اليوم الثاني خصص المشاركون جلساتهم للتباحث في مقاربة اللامركزية النوعية كمدخل موضوعي للحل؛ حيث تناولوا في الجلسة الأولى والثانية  واقع المحليات وهياكل الإدارة والعلاقة مع المركز؛ إذ أكد المشاركون على أن تجارب الحكم المحلي متباينة في سورية من حيث الإداء الحوكمي والشرعية التمثيلية إلا أنه يمكن إيجاد قاعدة أولية لتطوير لامركزية نوعية ( تقاسم الوظائف) بين المركز والمحليات تستوعب مطالب المكونات المجتمهية ويمكن لها ان تشكل مدخلاً هاماً لعقد اجتماعي جديد، منوهين إلى جملة من التحديات والمخاوف وطرق معالجتها قانونياً ومؤسساتياً؛ بينما تركز النقاش في الجلسة الأخيرة حول الأطار القانوني للامركزية وصلاحية أن يكون القانون 107 أرضية لهذا الإطار مع التركيز على ضرورة أن تتوافر الضمانات الدستورية والقانونية والآليات المؤسساتية لحماية وحدات الإدارة المحلية من استبداد الحكومة المركزية.

التصنيف الفعاليات

الملخص التنفيذي

  • لم يُستثنَ اللاجئون الفلسطينيون من تداعيات الصراع في سورية، حيث طرأ تغيير كبير على وضعيتهم القانونية، لجهة حجم الانتهاكات الجسيمة التي تعرضوا لها على نطاقٍ واسع، والتي تعود في معظمها إلى سياسات عنف غير محدودة يتحمل النظام السوري المسؤولية الأكبر عن وقوعها، دون إغفال مسؤولية أطراف أخرى في الصراع، تتحمل بدورها قسطاً من تلك المسؤولية. نجم عن ذلك -كما تناوله البحث – تفكك مضطرد في منظومة الحقوق المكفولة لهم في القوانين السورية والدولية، وفاقم من تأثيراتها على مختلف جوانب حياتهم، غياب نظام قانوني دولي يكفل حمايتهم، في ظل تحلل سلطات الدولة المُضيفة من التزاماتها بهذا الخصوص، بل وتغول أجهزتها العسكرية والأمينة في ارتكاب انتهاكات موثقة، طالت فئات واسعة من مجتمع اللجوء الفلسطيني في سورية.
  • قدم البحث مستنداً إلى الأرقام والواقع الموثقة صورة شاملة عمّا يوصف بالنكبة الثانية لفلسطيني سورية، مرتكزاً في رصده الميداني، إلى حجم ونوعية الانتهاكات المتعددة، ودورها في صناعة مأساتهم الفردية والجماعية، ومن أكثرها خطورة؛ وفق موجبات إثارة المسؤولية الجنائية الفردية في القوانين الدولية: (المجازر الجماعية- الاعتقال التعسفي- الإخفاء القسري -التعذيب حتى الموت-جرائم الحصار التجويع- جرائم القصف العشوائي والعنيف بهدف تدمير جغرافية المخيم الفلسطيني- جرائم التهجير القسري غير المنفصلة عن الأهداف الأجندات السياسية المتعلقة بتصفية قضية اللاجئين..).
  • كما عانى ويعاني اللاجئون الفلسطينيون في سورية من تهديدات ومخاطر جمّة على صعيد الحقوق العينية العقارية، فما بين تغطية إجراءات تجريد الملكية من أصحابها تحت غطاء القوانين الصادرة، وسياسات التضييق الأمني التي تمنع عودة اللاجئين والنازحين إلى مخيماتهم، يتم إهدار أملاك اللاجئين الفلسطينيين على نطاقٍ واسع، لأغراض سياسية واضحة. كل هذا يجري مع الرفض الأمريكي والأوربي لإعادة الإعمار في سورية قبل تحقيق الحل السياسي، وفي ظل عجز وكالة الأونروا عن تحمُّل أعباء إعادة إعمار المخيمات الفلسطينية، بسبب العجز في وضعها المالي والتحديات التي تواجه استمرار عملها.
  • لم تخرج طبيعة العلاقة بين الأونروا ومؤسسة اللاجئين عن أدوات الضبط والسيطرة التي حددت السلطات السورية، من خلالها الخطوط المرسومة لدور الأونروا، ونطاق عملها الجغرافي في المخيمات والتجمُّعات الفلسطينية. وبفعل تلك القيود والضوابط، لم تصل خدمات الأونروا إلى أعداد كبيرة من اللاجئين المحتاجين إليها، وما بين وقف وتخفيض خدمات ومساعدات الأونروا عن تلك المناطق، فقد حُرم آلاف اللاجئين من تلك الخدمات والمساعدات بصورة تامة.
  • لا يمكن فصل التحديات التي تواجه استمرار دور الأونروا، عن الوضعية القانونية للاجئين، وهي التي تحتفظ بالسجل المدني الشامل لأصول اللاجئين في فلسطين، والذي يُعدُّ الأرشيف الأساسي على تبدلات أوضاعهم الديمغرافية، ومصدراً أساسياً لتأكيد البعد القانوني الدولي لقضية لجوئهم. يقترن بتلك التحديات السياسات التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء دور الأونروا من خلال تقليص تمويلها وتجفيف مصادر دعمها، وهو تحدي كبير لمدى التزام المجتمع الدولي وتمسكه باستمرار الدعم اللازم للأونروا، بوصفها الشاهد الدولي على قضية اللاجئين والمرجعية الدولية المعنية بشؤونهم الإنسانية.
  • في زمن المحنة الأخيرة، لم يمنع أو يحول موقف منظمة التحرير الفلسطينية المُعلن بالحياد السياسي تجاه الشأن السوري، من وقف مسلسل الانتهاكات المشهودة للحقوق المدنية للاجئين. ومن متابعة مواقف قيادة المنظمة، خلال محطات الصراع، تتكشف تغييرات عميقة في نظرة اللاجئين للمنظمة، وذلك بحكم المواقف الصادرة عن قيادات في المنظمة أسهمت بالتغطية على الجهات المسؤولة والمتورطة في جرائم القصف العشوائي، والحصار، والتجويع، والاعتقال بحق الأهالي في مخيم اليرموك، فيما تورطت الفصائل الموالية للنظام (القيادة العامة – الصاعقة -فتح الانتفاضة – جبهة النضال الشعبي-إلى جانب ميليشيات أخرى ..) بالإضافة إلى جيش التحرير الفلسطيني بالمشاركة الفعلية بالقتال إلى جانب النظام، ومساعدته في حصار مخيم اليرموك،
  • من خلال تقصي مسارات الهجرة والهروب من جحيم الحرب، التي عاشها فلسطينيو سورية في نكبتهم الثانية، وما واجهوه من أزمات وانتهاكات في الدول المُحيطة والمنافي البعيدة التي لجؤوا إليها، كشف البحث حجم المشكلات والتعقيدات المركبة التي واجهت اللاجئين، وتأثيرات عدم التزام العديد من الدول باتفاقية اللاجئين لعام 1951، التي أدَّت لمضاعفة معاناة اللاجئين جراء إغلاق أبواب الحماية والمساعدة في وجوههم، ما وضعهم أمام خيارات ضيقة، وجدوا أنفسهم فيها مجرَّدين من حقوقهم، ومعرَّضين لمخاطر الترحيل والإعادة القسرية. وعرض البحث أمثلة متعددة للانتهاكات التي تعرضوا لهابسبب ضعف وضعيتهم القانونية (حجز في المطارات، وفي أماكن توقيف الأجانب لفترات طويلة – الترحيل إلى سورية أو التهديد به – معاملتهم كأجانب أو سياح وليس كلاجئين فارين من الحرب – الامتناع عن تقديم مساعدات إنسانية تخفف من معاناتهم.. ).
  • تؤكد المخاطر والتحديات التي تواجه "الهوية الفلسطينية السورية" مدى تأثير الوضعية القانونية وتحولاتها على أصحاب تلك الهوية، والصعوبات التي تواجههم في إعادة بنائها وترميمها، ليس فقط على صعيد المكان والذاكرة الجمعية، بل وكذلك الصعوبات الناجمة عن تفكك المركز القانوني الخاص بهم، ما يشير إلى إدراك أهمية الوضعية القانونية على سيرورة الهوية وجدلياتها المفتوحة، لا سيما أن غموض مستقبل الحالة السورية عموماً، وغموض خيارات التعامل مع الوضعية القانونية بالنسبة لفلسطينيي سورية، يفتح على مخاطر وتحديات متعددة تضفي على جدل الهوية شكوكاً وأسئلة كبرى.
  • من أبرز توصيات البحث: كشف مسؤولية السلطات السورية عن إهدار الوضعية القانونية، والانتقال من مهام إحصاء وتوثيق الانتهاكات إلى تحفيز ضحايا تلك الانتهاكات على طرق أبواب المحاكم في الدول التي تتيح بموجب قوانينها الوطنية مقاضاة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم المشهودة بحق أولئك الضحايا، والتي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. كما أوصى البحث بضرورة تشكيل لجنة أو هيئة خاصة بالدفاع عن أملاك اللاجئين الفلسطينيين في سورية. ومطالبة كافة دول اللجوء والجهات المعنية بإدارة شؤون فلسطينيي سورية بحقهم في تثبيت جنسيتهم الفلسطينية الأصلية في كافة الوثائق والسجلات والبيانات. وطالب البحث منظمة التحرير الفلسطينية بمعالجة الآثار السلبية الناجمة عن القصور والخلل في تمثيل المنظمة للاجئين، والعمل على خلق آليات مؤسساتية لجمع شتاتهم، والتعبير عن مطالبهم وحقوقهم. كما أكد البحث على مواصلة التأكيد على المطالبة بوجود وكالة الأونروا، واستمرار تفويض المساعدة الذي تضطلع بها منذ تأسيسها. وكشف المشاريع الهادفة إلى تصفية قضية اللاجئين، وشطب حقهم بالعودة إلى ديارهم الأصلية في فلسطين وفق القرار الأممي 194.
  • في ضوء تفكيك الوضعية القانونية وحجم المشكلات التي تواجه فلسطينيي سورية، مع الاستنزاف المتواصل في مقومات وجودهم في الداخل السوري، والصعوبات التي تواجه من اُضطر منهم للهجرة والهروب نحو دول أخرى، فإنَّ كل محاولة لمعالجة وترميم ما أصاب تلك الوضعية من شروخ عميقة، سيبقى مرهوناً بمسارات ونهايات القضية السورية. وليس من السهل توقع مقاربات أو حلول تُطمئن الفلسطينيين إلى مستقبل وجودهم في سورية، وتؤدي إلى انتقالهم إلى وضعية قانونية أكثر ضماناً لحقوقهم فيها.

لقراءة الكتاب انقر هنا

التصنيف الكتب
الإثنين, 23 كانون1/ديسمبر 2019 18:43

جلسة إطلاق: "المنصة السورية"

نيابة عن مركزعمران للدراسات الاستراتيجية، حضر الدكتور حسان جنيدي، الجلسة الافتتاحية لإطلاق "المنصة السورية"، وذلك بتاريخ 23 كانون الأول/ ديسمبر 2019، في مدينة غازي عينتاب.

هدفت الجلسة إلى إطلاق المنصة بصورتها الرسمية، كما تناولت الأوضاع الأخيرة في محافظة إدلب وأهم الخطوات التي يجب على أعضاء المنصة العمل عليها خلال الوقت الراهن.

يجدر بالذكر أن المنصة السورية بادرة جديدة مشتركة تضم عدد من الشركاء السوريين والأتراك. وهي تجمع يهدف إلى تنسيق الجهود والتعاون في العديد من المجالات والقطاعات التي تخدم الشعب السوري في الداخل والخارج.

أعضاء المنصة السورية:
- لجنة إعادة الاستقرار
- مركز كاليونجو للدراسات
- وحدة تنسيق الدعم
- وحدة المجالس المحليّة
- مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
- وحدة دعم وتمكين المرأة

التصنيف الفعاليات

بدعوة من مركز الأناضول لدراسات الشرق الأدنى ومركز الجزير للدراسات والجزيرة مباشر؛ حضر الباحث في مركز عمران معن طلاع، ندوة نقاشية حول (عملية نبع السلام وانعكاساتها على سورية والمنطقة)، وقدم طلاع مداخلة مجدولة ضمن المحور الثاني حول تموضعات الجديدة للمعارضة والنظام والأكراد وداعش في سورية بعد نبع السلام، كما ناقشت الندوة  محور ميزان القوى ودور اللاعبين الإقليميين والدوليين والتوافقات الدولية بعد عملية نبع السلام ومحور تشكل وإدارة المنطقة الآمنة واستحقاقاتها كإعادة الإعمار وإدارة المنطقة الآمنة  والمساهمات الدولية في ملف المنطقة الآمنة.

التصنيف أخبار عمران

بعد تدخلها العسكري في العام 2015، أدركت موسكو جيداً المصالح الإقليمية المتضاربة في سورية والهواجس الأمنية لكل دولة على حدا، خاصة الحدودية منها، كما استوعبت طبيعة العلاقة بين كل دولة وأذرعها المحليّة في الداخل السوري، إضافة إلى المناخ السياسي العام الذي حكمَ ويحكُم الملف السوري دولياً، وخاصة الموقف الأمريكي "المُيسّر" خلال حقبتي أوباما وترامب، فكان أن بدأت موسكو بخطوات تكاد تكون متشابهة مع كل دولة من الدول الحدودية، والتي تمثلت بـــــ:

  1. فهم الهواجس الأمنية لكل دولة وتعزيزها بشكل أكبر كمرحلة أولى، خاصة ما يتعلق منها بالأمن الإقليمي.
  2. ومن ثم طرح نفسها كضامن لتلك الهواجس كمرحلة ثانية، مقابل حصر دور كل دولة بحماية أمنها الإقليمي فقط، والتنازل بشكل مباشر أو غير مباشر عن أذرعها المحليّة، إضافة للقبول بقوات النظام كحل وسط وبديل على الحدود.

هذا ما حدث مع الأردن قبل وخلال وبعد معارك الجنوب (درعا، القنيطرة)، عبر تعزيز مخاوفه الأمنية والاقتصادية على حدوده (داعش، معابر)، ومن ثم طرح حل لاستيعاب تلك المخاوف، من خلال فتح المعابر وعمليات عسكرية مشتركة ضد داعش وإعادة انتشار النظام على الحدود، مقابل تخلي الأردن عن فصائل الجنوب وسيطرة النظام وقوات الشرطة العسكرية الروسية على المدن والبلدات.

وهذا ما حدث أيضاً مع الكيان الإسرائيلي المتوجس من إيران وميلشياتها على حدوده، وما تلاه من تقديم الروسي لنفسه كضامن لتراجع الإيرانيين 100 كم، وفتح السماء السورية أمام ضربات الإسرائيليين لإيران في العمق السوري، مقابل عودة قوات النظام إلى الحدود وانتشار الشرطة العسكرية الروسية في المنطقة.

هو ذاته أيضاً ما واجهتهُ تركيا في العامين الأولى من التدخل الروسي، حيث عمدت موسكو إلى تعزيز مخاوفها الأمنية بدايةً عبر دعمها لـ " PYD" وذراعه العسكري "YPG" في عفرين ومحيطها، ومن ثم إنجاز صفقة تتضمن استيعاب تلك المخاوف، والتي انتهت بتسليم عفرين لتركيا والتخلي عن وحدات الحماية، مقابل مكاسب أستانية أكبر، ليستمر السيناريو اليوم في شرق الفرات، والذي يستند إلى استثمار الموقف الأمريكي الزاهد وتشتت الموقف الناتوي واستغلال مخاوف تركيا الأمنية، وإنجاز صفقات على حساب الأذرع المحلية ومشاريعها، وبالتالي مكاسب مجانية لموسكو والنظام.

وفي المحصلة، يمكننا القول أن موسكو نجحت إلى حدٍ كبير، بتحجيم دور القوى الإقليمية في الملف السوري وتحويل طموحات بعضها من فاعلية وتأثير في الحل السياسي إلى حماية أمن حدودها وحرف أهداف بعضها الآخر من تحصيل المكاسب إلى تخفيف الخسائر، وبالتالي استطاعت تحجيم الأذرع المحليّة المرتبطة بتلك القوى وما يتبعها من مشاريع، وإعادة ضبط القسم الأكبر والأنشط من الحدود السورية، وضمان عودة سلطة الأسد "مؤسسات الدولة" لأكبر قدر من الأراضي وتأمين طرق التجارة الدولية، وبالتالي الاقتراب أكثر وأكثر من رؤيتها في التفرد بالحل السياسي، بل وإنجاز صفقات مع تلك الدول، لصالح موسكو، تتجاوز حدود الملف السوري أساساً ( تعزيز التبادل تجاري، بيع الأسلحة، وإنشاء معامل وقدرات عسكرية.. إلخ).

إذاً فسياسة التحجيم الروسية مع الدول الحدودية تعتمد على: تعزيز مخاوف الأمن الإقليمي، ومن ثم إنجاز صفقة لتهدئتها؛ تُنتج تحجيم الدور الإقليمي نفسه، بل وتطويعه غالباً في خدمة رؤية موسكو للحل السياسي.

واللافت، أن سياسات التحجيم تلك تجاوزت الدول الحدودية لتطال قوى إقليمية أخرى كانت فاعلة في الملف السوري، كالدور العربي-ممثلاً بالخليجي-، والذي أيضاً تم تحجيمه وتطويع جزء منه بسياق الرؤية الروسية في الملف السوري، كما طالت بشكل أو بآخر الأوروبيين الذين تم تحجيم دورهم نتيجة الموقف الناتوي المشتت والتراجع الأمريكي كمظلة له، مقابل التقدم الروسي بالكثير من الملفات. إذ أن الإنجاز العسكري الروسي وما تخلله من مكاسب، لم يقتصر على الأرض فحسب، وإنما سعت موسكو لترجمته سياسياً بدءاً من محاولات "أستنة" جنيف مروراً بتغيير أولويات السلال الأربعة مع "دي مستورا" وتقديم سلة مكافحة الإرهاب على باقي السلال، إضافة إلى تغيير وحرف مفاهيم هيئة الحكم الانتقالي وفق القرار 2254 وصولاً إلى اللجنة الدستورية.

بالمقابل، يبدو أن إدارة سياسات التحجيم التي اتبعتها موسكو إزاء القوى الفاعلة في الملف السوري لم تقتصر على أعدائها ومنافسيها، وإنما طالت حلفائها بشكل أو بآخر، إذ تختلف الآراء إلى اليوم حول طبيعة العلاقة بين موسكو وطهران في الملف السوري، بين التحالف التكتيكي أو الشراكة الاستراتيجية التي تتجاوز حدود سورية، وعلى الرغم من أن لأنصار كل من الرأيين حججهُ؛ إلا أن تنافس الطرفين في الملف السوري لم يعد خافياً على أحد، خاصة بعد انحسار رقعة المعارك التي فرضت تحالفاً عسكرياً بين القوتين، لتظهر خلافات على عدة مستويات بدءاً من الرؤية لمستقبل سورية وصولاً إلى إدارة التحالفات في الملف السوري، التنافس الذي انعكس بشكل أو بآخر بصورة محاولات تحجيم للدور الإيراني في عدة مجالات وقطاعات، سواء تحركات موسكو على مستوى إعادة هيكلة قطاعيّ الجيش والأمن ومحاولات تحجيم المليشيات، أو على مستوى سعيها للاستئثار بالعقود الاقتصادية الأكبر ضمن القطاعات الاستراتيجية في سورية ومحاولات حرمان إيران منها، إضافة إلى احتكار ملف سورية السياسي دولياً، ناهيك عن تسويق موسكو دورها لبعض دول المنطقة على ظهر الوجود الإيراني في سورية ("معادل قوى")، خاصة تجاه الدول ذات الحساسية العالية من هذا الوجود(الخليج، إسرائيل).

ما كتب أعلاه؛ لا يعني ذكاءً منقطع النظير في السياسة الخارجية الروسية ضمن الملف السوري، بقدر ما يعني تراجعاً للدور الأمريكي وارتباكاً سياسياً للقوى الدولية والإقليمية الفاعلة في سورية وعدم قدرتها على فصل الملف السوري عن صراعاتها المتعددة، والتي أمّنت لموسكو هوامش كبيرة للتحرك عبر التناقضات العديدة التي ولدتها تلك الصراعات، بدءاً من الصراع الخليجي-الخليجي، والخليجي-الإيراني، والإيراني-الإسرائيلي، والخليجي-التركي، وأخيراً خلافات شركاء الناتو أنفسهم أمريكا-تركيا-أوروبا.

 كل تلك الصراعات والخلافات منعت تشكيل جبهة دولية أو إقليمية موحدة من الملف السوري كان من الممكن أن تحجّم دور موسكو في سورية، وبدلاً من ذلك سهّلت لها الولوج من مختلف التناقضات وتحقيق اتفاقات جزئية ومكاسب مجانيّة وإنجاز تحالفات استراتيجية مع شركاء أمريكا التقليدين، بل وجعلت من نظام الأسد "بيضة القبان" في أغلب تلك الاتفاقات الجزئية، نتيجة إدراك الأسد لتلك التناقضات وما تؤمنه من هوامش تحرك، سواء في ظل الدور الروسي وما يستتبعه عليه من مكاسب مجانية، أو حتى من خلال استثمار هوامش الخلاف بين حلفائه (روسيا، إيران).

وقد أتاحت الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية حول سورية لموسكو إمكانيّة تحجيم بعض القوى وإخراج بعضها الآخر من دائرة التأثير المباشر في الملف السوري، ولعل الطرح الألماني المتأخر بعد الاتفاقين التركي-الأمريكي والتركي-الروسي لنشر قوات دولية في شرق الفرات، يوضّح بأن الأوروبيين شعروا متأخرين بإبعادهم خارج مساحة الفاعلية الحقيقية في الملف السوري.

قابل تلك الصراعات والخلافات الإقليمية-الدولية وما وفّرتهُ من هوامش للدور الروسي، استمرار الفاعلين المحليين في التعويل على التحالفات الخارجية، بل والسير الأعمى في ركبها، دونما فهم لطبيعة الصراع والمصالح الدولية والإقليمية فيه. كل تلك الظروف والمناخات المحلية والإقليمية والدولية أمّنت لموسكو القدرة لإدارة سياسات التحجيم، وحالت دون إنتاج أي سياسة دولية تساهم في تحجيم موسكو نفسها في الملف السوري، كما عرقلت إنتاج أي فعل محلي موحد ومستقل يؤدي هذا الغرض ويفرض نفسه على الطاولة.

وبنظرة عامة اليوم على الملف السوري، نجد أنه يدار بفاعلية روسية بالدرجة الأولى ومن ثم تفاهمات تركية-روسية بالدرجة الثانية، تلك المرشحة بأي لحظة لأن تتحول باتجاه خلاف مع شريك أستانة الثالث (إيران) بدعم قوى إقليمية ودولية أخرى. إذ يبدو أن موسكو ستستمر في سياسة التحجيم المبنيّة على تناقضات القوى المختلفة والتي تؤمن لها تفرداً في صياغة الحل النهائي، التحجيم الذي لم ولن يقتصر على أعداء موسكو، وإنما يبدو أنه طالَ أو يطالُ أو سيطالُ حلفائها أيضاً (النظام، إيران) وشركائها (تركيا) في سبيل محاولات فرض رؤيتها وتصورها الخاص لمستقبل سورية، التصور الذي قد لا يبدو تطبيقه عملياً بالأمر السهل في سياق الملف السوري وتعقيداته وتحولاته غير المتوقعة، لكنه ليس بالأمر المستحيل وسط استمرار الظروف الموضوعية والذاتية التي أوصلت الدور الروسي في سورية إلى ما هو عليه اليوم.

التصنيف مقالات الرأي