مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Displaying items by tag: التوافق الروسي الأمريكي

تزامناً مع الذكرى الخامسة لانطلاق الثورة السورية، يطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية كتابه السنوي الثاني، متضمناً عدة دراسات تعنى بأهم تحولات وتحديات الملف السوري، من إعداد مسارات المركز الثلاثة السياسة والعلاقات الدولية، الإدارة المحلية وتعزيز الممارسة الديمقراطية، والتنمية والاقتصاد.

يقدم مسار السياسة والعلاقات الدولية دراستين، الأولى بعنوان "الارتدادات الأمنية للسلوك الدولي والإقليمي في سورية... دراسة تحليلية"، وتفكك سياسات أهم الفاعلين الإقليميين والدوليين تجاه الملف السوري، متلمسةً أهم التداعيات الأمنية لهذه السياسات على معادلات الأمن المحلي والإقليمي، أما الدراسة الثانية، فكانت بعنوان "الإرهاب كمدخل في وأد الثورة السورية... دراسة سياسات"، وتبين حركية "الإرهاب" في المشهد السوري وأثر سلوكيات الفواعل الرئيسة على تناميه، وتستشرف مستويات "الإرهاب" الذي قد تواجهه المعارضة السورية "كخطر" في مختلف مراحل الانتقال السياسي، وترسم ملامح التحرك الاستراتيجي الأمثل تجاه تلك المستويات.

يقدم هذا الكتاب ضمن مسار الإدارة المحلية وتعزيز الممارسة الديمقراطية، دراسة بعنوان "خيارات اللامركزية وامتحان إعادة بناء الدولة في سورية"، تناولت بالتحليل أنماط الإدارة المحلية في سورية، ومعالم نموذج مقترح للإدارة المحلية، وتحديات المرحلة الحالية والانتقالية.

وضمن مسار التنمية والاقتصاد يمكنكم مطالعة دراسة بعنوان "التنمية الاقتصادية المحلية ضرورة للاستقرار الاجتماعي في سورية: دراسة تحليلية"، تركز على واقع التنمية الاقتصادية في المناطق المحررة وتستشرف الأولويات الأساسية لمستقبل اقتصادات هذه المناطق في عام 2016، من خلال تصميم برامج مناسبة تسهم بمجموعها في تحقيق أهداف هذه التنمية.

 

 

التصنيف الكتب

ملخص: رغم تأطير القرار الدولي الجديد لشكل عملية سياسية غير ناضجة، إلا أنه قد كرس عجز المنظومة الدولية مرة أخرى حيال نصرة القضية المجتمعية السورية من خلال اعتماده على ملفات مؤجلة لم تحسم بعد مؤثرة على سير هذه العملية وآلياتها التنفيذية، كما أنه وبذات السياق لم يلغِ هذا القرار الهوامش المتاحة لتحسين التموضع لجميع الأطراف.

صوت وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي مستورا، بالإجماع على مشروع قرار بشأن "عملية السلام في سورية" رقم 2254 حيث شمل القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة وقف دائم لإطلاق النار من خلال جهود الدول صاحبة التأثير على النظام السوري والمعارضة ضمن خطة تنفيذ لعملية سلام وفق أسس سياسية تضم تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة في غضون 6 أشهر وإجراء انتخابات خلال 18 شهر بعد أن تتم صياغة دستور جديد لا يستند إلى أسس طائفية تحت إشراف ومراقبة من الأمم المتحدة، كما يضم القرار على إجراءات بناء ثقة كفتح ممرات إنسانية والسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول السريع والآمن إلى جميع أنحاء سوريا والإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي وخاصة النساء والأطفال منهم، كما طالب القرار بتوقف جميع الأطراف عن تنفيذ أي هجمات ضد المدنيين والمرافق الحيوية والطبية وفرق العمل الإنساني , وشمل القرار عودة النازحين داخلياً إلى منازلهم وإعادة تأهيل المناطق المتضررة وتقديم المساعدة للدول المستضيفة للاجئين .فيما أشار القرار إلى وجوب تقديم تقرير سريع خلال شهر واحد من بدء تطبيق القرار من قبل الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن حول الالتزام بتنفيذ البنود المذكورة.

إشكاليات القرار 2254

بُني هذا القرار وفق الحدود الدنيا للقواعد المشتركة بين الفواعل الإقليمية والدولية وبصيغ فضفاضة تقبل التأويل والتفسير متعدد الوجوه، مما يؤكد على أن الجهودات الدبلوماسية والسياسية المبذولة في هذا الصدد قد حاولت تكريس معطيات تعيد الزخم لـ "أمل الحل السياسي" الذي استعصت مساراته بعد جنيف، وتدفع بالخلافات إلى الأمام. ورغم هذا الحد الأدنى إلا أنه يحتوي على إشكالات عدة نذكر منها:   

•    ينص القرار على إنشاء هيئة حكم انتقالي جامعة تخول سلطات تنفيذية كاملة، وتمكن المشكلة في تحديد الجهة المخولة، حيث تحتمل هذه النقطة آليتين. الآلية الأولى وهي قيام مجلس الأمن بتفويض الهيئة كامل الصلاحيات، وهي الآلية الأمثل لضبط سير العملية السياسية، أمّا الثانية فهي قيام بشار الأسد كرئيس للبلاد بالتنازل بصلاحياته لصالح هذه الهيئة، وهو أمر مستبعد بناءً على تجربة السنوات الخمس الماضية. إن الغموض الذي يعتري هذا البند يعد نقطة ضعف رئيسية في القرار حيث إنها تحتمل عدة تفسيرات وتعتبر موضع خلاف دولي.
•    غموض مقصود لدور بشار الأسد في كافة بنود القرار، حيث فشل في تحديد دوره أثناء وبعد المرحلة الانتقالية (وهذا عائد للاختلاف الدولي حول هذه الإشكالية)، وتعمد إرجاء البت فيها لسير العملية السياسية وهذا بحد ذاته إشكال مركب يهدد العملية السياسية برمتها.
•    رغم إثناء القرار على جهود الرياض في تشكيل وفد مفاوض من المعارضة السورية، إلا أنه أحاط بالاجتماعات التي عقدت في موسكو والقاهرة، مما يشير إلى تعمد التشكيك في شمولية التمثيل في الهيئة العليا للمفاوضات من جهة، وتهيئتها للتوسع غير العضوي من جهة أخرى (الدفع نحو إشراك حزب الاتحاد الديموقراطي PYD). كما أنه فوّض مهمة إتمام تشكيل وفد المعارضة المفاوض للمبعوث الدولي الخاص استافان دي مستورا، كما عمد لإرضاء روسيا وحلفائها إذ فتح المجال أمام إمكانية توسيع الفريق المفاوض ليضم أطرافاً معارضة معينة، وإن كان هذا الأمر مستبعداً، بسبب طبيعة صياغة كل من الفقرتين.
•    عبّر نص القرار 2254 عن ارتباط وثيق بين وقف إطلاق النار في سورية والعملية السياسية، إلّا أنه وصف الأخيرة بالمسار الموازي، وحدد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ تزامناً مع الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي. وتحتمل هذه النقطة تأويلات متعددة، أكثرها تهديداً اعتبار بدء المفاوضات أولى هذه الخطوات، مما يفضي إلى فصل نتائج العملية السياسية عن وقف إطلاق النار، ونزع أهم ورقة تفاوضية من يد الثوار قبل ضمان تحقق مطالب الثورة.
•    لم يحدد القرار آليات مراقبة وقف إطلاق النار، حيث طلب من الأمين العام تقديم خيارات متاحة لهذا الغرض وذلك خلال فترة أقصاها شهر. إن فشل مجلس الأمن في تحديد آلية تشكيل وفد مراقبين دوليين كما فعل مع خطة التقاط الست (كوفي أنان) يترك المجال نحو خيارات غير موضوعية كتشكيل فرق مراقبة محلية من المجتمع المدني والهيئات المدنية التمثيلية لدى طرفي النزاع.
•    أهم ما يعتري هذا إقرار غياب آليات الإلزام سواء المتعلقة بالعملية السياسية أو رصد وقف إطلاق النار والتحقق منه، مما يحافظ على قدرة نظام الأسد في الاستمرار بتعطيل العملية التفاوضية تكراراً لسلوكه أثناء جنيف، أو تلك المتعلقة بتدابير الثقة في شكل توصيات غير ملزمة وبلا عقوبات في حال التنصل منها، والتي لا بد منها كخطوة استباقية للتفاوض، كاستخدام الأسلحة العشوائية ضد المدنيين، بما في ذلك البراميل المتفجرة، والسماح بوصول قوافل المساعدات دون قيد أو شرط ودون عوائق، ووقف الهجمات على المرافق الطبية والتعليمية، ورفع جميع القيود المفروضة على الإمدادات الطبية والجراحية من القوافل الإنسانية. والإفراج عن جميع المعتقلين.
•    حافظ القرار على قدرة المجموعة الدولية في توظيف ورقة تصنيف المجموعات الإرهابية كمحرك لمجموع القوى الثورية، مما يمنع من تشكل مناخ ثقة لدى الثوار من المشاركة في العملية السياسية، كما أنّها فشلت في ترميم الهوة بين الأطراف الإقليمية مرجئةً خلافاتها إلى حين.
وبعبارة تقييمية جامعة، يمكن القول: إن مجلس الأمن قد فشل في حل الإشكالات الموروثة عن جنيف، وأبقى على الخلاف الدولي حول تأويلها، في حين أنه نجح في اعتماد جدول زمني للعملية السياسية فقط دون البت في آليات تطبيقه وتنفيذه.

توصيات سياسية وعسكرية

لا تمتلك الهيئة العليا للتفاوض ترف رفض المشاركة في جولة جديدة من المفاوضات مع النظام رغم غياب ضمانات دولية لتحقق عملية سياسية جادة، فإجماع مجلس الأمن على ضرورة سير مسار فيينا يدلل على مضي المجتمع الدولي في جمع المعارضة السياسية والنظام على طاولة التفاوض في شهر كانون الثاني من العام المقبل. لذا على المعارضة المضي قدماً نحو الاشتراك باستراتيجية عمل واضحة تتسق مع مطالب الثورة وذلك عبر تبني سياسات تنسيق عالية مع المرجعيات المشكلة لهذه الهيئة لا سيما الائتلاف الوطني والأجسام العسكرية الفاعلة، ومقدمة في هذا السياق رؤية المعارضة السورية للنقاط الإشكالية في القرار وآليات التعامل المثلى، كالتالي:

1.    التأكيد على تحديد مجلس الأمن كضامن لسير العملية السياسية بشكل العام، واعتباره الجهة الوحيدة المخولة في تفويض الصلاحيات التنفيذية الكاملة لهيئة الحكم الانتقالي.
2.    التأكيد على تزامن رحيل بشار الأسد مع إعلان تشكيل هيئة حكم انتقالي، والعمل دون عودته للعب دور سياسي في مستقبل سورية من خلال الحصول على ضمانات دولية تمنع الأخير من الترشح إلى أي منصب سياسي أثناء وبعد المرحلة الانتقالية.
3.    اعتبار بيان الرياض المؤسس للهيئة العليا للتفاوض شرطاً لازماً لأي توسعة غير عضوية، سوءاً كانت استجابةً لطلب دولي أو لضرورات تميلها العملية السياسية.
4.    الإصرار على تشكيل بعثة مراقبين دوليين، وتحميل الأمم المتحدة مسؤولية تنفيذ الاتفاق ومراقبته لضمان تنفيذه دون حدوث خروقات غير موثقة من قبل النظام، والتأكيد أن الهدن المحلية لن تمثل بجموعها بديلاً عن اتفاق شامل على المستوى الوطني، فيما يعتبر أي اتفاق مبدئي لا يلزم بقرار من مجلس الأمن حتى تتشكل هيئة حكم انتقالي. وبناءً عليه يتم تنفيذ قرار وقف إطلاق النار بالشكل التالي:

5.    العمل على تأهيل المجالس المحلية لمهام رصد وقف إطلاق النار تحسباً لفشل خيار إلزام الأمم المتحدة بإرسال بعثة مراقبين دوليين.
6.    تحرك سياسي ودبلوماسي للهيئة العليا للتفاوض والأجسام السياسية والعسكرية المشكلة لها من خلال خطة مضبوطة تراعي تحقيق حشد الدول "الصديقة" في مواقف مشتركة حيال القضايا الخلافية المؤجلة في قرار مجلس الأمن، وتبني هذه الدول لسياساتها ومرجعيتها التفاوضية، ويرافق هذا التحرك أداء إعلامي يؤكد على مطالب الثورة الأساسية وعدم التنازل عنها مهما كان الظرف السياسي أو العسكري المرافق.
كما يتوجب على قوى المقاومة الوطنية المسلحة القيام بحزمة الإجراءات التالية:
1.    الاستمرار بالأعمال العسكرية الاستراتيجية وعدم الارتهان لاحتمالية حصول عملية وقف إطلاق نار، والعمل على استمرار الحشد العسكري وارتفاع الجهوزية في حال تم فرض وقف إطلاق نار.
2.    تشكيل قوة عسكرية لتدخل سريع، ذات تشكيل عسكري نظامي وتحظى بثقة جميع كتائب المقاومة الوطنية، ومهمتها الرئيسية جمع أفراد الكتائب العسكرية التي قد تتعثر تحت وطأة الضغوطات الدولية، بالإضافة إلى تشكيلها قوة ردع عسكرية للنظام في حال اخترق الأخير أي اتفاق وقف لإطلاق نار محتمل.
3.    طرد تنظيم الدولة من شمال حلب، تمهيداً لتحرير المدينة بشكل كامل، بالإضافة إلى القضاء على تواجده في جنوب سورية.
4.    الحفاظ على المعابر الحدودية مع كل من تركيا والأردن، وتوكيل مهمة إدارتها إلى هيئة مدنية متخصصة بمساندة قوة عسكرية مركزية.
5.    وقف جميع المحادثات الثنائية مع النظام حول تشكيل هدن محلية، والدفع نحو إتمام اتفاقات وقف إطلاق نار جزئية ومؤقتة في المناطق المحاصرة تراعي الخصوصية للجبهة المحلية وتجهض سياسات النظام الكامنة وراء الهدن، وذلك للتخفيف عن المدنيين وتمهيداً لتطبيق قرارات مجلس الأمن 2139 و2165 و2191.

مما لا شك فيه أن القرار يرسخ ويثبت آليات ونتائج مسار فيينا، منذ انطلاقته، حيث تمت إعادة صياغة تفاهمات فيينا ومخرجاتها ضمن ديباجته ومتنه، كما يشكل هذا القرار تتويجاً وتثبيتاً للدور الروسي الرئيس في قيادة عملية توزيع الأدوار ورسم تصور الحل، بعيداً عن الخلافات في تفسير بيان جنيف الذي صيغ بطريقة "الغموض البناء" ليسمح للقوى الكبرى المشاركة في الصياغة، وبالأخص الروس والأمريكان، بأن يقدم كل منهما رؤيته المنفصلة لتفسير البيان، وبنفس الوقت الفرصة للتراجع والتحايل على هذا التفسير، ليأتي هذا القرار لاحظاً للرؤية الروسية لبيان جنيف.

رغم تأطير القرار الدولي الجديد لشكل عملية سياسية غير ناضجة وبرنامج زمني لها، إلا أنه وبتفكيك تفاصيل هذا القرار المعبرة عن المزاج الدولي نجد أنه قد كرس عجز المنظومة الدولية مرة أخرى حيال نصرة القضية المجتمعية السورية من خلال مراعاة شروط اللاعب الروسي الذي لا تربطه مع نداءات ومطالب المجتمع السوري أو عبر اعتماده على ملفات مؤجلة لم تحسم بعد ولها التأثير الواضح على سير هذه العملية وآلياتها التنفيذية سواءً فيما يتعلق بوقف إطلاق النار  والقوى المستثناة، أو ما يرتبط بإرهاب النظام وميلشياته عبر تجاهله الواضح للعدالة الانتقالية، وبذات السياق لم يلغِ القرار رغم التوافق الروسي والأمريكي الهوامش المتاحة لتحسين التموضع لجميع الأطراف، خاصة وأن الإشكالات الرئيسة لاتزال محط خلاف ولا تنذر المؤشرات بانحسارها.

التصنيف تقدير الموقف