أُعلن في مدينة إدلب عن تشكيل مجلس مدني هو الأول من نوعه انتخاباً عقب سيطرة جيش الفتح على المدينة نهاية آذار 2015، وتعود أهمية هذا الحدث إلى توقيت إعلانه الذي يأتي في ظل مساعي نظام الأسد وحلفائه الحثيثة لشن حملة عسكرية واسعة النطاق على محافظة إدلب تحت يافطة مكافحة الإرهاب، الأمر الذي استشعرته فاعليات إدلب والتي تعمل على سحب الذرائع التي يتحجج بها النظام، وذلك عبر تعزيز تجربة الحكم المدني وضبط العلاقة مع فصائل المقاومة الوطنية.
علاوةً على التوقيت، فإن لهذا الحدث أهمية خاصة لدلالته الرمزية المتصلة بتطور العملية الانتخابية وتنامي اعتمادها كآلية في تشكيل هياكل الحوكمة المحلية، هذا بالإضافة إلى تنامي دور هذه الأخيرة على حساب الفصائل العسكرية التي يتراجع دورها لأسباب موضوعية وذاتية، إذ اضطرت تحت ضغط تلك الهياكل للقبول بما كان "محرماً" لديها في وقت سابق، عدا عما يفرضه هذا الحدث من ضرورة متنامية لتعزيز حوكمة المجالس المحلية.
تسلط هذه الورقة التحليلية الضوء على عملية تشكيل المجلس المنتخب، من حيث السياق والآلية المتبعة في تشكيله، مبينةً تحولات العلاقة بين المدني والعسكري، إضافة إلى تحليل مكوناته، وذكر التحديات التي تعترضه وما يمكن العمل عليه لمعالجتها، وصولاً إلى توقع سيناريوهات لمسار هذا المجلس الجديد.
شهدت إدلب انتخاب أول مجلس محلي مؤقت لإدارة شؤونها في مدينة الريحانية نهاية 2012، في وقت كانت لا تزال فيه المدينة خاضعةً لسيطرة نظام الأسد ([1])، وخلال الدورات الانتخابية المتعاقبة، ورغم كل الجهود التي بذلها أعضاء المجلس لإدارة ملف المدينة، إلا أنهم لم يوفقوا في تحقيق المأمول منهم لأسباب تتصل بآلية تشكيل المجلس، أسلوب الإدارة، ضعف الخبرات، التجاذبات القائمة وأخيراً اعتبارات متعلقة بالوضع الميداني.
دخلت الإدارة المحلية لمدينة إدلب مرحلة جديدة مع سيطرة جيش الفتح عليها نهاية آذار 2015، الذي أقصى هياكل الحوكمة المحلية القائمة لصالح إدارةٍ شكلها بنفسه، وأوكل لها مهام إدارة الملف الخدمي إلى جانب الملفين الأمني والقضائي ضمن المناطق الواقعة تحت سيطرته ([2]). وسوق هذا الجيش مبررات الاقصاء لارتباط هذه الهياكل بهيئات المعارضة السياسية والخدمية الرسمية ([3])، إضافة إلى تخوف مكوناته من التفريط بالمكتسبات التي تحققت لهم عقب التحرير، ورغبتهم في البناء عليها لتعزيز شرعيتهم ونفوذهم المحلي.
تزايدت الانتقادات الموجهة لإدارة مدينة إدلب إثر تدهور الوضع الخدمي فيها، وفوضى الأسواق وغياب القضاء وشيوع مظاهر الفوضى الأمنية كالسرقات والاعتداءات والحوادث والتفجيرات، الأمر الذي دفع جيش الفتح لتقبل تشكيل مبادرات خدمية اتخذت عدة مسميات من أبرزها مجلس الأعيان العام ([4]) والبيت الإدلبي ([5])، والتي لم يُكتب لها النجاح في إحداث تحول نوعي في واقع الخدمات، بسبب استمرار هيمنة مجلس "شورى الفتح" على المفاصل الرئيسية للمدينة، وعرقلته للمبادرات الرامية لتنظيم ملفات القضاء والأمن والخدمات ([6])، الأمر الذي أسهم في تنامي النقمة الشعبية ضد جيش الفتح - الذي يعتريه اختلالات بنيوية واضحة- وجعلته بالإضافة لمجموعة أسباب تتصل بدينامياته المحتملة للقبول بمبادرة تشكيل مجلس مدني بواسطة الانتخابات يتولى إدارة الشأن الخدمي.
يمكن تفسير هذا التحول في موقف جيش الفتح لأمران، الأول: تعزيز اتجاهات الحركة باتجاه الأولويات العسكرية التي تستوجب منه الانسحاب من المشهد الإداري والخدمي، والثاني: قيام جيش الفتح بمناورة لإعادة ترميم شرعيته المحلية وامتصاص النقمة الشعبية في ظل تصاعد الضغوط الخارجية والداخلية عليه، مع احتفاظه بالقدرة على التأثير المحلي من خلال سيطرته على الملفين الأمني والقضائي.
تم البدء بتنظيم العملية الانتخابية مطلع 2017، ليصار لاحقاً إلى تمديد عمل اللجنة التحضيرية، بهدف إتاحة المجال لمشاركة أوسع من قبل السكان المحليين، سيما بعد الإقبال الضعيف على المراكز الانتخابية بداية العملية التحضيرية. ([7]) وقد لعبت الفاعليات المدنية دوراً في حث السكان على المشاركة من خلال قيامها بحملات دعائية استهدفت الساحات الرئيسية ومراكز التجمعات الكبرى والمساجد، لتسفر تلك الجهود عن تسجيل 1425 فرد كهيئة ناخبة، ترشح منهم 85 شخصاً لعضوية المجلس، ليصار بعد ذلك إلى دعوة الهيئة الناخبة للإدلاء بأصواتها يوم 17-1-2017، لتسفر العملية الانتخابية عن اختيار 25 شخص لعضوية مجلس المدينة، على أن يقوموا بدورهم لاحقاً باختيار رئيس المجلس ونائبه وأعضاء المكتب التنفيذي. ([8])
يُستنتج من خلال قراءة وتفكيك عملية انتخاب مجلس مدينة إدلب الملاحظات التالية:
أولاً: اتباع ذات القواعد والإجراءات المتبعة في اختيار وتشكيل المجالس المحلية، من حيث تشكيل لجان تحضيرية وطعون وانتخابات، وبإشراف من مجلس المحافظة، إلا أنه لوحظ غياب قانون انتخابي موحد ناظم للعملية الانتخابية، نظراً لتمايز الشروط المتبعة في تحديد الناخب والمرشح وآليات الاقتراع بين مجلس وآخر؛
ثانياً: تنوع الأدوار التي مارستها الفاعليات المدنية في عملية تشكيل المجلس، بدايةً باعتبارها جماعات ضغط سعت لإيصال مرشحيها إلى عضوية المجلس ([9])، علاوةً عن قيامها بدور مهم في حشد وتعبئة السكان للمشاركة في العملية الانتخابية ([10])، إلى جانب دورها كجهة رقابية مستقلة للتأكد من سلامة العملية الانتخابية؛
ثالثاً: قلة عدد أعضاء الهيئة الناخبة (1425) نسبةً إلى تعداد سكان المدينة (يتجاوز 200 ألف)، ويمكن تفسير ذلك بــ:
رابعاً: توافر الظروف لعودة تدخل جيش الفتح، إذ أن هنالك فترة انتقالية تقدر بثلاثة أشهر لبدء تسلم المجلس المنتخب لصلاحياته بحسب مذكرة التفاهم الموقعة بين جيش الفتح وفاعليات مدينة إدلب ([13])، علماً أن جيش الفتح سيستمر في ممارسة دور المشرف على عمل المجلس، وهو ما ينذر بإمكانية تكرار تجربة مجلس الأعيان العام مع مجلس شورى جيش الفتح، وبما يتهدد مشروعية المجلس المنتخب ويحد من قدرته على الإدارة. في حين الأصل بممارسة المجتمع المحلي لدوره كجهة رقابية على أعمال المجلس، دون إغفال دور مجلس المحافظة في هذا الصدد أيضاً.
خامساً: تنوع انتماءات أعضاء المجلس الجديد ما بين منتمين للبيت الإدلبي وآخرين لمجلس الأعيان العام وكذلك المكتب التربوي والنقابات الحرة والمديريات الخدمية والفصائل العسكرية، وفي حين يمكن لهذا التنوع أن يعزز من شرعية المجلس، إلا أنه يحمل مخاطر جدية لإمكانية نشوء كتل متمايزة داخل المجلس بما يفقده الانسجام والتماسك الضروريين لإدارة الملف الخدمي.
سادساً: تنوع التخصصات العلمية لأعضاء المجلس ما بين حقوقيين وأطباء ومهندسين وخريجي علوم إنسانية ومعاهد وحملة شهادة ثانوية، بحسب الشكل البياني الآتي. ([14])
الشكل البياني رقم (1)
جاء تشكيل مجلس مدينة إدلب في وقت تتزايد فيه المخاطر المحدقة بالمحافظة، جراء ما يُحاك لها بذريعة الحرب على الإرهاب من جهة، وتزايد حدة الفوضى الأمنية وما تمثله من مخاطر جدية على استمرارية هياكل الحوكمة المحلية من جهة أخرى، يضاف إلى ما سبق جملة التحديات التي تعترض عمل المجلس وفي مقدمتها: قلة الموارد، القدرة على الإدارة، تزايد شكاوى السكان نتيجة تردي الخدمات، ضبط العلاقة مع جيش الفتح، تعزيز حوكمة هياكل الحكم المحلية وتحقيق ترابط فيما بينها على مستوى المحافظة، ولمعالجة ما سبق فإن المجلس مطالب بإيجاد مقاربة متكاملة تنطلق من المتاح للتوصل إلى نتائج واقعية ممكنة، وفق العمل بسياسات المراحل وبحسب الأولويات.
أولاً: القدرة على الإدارة: يُعتبر مجلس مدينة إدلب جزءاً من منظومة خدمية لامركزية تشتمل على مجلس المحافظة والمجالس المحلية الفرعية والمديريات الخدمية، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني والهيئات الخدمية التابعة للفصائل العسكرية، وترتبط قدرة المجلس المنتخب على الإدارة بمدى نجاحه في ملء الفراغ الإداري ولعب الدور المناط به ضمن هذه المنظومة، إضافة إلى قدرته على تبني مقاربة عقلانية متوازنة لإدارة العلاقة مع جيش الفتح، وتشكيل ذراع تنفيذية تتبع للمجلس بعيداً عن الفصائلية، وذلك عبر الاستثمار في الموقف الإيجابي القائم لجيش الفتح، وتطويره إلى صيغة عمل مشترك تركز على نقاط التوافق، وتزيل تدريجياً الهوة القائمة بين الجانبين المدني والعسكري؛
ثانياً: تعزيز الحوكمة: إن قدرة المجلس الجديد على أداء مهامه مرهونة بمدى التزامه بمبادئ الحكم الرشيد، وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد والروتين والفصائلية وازدواجية الأدوار وتضارب المصالح القائمة داخل المنظومة الخدمية في المحافظة، ومواجهة المخاطر المحتملة لحالة الاستقطاب التي قد تنشئ داخل المجلس، ويمكن تلافي ما سبق من خلال:
ثالثاُ: توفير الموارد: حتى يتمكن المجلس الجديد من أداء المهام الموكلة إليه لا بد من توفر الموارد المالية والبشرية، وفي حين يحتوي المجلس على شخصيات ذات كفاءة في الإدارة بحكم عملها السابق في هياكل الحوكمة المحلية، إلا أنه مطالب بــ:
أما من الناحية المالية، فإن شح الموارد وتراجع مستوى الدعم المقدم مقابل تعاظم المطالب الخدمية، يوجب على المجلس العمل على خطة لتعزيز الموارد المالية الذاتية، وذلك عن طريق:
رابعاً: المشاركة المجتمعية: لا يمكن تجاهل سخط السكان على أداء هياكل الحوكمة المحلية، ولذلك أسباب تتحمل الهياكل جزءاً منها، في حين يتعلق الجزء الآخر بعوامل خارجية لا يمكن السيطرة عليها، ولكي يتمكن المجلس المنتخب من الاستمرارية وتعزيز شرعيته فإنه مطالب بــ:
أما بخصوص السيناريوهات المتوقعة لمسار المجلس المنتخب فإن ذلك مرهون بقدرته على التعامل مع التحديات السابقة بالدرجة الأولى، وبمسار تطور الأحداث في محافظة إدلب بالدرجة الثانية، وهنا إما أن يتمكن المجلس المنتخب من إثبات قدرته على الإدارة وتحقيق فاعلية خدمية يتلاشى معها تدريجياً دور العسكر في الحكم المحلي، أو أن يعجز المجلس عن إدارة المهام الموكلة إليه ويقع في عطالة خدمية، الأمر الذي قد يشجع الفصائل على تصدر المشهد المحلي من جديد، وما يتحصل عنه من مخاطر كبيرة تتهدد مدينة إدلب خاصةً ومشروع المجالس المحلية عامةً.
تكتسب انتخابات مجلس مدينة إدلب أهمية نظراً للسياق الذي تمت فيه، ويمكن اعتبارها بالون اختبار لمدى تطور تجربة الحكم المدني ومعياراً لتقبل العسكر لنقل السلطة للمدنيين، علماً أن مسار التجربة ونتائجها سيترك تداعيات إيجابية أو سلبية في حال النجاح أو الفشل، فإذا ما أُتيح للمجلس الجديد النجاح في تحقيق الأدوار المأمولة منه، فإن ذلك من شأنه تعزيز مركزية هياكل الحوكمة المحلية، وتهيئة الشروط الموضوعية للاستقرار وتحجيم دور العسكر في الإدارة المحلية، أما في حال الفشل، فإن ذلك سيمثل انتكاسةً لمشروع الحكم المحلي، من شأنها أن تمنح الحق والفرصة للعسكر لتصدر المشهد المحلي بذريعة فشل التجربة المدنية.
وأمام ما تحقق من نتائج إيجابية خلال عملية انتخاب مجلس مدينة إدلب من تفعيل دور الهيئات المدنية باعتبارها جماعات ضغط وهيئات رقابية وإعادة دمج السكان من جديد في المجال العام، واعتماد الانتخاب كآلية للتشكيل، فإن ما سبق لا ينفي تواجد بعض السلبيات التي اكتنفت تلك العملية خاصةً من حيث إقصاء جزءٍ من شريحة الشباب والمرأة والوافدين لمدنية إدلب. وفي حين يواجه المجلس المنتخب تحديات جمة تعترض إدارته للملف الخدمي، فإن مقاربته لكيفية مواجهة هذه التحديات والمتمثلة بقلة الموارد والمشاركة المجتمعية والقدرة على الإدارة وتعزيز الحوكمة، إضافة إلى سياق تطور الأحداث في محافظة إدلب، ستحدد مسار المجلس نجاحاً أو فشلاً.
([1]) انتخابات المجلس المحلي المؤقت لمدينة إدلب، موقع يوتيوب، تاريخ 01-12-2012، رابط إلكتروني https://goo.gl/mbVlr7
([2]) للمزيد عن إدارة مدينة إدلب التابعة لجيش الفتح مراجعة، منار عبد الرزاق، الإدارة المدنية في إدلب: تقديمٌ للخدمات. غياب جزئي للأمن. خوفٌ من مستقبل مجهول لطلاب المدينة، جريدة مدى سورية، تاريخ 15-2-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/tbXp1h
([3]) قال شادي زيداني، أحد المرشحين لعضوية مجلس مدينة إدلب في هذا الصدد: "لقد كان اسم المجلس المحلي هو العائق الوحيد الذي حال دون تشكله منذ سنوات"، للمزيد مراجعة، صهيب مكحل، مدينة إدلب تستعد لانتخاب أول مجلس مدني لإدارة شؤونها، جريدة سوريتنا، تاريخ 15-1-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/ltEwa8
([4]) للمزيد حول تشكيل مجلس الأعيان العام في إدلب مراجعة، تشكيل أول مجلس محلي لمدينة ادلب بعد التحرير، موقع يوتيوب، تاريخ 26-4-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/BrQMPU
([5]) منار عبد الرزاق، البيت الإدلبي/ نواة لتشكيل إدارة مدنية من أهالي إدلب، جريدة مدى سورية، تاريخ 17-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/cP7u8D
([6]) تعليق مجلس الأعيان في ادلب عمله مع مجلس شورى الفتح، الموقع الرسمي لمجلس الأعيان على الفيس بوك، تاريخ 10-9-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/bK2hnz، https://goo.gl/vkRP1Q، أيضاً بيان للبيت الإدلبي يدعم فيه تعليق مجلس الأعيان لعمله مع مجلس شورى الفتح، الموقع الرسمي للبيت الإدلبي على الفيس بوك، تاريخ 10-9-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/bxPTqo
([7]) فتح باب الترشح لمجلس مدينة إدلب، مركز المعرة الإعلامي، تاريخ 9-1-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/ivUhOf
([8]) الإعلان عن تشكيل أول مجلس مدني منتخب في مدينة إدلب، راديو الكل، تاريخ 19-1-2017، رابط https://goo.gl/SNd9CH
([9]) بلدي نيوز ترصد انتخاب مجلس مدني لإدارة مدينة إدلب، بلدي نيوز، تاريخ 10-1-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/JgkmZe
([10]) ندوة تعريفية بالمترشحين للمكتب التنفيذي لمدينة إدلب، قناة الجسر الفضائية، تاريخ 17-1-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/Sg9fjd
([11]) فتح باب الترشح لعضوية مجلس مدينة إدلب، وكالة سمارت للأنباء، تاريخ 9-1-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/VkCkUv
([12]) فتح باب الترشح لعضوية مجلس مدينة إدلب، وكالة سمارت للأنباء، المرجع السابق نفسه.
([13]) أحمد نور، مجلس مدينة ادلب الأول هل ينجح في مهمته أم يكون شكلاً دون فعل، شبكة شام الإخبارية، تاريخ 20-1-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/R5hkXw
([14]) أسماء أعضاء مجلس مدينة إدلب واختصاصاتهم العلمية، جريدة زيتون، الموقع الرسمي لجريدة زيتون على الفيس بوك، تاريخ 18-1-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/vVtctY
في إطار تغطية الشأن الداخلي السوري، قامت قناة دار الايمان بإجراء اتصال مباشر مع الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 22-1-2017 للحديث حول دراسة "المجالس المحلية وملف الأمن المحلي/ دور مطلوب لملف إشكالي"، حيث استعرض الباحث أهم النتائج التي خلصت إليها الدراسة فيما يتعلق بدور المجالس المحلية في حفظ الأمن المحلي، واختتم الباحث مداخلته بالحديث عن الأدوات التي تفتقر إليها المجالس في تأديتها لدورها في هذا الصدد.
<>
عقدت المؤسسة الخيرية لتطوير الموارد البشرية IKGV التركية بتاريخ 19-20 كانون الثاني/ يناير 2017، دورة تدريبية بعنوان "مكافحة تجارة العنصر البشري"، في إطار خطتها التدريبية لتدريب منظمات المجتمع المدني السورية. ومثل مركز عمران في حضور الدورة الباحث محمد العبدالله من مسار التنمية والاقتصاد.
وتركز الهدف الأساسي للدورة التدريبية على تقديم عرض تفصيلي من قبل منظمة IKGV حول موضوع الاتجار بالبشر، من خلال تحديد مفهومه وعرض آليات مكافحة تجارة العنصر البشري في تركيا، ومن ثم التطرق إلى واقع جريمة الاتجار بالبشر بين الفئات الضعيفة بين اللاجئين السوريين في تركيا. كذلك تم التطرق إلى وسائل مكافحة هذه الجريمة والحد منها بين هذه الفئات ودور منظمات المجتمع المدني السورية في القيام بذلك بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني التركية والجهات الحكومية ذات الصلة.
في إطار تغطية الشأن الداخلي السوري قام راديو الكل بإجراء لقاء صوتي مسجل مع الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 19-1-2017 للحديث حول انتخابات مجلس مدينة إدلب، حيث تناول اللقاء تقييم إدارة المعارضة لمدينة إدلب ومدى نجاحها في هذا الاختبار، والأسباب الدافعة لقبول جيش الفتح لمبادرة تشكيل المجلس المدني، كما تطرق اللقاء إلى مقومات القوة التي يمتلكها المجلس الجديد لإدارة الشأن الخدمي للمدينة، وما هي التحديات التي تعترض عمله وأهمها إصرار النظام على إجهاض أي تجربة مدنية خدمية ناجحة في المناطق الخارجة عن سيطرته، عبر استهدافها وتدمير بنيتها التحتية، ليختتم الباحث مداخلته بالحديث عن أسس ومكونات إدارة الإعمار في إدلب كتجربة لباقي المناطق.
التحصيل العلمي:
حاصل على بكالوريوس في علوم الحاسب الألي من جامعة أمريكية دبي، وماجستير في إدارة الأعمال من جامعة جامعة ولنغون
مؤلفات ومنشورات
أسّس حافظ الأسد لمركزية أمنية حُدّدت مهامها بالحفاظ على نظام الحكم، وتأدية الأدوار الوظيفية الموكلة إليها من قبل منظومة الأمن الدولية، ولإنجاز ما سبق مُنحت المؤسسة الأمنية الموارد والغطاء السياسي والقانوني، أما بنيتها فكانت تقوم على شبكات رسمية-إدارات الأمن-، وأخرى غير رسمية-المخبرين وبيروقراطية البعث الحزبية-تتقاطع جميعها بخضوعها لتوجيهات المركز المتمثل بشخص الأسد الأب.
تمكنت المؤسسة الأمنية من التوغّل في المجتمع والتحكم في تفاصيل الحياة العامة للسكان، وأحدث ذلك آثار كارثية في منظومة المجتمع والدولة. وعلى الرغم من تراخي القبضة الأمنية مع تولي الأسد الابن السلطة ضمن وعود الإصلاح والتحديث، إلا أنها عادت بقوّة بدفع من الحرس القديم لمواجهة الضغوط الخارجية التي تكثّفت مع الاحتلال الأمريكي للعراق. وفي حين كان نظام الأسد يفاخر بقدرته على حفظ الأمن والاستقرار وسط بيئة مضطربة أمنياً، إلا أن استعراض الوقائع يدلّل على أنها حالة استقرار أمنية هشّة فُرضت بالترهيب والعنف، ويدلّ على ذلك حوادث الاصطدام المتكررة بين المكونات المجتمعية، وتزايد حالة السخط الشعبي، إضافة إلى تحول سورية لمسرح لعدد من الحوادث الأمنية كالاغتيالات والتفجيرات.
على هذه الأرضية وفي ظل غياب إرادة سياسية جدية للشروع بحل وطني لمعالجة الأزمات المستعصية والتي لم تعد تنفع معها الحلول المؤقتة والأمنية، انطلق الحراك الثوري في آذار 2011 -والذي يعد أحد أسبابه الغضب الكامن تجاه ممارسات الأجهزة الأمنية-، وفشلت المؤسسة الأمنية للنظام في السيطرة على الموقف لتفقد تدريجياً سطوتها ومركزيتها نتيجة بروز فاعلين محليين مستقلين عن المركز يتولون إدارة الأمن في مناطق سيطرتهم من جهة، وتزايد أثر العامل الخارجي في عمل الأجهزة الأمنية من جهة أخرى.
وفقاً ما سبق، تعدّ دراسة الأمن المحلي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية ودور المجالس المحلية فيها إشكالية تستوجب التفكيك، إذ أنه لن تستقيم جهود تحقيق الأمن على المستوى الوطني دون إشراك هياكل الحوكمة المحلية القائمة وما يستلزمه ذلك من إطار سياسي وقانوني ودعم لتمكين هذه الهياكل حالياً ومستقبلياً من أداء مهامها. ويمكن في هذا السياق تحديد مصطلح الأمن المحلي من خلال تعريفه إجرائياً بـــ: قدرة الهيئات المدنية والعسكرية ذات الطابع والاختصاص المحلي على تثبيت مقومات أمن مجتمعاتها المحلية، والحفاظ على تماسكها المجتمعي وردع التهديدات الأمنية الموجهة لها من قبل القوى المعادية.
تعتمد هذه الدراسة المنهج الوصفي في توصيف سياق تشكل البيئة الأمنية في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وإيراد المقاربات المتبعة من قبل المجالس المحلية في التعامل مع ملف الأمن المحلي. كما تم اتباع المنهج التحليلي في تقييم أداء هيئات الأمن المحلية.
تتناول الدراسة الواقع الأمني في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بدءاً من توصيف السياق الذي تشكّل فيه، وتداعيات عدم الاستقرار الأمني على المجالس، ثم التطرق لمقاربتها في التعاطي مع ملف الأمن المحلي، مروراً بتقييم الجهود المبذولة من قبل المجالس وشركائها في هذا المجال، واستعراض أبرز التحديات التي تعوق جهودهم، وصولاً إلى اقتراح مجموعة من التوصيات العامة ذات الصلة بإدارة الأمن المحلي.
ساهم التمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس المحلية في اعتبارها الجهة المرجعية المسؤولة عن إدارة مناطقها، واستوجب ذلك من قياداتها التعامل مع عدة ملفات إشكالية فرضها واقع ما بعد خروج مناطقها عن سيطرة نظام الأسد وفي مقدمتها ملف الأمن المحلي، خاصة مع وجود حالات تجاوز أمنية كالسرقات والتعدي على الأملاك العامة. ولعل ما زاد من أهمية الموضوع لدى المجالس مخاوفها من تنامي مستوى التهديدات الأمنية (كالاغتيالات والمفخخات والقصف الجوي) التي تتعرض لها مناطقها وانعكاس ذلك سلباً على أدائها واستمراريتها من جهة، وهواجسها من أن تغلب على أجندات الدول المنخرطة في الصراع السوري الاعتبارات الأمنية-وما يفرزه ذلك من مسار سياسي محكوم بأولوية مكافحة الإرهاب-عوضاً عن التركيز على اعتبارات الاستقرار الاجتماعي والسياسي من جهة أخرى.
انطلاقاً مما سبق، يفرض الملف الأمني عدد من التحديات على المجالس المحلية، إذ أنها مطالبة وبالشراكة مع عموم قوى المقاومة الوطنية بإثبات قدرتهم على معالجة هذا الملف في مناطقهم، من حيث تثبيت مقومات الأمن المحلي وأبرزها: ترميم التماسك الاجتماعي واحتواء الفوضى الأمنية ومكافحة الإرهاب، وبقدر ما تتمكن المجالس وشركاؤها من النجاح في إدارة هذا التحدي فإنها تسهم في إنعاش الحاضنة الشعبية المؤيدة للثورة، وتأكيد شرعيتها ودورها كشريك أساسي في أي ترتيبات يفرضها الحل السياسي.
أدرك نظام الأسد خطورة حركة الاحتجاجات السلمية المناهضة له لتبنيها مطالب وطنية عابرة للانتماءات الفرعية، حظيت بتعاطف إقليمي ودولي، وفي إطار مواجهتها لجأ النظام إلى إدارة الموقف أمنياً وفق استراتيجية بالعنف أكون وذلك من خلال:
تمكّن نظام الأسد من إدارة الموقف والضغط على خيارات المتظاهرين، ليدفع باتجاه تشكّل حراك ثوري مسلح مرّ بتحولات عدة كان لها الدور الأكبر في صياغة البيئة الأمنية ضمن المناطق التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد، وفيما يلي تحولات السيطرة التي شهدتها مناطق الحراك الثوري بشكل عام، وأبرز سماتها الأمنية:
ومن الطبيعي أن تؤثر البيئة الأمنية على استقرار هياكل الحوكمة المحلية التي نشأت في ظل الثورة وعلى أدائها لوظائفها، وكلما تحقق للمجالس المحلية بيئة مستقرة أمنياً، تمكنت من تطوير تجربتها وترسيخ تواجدها وأدائها لوظائفها والعكس صحيح، وفي هذا الصدد يُظهر تقييم الوضع الأمني لمناطق المجالس تفاوتاً في درجة الاستقرار الأمني، ويعزى ذلك إلى عدة عوامل منها:
وعموماً تشهد مناطق فصائل المقاومة الوطنية حالة عدم استقرار أمني تزيد من إمكانية تعثّر هياكل الحوكمة المحلية والتي تأخذ ثلاثة أنماط رئيسية هي:
تولت عدة هيئات إدارة الأمن المحلي في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وذلك كبديل عن منظومة الضبط السلطوية التي كانت قائمة في فترة سيطرة نظام الأسد، وفي حين تعرضت العديد منها للزوال، فإن بعضها الآخر ما يزال ناشطاً، وبالعموم يمكن تحديد خمس جهات أساسية لعبت وما تزال تلعب دوراً في إدارة الأمن المحلي وهي:
ساهم التمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس المحلية في اعتبارها الجهة المرجعية المسؤولة عن إدارة مناطقها، واستوجب ذلك من قياداتها التعامل مع عدة ملفات إشكالية فرضها واقع ما بعد خروج مناطقها عن سيطرة نظام الأسد وفي مقدمتها ملف الأمن المحلي، خاصة مع وجود حالات تجاوز أمني كالسرقات والتعدي على الأملاك العامة. وفي إطار تعاطيها مع ملف الأمن المحلي لجأت المجالس إلى مقاربتين رئيسيتين هما الانخراط الأمني أو الانخراط المجتمعي، أما عن العوامل التي تحكم تبني المجالس لإحدى المقاربتين فتعود إلى:
انخرط جزء من المجالس في إدارة الأمن المحلي بشكل مباشر، وبالاستقلالية تارةً وبالتعاون تارةً أخرى مع الهيئات المحلية المعنية بالأمر ([7])، وفي هذا السياق لجأت المجالس إلى تشكيل مكاتب أمنية أو مخافر شرطة شهدت تغيرات طالت هيكليتها ومهامها، ففي مرحلة السيطرة الآنية تم تشكيل مكاتب أمنية بهيكلية بسيطة وبما تيسر من موارد محلية، أما المهام الموكلة إليها فلم تتعدّ: حفظ النظام العام وحماية الممتلكات العامة من التخريب ورصد المتعاونين مع النظام. لم يكتب النجاح لتجربة المجالس الأولية في إدارة الأمن المحلي لتتلاشى تحت ضغط ثلاثة عوامل أساسية وهي:
أعادت المجالس المحلية تشكيل نفسها من جديد بعد نجاح فصائل المقاومة الوطنية بإخراج قوات الأسد من مناطقها، وفي حين لجأ بعضها إلى تشكيل هيئات أمنية تابعة لها بما تيسر لها من قبول شعبي وموارد ودعم لوجستي من قبل فصائل المقاومة الوطنية، فضلت مجالس أخرى تشكيل مكاتب أمنية كآلية للتنسيق مع الهيئات المعنية بالأمن المحلي ([8]) كفصائل المقاومة الوطنية ([9]) ومؤسسات القضاء المحلي ([10])، والشرطة الحرة. ([11]). وتعتبر تجربة المجلس المحلي لداريا مثالاً للنموذج الأول، حيث تشكل مركز الأمن العام في داريا من قبل الهيئة الرئاسية-تضم المجلس المحلي وقيادات فصائل المقاومة الوطنية-وكان من مهامه النظر في القضايا الأمنية المدنية والعسكرية على حد سواء. أما بخصوص الهيكلية الناظمة له فكانت وفق الآتي: قسم التحقيق، قسم السجن، قسم القضاء، قسم الدوريات، قسم الشؤون المدنية، قسم الشؤون العسكرية، الديون وقسم السجل المدني. ([12])
فضلت أغلبية المجالس الابتعاد عن لعب دور مباشر في الأمن المحلي مدفوعة بعدة أسباب منها:
بناءً على ما سبق لجأت المجالس إلى تركيز أولوياتها على توفير الخدمات الأساسية كأعمال ترميم البنية التحتية ومدّ شبكات المياه والصرف الصحي، إضافةً إلى القيام بمشاريع تنموية تسهم في إنعاش المجتمعات المحلية، واعتبار ما سبق ركائز أساسية مكمّلة لجهود شركائها في توفير الأمن المحلي.
تغلب اللامركزية بشكل عام على إدارة الملف الأمني في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية، وذلك نظراً لغياب جهة مرجعية مركزية تتولى إدارة هذا الملف لصالح جهات متعددة تؤدي أدواراً متباينة بحسب إمكانياتها وعلاقاتها والبيئة التي تنشط فيها، وإزاء تصاعد التهديدات الموجهة لأمن المجتمعات المحلية وكذلك للأمن الإقليمي والدولي يطرح السؤال حول مدى نجاح المجالس المحلية بالتعاون مع شركائها في أداء المهام الأمنية الموكلة إليهم فيما يتعلق بتثبيت مقومات الأمن المحلي وأبرزها: ترميم التماسك الاجتماعي واحتواء الفوضى الأمنية وردع التهديدات الأمنية القائمة ومحاربة الإرهاب. استناداً إلى ما سبق سيتم تقييم هيئات الأمن اللامركزية للمعارضة وفق معيارين هما: مؤسساتية العمل الأمني لدى المجالس المحلية والهيئات المعنية بالأمر، ومدى النجاح في أداء المهام الوظيفية الموكلة إليهم.
تشتمل أي مؤسسة على ثلاثة مقومات أساسية وهي:
حالت أسباب بنيوية وموضوعية دون تطوير العمل المؤسساتي في الهيئات المسؤولة عن إدارة الأمن المحلي، ويشكل ما سبق جزءاً من إشكالية أعم تعاني منها المعارضة تتمثل بعدم تمكنها من بناء مؤسسات متكاملة بديلة لنظام الأسد، لأسباب يتصل بعضها بفكر وإدارة قوى المعارضة وتناقضاتها الداخلية، وأخرى تتصل بنظام الأسد والقوات الموالية له وسعيهم الدائم لإجهاض أي محاولات جدية لبناء مؤسسات بديلة وذلك عبر استهدافها بأدوات عسكرية كتدميرها بعمليات القصف الجوي المكثفة، وأخرى سياسية عبر إلغاء تواجدها وتضمين ذلك كشرط أساسي في اتفاقيات التفاوض المحلي.
ومن مظاهر افتقاد هيئات الأمن اللامركزية للطابع المؤسساتي:
تشهد المناطق التي تديرها المجالس المحلية فوضى أمنية بحكم ضعف مأسسة هيئات الأمن المحلية ومحدودية قدراتها من جهة، إضافةً إلى تزايد مستوى التهديدات التي تتعرض لها من قبل نظام الأسد والقوات الموالية له من جهة أخرى، ومن أبرز مؤشرات الفوضى التي تعيشها مناطق المجالس:
تعمل هيئات الأمن المحلية اللامركزية جاهدة على تعزيز أدائها الأمني وتحقيق مهامها الوظيفية، إلا أنها تدرك صعوبة ما سبق في ظل تواجد تحديات عدة تعوق مساعيها للتخفيف من الفوضى الأمنية التي تشهدها مناطقها، وفي حين يتصل جزء من التحديات بالبيئة الداخلية لعمل تلك الهيئات، فإن الجزء الأكبر منها يتأتى من البيئة الخارجية التي تنشط فيها هيئات الأمن المحلية والتي يمكن وصفها بأنها بيئة معقدة ذات صراعات مركبة ومخاطر عالية ومن أبرز هذه التحديات:
الشكل البياني رقم (1): غارات النظام وروسيا على المناطق المدنية الخاضعة لسيطرة فصائل المقاومة الوطنية
الشكل البياني رقم (2): عمليات تنظيم "الدولة الإسلامية" بين يناير ونوفمبر 2016
يفترض التغلب على التحديات السابقة العمل على إيجاد مقاربة جديدة ذات رؤية واضحة حول إدارة الأمن المحلي، تنطلق من تحديد الأهداف وترجمتها إلى استراتيجية متكاملة توظف ما هو متاح للوصول إلى ما هو مأمول وفق قاعدة تلاقي المصالح وتبادل الأدوار بين القوى المحلية. وضمن ما سبق يقترح مجموعة من التوصيات العامة:
تولي المجالس المحلية أهمية لملف الأمن المحلي نظراً لمخاوفها من تنامي حالة الفوضى الأمنية وانعكاسها سلباً على استمراريتها وأدائها، ولهواجسها المحقّة من أن تغلب على أجندات الدول المنخرطة في الصراع السوري الاعتبارات الأمنية عوضاً عن التركيز على اعتبارات الاستقرار المجتمعي والسياسي.
ونظراً للتمثيل المجتمعي الذي تحوزه المجالس فإنها مُطالبة بلعب دور رئيسي في توفير الأمن المحلي سواءً بالتصدي للتهديدات الأمنية من خلال انخراطها المباشر في الملف الأمني وإدارتها لجهود الهيئات المحلية المعنية بالأمر، أو عن طريق معالجتها للتهديدات التي تستهدف استقرار مجتمعاتها المحلية من خلال توفير الخدمات الأساسية، والقيام بمشارع تنموية تسهم في تثبيت مقومات الاستقرار المجتمعي.
إلا أن الجهود المبذولة من قبل المجالس وشركائها المحليين فيما يتعلق بإدارة الأمن المحلي لم ترقَ بعد إلى المستوى المطلوب، نظراً لضعف المأسسة وانخفاض الفعاليّة، الأمر الذي يجعل الفوضى الأمنية الحالة السائدة وما تمثله من مخاطر جدية تتهدد مشروع المجالس المحلية. وأمام ما سبق فإن المجالس وشركاءها معنيون بإيجاد مقاربة جديدة ذات رؤية واضحة حول إدارة الأمن المحلي، ذات أهداف محددة يتم ترجمتها إلى استراتيجية متكاملة توظف ما هو متاح للوصول إلى ما هو مأمول وفق قاعدة تلاقي المصالح وتبادل الأدوار بين القوى المحلية، وما يتطلبه ما سبق من العمل على إعادة هيكلة الهيئات المعنية بالأمن المحلي بالشكل الذي يضمن اتساقها مع المتطلبات الأمنية للمرحلة الراهنة والانتقالية، وكذلك مخرجات الحل السياسي.
([1]) تعتبر بصر الحرير في درعا من المناطق التي لم تشهد عمليات اغتيال في عام 2015 نظراً لوجود جهة واحدة تتولى إدارة العمل الأمني إضافة إلى أسباب أخرى، للمزيد مراجعة، يعرب عدنان، رئيس اللجنة الأمنية في (بصر الحرير): إنشاء وحدات أمنية في مناطق سيطرة الثوار سيحد من الاغتيالات، كلنا شركاء، تاريخ 15-11-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/nK1e8F
([2]) يذكر أن المجلس المحلي لمدينة داريا أعلن عن حل نفسه بعد أن اضطر للخروج من مدينة داريا إلى محافظة إدلب نتيجة الضغط العسكري الذي مارسه النظام وقواته الموالية له على المدينة لمدة تزيد عن أربعة سنوات، للمزيد مراجعة، بيان حل المجلس المحلي لداريا، الصفحة الرسمية للمجلس المحلي لمدينة داريا على الفيس بوك، تاريخ 24-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/ERNwzt
([3]) ساندي عيد، مجلس “مشمشان” المحلي بريف إدلب يعلق أعماله جراء القصف ويطلق مناشدات لإغاثة الأهالي، راديو الكل، تاريخ 17-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/bmHJLT
([4])استشهاد رئيس المجلس المحلي لمدينة قطنا، الموقع الرسمي للمجلس المحلي لمدينة قطنا على الفيس بوك، تاريخ 24-5-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/hBgwxD
([5]) توجد في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية أربعة تجارب شرطية رئيسية وهي: 1) الشرطة الحرة في محافظتي حلب (1-10-2012) وإدلب (1-7-2014) حيث تضم ما يقارب من 3000 عنصر متوزعة على 50 مركز في محافظة حلب و33 في محافظة إدلب، ويجري حالياً العمل على تشكيل الشرطة الحرة في محافظة درعا ومراكز أخرى في ريف دمشق وحمص وبعض مناطق حماة، وربطها مع بعضها بهيئة عامة للشرطة الحرة، في حين تم تعليق العمل بمشروع الشرطة الحرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في محافظة اللاذقية. 2) قيادة الشرطة في الغوطة الشرقية: تشكلت عقب اندماج شرطة الغوطة الشرقية_ القطاعين الجنوبي والأوسط للغوطة وجزء من قطاع المرج_ مع مديرية الشرطة في منطقة دوما وتوابعها، عام 2014 وذلك إثر تشكيل القيادة الموحدة في الغوطة، يقدر عدد أعضائها بـــ 700، 3) قيادة شرطة القلمون الشرقي والبادية: شكلت بهدف مواجهة تمدد تنظيم "الدولة الإسلامية"، 4) قوى الأمن الداخلي في الرستن: تشكلت الشرطة الثورية في الرستن بتاريخ 24-3-2012 من المنشقين عن جهاز الشرطة ويقدر عدد أفرادها ب 30. ما سبق جزء من ورقة بحثية غير منشورة بعنوان "الأمن في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بين الواقع والضرورة".
([6]) من أبرز الهيئات القضائية المتواجدة في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية: 1) مجلس القضاء الأعلى في حلب: تأسس المجلس في 30-7-2015 بتوحد سبع محاكم في حلب وريفها، 2) محاكم الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة: يقدر عددها بــ11 محكمة تنتشر في محافظة إدلب وجزء من ريف حماة، 3) مجلس القضاء في الغوطة الشرقية: تأسس في 24-6-2014 بتفويض من معظم الفصائل العاملة في الغوطة الشرقية والتي يقدر عددها آنذاك بــ "17" فصيل، 4) دار العدل في حوران: تشكلت في تشرين الثاني 2014 وتشمل سلطتها المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المقاومة الوطنية في محافظتي درعا والقنيطرة، 5) المحكمة العليا في ريف حمص الشمالي: تشكلت في 1-10-2014 وتضم محاكم: الرستن، تلبيسة، الزعفرانة والحولة، 6) محاكم جبهة فتح الشام "المحاكم الشرعية". ما سبق جزء من ورقة بحثية غير منشورة بعنوان "الأمن في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية بين الواقع والضرورة".
([7]) أشار مصدر مطلع من مجلس محافظة حماة إلى وجود مكاتب أمنية لدى جزء من مجالس المحافظة تمارس مهام الشرطة، في حين تعتمد مجالس أخرى على فصائل المقاومة الوطنية، حديث أجراه الباحث مع المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 14-11-2016، كذلك أشار رئيس مجلس محافظة حمص إلى وجود مكاتب أمنية ومخافر للشرطة تتبع للمجالس المحلية تقوم بعملية حفظ الأمن المحلي رغم محدودية قدراتها، حديث أجراه الباحث مع مجلس محافظة حمص على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 1-11-2016.
([8]) أكد أسامة البردان، رئيس مجلس محافظة درعا الحرة إلى تعاون مجلس المحافظة مع محكمة العدل والفصائل الثورية لوقف الفوضى الأمنية، للمزيد مراجعة، عطاف الأحمد، محافظ درعا الحرة: مجالسنا المحلية "ثورية بامتياز"، الخليج أون لاين، تاريخ 9-12-2016، رابط إلكتروني http://klj.onl/SfINj.
([9]) جانب من إزالة المخالفات والتجاوزات والتعديات على خطوط كهرباء مضخات المياه التي تغذي عدد من مدن وقرى ريف درعا الشرقي بالتعاون بين المجلس المحلي لمدينة بصرى الشام وفرقة شباب السنة، للمزيد مراجعة، الموقع الرسمي لمجلس مدينة بصرى الشام، تاريخ 7-5-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/rEooTa، كذلك أشار الأستاذ زهير السلوم رئيس مكتب المشاريع في المجلس المشترك لتجمع ركايا إلى وجود علاقة جيدة تربط المجلس بالفصائل العاملة في منطقة المجلس، حديث اجراه الباحث مع الأستاذ زهير السلوم على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 6-11-2016,
([10]) اقترح مجلس إدارة مدينة بنش بالتنسيق مع الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة على المجلس المحلي تشكيل لجنة لضبط هذه المخالفات، ووضع نظام لآلية عملها، للمزيد مراجعة، المجلس المحلي لمدينة بنش يشكل لجنة لضبط مخالفات المياه، المبادرة السورية للشفافية، تاريخ 25-6-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/27EtPq
([11]) أشار الأستاذ أكرم طعمة نائب رئيس الحكومة المؤقتة في حديث مع الباحث إلى اعتماد المجالس المحلية في الغوطة الشرقية على قيادة الشرطة في توفير الأمن، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ أكرم طعمة على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 10-11-2016، أيضاً، يعتبر رئيس النقطة الشرطية التابعة للشرطة الحرة في محافظتي حلب وإدلب عضو في المجلس المحلي دون أن يمتلك حق التصويت، كما تمارس المجالس حق الرقابة والتوجيه على عمل مراكز الشرطة الحرة القائمة في مناطقها، مقابلة أجراها الباحث مع الملازم أول عاشق محمد ضابط الارتباط لدى الشرطة الحرة في محافظة حلب، غازي عينتاب، تاريخ المقابلة 5-11-2016.
([12]) رامي سويد، نظام الإدارة المدنية في داريا واستقلال المؤسسة الأمنية، الغربال، تاريخ 22-2-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/QUf5Qz، أيضاً مراجعة، زين كنعان، الأمن العام في داريا يشدد الرقابة على الأسعار، عنب بلدي، 21-2-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/FB9OC9، أيضاً، حملة أمنية واسعة في داريا، وإلقاء القبض على مطلوبين للعدالة، عنب بلدي، تاريخ 5-10-2014، https://goo.gl/lEhMT8.
([13]) يمكن تعريف الشرعية بحسب ميشيل دوبريه بأنها: استناد الحكام إلى احتياطي من الدعم الانتشاري، بمعنى أن يكون الحكام والمؤسسات التي يمارسون السلطة من خلالها، والسياسات العامة التي يضعونها متوافقة مع معتقدات المحكومين وقيمهم وميولهم ومشاعرهم أو لا تبتعد عنها صراحة. أما المشروعية فأنها تعني: مدى التزام المؤسسات والحكومة بالقانون والدستور.
([14]) أشار الأستاذ محمد حمادة عضو مجلس محافظة حلب الحرة إلى إشكالية تعدد القوى المسيطرة وغياب مرجعية واحدة متفق عليها بين القوى الأمر الذي يفضي إلى خلافات دائمة، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ محمد حمادة على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 11-11-2016.
([15]) أشار الملازم عاشق محمد ضابط الارتباط لدى الشرطة الحرة في محافظة حلب في حديث مع راديو الكل إلى نقص المعدات والآليات اللازمة للعمل الشرطي، للمزيد أنظر هل استطاعت الشرطة الحرة ضبط الوضع الأمني في إدلب وحلب؟ وما أبرز التحديات؟، راديو الكل، تاريخ 19-3-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/jMvqdO
([16]) دراسة مقارنة وفق مخطط بياني لنسبة الجرائم والحوادث خلال الاشهر الستة الاولى من بداية العام 2016 مع مثلها من نفس الفترة الزمنية في العام 2015، الموقع الرسمي لشرطة محافظة حلب الحرة على الفيس بوك، تاريخ 25-8-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/rrV3A6
([17]) ملفات ساخنة: الاغتيالات المجهولة داخل سوريا وخارجها. الأسباب والأبعاد، الاتحاد برس، تاريخ 12-1-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/FmV5B9
([18]) عروة خليفة، عن بنية التنظيمات السلفيّة في سوريا: جيش الإسلام نموذجاً، الجمهورية، تاريخ 9-9-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/OqkkZD
([19]) آمنة رياض، محكمة جنوب دمشق" تطلق برنامج لمعالجة مدمني المخدرات لديها، سمارت، تاريخ 27-10-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/m4xMB6
([20]) عصابات تحرم حلب المحررة من الكهرباء. وإدارة الخدمات تدعو للاستنفار الأمني، راديو الكل، 18-1-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/ELY3hX
([21]) عبد الرحمن الحوراني، انتشار السلاح وعبوات "داعش" تتسبب بانفلات أمني في درعا، الصوت السوري، 6-10-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/oo9LDR
([22]) أهم 4 آثار سلبية للاقتتال الداخلي بين فصائل الثورة السورية، ميكرو سورية، تاريخ 16-11-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/YqKkQb
([23]) حول استهداف المجلس المحلي لمحافظة اللاذقية، الموقع الرسمي للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، تاريخ 23-3-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/Wv9ARx
([24]) اعتبر مصدر من مجلس محافظة حماة عمليات القصف المكثفة التي تشنها روسيا والنظام إضافة إلى العمليات العسكرية للميليشيات الشيعية أبرز ما يتهدد أمن المجتمعات المحلية، حديث أجراه الباحث مع المصدر على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 14-11-2016.
([25]) تجدر الإشارة إلى أن الأرقام الواردة في الرسم البياني تشمل عدد غارات الطيران الحربي المنفذة ضد مراكز مدنية فقط دون احتساب غارات البراميل، أما بخصوص عدد الصواريخ التي تُطلق في كل غارة فمتباينة تبعاً لنوعية الطيران، فمثلاً يقدر عدد الصواريخ التي يطلقها النظام في كل غارة جوية بين 9-15، في حين يرتفع العدد تقريباً بين 12-24 صاروخ في كل غارة للطيران الروسي. وحدة الرصد والمعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.
([26]) أشار محمود الدالي رئيس مكتب التواصل بقوى الأمن الداخلي في الرستن إلى تواجد 180 شرطي منشق عن النظام في الرستن، 25 منهم يعمل فقط في قسم الشرطة في الرستن في حين أن البقية يعلمون بأعمال حرة أو انتموا للفصائل بحثاً عن مردود مادي، حديث أجراه الباحث مع محمود الدالي رئيس مكتب التواصل بقوى الامن الداخلي في الرستن على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ المقابلة 4-11-2016، كذلك اعتبر الأستاذ أكرم طعمة نائب رئيس الحكومة المؤقتة الدعم المادي إحدى أبرز التحديات التي تواجه عملية توفير الأمن المحلي، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ أكرم طعمة على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 10-11-2016.
([27]) اعتبر الأستاذ زهير السلوم رئيس مكتب المشاريع في المجلس المشترك لتجمع ركايا تعدد الفصائل في منطقة عمل المجلس أحد الإشكاليات التي تعوق عملية توفير الأمن المحلي، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ زهير السلوم على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 6-11-2016.
([28]) يظهر الشكل البياني قلة عدد العمليات التي نفذها تنظيم الدولة الإسلامية ضد مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية ولهذا تفسيرين: 1) نجاح هيئات الأمن المحلية للامركزية للمعارضة في إحباط عدد كبير من العمليات الانتحارية للتنظيم وتفكيك شبكات كثيرة تابعة له، 2) اتباع التنظيم أسلوب الهجمات النوعية وهو ما يستدل عليه بنوعية القيادات المستهدفة في مناطق المعارضة. ملاحظة: الأرقام الواردة في الشكل البياني مقتبسة من الإحصائيات التي ينشرها تنظيم الدولة على موقع وكالة أعماق الإخبارية.
([29]) اعتبر الأستاذ أسامة الحسين مفوض المجلس المحلي لمدينة سراقب في الخارج، التنظيمات الجهادية أبرز مصادر التهديد التي تواجه الأمن المحلي نظراً لطبيعة عملها وقيامها بعمليات أمنية، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ أسامة الحسين على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 11-11-2016.
([30]) وفا مصطفى، جبهة "النصرة" تداهم مراكز الشرطة الحرّة في إدلب، العربي الجديد، تاريخ 8-7-2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/lYX0JD
([31]) يؤكد رئيس مجلس محافظة حمص وجهة النظر هذه، حيث يرى أن جميع العوامل سواءً كانت ذات منشآ أمني أو اجتماعي أو اقتصادي، تسهم في تهديد الأمن المحلي، إلا أن لبعضها أثر أكبر مقارنة بغيرها، حديث أجراه الباحث مع مجلس محافظة حمص على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 1-11-2016.
([32]) مقابلة أجراها الباحث مع الملازم أول عاشق محمد ضابط الارتباط لدى الشرطة الحرة في محافظة حلب، غازي عينتاب، تاريخ المقابلة 5-11-2016
([33]) اعتبر الأستاذ محمد عضو المجلس المحلي لجوبر انقسام الفصائل وتعدد ولاءات المكاتب الأمنية القائمة من أبرز الإشكاليات التي تواجه عملية توفير الأمن المحلي، حديث أجراه الباحث مع الأستاذ محمد على وسائل التواصل الاجتماعي، تاريخ 9-11-2016.
مضت عجلة الحراك الثوري السوري إلى الأمام خلال ست سنوات طاحنة، تغيرت فيها ثوابت كثيرة، وشهدت تغييرات عديدة، وعلى المستويات كافة. ودخلت هذه العجلة في مراحل متعدّدة، اختلطت فيها لحظات الانتعاش مع الانكسار، الوجع مع الأمل، التمدّد والتقلص ...إلخ، وشهدت انعطافات وانتقالات متسارعة في مستويات عملها، واتسمت مآلاتها باحتمالات ظهور متغيّر، يمنحها هوامش عمل جديدة، يعيد خلط الأوراق، ويؤجل الحسم لأي طرفٍ كان، إلا أنه، وبعد زلزال حلب أخيراً، والتداعيات السلبية المتدحرجة على بنية المعارضة وتوجهاتها ووظائفها، وما لحقها من استثمار سياسي روسي، أنتج ما عرف بإعلان موسكو الذي يعرّف الملف السوري بالاتساق مع المخيال الروسي الصرف، فقد بات لزاماً على المعارضة السورية إدراك أزمتها العميقة، وطبيعة امتحاناتها الحالية والمؤجلة. حيث إنه، وعلى الرغم من أن أحد أهم قراءات نتائج معركة حلب بأنها نتاج طبيعي لتضافر (وتنامي) عدة سياقات، تتعلق بمفهوم "إدارة الأزمة"، أفرزت استفراداً روسيّاً أخلّ "التوازن النسبي" الذي كان متحكّماً في المعادلة العسكرية خلال سني الصراع المسلح، إلا أن أهم هذه القراءات وجوهرها يؤكد على العوامل الذاتية الكامنة وراء الخسارة الاستراتيجية لحلب، وفقدان عنصر التأثير في جيوب وجبهات كثيرة، لا سيما في الجنوب وحول العاصمة، وتتمثل في سياسة معظم فعاليات المعارضة (السياسية والعسكرية والمدنية والدينية) في دفع استحقاقاتها إلى الأمام، بغية التهرّب منها، لعدم امتلاكها القدرة على مواجهة تلك الاستحقاقات على المستوى البنيوي تارةً، ولعدم امتلاك القرار الوطني المفضي إلى مواجهة التحديات والامتحانات الداخلية تارات عدة.
وأمام أسئلة واقع "ما بعد حلب" التي لم تعد تقبل التأخير والتسويف والمماطلة، تتدافع ثلاث دوائر مهمة في المجال العام للمعارضة والثورة للإجابة عنها، فالأولى أتت من داخل الجسد العسكري، ولا سيما شقه الفصائلي "الإسلامي"، باحثاً عن "توحيد عابر للفصائلية"، إلا أنه يتجاهل قصداً تحديات الاندماج والتوحيد الفكري ومتطلبات مراجعة المستندات الناظمة لهذا العمل، فنجدها لا تزال تتجاوز الثورة لصالح مشاريع سلطة عقدية سياسية بديلة، ولا تراعي ما تكتنفه الجغرافية السورية من ارتكاساتٍ تتحمل بوصلات عمل هذه الفصائل الجزء الأهم منها، هذا البحث عن صيغ جديدة، بالمضامين الفكرية والسياسية نفسها، لا يخرج عن كونه حركة براغماتية ضيقة الأفق، ستجعل أسباب الحريق والتشظّي السوري مستمرة.
"بات لزاماً على المعارضة السورية إدراك أزمتها العميقة، وطبيعة امتحاناتها الحالية والمؤجلة"
أما الدائرة الثانية فتنبع من الحواضن الشعبية المثقلة بالغضب والألم، وباتت تحت نصل "المصالحات" التي تبتزهم بملفات إنسانية مغرقة في البساطة، في وقت يصدّر النظام هذا التطويع والتجويع والتركيع على أنه "نصر مبين"، أو أمام فوهة البندقية المسلطة عليها من كل الأطراف الفاعلة أرضاً وبرّاً، إذ تجهد هذه الحواضن لتوسيع هوامش فاعليتها عبر الضغط باتجاه مأسسة العمل العسكري الثوري، وضرورة تماهيه مع الثورة ومطالبها؛ والدفع باتجاه اتباع استراتيجيات عمل بديلة، تجنب البنى المحلية أكبر قدرٍ ممكن من الأضرار، عبر تركها للفاعلين المدنيين، وتغيير طبيعة العناصر العسكرياتية المتبعة في "إدارة العمليات"، كتعزيز مفهوم التحصين والهندسة العسكرية، واتباع نهج المهام الخاصة وتكتيك التموضع المتبدل/ المرن، وتبقى سياسة الضغط تلك رهينة فواعل عسكرية، تتحمّل مسؤوليتها التاريخية في "استيعاب المرحلة" والانسجام وظيفياً مع متطلباتها، ويتحكّم بها هامش الزمن الضيق جداً لسياسة الاقتلاع والتهجير التي قد تطاول تلك الحواضن، وتلغي أثر أي ضغط لها.
والدائرة الثالثة، والتي تعد حركيّتها الأكثر خجلاً، والأقل إدراكاً لمآلات المشهد التي تنبئ بتجاوز سكة الحل التي ترتسم لبنيتها، وللأدوار المحتملة كافة، وهي دائرة الممثلين السياسيين، كالائتلاف والهيئة العليا والأحزاب والتيارات التقليدية على سبيل المثال، إذ اتسمت تلك الحركية بالتثاقل، نظراً لأسبابٍ تتعلق بكمون العطالة التي تكتنف هياكلها من جهة، والتسليم لمبدأ استلاب القرار الوطني من جهة أخرى. وكانت ردة فعلها محصورةً ما بين تنظير عبر الفضاء الإلكتروني بشكل يكرس فقدانهم آليات تفعيل الرؤى، أو الاستقالة الشخصية في محاولةٍ منهم للتبرئة من مسؤولية ما جرى، أو لفقدان الأمل في أية فعاليةٍ، ترتجى من تلك الأجسام. وفي المقابل، غاب عن هذه الدائرة أن هذه الأحداث فرصة حقيقية للبدء بامتلاك أدوات التمكين والمبادرة، وتصحيح التشويه الحاصل في العلاقة بين السياسي والعسكري، وإعادة تعريفها بشكلٍ يضبط الحركة العسكرية بعقارب القيادة السياسية، إذ كان متوقعاً منها أن تتبنى مبدأ "حسن إدارة الأزمة"، عبر تشكيل غرف عمليات مستمرة، تستطيع بها توظيف الإنجاز العسكري سياسياً، أو تقلل من تبعات الخسارة، عبر جولات تفاوضية تتيح لها هوامش حركةٍ ما، وتلك هي أبجديات العمل السياسي. أما الاستسلام الكلي لزخم الأحداث وعدم امتلاك القدرة على هضمها وإنتاج مقاربات مواجهةٍ ناجعة فيجعل شخوص هذه المؤسسات غير مؤهلين لقيادة مدرسة ابتدائية، وليس إدارة ملفات وطنية.
وما بين تلك الدوائر وصعوبة الآتي، ينتظر من المعارضة السورية في هذه المرحلة أن تدرك خطورة بقائها كما كانت عليه (سياسةً وأدوات وهياكل)، وأن تجهد في اتباع استراتيجيات ثلاث. الأولى استيعاب الأزمة، والعمل على احتوائها عبر إبداء "التوازن" السياسي للحركة العامة، وعدم الإغراق بجلد الذات بهدف جلد الذات فقط، والتمسّك بأوراق القوة المتبقية في حوزتها، كالشرعية التمثيلية، سواء على المستوى السياسي الدولي والإقليمي، أو على المستوى المحلي ونماذج الحكم المحلي الناشئة، أو حتى ما هو متعلقٌ بتوازن الردع في دمشق ومحيطها، والابتعاد عن اندماجات غير متسقةٍ ومتسرعةٍ، تحمل في طياتها أسباب الانحلال والتصدّع النهائي، وذلك كله بالتوازي مع تفويض مجموعة ورش عمل مغلقة للتقييم والمراجعات والحسم في تعريف العلاقة مع كل المشاريع العابرة للثورية، وللتباحث أيضاً في آليات التغيير، وتذليل كل أسباب العطالة، وامتلاك مقومات الصمود والاستمرار.
"ينتظر من المعارضة السورية في هذه المرحلة أن تدرك خطورة بقائها كما كانت عليه سياسةً وأدوات وهياكل".
تنبع الاستراتيجية الثانية أولاً من ضرورات صد استراتيجية النظام التي تطمح لتركيع مناطق سيطرة المعارضة في الوسط والجنوب السوري، عبر سلاح المصالحات، وذلك بإعداد خطةٍ متكاملةٍ لتحويلها إلى هدن تتوازن فيها شروط كل الأطراف، وتقوم على عنصرين رئيسيين، تثبيت جبهات الصراع بإشراف دولي، ووحدة مصير المناطق المهادنة، والتي ستضمن عرقلة سياسة الاستفراد التي ينتهجها النظام، كما ترتبط هذه الاستراتيجية عضوياً بخيار المواجهة الوجودي مع المشروع الإيراني، والعمل على الاستمرار بضربه سياسياً وعسكرياً. بينما تتعلق الاستراتيجية الثالثة بخيارات المواجهة الدبلوماسية، وقبول كل التحديات المفروضة، وعدم ترك أي شاغر في سياق أي مفاوضات محتملة، واستكمال أي أعمال تتعلق ببرامج ورؤى وآليات تنفيذية، تسهم في التغيير والانتقال السياسي. وهذا نابعٌ من ضرورات الحضور التي تفرضه الواقعية أولاً، والانتقال إلى أدوات النضال السياسي، بحكم التقهقر العسكري ثانياً.
ولعلي أختم بالقول إن كتب مؤرخي التاريخ في صفحاتهم أن المعارضة السورية استطاعت عبور هذا النفق المظلم، فذاك حكماً سيكون مردّه تبلور مفهوم الارتقاء إلى مستوى الحدث ومسؤولياته، ولقدرتها على العودة، والالتحام مع ثورة شعبٍ، يستحق العزة والحرية والكرامة. وإن لم يكتب أولئك المؤرخون ذلك، فلا تلومن المعارضة إلا نفسها، لأنها أضاعت الفرصة، وفشلت في امتحانها الوجودي، وساهمت، بشكل أو بآخر، في مأساة الوطن والمواطن السوري.
شكلت معرفة طبيعة التوجه الروسي الجديد -الرامي لإعادة تعريف ملفات المنطقة وفقًا لمخيال موسكو التي قررت العودة النوعية للمنطقة بعد انكفائها إبان فرط العقد السوفياتي – محددًا رئيسيًا لمعظم الفاعلين في المنطقة ابتداءً من دول الخليج لا سيما السعودية التي تختبر قدرتها في تحمل التمدد الإيراني المطوق لها والذي انتعش بعد التمكين الأوبامي له.
إن المتغير العميق والذي كاد أن يكون ثابتًا رئيسيًا في الملف السوري هو أن التدخل الروسي المباشر في سوريا أواخر 2015 قد حجم إلى حد بعيد الطموحات الناشئة لدى قوى الإقليم، وفرض عليها أن تنسج سياساتها النابعة من ضرورة كبح لجام التهديد الأمني المباشر وفق المنوال البوتيني. إن المتغير العميق والذي كاد أن يكون ثابتًا رئيسيًا في الملف السوري هو أن التدخل الروسي المباشر في سوريا أواخر 2015 قد حجم إلى حد بعيد الطموحات الناشئة لدى قوى الإقليم، وفرض عليها أن تنسج سياساتها النابعة من ضرورة كبح لجام التهديد الأمني المباشر وفق المنوال البوتيني، إذ شكلت معرفة طبيعة التوجه الروسي الجديد - الرامي لإعادة تعريف ملفات المنطقة وفقًا لمخيال موسكو التي قررت العودة النوعية للمنطقة بعد انكفائها إبان فرط العقد السوفياتي – محددًا رئيسيًا لمعظم الفاعلين في المنطقة ابتداءً من دول الخليج لا سيما السعودية التي تختبر قدرتها في تحمل التمدد الإيراني المطوق لها والذي انتعش بعد التمكين الأوبامي له.
الأمر الذي جعل من مبدأ تغير التموضع وإعادة التركيز هي السياسة الأكثر استراتيجية للملكة وبناء قاعدة مشتركات مع الروس يتيح لحركتهم وفاعليتهم الإقليمية التوازن والفعالية المتخيلة، ومرورًا بإيران التي استنجدت بموسكو لإنقاذ نظام الأسد المتداعي تحت ضربات المعارضة لا سيما في إدلب والغوطة والساحل السوري، والتي وجدت نفسها مجبرة على أن تتماهى مع منطق الروس الذي يتعدى تفاصيل المشهد السوري لصالح توازنات النظام العالمي، وأن تحاول استغلال الهوامش دون التعرض للخطوط العامة.
ولزامًا وصل هذا المحدد لأنقرة التي اضطرت لتغيير تكتيكاتها مرارًا وتكرارًا تخوفًا من تداعيات "التورط والاستدراج الدولي" تارةً وبحكم تفاعلات بنيتها المحلية التي كبلت حركة سياساتها الخارجية وعززت من احتمالات الترابط العضوي بين المهدد الأمني المحلي مع الإقليمي تارة ثانية، واتساقًا مع متطلبات الخروج من "فخ المتربصين" الذي وصل حد الانقلاب الذي فشل تارة ثالثة، لتجد الحكومة التركية نفسها أمام مراجعات لا تقبل التأجيل فصاغت سياسة "تقليل الأعداء وكسب المزيد من الأصدقاء" التي تعد تصحيحًا موضوعيًا لسياسة تصفير مشاكل وهذا عزز من الاتجاهات الداعمة لتعزيز العلاقة مع روسيا "السيد الدولي الجديد في المنطقة".
"اتفاق وقف إطلاق النار الشامل الذي ستحاول موسكو إنجاحه ليتسنى لها البناء على هذا الوقف لإخراج "الحل السياسي" والانتقال كليًا إلى مستويات جديدة تعيد تعريف أطراف الصراع من نظام ومعارضة إلى حكم توافقي"
يشكل التفنيد العام أعلاه مدخلاً ضروريًا لفهم مخرجات المشهد السوري الراهن على المستوى السياسي والعسكري الذي تأثرت بشكل مباشر بتلاقي الأطراف المتدخلة بشكل مباشر في سوريا ( الروس – الإيرانيين – الأتراك)، وعدم اعتراض الدول المنخرطة بالصراع كالسعودية وقطر والأردن وطبعاً وقبل كل أولئك الولايات المتحدة الامريكية، ومن أهم مخرجات هذا المشهد هو إخراج كافة الجيوب الاستراتيجية للمعارضة من معادلات التأثير العسكري، وإلحاق الهزيمة المرة بها في حلب، و"إعلان موسكو" الذي يؤسس لمسار عملية سياسية تعجل من سكة الحل المتسق مع الفهم الروسي ويتقاطع بمدلولاته الأمنية مع هواجس تركيا وإيران.
"اضطرت تركيا لتغيير تكتيكاتها مرارًا وتكرارًا في الملف السوري تخوفًا من تداعيات "التورط والاستدراج الدولي" تارةً وبحكم تفاعلات بنيتها المحلية التي كبلت حركة سياساتها الخارجية وعززت من احتمالات الترابط العضوي بين المهدد الأمني المحلي مع الإقليمي تارة ثانية"
وأخيرًا وليس آخرًا اتفاق وقف إطلاق النار الشامل الذي ستحاول موسكو إنجاحه ليتسنى لها البناء على هذا الوقف لإخراج "الحل السياسي" والانتقال كليًا إلى مستويات جديدة تعيد تعريف أطراف الصراع من نظام ومعارضة إلى حكم توافقي يحارب أطرافه الإرهاب الذي سيكون لصيقًا بكل من يرفض هذا الحكم ولا يدعمه.
تدلل عمليات الهندسة السياسية أعلاه على توافر القدرة على تطبيقها ومضيها قدمًا للأمام، ويعود ذلك لامتلاك الأطراف المتبنية للإعلان (موسكو – طهران – أنقرة) القدرة الحقيقة على تنفيذ ودعم خارطة الطريق وامتلاكها لقنوات ضغط رئيسية على حلفائها المحليين، إضافة لتوافق هذه الهندسة مع ما كرسته سياسة أوباما من محددات وغايات، واتساقها – وفق التوقعات -مع تطلعات الرئيس القادم ترامب، ولكن الأسئلة التي تستوجب بحثًا معمقًا في إجاباتها كونها تؤثر على حركية هذه الهندسة كطبيعة الأدوار المنوطة بموسكو وأنقرة في هذه التفاهمات ومدى التوافق البيني لكافة الملفات المستعصية ومدى قدرتهما على التحكم الكلي في عناصر المشهد السوري، ناهيك عن التساؤل المركزي المتعلق بدور الفاعل الأمريكي بكل هذه التفاهمات.
أدركت أنقرة بعد محاولة الانقلاب الفاشل حاجتها المستعجلة لمقاربة سياسية أمنية مرنة تحجم بها المهددات الأمنية السائلة داخليًا وخارجيًا، فاعتمدت على أدوات صلبة في تدعيم تموضعها القوي في التفاعلات المحلية وقامت بتجفيف شبه كلي لكافة "البؤر التي تستهدف جسد الدولة" كجماعة فتح غولن التي تتهمها أنقرة بالوقوف وراء تلك المحاولة، كما زادت من وتيرة المواجهة العسكرية مع تنظيم البي كاكا.
ولأن الظرف الإقليمي مساعد لتنامي هذه المهددات اتجهت تركيا نحو سياسة أكثر حزمًا في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بتمدد تنظيمي داعش والـpyd على حدودها الشمالية، وهذا لم يكن بطبيعة الحال دون التنسيق مع الروس المتحكمين بمعادلات العسكرة لا سيما في الشمال السوري خاصة بعدما كسر الجليد المتراكم بين أنقرة وموسكو، إبان حادثة إسقاط الطائرة الروسية، عبر مرونة القيادة التركية وتعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة كمدخل تعززت فرضياته بعد وضوح التراخي المشترك في قضية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
"أدركت أنقرة بعد محاولة الانقلاب الفاشل حاجتها المستعجلة لمقاربة سياسية أمنية مرنة تحجم بها المهددات الأمنية السائلة داخليًا وخارجيًا"
إذًا عززت "الواقعية والبراغماتية" ضرورة التنسيق والاشتراك مع الروس في الملف السوري عبر بوابة مكافحة الإرهاب وتذليل الخواطر الأمنية وضبط الحدود الأمر الذي توافق أنقرة وموسكو حول مشروع درع الفرات (المكون من حلفاء محليين يتم دعمهم لوجستيًا وعسكريًا من قبل تركيا) والمضي باتجاه محاربة داعش وطرد الـ pyd من منطقة غرب الفرات وفرض منطقة عازلة بحكم التفاهم الأمني الروسي التركي، وبعد هذا الاختبار البيني الأولي أتت سياق معركة حلب التي أرادت موسكو إخراج المدينة من معادلات الصراع واستطاعت تركيا في إنجاح مفاوضات الاجلاء وإنهاء مآساة المدنيين، لتزداد مساحة الثقة البينية وزيادة مستوى التقارب السياسي، ليأتي مؤخرًا "إعلان موسكو" الذي رسم خطوط تنفيذية عامة للحل السياسي، ثم اتفاق وقف النار الأخير ليدلل على حجم المشتركات التي سار العمل على تعزيزها وفق سياسة خطوة بعد خطوة (step by step ).
لا يخرج اتفاق وقف إطلاق النار هذا عن كونه بالدرجة الأولى استمرارًا للجدولة الزمنية المتخيلة لمسار العملية السياسية كما يهندسها الروس، الذين يجهدون لإنجاز شوطًا كبيرًا في هذه الجدولة قبل استلام القيادة الأمريكية الجديدة وبلورة سياساتها الإقليمية ليس تحسبًا من تغييرات مفاجئة قد تحدثها هذه الإدارة فذاك احتماله قليل وفقًا للمؤشرات المترشحة حول توجهات ترامب وفلسفة فريقه السياسي والعسكري، والتي تثمن الدور الروسي في سوريا، وإنما لوضع أحجار أساس روسية في عملية بناء سورية القادمة والتحكم بميزاتها الجيوستراتيجية والقدرة على تعطيل أية ممرات طاقة محتملة من جهة ولتعزيز وريادتها الإقليمية عبر البوابة السورية من جهة، ولإكمال عقد التحالفات الإقليمية القائمة على تعزيز مبادئ الدكتاتورية وتقويض الثورات وتمكين مضاداتها من جهة ثانية، ولحرمان هذه القيادة من أي فاعلية محتملة إن طرأت متغيرات غير محسوبة في توجهاتها بحكم تعقيد وتشابك ملفات المنطقة السائلة التي تشكل ارتداداتها على اضطرابات مؤثرة على طبيعة النظام السياسي الإقليمي والدولي.
أما أنقرة فتهدف من خلال سعيها لتكون ضامنة لتنفيذ هذا الاتفاق إلى تعزيز شروطها الأمنية عبر الإجهاز التام لفكرة توصيل الكانتونات الكردية الثلاثة خاصة بعدما أنجزت عملية درع الفرات أهدافًا استراتيجية في شمال حلب غربي النهر، وتمنحها أولوية محاربة داعش في الرقة وبالتالي حرمان قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الـ pydعصبها الرئيس من أي مكسب سياسي يمكن الإدارة الذاتية لشمال سوريا.
"لا يخرج اتفاق وقف إطلاق النار هذا عن كونه بالدرجة الأولى استمرارًا للجدولة الزمنية المتخيلة لمسار العملية السياسية كما يهندسها الروس"
كما يعد هذا الاتفاق خطوة مهمة للتحويل العلاقة مع الروس لعلاقة استراتيجية وضرورية لإنجاز تفاهمات الحل السياسي وما بعده، تشكل موازنًا استراتيجيًا لعلاقة أنقرة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي جهدت طيلة فترة حكم أوباما لإدارة ملفات المنطقة بمقاربات توظيفية وبتكاليف زهيدة مغيبة مبدأ معالجة الأسباب لصالح نتائجها طالما أنها لا تتعارض مع مصالحها، ولتصحيح الخلل الحاصل في المعادلة الأمنية عبر دعمها للـ pyd التي تعتبره أنقرة امتدادًا عضويًا لتنظيم pkk المصنف إرهابيًا من قِبلها.
رغم امتلاك هذا الاتفاق -المبني على مساحات التوافق بين روسيا وتركيا - هوامش واسعة للنجاح إلا أنه يمتلك أسباب هشاشته أيضًا، خاصة عند إدراكنا أن طهران التي لا تعارض سياسيًا ودبلوماسيًا هذا الاتفاق إلا أنه لا يمكنها بنهاية المطاف التأقلم مع فكرة الحل السياسي وستبقى مغلبة فكرة الحسم العسكري والتغيير الديمغرافي والتفرد في التحكم بملفات النظام وحركية بنيته لأن سوريا المركز الاستراتيجي لمشروعها السياسي في المنطقة، ولا يمكن لها تحمل خسارته المتأتية من مبدأ المشاركة وما سيلحقه من مطالبات بإخراج أذرعها وتقويض فعالية حزب الله في سوريا التي ستنعكس حكمًا على تموضعه في لبنان.
كما يعد هذا الاتفاق اختبارًا حقيقيًا للضمانة الروسية فيما يتعلق بإجبار النظام وإيران على احترام وقف إطلاق النار، وهو أمر مشكوك به إذا ما أدركنا أن أي تسليم أو تغيير سياسي مهما كان شكليًا سيكون بمثابة شلل شامل لهيكلية هذا النظام ودعاماته من جهة ولأن فكرة الاستقرار والسلام من شانها إيقاف منسوب الشرعية التي بات يتحصل عليها مؤخرًا، وسيعزز من تحويل صراعاته البنيوية من كامنة لظاهرة وسيفقده أيضًا أي فرصة لإعادة امتلاكه القرار الأمني والعسكري في ظل الفوضى العارمة التي تعتري جسده.
"إيران لا يمكنها بنهاية المطاف التأقلم مع فكرة الحل السياسي وستبقى مغلبة فكرة الحسم العسكري والتغيير الديمغرافي والتفرد في التحكم بملفات النظام وحركية بنيته"
مما لا شك فيه أن العلاقة التركية والروسية قطعت أشواطًا مهمة في تعزيز عامل الثقة من خلال البوابة السورية وبعض الاتفاقيات الاقتصادية الاستراتيجية، إلا أنها لاتزال قيد الاختبار، وتسير وفق المبادئ البراغماتية وسياسات الحذر، وترتبط بديمومة وقف إطلاق النار، وعدم المشاغبة الإيرانية وبقاء الأمريكي في مقعد المتفرجين.
شكلت المجالس المحلية القائمة في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية أحد العناصر الرئيسية المتضمّنة في أطروحات الحل السياسي المجمّد، وفي الترتيبات المرافقة لاتفاقيات التفاوض المحلي الجارية، إلا أن حضورها فيما سبق تراوح بين القبول بها أو رفضها ولكل اعتباراته في ذلك، حيث ينطلق موقف الدول والمنظمات المؤيدة لإشراك المجالس المحلية للمعارضة في الترتيبات السياسية المحلية منها وعلى المستوى الوطني، من اعتبارات واقعية مفادها توظيف المجالس كإحدى آليات التدخل للتعامل مع الاحتياجات الطارئة للمجتمعات المحلية، وبالشكل الذي يخفف من حدة المأساة لا إلغائها من جهة، وكرافعة للحل السياسي على المدى البعيد لما تحوزه من كمون نابع من شرعيتها التمثيلية من جهة أخرى.
على الرغم من تلك الأهمية التي تحوزها المجالس، لا تقوم الدول والجهات المانحة بما يتوجب عليها لتقوية المجالس من حيث دعمها وإسباغ الشرعية القانونية عليها واعتمادها كقناة مركزية للتعامل مع المجتمعات المحلية، بل يلجأ بعض أنصار هذه المقاربة إلى إضعاف المجالس لصالح كيانات موازية أو تحويلها لمجرد وكلاء محليين، وكأنهم بذلك يفصحون عن مخاوفهم من تحول المجالس إلى فاعل مركزي لا يمكنهم السيطرة عليه، ليغلب على موقف هذا التيار بشكل عام احتواء المجالس وإبقاؤها تابعةً لا مستقلة، ومنفذةً فقط لا مبادرة.
بالمقابل يرفض النظام وحلفاؤه فكرة المجالس المحلية الشرعية انطلاقًا من إدراكهم للتهديد الذي تمثله على مصالحهم وسرديتهم، فمن جهة تعتبر المجالس المنتخبة والمعبرة عن إرادة مجتمعاتها ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى في التاريخ السوري الحديث، من حيث إنها تؤسس لشرعية حقيقية عبر تمكين السوريين من ممارسة حقهم المشروع في الانتخاب والترشح الحر والرقابة والنقد لأعمال المؤسسات العامة، وهو ما كان مغيبًا عن السوريين منذ استلام البعث للحكم وبالتالي كسر ادعاء النظام تمثيلَه للسوريين وإعادة إنتاج النظام السياسي والمجتمعي وفق قواعد جديدة مدنية وديمقراطية، الأمر الذي يدرك النظام خطورته على المدى البعيد.
كذلك تبقي المجالس الظاهرة المدنية للثورة متقدةً من حيث مساهمتها في إنعاش الحاضنة الشعبية المؤيدة للحراك الثوري بما تقدمه من خدمات تحول دون لجوء السكان إلى خيارات النزوح أو الهجرة أو التطرف بحثًا عن متطلبات المعاش اليومية، وبالتالي نسف سردية النظام وحلفائه بأن ما يواجهونه في سورية هو فقط إرهاب.
انطلاقًا مما سبق، يرفض النظام التعامل مع المجالس المحلية باعتبارها منظومة واحدة، وإن اضطر للتعامل معها أحيانًا فضمن اعتبارات الواقعية ليس إلا، وباعتبارها فاعلًا ثانويًا من جملة فاعلين محليين آخرين، أما الموقف الثابت للنظام فهو نسف فكرة المجالس بأدوات عسكرية وسياسية، حيث رفض النظام عبر وزير خارجيته مقترح الإدارة الذاتية في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المقاومة الوطنية المتضمن بقاء المجلس المحلي لمدينة حلب ومجالس الأحياء قائمة، كما أكد في اتفاقيات التفاوض المحلي التي يديرها حلفاؤه نيابةً عنه على أولوية حل هياكل الحوكمة المحلية، وترحيل كوادرها لمناطق أخرى كما حدث في داريا والمعضمية وقدسيا والهامة وحلب وغيرها من المناطق التي شملتها اتفاقيات التفاوض المحلي.
ومما يؤكد تعمد النظام وحلفاؤه نسف فكرة المجالس استهدافهم مقراتها وقياداتها بعمليات القصف الجوية المكثفة، التي يؤكد الخبراء العسكريون غياب البعد العملياتي العسكري لها وارتباطها بأهداف تخريبية بهدف زيادة الضغط على هياكل الحوكمة المحلية بالشكل الذي يضعف استجابتها تدريجيًا ويغيبها عن المشهد المحلي بالضرورة، أمام هذا الواقع المحكوم بين مقاربة لا تمنح المجالس مَنَعَةً وأخرى تريد إلغاءها، يطرح التساؤل التالي عن مآل المشهد المحلي بعد غياب هياكل الحوكمة المحلية.
للأسف لم تتم إثارة هذا التساؤل في خضم تداول نكسة حلب، حيث تركز النقاش على الجانب العسكري وعلى حسابات القوى الإقليمية والدولية التي قادت لهذه الخسارة، كما لم يتم التطرق إليه في معرض استشراف المرحلة المقبلة وخياراتها المتاحة.
وفي هذا الصدد يمكن القول إن غياب المجالس المحلية الشرعية سيضعف من الحالة المدنية للحراك الثوري، ويدفع بالكثيرين الفاقدين الأمل بالبدائل المدنية للجنوح إلى التطرف، كما من المتوقع أن يفضي غيابها إلى تصاعد موجات النزوح والهجرات داخل الجغرافية السورية وخارجها بحثًا عن الأمن ومتطلبات المعاش اليومية، وهو ما سيلقي بأعبائه على دول الجوار القريب وحتى على النظام نفسه، الفاقد للقدرة وللإمكانيات لإدارة شؤون السكان وتوفير احتياجاتهم الأساسية.
وبالتالي يمكن القول إن غياب المجالس المحلية سيؤدي إلى تعميق حالة الفوضى المحلية التي لا يملك أحدٌ القدرة على التنبؤ بمساراتها المستقبلية.
انطلاقًا مما سبق وأمام ما يفرضه علينا واجبنا تجاه سورية فإننا مطالبون كسوريين مؤمنين بالتغيير، بالحفاظ على المجالس المحلية ودعمها لأنها ما تبقى لنا من جمالية الثورة، وأملنا في الحفاظ على جذوتها متقدةً، وهي حصنها الأخير المتبقي لها بعدما طغت عليها الفصائلية المقيتة والتفرق ولم ينصت أيٌ لكلمة الحق أن توحدوا أو ارحلوا.
كان واضحاً منذ بيان فيينا في 30/10/2015 الذي أتى بُعيد التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية، أن موسكو تعمل وفق مقاربة سياسية عسكرية، قائمة على "تطويع الميدان" وضرب المعارضة السورية، وتحويل ذلك لمكتسبات سياسية توظفها لتعزيز سرديتها وتعريفها للملف السوري. كما غيبت روسيا أساس الصراع القائم على صراع سلطة ضد شعب لصالح نتائجه، وهو ليس الشكل الأفضل لتعزيز فرص استعادة شرعية حليفه (النظام الحاكم) فحسب، إنما هو المدخل الرئيس لتثبيت قواعد النفوذ الروسي في المنطقة ولتصدير قدرتها على المستوى الإقليمي والدولي في "ضبط تفاعلات وتحولات هذه المنطقة الجيوسياسية المهمة" مقابل "تعثر أمريكي يمتد لسنين"، وهو أمرٌ يُعزز تمركزها في النظام السياسي الدولي.
وبهذا السياق كان لا بد لموسكو من اتباع استراتيجية "الحل الصفري" على المستوى العسكري في سورية مستغلةً توظيف معادلة الإرهاب التي أرادتها الدبلوماسية الروسية سائلة. فضربت ابتداءً مناطق سيطرة قوى الثورة في الساحل وأخرجت كافة جيوبها من مساحات "سورية المفيدة" مُتبعة منهجية التهجير وصولاً لعودة السيطرة على حلب مؤخرا، وقابل كل ذلك هندسة سياسية روسية على مستوى الفاعلين الدوليين والإقليمين تكرس من خلالها فلسفة القيادة الروسية في التعاطي مع ملفات الربيع العربي بعد أن ضمن تدخلها العسكري المباشر اصطفافات إقليمية تغزل سياساتها الأمنية والسياسية بما لا يتعارض مع المنوال الروسي فكان "إعلان موسكو" الأخير بين طهران وأنقرة وموسكو حلقة رئيسية في تلك الهندسة. كما رافقها أيضاً إجهاضٌ دائمٌ لأية فاعلية تُرتجى من مجلس الأمن باستثناء قرار نشر المراقبين الدوليين رقم (2328) للإشراف على عملية الإخلاء كونه يعزز السيطرة الدائمة على مدينة حلب.
وأمام هذا التدحرج المتسارع للعناصر المكونة "لحل سياسي" والذي تتقصده موسكو للدفع بقواعد جديدة أمام القيادة الأمريكية القادمة، تتضاءل لدرجة كبيرة -وفق مستويات الصراع القائمة-فرص تحسين تموضع قوى المعارضة السورية وتعزز من شروط النظام. وبناءً عليه تقدم ورقة السياسات هذه استعراضاً عاماً لتداعيات معركة حلب والسياسات الأكثر نجاعة للمعارضة، إضافة لقراءة تحليلية في خلفيات إعلان موسكو وخارطة الطريق التي يؤسس لها، وحدود التباعد والتلاقي مع توجهات وأهداف المعارضة، وما هو الخيار التكتيكي الأمثل في التعاطي مع الإعلان. كما تفرد هذه الورقة في قسمها الأخير مجموعة من التوصيات الاستراتيجية تعالج تحديات قوى المعارضة –التي لطالما أجلتها ودفعت بها إلى الأمام-بحيث توفر لها مرونة سياسية ومستويات عمل نوعية تحسن من فرص هدفها النهائي والقائم على تعزيز مناخات التغيير والانتقال السياسي في سورية.
توضح معطيات معركة حلب الأخيرة جملة من الحقائق التي تعزز من تثبيت "قواعد نوعية" تساهم في نقل الصراع إلى مراحله الأخيرة وفق المخيال الروسي، وتسهم في إنجاز حل شكلي يرتجي منح النظام الحاكم مزيداً من الشرعية على الرغم من التشكيك الموضوعي لقدرته على مواجهة استحقاقات سورية القادمة، سواء على مستوى ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار المحلي والإقليمي أو على مستوى إدارة الفرقاء داخل بُنيته الهشة بعد أن اضطر لمنحها شراكة في وظائف أمنية وعسكرية واجتماعية سيادية. ولعل أهم هذه الحقائق ما هو مبين أدناه:
إلا أن هذا من شأنه تعظيم حالات ثلاث، الأولى الانزياح المتسارع نحو منظومة القوى العابرة للوطنية التي تستغل المظلومية السنية في تمتين بناها الداخلية وتعظيم قدرته على البقاء والصمود، والحالة الثانية هي تفتيت مناطق سيطرة المعارضة وتنامي حالات الانفلات والسيولة، والحالة الأخيرة استمرار الاستعصاء في أي إنجاز يرتجى في ملفات وتحديات المرحلة الانتقالية كعودة اللاجئين والمهجرين والإدارة المحلية واستراتيجيات مكافحة الإرهاب والتنمية الاقتصادية وغيرها.
وأمام هذا تتقلص بشدة خيارات المعارضة لمواجهة هذه الوقائع المركبة بحكم أنها لم تنجح في امتلاك أدوات عسكرية ناجعة تعمل بتناغم واضح وأهداف مشتركة ولم تستطع امتلاك سياسة ذاتية تُبقي لها قدرة على امتلاك قرارها الوطني، إلا أن المرحلة القادمة تستوجب منها بحثاً معمقاً لامتلاك أسباب التمكين. وفي هذا السياق يبرز تكتيك استيعاب الصدمة واحتوائها خياراً مهماً من شأنه أن يعطل فرص الوقوع أي من الحالات الثلاثة، وهي:
يحظى إعلان موسكو الأخير بجملة معطيات تدلل على اقتراب "إنجاز مستند سياسي" يدفع بحكم النتائج الأخيرة للصراع العسكري باتجاه بلورة "خارطة طريق" تطلق العملية السياسية من جديد بقواعد جديدة تعزز السردية الروسية للملف السوري. من جملة هذه المعطيات يمكن تصدير ما يلي:
يشكل هذا الإعلان وما ينتظره من أجندة تعززه كمستند رئيسي لإطلاق العملية السياسية تحدياً واختباراً لأدوات المعارضة السورية الدبلوماسية التي لا تزال تشهد تداعيات خسارة حلب ومآلات التصدع المحتملة. ورغم ما يتضمنه الإعلان من إشكالات قد لا تتطابق مع غايات وأهداف قوى المعارضة، إلا أن سياسة التعاطي معه وفق مبدأ النقاط المشتركة تشكل منطلقاً أساسياً للتعامل مع هذا الواقع الجديد والتفاوض حول ملفات التغيير الوظيفي والبُنيوي. إذ تفرض هذه السياسة نفسها أمام المعارضة بحكم مبدأَي الواقعية السياسية وضرورات التماسك بعد سلسلة الخسارات المتلاحقة. ولعل أهم النقاط التي تُشكل قاعدة أولية تجعل المشاركة في هذه الأجندة تكتيكاً مقبولاً، موضحة في (وحدة الأراضي، سيادة الدولة السورية، دولة ديمقراطية، لا يوجد حل عسكري في سورية، توسيع وقف إطلاق النار، وعدم إعاقة المساعدات الإنسانية، وتوفير الزخم اللازم لاستئناف العملية السياسية في سورية وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254).
ولتحقيق النجاعة لهذا التكتيك، ينبغي على المعارضة توفير منصة أولية تجمع الفرقاء وشركائها المحليين تتبنى مبادئ الثورة الخمسة، وتكون بمثابة مرجعية عابرة لمجموعة الرياض والائتلاف، والتوصل لملامح استراتيجية تفاوض متماسكة، ومد الوفد المفاوض بكافة متطلبات العملية التفاوضية والاحتفاظ بحق الانسحاب والعودة إلى المرجعية في حال تعثر الاستمرار، وهذا يتزامن مع جملة من السياسات التي ينبغي أن تبدأ المعارضة بالعمل عليها.
ثبتت معطيات معركة حلب أمام المعارضة ضرورة تبني مبدأ المراجعة وتقييم كافة أدواتها السياسية والعسكرية. وتطرح في هذا السياق ضمن فعاليات قوى الثورة والمعارضة مجموعة من ردود الفعل لا ترتقي لمستوى الحدث الذي يؤسس لمرحلة جديدة تتطلب سياسات أكثر اتساقاً مع أهداف الحراك الثوري، إذ أن ضرورات مواجهة المرحلة تتطلب عدم تأخير الامتحانات الوطنية والامتناع عن سياسة "دفع الكرة إلى الأمام" والإعداد لسياسات واستراتيجيات تساهم في استيعاب الأولويات ومواجهة الاستحقاقات بأدوات أكثر فعالية. وفي هذا المضمار وبالتزامن مع مبدأ "استيعاب الأزمة" يمكن تصدير مجموعة من السياسات الآتية:
وفي سياق آخر لا بد لكافة الفعاليات المعارضة أن تعمل بالاتساق التام مع مفاهيم المراقبة والمحاسبة لكافة الهيئات والأجساد السياسية والمدنية والعسكرية وتعزيز هذه المفاهيم ضمن منظومات العمل التي ينبغي لها أن تراعي أولويات المواطن وصيانة أمنه وتوفير السبل المثلى لتوصيل الخدمات له بالدرجة الأولى.
عموماً بقدر ما شهدته جغرافية مناطق سيطرة المعارضة من ارتكاسات بُنيوية حادة جراء خسارة حلب وخروج أهم الجيوب الاستراتيجية في دمشق ومحيطها من معادلات الصراع العسكري، وبقدر ما ترسمه الفواعل الإقليمية والدولية أيضاً لملامح "حل سياسي" يراعي السردية الروسية المتوافقة بدرجة عالية مع النظام وإيران، فإن ضرورات الصمود وامتلاك مقوماته وعدم الانجرار لردات فعل غير محسوبة الأبعاد تفرض نفسها بقوة على المعارضة وتجعلها أمام امتحان مصيري يطالبها بالثبات والاستعداد التام لمواجهة المآلات والتداعيات المحتملة لهذه الارتدادات المتسارعة، ويفرض عليها بذات السياق اتخاذ سياسات المراجعة والحسم تجاه كافة التحديات.