يحاول تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة في مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب استكمال ما بدأه منذ النصف الثاني لعام 2018 عبر رصد نشاطات الفاعلين من مجالس محلية ومنظمات خلال النصف الثاني لعام 2020 بين تموز وكانون الأول. ويهدف التقرير لتشخيص وفهم ثلاث أذرع ضمن التعافي الاقتصادي المبكر وهي:
وتتشكل أهمية هذا التقرير من قدرته على تشخيص حركة الانجاز في المشاريع الاقتصادية والتنموية المنفذة بعموم المناطق التي يتم رصدها وتقييم إيجابياتها وسلبياتها مما يشكل دافعاً وإسهاماً لصنّاع القرار والفواعل لتوجيه الدعم وسد الثغرات في القطاعات الاقتصادية وأماكن تحظى بدعم أكثر من غيرها.
اعتمد التقرير خلال عملية الرصد في تركيزه على المدن الرئيسية والبلدات التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً، ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي المبين في الجدول رقم (2)، كما تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للمجالس المحلية والمنظمات العاملة على "فيس بوك" و"تليغرام" وتسجيل نشاطاتها وتقاريرها الدورية الموضحة بالجدول رقم (1)، وفق معادلة رصد مضبوطة تؤمن القدرة على تحليل البيانات وفق مستويين، المستوى الأول مستوى القطاعات الاقتصادية والثاني وفقاً للمستوى المناطقي.
يوضح الجدول أدناه خارطة الفواعل التي يرصد التقرير أنشطتها التنموية والخدمية والاقتصادية
كما يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:
إضافة إلى تأزّم الأوضاع العسكرية في إدلب يُسهم في تهديد عملية التعافي المبكر وتأخير تنفيذ المشاريع أو إيقافها، يواجه التقرير جملة من الصعوبات من بينها عدم توفر مؤسسة إحصائية في المنطقة تجمع البيانات والمعلومات المطلوبة وهو ما يحيل إلى صعوبة جمع المعلومات والتوجس من إنقاص شيئاً منها؛ وعدم تسجيل المجالس المحلية كافة الأعمال والنشاطات التي قامت بها على معرّفاتهم الرسمية، أو عدم توضيح تلك النشاطات بشكل مفصّل لدى نشره. ناهيك عن عدم توفر أي بيانات تغطي أعمال ونشاطات القطاع الخاص في المنطقة، ويعود هذا لعدة أسباب من بينها: هشاشة الوضع القانوني والمالي في المنطقة بشكل لا يحفز رأس المال على المغامرة، وعدم الاستقرار على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي الذي يدفع هو الآخر في انخفاض شهية رجال الأعمال لتأسيس أعمال، وانخفاض وتيرة فتح أعمال ونشاطات تتبع للقطاع الخاص بشكل ملحوظ.
تم تنفيذ 812 مشروعاً ونشاطاً في مناطق المعارضة بالشمال، ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب، بارتفاع عن النصف الأول بنسبة 77% أو بواقع 355 مشروعاً. وحسب الشكل رقم (1) فإن النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة كانت ضمن قطاع التجارة (193 مشروع) وقطاع المياه (165مشروع) وقطاع النقل والمواصلات (154 مشروع) وقطاع النزوح الداخلي جاء في المرتبة الرابعة بواقع (119 مشروع) وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية خامساً (56 مشروع).
ارتفعت الأعمال المنفّذة في إدلب وريفها كما يظهر في الشكل رقم (2) بواقع 55% لإدلب (455 مشروع) على المشاريع المنفّذة في حلب وريفها بواقع 45% (367 مشروع)، وهي المرة الأولى منذ بدء رصد نشاطات التعافي المبكر في المنطقة قبل عامين، ويُعزى هذا الارتفاع إلى كثرة مشاريع النزوح الداخلي والمياه والتجارة في محافظة إدلب بالأخص في مدينة إدلب والدانا وسرمدا وأطمة.
وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة حيث حلّت إدلب في المرتبة الأولى في المؤشر كما كانت خلال النصف الأول، وجاءت مدن الدانا والباب واعزاز في المراتب الثانية والثالثة والرابعة على التوالي.
فيما يخص القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية في القطاعات المرصودة، يفيد هذا المؤشر معرفة حجم ما تصدره المجالس من تشريعات وقرارات وتعميمات والدور التشريعي الذي تلعبه المجالس في مأسسة العمل وضبط آليات العمل فيها، وقد بلغت عدد القرارات في هذه الفترة 22 قراراً وتعميماً في كافة القطاعات، ومن بين أبرز القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية خلال هذه الفترة: إيقاف خدمة النت الهوائي في عدة مدن كما حصل في مدينتي الباب وبزاعة واستجرار خدمة النت من تركيا عبر كبل ضوئي؛ والقرار الثاني تسعير المواد التموينية مثل الخبز والغاز والبضائع والأدوية والخدمات مثل بدلات الإيجار بالليرة التركية واعتمادها عملة التسعير الرسمية في الأسواق المحلية ومراقبة التجار والأسواق في تنفيذ القرار في إدلب وحلب؛ والقرار الثالث منع دخول مواد الاسمنت بأنواعه المختلفة من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام والـPYD والسماح بتصدير البضائع التجارية والمعدات الصناعية ضمن القائمة المسموح بتصديرها من منطقة "درع الفرات" إلى منطقة "نبع السلام".
وتم عقد 4 مذكرات تفاهم بينها بناء مشفى في مدينة صوران، ودعم مزارعي الحبوب بالأسمدة المركّبة وبذار الشعير في أخترين، ويُشار أن النصف الأول شهد عقد 19 مذكرة تفاهم في مختلف القطاعات. وفيما يتعلق بفرص العمل يُظهر الشكل رقم (4) ارتفاع فرص العمل إلى 947 فرصة معظمها عقود مؤقتة تركزت في القطاع الطبي والنزوح الداخلي لتنفيذ أعمال متعلقة بالمخيمات والبنية التحتية الخاصة بها.
فيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي تم تنفيذ 165 مشروعاً في المنطقة كما يُظهر الشكل أدناه، تربّعت مدينة الدانا في إدلب على رأس القائمة بواقع 20 مشروع، بعدها مدينتي عفرين (19 مشروع) وإدلب (17 مشروع) وبعدها سرمدا وبزاعة بواقع 17 و10 مشاريع لكل منهما.
انخفضت أعمال قطاع الكهرباء عن النصف الأول بواقع 3 مشاريع، حيث تم تنفيذ 19 مشروع في المنطقة. جاءت بزّاعة على رأس القائمة بـ10 مشاريع وبعدها إدلب والباب والدانا، تم تأهيل أعمدة الكهرباء وصيانة المحوّلات وتجهيز خط التوتر وتركيب عدادات وتمديد كابلات وإنارة الطرقات بعد إيصال التوتر وتشغيل الكهرباء في بزاعة.
أما قطاع النقل والمواصلات فقد تم تنفيذ 154 مشروع في المنطقة بفارق 96 مشروعاً عن النصف السابق، حازت الدانا وإدلب واعزاز على المراتب الثلاثة الأولى كما يظهر في الشكل أدناه، والملاحظ في هذا القطاع حضور إدلب ومناطقها بشكل ملفت مقارنة بالفترات السابقة.
تراجع العمل في قطاع الإسكان والتعمير إلى 39 مشروع عن النصف الأول 2020 (59 مشروع) والنصف الثاني 2019 (86 مشروع) فيما حازت مدينة الباب على المرتبة الأولى بواقع 28 مشروع كما يظهر في الشكل أدناه، وهي المرة الرابعة على التوالي التي تستحوذ فيها المدينة على الحصة الأكبر من المشاريع في هذا القطاع فضلا عن الفارق الكبير مع المناطق الأخرى. كما حصلت نقلة مهمة في طريقة التعاطي مع المخيم، إذ تم نقل العديد من المخيمات إلى مجمعات سكنية مؤلّفة من عدة مبانٍ تتسع لمئات العائلات ومجهّزة بكافة الخدمات، تقي العائلة برد الشتاء وحر الصيف، كما حصل في أطمة وجرابلس والدانا واعزاز بإشراف العديد من المنظمات بينها منظمة إحسان وفريق ملهم وعطاء الخيرية.
فيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 33 مشروع، حازت فيها بلدة بزاعة (7 مشاريع) واعزاز وعفرين (6 مشاريع لكل منهما) على المراتب الثلاثة الأولى ضمن القطاع في المنطقة، من بين المشاريع، إنشاء وترميم مدارس وحدائق وملاعب وصالات رياضية ومساجد ومراكز صحية.
بالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 56 مشروعاً ارتفاعاً عن النصف السابق بواقع 10 مشاريع، بينها توزيع علف وبذار وسماد وتلقيح الأغنام والأبقار للعائلات المستفيدة، وكانت كل من قباسين وبزّاعة وعفرين ومارع في ريف حلب في المراتب الأربعة الأولى في إدلب وريف حلب.
وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي حافظ هذا القطاع على ارتفاع عدد الأعمال فيه عن الفترات السابقة، بواقع 119 مشروع، حازت فيه كل من أطمة وسرمدا وإدلب على المراتب الثلاثة الأولى في المؤشر نظراً إلى كثافة أعداد النازحين والمخيمات فيها، شملت الأعمال تقديم خدمات البنية التحتية في المخيمات وترميم المنازل لتحسين الظروف المعيشية للنازحين القاطنين فيها.
وفيما يتعلق بقطاع التمويل تم تنفيذ 31 مشروع بارتفاع بواقع 21 مشروع عن النصف السابق، حازت مدينة قباسين وإدلب واعزاز على المراتب الثلاثة الأولى، ومن بين المشاريع النقد مقابل العمل التي استهدفت أعمال النظافة العامة، وتأسيس مشاريع تجارية صغيرة للمستفيدين وطرح مزادات لاستثمار محال وصالات تعود للمجلس المحلي.
أما قطاع التجارة والذي استحوذ على المرتبة الأولى ضمن مؤشر التعافي بواقع 193 مشروع، ارتفاعاً بنسبة 54% عن الفترة السابقة حازت فيها إدلب على المرتبة الأولى بنحو 68 مشروع، ولا يزال هذا القطاع يحافظ على تطور مستمر قياساً مع الفترات السابقة، مدفوعاً بحجم المناقصات المطروحة على التجار لتوريد سلع وخدمات، كتوريد المياه والمازوت والمعدّات الكهربائية وطباعة الكتب وتوريد قرطاسية وتجهيزات عديدة أخرى سواءً للمخيّمات أو لخارجها.
تذيّل قطاع الاتصالات مؤشر التعافي ضمن القطاعات المرصودة، حيث تم استدراج خدمة الانترنت من تركيا عبر كبل ضوئي بعد إصدار قرارات في إيقاف الانترنت الهوائي في قباسين، وتغذية كاميرات المراقبة في الطرقات بالكهرباء في بزاعة. أما في قطاع الصناعة فقد تم تنفيذ مشروع واحد فقط في مجال تصنيع حاويات القمامة في جرابلس بريف حلب.
أخيراً يمكن القول إن النصف الثاني من 2020 شهد تطوراً ملحوظاً في أعداد المشاريع المنفّذة، وفرص العمل، إذ ارتفعت المشاريع من 457 مشروع في النصف الأول إلى 812 مشروعاً في النصف الثاني، وتركز العمل على قطاعات التجارة والمياه والنقل والنزوح الداخلي، وللمرة الأولى تجاوزت محافظة إدلب وريفها في الأعمال والمشاريع ريف حلب بواقع 55% لإدلب مقابل 45% لريف حلب.
تُظهر المقارنة بين النصف الأول والثاني من العام 2020 ارتفاعاً في أعداد المشاريع وفرص العمل مردّه إلى جملة من العوامل:
تبين نتائج الرصد جملة من نقاط القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب، فبالنسبة لنقاط الضعف يمكن شملها بالنقاط الآتية:
أما بالنسبة لنقاط القوة التي يسجلها التقرير :
في ظل ارتفاع مؤشر التعافي الاقتصادي المبكر خلال النصف الثاني من 2020 يورد التقرير توصيتين من شأنهما رفد العملية مزيداً من التنسيق في المنطقة وفواعلها ومزيداً من العمل في القطاعات غير الفاعلة حتى الآن:
استضاف التلفزيون العربي المدير التنفيذي لمركز عمران، الدكتور عمار قحف، ضمن برنامجه شبابيك، للحديث عن عودة النازحين واللاجئين لمناطق سيطرة المعارضة، حيث أوضح القحف أن عدم عودة النازحين لمناطق سيطرة النظام هو تكريس لانعدام الأمان في مناطق النظام، إضافة لسوء الأوضاع المعيشية وانعدام فرص العمل، في مقابل وجود أمن نسبي في مناطق سيطرة المعارضة في ظل وجود القواعد العسكرية التركية.
للمزيد: https://bit.ly/38E7BOZ
خلال 2020 قررت غرفة عمليات الجيش التركي في إدلب إعادة تموضع ست نقاط مراقبة تركية حاصرها النظام خلال الحملة العسكرية التي شنها في نيسان 2020 على مواقع سيطرة قوات المعارضة في محافظتي حلب وإدلب في نيسان 2020، تلك المناطق التي كانت ضمن مناطق خفض التصعيد المتفق عليها في مؤتمر أستانة. ([1]) وهي من ريف حلب (عندان، الراشدين، قبتان الجبل) من ريف إدلب (صرمان) من ريف حماة (مورك، شير المغار) ([2])، كما أنه في مطلع عام 2021 تم سحب باقي النقاط الثلاث وهي من ريف حلب (العيس، الشيخ عقيل) من ريف إدلب (تل طوقان). ([3])
أثار هذا الانسحاب العديد من التساؤلات المتعلقة بالسيناريوهات الميدانية للخارطة العسكرية في إدلب مرة أخرى، وعليه يحاول تقدير الموقف هذا أن يقدم قراءة تحليلية للحركة العسكرية التركية ومدلولاتها ثم استعراض خارطة الأهداف المتعلقة بفواعل الأستانة وانعكاساتها على التطورات الميدانية المحتملة في إدلب؛ مبيناً الاتجاهات المستقبلية المتوقعة للمشهد الميداني.
بدأ النظام وبمساندة برية وجوية مباشرة من روسيا حملاته العسكرية على مناطق خفض التصعيد توالياً منذ 10 تشرين الثاني عام 2018. حيث بدأت أول عملية قضم في 02 شباط عام 2019، ([4]) وتلاها حملتين من قوات النظام في الفترة الزمنية بين 2019 و2020 وكانت أخر حملة في نيسان 2020 والتي تخللها مواجهة مباشرة بين النظام وتركيا، واستطاع النظام في هذه الحملات من فرض سيطرته على عدة مواقع مهمة، وتمكن أيضاً من تأمين طريق M5 ،من خلال سيطرته على خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب في إدلب وعلى الراشدين وسنجار وغيرها من النقاط الواقعة شرق الـ M5 في ريفي حلب الغربي والجنوبي .كما توضح الخريطة رقم (1):
الخريطة رقم (1) توضح توزع نقاط المراقبة التركية بعد الاتفاق الأول مع روسيا في 2018
تعتبر عملية القضم الأولى بمثابة أول اختبار للاتفاق الروسي التركي والذي برهن حينها أنه اتفاق هش سياسياً وعسكرياً لم تتمكن بنوده من ضبط هجمات النظام وحينها لم يبدر أي تحرك عسكري من الجانب التركي الأمر الذي لعب دورا أساسيا في قيام النظام بشن حملتين جديدتين خسرت خلالهما المعارضة عدة مواقع ونقاط استراتيجية، وترافقت تلك الخسارات بعد الحملة الثالثة من انتقال المفاوضات التركية والروسية من وزراء الدفاع إلى المكاتب الرئاسية والتي نتج عنها توقيع اتفاق بين الرئيسين بوتين وأردوغان ملحق إضافي لاتفاق سوشي في موسكو بتاريخ 5 آذار 2020 ([5])حيث نص الاتفاق على تسيير دوريات مشتركة على طريق M4 و وقف العمليات القتالية على خط التماس وفق تصريحات لكلا الرئيسين أردوغان وبوتين بتوصلهما لاتفاق على وثيقة مشتركة حول التسوية في سورية ([6])، ولعل أبرز الثغرات التي تستمر روسيا بالاستفادة منها في الاتفاق الحالي وكافة الاتفاقات السابقة لأستانة وسوتشي وحتى اتفاقية موسكو أنه لا يوجد فيها نص واضح وصريح يمنع الروس من عملية قضم أو عملية عسكرية([7]).
بتاريخ تشرين الثاني لعام 2020 اتخذت القوات التركية قرار إعادة تموضع النقاط من مناطق ذات خواصر رخوة إلى مناطق فيها خطوط دفاع أكبر ومناطق استراتيجية أكثر وبالتحديد في مناطق جبل الزاوية والتي تعتبر من الناحية الاستراتيجية خط الدفاع الأول فيما يتعلق بطريق الـ M4، كما توضح الخريطة (2):
الخريطة رقم (2) توضح نقاط المراقبة التي سحبتها تركيا وكيف إعادة تموضعها كانون الثاني 2021
تدلل الآلية التي اتبعها الجانب التركي في إعادة تموضع نقطة مورك ونقلها إلى قرية قوقفين في منطقة جبل الزاوية وتعزيزها بأرتال كبيرة من الجيش التركي على طبيعة التوجه الميداني لأنقرة والذي يتمثل في عدم التواجد في مناطق النظام خشية تعرضها للمزيد من الضغوط واحتمالات الانزلاق من جديد لمواجهات عسكرية مباشرة، والبدء بالتعامل مع إدلب كخيار عسكري استراتيجي عبر تغيير وظائف النقاط التركية من وظيفة المراقبة إلى قواعد عسكرية معززة ومدعومة بكافة أنواع الأسلحة مجهزة لأي عمل عسكري، والجدير بالذكر هنا أنه من المحتمل إنشاء نقطة جديدة في مدينة قدورة باتجاه مدينة سراقب ونقطة في حرش بنين مدعمتين بعتاد وتجهيزات عسكرية نوعية. ([8]) من جهة أخرى؛ ويعد هذا الانسحاب إجراء احترازي لعدم وقوع هذا النقاط كرهائن بيد قوات النظام والتي سيتم استخدامها للضغط على أنقرة، كورقة مفاوضات للحصول على هدف سياسي أو عسكري.
مما لا شك فيه؛ يطمح النظام لإعادة السيطرة على إدلب وذلك لعدة أسباب منها ما هو متعلق بضرورات "النصر" قبيل الانتخابات الرئاسية الجديدة إضافة إلى ما هو مرتبط بتنشيط الحركة التجارية بين الساحل وإدلب وحلب، وأيضاً إضعاف الموقف التفاوضي للمعارضة السورية عبر زيادة المكتسبات الميدانية وتوظيفها في التفاوض السياسي، ناهيك عن رغبته في السيطرة على الحدود مما يعني احتكاره للإدارة الأمنية والفوائد الاقتصادية للحدود. وقد تتبدى أولى غاياته في القيام بعمليات قضم باتجاه طريق M4 وجبل الزاوية باعتبارها منطقة جغرافية مرتفعة تمكن النظام من فرض طوق ناري على شمال إدلب في حال سيطر عليها. وذلك كله كتمهيد للسيطرة على معبر باب الهوى من أجل إيقاف الآلية الدولية للمساعدات وهو المعبر الوحيد الذي تدخل عبره المساعدات للمعارضة ويصبح مصير النازحين والمهجرين بيد النظام.
قد يعتري هذا الطموح المتخيل للنظام جملة من التحديات سواء تلك التي يفرضها مسار أستانة أو تلك المرتبطة بعدم امتلاك التكلفة المالية في ظل ما تشهده مناطق النظام من أزمات اقتصادية خانقة؛ وبالتالي فإنه سيمضي في الآونة الراهنة باتباع منهجية الاختراق والعمليات الأمنية السريعة من خلال افتعال تفجيرات واغتيالات وزرع خلايا أمنية صغيرة.
من جهة طهران فإنها ترمي للسيطرة على الفوعة وكفريا حيث أنه ومنذ انسحاب سكان مدينتي كفريا والفوعة وفق اتفاق الزبداني 24 أيلول عام 2015، ([9]) تعمل إيران على تقديم خطاب "إعادة السيطرة على كفريا والفوعة" " لميلشياتها معتبرة إياه "الجهاد". وفي سبيل ذلك ستسعى إيران لتحقيق أهدفها في إدلب عن طريق النظام وتكرار تكتيكاتها في حملات القضم الأخيرة عبر انتشار ميليشياتها في المناطق المستردة. وتعتبر الدينامية الأنسب لإيران في إدلب هو تحويل الانتشار العسكري إلى السيطرة الاجتماعية عن طريق إعادة توطين عوائل المقاتلين وتكثيف عمل المنظمات والجمعيات الإيرانية وتهيئة كما فعلت في دير الزور.
أما فيما يتعلق بالجانب الروسي فإنه يسعى من جهة إلى الحفاظ على منصة أستانة وما تستوجب من تفاهمات مع أنقرة ومن جهة أخرى تأمين الطرق الدولية وما تعنيه من عودة شريان الاقتصاد للحياة لا سيما في ظل التحديات الاقتصادية الكبرى التي يشهدها النظام والتي من شأنها تخفيف الخنق الاقتصادي وجعل المكسب العسكري مكسباً مستمراً وإلا فإن الانزلاق المستمر للقوات الروسية في سورية سيبقى ذو كلف سياسية عالية.
على الرغم من قيام الجانب الروسي بمعارك البادية ضد تنظيم الدولة وما استلزمه من نقل العديد من الكتل العسكرية من إدلب إلى بادية حمص بالإضافة إلى ترقب الجميع لمعرفة الدور الذي تنوي الإدارة الأميركية الجديدة لعبه في إدلب، إلا أن هذا لا يعد مؤشراً كافياً لعدم اهتمام موسكو بتحصيل مكاسب في جبهة إدلب فإن المشهد الميداني العام في إدلب ينحو باتجاه أحد السيناريوهات التالية:
الأول: استمرار القضم: والذي يمكن أن يتم من خلال قضم جزئي أو اجتياح كامل، وفيما يتعلق بالقضم الجزئي فمن المرجح أن يبدأ من المنطقة الواقعة جنوب الـ M4، والتي شهدت ومنذ توقيع الاتفاق التركي والروسي الأخير المتعلق بنشر الدوريات المشتركة على طريق ال M4 عدة غارات من قبل الطيران الروسي ومدفعية النظام ومحاولات تسلل برية من قبل النظام والمليشيات الإيرانية باتجاه منطقة جنوب الأوتوستراد الواصل بين محافظتي حلب واللاذقية. وفي حال نجاح هذه المحاولات يكون الأوتوستراد أصبح تحت سيطرة النظام وروسيا بشكل كامل، وهذا يعني أيضا أنه لم يعد ضرورياً وجود الدوريات المشتركة بين الـأتراك والروس مع انسحاب فصائل المعارضة إلى شمال الأوتوستراد ([10]). بالإضافة إلى تمكن قوات النظام من فرض رصد ناري على ما تبقى من مواقع المعارضة في إدلب.
أما الاجتياح الكامل للمنطقة وعلى الرغم من كونه مستبعد نظراً لكلفته السياسية والإنسانية والاقتصادية فإنه سينحو إما باتجاه كامل للمنطقة والأرياف المحيطة بها وصولا حتى بلدة دارة عزة أو باتجاه اجتياح كامل لمدينة إدلب ماعدا الشريط الحدودي الممتد من دركوش وصولاً حتى سرمدا (وهي منطقة واقعة بين سلسلة جبال والحدود السورية التركية).
السيناريو الثاني فيتمثل بالتجميد، حيث أن سمة التجميد هي سمة المشهد الميداني وتثبيت الوضع على ما هو عليه وهو السيناريو الأكثر توقعاً وأن تبقى نقاط السيطرة على ما هي عليها خلال هذه الفترة وإعطاء الفرصة باتجاه أكبر للتفاهمات السياسية بين الأتراك والروس وهذا ما بدى من خلال اتفاق أستانة 15 الذي أكد على التهدئة في منطقة إدلب.([11]).
أياً كان السيناريو المتوقع؛ فهذا لا يلغي أهمية صمود تلك المناطق نظراً لتكلفة الخسارة استراتيجياً وعلى كافة الصعد السياسية والاقتصادية والإنسانية والاجتماعية وما سيلحقه من كوارث وتعثرات محتملة في سياسات الاستجابة؛ وهو أمر تدركه جيداً الفواعل الوطنية الأمنية والعسكرية والسياسية ولكنه يتطلب مزيداً من تدعيم مؤشرات الاستقرار الأمني والسير قدماً باتجاه نمط حوكمي رشيد وهندسيات عسكرية منضبطة ومصممه بغرفة عمليات مركزية معدة سلفاً لغايات الصمود وعدم تكرار سيناريو القضم.
([1]) أبرز محطات مفاوضات أستانا، الجزيرة تاريخ النشر04/07/2017، الرابط https://2u.pw/NGPQ9
([2]) نقاط المراقبة التركية في شمال غربي سوريا، صحيفة عنب بلدي، تاريخ النشر 19/12/2020، الرابطhttps://2u.pw/6btvQ
([3]) مقابلة أجرتها الباحثة مع محلل عسكري في تاريخ 30 كانون الأول 2020 على منصة زووم
([4]) ورشة قام بها مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عن السيناريوهات الميدانية المتوقعة لإدلب لعام 2021 في تاريخ 30 كانون الأول 2020 على منصة زووم مع مختصين في الشأن العسكري والمدني.
([5]) لافروف يعلن بنود الاتفاق الروسي التركي. عربي سبوتنيك، تاريخ النشر. 05/03/2020.الرابط https://2u.pw/hrgfz
([7])ورشة قام بها مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عن السيناريوهات الميدانية المتوقعة لإدلب لعام 2021 في تاريخ 30 كانون الأول 2020 على منصة زووم مع مختصين في الشأن العسكري والمدني.
([9]) اتفاق الزبداني-الفوعة وكفريا، الميادين تاريخ النشر 29/12/2015.الرابط https://2u.pw/ysYLQ
([10]) مقابلة مع خبير في الشؤون العسكرية والميدانية في تاريخ 7 كانون الثاني عام 2021 على منصة الزووم.
([11]) مقابلة مع خبير في الشؤون العسكرية والميدانية في تاريخ 9 كانون الثاني عام 2021 على منصة الزووم.
([12]) ورشة قام بها مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عن السيناريوهات الميدانية المتوقعة لإدلب لعام 2021، مرجع سابق.
بتاريخ 14 شباط/ فبراير 2021 شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، محمد العبد الله في تقرير صحفي لجريدة عنب بلدي
بعنوان " تنافس بالقروش" أم احتكار للسوق بين شركات محروقات إدلب ".
استعرض الباحث فيه واقع البيئة التي تعمل فيها شركات المحروقات في إدلب ومدى كون هذه البيئة ملائمة لوجود مقومات المنافسة بين هذه الشركات. إلى جانب تشخيصه للدور المحتمل لهئية تحرير الشام في علاقتها مع شركات المحروقات التي تم تأسيسها مؤخراً في مناطق سيطرة الهيئة وأثر ذلك على تجارة المحروقات.
للمزيد إضغط الرابط:https://bit.ly/3auEa38
بتاريخ 13 تشرين الأول 2020، وخلال مقابلته مع جريدة القدس العربي، رأى الباحث لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد منير الفقير، أن تجزئة الخلافات بين موسكو وأنقرة لا تتم بين الطرفين عمودياً بل أفقياً، بمعنى أن ساحة الخلافات التكتيكية على المستويين الأمني والعسكري ممتدة من أذربيجان إلى ليبيا مروراً بسورية، وهذا منفصل عن ملفات التعاون والتنسيق الأخرى بين البلدين كالاقتصادية وغيرها، معتقداً الفقير أن الخيارات في إدلب ومحطيها مفتوحة للتصعيد وليس للحسم على أي صعيد في الفترة المقبلة وصولاً إلى لحظة الانتخابات الأمريكية.
المصدر القدس العربي: https://bit.ly/3kdIplY
أجرت جريدة عنب بلدي مقابلة صحفية مع المدير التنفيذي لمركز عمران الدكتور عمار قحف، الذي أوضح فيها أن تغلغل "هيئة تحرير الشام"، يشكّل تهديدًا حقيقيًا على مستقبل محافظة إدلب، وأن بيان (جنيف1) صُممَ بغموض قابل للتأويل.
رابط المصدر: https://wp.me/p2gAZn-1KN2
يحاول التقرير التالي استكمال ما بدأه تقرير التعافي الاقتصادي المبكر في مناطق المعارضة قبل عام ونصف من خلال رصد نشاطات المجالس المحلية والمنظمات خلال النصف الأول من عام 2020 بين كانون الثاني وحزيران، بهدف تشخيصها وفهم حركية العجلة الاقتصادية في المنطقة ووضعها في إطار يمكن مقارنة الفترات مع بعضها لمعرفة مدى التطور على صعيد كل منطقة على حدى والمنطقة برمتها، كما يفيد هذا العمل في إيجاد اتجاه (Trend) يمثّل قراءة شاملة لعملية التعافي تتضمن تفاصيل الأعمال والنشاطات في القطاعات الاقتصادية، ويمكّن من رسم تصورات مستقبلية لاتجاه التعافي ومداها الزمني بشكل مرحلي. وتتشكل أهمية هذا التقرير من استفراده في الطرح وسط تقارير دولية ومحلية لا تزال تقيس حركة النزوح وتقييم احتياجات النازحين والسكان ومراقبة السوق وإحصاء نشاطات المجالس المحلية بدون تحليلها، وأخيراً يُسهم التقرير في قراءة انعكاسات الأعمال والنشاطات على المواطنين وقدرة المجالس المحلية والفواعل على خلق فرص عمل وتحريك الطلب المحلي ولا يغفل مدى فائدة التقرير في توجيه الدعم لسد ثغرات في القطاعات الاقتصادية وأماكن تحظى بدعم أكثر من غيرها.
ويهدف التقرير إلى إعطاء وصف شامل للتعافي الاقتصادي المبكر في المنطقة وتقديم معلومات صحيحة بغية تحديد وجهة التعافي ونسب انخراط المناطق بالعملية. وتتلخص الأهداف الأساسية للتقرير بالنقاط التالية:
شملت عملية الرصد في هذه الفترة _النصف الأول من 2020_ مدن وبلدات "درع الفرات"، و"عفرين"، ومحافظة إدلب. تم التركيز على المدن الرئيسية والبلدات التي شهدت نشاطاً اقتصادياً ملحوظاً. ووفقاً للتصنيف الصناعي المعياري الدولي فقد تم تصنيف القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية التي سيتضمنها التقرير كما يلي: قطاع الإسكان والتعمير، قطاع الكهرباء والمياه، قطاع النقل والاتصالات، قطاع الصناعة، قطاع التجارة، قطاع التمويل، قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، قطاع الخدمات الاجتماعية، وقطاع النزوح الداخلي.
وفي سبيل تنفيذ عملية الرصد تم الاعتماد على المعرّفات الرسمية للمجالس المحلية على "فيس بوك" و"تليغرام" ومتابعة المنظمات العاملة، المحلية والأجنبية، في المنطقة ورصد نشاطاتها وتقاريرها الدورية من بينها التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، والتقارير الصحفية التي تحدثت عن المنطقة ونشاطاتها.
ومن بين المجالس المحلية التي تم رصدها في محافظة إدلب: أريحا، إدلب، حارم، سرمدا، سراقب، جسر الشغور، معرة مصرين، حزانو، سلقين، بنش، أرمناز، عزمارين، إسقاط؛ حربنوش، ترمانين، وفي ريف حلب تم رصد المجالس المحلية التالية: مارع، اعزاز، الباب، جرابلس، أخترين، قباسين، بزاعة، عفرين، صوران، الأتارب. أما المنظمات والمؤسسات التي تم رصدها: إحسان للإغاثة والتنمية، وهيئة ساعد الخيرية، ولجنة إعادة الاستقرار، ومنظمة شفق، ومنظمة بنفسج، ومنظمة بنيان، وتكافل الشام، ومنظمة وطن، وهيئة الإغاثة الإنسانية، والدفاع المدني السوري، ووحدة تنسيق الدعم، ومنظمة التنمية المحلية، ومنظمة بنيان، ومنظمة عطاء الخيرية، والرابطة الطبية للمغتربين السوريين، والمؤسسة الدولية للتنمية الاجتماعية، وتكافل الشام، وحكومة الإنقاذ، ومؤسسة بناء للتنمية، ومؤسسة يدا بيد للتنمية، واتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية، ومنظمة اقرأ الخيرية، ومنظمة رحمة بلا حدود، وغراس النهية، ومنظمة المساعدة السورية، ومديرية صحة إدلب، والاستجابة الإنسانية. يظهر الجدول أدناه القطاعات ونوعية النشاطات/ القرارات المرصودة:
لا يزال هناك عدة عوامل تُضفي صعوبة على التقرير من بينها: أعاقة الأوضاع العسكرية في إدلب عملية جمع المعلومات وتأخر من تنفيذ المشاريع وتعمل على تأجيل معظمها، واهتمام المجالس والمنظمات بنشاطات الإغاثة والوقوف على متطلبات النازحين، والبعد الثالث مرتبط بصعوبة التواصل مع بعض المجالس وعدم تسجيل كل أعمالهم ونشاطاتهم على معرّفاتهم الرسمية، أو عدم توضيح تلك النشاطات بشكل مفصّل عند نشرها، ولا تزال الصعوبة الأبرز تتمثل في عجز التقرير على تغطية بيانات القطاع الخاص في المنطقة. وأخيراً يلفِت التقرير الانتباه أن هذه الفترة شهدت نشاطاً أكثر للمجالس المحلية وبعض المنظمات في تنظيم عملية نشر الأعمال وطلبات التوظيف وهو ما انعكس إيجاباً على عملية الرصد.
تم تنفيذ 457 مشروع ونشاط في مناطق المعارضة بالشمال (ريف حلب الشمالي والشرقي ومحافظة إدلب) بنسبة منخفضة بنسبة والتي قاربت 24% أو بواقع 111 مشروع عن الفترة السابقة - النصف الثاني من 2019- وحسب الشكل رقم (1) فإن النسبة الأكبر للمشاريع المنفّذة كانت ضمن قطاع النزوح الداخلي (89 مشروع) وقطاع المياه (78مشروع) وقطاع التجارة (70 مشروع) وقطاع النقل والمواصلات (60مشروع) والإسكان والتعمير (59) مشروع، وتذيّلت قطاعات الزراعة والكهرباء والخدمات الاجتماعية والتمويل والصناعة المراتب الأخيرة. واللافت للانتباه خلال هذه الفترة أمرين:
وبشكل أكثر تفصيلاً يُظهر الشكل رقم (3) توزع المشاريع على المناطق المرصودة حيث تربّعت مدينة إدلب في المرتبة الأولى وجاءت مدينتي الباب واعزاز في المرتبة الثانية والثالثة على خلاف الفترات السابقة عندما كانت مدينتي الباب واعزاز تحتلان المرتبة الأولى والثانية في المؤشر.
فيما يخص القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية في القطاعات المرصودة، يفيد هذا المؤشر معرفة حجم ما تصدره المجالس من تشريعات وقرارات وتعميمات والدور التشريعي الذي تلعبه المجالس في مأسسة العمل وضبط آليات العمل فيها، وقد بلغت عدد القرارات في هذه الفترة 85 قراراً وتعميماً في كافة القطاعات، وكان لإجراءات فيروس كورونا معظم القرارات والتعميمات من قبيل تعليق بعض النشاطات والدوام في المدارس وإيقاف عمل البازارات والنشاطات الاجتماعية حفاظاً على سلامة المواطنين، ومن بين أبرز القرارات التي اتخذتها المجالس المحلية خلال هذه الفترة:
ويُظهر الشكل رقم (4) الارتفاع الكبير في فرص العمل التي تركز معظمها في القطاع الطبي وتنفيذ أعمال البخ والتعقيم والتنظيف بعد انتشار فيروس كورونا، حيث تم تسجيل 891 فرصة عمل. مع الإشارة بأن الكثير من تلك الفرص ذات عقود مؤقتة تتراوح فترات العمل فيها من شهرين ونصف إلى سنة، وسُجّلت 12 مذكرة تفاهم تم توقيعها من قبل المجالس المحلية مع المنظمات والمؤسسات لتنفيذ مشاريع متنوعة.
فيما يتعلق بقطاع المياه والصرف الصحي يظهر الشكل أدناه تربع مدينة عفرين وجرابلس في مقدمة المدن والبلدات بـ 15 مشروع لكل منها من أصل 78 مشروع، في الوقت الذي تراجعت مدن مثل اعزاز والباب وأخترين ومارع نظراً لتنفيذ معظم هذه المشاريع خلال الفترة السابقة. ومن بين ما يلفت الانتباه كان توقيع مذكرة تفاهم بين منظمة "بناء" والمجلس المحلي في سرمدا لإنشاء شركة مياه تحت اسم "غدق" لتزويد المدينة بالمياه.
حافظ قطاع الكهرباء على عدد المشاريع عن الفترة السابقة، بإجمالي 22 مشروع، وجاءت أخترين في مقدمة المناطق بتنفيذ 7 مشاريع بعدما تم استجرار الكهرباء إليها، حيث تم تجهيز خط التوتر العالي وبناء منشأة للكهرباء وتمديد كابلات وتركيب عدادات كهرباء وتثبيت أعمدة اسمنت تحمل كابلات، وجاءت الراعي في المرتبة الثانية، فيما عادت مدن مارع وصوران إلى الوراء جراء الانتهاء من معظم المشاريع المتعلقة بالكهرباء خلال الفترة السابقة.
فيما يتعلق بقطاع النقل والمواصلات فقد انخفض عدد المشاريع إلى 58 من 123 مشروع خلال الفترة الماضية وحازت جرابلس وأخترين واعزاز على المراتب الثلاثة الأولى كما يظهر في الشكل أدناه، والملاحظ في هذا القطاع استحواذ منطقة ريف حلب على معظم المشاريع فيه بفضل حالة الاستقرار النسبي التي تتمتع بها المنطقة، في حين تواجه منطقة إدلب وريفها تحركات عسكرية تعطّل حركية المشاريع في هذا القطاع بالمنطقة. والمعروف أن تزفيت الطرقات وتأهيلها بالبحص وتسوية الطرقات الفرعية يُسهم في تعزيز التبادل التجاري بين القرى والمدن وتسهّل حركة المواطنين بينها.
تراجع قطاع الإسكان والتعمير إلى المرتبة الخامسة (59 مشروع) من المرتبة الثالثة في الفترة السابقة بواقع 86 مشروع، وحافظت مدينة الباب على المرتبة الأولى بواقع 28 مشروع كما يظهر في الشكل أدناه علماً ليتراجع عدد المشاريع في المدينة بنسبة 45% عن الفترة السابقة (61 مشروع)، ولا يزال الفارق كبير في هذا القطاع بين المرتبة الأولى والثانية كما في الفترات السابقة، حيث يفصل بين مدينة الباب وبزاعة التي حازت على المرتبة الثانية، 19 مشروع، وبهذا لا تزال مدينة الباب تحوز على معظم الاهتمام في حركة البناء والإنشاء لتشكل مركز جذب للبناء السكني والتجاري بالنسبة للسكان والمنطقة عموما.
وفيما يتعلق بقطاع الخدمات الاجتماعية فقد تم تنفيذ 18 مشروع فقط هبوطاً من 41 في الفترة الماضية، وقد حازت مدينة اعزاز على معظم المشاريع بواقع 13 مشروع، حيث تم تجهيز حديقة للأطفال واستكمال بناء وافتتاح مشفى وفرن خبز وأنشأت مدرسة في الحي الجنوبي من اعزاز إضافة لمشاريع أخرى مشابهة.
وبالنسبة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية فقد تم تنفيذ 46 مشروع تعنى بتلقيح الحيوانات وتوزيع العلف والبذار على المزارعين، ولا يزال القطاع يشهد قفزات بطيئة للغاية إذ تم تنفيذ 43 مشروع في النصف الثاني من 2019 و21 مشروع في النصف الأول من نفس العام، في الوقت الذي تحتاج المنطقة لمشاريع أكثر في هذا القطاع من أجل الأمن الغذائي وتوفير معظم المواد الأساسية وخفض تكاليف المعيشة، وقد عانى الفلاحون خلال هذه الفترة من تذبذب سعر صرف الليرة أمام الدولار وانخفاض قيمتها بشكل كبير، إذ أسهم هذا في ارتفاع تكاليف المواد الأولية من سماد وبذار ومحروقات ومياه ويد عاملة، وهو ما يدفع الفلاحين لهجرة أراضيهم وترك المهنة أو الاستمرار وتحقيق أرباح منخفضة.
وبالانتقال إلى قطاع النزوح الداخلي والذي شهد نقلة نوعية في المؤشر بحصوله على المرتبة الأولى في المؤشر، بواقع 96 مشروع بعدما نفذ 90 مشروعاً في النصف الثاني من 2019، وحازت إدلب على المرتبة الأولى بين المناطق، ويُعزى هذا إلى نزوح المواطنين من مناطق الحملة العسكرية إلى مناطق أكثر أماناً، واحتاج النازحون لخدمات كثيرة ابتداءً من المخيمات إلى أعمال البنية التحتية من كهرباء وماء لمشاريع كثيرة في سياق ترميم المنازل في البلدات والمدن لتحسين ظروف النازحين القاطنين فيها.
وفيما يتعلق بقطاع التمويل تم تنفيذ 10 مشاريع خلال هذه الفترة، من قبيل مشروع مزاد علني لتأجير آلات زراعية وتأجير مجموعة من المحال التجارية ودعم المشاريع النسائية وإطلاق مشروع المال مقابل العمل، ومن بين المشاريع الكبرى التي طرحت خلال هذه الفترة، مشروع طرح معمل غاز في مدينة الباب للاستثمار. ولا يزال هذا القطاع هش جداً ولا يحظى باهتمام بالغ من قبل المجالس المحلية والمنظمات ويعزى هذا إلى ضحالة رؤوس الأموال في المنطقة وعدم توفر بنوك ومصارف، وانخفاض مستوى الأمان، والأهم من هذا وذاك عدم توفير بيئة قانونية تدافع عن الحقوق والملكيات وتحفظ لصاحب المال ملكيته وماله.
أما في قطاع التجارة فقد حافظ القطاع على قفزات متتالية بين الفترات المرصودة فمن 24 في النصف الأول لـ 2019 إلى 54 في النصف الثاني لـ 2019 إلى تنفيذ 87 مشروعاً خلال النصف الأول من 2020 مدفوعاً بحجم المناقصات المطروحة على التجار لتوريد سلع وخدمات، كتوريد المياه والمازوت والمعدّات الكهربائية وطباعة الكتب وتوريد قرطاسية وتجهيزات عديدة أخرى سواءً للمخيّمات أو لخارجها.
بقي قطاع الصناعة الأضعف على الإطلاق في هذه الفترة والفترات السابقة بدون إحداث أي خروقات تذكر في هذا القطاع الاستراتيجي والهام، حيث تم تنفيذ مشروع واحد فقط في مجال الاسمنت في بزاعة بريف حلب.
عموماً أظهرت البيانات أعلاه أن عدد المشاريع التي تم تنفيذها في المنطقة المرصودة بين كانون الثاني وحزيران 2020 نحو 457 مشروع موزّعة على القطاعات كافة، وقد تركزت جُل المشاريع في قطاعات النزوح الداخلي والمياه والتجارة والنقل والمواصلات، وحافظت ريف حلب على النسبة الأكبر من المشاريع بنسبة 59% (277 مشروع) فيما حازت إدلب وريفها على نسبة قدرها 41% (177 مشروع).
تُظهر المقارنة بين النصف الأول من 2020 والنصف الثاني من 2019 انخفاضاً في عدد المشاريع في مؤشر التعافي من 564 إلى 457 مشروع نتيجة جملة من العوامل لعلَّ أهمها العملية العسكرية للنظام في ريف إدلب الجنوبي وما تبعها من عملية عسكرية تركية "درع الربيع" والاتفاقات التي تبعتها بين الروس والأتراك ومن ثم الإجراءات المتّبعة فيما يخص فيروس كورونا، وقد تسبب هذا في صرف جُل المشاريع لتخديم النازحين الجدد وتوفير مسكن ملائم وظروف معيشية مناسبة، كما أسهم تردّي الصحة العامة في المنطقة لزيادة فرص العمل في القطاع الطبي عموماً (انظر الشكل 14)، وفيما يلي نسوق جملة من الملاحظات الأبرز على المؤشر مقارنة مع الفترة السابقة:
وبتلمّس جوانب القوة والضعف قي القطاعات المرصودة في مناطق "درع الفرات" و"عفرين" ومحافظة إدلب يظهر ما يلي:
بناء على تحليل البيانات أعلاه وتلمس جوانب القوة والضعف يوصي التقرير بجملة من التوصيات من شأنها توفير أطر رئيسية لعملية التعافي المبكر التي ولا شك تعتبر تحدياً رئيسياً لقوى المعارضة في الشمال السوري، ونذكر إضافة لما ورد في التقارير السابقة، ما يلي:
لا تزال تواجه محافظة إدلب والمناطق المحيطة العديد من المهددات الأمنية الداخلية والخارجية، وترسم مشهداً مليئاً بالارتكاسات المحتملة؛ ومن بين تلك المهددات والتحديات ملف تنظيم "حراس الدين" الذي يتسم بآليات عمل ذاتية خاصة؛ وديناميات متعددة في العلاقة مع الفواعل الآخرين؛ وتصاعدت أهمية هذا الملف من خلال انتقال العلاقة مع هيئة تحرير الشام من علاقة مضطربة محكومة بالمصلحة إلى المواجهة العسكرية. وفي ظل أسئلة التحديات الداخلية للمحافظة وما يشكله من عبء و"حجج" تدخل عسكري تزيد من الأعباء السياسية والاجتماعية والأمنية المحلية؛ يحاول هذا التقرير تبيان ماهية تنظيم "حراس الدين" وأبرز تحولاته وعلاقاته المحلية؛ محاولاً الوقوف على الاتجاهات العامة المتوقعة لمستقبل صراعه مع "الهيئة". ([1])
كانت الانطلاقة الرسمية للتنظيم في 27 شباط 2018، حيث اندمجت سبع مجموعات متشددة في إدلب ومحيطها (كما هو موضح بالجدول(،([2]) وشكلت جسم عسكري واحد سُمي بـ "تنظيم حراس الدين"، انضمت إليه 10 تشكيلات أخرى كانت أغلبها تجمعات محلية صغيرة أو منشقة من فصائل أخرى، وتتسم كل الفصائل المنضوية للتشكيل الجديد بعلاقات مباشرة أو غير مباشرة مع تنظيم القاعدة.[3] وهو أمر ساهم في اعتبار التنظيم الجديد أحد مكونات تنظيم القاعدة التي تُعرف بولائها لزعيم التنظيم أيمن الظواهري. ([4])
اسم الفصيل |
قيادة أجنبية |
عناصر أجنبية |
القوة العسكرية حينها (1 إلى 10) |
علاقة مع القاعدة |
العلاقة مع تنظيم داعش |
جيش الملاحم |
لا |
نعم |
6 |
نعم |
لا |
جيش الساحل |
لا |
لا |
2 |
نعم |
لا |
جيش البادية |
لا |
لا |
3 |
نعم |
لا |
سرايا الساحل |
لا |
نعم |
3 |
نعم |
لا |
سرايا كابل |
نعم |
نعم |
2 |
لا |
نعم |
جند الشريعة |
نعم |
نعم |
1 |
لا |
لا |
جند الأقصى |
نعم |
نعم |
4 |
لا |
نعم |
خريطة (1): السيطرة الشاملة في محافظة إدلب -28 أيار 2020 ([5])
يفتقر التنظيم لهيكل إداري مركزي؛ وتتوزع بنيته إلى مجموعات صغيرة في أجزاء مختلفة من شمال سورية. وتعمل كل مجموعة على اجتذاب المهاجرين (المقاتلين الأجانب) وكذلك المقاتلين المحليين الذين غادروا "هيئة تحرير الشام". وفي الفترات الأولى من تشكيل التنظيم كان ما لا يقل عن نصف أعضاء المجموعة البالغ عددهم 700-2500 من المقاتلين الأجانب فيما وصل عدد مقاتليها في 2020 إلى 3500 مقاتل منهم 60% إلى 70% أجانب. ([6])
تزعم التنظيم منذ الإعلان سمير حجازي الملقب بأبو همَّام الشامي، بينما تولى قيادته العسكرية أبو همَّام الأردني. أمّا أبرز علمائه الشرعيين فهُما الأردنيان سامي العريدي وأبو جليبيب الأردني. كما يضم العديد من "الشخصيات الجهادية" مثل أبو بصير البريطاني وأبو أنس السعودي وحسين الكردي وأسماء أخرى معروفة في المشهد الجهادي ومعروفة بولائها لتنظيم القاعدة.
في 30 حزيران 2019 أكدت وزارة الدفاع الأمريكية عن قيام أحد مسيراتها باستهداف بناء في جنوب حلب ضمن مواقع سيطرة المعارضة؛ حيث كان يجتمع فيه عدد من قادة "حراس الدين" وغيرها من الفصائل المتشددة وذلك من أجل حل نزاعات داخلية. ([7]) وبعد شهر ( في 31 آب 2019) أعلنت الوزارة مرة أخرى عن استهدافها لمعسكر تدريبي يستخدمه كل من "حراس الدين" و"أنصار التوحيد"، وأسفر الاستهداف عن مقتل أحد أهم قادة الأنصار وهو ليبي الجنسية وملقب بأبو أسامة الليبي.([8]) وفي 10 أيلول 2019 ؛ أدرجت الولايات المتحدة التنظيم وزعيمه المؤسس سمير حجازي على لائحة قوائم الإرهاب وأعلنت حينها عن مكافأة وصلت إلى 5 مليون دولار أمريكي لمن يقدم أي معلومات عن التنظيم أو أحد قادته،([9]) وجاءت هذه القوائم بعد 10 أيام فقط من تنفيذ الولايات المتحدة لغارتها الجوية الثالثة في غضون شهرين ضد التنظيم في محافظة إدلب السورية. وفي 22 تشرين الثاني 2019 أعلن تنظيم "حراس الدين" عن مقتل أحد أهم قادته الأردنيين "بلال خريسات" وذلك بعد استهداف موقع تواجد عن طريق مسيرة أمريكية. ([10])
ديناميات الموقف والقرار العسكري
لا يعتبر التنظيم، من التنظيمات التي تمتلك قدرة وقوة عسكرية بحد ذاته، لذلك غالباً ما يلجأ إلى التحالفات مع تنظيمات أخرى عند قيامه بهجمات عسكرية على المناطق الخارجة عن سيطرته، كجماعة "أنصار التوحيد" و"جبهة أنصار الدين" وغيرهم، ولا يمتلك "التنظيم" قيادة مركزية فعلية، وإنما كل مجموعة تابعة له تقوم بإدارة شؤونها وتخطط وتنفذ لعمليات الخطف أو القتل بحسب ما تراه أنه يحقق أهدافها.
يتواجد التنظيم وينتشر بشكل مُكثف وقوي في 14 نقطة (قرية/بلدة) في مناطق سيطرة المعارضة بإدلب، 14 موقع من أصل 206 موقع تحت سيطرة الجبهة الوطنية أو الهيئة أي يعني 7٪ من النسبة الكاملة لسيطرة المعارضة، وغالبية تلك المواقع متواجدة في الجنوبي الغربي مما تبقى للمعارضة في المنطقة (انظر الخريطة أدناه)، وتجدر الاشارة هنا إلى أنه لا يمكن توصيف تواجدهم في تلك المناطق بالسيطرة بحكم ديناميات عملهم فهم يعتمدون على التحرك السريع والانتشار المؤقت في مواقع أخرى ولفترة قصيرة جداً من أجل تحقيق أهداف معينة، من الممكن وصف هذا الانتشار (بالانتشار الطيار) والذي حصل 9 مرات منذ تشكيل التنظيم وكان غالباً يترافق بعمليات خطف أو اغتيالات في المنطقة. ([11])
مع بداية عام 2019 وعلى الرغم من صغر حجم الفصيل من ناحية العتاد؛ بينت حسابات موالية للحراس بأن التنظيم نفذ أكثر من 200 هجوم في محافظات إدلب واللاذقية وحماة وحلب على مواقع للنظام، ولكن دائماً ما كان التنظيم يشترك بتلك العمليات مع مجموعات أخرى، أمثال "حزب الإسلام التركستاني" أو "أنصار التوحيد"، وحتى "هيئة تحرير الشام" في بعض الأحيان على الرغم من أن العلاقة آنذاك بين التنظيم و” الهيئة” كانت تشهد توتراً قابلاً للانفجار.
ملحق خريطة السيطرة والنفوذ في محافظة إدلب وما حولها/نيسان 2020
ترتبط بوصلة الموقف العسكري للتنظيم حيال العلاقة مع الفواعل المحلية بمحدد "قرب تلك الفواعل من فكر وهيكلية تنظيم داعش بالدرجة الاولى وتنظيم القاعدة بالدرجة الثانية"؛ بينما ترتبط في باقي الفواعل بعلاقة براغماتية تتغير وفق طبيعة الظرف الأمني العام والحركة العسكرية ضد النظام؛ ففي حين اندمج التنظيم في 28 نيسان 2018 مع فصيل "أنصار التوحيد" (جند الأقصى سابقاً) تحت مسمى حلف نصرة الإسلام بدوافع أيديولوجية،([12]) بالإضافة إلى اندماجه مع بقايا تنظيم داعش؛ اضطر – بحكم الدوافع البراغماتية - في 26 نيسان 2018 للقيام بشن هجمات مشتركة مع أنصار التوحيد (وهو فصيل غالبيته من جند الأقصى) وجيش العزة، على قوات النظام السوري في ريف محافظة حماة الشمالي، وكانت هذه المرة الوحيدة التي يتعاون فيها حرس الدين مع فصيل من الجيش الحر بشكل مباشر.
من جهة أخرى؛ وعلى الرغم ما تظهره العلاقة الراهنة من توتر مع هيئة تحرير الشام؛ فقد أصدر التنظيم في 29 شباط 2018 بياناً يوضح فيه معارضته للقتال الحاصل بين الجبهة الوطنية وهيئة تحرير الشام، وبيّن بذات السياق أنه سوف يهاجم الجبهة الوطنية في حال قررت الهجوم على مواقع “الهيئة” في كل من "محمبل، بسنقول، وكفرشلايا" وهي مواقع ينتشر فيها تنظيم "حراس الدين" بكثافة. إلا أن هذا الموقف البراغماتي لم يمنع هذا التنظيم في 30 كانون الأول 2019 من رفض اقتراح “الهيئة” بتشكيل مجلس عسكري مشترك في إدلب، تحت إشراف قادة عسكريين وشرعيين من "الهيئة".([13]) وفي 10أيار 2020 نُشر بيان منسوب للقائد العام لتنظيم "حراس الدين" أبو همام الشامي"، يحذّر فيه عناصر "هيئة تحرير الشام" من القبول بالعمل تحت راية الجيش التركي، أو ضمن اتفاقات سوتشي وغيرها من التوافقات الدولية.
تدلل بعض المحطات في حركية هذا التنظيم على خصوصية العلاقة مع تنظيم داعش على الرغم من قيام الأخير بتكفير "حراس الدين" في مطلع عام 2018، ويمكن استنتاج هذه الخصوصية من خلال عدة مؤشرات؛ أولهما حين قتل أحد أهم قادته (أبو جليبيب الأردني) في 28 تشرين الثاني 2018 قتل في درعا حيث رجح أنه كان بمهمة تتعلق بالتواصل مع خلايا تنظيم داعش المتبقية في المنطقة. وثاني تلك المؤشرات يتأتى من مقتل مقاتلي "حراس الدين" برفقة "البغدادي" في 27 تشرين الأول 2019. ([14])
خلاف مرجعي ومصلحي مع "هتش"
لم تشن "الهيئة" عمل عسكري أو أمني واسع على "حراس الدين" خلال عامي 2018 و2019، لا بل كانت تتعاون معها في بعض الأحيان، ويعود السبب لرغبة "الهيئة" في عدم فتح جبهة داخلية وتأجيل التصعيد إلى انخراطها باقتتال مستمر مع الجبهة الوطنية للتحرير وتشكيلات محلية من الجيش الحر. ومركزة بذات الوقت على الانتفاضة المدنية ضد الجهاز الأمني لهيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ بالإضافة إلى الوضع غير المستقر مع جبهات النظام، عموماً ولفهم طبيعة العلاقة المعقدة يمكن تفنيد أسباب الخلاف في ثلاثة محاور: .([15]) ([16])
المحور الأول: اختلاف المرجعيات: على الرغم من أن غالبية تنظيم حراس الدين هم من المنشقين عن هيئة تحرير الشام إلا أن الخلافات البينية تتمركز إلى حد كبير على مستوى القيادة وجراء قضية رئيسية تتمثل بقيام هيئة تحرير الشام اعلان فك ارتباطها بالقاعدة. وما استلحقته "الهيئة" في 27 تشرين الثاني 2017 من اعتقال لكل من (سامي العريدي، الرئيس السابق للمجلس الشرعي لجبهة النصرة، أبو جليب الأردني قائد جبهة نصرة في الجنوب (درعا)، إياد نظمي صالح خليل قائد عسكري، أبو خديجة الأردني، وأبو مصعب الليبي)، ([17]) وهي أسماء امتازت بعلاقة وطيدة مع تنظيم القاعدة، وبعد هذه الاعتقالات، استقال العديد من أعضاء هيئة تحرير الشام، وهددت العديد من الفصائل المنضوية في "الهيئة" بالانفصال عنها، مما دفع الجولاني إلى تجديد المفاوضات مع القاعدة، التي لم تؤد في النهاية إلى أي شيء. إذاً يتمسّك تنظيم حراس الدين بمرجعية تنظيم القاعدة الأم وبالولاء للظواهري كأمير التنظيم ولـ "أبو محمد المقدسي" كمرجعية أيديولوجية، أما الهيئة فتتمسك بمشروعه الخاص، وتستند إلى "أبو قتادة الفلسطيني"، بوصفه المرجعية الجهادية الداعمة لفكّ الارتباط.
المحور الثاني: المحور الاقتصادي؛ لا يمكن إغفال العنصر المالي والموارد الاقتصادية من خارطة الصراع البينية؛ إذا تتعزز المعطيات باتجاه تكوين مقاربة مفادها أن جذور الخلاف هو من جهة "حراس الدين" البحث عن موارد تعينه على التماسك التنظيمي وتوفر له قدرة على زيادة هوامش حركته العسكرية حيث تعد مسالة نقص التمويل وانخفاض مستويات التسلح إحدى مظاهر الضعف في التنظيم؛ ومن جهة الهيئة هو حماية مصالحها وما تعتبره مواردها من المخاطر الداخلية. ([18])
المحور الثالث: خلافات في المصالح لاسيما المرتبطة بمسائل السلاح والأمن المعلوماتي، وتمظهر هذا الخلاف على سبيل المثال في اتهام "حراس الدين" لبعض قياديين "الهيئة" بإرسال مواقع جغرافية لقادتهم الأجانب إلى التحالف الدولي (أمريكا)، بالإضافة إلى اتهام مباشر لـ "أبو محمد الجولاني"، بالتعامل مع الأتراك والأمريكيين، والوشاية بالقيادات الأجنبية لـــ "حراس الدين". ([19]) ([20])
في بداية شهر شباط عام 2018؛ وقعت المناوشة العسكرية الأولى بين التنظيمين، بعد حرب إعلامية وتبادل للاتّهامات بين الطرفين واتهام "حراس الدين" للهيئة بالانحراف عن المشروع الإسلامي الجهادي، وأعلن هذا التنظيم عن نيته بالبدء باستهداف العدو القريب والبعيد في آن معا، إشارة منه على بدأ مرحلة العمل العسكري ضد الهيئة ([21])، تلك الأحداث أسفرت عن حصول تنظيم "حراس الدين" على تأييد من معظم منظّري التيار السلفي الجهادي، وحظي بدعم وتمويل مباشر من القاعدة، واستقطب عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب الذين حاول "أبو محمد الجولاني" التخلّص منهم. وفي 10 شباط 2018، تجددت الاشتباكات العسكرية بين "حراس الدين" و"الهيئة"، وتحديداً في بلدة "تل حدية" بريف حلب الجنوبي، وامتدت المعارك إلى مناطق في ريفي حماه واللاذقية، انتهت بعد وساطة من بعض الشرعيين. ([22])
في 13 كانون الأول 2019 توصل كل من "هيئة تحرير الشام" وتنظيم "حراس الدين"، إلى اتفاق لحل الخلاف بين الطرفين في محافظة إدلب شمالي سوريا. بوساطة من "جماعة أنصار الإسلام"، بهدف وقف الخلاف بين "تحرير الشام" و"حراس الدين"، ونص الاتفاق حينها على إطلاق سراح الموقوفين والمحتجزين من الطرفين، وتشكيل لجنة قضائية مشتركة برضاهما، مع مهلة 24 ساعة للاتفاق على "مرجح النزاع". وشدد الاتفاق على تسليم جميع الموقوفين للجنة المشّكلة، كما أشارت بنود الاتفاق على أن شخص يلقب "الشيخ أبي عبد الكريم" المقرب من الهيئة سيكون المشرف على عمل اللجنة وبضمان من "جماعة أنصار الإسلام".
لا شك فقد شكل الموقف المصلحي للهيئة حيال الاتفاق التركي الروسي نقطة توجس للحراس؛ خاصة مع قيام الهيئة في مطلع آذار 2020 بإعادة النظر في أساس علاقتها الحالية وكيفية التعامل معهم بشكل ينعكس على الهيئة بشكل إيجابي، خاصة وأن "حراس الدين" كرر في أكثر من بيان له على عدم موافقته وعلى عدم تقيده بأي اتفاق وقف اطلاق نار في المنطقة وحرص على نشر تهديداته ضد أي جهة دولية تعمل بشكل يخالف أو يعارض تطلعاته الجهادية، وبزر ذلك بعد قيام عناصر من هذا التنظيم باستهداف رتل تركي في إدلب بعبوة ناسفة بالقرب من بلدة محمبل مما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من الجنود الأتراك. ([23])
استغلت "الهيئة" تلك الحادثة، وعمدت على التصعيد الفوري على مواقع "حراس الدين" في المنطقة بالتزامن مع حملة إعلانية من قبل حسابات تتبع "للهيئة" تضمنت رفضها لمثل تلك الهجمات على المواقع التركية، إذ عمدت الهيئة على الايحاء بـ "أنها جزء من الحل وليست جزء من المشكلة" وذلك عن طريق تأمين سير اتفاق الـ M4 ومهاجمة أي تنظيمات تعرقل الاتفاق أو تستهدف النقاط التركية، حيث ترتجي قيادات الهيئة أن يشكل هجومها على "حراس الدين" بوابة من أجل أن يتم قبولها أو الاعتراف بها كالقوة الوحيدة المحلية في إدلب على الأقل في الوقت الحالي، وستعمل "الهيئة" على استغلال وجود هذا التنظيم ومعارضته لاتفاق وقف اطلاق النهار وهجماته على طريق الـ M4 لترسل عدة رسائل مرتبطة بالإيحاء على الانضباط وفهم قواعد اللعبة عبر موقفها المستعد للتعاون لمواجهة المهددات الداخلية. ([24])
يمكن اعتبار مطلع عام 2020 بأنه مرحلة المواجهة المؤجلة حيث شهدت مدينة أرمناز في ريف إدلب الشمالي الغربي توترا أمنياً بين "الهيئة" و"حراس الدين" وسط انتشار واسع لعناصر الطرفين في محيط المدينة وحول المواقع والمقار العسكرية. حيث حاولت الهيئة فرض خطة أمنية تفضي بإغلاق عدد من مقار "حراس الدين" في المدينة لكنهم فشلوا بعد رفض التنظيم إخلاء أي مقر عسكري وهدد بالرد على أي إجراء بالقوة،([25]) بينما أرسلت "الهيئة" رتلاً عسكرياً للضغط على هذا التنظيم مما أجبره على الانسحاب من المنطقة. وفي 27 أيار 2020 جددت هيئة تحرير الشام من هجماتها على مواقعه وذلك بعد استهداف رتل تركي في نفس اليوم بعبوة ناسفة. ([26])
كما أنه من المتوقع أن تستمر الولايات المتحدة باستهداف التنظيم في المرحلة المقبلة؛ فإنه من المتوقع أيضاً أن تدخل تركيا وبقوة على خط المواجهة مع هذا التنظيم إما بشكل مباشر أو دعم الجيش الوطني في تنفيذ هذه العملية لا سيما بعدما زادت مؤشرات تعرض "حراس الدين" أمن نقاطها وأفرادها العسكرية؛
من جهة اخرى بات واضحاً أن المؤشرات الأولية تدل على استمرار المواجهة بين "هيئة تحرير الشام" و"حراس الدين" خاصة في ظل عدم وجود "مشروع تصالح جدي"؛ وبكن ستبقى "حراس الدين" تعول على فشل الهيئة في تحقيق غاياتها المتمثلة في تحصيل "القبول الدولي والمحلي" لتعيد فرض شروطها على الهيئة من بوابة وحدة المصير وما تمليه من مراجعات تنظيمية وفكرية، وهذا يؤكد وبوضوح ان اختطاف المحافظة وتطويعها لغايات هذين التنظيمين إنما هو خطر وجودي لن يستقم دون وجود مواجهة قوى الثورة والمعارضة لهذه المشاريع العابرة للمصلحة الوطنية.
([1]) ارتكز التقرير على تقارير الرصد بمركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالإضافة إلى 3 مقابلات عبر السكايب أجراها الباحث مع (عنصر سابق في الدفاع المدني لمدينة سراقب – قيادي في الجبهة الوطنية للتحرير – ناشط في المجال الصحي) بتاريخ 20 أيار 2020– تم التركيز في المقابلات على طبيعة خارطة السيطرة المحلية في مناطق سيطرة المعارضة بعد انتهاء حملة النظام العسكرية الأخيرة
([2]) مقابلة أجراها الباحث مع إعلامي في الجبهة الوطنية وتم الحديث فيها عن المراحل الأولى من تشكيل تنظيم حراس الدين والصفات التي ميزت الفصائل التي شكلت التنظيم، 10 أيار 2020.
([3]) الصراع بين الجهاديين وولادة حرّاس الدين، تشاتم هاوس، نيسان 2018، https://bit.ly/36PVtIx
([4]) أعلن تنظيم الحراس عن إطلاق المؤسسة الإعلامية الناطقة باسمه " مؤسسة شام الرباط للإنتاج الإعلامي"، شباط 2018.
([5]) توضح الخريطة مواقع انتشار تنظيم حراس الدين من دون السيطرة الفعلية وهو ينتشر في مواقع تخضع لسيطرة هيئة تحرير الشام بشكل مباشر أو غير مباشر
([6] ماذا تعرف عن قادة "حراس الدين" الأردنيين في سوريا؟ حفريات، 26 آذار 2020، https://bit.ly/2ySyCzs
([7]) قتل خلال عملية الاستهداف ستة من قادة التنظيم، عرف منهم، أبو عمر التونسي، أبو ذر المصري، أبو يحيى الجزائري، وأبو دجانة التونسي، وأصيب في الهجوم أربعة عشر عنصر أخر، غالبيتهم من تونس ومصر.
([8]) Syria's war: US 'targets al-Qaeda leaders' in rebel-held Idlib, Aljazeera En, 01 Sep 2019, https://bit.ly/3cLJ9Ky
([9]) Designation of Hurras al-Din as a Specially Designated Global Terrorist, federal register, 09 Sep 2019. https://bit.ly/37egLzW
([10]) Jihad and Terrorism Threat Monitor (JTTM) Weekend Summary, December 21-28, 2019, https://bit.ly/30ltRtr
([11]) مقابلة سكايب أجراها الباحث مع عسكري منشق متواجد في إدلب وتم مناقشة فيها الاستراتيجية التي يتبعها تنظيم حراس الدين، 5 أيار 2020.
([12]) تشكيل جديد في إدلب تحت مسمى “حلف نصرة الإسلام”، عنب بلدي، 29 نيسان 2019، https://bit.ly/2AUlLNG
([13]) أصدر أبو همام الشامي والدكتور سامي العريدي، وكلاهما موالين لتنظيم القاعدة، بياناً من صفحتين يرفض فيه اقتراح هيئة تحرير الشام.
([14]) Nowhere left to run: how the US finally caught up with Isis leader Baghdadi, The guardian, 27 Oct 2019 , https://bit.ly/37bcVaF
([15] ( اشتباكات بين «حراس الدين» و«تحرير الشام» في إدلب، الشرق الأوسط، 20 شباط 2020، https://bit.ly/3gKCC6k
([16]) قاسم الصالح، "حراس الدين" ترد على مضايقات "تحرير الشام" وتعتبرها لمصلحة النظام السوري، أخبرا الأن، 23 نيسان 2020، https://bit.ly/2XoaT3v
([17]) حفريات -ماذا تعرف عن قادة "حراس الدين" الأردنيين في سوريا؟، حفريات، 26 آذار 2020، https://bit.ly/2ySyCzs
([18]) مقابلة سكايب أجراها الباحث مع أيمن الدسوقي الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 15 أيار 2020.
([19]) اشتباكات بين «حراس الدين» و«تحرير الشام» في إدلب، الشرق الأوسط، 20 شباط 2020، https://bit.ly/3gKCC6k
([20]) قاسم الصالح، "حراس الدين" ترد على مضايقات "تحرير الشام" وتعتبرها لمصلحة النظام السوري، أخبرا الأن، 23 نيسان 2020، https://bit.ly/2XoaT3v
([21]) إدلب: صدام وشيك بين "حراس الدين" و"تحرير الشام"؟ المدن، 19 نيسان 2020، https://bit.ly/3clFtPK
([22]) مقابلة سكايب أجراها الباحث مع عسكري منشق متواجد في إدلب وتم مناقشة فيها الاستراتيجية التي يتبعها تنظيم حراس الدين، 5 أيار 2020.
([23]) استهداف رتل تركي على طريق اللاذقية – حلب الدولي وسط تحليق طيران روسي، القدس، 27 أيار 2020، https://bit.ly/3ckDv25
([24]) مقابلة سكايب أجراها الباحث مع قيادي في فيلق الشام وفيها تم مناقشة وضع الاتفاق التركي والروسي وطبيعة الهجمات العسكرية التي استدفت مواقع تركية في إدلب بالقرب من طريق الـ M4، 27 أيار 2020.
([26]) قتيل وجرحى.. عبوة ناسفة تستهدف دورية للجيش التركي في إدلب، SY24، 27 أيار 2020، https://bit.ly/37cU7Ys
عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة افتراضية بعنوان "تشريح الجمود السوري" وذلك في 03 حزيران/ يونيو 2020، هدفت الجلسة إلى تسليط الضوء على الجهود الجارية لحل "الجمود السوري" عبر جهودات المجتمع الدولي لإنهاء الجمود السياسي الحالي.
عُقدت الجلسة بمشاركة السفير د. ألكسندر أكسينوك (نادي فالداي ، RIAC) والدكتور كونستانتين تروفتسيف (معهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم) في تحليلهم وتصوراتهم للأحداث الأخيرة في سورية ، بما في ذلك اتفاق خفض التصعيد في إدلب، قسد، علاقات النظام ، اندلاع كوفيد 19 ، الصعوبات الاقتصادية والسياسية التي يواجهها نظام الأسد.