مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Displaying items by tag: المجتمع المدني السوري

غصّت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي خلال السنوات الماضية بحملات التضامن الإنسانية -وليس آخرها حملة إغاثة مرضى السرطان في الشمال السوري- التي يطلقها نشطاء وإعلاميون سوريون بهدف إنهاء معاناة إنسانية أو التذكير بمأساة السوريين، وعادة ما تترافق هذه الحملات مع بروز أزمة إنسانية واضحة ومحددة.

ونتيجة ضخامة حجم المعاناة السورية؛ لا يكاد يمضي أسبوع حتى تظهر حملة جديدة، قد تنجح في تحقيق أهدافها أو قد تفشل بشكل أو بآخر، وهذا ما يعكس مدى غياب فاعلية المنظمات والجمعيات المحلية وعجزها عن تنفيذ حملات مناصرة منظمة، كما يؤكد على انسداد قنوات التأثير الرسمية في ظل سياسات تجميد الملف السوري، والتغييرات الإقليمية والدولية التي أنتجت مسارات التطبيع، وربطت الأوضاع الإنسانية بالملفات السياسية، مما قد يجعل حملات التضامن المستقبلية مهددة بالتجاهل حتى على المستويات غير السياسية.

تكرس هذه الحملات نمط علاقة تبعية غير متساوية بين السوريين الذين يقعون ضحايا الأزمات وبين من يقدم حلولاً لهذه الأزمات، مما يمهد لعلاقة تراتبية لا تقوم على الندية بين السوريين ومؤسساتهم وجمعياتهم الأهلية من جهة وبين نظرائهم في البلدان الأخرى، وقد يؤدي ذلك إلى التفريط بمكانة السوريين وحقوقهم، وتكريس التعاطف الإنساني غير المستدام الذي تنتهي فاعليته بشكل سريع، مع عدم القدرة على إنهاء الأزمات الإنسانية بشكل مباشر ومتواصل.

هذه المتغيرات تدفع إلى البحث عن سبل تنظيم عمليات المناصرة للقضايا الإنسانية من خلال إشراك فواعل ما دون الدولة من أفراد وجماعات ومؤسسات ومنظمات محلية ذات تأثير في الشأن العام، ويبدو من المفيد في هذا الإطار تأسيس علاقات مجتمعية عابرة للحدود الوطنية بين منظمات المجتمع المدني والجماعات الأهلية في الشمال السوري من جهة مع أقرانها المحلية في الدول الأخرى، عبر اتفاقيات " تعاون مجتمعي محلية - دولية" بغض النظر عن التشابه الثقافي والديني والاجتماعي بين الطرفين. حيث ستسهم تلك الاتفاقيات في:

  • فتح قنوات تواصل مستمرة مع المنظمات الأهلية والمدنية في مجتمعات العالم المختلفة، بشكل يمهد لتضامن إنساني مستدام مع قضايا السوريين بعيداً عن منطق التبعية القائم بين طرف قوي وطرف ضعيف.
  • إثارة التزام أخلاقي لدى المجتمعات المحلية في الدول الديمقراطية بغض النظر عن سياساتها الحكومية، مما قد يشكل عوامل ضغط ويفتح مساحات تأثير جديدة للتأكيد على مطالب الثورة السورية، وتوسيع مجموع المتأثرين عالمياً عبر استهداف المستعدين للوقوف إلى جانب القضايا العادلة للسوريين.
  • الخروج من "نمط التجميد" السائد في الملف السوري، وتعزيز فاعلية المؤسسات الرسمية في الشمال السوري، وإتاحة الفرصة أمام المنظمات المحلية السورية للانضمام إلى المنظمات الدولية ذات الصلة لتكون منبراً دولياً جديداً يعبر عن قضايا المجتمعات المحلية السورية.
  • الحفاظ على التراث اللامادي السوري، والتعريف بالثقافة السورية وإزالة التصور النمطي عن المنطقة، وتبادل المعلومات ونشر قيم التسامح وتقبل الآخر، والتعريف بالثورة السورية وعدالة قضيتها، وتشكيل تصور شعبي عن الثورة السورية لدى المجتمعات العربية والأجنبية المختلفة بوصفها سعياً جاداً لتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.

 من الممكن في هذا الإطار، عقد مثل هذه التفاهمات بين ممثلي المجتمعات العربية والأجنبية ومنظماتها المجتمعية المدنية وهيئاتها التجارية والصناعية والزراعية من جهة، وغرف التجارة والصناعة والزراعة في الشمال السوري من جهة أخرى، على أن تبنى العلاقة فيها على مفهوم الشراكة المتبادلة ذات الأثر الإيجابي للطرفين لا الرعاية الأبوية لطرف من قبل طرف آخر، والانطلاق نحو تحفيز التضامن الإنساني وفق قواعد التأثير والمعرفة لا المشاعر الإنسانية العاطفية فقط.

حيث تقوم اتفاقيات التعاون المجتمعية المحلية - الدولية  على تبادل هدف ثنائي الاتجاه، يعزز علاقة أفقية من شأنها أن تسهل أشكالاً مستدامة من التبادل والمساعدة المتبادلة بين المجتمعات المختلفة، وهو ما يحتم على المنظمات والجمعيات الأهلية الراغبة في عقد اتفاقيات التعاون التفكير فيما يمكن أن تقدمه مقابل إسهامات الطرف الآخر.

تبدأ هذه الاتفاقيات بتبادل الزيارات الشخصية، إذ يمكن للاجئين السوريين في الخارج بناء خيوط الشبكات الأولية لهذه الروابط من خلال تمثيلهم للجمعيات والمنظمات الأهلية، ثم زيارة وفود شعبية من السوريين للمدن المراد الاتفاق معها، وإقامة المؤتمرات المشتركة، وتنظيم فعاليات شعبية وثقافية ورياضية وعلمية فكرية في الخارج؛ كالمسرحيات ومهرجانات الأغاني الشعبية والثورية والفلكلورية، ومعارض الكتب ومجموعات القراءة والترجمة المشتركة، ومعارض الرسومات الفنية والصور الفوتوغرافية، وإقامة المنافسات الرياضية المشتركة، وأخيراً؛ تعزيز العلاقات عبر توفير مِنح طلابية للطلاب السوريين -في المرحلة الثانوية مثلاً- للدراسة في مدراس المجتمعات الأخرى.

وعلى الرغم من محدودية العوامل المادية الجاذبة لاتفاقيات التعاون؛ لا تزال المنطقة تمتلك عوامل غير مادية قد تساعد في جذب انتباه المجتمعات المحلية من مختلف مناطق العالم، إذ تتوفر الموارد الثقافية المختلفة والمميزة في التراث السوري اللامادي التقليدي منه والمعاصر الشامل، ببعديه الريفي والمدني والمتنوع، في سورية عامة والشمال خاصة، مما يجعل الثقافة المتنوعة للسوريين وتراثهم اللامادي عوامل جاذبة للاتفاقيات والتفاهمات.

وتتضح فاعلية وأهمية التراث اللامادي من خلال تعريف المجتمعات المحلية في البلدان المختلفة بالتصورات وأشكال التعبير اللغوية والقصص والحكايات والأمثال الشعبية والعروض التقليدية والأغاني الشعبية ودرجة اختلافها وتشابهها مع المجتمعات الأخرى، والمعارف والمهارات المرتبطة بالمهن التقليدية والصناعات اليدوية وما يرتبط بها من آلات وأدوات، والتعريف بالطقوس الاجتماعية المحلية والاحتفالات والأعراس وأشهر المأكولات السورية المحلية، والتي يغدو فيها التراث اللامادي مصدراً ملهماً للشراكة والعلاقة المتبادلة، ففهم التراث الثقافي واللامادي للمجتمعات المختلفة يساعد على الحوار ويشجع الاحترام المتبادل لطريقة عيش الآخر، ويساعد في خلق حالة من التضامن الاجتماعي بين الأطياف والمجتمعات المختلفة.

على المستوى المادي المباشر، تتيح التفاهمات المجتمعية للجماعات الأهلية ومنظمات المجتمع المحلي تأسيس مشاريع خيرية وخدمية في الشمال السوري بالاعتماد على المشاعر الجديدة، عبر دمج جوانب النشاط التضامني والخيري مع أنشطة التعاون، وتنظيم حملات تبرعات مالية في معرض تقديم النشاطات الرياضية والثقافية المتنوعة، فضلاً عن إقامة فعاليات عالمية في مدن الشمال السوري، وتأسيس مشاريع ثقافية وتجارية مرافقة تعبر عن ثقافة الوفود الأجنبية مثل المراكز الثقافية والمسارح والحدائق العامة والمراكز التجارية والمطاعم التي تعكس ثقافة أطعمة الوفود المشاركة في فعاليات التبادل الثقافي.

وقد يساهم وجود شخصيات ومنظمات دولية غير حكومية في الشمال السوري في وضع أدوات الدبلوماسية الشعبية موضع التفعيل، بهدف التفاهم والتعاون لتحقيق أهداف طويلة المدى، وتبادل المعرفة وتجارب الكفاح، وبناء الصور الذهنية الإيجابية، عبر تكوين علاقات صداقة دائمة وخطوط اتصال تتخطى الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية الصارخة، وتكسر القوالب النمطية المتصورة تجاه الآخر.

لكن التعاون المجتمعي المحلي -الدولي يصطدم بعدد من التحديات المتعلقة بالواقع الأمني في الشمال السوري، ومدى القدرة على إقناع الطرف الآخر ببناء تفاهم وتعاون وفعاليات مشتركة، وهو ما يفرض على المنظمات المدنية والجمعيات الأهلية ضمان تحقيق تعاون بين الفواعل الأمنية والعسكرية في المنطقة لضمان أمن وسلامة المشاركين المحتملين، كما يواجه هذا التعاون عوائق تقنية تتعلق بكيفية التواصل وتنظيم اللقاءات ومدى القدرة على التنقل من وإلى مناطق الشمال السوري.

وأخيراً؛ يمكن الاستلهام من التجربة المثيرة للاهتمام المتمثلة بنجاح الثورة الساندينية التي انطلقت في نيكاراغوا عام 1979 بتطبيق الاتفاقيات المجتمعية المحلية عبر الوطنية، وتحقيق فضائل عملية ورمزية وأدائية مهمة، وتحويل إشارات النوايا الحسنة قصيرة المدى إلى طرق تضامن مستدام، وإحراز نتائج ملموسة في مواجهة الدكتاتورية والعنف، مع تغيير وجهات النظر السلبية للفواعل الدولية تجاه الثورة الساندينية.

التصنيف مقالات الرأي
بتاريخ 26 أيلول 2022؛ عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية في مدينة كفر تخاريم بريف #إدلب ورشة حوارية بعنوان: " المجتمع المدني السوري، أولويات التنظيم والحراك". شارك في الورشة الزميل أول في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد منير الفقير.
 
تحدث فيها الفقير عن العمل المدني ما قبل #الحراك_الثوري وسياسات النظام ضد العمل المدني وأثرها على الحراك السياسي والمجتمعي، كما استعرض مسيرة الحراك المدني خلال الثورة السورية ، مبيناً دور تشكيلات #المجتمع_المدني الناشئة في تعويض غياب مؤسسات الدولة، وتحديات التشكيل والتمثيل ومساحات العمل المطلوبة.
التصنيف الفعاليات

 اختتمت اللجنة الدستورية المشكلة من قبل الأمم المتحدة كمدخل لحل القضية السورية، اجتماعها الموسع الأول في جنيف يوم أمس الأول، وقد اقتصر اللقاء على تلاوة كلمات المشاركين؛ من وفد المعارضة السورية، ووفد النظام، ووفد المجتمع المدني السوري، بشقيه القريب من النظام والقريب من طروحات المعارضة والثورة السورية، بالإضافة إلي إقرار مدونة سلوك ناظمة لعمل اللجنة الدستورية واختيار لجنة مصغرة من ٤٥ عضو من مجموع أعضاء اللجنة البالغ ١٥٠ عضو.

وقد رافق تلاوة كلمات المشاركين ردود فعل متباينة داخل قاعة الاجتماع، وفي أوساط النظام، والثورة والمعارضة على حد سواء، حيث مثلت الكلمات، المحددات العامة من قبل المشاركين والجهات المحسوبين عليها، أو الممثلين لها أو لصوتها أو مصالحها بما يتعلق بمخرج اللجنة الدستورية، بما يعني توجيهاً عاماً لعمل اللجنة الدستورية مستقبلاً.

أبرز التعليقات كانت حول النسق الحيادي الذي تكلم به السيد هادي البحرة، رئيس وفد المعارضة، في مقابل انحياز كلمة رئيس وفد النظام (الذي اعتبره رأس النظام غير ممثل رسمي لرؤية الحكومة التابعة له وإن كانت الحكومة والنظام بصورة أدق يدعم هذا الوفد) لموقف النظام وخطابه التصعيدي بصورة كاملة مع تمجيد لرأس النظام، فيما عبر ممثلو المجتمع المدني السوري، الأقرب للمعارضة والثورة، عن مواقفهم الواضحة غالباً من الانتهاكات، ومطالبة معظمهم الأمم المتحدة، بتحمل مسؤولياتها تجاه تحقيق إجراءات بناء الثقة المتمثلة بالإفراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين، وإيقاف الاعتقالات الممنهجة، فضلاً عن وقف العدوان على المدنيين في محافظة إدلب.

وفي الوقت الذي حاول وفد المجتمع المدني القادم من مناطق النظام، إحداث الكثير من الشغب و"التشبيح" المفرط ضد معظم الكلمات التي أشارت للانتهاكات المرتكبة دون الإشارة للمجرمين(من مبدأ يلي فيه مسلة بتنخزه)، فضلاً عن التماهي التام مع وفد النظام وخطابه، بل الدفاع بشكل غير مباشر ومباشر أحياناً عن جرائمه، فضلاً عن تمجيد جيش النظام المتورط بمعظم الانتهاكات الحاصلة على التراب السوري طوال ٨ سنوات.

فقد التزم وفد المجتمع المدني الحر (لتمييزه عن الوفد القادم من مناطق النظام)بالحياد التام تجاه قضايا مفصلية، كالموقف من شخص رأس النظام والمقاومة المسلحة للنظام (بغض النظر عن فساد الكثير من مظاهرها وارتهانها لقوى دولية وإقليمية)، هذا الالتزام كان مبنياً على قناعات نمطية جاهزة ومستوردة عن المجتمع المدني، وآليات الحكم عليه والتعاطي معه، بنيت عند كثير من الزملاء المشاركين تدريجياً خلال عشرات الورشات واللقاءات، التي دعمتها الجهات الدولية المختلفة، بهدف خلق تصورات سورية للمجتمع المدني، وتعزيزها في أذهاننا نحن الذين غيبنا الاستبداد زهاء النصف قرن عن الحياة العامة، فتلقفنا خلاصات تجارب الآخرين دون تمحيص واقعي حقيقي وفهم لفلسفة وخصوصية المجتمع المدني السوري زمن الثورة وزمن الحرب.

 ومن ذلك تبني فكرة الحياد السياسي، وعدم التمييز بين رفض الممارسة السياسية من قبل منظمات المجتمع المدني من جانب، والقدرة على التأثير في السياسة من خارجها، عبر تمثيل مصالح وتطلعات المدنيين، والمطالبة بحقوقهم من جانب آخر، وبهذا المعنى وتماهياً مع الأدبيات المستوردة والمتبناة لآليات التبني والخطاب للمجتمع المدني السوري، فقد ملئت الآمم المتحدة الفراغ السياسي في مواقف وفد المجتمع المدني الحر، بعلمه أو بجهله، وتم القفز على حاجات فطرية ومنطقية للمجتمع المدني السوري، تتمثل بحقه في المقاومة بشتى الوسائل، ضد كل من يريد انتهاك حقه في الحياة الحرة الكريمة، وأيضاً في رفض عدم الإشارة لبشار الأسد بإسمه، وصفته كرأس للنظام، ومجرم حرب مارس أبشع الانتهاكات بحق المجتمع السوري على ضفاف النزاع المختلفة.

ليس التعبير عن تجريم بشار الأسد موقفاً سياسياً بقدر ما هو توجه حقوقي، يعكس الالتزام التام بموقف الناس الرافض لشرعنة وتعويم مجرم حرب، ليكون تالياً في مستقبلهم خياراً محتملاً للحكم والسلطة، كما لايعكس الوقوف إلى جانب حقوق الناس في المقاومة بشتى الوسائل، تماهياً مع الحالة الفصائلية المرتهنة للدول أو المتغولة على المجتمع المدني، بقدر ما يعبر عن حق الناس في الدفاع عن خياراتها.

انفض الاجتماع الأول للجنة الدستورية، وفي الأوراق التي تليت في الجلسات وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ثوابت محددة، أحدها تجاوز معضلة بشار الأسد كمجرم حرب لا يمكن للسوريين بمجملهم أن يأتلفوا عليه أو يلتفوا حوله، وتحضيره لأي استحقاق انتخابي قادم، و الثاني تجريم كل سلاح يواجه الأسد، وتصنيف حامليه كإرهابيين دوليين وشرعنة كل بندقية تحارب معه، بسكوت المعارضة والمجتمع المدني الحر انحيازاً لمواقف أو أسبقيات شخصية، على حساب موقف جزء معتبر من المدنيين السوريين أو مبالغة بالحياد البارد.

 

المصدر السورية نت: http://bit.ly/33aq8xz

التصنيف مقالات الرأي