مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - Omran Center
Omran Center

Omran Center

نظم مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة حوارية بعنوان "تحليل الصراعات الإقليمية: استراتيجيات التعامل مع الصراعات"، وذلك في مدينة الدانا، بتاريخ الأحد 26 أيار/مايو 2024. قدم الندوة الدكتور نجيب الغضبان، أستاذ العلوم السياسية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة أركنسا الأمريكية، موضحاً فيها مبادئ بعض النظريات السياسية التي تفسر العلاقات بين الدول والكيانات الدولية، ومفهوم الصراع الدولي؛ دوافعه وأُسُسَهُ والطرق الوقائية السائدة للتعامل معه. كما قدّم نماذج تاريخية لتطور هذه الصراعات ونتائجها والحلول التي اتُّبعت في معالجتها.

استعرض الدكتور الغضبان خلال جلسته مراحل تطور الحالة السورية، وأهم العوامل التي عكست مسارها، وما تتيحه الظروف الحالية من فرص ومساحات يمكن للسوريين العمل عليها لتجاوز أزماتهم المركبة.

سلطت الندوة الضوء على أهمية التحليل العلمي للصراعات الإقليمية وضرورة تبني استراتيجيات وقائية وعلاجية مبنية على فهم عميق للنظريات السياسية والتجارب التاريخية.

شارك مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - أحد برامج المنتدى السوري- ضمن فعاليات مؤتمر التمكين الاقتصادي والاستدامة في سورية، الذي انعقد في مدينة إستانبول 23 - 24 أيار/ مايو 2024، بمشاركة وتنظيم من المنتدى السوري، وعدد من المنظمات المحلية والعربية والدولية بهدف تعزيز النهوض الاقتصادي وتعزيز فرص الاستثمار في الداخل السوري.

شهد المؤتمر ست ندوات بحثية وأربع ورش عمل متخصصة، شارك فيها مركز عمران بفريقه البحثي. كما ساهم مناف قومان، الباحث المساعد في مركز عمران، في تيسير جلسة بعنوان "التمويل الصغير والصناديق الاستثمارية والتمويل التضامني كأدوات للتمكين الاقتصادي". تناولت الجلسة المحاور التالية: 1) الفرق بين تمويل المشاريع الصغيرة وتمويل ريادة الأعمال، 2) أهمية تمويل المشاريع الصغيرة بين المنح والقروض البنكية، 3) تحديات التشريعات القانونية والاقتصادية في المجتمعات الهشة.

حضر المؤتمر شخصيات بارزة منها؛ سيف الدين عبدالله، وزير الخارجية السابق في ماليزيا، وديفيد كاردين، نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إضافة إلى عدد كبير من ممثلي منظمات المجتمع المدني، وباحثين وأكاديميين.

تم الإعلان عن سلطنة عُمان كمستضيف جديد لاجتماعات اللجنة الدستورية، وذلك في بيان اجتماع لجنة الاتصال العربية (الوزارية) المؤلفة من مصر، والأردن، والسعودية، والعراق ولبنان مع النظام السوري، والتي عُقدت في القاهرة بتاريخ 15 آب/أغسطس 2023. ويأتي الإعلان عن ذلك بعد تعطُّل محادثات اللجنة الدستورية بسبب المطالب الروسية لتغيير جنيف كمركز لعقد محادثات اللجنة، بدعوى عدم حياد الأخيرة عقب العقوبات التي فرضتها على روسيا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد تمَّ اختيار سلطنة عمان كبلد مستضيف لاجتماعات اللجنة الدستورية من بين كل من الإمارات، والبحرين، والجزائر وكازاخستان المقترحة من قبل مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية([1]).

يُناقش هذا المقال احتمالات لعب السلطنة لدورها المحتمل في الملف السوري ما بين الوساطة أو الاقتصار على الاستضافة المكانية، كطرف محايد أشبه بجنيف، لاجتماعات اللجنة الدستورية، وذلك في سياق استمرار الاستعصاء السياسي المرافق لجمود مناطق النفوذ من خلال النظر لكل من: سجل عُمان الدبلوماسي ودورها الوساطي على المستوى الإقليمي والدولي، ومقاربتها للمسألة السورية وأطرافها على مدار سنوات الصراع.

"سويسرا الشرق الأوسط": تقليد دبلوماسي استثنائي

لا شكَّ بأن التقليد الدبلوماسي العُماني المبني على مرتكزات عدم الانحياز والحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف الدول بغض النظر عن أطراف النزاع أو خلفية النزاع المصلحية أو الإيديولوجية أو الأخلاقية، جعل منها فاعلاً لا يحمل -إلى حد بعيد- أعباء وتداعيات نزاعات دول المنطقة في سياستها الخارجية. بتعبير آخر: تشكِّل "البراجماتية" أحد أهم المرتكزات في صياغة المقاربات الخارجية للسلطنة وهو ما يقضي بضرورة الاستناد على "الحقائق الجيوستراتيجية وليس المواقف الأيديولوجية أو المؤقتة" لضمان دور فاعل في المجتمع الدولي([2]). تجلَّى ذلك بامتناعها عن الانحياز لطرف ما في الحرب العراقية-الإيرانية حتى غزو الكويت، وامتناعها أيضاً عن قطع علاقتها بمصر عقب اتفاقية السلام مع إسرائيل في 1981 بشكل يخالف التوجه العام للسياسة الخارجية للدول العربية آنذاك([3]).

 استمرَّت عُمان -على مدار العقد الأخير- في التعامل مع النزاعات في المنطقة مستندةً للركائز الدبلوماسية ذاتها، إذ لم تنضم للتحالف الذي قادته السعودية في حرب اليمن، كما لم تُشارك في الحصار الخليجي ضد قطر، ناهيك عن محافظتها على علاقة جيدة مع إيران. مكَّنتها جُملة العوامل هذه من لعب دور وساطي على مستوى ملفات دولية وإقليمية أبرزها: مفاوضات الملف النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ومفاوضات الحل في اليمن بين السعودية والحوثيين. لتكمن فاعلية السياسة الخارجية العمانية في كونها نقطة التقاء دبلوماسية للأطراف المتنازعة.

سورية في السياسة الخارجية العمانية

انتهجت عُمان سياسة متمايزة عن تلك التي اتبعتها دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية وقطر تجاه الملف السوري: ففي الوقت الذي قطعت فيه أغلب الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع النظام في سورية بالتوازي مع تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية ودعم الدول العربية بقيادة سعودية للمعارضة السورية، امتنعت عُمان عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام أو تقديم الدعم للمعارضة السورية في إطار تمسكها بمرتكزات سياستها الخارجية([4]).

توضَّحت مساعي السلطنة للعب دور وساطي في الملف السوري عام 2015، إذ كانت الدولة الخليجية الأولى التي تتبادل الزيارات الرسمية مع النظام في سورية على مستوى وزراء الخارجية، والدولة الخليجية الأولى التي يلتقي وزير خارجيتها برئيس النظام بشار الأسد في دمشق([5])، بالتوازي مع استقبالها لرئيس الائتلاف السوري السابق خالد خوجة([6]) من جهة ومشاركتها في محادثات فيينا للسلام التي ضمَّت 17 دولة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة من جهة أخرى([7]). لاحقاً في 2019، قدَّمت مسقط مبادرة للنظام تهدف لإيجاد حل يُنهي الصراع بتوافق إقليمي-دولي بشرط قيام النظام بالتعاون لإنهاء الوجود الإيراني في سورية([8])، إلا أن موقف النظام المتعنِّت عطَّل مسار الحل السياسي وجميع مبادرات الحل ذات الصلة.

ظلَّت السلطنة الدولة الخليجية الأولى المبادرة في تطبيع العلاقات مع النظام، إذ كانت الأولى في إعادة تعيين سفير لها في دمشق عام 2020، كما كانت المحطة الأولى لرئيس النظام بشار الأسد في زياراته الخارجية بعد زلزال شباط/فبراير 2023([9]) الذي تلاه تطبيع إقليمي عربي مع النظام انتهى بعودته إلى الجامعة العربية. حيث تعمل مسقط على البناء على رصيد علاقتها مع النظام لتفعيل دورها الوساطي في الملف السوري، الأمر الذي تجلَّى في محاولاتها عامي 2015 و 2019، بالإضافة إلى دورها في المحادثات الأمريكية مع النظام بخصوص مصير الصحافي الأمريكي المفقود في سورية، أوستن تايس([10]).

على الرغم من أنَّ جملة العوامل السابقة والمصحوبة بوجود الرغبة السياسية في لعب دور وساطي يعزِّز من فرص السلطنة في لعب هكذا دور؛ إلا أن المشهد السوري المعقَّد وعدم وضوح دعم إقليمي عربي لدور عُماني محوري ضمن إطار المبادرة العربية التي تلعب الأردن دوراً ريادياً فيها والتي لم تحرز تقدماً ملموساً على مستوى الحلول التقنية بسبب تعنُّت النظام، يجعل فرصها في لعب دور وساطي إقليمي محدودة حالياً، خصوصاً مع فتح قنوات التواصل السياسية بين الدول العربية والنظام.

 دولياً، إنَّ غياب قنوات التواصل السياسية المباشرة بين الولايات المتحدة والنظام يضفي أهمية للسلطنة على مستوى احتمالات لعبها لدور وساطة أكبر مستقبلاً؛ إلا أنَّ عدم وضوح تقدُّم ملموس في المحادثات بين أمريكا والنظام التي تجري برعاية السلطنة بخصوص مصير الصحافي الأمريكي المفقود في سورية وبعض المختفين من حملة الجنسية الأمريكية يضع عائقاً أمام تقدُّم مسار المفاوضات، والذي يرتبط بسلوك النظام من جهة، وديناميات صنع القرار في واشنطن، بشكل رئيسي موقف البيت الأبيض من جهة والكونغرس من جهة أخرى.  

ختاماً، سعت عُمان من خلال مقاربتها المتمايزة لترسيخ ثقة النظام فيها كتلك التي تحظى بها من طرف إيران، وذلك بهدف توظيف هذه الثقة للعب دور وساطي على مستوى الملف السوري إقليمياً أو دولياً، مستفيدةً من علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف وسجلِّها الدبلوماسي وخبرتها في الوساطة على مستوى ملفات إقليمية ودولية. ومع ذلك، ما تزال حظوظ وإمكانية السلطنة للعب دور وساطي في الملف السوري غير مرتفعة، على الأقل حالياً، نظراً لغياب دور محوري لها في المبادرة العربية حتى الآن، وعدم وضوح تقدم في المحادثات الأمريكية الحالية مع النظام، ولكون إرادة وقدرة النظام تجاه تغيير سلوكه وتقديم تنازلات العاملين الأكثر أهمية في إنجاح أي تقدم في مسار الاستعصاء الراهن.


([1]) "من جنيف إلى مسقط.. “الدستورية” قد تستأنف عملها قريباً"، السورية نت، 16 آب/أغسطس 2023، الرابط: https://cutt.us/pMK47

([2]) المبادئ والمرتكزات، وزارة الخارجية العمانية، الرابط: https://cutt.us/ApsPY

([3]) Joseph A. Kechichian: "Oman A Unique Foreign Policy Produces a Key Player in Middle Eastern and Global Diplomacy", Rand Cooperation, 1995, Link: https://cutt.us/l6OAZ

([4])  بريت سودتيك وجورجيو كافييرو: "الخطوات الدبلوماسية لسلطنة عمان في سوريا"، مركز كارينغي، 03 شباط/فبراير 2021، الرابط: https://cutt.us/lSM2k

([5]) المرجع السابق.

([6])  "الوزير المسؤول عن الشوؤن الخارجية يستقبل رئيس الائتلاف السوري"، الوطن العمانية، 20 تشرين الأول/أكتوبر 2015، الرابط: https://cutt.us/hJw1A

([7])  "نص البيان المشترك الصادر عقب مباحثات فيينا بشأن سوريا، العربية"، 31 تشرين الأول/أكتوبر 2015، الرابط: https://cutt.us/wkLDW

([8]) عبدالله الغضوي: "«عكاظ» تكشف التفاصيل.. بن علوي يعرض «صفقة» على الأسد: البقاء مقابل كنس إيران"، عكاظ، 11 تموز/يوليو 2019، الرابط: https://cutt.us/jxiLp

([9]) "الأسد يزور مسقط: المنطقة اﻵن بحاجة أكثر إلى دور سلطنة عُمان"، الميادين، 20 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/RbHQe

([10]) “بمساعدة عُمان”.. رسائل متبادلة تتأرجح بين أمريكا ونظام الأسد"، السورية نت، 17 حزيران/يونيو 2023، الرابط: https://cutt.us/6nV9c

شارك الدكتور عمار قحف، المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية أحد برامج المنتدى السوري وعضو مجلس إدارته، بالحدث الجانبي المنعقد بتنظيم من "المنتدى السوري" وبرعاية البعثة الدائمة للاتحاد الأوروبي لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف؛ وذلك على هامش الدورة الرابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان.

الحدث حمل عنوان "إعادة تشكيل مستقبل سورية: دراسة أدوار النقابات واتحادات الطلاب والمنظمات غير الحكومية في دعم حقوق الإنسان"،  وذلك بتاريخ 26 أيلول/ سبتمبر 2023 في قصر الأمم المتحدة في جنيف.

وتناول الحدث دراسة شاملة للأدوار التي لعبتها الكيانات مثل النقابات واتحادات الطلاب والمنظمات غير الحكومية في تاريخ سورية، كما ركزت على تقييم إمكانية استخدام النظام لهذه الكيانات كأدوات للقمع، واستعراض كيفية تطور هذه الكيانات وكيفية التلاعب بها من قبل النظام في المستقبل.

كما هدف إلى تسليط الضوء على الديناميكيات الحاسمة التي يمكن أن تؤثر على مشهد حقوق الإنسان في سورية، والمساهمة في فهم أوسع للتحديات المستمرة التي يواجهها الشعب السوري والسبل المحتملة للتغيير الإيجابي في نضاله من أجل الحرية.

وتناول الدكتور القحف خلال كلمته؛ دور حزب البعث منذ قدومه إلى السلطة في تسخيره للمجتمع المدني من أجل تحقيق فكرة الدولة الشمولية عبر قوننة ارتباط كل المنظمات النقابية والطلابية والمجتمعية بحزب البعث عبر مراسيم وقوانين استمرت حتى عهد بشار الأسد.

مدللاً خلال حديثه على احتكار البعث للاتحاد الوطني لطلبة سورية لشغل مساحة العمل الطلابي للمرحلة الجامعية مشكلاً من خلالها نظام الأسد كتائب البعث عام 2012 والتي تهدف لتجنيد الطلاب الجامعيين من أجل المشاركة في عمليات اقتحام المدن وقمع المظاهرات السلمية.

وعلى دور الاتحاد الوطني البارز في تحويل الصراع إلى طبقات المجتمع عبر تسليحه للموالين له من الطلاب وإطلاق يدهم في الجامعات من أجل قمع واعتقال وتعذيب الطلاب المشاركين في الحراك السلمي الهادف إلى الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في البلاد.

معتبراً القحف أن الاتحاد الوطني لطلبة سورية هو أهم أدوات نظام الأسد لإعادة تعويمه دوليا في المؤسسات التعليمية التي تقدم المنح للأشخاص المتورطين بالمجازر بعد 2011 أو تضم أشخاص ساهموا عسكريا في المعارك بسورية.

 
رابط الدراسة باللغة العربية: https://bit.ly/3qBBiw1
رابط الدراسة باللغة الانكليزية: https://bit.ly/3Rswftb
الدراسة من إعداد: Yaman Zabad

بتاريخ 22 أيلول 2023، عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة حوارية حول الورقة التي أصدرها بعنوان: إلغاء محكمة الميدان العسكرية...نهج التغير الشكلاني، وذلك في مدينة غازي عنتاب، تركيا.

ناقشت الندوة آثار المرسوم التشريعي 32 لعام 2023 القاضي بإنهاء العمل بمحكمة الميدان العسكرية، وخطوات العمل اللاحقة على الصعيدين السياسي والحقوقي.

كما شارك بالندوة كلاً محمد منير الفقير، ومحسن المصطفى، وعبادة صمودي من فريق البحث في المركز، وحضرها عدد من المراكز البحثية والمنظمات الحقوقية، بالإضافة لعدد من الشخصيات الحقوقية والسياسية والعسكرية السورية.

رابط الورقة: https://bit.ly/3LscsGj

 

أتى اجتماع عمان في 1 أيار/ مايو 2023 والذي ضم وزراء خارجية الأردن والعراق والسعودية ومصر ووزير خارجية النظام، [1] في سياق تشهد فيه  تفاعلات النظام الاقليمي مجموعة من المؤشرات الدالة على إعادة تشكله كإعادة تعريف "الأثر الأمريكي وأدوات فاعليته وفلسفة تموضعه" وتنامي الدور الصيني والروسي، إضافة إلى وجود مؤشرات في تغيير فلسفة خرائط المصلحة والتي أضحت "تتحرر" من القواعد الكلاسيكية. وضمن هذا الإطار تتزايد خطوات الفعل العربي  تجاه المشهد في سورية".

يؤشر تلخيص وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي" للرؤية العربية للحل في سورية بأنها قائمة على "دور عربي قيادي في جهود حل الأزمة السورية" وفق منهجية خطوة مقابل خطوة بما ينسجم مع القرار 2254 ، على أهمية البحث عن جهود الاستقرار ومنع مسببات السيولة الأمنية إلا أنها ترتبط بضرورات تقييم الحركية السياسية العامة وتحديد  مكامن الخلل وعواملها وعناصرها.

تناولت أجندة المحادثات العربية ثلاثة مسارات: إنسانية وأمنية وسياسية بإمكانها أن تشكل تحريكاً مهماً للملف السوري لا سيما بعد حالة الجمود و"تمترس الجغرافية" وتعطل الاستحقاقات السياسية، إذ تم ربط المسار الانساني وما طرحه من قضايا بأولويات هامة جداً للمجتمع السوري إلا أنه ينبغي ربط هذا المسار  بمبدأ " ما فوق التفاوض". وإخراجه عن دائرة الابتزاز السياسي التي لطالما وظفه النظام وجيره لمكاسب سياسية.  أما المسار الأمني -على الرغم من شمله لضرورة معالجة ملفات أمنية ملحة- ينبغي له أن يراعي توافر ثنائية "القدرة والرغبة" الغائبة عن نظام الأسد، لذلك يرتبط هذا المسار بمناخ سياسي شرعي ينبغي أن يتوفر وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة. أما المسار السياسي فتمت صياغته دون جدول زمني ودون أي توافر قواعد الزام من قبل النظام بالانخراط الجدي وهو ما يجعل هذا المسار وفق التصور العربي مجرد محاولة؛ أي أن الجهود ترمي لتوفير مسار أمني وانساني، وهذا ما يؤكد مؤشرات التكيف مع التمترس الجغرافي وما يعنيه من تجميد سياسي.  

قد يشكل اتفاق عمان نقطة  توافقية ما بين الموافقين  والرافضين لعودة النظام  إلى الجامعة، خاصة أن فلسفتها قائمة على خطوة مقابل خطوة؛ إلا أن حركية النظام في التعاطي مع هذه الجهود لن تخرج عن ديناميات حركته الدبلوماسية السابقة (القبول الشكلي  والدخول بالتفاصيل دون تحقيق أي انجاز)، فهو سيحاول تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية الصورية ومكاسب اقتصادية تعينه باستحقاقاته المحلية مستنداً على استراتيجية الصبر الاستراتيجي.

تتموضع قضية العودة تموضعاً مركزياً في الأجندة العربية، وقد قدمت شروطاً دافعة لتحسين بيئة العودة ومستلزماتها، ومن الجدير بالتنويه في هذا السياق أن النظام قاوم هذه العودة حتى حينما طرحت موسكو "برنامج العودة "، إذ أن النظام  ينظر لملفات اللجوء والهجرة التي ترافقت مع المشهد السوري بعد 2011 بأنها  "تطهير ذاتي" في البنية المجتمعية وأنه لن يتصالح مع من ناهضه لسنوات على مستوى عودة اللاجئين، فعلى مستوى التنفيذ لكل أطروحات العودة تؤكد المعطيات أن جلها يخضع لعملية الاعتقال،  أخرها تلك الاعتقالات التي طالت السوريين الذين تم تسليمهم من قبل السلطات اللبنانية. ومن جهة أخرى، يستخدم النظام نصوص العفو الصادرة عنه كمدخل لتحصيل المكاسب السياسية من خلال "تعويم" النظام، والإيحاء بأن الحل ينبع من داخل الدولة، وبأنّ النظام قادر على إدارة ملفي المعتقلين واللاجئين وحده، سعياً منه لخلق مساحات تفاوض مع الدول الفاعلة، ليضمن بذلك سحب ملف المعتقلين والمختفين قسراً والمهجرين من قوى التغيير الوطنية، وإعادة إنتاجه بما يضمن إفلاته من العقاب، وتخفيف العقوبات والعزلة الدولية.

أيضاً؛ تنال قضية "المخدرات" أهمية واضحة في بيان عمان، فقد أغرقت شبكات النظام العاملة بالمخدرات الأردن والخليج بمئات الشاحنات ( إذ تعد الفرقة الرابعة المحور الرئيسي في هذه الشبكات) ولهذا الأمر خطورته على الأمن المحلي لتلك الدول ومجتمعاتها،  وينطلق تعاطي الدول العربية مع تلك القضية باعتبارها  مهدداً أمنياً لا يستوجب انتظار الصفقات السياسية، إلا أن هذا التعاطي لا يلحظ قدرة النظام على هذا الضبط من جهة وعدم رغبته بالتخلي عن ورقة تفاوض ومساومة من جهة ثانية، فهذه الآلية (آلية الابتزاز وامتلاك أوراق ضغط) جزء رئيسي في سياسة الشرعنة والتعويم.

من المبكر الحديث عن انعكاسات فعلية للمبادرة العربية وذلك لأسباب عديدة؛ فعودة النظام لا تزال تصطدم بمعارضة قطر والكويت والمغرب في ظل ضرورة توفر إجماع عربي ضمن الجامعة العربية للضغط على المجتمع الدولي لرفع العقوبات عن سورية، إضافة لذلك فإن الموقف الأوربي والأمريكي لا يزال غير مشجع للتطبيع مع نظام الأسد ويُؤكد على تمسكه بالعقوبات وربط جميع مسارات الحل في سورية بالقرارات الأممية، ومن جهة أخرى مرتبطة بالمستوى الإقليمي لا تظهر المبادرة العربية قدرة على التأثير في نفوذ القوى الإقليمية المتدخلة في سورية، فمن جهة لا تزال إيران تحصل على الامتيازات في سورية عبر علاقتها بالنظام، آخرها الحديث عن توقيع اتفاق بين البلدين ينص على تشكيل ثماني لجان مشتركة،[2] ومن جهة ثانية تربط أنقرة تواجدها في سورية بالحفاظ على أمنها القومي وتنفيذ القرارات الدولية. وعلى الرغم من المساعي الروسية في التقريب بين البلدين إلا أن مسافات التباعد البينة لاتزال واسعة. أما محلياً، فقد أبدت الأوساط الشعبية المعارضة للنظام رفضاً لمحاولة تعويم النظام عبر مظاهرات شعبية في مناطق عدة داخل وخارج سورية رفضاً لمسار التطبيع.

يرتبط سيناريو نجاح المبادرة العربية واستمرارها بقدرة الساعين في المسار على حشد موقف عربي شامل قادر على إقناع المجتمع الدولي بجدية توجه النظام للتغيير السياسي وضرورة امتلاكهم لأدوات الضغط الفعال حتى لا تغدو  المبادرة  تشجيعاً على الإفلات من العقاب، إذ من المتوقع أن يبدي النظام بعض التغييرات الشكلية بهدف الحصول على الموارد الاقتصادية للدفع بعجلة المسار، لكن لا يمكن للدول العربية تحمل تكلفة تعويم النظام وإعادة دمجه في النظام العربي وفق مسار طويل لما سيحمله من تكاليف وأعباء على دول المسار.


[1]- سبق هذا الاجتماع اجتماع تشاوري لدول  مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق ومصر، استضافته المملكة العربية السعودية في جدة، في 14 من نيسان/ إبريل الماضي اتفق فيه المجتمعون على تأدية دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء ما أسموه بـ" الأزمة في سورية". إضافة لقمة جدة، أجُريت مجموعة اتصالات قامت بها دول عربية مع حكومة النظام السوري عقب الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا في شباط/ فبراير 2023، وتقدمت الأردن في 21 آذار/ مارس 2023 بمبادرة عربية لحل سياسي للأزمة السورية. وسط جهود إقليمية لعودة النظام السوري للجامعة العربية في ظل رفض بعض الدول العربية عودة النظام لمقعد الجامعة العربية.

[2] - لجنة لمتابعة ديون إيران، وآخرى مختصة بالمصارف والشؤون المالية والتأمين، ولجنة الشؤون الاستثمارية، ولجنة مختصة في ملف النفط، وأخرى في ملف النقل بكل أنواعه، ولجنة متخصصة في الشؤون التجارية والصناعية وواحدة مخصصة بالشؤون الزراعية، ولجنة متعلقة بالشؤون السياحية ومنها السياحة الدينية.

عقد مركز عمران بالتعاون مع فريق صدى الشبابي في مدينة الباب بالداخل السوري بتاريخ 29 كانون الأول 2021، دورة تدريبية تحت عنوان: الأدوار الوظيفية لمنظمات المجتمع المدني، قدم خلالها مدير البحوث بمركز عمران، الأستاذ معن طلّاع، تدريباً حول؛ الرقابة المجتمعية والمبادرات المحلية.
حضر التدريب شخصيات شبابية فاعلة، وممثلين عن منظمات مجتمع مدني.

قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد العبدالله تصريحاً صحيفة الاستقلال، ضمن تقرير بعنوان: "رغم التقارب الدبلوماسي.. لماذا يخشى العراق إعلان دعمه لنظام الأسد؟. شخص فيه الباحث أسباب إحجام الحكومة العراقية عن تقديم الدعم المادي لنظام الأسد رغم الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه، في حين تُظهِر تأييدها السياسي له على المستوى الرسمي.

رابط المصدر: https://bit.ly/33UJb47

 

ملخص تنفيذي

  • فرض النظام حصاراً كاملاً على أحياء درعا البلد، التي يقطنها 50 ألف نسمة، منذ 24 حزيران، بعد رفضهم الرضوخ لطلبات النظام في تسليم السلاح الخفيف، ونشر ثلاثة حواجز عسكرية. وعلى وقع هذا الحصار عانى الأهالي من سوء في الأوضاع المعيشية والصحية، ترافقت مع اجتماعات متتالية بين النظام ولجنة التفاوض في درعا البلد، حيث وقع اتفاق في 27 تموز، يقضي بتسليم السلاح الخفيف، ودخول 3 حواجز، تتبع للأمن العسكري، وتسوية أمنية لأوضاع العشرات من الشبان، إلا أن النظام عاد ورفع سقف المطالب خلال اليوم التالي، وقد قوبلت بالرفض المطلق من قبل اللجنة المركزية.
  • بدأت الحملة العسكرية للنظام على درعا في صباح يوم 29 تموز، عبر ثلاثة محاور، تشكل الفرقة الرابعة في الاقتحام رأس حربة، وبقيادة غياث دلّة، الذي أشرف بنفسه على توجيه طائرات الاستطلاع لكشف مواقع الجيش الحر واستهدافهم. ومع دخول الريف الشرقي والغربي على خط المعارك نصرة لدرعا البلد؛ تمكن الجيش الحر من السيطرة على نقاط وحواجز عسكرية عديدة، منتشرة في المنطقة، وقتل وأسر العشرات من العناصر.
  • أمام عدم تدخل روسيا لحل النزاع بين النظام والمعارضة، واستمرار المفاوضات بين الطرفين، يقفز إلى الواجهة ثلاثة سيناريوهات، أولها: تدخل روسيا للتوسط بين الطرفين في عقد اتفاق تسوية جديد، على شاكلة ما حصل في الصنمين وطفس، ضمن بنود ترضي الطرفين. وثاني السيناريوهات: هو الاتفاق على وقف التصعيد العسكري من الطرفين، مقابل نشر حواجز للفيلق الخامس في درعا البلد، وإتباعها إلى الفيلق، أما السيناريو الثالث والأخير: فيتمحور حول العودة إلى خطوط التسوية القديمة، أمام ضربات الجيش الحر والخسائر المتتالية للنظام.

مدخل

تعيش محافظة درعا، انطلاقاً من درعا البلد، حملة عسكرية من قبل النظام، يحاول من خلالها إخضاع المدينة، التي جعلت ديدنها المظاهرات، والوقوف في وجه النظام في كل مناسبة، والتي كان آخرها في يوم الانتخابات 27أيار 2021، وقد سبق الحملة حصار كامل على مدار شهر، بدأ في 24حزيران، بعدما عمدت الفرقة الرابعة والكتل العسكرية التي تحيط بالمدينة، إلى رفع السواتر الترابية، وقطع الطرق المؤدية لدرعا البلد كافة، ومنع إدخال الغذاء والدواء، ودخول أو خروج الأهالي، تبع ذلك قطع الكهرباء والمياه والاتصالات، كما عمد النظام إلى فتح حاجز واحد فقط لعبور الأهالي من خلاله، بإشراف فرع الأمن العسكري وميليشيا مصطفى الكسم، ويعد هذا سبباً كافياً لتخوّف الأهالي من الخروج عبره. وتوزع المحاصرون البالغ عددهم 11 ألف عائلة في أحياء عدة، بينها حي مخيم نازحي الجولان، ومخيم اللاجئين الفلسطينيين، وحي طريق السد، والمزارع في الشياح والنخلة والرحية والخواني.

درعا التي أنهت معركتها مع النظام في شهر يوليو تموز عام 2018، بعد سقوط القرى والبلدات من الشرق إلى الغرب بالتوالي بقبضة النظام، ودعمٍ من روسيا وإيران، وفرض التهجير القسري إلى إدلب لكل من يرفض الانخراط في تسوية مع النظام، وانقسمت المنطقة إثر ذلك إلى مناطق تسويات، كما حصل في درعا البلد، وبصرى الشام، وطفس، ومناطق أخرى، تحت سيطرة النظام، وبقي أفرادٌ للجيش الحر يشكلون خلايا نائمة في بلدات عدة، ممن رفضوا التهجير من جهة، وشروط التسوية مع النظام من جهة أخرى، وهو ما عرّضهم للملاحقات الأمنية، وأن يكونوا أهدافاً للاغتيال من قبل النظام والميليشيات الإيرانية.

ويحاول تقدير الموقف التالي، الوقوف على ما جرى في درعا خلال الأسابيع الماضية، وتقديم قراءة تحليلية لأهداف النظام، وأوجه التباين الروسي والإيراني في درعا، وتلمس الاتجاهات المستقبلية للمشهد الميداني.

درعا بعد تسوية 2018: بيئةٌ معقدةٌ

فشل النظام بعد سيطرته على محافظة درعا في صيف العام 2018، وإبرامه اتفاقات مصالحة مع فصائل الجيش الحر، برعاية روسية أو مع النظام مباشرة، في إرساء قواعد الاستقرار الأمني، وتوفير الخدمات، وإصلاح البنى التحتية، وتحسين الظروف المعيشية، التي ما فتئت تزداد سوءاً، وسط انخفاض قيمة الليرة والقوة الشرائية للدخل، وفقدان المواد الأساسية من السوق. وتحوّلت درعا إلى مكان تصفية حسابات ونزاع بين النظام والمعارضة من جهة، وبين إيران وروسيا من جهة أخرى، إذ ساهم الفلتان الأمني، وتشعّب القوى المسيطرة على الأرض وأجنداتها، في جعل المحافظة بيئةً خصبةً للقتل والتصفية والاغتيال، وانتشار السلب ورواج المخدرات، ووجد النظام الفرصة سانحة بين الفينة والأخرى للتخلص من البيئة الحاضنة للثورة، سواءً عبر السيطرة على مناطق سبق ووقّعت اتفاق مصالحة، كما حصل مع مدينة الصنمين في آذار 2021، أو عبر اغتيال قيادات الفصائل ورموزهم، ممن انضموا إلى قوات النظام أو لجهات عسكرية، أو نشطوا ضمن عمل اللجنة المركزية في درعا، فقد اغتيل 42 قيادياً، وأصيب 20 منهم بجروح، كان آخرهم أدهم الأكراد وأحمد فيصل المحاميد، في تشرين الأول 2020([1]).

على الصعيد الجغرافي؛ وعلى الرغم من السيطرة الظاهرة للنظام على درعا، إلا أن الواقع على الأرض كان يشير إلى مناطق نفوذ متباينة، يمكن تقسيمها إلى ثلاثة مناطق نفوذ: فقد أصبحت كل من بصرى الشام في الشرق، وطفس في الغرب، وإضافة لدرعا البلد، مراكز تفاوض أو مناطق تسوية مع النظام برعاية روسية، فيما حظي النوع الثاني من المناطق وهي مناطق المصالحات التي سيطر عليها النظام عسكرياً بشكل كامل، وانخرط الأهالي باتفاقيات مصالحة، مثل بصر الحرير والحراك وصيدا وبقية البلدات المحيطة، وفي الغرب هناك جاسم ونوى ومعظم قرى وبلدات الريف الغربي، باستثناء ثلاث مدن تشكل مناطق النفوذ الثالثة، وهي داعل وإنخل والحارة، التي خضعت لسيطرة النظام بدون توقيع اتفاق تسوية أو تفاوض عبر الروس، أما مدينة الصنمين فكانت قد وقعت هدنة مع النظام في العام 2016([2]).

وعلى مستوى السكان، انضم عدد كبير من الشباب للتشكيلات العسكرية، والثكنات والقطع التي سبق وانشقوا عنها، بعد إجراء تسويات لأوضاعهم الأمنية، بينها الأمن العسكري، والمخابرات الجوية، وأمن الدولة، والفرقة الرابعة، إلا أن التنافس ظهر على أشده بين الفرقة الرابعة، بالأخص في الريف الغربي للمحافظة، واللواء الثامن التابع لروسيا في الريف الشرقي، لاستقطاب وتجنيد الشباب في صفوفهما، أما من رفض الرضوخ لشروط التسوية مع النظام، والانخراط في صفوف اللواء الثامن؛ فقرر الخروج بالحافلات إلى الشمال السوري المحرر، في مشهدٍ لتهجيرٍ قسريٍ تكرر في محافظات سورية عدة.

منحت روسيا طوال الأعوام الثلاثة الماضية في مناطق نفوذها مساحة للأهالي للخروج في مظاهرات، والتعبير عن رفضهم للنظام، مستغلةً غضب الأهالي من فشل النظام في إرساء الاستقرار الأمني والاقتصادي، وعدم إخراج المعتقلين، وإرسال عناصر التسويات إلى جبهات الحرب في البادية ضد "داعش"، ومنحت قائد "ا للواء الثامن" في بصرى الشام، أحمد العودة، مسؤولية حفظ الأمن في المناطق التي يسيطر عليها، ولعب أدوار حوكمية لحل المشاكل الأمنية والخدمية، ومُنِع النظام من إدخال الوحدات العسكرية، والأجهزة الأمنية إليها، وسوق الشبان إلى الخدمة العسكرية. وقد يكون الغاية الروسية من وراء التقارب مع المجتمع المحلي تتجلى في منع تغلغل الميليشيات والعناصر الموالية لإيران، سواءً في درعا، أو على الحدود الإسرائيلية والأردنية([3]).

على صعيد آخر، كانت إيران قد نجحت تحت ستار الفرقة الرابعة، والحرس الجمهوري، والأمن السياسي، فضلاً عن ميليشياتها المنتشرة في درعا، "حزب الله"، و"الحرس القومي العربي"، من الانتشار في الجنوب، والتموضع في قواعد عسكرية، والاقتراب من الحدود الإسرائيلية في الغرب، والحدود الأردنية في الجنوب، في سياق ينبئ بفشل الخطط الروسية لاحتواء التموضع الإيراني في درعا، وساهم هذا في زيادة وتيرة الاغتيالات الممنهجة، والتي طالت شخصيات من المعارضة، أو من المقربين للطرف الروسي، والاستمرار في خط التصعيد العسكري ضد مناطق التسويات، لإرضاخها مجدداً، وإدخالها في كنف النظام([4]).

تسويةٌ جديدةٌ أم تهجيرٌ كاملٌ

استمراراً لمحاولات النظام والإيرانيين في إعادة مناطق التسويات إلى سيطرتهما، فرضت قوات النظام في 24 حزيران 2021 حصاراً كاملاً على أحياء درعا البلد، التي يسكنها قرابة 50 ألف نسمة في مخيم النازحين، ومخيم اللاجئين الفلسطينيين، وطريق السد، والمزارع في مناطق الشياح والنخلة والرحية والخواني. مستهدفاً إرغام الأهالي على تسليم السلاح الخفيف والمتوسط، وإجراء اتفاق تسوية جديد، وتثبيت نقطة عسكرية تتبع لـ"الأمن العسكري"، الذي يرأسه العميد لؤي العلي، إدراكاً من النظام أن التسويات السابقة كانت "منقوصة وغير عادلة"، وحصر السلاح بيد الدولة فقط، بحسب تصريح لأمين فرع حزب البعث في درعا([5])، ويأتي هذا الحصار أيضاً بمثابة "عقاب" للأهالي، على خلفية المظاهرات المستمرة في درعا البلد، وآخرها في يوم الانتخابات في 27 أيار 2021، وامتناع الأهالي عن المشاركة في عملية التصويت. وقد اجتمعت اللجنة المركزية لدرعا البلد كعادتها أثناء حصول أي خلاف مع النظام، مع جنرال روسي يُدعى "أسد الله"، الذي هدد باقتحام أحياء درعا البلد في حال لم يتم الإذعان للنظام والاستجابة لمطالبه.

ومع اشتداد وتيرة الحصار الكامل، ساءت الأوضاع الصحية للأهالي، بعد نفاد المواد الطبية والأدوية في المنطقة، وارتفاع الأسعار أضعافاً في حال توافرها، وتعتمد الأحياء بشكل كامل على مركز صحي واحد، يعاني من عجز في التجهيزات والمعدات الطبية الضرورية، والكوادر المؤهلة([6]).

وبعد اجتماعات عدة بين اللجنة المركزية والنظام توصّل الطرفان إلى اتفاق يقضي بتسليم الأسلحة الخفيفة المتبقية بيد الجيش الحر، مقابل فك الحصار المفروض على درعا البلد، وإيقاف الحملة العسكرية التي يحشد النظام لها، ونصّ الاتفاق على أن يُنشئ النظام 3 نقاط عسكرية في درعا البلد، تتبع للأمن العسكري، وتسوية أوضاع العشرات الذين لم يقوموا بالتسوية في 2018([7]).

وخلال اليوم التالي رفع النظام سقف مطالبه، ليضم إلى البنود تسليم أو تهجير 15 شخصاً يعيشون حالياً في درعا البلد إلى الشمال، ورفع عدد الحواجز إلى 9 نقاط عسكرية، ومفارز أمنية تنتشر في درعا البلد، وهو ما رفضته اللجنة بالمطلق. وبعد فشل المفاوضات دخلت تعزيزات عسكرية للنظام إلى أحياء درعا المحطة، وبدأت عمليات قصف عشوائي على أحياء درعا البلد([8]). وفي صبيحة 29 تموز 2021، شنّ النظام حملة عسكرية من 3 محاور على درعا البلد، بقيادة غياث دلّة، بعد استقدام آلاف القوات مُعززة بالآليات العسكرية، من 4 فرق عسكرية، على رأسها الفرقة الرابعة، وعمد النظام لقصف أحياء درعا البلد بالمدفعية الثقيلة، وراجمات الصواريخ، والهاون، مستهدفاً منازل المدنيين، وتسبب بإخراج النقطة الطبية الوحيدة عن الخدمة، فيما جرت اشتباكات بين قوات النظام وأفراد الجيش الحر، تمكن فيها الأخير من صد تقدم النظام. ومع منتصف النهار أطلق الريف الشرقي والغربي لدرعا "معركة الكرامة" نصرةً لدرعا البلد المحاصرة، وأسفرت المعركة عن سيطرة الجيش الحر على نقاط عسكرية، وحواجز منتشرة في مدن الحراك وصيدا والسهوة وأم المياذن في الريف الشرقي، وتم قطع الطريق الدولي دمشق – عمّان من ناحية بلدة صيدا، وبلدات طفس واليادودة والمزيريب ونوى في الريف الغربي، وشاركت مدن انخل وجاسم في المعركة، وتمكنوا من قتل 27 عنصراً، بينهم ضابطان، وأسر 83 عنصراً، والسيطرة على 33 حاجزاً، و4 معسكرات، وإعطاب دبابة، واغتنام أخرى. وردّ النظام بتوسيع دائرة الاستهداف والقصف على البلدات والمدن، شملت طفس واليادودة والمزيريب، وأودى القصف بحياة 18 شهيداً، بينهم 3 أطفال ووالدتهم، سقطوا خلال مجزرة في بلدة اليادودة.

يمكن استنتاج جملة من الخلاصات بعد التطورات المتسارعة في درعا، من بينها:

  • عدم تدخل الروس في خط الصراع، عبر الطيران الجوي أعطى الجيش الحر سهولة في الحركة وقدرة على السيطرة، وعدم سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى، وهو ما أزال ضغطاً نفسياً كبيراً عن كاهل الجيش الحر أمام الحاضنة الشعبية. وقد يُفسر عدم تدخل الروس في مكان ما برغبتهم في عدم إضفاء تعقيد متزايد على ملف الشمال مع تركيا إزاء تهجير دفعة من درعا، وعدم التفريط بمنطقة استراتيجية مثل درعا لإيران وأذرعها العسكرية، والتغلغل فيها بما ينيئ لتوافق دولي بين روسيا ودول الجوار لعدم السماح لتمدد إيران في المنطقة؛
  • سقوط عدد كبير من النقاط والحواجز العسكرية بيد الجيش الحر خلال ساعات، وباستخدام أسلحة خفيفة في مناطق مختلفة، يشير إلى هشاشة بنية الجيش، بعد اعتمادهم على عناصر غير محترفة، وانهيار في معنويات الجند، وعدم رغبتهم في خوض المعارك، ما يفسر ارتفاع أعداد الأسرى، وأخيراً تعامل النظام مع خلايا صغيرة مدرّبة راكمت خبرات على مدار السنوات الماضية، وتعتمد على مبدأ الضربات العسكرية الخاطفة؛
  • سرعة استجابة الريف الشرقي والغربي مع تطور الأحداث في درعا البلد ساهم بشكل كبير في تشتيت تركيز النظام على منطقة جغرافية محددة، وحتّم عليه إعادة النظر في أولويات العملية العسكرية وميزان الربح والخسارة؛
  • تركيز الناشطين على الإعلام منذ بداية الحصار على درعا البلد، الذي تزايد بشكل مطّرد مع تطورات الحملة العسكرية، ساهم في تأليب المواقف الدولية ضد النظام وحملته، وصدرت في هذا الشأن مواقف عدة، من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي تندد بالحملة وتدعو إلى إيقافها.

سيناريوهات عدة متوقعة

ووسط هذا التصعيد العسكري على درعا البلد والريف الشرقي والغربي من جانب، واستمرار المفاوضات بين اللجنة المركزية والنظام من جانب آخر ينتظر درعا سيناريوهات عدة، من بينها:

تسوية جديدة وتهجير من لا يرغب

أظهرت طريقة تعامل النظام مع مدينتي طفس والصنمين شكلاً لما يمكن أن يحدث مع درعا البلد خلال الأيام المقبلة، فبعد هجوم النظام على مدينة الصنمين، في آذار 2021، وحصار من رفض إجراء المصالحات، تدخلت روسيا لفض النزاع وفرض هدنة انتهت بترحيل المقاتلين إلى الشمال، وتسوية أوضاع الراغبين بالبقاء بشرط تسليم السلاح، وحصل الأمر ذاته في يناير كانون الثاني 2021 في طفس، بعدما طالب النظام بتسليم الأهالي للسلاح الخفيف والمتوسط، وخروج من يرغب من درعا إلى الشمال. وفقاً لهذا السيناريو قد تتدخل روسيا لإنهاء الهجوم على درعا البلد، ووضع حد للعملية العسكرية، وتوقيع اتفاق جديد تعتمد تفاصيله وبنوده على حجم الخسائر التي سيتكبدها النظام خلال الأيام المقبلة، من حيث عدد من سيخرج إلى الشمال، ومن ناحية تسليم الأسلحة الخفيفة. ويبدو هذا السيناريو الأكثر واقعية، في ظل الخسائر المتسارعة والمفاوضات بين اللجنة المركزية لدرعا والنظام، على اتفاق مرضٍ.

بقاء المنطقة تحت ظل اللواء الثامن

صمود الجيش الحر وتحقيق انتصارات أكثر ضد النظام، وتحقيق مكاسب أوضح على الأرض، سيعطيه كعباً عالٍ على طاولة المفاوضات، ومن بين النقاط التي قد يضمنها وفد اللجنة المركزية التي تفاوض النظام إيقاف التصعيد في البلدات والمدن كافة، مقابل إيقاف الحملة العسكرية، ورفع الحصار، ونشر حواجز تتبع للفيلق الخامس في درعا البلد. ومع إمكانية تطبيق هذا السيناريو إلا أنه يحتاج لموافقة روسيا بالدرجة الأولى والأردن بالدرجة الثانية، ومن غير المرجح أن تقبل طهران والنظام بهذا السيناريو الذي سيضعف سيطرتها، ويضعف شوكتها في الجنوب عموماً.

الرجوع للتسوية القديمة

في حال عدم تدخل الروس خلال الأيام المقبلة لعدم إيقاف الحملة العسكرية للنظام، واستمرار الجيش الحر في الحفاظ على خط التصعيد العسكري، والحفاظ على مكاسبه على الأرض، قد يتجه النظام إلى خيار العودة بالزمن لما قبل 25 حزيران 2021، وفق معادلة الخسارة على الأرض ورغبته في عدم جر مناطق أخرى لمساندة درعا.

ختاماً، أياً كان السيناريو الذي ستنحو درعا نحوه، فمّما لا شك فيه أن المحافظة أرت النظام قدرتها على التأقلم مع الظروف الصعبة، والاحتفاظ بمكامن القوة، استعداداً لأي معركة جديدة. وقد أثبتت درعا خلال ساعات أنها قادرة على الصمود، وإنتاج أشكال جديدة من المقاومة. هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى يمكن استغلال عدم تدخل الروس في الجو في تعزيز مكاسب الجيش الحر على الأرض في تدعيم طرح اللجنة المركزية على طاولة المفاوضات، التي من المفترض أن تستغل هذه الفرصة لانتزاع مزايا جديدة لدرعا وأهلها، وتحسين شروط أي اتفاقية جديدة، عبر ضمان عدم انتشار حواجز النظام في درعا البلد؛ وإخراج من تم اعتقالهم خلال الأيام الماضية؛ وعدم دخول قوات لتنفيذ حملات أمنية، وإصلاح البنية التحتية.

كما ينتظر من الفعاليات المحلية (السياسية والمدنية) خلق مساحات تفاعل سياسية مع الفاعلين في الملف السوري، وعلى رأسهم الأردن، ومصر، وروسيا لمساعدة اللجنة المركزية على تحسين شروط التفاوض في المنطقة، أما على الصعيد العسكري، فعلى الجيش الحر اتخاذ خطوات وتكتيكات عسكرية تأخذ بالحسبان احتمالية الدخول في معركة استنزاف طويلة مع النظام وبدعم من إيران.


 

([1]) آخرهم أدهم الكراد.. اغتيال 42 قياديًا سابقًا في قوات المعارضة بدرعا بعد تموز 2018، عنب بلدي، 15 تشرين الأول 2020، رابط: https://www.enabbaladi.net/archives/423369  

([2]) وليد النوفل، جستن كلارك، “كالسجن الكبير” بعد أشهر من المصالحة، لا تزال الحدود المخفية تقسم جنوب غرب سوريا، 17 كانون الأول 2018، سوريا على طول، رابط: https://bit.ly/2Vo6tLm 

([3]) عبد الله الجباصيني، الحوكمة في درعا جنوب سوريا: أدوار الوسطاء العسكريين والمدنيين، مركز روبرت شومان، 3 تشرين الثاني 2019، رابط: https://bit.ly/37bTM9c

([4]) ساشا العلو، الديناميكيات الجديدة للصراعات في سورية: قراءة في تحالفات ما بعد الإرهاب، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 1 حزيران 2019، رابط: https://bit.ly/3zUGrOP

([5]) ضياء عودة، درعا السورية.. النظام يحاصر آلاف العائلات وتهديدات من "أسد الله" الروسي، الحرة، 1 تموز 2021، رابط: https://arbne.ws/3ldDgOu

([6]) جلال بكور، استمرار حصار درعا البلد.. وجرحى باستهداف لجان النظام السوري، العربي الجديد، 14 توز 2021، رابط: https://bit.ly/3xfxqhA

([7]) اتفاق بين النظام السوري ومعارضين في درعا ينهي حصاره على مركزها، الجزيرة، 27 تموز 2021، رابط: https://bit.ly/3xaUNZL

([8]) فشل جولة المفاوضات مع قوات النظام السوري لإنهاء حصار درعا البلد، الجزيرة، 28 تموز 2021، رابط: https://bit.ly/3BSUtCJ

الملخص التنفيذي

  • مع تراجع سُلطة الدولة المركزية لصالح صعود تشكيلات دون دولتية، منها ذات طابع قومي وديني؛ برزت نماذج مختلفة من أنماط الحكم المحلي في الجغرافية السورية، والتي تأثرت بالخارطة العسكرية المُتغيّرة، ما أدى إلى نهاية بعض النماذج وانحسار أخرى مقابل استقرار نسبي وحذر لبعضها الآخر.
  • قدمت "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا" نفسها، بوصفها نموذجاً منافساً لباقي النماذج الإدارية التي فرضها الواقع العسكري، وعلى الرغم من مرور سبعة أعوام على الإعلان الفعلي للإدارة الذاتية بسُلطاتها ومؤسساتها المختلفة؛ إلا أن مستوى وطبيعة الحوكمة في هذا النموذج الإداري لا تزال إشكاليّة ومحط تساؤلات عدة.
  • تنطلق الدراسة للبحث في هذا النموذج الإداري من مدخل السُلطة القضائية، وذلك لما تعكسه دراسة القضاء من مؤشرات مهمة عدة، لا تنحصر فقط على مستوى المحاكم والنشاط القانوني لها، وإنما تمتد إلى المستويات السياسية والإدارية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
  • حددت الدراسة عينتها بمؤسسات الجهاز القضائي ومنهجها بالوصفي التحليلي بما فيه دراسة الحالة، واعتمدت على مصادر بيانات عدة، على رأسها المقابلات المُعمّقة مع العديد من القضاة والمحامين القائمين على رأس عملهم، إضافة إلى عدد من الإداريين في مؤسسات القضاء وغيرهم من العاملين في مؤسسات السُلطة التنفيذية، مقابل بعض المنظمات الحقوقية العاملة في المنطقة، ومقابلات متفرقة فرضتها خصوصية كل منطقة.
  • طرحت الدراسة مجموعة تساؤلات، حول بُنية القضاء وهيكلية مؤسساته واختصاصاتها وآليات عملها، إضافة إلى المرجعيات القانونية التي تستند إليها، مقابل طبيعة التوزع العلمي والديموغرافي للقضاة القائمين على عمل هذا الجهاز، ومستوى فاعليته واستقلاليته وعلاقته مع باقي السلطات في الإدارة، خاصة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وطبيعة القضاء العسكري القائم، مقابل العلاقة بين ملف القضاء وحزب العمال الكردستاني في المنطقة.
  • ضمن المُتغيرات محلّ البحث، تطرّقت الدراسة إلى طبيعة التعاطي القضائي والقانوني مع ملف "الإرهاب"، تحديداً معتقلي تنظيم الدولة السابقين، خاصة مع إنشاء الإدارة الذاتية محاكم استثنائية خاصة بـ"الإرهاب" (محكمة الدفاع عن الشعب)، وفي هذا السياق رُصِدَت مستويات عدة للتعامل مع هذا الملف خارج نطاق المحاكم والقانون.
  • فَرَدَت الدراسة سبعة فصول للبحث في طبيعة الجهاز القضائي بمختلف مؤسساته ودرجاته، انطلق الفصل الأول من فلسفة النشأة والنظريات التي استندت إليها الإدارة الذاتية وتبنتها في نموذجها الإداري بما فيه الجهاز القضائي، في حين توزعت خمسة فصول على دراسات حالة مُعمّقة لخمسة مناطق أعلنتها الإدارة الذاتية كـ "أقاليم" ضمن سُلطتها، وهي: (الحسكة، الرقة، دير الزور، منبج، عين العرب/كوباني).
  • فُرِدَ الفصل السابع لما توصلت إليه الدراسة من نتائج وخُلاصات، والتي انقسمت بدورها إلى مستويين، الأول: على مستوى الجهاز القضائي، ببنتيه ومرجعيته وفاعليته وكفاءته مقابل الاستقلالية والحياد. في حين مثّلت النتائج في المستوى الثاني: تحليلاً شاملاً لبيانات دراسات الحالة واستخلاص نتائج منها على مستوى النموذج الإداري ككل، سواء شكل اللامركزية المتبع، ومستوى العلاقات المدنية-العسكرية، وأثر القضاء على السلم الأهلي والأمن المجتمعي، مقابل آليات إدارة ملف "الإرهاب" وانعكاساتها، وطبيعة العلاقة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني وأثرها على المنطقة.

للمزيد حول الإصدار انقر هنا