مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Omran Center
Omran Center

Omran Center

عقدت المؤسسة الخيرية لتطوير الموارد البشرية IKGV التركية بتاريخ 19-20 كانون الثاني/ يناير 2017، دورة تدريبية بعنوان "مكافحة تجارة العنصر البشري"، في إطار خطتها التدريبية لتدريب منظمات المجتمع المدني السورية. ومثل مركز عمران في حضور الدورة الباحث محمد العبدالله من مسار التنمية والاقتصاد.
وتركز الهدف الأساسي للدورة التدريبية على تقديم عرض تفصيلي من قبل منظمة  IKGV حول موضوع الاتجار بالبشر، من خلال تحديد مفهومه وعرض آليات مكافحة تجارة العنصر البشري في تركيا، ومن ثم التطرق إلى واقع جريمة الاتجار بالبشر بين الفئات الضعيفة بين اللاجئين السوريين في تركيا. كذلك تم التطرق إلى وسائل مكافحة هذه الجريمة والحد منها بين هذه الفئات ودور منظمات المجتمع المدني السورية في القيام بذلك بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني التركية والجهات الحكومية ذات الصلة.

في إطار تغطية الشأن  الداخلي السوري قام راديو الكل بإجراء لقاء صوتي مسجل مع الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 19-1-2017 للحديث حول انتخابات مجلس مدينة إدلب، حيث تناول اللقاء تقييم إدارة المعارضة لمدينة إدلب ومدى نجاحها في هذا الاختبار، والأسباب الدافعة لقبول جيش الفتح لمبادرة تشكيل المجلس المدني، كما تطرق اللقاء إلى مقومات القوة التي يمتلكها المجلس الجديد لإدارة الشأن الخدمي للمدينة، وما هي التحديات التي تعترض عمله وأهمها إصرار النظام على إجهاض أي تجربة مدنية خدمية ناجحة في المناطق الخارجة عن سيطرته، عبر استهدافها وتدمير بنيتها التحتية، ليختتم الباحث مداخلته بالحديث عن أسس ومكونات إدارة الإعمار في إدلب كتجربة لباقي المناطق.

 

  

الأحد, 22 كانون2/يناير 2017 22:42

نوار شعبان

التحصيل العلمي:

حاصل على بكالوريوس في علوم الحاسب الألي من جامعة أمريكية دبي، وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة جامعة ولنغون

 

مؤلفات ومنشورات

  • Significant Economic Cooperation Between The Syrian Regime and Iran During 2018-19
  • Iranian influence within the Regime Army.. 2017/18 strikes that targeted Iran in Syria
  • Factbox: Iranian influence and presence in Syria

ملخص تنفيذي

  • أدار نظام الأسد الملف الأمني بمركزية عالية، مهمتها صيانة أمن النظام وتأدية ما يُوكل إليها من مهام وظيفية، ورغم تفاخره بالقدرة على حفظ الأمن وسط بيئة مضطربة أمنياً، إلا أنها حالة "استقرار" هشّة فُرضت بالترهيب والعنف اللذان كانا من أبرز العوامل المفجرة للحراك الثوري.
  • بينما كانت المركزية الأمنية تتآكل تحت ضغط ديناميكيات الحراك الثوري، برزت فواعل جديدة أصبحت جزءً أساسياً من المعادلة الأمنية، لن تستقيم جهود تحقيق الأمن على المستوى الوطني دون إشراكها.
  • يمكن تحديد خمس جهات أساسية لعبت وما تزال تلعب دوراً في إدارة الأمن المحلي وهي: المجالس المحلية، الشرطة الحرة، القضاء المحلي، فصائل المقاومة الوطنية والفصائل الجهادية العابرة للحدود.
  • يُظهر تقييم الوضع الأمني لمناطق المجالس المحلية تفاوتاً في درجة الاستقرار الأمني، نظراً لعوامل عدة منها: حجم وطبيعة وتعداد القوى العسكرية المسيطرة وطبيعة علاقاتها فيما بينها، مركزية دور المجالس المحلية في توفير الخدمات الأساسية وإدارة شؤون مناطقها، طبيعة القوى المهددة لأمن المجتمعات المحلية، طبيعة العوامل المهددة لأمن المجتمع المحلي (أمنية واجتماعية واقتصادية).
  • تتطلب شروط الأمن والاستقرار تبني مرجعية قضائية مستقلة مدنية موحدة على مستوى مناطقي (المحافظة)، وتوحيد عمل الشرطة المحلية وربط مراكزها بالمجالس المحلية، ناهيك عن ضرورة إعادة هيكلة الهيئات المعنية بالأمن المحلي وحوكمتها بالشكل الذي يضمن اتساقها مع المتطلبات الأمنية للمرحلة الراهنة والانتقالية، وكذلك مع مخرجات الحل السياسي.

مقدمة

أسّس حافظ الأسد لمركزية أمنية حُدّدت مهامها بالحفاظ على نظام الحكم، وتأدية الأدوار الوظيفية الموكلة إليها من قبل منظومة الأمن الدولية، ولإنجاز ما سبق مُنحت المؤسسة الأمنية الموارد والغطاء السياسي والقانوني، أما بنيتها فكانت تقوم على شبكات رسمية-إدارات الأمن-، وأخرى غير رسمية-المخبرين وبيروقراطية البعث الحزبية-تتقاطع جميعها بخضوعها لتوجيهات المركز المتمثل بشخص الأسد الأب.

تمكنت المؤسسة الأمنية من التوغّل في المجتمع والتحكم في تفاصيل الحياة العامة للسكان، وأحدث ذلك آثار كارثية في منظومة المجتمع والدولة. وعلى الرغم من تراخي القبضة الأمنية مع تولي الأسد الابن السلطة ضمن وعود الإصلاح والتحديث، إلا أنها عادت بقوّة بدفع من الحرس القديم لمواجهة الضغوط الخارجية التي تكثّفت مع الاحتلال الأمريكي للعراق. وفي حين كان نظام الأسد يفاخر بقدرته على حفظ الأمن والاستقرار وسط بيئة مضطربة أمنياً، إلا أن استعراض الوقائع يدلّل على أنها حالة استقرار أمنية هشّة فُرضت بالترهيب والعنف، ويدلّ على ذلك حوادث الاصطدام المتكررة بين المكونات المجتمعية، وتزايد حالة السخط الشعبي، إضافة إلى تحول سورية لمسرح لعدد من الحوادث الأمنية كالاغتيالات والتفجيرات.

على هذه الأرضية وفي ظل غياب إرادة سياسية جدية للشروع بحل وطني لمعالجة الأزمات المستعصية والتي لم تعد تنفع معها الحلول المؤقتة والأمنية، انطلق الحراك الثوري في آذار 2011 -والذي يعد أحد أسبابه الغضب الكامن تجاه ممارسات الأجهزة الأمنية-، وفشلت المؤسسة الأمنية للنظام في السيطرة على الموقف لتفقد تدريجياً سطوتها ومركزيتها نتيجة بروز فاعلين محليين مستقلين عن المركز يتولون إدارة الأمن في مناطق سيطرتهم من جهة، وتزايد أثر العامل الخارجي في عمل الأجهزة الأمنية من جهة أخرى.

وفقاً ما سبق، تعدّ دراسة الأمن المحلي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية ودور المجالس المحلية فيها إشكالية تستوجب التفكيك، إذ أنه لن تستقيم جهود تحقيق الأمن على المستوى الوطني دون إشراك هياكل الحوكمة المحلية القائمة وما يستلزمه ذلك من إطار سياسي وقانوني ودعم لتمكين هذه الهياكل حالياً ومستقبلياً من أداء مهامها. ويمكن في هذا السياق تحديد مصطلح الأمن المحلي من خلال تعريفه إجرائياً بـــ: قدرة الهيئات المدنية والعسكرية ذات الطابع والاختصاص المحلي على تثبيت مقومات أمن مجتمعاتها المحلية، والحفاظ على تماسكها المجتمعي وردع التهديدات الأمنية الموجهة لها من قبل القوى المعادية.

تعتمد هذه الدراسة المنهج الوصفي في توصيف سياق تشكل البيئة الأمنية في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وإيراد المقاربات المتبعة من قبل المجالس المحلية في التعامل مع ملف الأمن المحلي. كما تم اتباع المنهج التحليلي في تقييم أداء هيئات الأمن المحلية.

تتناول الدراسة الواقع الأمني في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بدءاً من توصيف السياق الذي تشكّل فيه، وتداعيات عدم الاستقرار الأمني على المجالس، ثم التطرق لمقاربتها في التعاطي مع ملف الأمن المحلي، مروراً بتقييم الجهود المبذولة من قبل المجالس وشركائها في هذا المجال، واستعراض أبرز التحديات التي تعوق جهودهم، وصولاً إلى اقتراح مجموعة من التوصيات العامة ذات الصلة بإدارة الأمن المحلي.

تمهيد

ساهم التمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس المحلية في اعتبارها الجهة المرجعية المسؤولة عن إدارة مناطقها، واستوجب ذلك من قياداتها التعامل مع عدة ملفات إشكالية فرضها واقع ما بعد خروج مناطقها عن سيطرة نظام الأسد وفي مقدمتها ملف الأمن المحلي، خاصة مع وجود حالات تجاوز أمنية كالسرقات والتعدي على الأملاك العامة. ولعل ما زاد من أهمية الموضوع لدى المجالس مخاوفها من تنامي مستوى التهديدات الأمنية (كالاغتيالات والمفخخات والقصف الجوي) التي تتعرض لها مناطقها وانعكاس ذلك سلباً على أدائها واستمراريتها من جهة، وهواجسها من أن تغلب على أجندات الدول المنخرطة في الصراع السوري الاعتبارات الأمنية-وما يفرزه ذلك من مسار سياسي محكوم بأولوية مكافحة الإرهاب-عوضاً عن التركيز على اعتبارات الاستقرار الاجتماعي والسياسي من جهة أخرى.

انطلاقاً مما سبق، يفرض الملف الأمني عدد من التحديات على المجالس المحلية، إذ أنها مطالبة وبالشراكة مع عموم قوى المقاومة الوطنية بإثبات قدرتهم على معالجة هذا الملف في مناطقهم، من حيث تثبيت مقومات الأمن المحلي وأبرزها: ترميم التماسك الاجتماعي واحتواء الفوضى الأمنية ومكافحة الإرهاب، وبقدر ما تتمكن المجالس وشركاؤها من النجاح في إدارة هذا التحدي فإنها تسهم في إنعاش الحاضنة الشعبية المؤيدة للثورة، وتأكيد شرعيتها ودورها كشريك أساسي في أي ترتيبات يفرضها الحل السياسي. 

البيئة الأمنية وأثرها على هياكل الحوكمة المحلية

أدرك نظام الأسد خطورة حركة الاحتجاجات السلمية المناهضة له لتبنيها مطالب وطنية عابرة للانتماءات الفرعية، حظيت بتعاطف إقليمي ودولي، وفي إطار مواجهتها لجأ النظام إلى إدارة الموقف أمنياً وفق استراتيجية بالعنف أكون وذلك من خلال:

  • استخدام تكتيكات العنف والترهيب؛
  • صناعة الفوضى الأمنية من خلال الإفراج عن المحكومين بقضايا جنائية؛
  • إطلاق سراح المعتقلين على خلفية قضايا جهادية؛
  • تنفيذ عمليات أمنية لزعزعة الاستقرار (التفجيرات، استهداف مناطق الأقليات، الاغتيالات)؛
  • اختراق هيئات الحراك الثوري أمنياً؛
  • التسبب بأزمات خدمية من خلال التوقف عن تخديم المناطق الخارجة عن سيطرته، واستهداف هياكل الحوكمة المحلية الناشئة المسؤولة عن توفير الخدمات، إضافة إلى تدمير البنية التحتية.

تمكّن نظام الأسد من إدارة الموقف والضغط على خيارات المتظاهرين، ليدفع باتجاه تشكّل حراك ثوري مسلح مرّ بتحولات عدة كان لها الدور الأكبر في صياغة البيئة الأمنية ضمن المناطق التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد، وفيما يلي تحولات السيطرة التي شهدتها مناطق الحراك الثوري بشكل عام، وأبرز سماتها الأمنية:

  1. السيطرة المؤقتة: بدأت هذه المرحلة بسيطرة مجموعات الحراك الثوري المسلح على المقرات الأمنية "المخابرات" وطرد قواتها خارج مناطقها، ولتنتهي مع اقتحام الجيش لها. يغلب على هذه المرحلة الاستقرار الهش ويعود ذلك إلى:
  • استمرار زخم العمل الثوري السلمي؛
  • تولي مجموعات صغيرة العدد والتسليح مهمة حماية المظاهرات السلمية؛
  • استمرار الخدمات التي توفرها مؤسسات الدولة؛
  • تخفيف النظام عبء الضغوط الأمنية بحق المناطق الخارجة عن سيطرته، وذلك لإفساح المجال لخلاياه الأمنية للعمل وجمع المعلومات تمهيداً لشن عمل عسكري.
  1. الاقتحامات العسكرية: بدأت هذه المرحلة بشن النظام حملات عسكرية ضد المناطق التي خرجت عن سيطرته ولتنتهي مع خروج قواته بفعل حركة مقاومة منظمة قادتها فصائل المقاومة الوطنية "الجيش الحر". تميزت هذه الفترة بتأزم الموقف الأمني للأسباب التالية:
  • الزج بقوات الجيش في مواجهات مفتوحة في عموم الجغرافية السورية، وما نجم عنه من انشقاقات؛
  • تدهور العمل الخدمي الناجم عن استهداف المرافق العامة وضعف المهارات التنظيمية لهياكل الحوكمة المحلية الناشئة؛
  • بروز أزمات إنسانية كان من مؤشراتها حركات النزوح الداخلية وتزايد أعداد القتلى والجرحى؛
  • تنامي نشاط العناصر الإسلامية الجهادية التي أُطلق سراحها في فترة سابقة.
  1. الخروج عن سيطرة النظام: بدأت المرحلة بشن الفصائل المحلية النشأة والمنضوية تحت مسمى "الجيش الحر" لهجمات عسكرية منظمة ضد قوات الأسد، والتي اضطرت بفعل ما لحق بها من خسائر للانسحاب من مناطق المواجهات. يغلب على هذه الفترة الفوضى الأمنية التي تتباين شدتها من منطقة إلى أخرى تبعاً لتعدد القوى المنخرطة في إدارة الملف الأمني وطبيعة علاقاتهم وحجم مواردهم، بالإضافة إلى البيئة الميدانية والوضع الجغرافي الذي تنشط فيها تلك القوى، ويمكن رد أسباب تلك الفوضى إلى عدة أسباب منها:
  • نشاط خلايا النظام الأمنية التي نفذت عدة عمليات في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية؛ كبثّ الإشاعات والقيام بعمليات تفجير واغتيالات؛
  • تعدد فصائل المقاومة الوطنية وتصاعد ضعف التنسيق الأمني والعسكري فيما بينها؛
  • حدوث حالات اقتتال داخلي بين الفصائل في إطار الصراع على النفوذ والموارد؛
  • بروز ظاهرة أمراء الحرب وتغليبها لمصالحها الذاتية على حساب المصلحة العامة؛
  • تنامي قوة التنظيمات الإسلامية الجهادية العابرة للحدود على حساب فصائل المقاومة الوطنية؛
  • تنامي اعتماد النظام على الميليشيات الشيعية مما عزز حالة الاستقطاب المجتمعي في سورية والإقليم؛
  • تصاعد حدة العمليات العسكرية إثر التدخلات الإقليمية والدولية المباشرة في الجغرافية السورية.

ومن الطبيعي أن تؤثر البيئة الأمنية على استقرار هياكل الحوكمة المحلية التي نشأت في ظل الثورة وعلى أدائها لوظائفها، وكلما تحقق للمجالس المحلية بيئة مستقرة أمنياً، تمكنت من تطوير تجربتها وترسيخ تواجدها وأدائها لوظائفها والعكس صحيح، وفي هذا الصدد يُظهر تقييم الوضع الأمني لمناطق المجالس تفاوتاً في درجة الاستقرار الأمني، ويعزى ذلك إلى عدة عوامل منها:

  • حجم وطبيعة وتعداد القوى العسكرية المسيطرة وطبيعة علاقاتها فما بينها، وهنا يمكن القول إنه كلما قلّ عدد الهيئات الأمنية العاملة في منطقة إدارية معينة، انعكس ذلك إيجاباً على الوضع الأمني؛ ([1])
  • مركزية دور المجالس المحلية في توفير الخدمات الأساسية وإدارة شؤون مناطقها؛
  • طبيعة القوى المهددة لأمن المجتمعات المحلية، حيث تواجه مناطق المجالس قوى مناوئة لها تتباين من حيث عقيدتها وأهدافها وعلاقاتها وطريقة عملها ومن أبرز هذه القوى: قوات نظام الأسد، الميليشيات المحلية، القوات الروسية، الميليشيات الشيعية، تنظيم "الدولة الإسلامية"، وحدات الحماية الشعبية والقوات الموالية لها، الفصائل الجهادية العابرة للحدود؛
  • طبيعة العوامل المهددة لأمن المجتمع المحلي والتي تتنوع بين عوامل ذات طبيعة أمنية واجتماعية واقتصادية.

وعموماً تشهد مناطق فصائل المقاومة الوطنية حالة عدم استقرار أمني تزيد من إمكانية تعثّر هياكل الحوكمة المحلية والتي تأخذ ثلاثة أنماط رئيسية هي:

  • حل المجلس المحلي؛ ([2])
  • تعليق عمل المجلس المحلي؛ ([3])
  • استنزاف كوادر المجالس الناجم عن استهدافها ([4]) بشكل مباشر أو اضطرارها للمغادرة نظراً لغياب بيئة آمنة للعمل أو بحكم التهجير القسري.

مقاربات المجالس المحلية للتعامل مع الأمن المحلي: الانخراط الأمني أو المجتمعي

تولت عدة هيئات إدارة الأمن المحلي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وذلك كبديل عن منظومة الضبط السلطوية التي كانت قائمة في فترة سيطرة نظام الأسد، وفي حين تعرضت العديد منها للزوال، فإن بعضها الآخر ما يزال ناشطاً، وبالعموم يمكن تحديد خمس جهات أساسية لعبت وما تزال تلعب دوراً في إدارة الأمن المحلي وهي:

  • الشرطة الحرة؛ ([5])
  • القضاء المحلي؛ ([6])
  • فصائل المقاومة الوطنية؛
  • الفصائل الجهادية العابرة للحدود؛
  • المجالس المحلية.

ساهم التمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس المحلية في اعتبارها الجهة المرجعية المسؤولة عن إدارة مناطقها، واستوجب ذلك من قياداتها التعامل مع عدة ملفات إشكالية فرضها واقع ما بعد خروج مناطقها عن سيطرة نظام الأسد وفي مقدمتها ملف الأمن المحلي، خاصة مع وجود حالات تجاوز أمني كالسرقات والتعدي على الأملاك العامة. وفي إطار تعاطيها مع ملف الأمن المحلي لجأت المجالس إلى مقاربتين رئيسيتين هما الانخراط الأمني أو الانخراط المجتمعي، أما عن العوامل التي تحكم تبني المجالس لإحدى المقاربتين فتعود إلى:

  • تباين مستوى التهديدات الأمنية الموجهة للمناطق التي تديرها المجالس؛
  • مدى توافر الموارد التي يتطلبها العمل الأمني؛
  • منظور قيادات المجالس للعمل الأمني؛
  • مركزية دور المجالس في إدارة مناطقها؛
  • طبيعة علاقة المجالس بالقوى المحلية المدنية منها والعسكرية.

1.   الانخراط الأمني

 انخرط جزء من المجالس في إدارة الأمن المحلي بشكل مباشر، وبالاستقلالية تارةً وبالتعاون تارةً أخرى مع الهيئات المحلية المعنية بالأمر ([7])، وفي هذا السياق لجأت المجالس إلى تشكيل مكاتب أمنية أو مخافر شرطة شهدت تغيرات طالت هيكليتها ومهامها، ففي مرحلة السيطرة الآنية تم تشكيل مكاتب أمنية بهيكلية بسيطة وبما تيسر من موارد محلية، أما المهام الموكلة إليها فلم تتعدّ: حفظ النظام العام وحماية الممتلكات العامة من التخريب ورصد المتعاونين مع النظام. لم يكتب النجاح لتجربة المجالس الأولية في إدارة الأمن المحلي لتتلاشى تحت ضغط ثلاثة عوامل أساسية وهي:

  • ضعف الموارد والخبرات وغياب الرؤية الاستراتيجية لإدارة الأمن المحلي؛
  • تزايد منسوب عسكرة الحراك الثوري وبروز منافسين جدد للمجالس في مجال إدارة الأمن المحلي كفصائل المقاومة الوطنية "الجيش الحر" والشرطة الثورية؛
  • الاقتحامات العسكرية التي نفذتها قوات النظام بحق المناطق الخارجة عن سيطرتها والتي أدت إلى انهيار هياكل الحوكمة المحلية القائمة.

أعادت المجالس المحلية تشكيل نفسها من جديد بعد نجاح فصائل المقاومة الوطنية بإخراج قوات الأسد من مناطقها، وفي حين لجأ بعضها إلى تشكيل هيئات أمنية تابعة لها بما تيسر لها من قبول شعبي وموارد ودعم لوجستي من قبل فصائل المقاومة الوطنية، فضلت مجالس أخرى تشكيل مكاتب أمنية كآلية للتنسيق مع الهيئات المعنية بالأمن المحلي ([8]) كفصائل المقاومة الوطنية ([9]) ومؤسسات القضاء المحلي ([10])، والشرطة الحرة. ([11]). وتعتبر تجربة المجلس المحلي لداريا مثالاً للنموذج الأول، حيث تشكل مركز الأمن العام في داريا من قبل الهيئة الرئاسية-تضم المجلس المحلي وقيادات فصائل المقاومة الوطنية-وكان من مهامه النظر في القضايا الأمنية المدنية والعسكرية على حد سواء. أما بخصوص الهيكلية الناظمة له فكانت وفق الآتي: قسم التحقيق، قسم السجن، قسم القضاء، قسم الدوريات، قسم الشؤون المدنية، قسم الشؤون العسكرية، الديون وقسم السجل المدني. ([12])

2.   الانخراط المجتمعي

 فضلت أغلبية المجالس الابتعاد عن لعب دور مباشر في الأمن المحلي مدفوعة بعدة أسباب منها:

  • تبني قيادات المجالس مقاربة شاملة للأمن تتجاوز البعد العسكري إلى أبعاد أخرى ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية؛
  • تلافي تضارب المصالح مع هيئات الأمن المحلية خاصة تلك التي تتبع لفصائل المقاومة الوطنية؛
  • عدم كفاية الموارد اللازمة لتشكيل هيئات أمنية تتبع لها؛
  • التأكيد على الطابع المدني للمجالس مراعاة لاعتبارات الجهات الداعمة من جهة، وتجنباً لردود الفعل السلبية من قبل السكان المحليين من جهة أخرى.

بناءً على ما سبق لجأت المجالس إلى تركيز أولوياتها على توفير الخدمات الأساسية كأعمال ترميم البنية التحتية ومدّ شبكات المياه والصرف الصحي، إضافةً إلى القيام بمشاريع تنموية تسهم في إنعاش المجتمعات المحلية، واعتبار ما سبق ركائز أساسية مكمّلة لجهود شركائها في توفير الأمن المحلي.

 

تقييم جهود المجالس المحلية وشركائها في توفير الأمن المحلي

تغلب اللامركزية بشكل عام على إدارة الملف الأمني في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وذلك نظراً لغياب جهة مرجعية مركزية تتولى إدارة هذا الملف لصالح جهات متعددة تؤدي أدواراً متباينة بحسب إمكانياتها وعلاقاتها والبيئة التي تنشط فيها، وإزاء تصاعد التهديدات الموجهة لأمن المجتمعات المحلية وكذلك للأمن الإقليمي والدولي يطرح السؤال حول مدى نجاح المجالس المحلية بالتعاون مع شركائها في أداء المهام الأمنية الموكلة إليهم فيما يتعلق بتثبيت مقومات الأمن المحلي وأبرزها: ترميم التماسك الاجتماعي واحتواء الفوضى الأمنية وردع التهديدات الأمنية القائمة ومحاربة الإرهاب.  استناداً إلى ما سبق سيتم تقييم هيئات الأمن اللامركزية للمعارضة وفق معيارين هما: مؤسساتية العمل الأمني لدى المجالس المحلية والهيئات المعنية بالأمر، ومدى النجاح في أداء المهام الوظيفية الموكلة إليهم.

الأمن المحلي واختبار المؤسساتية: تجارب غير مكتملة

تشتمل أي مؤسسة على ثلاثة مقومات أساسية وهي:

  • العنصر البشري فيما يتصل بالعاملين والإداريين والمستفيدين من الخدمات "العملاء"؛
  • العنصر المادي: يشمل الموارد والمقرات والتجهيزات والآليات؛
  • العنصر المعنوي: يتضمن الشرعية والمشروعية ([13]) والقرارات الناظمة لعمل المؤسسة.

حالت أسباب بنيوية وموضوعية دون تطوير العمل المؤسساتي في الهيئات المسؤولة عن إدارة الأمن المحلي، ويشكل ما سبق جزءاً من إشكالية أعم تعاني منها المعارضة تتمثل بعدم تمكنها من بناء مؤسسات متكاملة بديلة لنظام الأسد، لأسباب يتصل بعضها بفكر وإدارة قوى المعارضة وتناقضاتها الداخلية، وأخرى تتصل بنظام الأسد والقوات الموالية له وسعيهم الدائم لإجهاض أي محاولات جدية لبناء مؤسسات بديلة وذلك عبر استهدافها بأدوات عسكرية كتدميرها بعمليات القصف الجوي المكثفة، وأخرى سياسية عبر إلغاء تواجدها وتضمين ذلك كشرط أساسي في اتفاقيات التفاوض المحلي.

ومن مظاهر افتقاد هيئات الأمن اللامركزية للطابع المؤسساتي:

  • تعدد المرجعيات: لا يتوافر إجماع لدى هيئات الأمن اللامركزية المحلية على مرجعية موحدة سواءً كانت سياسية أو تنفيذية أو قضائية، حيث لا تتبع هذه الهيئات لمؤسسات المعارضة السياسية الرسمية وأجهزتها التنفيذية، كما أنها تتبنى مرجعيات قضائية متباينة، الأمر الذي يفضي إلى تضارب الأدوار وتنازع المصالح فيما بينها، وافتقادها للاتساق والتكاملية؛ ([14])
  • قلة الكادر البشري وضعف الخبرات التخصصية: تعاني الهيئات الأمنية المحلية هنا من إشكاليتين هما: غياب التوازن بين العدد القائم وطبيعة المهام الأمنية المطلوبة منهم، وضعف الخبرات في مجال إدارة العمل الأمني. أما الأسباب فتعود إلى: غلبة العنصر المدني على الأمني في هذه الهيئات وضعف دورات التدريب البدنية واقتصارها على الجانب المسلكي والعقائدي بشكل رئيسي؛
  • ضعف التجهيزات المادية واللوجستية: تتفاوت هيئات الأمن المحلي فيما بينها من حيث الموارد المادية المتاحة لها فيما يتعلق بالمقرات والرواتب والآليات والتسليح وأجهزة التواصل، وعموماً تعاني من ضعف قدرتها على تأمين الاحتياجات اللوجستية التي يتطلبها العمل الأمني خاصة في ظل الأوضاع غير المستقرة؛ ([15])
  • ضعف التخطيط الاستراتيجي: من خلال تتبع عمل ومهام هيئات الأمن المحلية، يُلحظ عدم تبنيها خطط تنفيذية واضحة تتصل باستراتيجيات شاملة، أو اتساق أهدافها وهو ما يفضي إلى تضارب في الأدوار والمصالح وهدر الموارد.

الأمن المحلي والاختبارات الوظيفية: الفوضى الأمنية

تشهد المناطق التي تديرها المجالس المحلية فوضى أمنية بحكم ضعف مأسسة هيئات الأمن المحلية ومحدودية قدراتها من جهة، إضافةً إلى تزايد مستوى التهديدات التي تتعرض لها من قبل نظام الأسد والقوات الموالية له من جهة أخرى، ومن أبرز مؤشرات الفوضى التي تعيشها مناطق المجالس:

  • ارتفاع عدد الحوادث الأمنية الجنائية كالسرقات والسلب والنهب والجرائم المخلة بالآداب العامة، وتبعاً لإحصائية مقارنة أصدرتها الشرطة الحرة في حلب، يظهر تزايد نسبة جرائم السرقة والقتل والإيذاء في الستة أشهر الأولى من عام 2016 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2015؛ ([16](
  • ارتفاع عدد الحوادث الأمنية كالاغتيالات والتفجيرات التي تنفذها خلايا أمنية-تتبع للنظام السوري والقوات الموالية له إضافة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"-تتواجد في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، ووفقاً لإحصائيات عام 2015 فقد سجلت محافظة درعا أكبر عدد من الاغتيالات مقارنة ببقية المحافظات يقدّر بــ 105 حالة اغتيال بحسب مكتب توثيق الشهداء في درعا، تليها بالترتيب المحافظات التالية: إدلب، ريف دمشق، حلب ([17]). أما عن الجهات المستهدفة بعمليات الاغتيال فتشمل شريحة من قيادات فصائل المقاومة الوطنية وناشطين إعلامين وقيادات محلية؛
  • شيوع حالات الاعتقال والتغييب القسري والتعذيب الجسدي من قبل عدد من فصائل المقاومة الوطنية بحق الناشطين في المجال الإعلامي والمدني، ويذكر هنا على سبيل المثال ما يثار حول امتلاك جيش الإسلام لثلاثة سجون في الغوطة الشرقية هي: سجن التوبة، سجن الباطون، سجن الكهف، لا تخضع لرقابة القضاء الموحد في الغوطة، كما لا يتاح للمعتقلين فيها حق الدفاع عن أنفسهم؛ ([18])
  • انتشار واسع لمافيات السلاح وتجار المخدرات ([19]) وعصابات التهريب وبيع البضائع المسروقة؛ ([20])
  • انتشار غير مضبوط للسلاح بين المدنيين واستخدامه لأغراض تتعدى الحماية الشخصية إلى ممارسة أعمال غير قانونية؛ ([21])
  • حدوث حالات اقتتال داخلية بين فصائل المقاومة الوطنية بسبب خلافات عقائدية أو مصلحية؛ ومن أبرزها: اقتتال جيش الإسلام مع فيلق الرحمن وجيش الفسطاط في الغوطة الشرقية، اقتتال حركة نور الدين الزنكي وكتائب أبو عمارة مع تجمّع فاستقم كما أمرت في حلب، اقتتال حركة أحرار الشام الإسلامية وجيش الشمال وأحرار سورية مع الجبهة الشامية في ريف حلب الشمالي؛ ([22])
  • فوضى تطبيق الأحكام القضائية نتيجة تعدد المرجعيات القضائية، إضافة إلى إفلات عدد من عناصر الفصائل من العقاب بحكم الحصانة التي يتمتعون بها.

تحديات الأمن المحلي والتوصيات

تعمل هيئات الأمن المحلية اللامركزية جاهدة على تعزيز أدائها الأمني وتحقيق مهامها الوظيفية، إلا أنها تدرك صعوبة ما سبق في ظل تواجد تحديات عدة تعوق مساعيها للتخفيف من الفوضى الأمنية التي تشهدها مناطقها، وفي حين يتصل جزء من التحديات بالبيئة الداخلية لعمل تلك الهيئات، فإن الجزء الأكبر منها يتأتى من البيئة الخارجية التي تنشط فيها هيئات الأمن المحلية والتي يمكن وصفها بأنها بيئة معقدة ذات صراعات مركبة ومخاطر عالية ومن أبرز هذه التحديات:

  1. عمليات القصف الجوي: يستهدف طيران روسيا ونظام الأسد المناطق التي تخضع لسيطرة فصائل المقاومة الوطنية بعمليات قصف جوية مركزة، علماً أن الهدف منها يتجاوز البعد العسكري العملياتي، وما يؤكد على ذلك الاستهداف الممنهج لهياكل الحكم المحلي ([23]) والبنية التحتية. أما الهدف فيتمثل في رفع الكلف الإنسانية وزيادة مستوى الأزمات الخدمية وتدمير هياكل الحوكمة المحلية، وبالتالي تعميق حالة الفوضى الأمنية بما يفوق قدرة المجالس المحلية وشركائها على التعامل معها وهو ما أكده العاملين في تلك الهيئات ([24])، وفيما يلي جدول يوضح عدد الغارات التي شنها طيران نظام الأسد وروسيا على المناطق المدنية من بداية عام 2015 إلى شهر تشرين الثاني من عام 2016. ([25])

 

الشكل البياني رقم (1): غارات النظام وروسيا على المناطق المدنية الخاضعة لسيطرة فصائل المقاومة الوطنية

 

  1. قلة الدعم المالي: يتطلب توفير الأمن موارد مالية تغطي احتياجات هيئات الأمن المحلية من رواتب ومصاريف تأسيسية وتشغيلية، ويظهر الواقع عجزاً مالياً سواء لدى المجالس المحلية وكذلك شركائها في تحمل كلف العمل الأمني سيما فيما يتعلق بتوفير الرواتب للعاملين فيها وذلك نظراً لعدم استقرار مصادر الدعم وتزايد حجم الاحتياجات الناجمة عن تأزم الموقف الأمني. ([26])
  2. نقص الكوادر التخصصية: يتطلب العمل الأمني كوادر متخصصة ملمّة بعلوم الأمن وآلياته وأساليبه الحديثة، إضافةً إلى تمتّعها بثقافة قانونية جيدة حول الأطر القانونية الناظمة للعمل الأمني، وعلى الرغم من انشقاق عدد كبير من قوى الأمن عن النظام، إلا أن الغالبية منهم فضّلت إما البقاء بعيداً عن الملف الأمني أو أنها انخرطت في العمل العسكري ضمن الفصائل، لتحدث فجوة في الكادر الأمني تم تعويضها من قبل المدنيين القادمين من خلفيات متنوعة علمياً ومهنياً وهو ما أثر على مهنية العمل الأمني وأدى إلى ارتكاب أخطاء عملياتية.
  3. غياب مركزية القرار الأمني: يُفتقد القرار الأمني المركزي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، نظراً لتعدد الجهات المنخرطة في الملف الأمني والتي تؤدي أدواراً متباينة بحسب إمكانياتها وعلاقاتها والبيئة التي تنشط فيها، وبدل أن تغني هذه التعددية العمل الأمني وفق قاعدة تلاقي المصالح وتوزع الأدوار وإيقاف هدر الموارد المحدودة، فإنها أفضت إلى نتائج عكسية فاقمت الفوضى الأمنية. ([27])
  4. تهديد تنظيم "الدولة الإسلامية": يعتبر التنظيم أحد أبرز الجهات التي تهدد العمل الأمني في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، إذ يضع التنظيم هذه المناطق ضمن قائمة الأهداف التي يجب التعامل معها، باعتبارها تشكل عائقاً أمام تمدده في سورية، من هنا يُفهم مسعى التنظيم الحثيث لزعزعة أمن المناطق التي تنشط فيها هيئات الأمن المحلية عبر القيام بعمليات انتحارية أو اغتيالات تستهدف قيادات المجتمعات المحلية في المجالين المدني والعسكري، وبالتالي نشر حالة الفوضى الأمنية بما يسّهل ظهور التنظيم من جديد، ويكفي هنا الإشارة إلى أسلوب تنظيم الدولة في السيطرة على الباب ومنبج والرقة من خلال الاستفادة من الفوضى الأمنية التي شهدتها هذه المناطق، وفيما يلي توزع العمليات الانتحارية التي شنها التنظيم على خصومه منذ كانون الثاني 2016 لغاية تشرين الثاني 2016.([28])

 

الشكل البياني رقم (2): عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" بين يناير ونوفمبر 2016

 

  1. تنامي نفوذ الفصائل الجهادية فوق الوطنية: تمتلك هذه الفصائل مشروعها الخاص لإدارة المناطق التي تنتشر فيها، وتبعاً لذلك فإنها تعمل على تشكيل مؤسسات موازية لهياكل الحكم المحلية القائمة والتي لا تعترف بها أصلاً، بل وتعمل جاهدة على إلغائها عبر الضغط عليها بما يعيق قدرتها على العمل، أو تدميرها بحجج عدة منها ([29]): تنفيذ أجندات خارجية، الإفساد في الأرض، مخالفة الشريعة الإسلامية وكمثال على ما سبق، هاجم جند الأقصى وجبهة فتح الشام عدداً من مخافر الشرطة الحّرة في محافظة إدلب. ([30])
  2. تنوع مصادر التهديد الأمني: تواجه هيئات الأمن المحلية تهديدات متنوعة المصدر تتجاوز البعد الأمني إلى أبعاد أخرى ذات منشأ إنساني واقتصادي واجتماعي، وفي حين تتضافر كل العوامل السابقة في تهديد الأمن المحلي فإن لبعضها تأثيراً أكبر مقارنةً بغيرها ([31])، فعلى سبيل المثال تعتبر العوامل ذات الطبيعة الاقتصادية كالبطالة والتهريب وارتفاع الأسعار أبرز مهددات الأمن المحلي في الرستن وفي بعض مناطق حلب وهو ما يُستنتج من ارتفاع عدد جرائم السرقات والسلب، في حين يشكّل التغيير الديمغرافي القسري وحركات النزوح الداخلية أبرز العوامل التي تهدد الأمن المحلي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية في محافظة ريف دمشق.
  3. سيولة الصراع وتغيرات السيطرة: تفتقد هيئات الأمن المحلية لعنصر الاستقرار المكاني نتيجة لتغيرات السيطرة الميدانية وهو ما يعيق مساعيها في تأسيس بنية مادية مستقرة يتطلبها العمل الأمني، فعلى سبيل المثال فقدت الشرطة الحرة في محافظة حلب 12 مركز لها مع التقدم الذي أحرزه تنظيم الدولة في المنطقة الشمالية من المحافظة بين عامي 2014-2015. ([32])
  4. الميليشياوية: الحذر من تحول الهيئات الأمنية المحلية إلى هيئات شبه عسكرية أو هيئات أمنية مافيوية، بمعنى تحولها-تحت ضغط الصراع وتشظي الفصائل وانهيار هياكل الحوكمة المحلية وتصاعد نفوذ الفصائل الجهادية فوق الوطنية-إلى أدوات أمنية-عسكرية تسعى لفرض سيطرتها الاجتماعية وحماية مصالحها الاقتصادية وتنفيذ أجندات خارجية تتناقض مع مصالح المجتمعات المحلية. ([33])

يفترض التغلب على التحديات السابقة العمل على إيجاد مقاربة جديدة ذات رؤية واضحة حول إدارة الأمن المحلي، تنطلق من تحديد الأهداف وترجمتها إلى استراتيجية متكاملة توظف ما هو متاح للوصول إلى ما هو مأمول وفق قاعدة تلاقي المصالح وتبادل الأدوار بين القوى المحلية. وضمن ما سبق يقترح مجموعة من التوصيات العامة:

  1. تبني مرجعية قضائية مدنية موحدة على مستوى مناطقي (المحافظة) ذات استقلالية بعيداً عن تدخلات القوى المحلية وتجاذباتها؛
  2. توحيد عمل الشرطة المحلية على مستوى مناطقي (المحافظة) وربط مراكزها بالمجالس المحلية؛
  3. تولي المكاتب الأمنية لفصائل المقاومة الوطنية لمهام الشرطة العسكرية والاستخبارات؛
  4. إعادة هيكلة الهيئات المعنية بالأمن المحلي بما يضمن اتساقها بشكل أكبر مع المتطلبات الأمنية للمرحلة الراهنة والانتقالية، وكذلك مخرجات الحل السياسي؛
  5. تعزيز قدرات المجالس المحلية على إدارة شؤون مناطقها وتلبية احتياجاتها الأساسية، وذلك بالعمل على ثلاث حزم دعم متكاملة تشمل الموارد والعلاقات والحوكمة.

خاتمة

تولي المجالس المحلية أهمية لملف الأمن المحلي نظراً لمخاوفها من تنامي حالة الفوضى الأمنية وانعكاسها سلباً على استمراريتها وأدائها، ولهواجسها المحقّة من أن تغلب على أجندات الدول المنخرطة في الصراع السوري الاعتبارات الأمنية عوضاً عن التركيز على اعتبارات الاستقرار المجتمعي والسياسي.

ونظراً للتمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس فإنها مُطالبة بلعب دور رئيسي في توفير الأمن المحلي سواءً بالتصدي للتهديدات الأمنية من خلال انخراطها المباشر في الملف الأمني وإدارتها لجهود الهيئات المحلية المعنية بالأمر، أو عن طريق معالجتها للتهديدات التي تستهدف استقرار مجتمعاتها المحلية من خلال توفير الخدمات الأساسية، والقيام بمشارع تنموية تسهم في تثبيت مقومات الاستقرار المجتمعي.

إلا أن الجهود المبذولة من قبل المجالس وشركائها المحليين فيما يتعلق بإدارة الأمن المحلي لم ترقَ بعد إلى المستوى المطلوب، نظراً لضعف المأسسة وانخفاض الفعاليّة، الأمر الذي يجعل الفوضى الأمنية الحالة السائدة وما تمثله من مخاطر جدية تتهدد مشروع المجالس المحلية. وأمام ما سبق فإن المجالس وشركاءها معنيون بإيجاد مقاربة جديدة ذات رؤية واضحة حول إدارة الأمن المحلي، ذات أهداف محددة يتم ترجمتها إلى استراتيجية متكاملة توظف ما هو متاح للوصول إلى ما هو مأمول وفق قاعدة تلاقي المصالح وتبادل الأدوار بين القوى المحلية، وما يتطلبه ما سبق من العمل على إعادة هيكلة الهيئات المعنية بالأمن المحلي بالشكل الذي يضمن اتساقها مع المتطلبات الأمنية للمرحلة الراهنة والانتقالية، وكذلك مخرجات الحل السياسي.


([1]) تعتبر بصر الحرير في درعا من المناطق التي لم تشهد عمليات اغتيال في عام 2015 نظراً لوجود جهة واحدة تتولى إدارة العمل الأمني إضافة إلى أسباب أخرى، للمزيد مراجعة، يعرب عدنان، رئيس اللجنة الأمنية في (بصر الحرير): إنشاء وحدات أمنية في مناطق سيطرة الثوار سيحد من الاغتيالات، كلنا شركاء، تاريخ 15-11-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/nK1e8F

([2]) يذكر أن المجلس المحلي لمدينة داريا أعلن عن حل نفسه بعد أن اضطر للخروج من مدينة داريا إلى محافظة إدلب نتيجة الضغط العسكري الذي مارسه النظام وقواته الموالية له على المدينة لمدة تزيد عن أربعة سنوات، للمزيد مراجعة، بيان حل المجلس المحلي لداريا، الصفحة الرسمية للمجلس المحلي لمدينة داريا على الفيس بوك، تاريخ 24-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/ERNwzt

([3]) ساندي عيد، مجلس “مشمشان” المحلي بريف إدلب يعلق أعماله جراء القصف ويطلق مناشدات لإغاثة الأهالي، راديو الكل، تاريخ 17-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/bmHJLT

([4])استشهاد رئيس المجلس المحلي لمدينة قطنا، الموقع الرسمي للمجلس المحلي لمدينة قطنا على الفيس بوك، تاريخ 24-5-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/hBgwxD

([5]) توجد في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية أربعة تجارب شرطية رئيسية وهي: 1) الشرطة الحرة في محافظتي حلب (1-10-2012) وإدلب (1-7-2014) حيث تضم ما يقارب من 3000 عنصر متوزعة على 50 مركز في محافظة حلب و33 في محافظة إدلب، ويجري حالياً العمل على تشكيل الشرطة الحرة في محافظة درعا ومراكز أخرى في ريف دمشق وحمص وبعض مناطق حماة، وربطها مع بعضها بهيئة عامة للشرطة الحرة، في حين تم تعليق العمل بمشروع الشرطة الحرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في محافظة اللاذقية. 2) قيادة الشرطة في الغوطة الشرقية: تشكلت عقب اندماج شرطة الغوطة الشرقية_ القطاعين الجنوبي والأوسط للغوطة وجزء من قطاع المرج_ مع مديرية الشرطة في منطقة دوما وتوابعها، عام 2014 وذلك إثر تشكيل القيادة الموحدة في الغوطة، يقدر عدد أعضائها بـــ 700، 3) قيادة شرطة القلمون الشرقي والبادية: شكلت بهدف مواجهة تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية"، 4) قوى الأمن الداخلي في الرستن: تشكلت الشرطة الثورية في الرستن بتاريخ 24-3-2012 من المنشقين عن جهاز الشرطة ويقدر عدد أفرادها ب 30. ما سبق جزء من ورقة بحثية غير منشورة بعنوان "الأمن في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بين الواقع والضرورة".

([6]) من أبرز الهيئات القضائية المتواجدة في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية: 1) مجلس القضاء الأعلى في حلب: تأسس المجلس في 30-7-2015 بتوحد سبع محاكم في حلب وريفها، 2) محاكم الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة: يقدر عددها بــ11 محكمة تنتشر في محافظة إدلب وجزء من ريف حماة، 3) مجلس القضاء في الغوطة الشرقية: تأسس في 24-6-2014 بتفويض من معظم الفصائل العاملة في الغوطة الشرقية والتي يقدر عددها آنذاك بــ "17" فصيل، 4) دار العدل في حوران: تشكلت في تشرين الثاني 2014 وتشمل سلطتها المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المقاومة الوطنية في محافظتي درعا والقنيطرة، 5) المحكمة العليا في ريف حمص الشمالي: تشكلت في 1-10-2014 وتضم محاكم: الرستن، تلبيسة، الزعفرانة والحولة، 6) محاكم جبهة فتح الشام "المحاكم الشرعية". ما سبق جزء من ورقة بحثية غير منشورة بعنوان "الأمن في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بين الواقع والضرورة".

([7]) أشار مصدر مطلع من مجلس محافظة حماة إلى وجود مكاتب أمنية لدى جزء من مجالس المحافظة تمارس مهام الشرطة، في حين تعتمد مجالس أخرى على فصائل المقاومة الوطنية، حديث أجراه الباحث مع المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 14-11-2016، كذلك أشار رئيس مجلس محافظة حمص إلى وجود مكاتب أمنية ومخافر للشرطة تتبع للمجالس المحلية تقوم بعملية حفظ الأمن المحلي رغم محدودية قدراتها، حديث أجراه الباحث مع مجلس محافظة حمص على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 1-11-2016. 

([8]) أكد أسامة البردان، رئيس مجلس محافظة درعا الحرة إلى تعاون مجلس المحافظة مع محكمة العدل والفصائل الثورية لوقف الفوضى الأمنية، للمزيد مراجعة، عطاف الأحمد، محافظ درعا الحرة: مجالسنا المحلية "ثورية بامتياز"، الخليج أون لاين، تاريخ 9-12-2016، رابط إلكتروني http://klj.onl/SfINj.

([9]) جانب من إزالة المخالفات والتجاوزات والتعديات على خطوط كهرباء مضخات المياه التي تغذي عدد من مدن وقرى ريف درعا الشرقي بالتعاون بين المجلس المحلي لمدينة بصرى الشام وفرقة شباب السنة، للمزيد مراجعة، الموقع الرسمي لمجلس مدينة بصرى الشام، تاريخ 7-5-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/rEooTa، كذلك أشار الأستاذ زهير السلوم رئيس مكتب المشاريع في المجلس المشترك لتجمع ركايا إلى وجود علاقة جيدة تربط المجلس بالفصائل العاملة في منطقة المجلس، حديث اجراه الباحث مع الأستاذ زهير السلوم على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 6-11-2016,

([10]) اقترح مجلس إدارة مدينة بنش بالتنسيق مع الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة على المجلس المحلي تشكيل لجنة لضبط هذه المخالفات، ووضع نظام لآلية عملها، للمزيد مراجعة، المجلس المحلي لمدينة بنش يشكل لجنة لضبط مخالفات المياه، المبادرة السورية للشفافية، تاريخ 25-6-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/27EtPq

([11])  أشار الأستاذ أكرم طعمة نائب رئيس الحكومة المؤقتة في حديث مع الباحث إلى اعتماد المجالس المحلية في الغوطة الشرقية على قيادة الشرطة في توفير الأمن، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ أكرم طعمة على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 10-11-2016، أيضاً، يعتبر رئيس النقطة الشرطية التابعة للشرطة الحرة في محافظتي حلب وإدلب عضو في المجلس المحلي دون أن يمتلك حق التصويت، كما تمارس المجالس حق الرقابة والتوجيه على عمل مراكز الشرطة الحرة القائمة في مناطقها، مقابلة أجراها الباحث مع الملازم أول عاشق محمد ضابط الارتباط لدى الشرطة الحرة في محافظة حلب، غازي عينتاب، تاريخ المقابلة 5-11-2016.

([12]) رامي سويد، نظام الإدارة المدنية في داريا واستقلال المؤسسة الأمنية، الغربال، تاريخ 22-2-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/QUf5Qz، أيضاً مراجعة، زين كنعان، الأمن العام في داريا يشدد الرقابة على الأسعار، عنب بلدي، 21-2-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/FB9OC9، أيضاً، حملة أمنية واسعة في داريا، وإلقاء القبض على مطلوبين للعدالة، عنب بلدي، تاريخ 5-10-2014، https://goo.gl/lEhMT8.

([13]) يمكن تعريف الشرعية بحسب ميشيل دوبريه بأنها: استناد الحكام إلى احتياطي من الدعم الانتشاري، بمعنى أن يكون الحكام والمؤسسات التي يمارسون السلطة من خلالها، والسياسات العامة التي يضعونها متوافقة مع معتقدات المحكومين وقيمهم وميولهم ومشاعرهم أو لا تبتعد عنها صراحة. أما المشروعية فأنها تعني: مدى التزام المؤسسات والحكومة بالقانون والدستور.

([14]) أشار الأستاذ محمد حمادة عضو مجلس محافظة حلب الحرة إلى إشكالية تعدد القوى المسيطرة وغياب مرجعية واحدة متفق عليها بين القوى الأمر الذي يفضي إلى خلافات دائمة، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ محمد حمادة على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 11-11-2016.

([15]) أشار الملازم عاشق محمد ضابط الارتباط لدى الشرطة الحرة في محافظة حلب في حديث مع راديو الكل إلى نقص المعدات والآليات اللازمة للعمل الشرطي، للمزيد أنظر هل استطاعت الشرطة الحرة ضبط الوضع الأمني في إدلب وحلب؟ وما أبرز التحديات؟، راديو الكل، تاريخ 19-3-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/jMvqdO

([16]) دراسة مقارنة وفق مخطط بياني لنسبة الجرائم والحوادث خلال الاشهر الستة الاولى من بداية العام 2016 مع مثلها من نفس الفترة الزمنية في العام 2015، الموقع الرسمي لشرطة محافظة حلب الحرة على الفيس بوك، تاريخ 25-8-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/rrV3A6

([17]) ملفات ساخنة: الاغتيالات المجهولة داخل سوريا وخارجها. الأسباب والأبعاد، الاتحاد برس، تاريخ 12-1-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/FmV5B9

([18]) عروة خليفة، عن بنية التنظيمات السلفيّة في سوريا: جيش الإسلام نموذجاً، الجمهورية، تاريخ 9-9-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/OqkkZD

([19]) آمنة رياض، محكمة جنوب دمشق" تطلق برنامج لمعالجة مدمني المخدرات لديها، سمارت، تاريخ 27-10-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/m4xMB6

([20]) عصابات تحرم حلب المحررة من الكهرباء. وإدارة الخدمات تدعو للاستنفار الأمني، راديو الكل، 18-1-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/ELY3hX

([21]) عبد الرحمن الحوراني، انتشار السلاح وعبوات "داعش" تتسبب بانفلات أمني في درعا، الصوت السوري، 6-10-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/oo9LDR

([22]) أهم 4 آثار سلبية للاقتتال الداخلي بين فصائل الثورة السورية، ميكرو سورية، تاريخ 16-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/YqKkQb

([23]) حول استهداف المجلس المحلي لمحافظة اللاذقية، الموقع الرسمي للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، تاريخ 23-3-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/Wv9ARx

([24]) اعتبر مصدر من مجلس محافظة حماة عمليات القصف المكثفة التي تشنها روسيا والنظام إضافة إلى العمليات العسكرية للميليشيات الشيعية أبرز ما يتهدد أمن المجتمعات المحلية، حديث أجراه الباحث مع المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 14-11-2016.

([25]) تجدر الإشارة إلى أن الأرقام الواردة في الرسم البياني تشمل عدد غارات الطيران الحربي المنفذة ضد مراكز مدنية فقط دون احتساب غارات البراميل، أما بخصوص عدد الصواريخ التي تُطلق في كل غارة فمتباينة تبعاً لنوعية الطيران، فمثلاً يقدر عدد الصواريخ التي يطلقها النظام في كل غارة جوية بين 9-15، في حين يرتفع العدد تقريباً بين 12-24 صاروخ في كل غارة للطيران الروسي. وحدة الرصد والمعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.

([26]) أشار محمود الدالي رئيس مكتب التواصل بقوى الأمن الداخلي في الرستن إلى تواجد 180 شرطي منشق عن النظام في الرستن، 25 منهم يعمل فقط في قسم الشرطة في الرستن في حين أن البقية يعلمون بأعمال حرة أو انتموا للفصائل بحثاً عن مردود مادي، حديث أجراه الباحث مع محمود الدالي رئيس مكتب التواصل بقوى الامن الداخلي في الرستن على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ المقابلة 4-11-2016، كذلك اعتبر الأستاذ أكرم طعمة نائب رئيس الحكومة المؤقتة الدعم المادي إحدى أبرز التحديات التي تواجه عملية توفير الأمن المحلي، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ أكرم طعمة على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 10-11-2016.

([27]) اعتبر الأستاذ زهير السلوم رئيس مكتب المشاريع في المجلس المشترك لتجمع ركايا تعدد الفصائل في منطقة عمل المجلس أحد الإشكاليات التي تعوق عملية توفير الأمن المحلي، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ زهير السلوم على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 6-11-2016.

([28]) يظهر الشكل البياني قلة عدد العمليات التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية ضد مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية ولهذا تفسيرين: 1) نجاح هيئات الأمن المحلية للامركزية للمعارضة في إحباط عدد كبير من العمليات الانتحارية للتنظيم وتفكيك شبكات كثيرة تابعة له، 2) اتباع التنظيم أسلوب الهجمات النوعية وهو ما يستدل عليه بنوعية القيادات المستهدفة في مناطق المعارضة. ملاحظة: الأرقام الواردة في الشكل البياني مقتبسة من الإحصائيات التي ينشرها تنظيم الدولة على موقع وكالة أعماق الإخبارية.

([29]) اعتبر الأستاذ أسامة الحسين مفوض المجلس المحلي لمدينة سراقب في الخارج، التنظيمات الجهادية أبرز مصادر التهديد التي تواجه الأمن المحلي نظراً لطبيعة عملها وقيامها بعمليات أمنية، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ أسامة الحسين على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 11-11-2016.

([30]) وفا مصطفى، جبهة "النصرة" تداهم مراكز الشرطة الحرّة في إدلب، العربي الجديد، تاريخ 8-7-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/lYX0JD  

([31]) يؤكد رئيس مجلس محافظة حمص وجهة النظر هذه، حيث يرى أن جميع العوامل سواءً كانت ذات منشآ أمني أو اجتماعي أو اقتصادي، تسهم في تهديد الأمن المحلي، إلا أن لبعضها أثر أكبر مقارنة بغيرها، حديث أجراه الباحث مع مجلس محافظة حمص على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 1-11-2016.

([32]) مقابلة أجراها الباحث مع الملازم أول عاشق محمد ضابط الارتباط لدى الشرطة الحرة في محافظة حلب، غازي عينتاب، تاريخ المقابلة 5-11-2016

([33]) اعتبر الأستاذ محمد عضو المجلس المحلي لجوبر انقسام الفصائل وتعدد ولاءات المكاتب الأمنية القائمة من أبرز الإشكاليات التي تواجه عملية توفير الأمن المحلي، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ محمد على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 9-11-2016.

الأربعاء, 11 كانون2/يناير 2017 18:21

تكون المعارضة السورية أو لا تكون

مضت عجلة الحراك الثوري السوري إلى الأمام خلال ست سنوات طاحنة، تغيرت فيها ثوابت كثيرة، وشهدت تغييرات عديدة، وعلى المستويات كافة. ودخلت هذه العجلة في مراحل متعدّدة، اختلطت فيها لحظات الانتعاش مع الانكسار، الوجع مع الأمل، التمدّد والتقلص ...إلخ، وشهدت انعطافات وانتقالات متسارعة في مستويات عملها، واتسمت مآلاتها باحتمالات ظهور متغيّر، يمنحها هوامش عمل جديدة، يعيد خلط الأوراق، ويؤجل الحسم لأي طرفٍ كان، إلا أنه، وبعد زلزال حلب أخيراً، والتداعيات السلبية المتدحرجة على بنية المعارضة وتوجهاتها ووظائفها، وما لحقها من استثمار سياسي روسي، أنتج ما عرف بإعلان موسكو الذي يعرّف الملف السوري بالاتساق مع المخيال الروسي الصرف، فقد بات لزاماً على المعارضة السورية إدراك أزمتها العميقة، وطبيعة امتحاناتها الحالية والمؤجلة. حيث إنه، وعلى الرغم من أن أحد أهم قراءات نتائج معركة حلب بأنها نتاج طبيعي لتضافر (وتنامي) عدة سياقات، تتعلق بمفهوم "إدارة الأزمة"، أفرزت استفراداً روسيّاً أخلّ "التوازن النسبي" الذي كان متحكّماً في المعادلة العسكرية خلال سني الصراع المسلح، إلا أن أهم هذه القراءات وجوهرها يؤكد على العوامل الذاتية الكامنة وراء الخسارة الاستراتيجية لحلب، وفقدان عنصر التأثير في جيوب وجبهات كثيرة، لا سيما في الجنوب وحول العاصمة، وتتمثل في سياسة معظم فعاليات المعارضة (السياسية والعسكرية والمدنية والدينية) في دفع استحقاقاتها إلى الأمام، بغية التهرّب منها، لعدم امتلاكها القدرة على مواجهة تلك الاستحقاقات على المستوى البنيوي تارةً، ولعدم امتلاك القرار الوطني المفضي إلى مواجهة التحديات والامتحانات الداخلية تارات عدة.

وأمام أسئلة واقع "ما بعد حلب" التي لم تعد تقبل التأخير والتسويف والمماطلة، تتدافع ثلاث دوائر مهمة في المجال العام للمعارضة والثورة للإجابة عنها، فالأولى أتت من داخل الجسد العسكري، ولا سيما شقه الفصائلي "الإسلامي"، باحثاً عن "توحيد عابر للفصائلية"، إلا أنه يتجاهل قصداً تحديات الاندماج والتوحيد الفكري ومتطلبات مراجعة المستندات الناظمة لهذا العمل، فنجدها لا تزال تتجاوز الثورة لصالح مشاريع سلطة عقدية سياسية بديلة، ولا تراعي ما تكتنفه الجغرافية السورية من ارتكاساتٍ تتحمل بوصلات عمل هذه الفصائل الجزء الأهم منها، هذا البحث عن صيغ جديدة، بالمضامين الفكرية والسياسية نفسها، لا يخرج عن كونه حركة براغماتية ضيقة الأفق، ستجعل أسباب الحريق والتشظّي السوري مستمرة.

"بات لزاماً على المعارضة السورية إدراك أزمتها العميقة، وطبيعة امتحاناتها الحالية والمؤجلة"

أما الدائرة الثانية فتنبع من الحواضن الشعبية المثقلة بالغضب والألم، وباتت تحت نصل "المصالحات" التي تبتزهم بملفات إنسانية مغرقة في البساطة، في وقت يصدّر النظام هذا التطويع والتجويع والتركيع على أنه "نصر مبين"، أو أمام فوهة البندقية المسلطة عليها من كل الأطراف الفاعلة أرضاً وبرّاً، إذ تجهد هذه الحواضن لتوسيع هوامش فاعليتها عبر الضغط باتجاه مأسسة العمل العسكري الثوري، وضرورة تماهيه مع الثورة ومطالبها؛ والدفع باتجاه اتباع استراتيجيات عمل بديلة، تجنب البنى المحلية أكبر قدرٍ ممكن من الأضرار، عبر تركها للفاعلين المدنيين، وتغيير طبيعة العناصر العسكرياتية المتبعة في "إدارة العمليات"، كتعزيز مفهوم التحصين والهندسة العسكرية، واتباع نهج المهام الخاصة وتكتيك التموضع المتبدل/ المرن، وتبقى سياسة الضغط تلك رهينة فواعل عسكرية، تتحمّل مسؤوليتها التاريخية في "استيعاب المرحلة" والانسجام وظيفياً مع متطلباتها، ويتحكّم بها هامش الزمن الضيق جداً لسياسة الاقتلاع والتهجير التي قد تطاول تلك الحواضن، وتلغي أثر أي ضغط لها.

والدائرة الثالثة، والتي تعد حركيّتها الأكثر خجلاً، والأقل إدراكاً لمآلات المشهد التي تنبئ بتجاوز سكة الحل التي ترتسم لبنيتها، وللأدوار المحتملة كافة، وهي دائرة الممثلين السياسيين، كالائتلاف والهيئة العليا والأحزاب والتيارات التقليدية على سبيل المثال، إذ اتسمت تلك الحركية بالتثاقل، نظراً لأسبابٍ تتعلق بكمون العطالة التي تكتنف هياكلها من جهة، والتسليم لمبدأ استلاب القرار الوطني من جهة أخرى. وكانت ردة فعلها محصورةً ما بين تنظير عبر الفضاء الإلكتروني بشكل يكرس فقدانهم آليات تفعيل الرؤى، أو الاستقالة الشخصية في محاولةٍ منهم للتبرئة من مسؤولية ما جرى، أو لفقدان الأمل في أية فعاليةٍ، ترتجى من تلك الأجسام. وفي المقابل، غاب عن هذه الدائرة أن هذه الأحداث فرصة حقيقية للبدء بامتلاك أدوات التمكين والمبادرة، وتصحيح التشويه الحاصل في العلاقة بين السياسي والعسكري، وإعادة تعريفها بشكلٍ يضبط الحركة العسكرية بعقارب القيادة السياسية، إذ كان متوقعاً منها أن تتبنى مبدأ "حسن إدارة الأزمة"، عبر تشكيل غرف عمليات مستمرة، تستطيع بها توظيف الإنجاز العسكري سياسياً، أو تقلل من تبعات الخسارة، عبر جولات تفاوضية تتيح لها هوامش حركةٍ ما، وتلك هي أبجديات العمل السياسي. أما الاستسلام الكلي لزخم الأحداث وعدم امتلاك القدرة على هضمها وإنتاج مقاربات مواجهةٍ ناجعة فيجعل شخوص هذه المؤسسات غير مؤهلين لقيادة مدرسة ابتدائية، وليس إدارة ملفات وطنية.

وما بين تلك الدوائر وصعوبة الآتي، ينتظر من المعارضة السورية في هذه المرحلة أن تدرك خطورة بقائها كما كانت عليه (سياسةً وأدوات وهياكل)، وأن تجهد في اتباع استراتيجيات ثلاث. الأولى استيعاب الأزمة، والعمل على احتوائها عبر إبداء "التوازن" السياسي للحركة العامة، وعدم الإغراق بجلد الذات بهدف جلد الذات فقط، والتمسّك بأوراق القوة المتبقية في حوزتها، كالشرعية التمثيلية، سواء على المستوى السياسي الدولي والإقليمي، أو على المستوى المحلي ونماذج الحكم المحلي الناشئة، أو حتى ما هو متعلقٌ بتوازن الردع في دمشق ومحيطها، والابتعاد عن اندماجات غير متسقةٍ ومتسرعةٍ، تحمل في طياتها أسباب الانحلال والتصدّع النهائي، وذلك كله بالتوازي مع تفويض مجموعة ورش عمل مغلقة للتقييم والمراجعات والحسم في تعريف العلاقة مع كل المشاريع العابرة للثورية، وللتباحث أيضاً في آليات التغيير، وتذليل كل أسباب العطالة، وامتلاك مقومات الصمود والاستمرار.

"ينتظر من المعارضة السورية في هذه المرحلة أن تدرك خطورة بقائها كما كانت عليه سياسةً وأدوات وهياكل".

تنبع الاستراتيجية الثانية أولاً من ضرورات صد استراتيجية النظام التي تطمح لتركيع مناطق سيطرة المعارضة في الوسط والجنوب السوري، عبر سلاح المصالحات، وذلك بإعداد خطةٍ متكاملةٍ لتحويلها إلى هدن تتوازن فيها شروط كل الأطراف، وتقوم على عنصرين رئيسيين، تثبيت جبهات الصراع بإشراف دولي، ووحدة مصير المناطق المهادنة، والتي ستضمن عرقلة سياسة الاستفراد التي ينتهجها النظام، كما ترتبط هذه الاستراتيجية عضوياً بخيار المواجهة الوجودي مع المشروع الإيراني، والعمل على الاستمرار بضربه سياسياً وعسكرياً. بينما تتعلق الاستراتيجية الثالثة بخيارات المواجهة الدبلوماسية، وقبول كل التحديات المفروضة، وعدم ترك أي شاغر في سياق أي مفاوضات محتملة، واستكمال أي أعمال تتعلق ببرامج ورؤى وآليات تنفيذية، تسهم في التغيير والانتقال السياسي. وهذا نابعٌ من ضرورات الحضور التي تفرضه الواقعية أولاً، والانتقال إلى أدوات النضال السياسي، بحكم التقهقر العسكري ثانياً.

ولعلي أختم بالقول إن كتب مؤرخي التاريخ في صفحاتهم أن المعارضة السورية استطاعت عبور هذا النفق المظلم، فذاك حكماً سيكون مردّه تبلور مفهوم الارتقاء إلى مستوى الحدث ومسؤولياته، ولقدرتها على العودة، والالتحام مع ثورة شعبٍ، يستحق العزة والحرية والكرامة. وإن لم يكتب أولئك المؤرخون ذلك، فلا تلومن المعارضة إلا نفسها، لأنها أضاعت الفرصة، وفشلت في امتحانها الوجودي، وساهمت، بشكل أو بآخر، في مأساة الوطن والمواطن السوري.

 

 شكلت معرفة طبيعة التوجه الروسي الجديد -الرامي لإعادة تعريف ملفات المنطقة وفقًا لمخيال موسكو التي قررت العودة النوعية للمنطقة بعد انكفائها إبان فرط العقد السوفياتي – محددًا رئيسيًا لمعظم الفاعلين في المنطقة ابتداءً من دول الخليج لا سيما السعودية التي تختبر قدرتها في تحمل التمدد الإيراني المطوق لها والذي انتعش بعد التمكين الأوبامي له.

 إن المتغير العميق والذي كاد أن يكون ثابتًا رئيسيًا في الملف السوري هو أن التدخل الروسي المباشر في سوريا أواخر 2015 قد حجم إلى حد بعيد الطموحات الناشئة لدى قوى الإقليم، وفرض عليها أن تنسج سياساتها النابعة من ضرورة كبح لجام التهديد الأمني المباشر وفق المنوال البوتيني. إن المتغير العميق والذي كاد أن يكون ثابتًا رئيسيًا في الملف السوري هو أن التدخل الروسي المباشر في سوريا أواخر 2015 قد حجم إلى حد بعيد الطموحات الناشئة لدى قوى الإقليم، وفرض عليها أن تنسج سياساتها النابعة من ضرورة كبح لجام التهديد الأمني المباشر وفق المنوال البوتيني، إذ شكلت معرفة طبيعة التوجه الروسي الجديد - الرامي لإعادة تعريف ملفات المنطقة وفقًا لمخيال موسكو التي قررت العودة النوعية للمنطقة بعد انكفائها إبان فرط العقد السوفياتي  – محددًا رئيسيًا لمعظم الفاعلين في المنطقة ابتداءً من دول الخليج لا سيما السعودية التي تختبر قدرتها في تحمل التمدد الإيراني المطوق لها والذي انتعش بعد التمكين الأوبامي له.

 الأمر الذي جعل من مبدأ تغير التموضع وإعادة التركيز هي السياسة الأكثر استراتيجية للملكة وبناء قاعدة مشتركات مع الروس يتيح لحركتهم وفاعليتهم الإقليمية التوازن والفعالية المتخيلة، ومرورًا بإيران التي استنجدت بموسكو لإنقاذ نظام الأسد المتداعي تحت ضربات المعارضة لا سيما في إدلب والغوطة والساحل السوري، والتي وجدت نفسها مجبرة على أن تتماهى مع منطق الروس الذي يتعدى تفاصيل المشهد السوري لصالح توازنات النظام العالمي، وأن تحاول استغلال الهوامش دون التعرض للخطوط العامة.

ولزامًا وصل هذا المحدد لأنقرة التي اضطرت لتغيير تكتيكاتها مرارًا وتكرارًا تخوفًا من تداعيات "التورط والاستدراج الدولي" تارةً وبحكم تفاعلات بنيتها المحلية التي كبلت حركة سياساتها الخارجية وعززت من احتمالات الترابط العضوي بين المهدد الأمني المحلي مع الإقليمي تارة ثانية، واتساقًا مع متطلبات الخروج من "فخ المتربصين" الذي وصل حد الانقلاب الذي فشل تارة ثالثة، لتجد الحكومة التركية نفسها أمام مراجعات لا تقبل التأجيل فصاغت سياسة "تقليل الأعداء وكسب المزيد من الأصدقاء" التي تعد تصحيحًا موضوعيًا لسياسة تصفير مشاكل وهذا عزز من الاتجاهات الداعمة لتعزيز العلاقة مع روسيا "السيد الدولي الجديد في المنطقة".

"اتفاق وقف إطلاق النار الشامل الذي ستحاول موسكو إنجاحه ليتسنى لها البناء على هذا الوقف لإخراج "الحل السياسي" والانتقال كليًا إلى مستويات جديدة تعيد تعريف أطراف الصراع من نظام ومعارضة إلى حكم توافقي"

مبررات التوافق

يشكل التفنيد العام أعلاه مدخلاً ضروريًا لفهم مخرجات المشهد السوري الراهن على المستوى السياسي والعسكري الذي تأثرت بشكل مباشر بتلاقي الأطراف المتدخلة بشكل مباشر في سوريا ( الروس – الإيرانيين – الأتراك)، وعدم اعتراض الدول المنخرطة بالصراع كالسعودية وقطر والأردن وطبعاً وقبل كل أولئك الولايات المتحدة الامريكية، ومن أهم مخرجات هذا المشهد هو إخراج كافة الجيوب الاستراتيجية للمعارضة من معادلات التأثير العسكري، وإلحاق الهزيمة المرة بها في حلب، و"إعلان موسكو" الذي يؤسس لمسار عملية سياسية تعجل من سكة الحل المتسق مع الفهم الروسي ويتقاطع بمدلولاته الأمنية مع هواجس تركيا وإيران.

"اضطرت تركيا لتغيير تكتيكاتها مرارًا وتكرارًا في الملف السوري تخوفًا من تداعيات "التورط والاستدراج الدولي" تارةً وبحكم تفاعلات بنيتها المحلية التي كبلت حركة سياساتها الخارجية وعززت من احتمالات الترابط العضوي بين المهدد الأمني المحلي مع الإقليمي تارة ثانية"

 وأخيرًا وليس آخرًا اتفاق وقف إطلاق النار الشامل الذي ستحاول موسكو إنجاحه ليتسنى لها البناء على هذا الوقف لإخراج "الحل السياسي" والانتقال كليًا إلى مستويات جديدة تعيد تعريف أطراف الصراع من نظام ومعارضة إلى حكم توافقي يحارب أطرافه الإرهاب الذي سيكون لصيقًا بكل من يرفض هذا الحكم ولا يدعمه.

تدلل عمليات الهندسة السياسية أعلاه على توافر القدرة على تطبيقها ومضيها قدمًا للأمام، ويعود ذلك لامتلاك الأطراف المتبنية للإعلان (موسكو – طهران – أنقرة) القدرة الحقيقة على تنفيذ ودعم خارطة الطريق وامتلاكها لقنوات ضغط رئيسية على حلفائها المحليين، إضافة لتوافق هذه الهندسة مع ما كرسته سياسة أوباما من محددات وغايات، واتساقها – وفق التوقعات -مع تطلعات الرئيس القادم ترامب، ولكن الأسئلة التي تستوجب بحثًا معمقًا في إجاباتها كونها تؤثر على حركية هذه الهندسة كطبيعة الأدوار المنوطة بموسكو وأنقرة  في هذه التفاهمات ومدى التوافق البيني لكافة الملفات المستعصية ومدى قدرتهما على التحكم الكلي في عناصر المشهد السوري، ناهيك عن التساؤل المركزي المتعلق بدور الفاعل الأمريكي بكل هذه التفاهمات.

أدركت أنقرة بعد محاولة الانقلاب الفاشل حاجتها المستعجلة لمقاربة سياسية أمنية مرنة تحجم بها المهددات الأمنية السائلة داخليًا وخارجيًا، فاعتمدت على أدوات صلبة في تدعيم تموضعها القوي في التفاعلات المحلية وقامت بتجفيف شبه كلي لكافة "البؤر التي تستهدف جسد الدولة" كجماعة فتح غولن التي تتهمها أنقرة بالوقوف وراء تلك المحاولة، كما زادت من وتيرة المواجهة العسكرية مع تنظيم البي كاكا.

 ولأن الظرف الإقليمي مساعد لتنامي هذه المهددات اتجهت تركيا نحو سياسة أكثر حزمًا في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بتمدد تنظيمي داعش والـpyd  على حدودها الشمالية، وهذا لم يكن  بطبيعة الحال دون التنسيق مع الروس المتحكمين بمعادلات العسكرة لا سيما في الشمال السوري خاصة بعدما كسر الجليد المتراكم بين أنقرة وموسكو، إبان حادثة إسقاط الطائرة الروسية، عبر مرونة القيادة التركية وتعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة كمدخل تعززت فرضياته بعد وضوح التراخي المشترك في قضية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

"أدركت أنقرة بعد محاولة الانقلاب الفاشل حاجتها المستعجلة لمقاربة سياسية أمنية مرنة تحجم بها المهددات الأمنية السائلة داخليًا وخارجيًا"

إذًا عززت "الواقعية والبراغماتية" ضرورة التنسيق والاشتراك مع الروس في الملف السوري عبر بوابة مكافحة الإرهاب وتذليل الخواطر الأمنية وضبط الحدود الأمر الذي توافق أنقرة وموسكو حول مشروع درع الفرات (المكون من حلفاء محليين يتم دعمهم لوجستيًا وعسكريًا من قبل تركيا) والمضي باتجاه محاربة داعش وطرد الـ pyd من منطقة غرب الفرات وفرض منطقة عازلة بحكم التفاهم الأمني الروسي التركي، وبعد هذا الاختبار البيني الأولي أتت سياق معركة حلب التي أرادت موسكو إخراج المدينة من معادلات الصراع واستطاعت تركيا في إنجاح مفاوضات الاجلاء وإنهاء مآساة المدنيين، لتزداد مساحة الثقة البينية وزيادة مستوى التقارب السياسي، ليأتي مؤخرًا "إعلان موسكو" الذي رسم خطوط تنفيذية عامة للحل السياسي، ثم اتفاق وقف النار الأخير ليدلل على حجم المشتركات التي سار العمل على تعزيزها وفق سياسة خطوة بعد خطوة (step by step ).

أمريكا حاضرة غائبة

لا يخرج اتفاق وقف إطلاق النار هذا عن كونه بالدرجة الأولى استمرارًا للجدولة الزمنية المتخيلة لمسار العملية السياسية كما يهندسها الروس، الذين يجهدون لإنجاز شوطًا كبيرًا في هذه الجدولة قبل استلام القيادة الأمريكية الجديدة وبلورة سياساتها الإقليمية ليس تحسبًا من تغييرات مفاجئة قد تحدثها هذه الإدارة فذاك احتماله قليل وفقًا للمؤشرات المترشحة حول توجهات ترامب وفلسفة فريقه السياسي والعسكري، والتي تثمن الدور الروسي في سوريا، وإنما لوضع أحجار أساس روسية في عملية بناء سورية القادمة والتحكم بميزاتها الجيوستراتيجية والقدرة على تعطيل أية ممرات طاقة محتملة من جهة ولتعزيز وريادتها الإقليمية عبر البوابة السورية من جهة، ولإكمال عقد التحالفات الإقليمية القائمة على تعزيز مبادئ الدكتاتورية وتقويض الثورات وتمكين مضاداتها من جهة ثانية، ولحرمان هذه القيادة من أي فاعلية محتملة إن طرأت متغيرات غير محسوبة في توجهاتها بحكم تعقيد وتشابك ملفات المنطقة السائلة التي تشكل ارتداداتها على اضطرابات مؤثرة على طبيعة النظام السياسي الإقليمي والدولي.

أما أنقرة فتهدف من خلال سعيها لتكون ضامنة لتنفيذ هذا الاتفاق إلى تعزيز شروطها الأمنية عبر الإجهاز التام لفكرة توصيل الكانتونات الكردية الثلاثة خاصة بعدما أنجزت عملية درع الفرات أهدافًا استراتيجية في شمال حلب غربي النهر، وتمنحها أولوية محاربة داعش في الرقة وبالتالي حرمان قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الـ pydعصبها الرئيس من أي مكسب سياسي يمكن الإدارة الذاتية لشمال سوريا.

"لا يخرج اتفاق وقف إطلاق النار هذا عن كونه بالدرجة الأولى استمرارًا للجدولة الزمنية المتخيلة لمسار العملية السياسية كما يهندسها الروس"

 كما يعد هذا الاتفاق خطوة مهمة للتحويل العلاقة مع الروس لعلاقة استراتيجية وضرورية لإنجاز تفاهمات الحل السياسي وما بعده، تشكل موازنًا استراتيجيًا لعلاقة أنقرة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي جهدت طيلة فترة حكم أوباما لإدارة ملفات المنطقة بمقاربات توظيفية وبتكاليف زهيدة مغيبة مبدأ معالجة الأسباب لصالح نتائجها طالما أنها لا تتعارض مع مصالحها، ولتصحيح الخلل الحاصل في المعادلة الأمنية عبر دعمها للـ pyd التي تعتبره أنقرة امتدادًا عضويًا لتنظيم pkk المصنف إرهابيًا من قِبلها.

مكامن الهشاشة

رغم امتلاك هذا الاتفاق -المبني على مساحات التوافق بين روسيا وتركيا - هوامش واسعة للنجاح إلا أنه يمتلك أسباب هشاشته أيضًا، خاصة عند إدراكنا أن طهران التي لا تعارض سياسيًا ودبلوماسيًا هذا الاتفاق إلا أنه لا يمكنها بنهاية المطاف التأقلم مع فكرة الحل السياسي وستبقى مغلبة فكرة الحسم العسكري والتغيير الديمغرافي والتفرد في التحكم بملفات النظام وحركية بنيته لأن سوريا المركز الاستراتيجي لمشروعها السياسي في المنطقة، ولا يمكن لها تحمل خسارته المتأتية من مبدأ المشاركة وما سيلحقه من مطالبات بإخراج أذرعها وتقويض فعالية حزب الله في سوريا التي ستنعكس حكمًا على تموضعه في لبنان.

 كما يعد هذا الاتفاق اختبارًا حقيقيًا للضمانة الروسية فيما يتعلق بإجبار النظام وإيران على احترام وقف إطلاق النار، وهو أمر مشكوك به إذا ما أدركنا أن أي تسليم أو تغيير سياسي مهما كان شكليًا سيكون بمثابة شلل شامل لهيكلية هذا النظام ودعاماته من جهة ولأن فكرة الاستقرار والسلام من شانها إيقاف منسوب الشرعية التي بات يتحصل عليها مؤخرًا، وسيعزز من تحويل صراعاته البنيوية من كامنة لظاهرة وسيفقده أيضًا أي فرصة لإعادة امتلاكه القرار الأمني والعسكري في ظل الفوضى العارمة التي تعتري جسده.

"إيران لا يمكنها بنهاية المطاف التأقلم مع فكرة الحل السياسي وستبقى مغلبة فكرة الحسم العسكري والتغيير الديمغرافي والتفرد في التحكم بملفات النظام وحركية بنيته"

مما لا شك فيه أن العلاقة التركية والروسية قطعت أشواطًا مهمة في تعزيز عامل الثقة من خلال البوابة السورية وبعض الاتفاقيات الاقتصادية الاستراتيجية، إلا أنها لاتزال قيد الاختبار، وتسير وفق المبادئ البراغماتية وسياسات الحذر، وترتبط بديمومة وقف إطلاق النار، وعدم المشاغبة الإيرانية وبقاء الأمريكي في مقعد المتفرجين.

الخميس, 29 كانون1/ديسمبر 2016 17:42

مشهد ما بعد غياب المجالس المحلية في سوريا

شكلت المجالس المحلية القائمة في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية أحد العناصر الرئيسية المتضمّنة في أطروحات الحل السياسي المجمّد، وفي الترتيبات المرافقة لاتفاقيات التفاوض المحلي الجارية، إلا أن حضورها فيما سبق تراوح بين القبول بها أو رفضها ولكل اعتباراته في ذلك، حيث ينطلق موقف الدول والمنظمات المؤيدة لإشراك المجالس المحلية للمعارضة في الترتيبات السياسية المحلية منها وعلى المستوى الوطني، من اعتبارات واقعية مفادها توظيف المجالس كإحدى آليات التدخل للتعامل مع الاحتياجات الطارئة للمجتمعات المحلية، وبالشكل الذي يخفف من حدة المأساة لا إلغائها من جهة، وكرافعة للحل السياسي على المدى البعيد لما تحوزه من كمون نابع من شرعيتها التمثيلية من جهة أخرى.

على الرغم من تلك الأهمية التي تحوزها المجالس، لا تقوم الدول والجهات المانحة بما يتوجب عليها لتقوية المجالس من حيث دعمها وإسباغ الشرعية القانونية عليها واعتمادها كقناة مركزية للتعامل مع المجتمعات المحلية، بل يلجأ بعض أنصار هذه المقاربة إلى إضعاف المجالس لصالح كيانات موازية أو تحويلها لمجرد وكلاء محليين، وكأنهم بذلك يفصحون عن مخاوفهم من تحول المجالس إلى فاعل مركزي لا يمكنهم السيطرة عليه، ليغلب على موقف هذا التيار بشكل عام احتواء المجالس وإبقاؤها تابعةً لا مستقلة، ومنفذةً فقط لا مبادرة.

بالمقابل يرفض النظام وحلفاؤه فكرة المجالس المحلية الشرعية انطلاقًا من إدراكهم للتهديد الذي تمثله على مصالحهم وسرديتهم، فمن جهة تعتبر المجالس المنتخبة والمعبرة عن إرادة مجتمعاتها ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى في التاريخ السوري الحديث، من حيث إنها تؤسس لشرعية حقيقية عبر تمكين السوريين من ممارسة حقهم المشروع في الانتخاب والترشح الحر والرقابة والنقد لأعمال المؤسسات العامة، وهو ما كان مغيبًا عن السوريين منذ استلام البعث للحكم وبالتالي كسر ادعاء النظام تمثيلَه للسوريين وإعادة إنتاج النظام السياسي والمجتمعي وفق قواعد جديدة مدنية وديمقراطية، الأمر الذي يدرك النظام خطورته على المدى البعيد.

كذلك تبقي المجالس الظاهرة المدنية للثورة متقدةً من حيث مساهمتها في إنعاش الحاضنة الشعبية المؤيدة للحراك الثوري بما تقدمه من خدمات تحول دون لجوء السكان إلى خيارات النزوح أو الهجرة أو التطرف بحثًا عن متطلبات المعاش اليومية، وبالتالي نسف سردية النظام وحلفائه بأن ما يواجهونه في سورية هو فقط إرهاب.

انطلاقًا مما سبق، يرفض النظام التعامل مع المجالس المحلية باعتبارها منظومة واحدة، وإن اضطر للتعامل معها أحيانًا فضمن اعتبارات الواقعية ليس إلا، وباعتبارها فاعلًا ثانويًا من جملة فاعلين محليين آخرين، أما الموقف الثابت للنظام فهو نسف فكرة المجالس بأدوات عسكرية وسياسية، حيث رفض النظام عبر وزير خارجيته مقترح الإدارة الذاتية في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المقاومة الوطنية المتضمن بقاء المجلس المحلي لمدينة حلب ومجالس الأحياء قائمة، كما أكد في اتفاقيات التفاوض المحلي التي يديرها حلفاؤه نيابةً عنه على أولوية حل هياكل الحوكمة المحلية، وترحيل كوادرها لمناطق أخرى كما حدث في داريا والمعضمية وقدسيا والهامة وحلب وغيرها من المناطق التي شملتها اتفاقيات التفاوض المحلي.

ومما يؤكد تعمد النظام وحلفاؤه نسف فكرة المجالس استهدافهم مقراتها وقياداتها بعمليات القصف الجوية المكثفة، التي يؤكد الخبراء العسكريون غياب البعد العملياتي العسكري لها وارتباطها بأهداف تخريبية بهدف زيادة الضغط على هياكل الحوكمة المحلية بالشكل الذي يضعف استجابتها تدريجيًا ويغيبها عن المشهد المحلي بالضرورة، أمام هذا الواقع المحكوم بين مقاربة لا تمنح المجالس مَنَعَةً وأخرى تريد إلغاءها، يطرح التساؤل التالي عن مآل المشهد المحلي بعد غياب هياكل الحوكمة المحلية.

للأسف لم تتم إثارة هذا التساؤل في خضم تداول نكسة حلب، حيث تركز النقاش على الجانب العسكري وعلى حسابات القوى الإقليمية والدولية التي قادت لهذه الخسارة، كما لم يتم التطرق إليه في معرض استشراف المرحلة المقبلة وخياراتها المتاحة.

وفي هذا الصدد يمكن القول إن غياب المجالس المحلية الشرعية سيضعف من الحالة المدنية للحراك الثوري، ويدفع بالكثيرين الفاقدين الأمل بالبدائل المدنية للجنوح إلى التطرف، كما من المتوقع أن يفضي غيابها إلى تصاعد موجات النزوح والهجرات داخل الجغرافية السورية وخارجها بحثًا عن الأمن ومتطلبات المعاش اليومية، وهو ما سيلقي بأعبائه على دول الجوار القريب وحتى على النظام نفسه، الفاقد للقدرة وللإمكانيات لإدارة شؤون السكان وتوفير احتياجاتهم الأساسية.

وبالتالي يمكن القول إن غياب المجالس المحلية سيؤدي إلى تعميق حالة الفوضى المحلية التي لا يملك أحدٌ القدرة على التنبؤ بمساراتها المستقبلية.

انطلاقًا مما سبق وأمام ما يفرضه علينا واجبنا تجاه سورية فإننا مطالبون كسوريين مؤمنين بالتغيير، بالحفاظ على المجالس المحلية ودعمها لأنها ما تبقى لنا من جمالية الثورة، وأملنا في الحفاظ على جذوتها متقدةً، وهي حصنها الأخير المتبقي لها بعدما طغت عليها الفصائلية المقيتة والتفرق ولم ينصت أيٌ لكلمة الحق أن توحدوا أو ارحلوا.

ملخص

  • تؤكد معركة حلب على التغييب الدولي التام لأبعاد الصراع المجتمعية لصالح مفاهيم الإدارة الأمنية، منهيةً العمل بمبدأ التوازن في مفهوم إدارة الأزمة، ومؤجلة لمعركة "مكافحة الإرهاب" الذي وظف لتشويه تعريف الثورة السورية.
  • يشكل إعلان موسكو وما ينتظره من أجندة تعززه كمستند رئيسي لإطلاق "العملية السياسية"، تحدياً واختباراً لأدوات المعارضة السورية الدبلوماسية يتطلب منها اتباع تكتيك “التعاطي الإيجابي" وفق مبدأ النقاط المشتركة.
  • تعلي نتائج البحث المعمق لامتلاك المعارضة لأسباب التمكين من أهمية خيار "استيعاب الصدمة واحتوائها"، الذي أنه من شأنه تقليل الاندفاع باتجاه خيارات الاندماج المتسرعة، ويقوض الخيارات الفردانية ولا يفرط بأوراق القوة.
  • تتطلب ضرورات مواجهة المرحلة عدم تأخير الامتحانات الوطنية لاسيما فيما يتعلق بإعادة تعريف دور العسكر ضمن إطار جديد يضبط المشهد العسكري ويحسم العلاقة مع جبهة فتحة الشام، إضافة لتدعيم منظومة المجالس المحلية وتعزيز استقلاليتها.
  • تتطلب سياسة "حماية أوراق القوة" حسن إدارة ملف الغوطة، وتحصين وتمتين البنية المحلية في إدلب، إضافة لعدم التفريط بمعركة الرقة واعتباره خياراً استراتيجياً، ناهيك عن انجاز البرامج الوطنية المتعلقة بملفات اللاجئين وإعادة الإعمار، ومكافحة الإرهاب.
  • تفرض ضرورات الصمود امتلاك مقوماته وعدم الانجرار لردات فعل غير محسوبة الأبعاد وهذا من شانه أن يضع المعارضة أمام امتحان مصيري يطالبها بالثبات والاستعداد التام لمواجهة المآلات والتداعيات المحتملة لهذه الارتدادات المتسارعة.

مدخل

كان واضحاً منذ بيان فيينا في 30/10/2015 الذي أتى بُعيد التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية، أن موسكو تعمل وفق مقاربة سياسية عسكرية، قائمة على "تطويع الميدان" وضرب المعارضة السورية، وتحويل ذلك لمكتسبات سياسية توظفها لتعزيز سرديتها وتعريفها للملف السوري. كما غيبت روسيا أساس الصراع القائم على صراع سلطة ضد شعب لصالح نتائجه، وهو ليس الشكل الأفضل لتعزيز فرص استعادة شرعية حليفه (النظام الحاكم) فحسب، إنما هو المدخل الرئيس لتثبيت قواعد النفوذ الروسي في المنطقة ولتصدير قدرتها على المستوى الإقليمي والدولي في "ضبط تفاعلات وتحولات هذه المنطقة الجيوسياسية المهمة" مقابل "تعثر أمريكي يمتد لسنين"، وهو أمرٌ يُعزز تمركزها في النظام السياسي الدولي.

وبهذا السياق كان لا بد لموسكو من اتباع استراتيجية "الحل الصفري" على المستوى العسكري في سورية مستغلةً توظيف معادلة الإرهاب التي أرادتها الدبلوماسية الروسية سائلة. فضربت ابتداءً مناطق سيطرة قوى الثورة في الساحل وأخرجت كافة جيوبها من مساحات "سورية المفيدة" مُتبعة منهجية التهجير وصولاً لعودة السيطرة على حلب مؤخرا، وقابل كل ذلك هندسة سياسية روسية على مستوى الفاعلين الدوليين والإقليمين تكرس من خلالها فلسفة القيادة الروسية في التعاطي مع ملفات الربيع العربي بعد أن ضمن تدخلها العسكري المباشر اصطفافات إقليمية تغزل سياساتها الأمنية والسياسية بما لا يتعارض مع المنوال الروسي فكان "إعلان موسكو" الأخير بين طهران وأنقرة وموسكو حلقة رئيسية في تلك الهندسة. كما رافقها أيضاً إجهاضٌ دائمٌ لأية فاعلية تُرتجى من مجلس الأمن باستثناء قرار نشر المراقبين الدوليين رقم (2328) للإشراف على عملية الإخلاء كونه يعزز السيطرة الدائمة على مدينة حلب.

وأمام هذا التدحرج المتسارع للعناصر المكونة "لحل سياسي" والذي تتقصده موسكو للدفع بقواعد جديدة أمام القيادة الأمريكية القادمة، تتضاءل لدرجة كبيرة -وفق مستويات الصراع القائمة-فرص تحسين تموضع قوى المعارضة السورية وتعزز من شروط النظام. وبناءً عليه تقدم ورقة السياسات هذه استعراضاً عاماً لتداعيات معركة حلب والسياسات الأكثر نجاعة للمعارضة، إضافة لقراءة تحليلية في خلفيات إعلان موسكو وخارطة الطريق التي يؤسس لها، وحدود التباعد والتلاقي مع توجهات وأهداف المعارضة، وما هو الخيار التكتيكي الأمثل في التعاطي مع الإعلان.  كما تفرد هذه الورقة في قسمها الأخير مجموعة من التوصيات الاستراتيجية تعالج تحديات قوى المعارضة –التي لطالما أجلتها ودفعت بها إلى الأمام-بحيث توفر لها مرونة سياسية ومستويات عمل نوعية تحسن من فرص هدفها النهائي والقائم على تعزيز مناخات التغيير والانتقال السياسي في سورية.

تداعيات معركة حلب: واقع جديد وتحديات حادة

توضح معطيات معركة حلب الأخيرة جملة من الحقائق التي تعزز من تثبيت "قواعد نوعية" تساهم في نقل الصراع إلى مراحله الأخيرة وفق المخيال الروسي، وتسهم في إنجاز حل شكلي يرتجي منح النظام الحاكم مزيداً من الشرعية على الرغم من التشكيك الموضوعي لقدرته على مواجهة استحقاقات سورية القادمة، سواء على مستوى ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار المحلي والإقليمي أو على مستوى إدارة الفرقاء داخل بُنيته الهشة بعد أن اضطر لمنحها شراكة في وظائف أمنية وعسكرية واجتماعية سيادية. ولعل أهم هذه الحقائق ما هو مبين أدناه:

  • التغييب الدولي والإقليمي لأبعاد الصراع المجتمعية لصالح مفاهيم الإدارة الأمنية، الأمر الذي ساهم في "التعاطي السلس" مع سياسات التدمير والتهجير والتغيير الديمغرافي لصالح تفاهمات أمنية مؤقتة كمعايير ثقة بينية أولية، يتم توظيفها لدفع العجلة السياسية باتجاهات تنهي الصراع وفق مؤشرات بوصلة موسكو المتسيدة للمشهد السياسي والعسكري في سورية. وتحاول الإدارة الروسية الاستعاضة عن المعارضة السورية كعنصر رئيس ثبتته المستندات القانونية الدولية في عملية الانتقال السياسي بفعاليات سياسية معارضة سائلة/ غير تمثيلية لشرعنة "الحل السياسي".
  • تأجيل معركة "مكافحة الإرهاب" التي كانت "مدخلاً رئيسياً" لتشويه تعريف الثورة السورية، وأداة وظيفية تستهدف بنى قوى الثورة والمعارضة التي لم تحسن التعامل مع هذا الملف، لصالح إتمام عناصر الحل السياسي المتخيل كوقف إطلاق النار والإجلاء المتبادل بعدما تمت السيطرة الكاملة على مدينة حلب ومن ثم تثبيت الجبهات وإنجاز تفاهم سياسي يدفع به الفاعلون الإقليميون، قائم على التصدي المشترك لهذا "الإرهاب" الذي يراد له روسياً وإيرانياً أن يشمل أكبر قدر ممكن من قطاعات قوى الثورة. وبهذا السياق تعتقد موسكو وحلفائها إن أية اختلالات قد تحدثها قوى الإرهاب في معادلات السيطرة والنفوذ ستبدو هامشية أمام الأولويات المفروضة وهذا ما يفسر تقليل أهمية عودة سيطرة تنظيم الدولة على مدينة تدمر والتي أتاحت له خيارات متعددة تهبه المرونة والسيولة، وبالتالي تعاظم قدرته على مواجهة أية استراتيجية صادة.
  • انتهاء صلاحية العمل بمبدأ التوازن في مفهوم إدارة الأزمة بحكم "تطورات المشهد" وتبني "مبدأ تصدع المعارضة" لأسباب يتفق معظم الفاعلين الدوليين والإقليميين على أنها لم تنجح في مراعاة تقليص المهددات الأمنية وإجبارها على قبول التسوية كمدخل لمرحلة جديدة سواء باتباع أدوات ضغط سياسي أو عسكري.

 إلا أن هذا من شأنه تعظيم حالات ثلاث، الأولى الانزياح المتسارع نحو منظومة القوى العابرة للوطنية التي تستغل المظلومية السنية في تمتين بناها الداخلية وتعظيم قدرته على البقاء والصمود، والحالة الثانية هي تفتيت مناطق سيطرة المعارضة وتنامي حالات الانفلات والسيولة، والحالة الأخيرة استمرار الاستعصاء في أي إنجاز يرتجى في ملفات وتحديات المرحلة الانتقالية كعودة اللاجئين والمهجرين والإدارة المحلية واستراتيجيات مكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية وغيرها.

وأمام هذا تتقلص بشدة خيارات المعارضة لمواجهة هذه الوقائع المركبة بحكم أنها لم تنجح في امتلاك أدوات عسكرية ناجعة تعمل بتناغم واضح وأهداف مشتركة ولم تستطع امتلاك سياسة ذاتية تُبقي لها قدرة على امتلاك قرارها الوطني، إلا أن المرحلة القادمة تستوجب منها بحثاً معمقاً لامتلاك أسباب التمكين. وفي هذا السياق يبرز تكتيك استيعاب الصدمة واحتوائها خياراً مهماً من شأنه أن يعطل فرص الوقوع أي من الحالات الثلاثة، وهي:

  1. تحكم "خيارات الاندماج " على سياسات المراجعة، إذ أن هذه الخيارات تُنبئُ بالانحلال أكثر من البقاء.
  2. عدم تنسيق المواقف والخيارات ما بين العسكري والسياسي، فالخيارات الفردانية من شأنها تسريع التفكك.
  3. التسليم السريع لكافة أوراق القوة غير العسكرية بحكم تعاظم واقعية مبدأ إدارة الهزيمة.

إعلان موسكو: انطلاق سكة "حل سياسي"

يحظى إعلان موسكو الأخير بجملة معطيات تدلل على اقتراب "إنجاز مستند سياسي" يدفع بحكم النتائج الأخيرة للصراع العسكري باتجاه بلورة "خارطة طريق" تطلق العملية السياسية من جديد بقواعد جديدة تعزز السردية الروسية للملف السوري. من جملة هذه المعطيات يمكن تصدير ما يلي:

  1. امتلاك الأطراف المتبنية للإعلان (موسكو – طهران – أنقرة) القدرة الحقيقة على تنفيذ ودعم خارطة الطريق بحكم تواجدها المباشر في الجغرافية السورية وامتلاكها لقنوات ضغط رئيسية على حلفائها المحليين.
  2. توافق بنود هذا الإعلان مع ما كرسته سياسة أوباما من محددات وغايات، واتساقها مع تطلعات الرئيس القادم ترامب.
  3. تنامي احتمالات توسيع الفواعل الإقليمية والدولية لشرعنة هذا الإعلان وتبنيه دولياً، لا سيما المملكة العربية السعودية وقطر التي هي بالأساس تنسق سياسياً مع تركيا.
  4. اتساق "الإنجاز السياسي" مع المعطيات العسكرية الناشئة لا سيما في الاتجاهات المتعلقة بتذليل المهددات الأمنية للأطراف الموقعة على هذا البيان.
  5. تسارع استكمال العناصر الشكلية المساعدة لعملية "الهندسة السياسية" تلك، فواقع عسكري جديد يدعم بإجراءات تثبته فرق المراقبة الدولية التي تشرف على إتمام عمليات الإخلاء (قرار 2328)، تلاه اتفاق سياسي للفواعل الرئيسية، وملامح جدية لمؤتمر في كازخستان يدعى إليه الأطراف المحلية -بعد تغيير تموضعها-للتوافق على إعلان موسكو ثم يتوقع بدء عجلة تنفيذ القرار 2254.

يشكل هذا الإعلان وما ينتظره من أجندة تعززه كمستند رئيسي لإطلاق العملية السياسية تحدياً واختباراً لأدوات المعارضة السورية الدبلوماسية التي لا تزال تشهد تداعيات خسارة حلب ومآلات التصدع المحتملة. ورغم ما يتضمنه الإعلان من إشكالات قد لا تتطابق مع غايات وأهداف قوى المعارضة، إلا أن سياسة التعاطي معه وفق مبدأ النقاط المشتركة تشكل منطلقاً أساسياً للتعامل مع هذا الواقع الجديد والتفاوض حول ملفات التغيير الوظيفي والبُنيوي. إذ تفرض هذه السياسة نفسها أمام المعارضة بحكم مبدأَي الواقعية السياسية وضرورات التماسك بعد سلسلة الخسارات المتلاحقة. ولعل أهم النقاط التي تُشكل قاعدة أولية تجعل المشاركة في هذه الأجندة تكتيكاً مقبولاً، موضحة في (وحدة الأراضي، سيادة الدولة السورية، دولة ديمقراطية، لا يوجد حل عسكري في سورية، توسيع وقف إطلاق النار، وعدم إعاقة المساعدات الإنسانية، وتوفير الزخم اللازم لاستئناف العملية السياسية في سورية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254).

ولتحقيق النجاعة لهذا التكتيك، ينبغي على المعارضة توفير منصة أولية تجمع الفرقاء وشركائها المحليين تتبنى مبادئ الثورة الخمسة، وتكون بمثابة مرجعية عابرة لمجموعة الرياض والائتلاف، والتوصل لملامح استراتيجية تفاوض متماسكة، ومد الوفد المفاوض بكافة متطلبات العملية التفاوضية والاحتفاظ بحق الانسحاب والعودة إلى المرجعية في حال تعثر الاستمرار، وهذا يتزامن مع جملة من السياسات التي ينبغي أن تبدأ المعارضة بالعمل عليها.

مواجهة الامتحانات ضرورة لم تعد تقبل التأجيل

ثبتت معطيات معركة حلب أمام المعارضة ضرورة تبني مبدأ المراجعة وتقييم كافة أدواتها السياسية والعسكرية. وتطرح في هذا السياق ضمن فعاليات قوى الثورة والمعارضة مجموعة من ردود الفعل لا ترتقي لمستوى الحدث الذي يؤسس لمرحلة جديدة تتطلب سياسات أكثر اتساقاً مع أهداف الحراك الثوري، إذ أن ضرورات مواجهة المرحلة تتطلب عدم تأخير الامتحانات الوطنية والامتناع عن سياسة "دفع الكرة إلى الأمام" والإعداد لسياسات واستراتيجيات تساهم في استيعاب الأولويات ومواجهة الاستحقاقات بأدوات أكثر فعالية. وفي هذا المضمار وبالتزامن مع مبدأ "استيعاب الأزمة" يمكن تصدير مجموعة من السياسات الآتية:

  1. المراجعات الجدية/المتأنية/المنظمة للعمل السياسي والعسكري، كتقييم الأداء والسلوك العام لكافة الأجساد السياسية وعلى رأسها الممثل الشرعي للشعب السوري " الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية"ومدى نفعية بقائها في المرحلة القادمة بحلتها الراهنة، والتدارس الموضوعي لصلاحية البُنية الحالية لهذه المرحلة بعد أن اتخذت شكلاً ثابتاً ومصمتاً خلال الأعوام الستة الفائتة؛ الشكل الذي حال دون أي فعل سياسي حقيقي يُحدث أثراً ملموساً سواء على المستوى المحلي كتنظيم الصف الثوري الداخلي أو على المستوى الخارجي وتمثيل بديل مقنع للمجتمع الدولي، ما ولد فراغاً سياسياً في الثورة السورية، وغُربة عن الشارع الثوري والذي عزز من عدم لحظها في معادلة الصراع السوري، وأعلى من شأن الخيارات العسكرية التي اتسم حراكها بالفصائلية المغرقة وغيبت أثر وفعالية الحراك المدني والسياسي وأقصته وتدخلت في كافة مفاصل المحلياتية. بالمقابل لا يمكن في هذا الصدد تبني سياسة "جلد الذات" دون مراعاة السياق العام للملف السوري الذي تحكمت به الرؤية الأمنية الدولية ومقاربات الضبط والتوجيه.
  2. تقوية المكونات المحلية المدنية وخاصة منظومة المجالس المحلية كجسم تمثيلي شرعي رغم التفاوت في مستوى الأداء بما يهدف إلى ملء الفراغ الإداري وتمثيل رأي المواطنين في الحقل السياسي في مقابل طُغيان غير متوازن للفصائل العسكرية والأجسام السياسية التقليدية في المشهد التفاوضي.
  3. تدعيم منظومة "الجيش السوري الحر" وتصحيح سياساتها العامة بدءاً من علاقاتها مع غرف الدعم العسكري والمالي الدولية وتوسيع هوامش امتلاك القرار وعناصر التحكم العسكري العملياتي، ومروراً بإكمال بناء العقيدة العسكرية الثورية وما تتطلبه من مأسسة وهيكلية واضحة ولحظ لعناصر عسكرياتية تتعدى مفهوم السيطرة والنفوذ، لتشمل مفهوم التصدي العام لكافة خطط النظام الأمنية والعسكرية كالاختراق وتمتين بُنيته ومنحه فرص الانتعاش والتنسيق العام والمهام الخاصة، وليس انتهاءً بتحديد أهدافه العامة واتساقها العضوي مع متطلبات التغيير السياسي وضرورات التنسيق التام مع السياسي، وعدم التدخل في الفعاليات المحلية إلا بما تمليه الضرورة الأمنية القصوى وبتفويض واضح من القوى المدنية المحلية.
  4. الحفاظ على أوراق القوة وتدعيمها بخطط استراتيجية، إذ تدلل المعطيات أن اتجاهات حراك النظام وحلفائه ستركز على أربعة ملفات الغوطة وادلب وبرامج الاستقرار وإعادة البناء ناهيك عن الاستعداد لمعركة الرقة، وبناء عليه ينبغي على المعارضة العمل على ما يلي:
    • حسن إدارة ملف الغوطة والذي يتطلب التدارس الحثيث لكافة الخيارات المتاحة لاسيما الهدنة والعمل على الدفع بها وفق منطق "توازن الردع" وضرورات التكامل مع مناطق برزة والقابون وأحياء دمشق الجنوبية، ومبدأ وقف إطلاق النار وليس التسليم والتهجير، وحتمية إنهاء الاقتتال البيني.
    • توفير أسباب الصمود والقوة في إدلب وما يحتاجه من تحصين عسكري وحسن إدارة ملف المهجرين وتقوية موارد التنمية والالتفاف حول المجلس المحلي باعتباره الحالة الأكثر شرعية من الناحية التمثيلية.
    • ضرورة اتخاذ معركة الرقة كخيار استراتيجي وهذا يُعلي من شأن تدعيم عمليات درع الفرات والاستعداد التام لملء الشواغر الإدارية والأمنية بعد التحرير.
    • تبني مقاربة وطنية متكاملة لبرامج عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، ناهيك عن استراتيجيات مكافحة الإرهاب وما تتطلبه من سياسات وطنية تتقاطع مع الضرورات الأمنية الإقليمية والدولية.
  5. تبني سياسات الحسم ضمن محددات العلاقات البينية لا سيما اتجاه المشاريع السياسية العسكرية والعقدية العابرة للثورة وعدم تركها سائلة وخاضعة للظروف العسكرية والسياسية، وأن تكون هذه المحددات مرتبطة بالمشروع السياسي والأيديولوجي للثورة الذي يحتاج تظافر كافة الجهود والفعاليات لإتمامه وإخراجه بصيغة فكرية تأصيلية. وفي هذا المضمار لا بد من حسم العلاقة مع جبهة فتح الشام وجند الأقصى وأخواتها واتخاذ موقف حاسم تجاهها رافضاً لأطروحاتها وسياساتها، ويعتمد مقاربة عسكرية خاصة قائمة على فك كامل لأي ارتباطات معها وعدم مشاركتها بالقتال في أية معارك أو غرف عمليات مشتركة، إضافة إلى انتهاج سياسة مجتمعية تدفع المجالس المحلية والمنظمات الأهلية للضغط على الجبهة للابتعاد عن المدن والتجمعات السكنية بالطرق المتاحة، مع عدم استعجال الاقتتال معها رغم ضرورة الاستعداد لذلك.

 وفي سياق آخر لا بد لكافة الفعاليات المعارضة أن تعمل بالاتساق التام مع مفاهيم المراقبة والمحاسبة لكافة الهيئات والأجساد السياسية والمدنية والعسكرية وتعزيز هذه المفاهيم ضمن منظومات العمل التي ينبغي لها أن تراعي أولويات المواطن وصيانة أمنه وتوفير السبل المثلى لتوصيل الخدمات له بالدرجة الأولى.

 

عموماً بقدر ما شهدته جغرافية مناطق سيطرة المعارضة من ارتكاسات بُنيوية حادة جراء خسارة حلب وخروج أهم الجيوب الاستراتيجية في دمشق ومحيطها من معادلات الصراع العسكري، وبقدر ما ترسمه الفواعل الإقليمية والدولية أيضاً لملامح "حل سياسي" يراعي السردية الروسية المتوافقة بدرجة عالية مع النظام وإيران، فإن ضرورات الصمود وامتلاك مقوماته وعدم الانجرار  لردات فعل غير محسوبة الأبعاد تفرض نفسها بقوة على المعارضة وتجعلها أمام امتحان مصيري يطالبها بالثبات والاستعداد التام لمواجهة المآلات والتداعيات المحتملة لهذه الارتدادات المتسارعة، ويفرض عليها بذات السياق اتخاذ سياسات المراجعة والحسم تجاه كافة التحديات.

ضمن فعاليات المشروع البحثي الذي أطلقه مركز عمران حول "التغيير الأمني في سورية على المستوى الوظيفي والبنيوي" عقد المركز  بتاريخ 7،8/12/2016 ورشة عمل حول الفرضيات السياسية المؤثرة في عملية التغيير الأمني بحضور عدد من الخبراء والباحثين والمهتمين بالمشهد السياسي في سورية ومآلاته، وبعد التغذية الراجعة لدراسة "الأجهزة الأمنية السورية وضرورات التغيير البنيوي والوظيفي" التي أصدرها المركز، تركز النقاش في هذه الورشة حول سيناريوهات المشهد العسكري والسياسي السوري، والرؤية الدولية/ الإقليمية لعناصر الحل السياسي السوري وتبيان تموضع الملف الأمني  فيها، كما تباحث الحاضرون في الواقع الأمني في كل مناطق سيطرة النظام وفصائل المقاومة الوطنية، بالإضافة لاستعراض أهم أطروحات التغيير وتجارب دول المشابهة لاستخلاص المنهجية والآلية الأكثر اتساقاً مع ثنائية المطالب الثورية والضرورات الأمنية التي فرضها واقع الجغرافية السورية بما تحويه من صراعات مركبة ومعقدة.

انطلاقاً من ضرورات إعادة التشكيل العميق لعامل الحسم غير المرئي في الملف السوري وهو "هيكلية الدولة السورية".  عقد مركز كارنيغي للشرق الأوسط بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر 2016، ندوة عامّة على مدار جلستين متواليتين حول اللامركزية والإدارة الذاتية في سورية، بالتعاون مع مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group). تناولت الجلسة الأولى الآليات التي تؤثّر من خلالها اللامركزية على الفاعلين الأساسيين على الأرض في سورية من جهة، وكيف يستغلّها الفاعلين من جهة أخرى.

أما الجلسة الثانية فتمحورت حول تأثير هذه الديناميكيات المحلية على الاستراتيجيات والسياسات التي تنتهجها الجهات الفاعلة الخارجية، وتتطرّق إلى التحديات التي ستواجهها والفرص التي ستتيحها في المستقبل.

برزت خلال الندوة مشاركة الدكتور عمار قحف، المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية. إذ ركز على تجربة المجالس المحلية في مختلف مناطق سورية لاسيما مناطق سيطرة المعارضة السورية كونها الوحيدة التي تعتمد على الشرعية السكانية بوضوح من حيث الانتخاب 35٪‏ والتوافق 62٪‏، إضافة لقيامها بأعباء وظائف مؤسسات الدولة ضامنة بذلك استمرار مؤسسات الدولة. مُدللاً على أهمية دعم وتمكين هذه المجالس كونها شرعية وبديلة عن النظام الحاكم. مبرزاً قدرة المجالس المحلية على إنجاح برامج إعادة الاستقرار محلياً وعلى مستوى المحافظات، في حال تم ذلك بالتوازي مع وقف إطلاق النار ومسار انتقال سياسي ولو تدريجي. لأن ذلك كفيل بضمان وحدة أراضي سورية عبر عقد اجتماعي جديد وآليات لامركزية موسعة أو غيرها من النماذج التي يتوافق عليها السوريون.

حظيت الندوة بمشاركة واسعة من قبل باحثين ومحليين ومستشارين كان من أبرزهم؛

ماريا فانتابيه: باحثة أولى حول الشؤون العراقية في مجموعة الأزمات الدولية، وسام هيلر: باحث في مؤسسة Century Foundation، مالك العبدة: مستشار في مركز الحوار الإنساني، نوا بونسيه: محلّل بارز في مجموعة الأزمات الدولية، بيتر هارلينغ: مؤسس ومدير شركة Synaps.

تجدر الإشارة أنه بختام الندوة تم عرض ملخص عن آخر استطلاع رأي قام به مركز عمران لــ 105 من المجالس المحلية.