نشاط محموم تقوده الحكومة السورية لإعادة النظر بالتقسيمات الإدارية القائمة بعدما عبثت بها الحرب، مدفوعة باعتبارات سياسية وأخرى تتصل بإعادة الإعمار، وتلقى هذه المساعي دعماً من قبل مراكز نافذة في النظام وأخرى محسوبة عليه، كما تجد صدى لدى الدول الداعمة له، كذلك لدى تلك المتوقع أن تتعهد فاتورة إعادة الإعمار.

وما الحديث عن تشكيل مدن جديدة ومنها مدينة القلمون، وتسريع وتيرة إصدار المخططات التنظيمية للوحدات الإدارية وإعادة إحياء مقترحات سابقة في هذا الصدد، إلا مؤشرات على التوجه الجديد للنظام والذي من المتوقع أن يتبلور بشكله الأوضح بنظام الأقاليم بمفهومه الإداري وليس السياسي بحسب بعض المصادر.

يتردد في الآونة الأخيرة ميل النظام إلى اعتماد نظام الأقاليم إدارياً وليس سياسياً وذلك لإعادة تنظيم الإدارة المحلية التي عبثت بها الحرب. ومن المتوقع إحداث أقاليم يتراوح عددها بين خمسة وسبعة أقاليم، يضم كل منها محافظات تتبع لها مجموعة مدن تضم نواحي مقسمة إلى بلدات وقرى. وما يعزز من صحة هذه التكهنات وجود مشاريع سابقة قبيل الأزمة لإحداث وحدات إدارية جديدة على مستوى المحافظات كريف حلب وتدمر والقامشلي، إضافة إلى تزايد الحديث عن إحداث وتشكيل مدن جديدة ضمن الرؤية السابقة كما ظهر في مقترح "مدينة القلمون"، والتي ستتشكل من دمج ثلاث وحدات إدارية هي؛ النبك ودير عطية وقارة.

تتلاقى توجهات النظام الجديدة مع مصالح رجل الأعمال المعروف رئيس مجلس إدارة "شركة النبراس القابضة" سليم دعبول، الذي يقود حملة على الصعيدين الرسمي والشعبي لتبني المقترح وتفعيله. واستغل دعبول زيارة وفد حكومي برئاسة رئيس الوزراء للمنطقة لعرض المقترح.

كما تشير المصادر إلى توقيع عريضة من قبل رؤساء بلديات المدن والبلدات المقربة من دعبول للمطالبة بتشكيل "مدينة القلمون" ومركزها دير عطية، فضلاً عن الترويج لمشروعه على الصعيد الشعبي من خلال إبراز إيجابيات المقترح من قبيل تخفيف العبء على المواطنين في ما يتعلق بإنجاز معاملاتهم الرسمية، وإقامة مشاريع تنموية كإنشاء سكة حديد تجمع البلدات والنواحي التي ستتبع للمدينة الجديدة من جهة، وبين باقي مدن القلمون والعاصمة من جهة أخرى، وتأسيس مدينة صناعية خامسة على مستوى سورية، وجر مياه نبع العاصي للمنطقة، إضافة إلى فتح معبر جديد بين القلمون ولبنان، كذلك تأسيس شركة لتكرير النفط والغاز من الحقول الثلاث القائمة في المنطقة وهي: البريج ودير عطية وقارة، والتي تُقدر احتياطاتها من الغاز الطبيعي بحسب وزارة النفط والثروة المعدنية السورية بـ20 مليار متر مكعب.

أثار المشروع الجديد حفيظة أهالي مدينة النبك وبلدة قارة ولكل منهم أسبابه، ويعتبر أهالي مدينة النبك أنفسهم الأحق تاريخياً وإدارياً بأن يكونوا مركزاً للمدينة المقترحة لا دير عطية، بينما يتخوف أهالي قارة من تجيير المزايا التنموية والاقتصادية الناشئة عن استغلال الغاز لصالح دير عطية.

وأمام هذه التحفظات ارتأت محافظة ريف دمشق بحسب المصادر تعليق مقترح رؤوساء البلديات وإحالته لمزيد من الدراسة، في حين يجري العمل على طرح حلول توفيقية لتجاوز هذه التحفظات من قبيل إيجاد مركز "مدينة القلمون" بالتوسط بين الحدود الإدارية للنبك ودير عطية. وتشير التوقعات الى أن المشروع سيجد طريقه للنور في ظل الحظوة التي يتمتع بها دعبول لدى النظام.

كذلك يعزز تسريع النظام لإصدار المخططات التنظيمية للوحدات الإدارية وإعادة النظر بما كان قائماً من واقعية التكهنات السابقة. وفي هذا الصدد أفادت "صحيفة الوطن" السورية بإحداث مناطق تنظيمية جديدة بمرسوم بناء على اقتراح من وزير الإدارة المحلية في المحافظات على غرار ما تم في منطقة "خلف الرازي" في دمشق، كذلك حديث معاون وزير الإدارة المحلية لؤي خريطة، عن مقترحات لدراسة تنظيم داريا وإدخاله ضمن تنظيم دمشق.

يتوخى النظام من إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية تحقيق أهداف سياسية بالدرجة الأولى، إذ يستهدف تفتيت مراكز ثقل المعارضة في المحافظات التي شهدت حركة احتجاجات واسعة ضده، وكذلك العمل على إيجاد ثقل تمثيلي في أي انتخابات محلية أو تشريعية مستقبلية؛ "مجالس الأقاليم" و"جمعية المناطق"، و"مجلس الشعب" أو "الجمعية التشريعية". بما يحول دون قدرة ممثلي مراكز المعارضة على تمرير مشروعات لا تتوافق مع المركز أو الاعتراض على تلك التي يريدها المركز. هذا بالإضافة إلى استيعاب الضغوط الروسية فيما يتعلق برؤيتها لـ"اللامركزية" الواردة في مقترحها للدستور السوري، والانفتاح على الأوربيين عبر إبداء مرونة في طرح ملف اللامركزية، واستغلاله لحثهم على الانخراط في دعم هذه العملية من بوابة "إعادة الإعمار". هذا علاوةً على استمالة ممثلي الأكراد وقطع الطريق على أي مقترحات أميركية منفردة بهذا الخصوص، عبر التلويح بمنح الأكراد إقليماً إدارياً معترفاً به دستورياً.

إعادة النظر بالتقسيمات الإدارية وتبني رؤية جديدة لامركزية لإعادة ربط الجغرافية السورية ببعضها، ومعالجة إشكالية علاقة المركز بالأطراف وضمان مصالح وحقوق المجتمعات المحلية بالتكامل مع المركز، مطلب لكل السوريين كما أن هذه العملية ملكهم جميعاً. ومن شأن احتكار هذا الملف من قبل فريق دون آخر وإخضاعه إلى اعتبارات التوظيف السياسي والمحاصصات المصلحية، أن يجرد أي رؤية لامركزية من قيمتها وشرعيتها.

 

المصدر جريدة المدن الإلكترونية: https://goo.gl/XiB9CR

التصنيف مقالات الرأي