يبقى احتمال انهيار نظام الأسد قائماً، تحت وطأة الأزمات التي يعايشها، بالمقابل هنالك ديناميات معاكسة لإعادة توطيد سلطته، عبر التلاعب بشبكات النخب، والتحصل على شرعية وأدوات، تتيحها مساحات المناورة المتشكلة خارجياً، مع ما يعتري تلك العملية من تحديات جمة.
منح التدخل العسكري الروسي النظام السوري اليد الطولى على خصومه، تجلى ذلك بتمدده ميدانياً، وتثمير ذلك سياسياً في مسارات عطلت قدرة خصومه على المبادرة، ليتلاشى احتمال إسقاطه بالقوة من الخارج، معلناً انتصاره على "الإرهاب"، والترويج لمرحلة عنوانها "الأمن والاستقرار" و"الرخاء وإعادة الإعمار". مع توقف المعارك الكبرى، دخلت سورية مرحلة تجميد النزاع التي يمكن توصيف أبرز ملامحها بأنها؛ مناطق نفوذ لقوى إقليمية ودولية، ترتكز على تسويات مؤقتة، وتسودها مسارات سياسية معلقة ومبادرات قيد الاختبار، فاعلوها قوى اسُتنزفت وأخرى تعيد ضبط بوصلتها، فضلاً عن مشهد أمني هش وخواصر رخوة، تحمل في طياتها مخاطر للتصعيد محلياً وإقليمياً. لا تكتمل الصورة إلا بذكر الفشل الحوكمي والانهيار الاقتصادي والتفكك المتزايد للنسيج المجتمعي، الذي تتشاركه مناطق النفوذ على حد سواء.
توضحت معالم هذه الأزمات أكثر في مناطق سيطرة النظام السوري، مع انهيار حاد لليرة السورية، وتعطل النشاطين الاقتصادي والحكومي بفعل أزمة حوامل الطاقة، ليعود النقاش مجدداً للواجهة داخل أروقة صناع القرار، ومراكز الدراسات ومؤسسات المعارضة، حول تداعيات هذه الأزمات على النظام واحتمالية تصدعه وانهياره، بالوقت الذي فشلت فيه العسكرة بذلك.
هنالك فرضيتين للإجابة على هذا التساؤل، تفترض الأولى عجز النظام عن التعاطي مع أزماته لمحدودية موارده وإشكالياته البنيوية المزمنة، وهذا من شأنه تحفيز التنافس داخله، وقيوداً أقل على الأطراف للتحرك بعيداً عن المركز تحقيقاً لمصالحهم الخاصة، وبالتالي إضعاف قدرته على السيطرة، تبدو معها احتمالات انهياره قائمة. بالمقابل، تفترض الثانية بأن مشهد الأزمات الراهن ما هو إلا صيرورة لديناميات سابقة لعام 2011، أججتها الحرب وزادت من كلفها، وعلى الرغم من وطأة هذه الأزمات ومخاطرها العالية، إلا أنها نالت من المجتمع والدولة أكثر من النظام الذي يعتاش على الأزمات، جاهداً في توطيد سطوته وإعادة تشكيل بنيته في مرحلة ما بعد الصراع، من خلال التلاعب بشبكات النخب([1]) ، واستغلال الفرص التي تتيحها ساحات المناورة الناشئة خارجياً، علماً أنها عملية مكلفة وذات تحديات عالية، ولكن لا بد للنظام منها للبقاء. وعليه تحاول هذه الورقة تحليل حالته.
على شفا الانهيار:اقتصاد متداعي وأمل غائب
تغدو مؤشرات الانهيار قائمة ولحظته مؤجلة لحين، فالاقتصاد متداعي ومقومات الإنتاج معطلة وكلفه مرتفعة، فضلاً بأن الليرة ليست بأفضل حالاتها، والتداعيات الاجتماعية لما سبق كارثية، ولا ينسحب ذلك على أنشطة اقتصاد الحرب المزدهرة، والمحصلة لا أمل يلوح بالأفق.
تعاكس سورية التوقعات السائدة بحدوث تحسن في النمو الاقتصادي عقب توقف النزاع، إذ شهدت مزيداً من التدهور الاقتصادي الحاد رغم تراجع العمليات العسكرية منذ ربيع عام 2020. تبعاً لتقديرات المركز السوري لبحوث السياسات، تجاوزت الخسائر التراكمية للاقتصاد السوري حاجز 650 مليار دولار نهاية عام 2021، كما انكمش الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021 بحوالي الخمس مقارنة بما كان عليه عام 2019، وكان قطاعي الزراعة والخدمات الحكومية الأكثر تأثراً، حيث تراجعا بنسبة 34% و30% على التوالي في عام 2021 مقارنة بما سبقه، مدفوعين بالجفاف وارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، وتراجع القيمة الحقيقية للأجور في القطاع الحكومي.
تظهر المؤشرات عجزاً متنامياً في الموزانة العامة، قدرها وزير مالية النظام السوري لعام 2023 بحوالي 4860 مليار ليرة سورية ([2])،يتم تغطيتها بأوراق مالية حكومية وقروض داخلية (بلغت سندات الخزينة ما مجموعه حوالي 750 مليار ليرة سورية، بين عامي 2020-2022([3])، وأخرى خارجية تتضارب التقديرات بخصوصها. كان لانهيار الاقتصاد وسياسات البنك المركزي إلى جانب الأزمة اللبنانية، أثر مباشر في تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، حيث تراجعت بنسبة 215% في عام 2020، و75% في عام 2021، و93% في عام 2022 مع تجاوز سعر الصرف في السوق السوداء حاجز 7000 ليرة سورية في كانون الأول 2022.
يعتبر انهيار الليرة السورية إلى جانب عوامل أخرى لا تقل أهمية مثل أزمة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، عوامل محركة وراء التضخم المرتفع. تبعاً لتقارير اقتصادية، ارتفع الرقم القياسي العام للأسعار بمقدار 6 أضعاف، والأسعار الغذائية بمقدار 6.7 ضعفاً خلال الفترة بين 2019-منتصف 2022، وبمقارنة المؤشرات على مستوى مناطق النفوذ، سجلت مناطق سيطرة النظام السوري أعلى مستوى للتضخم العام والغذائي([4]) .
ترك الانهيار الاقتصادي آثاره على المجتمع السوري، يمكن تلمسها في تسارع وتيرة انهيار الأمن الغذائي، مع تقديرات أممية تفيد بوجود 12 مليون سوري يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي لغاية ربيع 2022، بزيادة قدرها 51% مقارنة بعام 2019([5]) ، وتوقعات بأن يتجاوز الرقم 15 مليون في عام 2023([6]).كذلك يلحظ تغير في هيكل الفقر، مع إنزلاق السوريين من حالة فقراء ضمن حد الفقر الأعلى والأدنى إلى فقراء تحت خطر الفقر المدقع، لتحل محافظتي درعا ودمشق بالمرتبة الثانية والثالثة على التوالي في معدلات الفقر المدقع على مستوى سورية([7]). إلى جانب ما سبق، تدهورت الظروف المعيشية للسكان، ذلك ما أظهره تدهور المؤشر المركب للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتنمية البشرية، بما يفوق 10% بين عامي 2020-2012، تبعاً للمركز السوري لبحوث السياسات، مجبراً السكان على التكيف من خلال؛ تقنين احتياجاتهم الأساسية، والاعتماد أكثر على الحوالات والمساعدات الإنسانية، وما تقدمه الدولة من خدمات شحيحة، فضلاً عن الانخراط في أنشطة اقتصاد الحرب المزدهرة، إلى جانب الهجرة لمن استطاع إليها سبيلاً([8]) .
منذ الثمانينات، كان تراجع الخدمات الحكومية نمطاً ثابتاً، عززته السياسات النيولبرالية في عهد بشار الأسد([9])،في حين أثر الدمار الواسع الذي خلفته الحرب والأزمات الاقتصادية، كذلك الفساد المستشري المقدرة نسبته تبعاً لمصادر بــ 20-25% من إجمالي الناتج المحلي([10])،على قدرة مؤسسات الدولة على تقديم الخدمات مقارنة بما قبل عام 2011. يظهر ذلك في تواتر الأزمات الخدمية كأزمة المحروقات، التي اضطرت حكومة النظام إلى إعلان عطلة رسمية لعدة أيام، نظراً لعدم امتلاكها حلول جذرية، بالوقت الذي يتم فيه تحميل عبء الخدمات أكثر، على مجموعة من الجهات الفاعلة دولياً ومحلياً، إلى جانب الشبكات غير الرسمية للنظام السوري، في ظل تساؤلات حول قدرتها على ملئ الفجوات التي خلفها انسحاب الدولة.
بخلاف الاقتصاد الانتاجي المتعثر، ازدهرت أنشطة اقتصاد الحرب كالتهريب وتجارة المخدرات، حيث أشارت عدة تقارير إلى تورط هياكل أمنية وشخصيات قيادية في النظام إلى جانب شركاء آخرون، لتقدر مصادر القيمة الإجمالية لتجارة الكبتاغون بحوالي 5.7 مليارات دولار على الأقل في عام 2021([11])، تتيح للنظام موارد للتعاطي مع استحقاقاته للبقاء في السلطة.
التلاعب بالنخب ومساعي البقاء
اضطر النظام إلى توسيع شبكاته من النخب للتعاطي مع الاستحقاقات التي ولدها الحراك الثوري، ملتقطاً أنفاسه مع التدخل العسكري الروسي، مانحاً إياه ذلك التركيز على التهديدات الداخلية، عبر التلاعب بشبكات النخب، وتمكين شبكاته غير الرسمية ومؤسساته الخاصة، علماً بأن المهمة تعترضها تحديات جسام.
أوجد الحراك الثوري بيئة سياسية وأمنية جديدة، حملت معها لاعبين جدد كأمراء الحرب والوسطاء المحليين ورجال الأعمال، إلى جانب نخبة ما قبل عام 2011، الناجين من حملات الإقصاء والانشقاق، ليضم النظام هؤلاء جميعاً إلى شبكاته غير الرسمية مع الحرص على مركزيته، بغرض التعامل مع الديناميات الناشئة للحراك واستحقاقاته. أتاحت المسؤوليات والسلطات التي تحصلت عليها هذه النخب_ لأداء أدوار كانت حكراً على الدولة_ هامشاً من الاستقلالية وحضوراً متنامياً في قطاعات نشاطها، أثارت مخاوف القصر الجمهوري، الذي عمل تدريجياً على إعادة تشكيلهم، إما عبر تحجيمهم وإقصائهم، أو فرض مزيد من القيود عليهم أو عبر إعادة تنظيمهم بأدوات ناعمة، ذلك ما يمكن لحظه في المجال الاقتصادي.
يعتبر رامي مخلوف مثالاً على النخب التي أقصاها الأسد، فعلى الرغم من الدور المحوري الذي لعبه في الاقتصاد السوري، والثقة الممنوحة له لإدارة أموال العائلة الحاكمة، والاعتماد عليه للالتفاف على العقوبات الغربية والأمريكية، وما قدمته ذراعه الخدمية جمعية البستان الخيرية، من خدمات اجتماعية حيوية للقاعدة الاجتماعية للنظام، ودورها في الحشد والتعبئة للقتال دفاعاً عنه، إلا أن ذلك لم يشفع له، ليتم تفكيك مراكز قوته بالوقت الذي تعاظم فيه دوره. إن دلت قصة مخلوف على شيء، فهي أن الأسد لن يقبل باتفاقيات مشاركة السلطة مع أحد في مرحلة ما بعد الصراع، بما فيهم المقربون منه والأكثر ولاءً له، كذلك حرصه على مركزة مصادر الريع بين يديه، فتراكم رأسمال يساعده في بناء وتوسيع شبكاته من المحسوبيات([12])، والاستقلالية عن دعم النخب المحيطة به للبقاء.
منذ عام 2016، اتخذ النظام السوري إجراءات بحق مجتمع رجال الأعمال، تصاعدت وتيرتها منذ منتصف عام 2020، في ظل انهيار الليرة السورية وتحت تأثير الأزمة اللبنانية وقانون قيصر، وصلت حد الابتزاز المباشر والإكراه([13])، ولم يسلم من تلك الضغوط أولئك الذين لديهم صلات مع القصر الجمهوري([14]) .إلى جانب ما سبق، تم العمل على إعادة تنظيم النخب الاقتصادية بإجراءات ملطفة، يمكن لحظها بانتخابات غرف التجارة لعام 2020، حيث شهدت غرفتي دمشق وحلب معدلاً مرتفعاً من تجديد أعضائها، جزء منهم من النخبة الصاعدة التي راكمت ثرواتها خلال الحرب، وتربطهم صلات وثيقة بشخصيات من القصر الجمهوري([15]).
الأولوية لشبكات النظام ومؤسساته الخاصة
يستغل النظام الفجوات التي أحدثها تراجع دور الدولة، ومساحات الفراغ الناشئة في مجمع رجال الأعمال، للدفع بشبكاته غير الرسمية للتمدد سيما في المناطق ذات الأولوية له. تظهر العديد من الروايات سطوة متنامية لمكتب أسماء الأسد في ترتيبات السياسة الداخلية، وتوجيه العمل الحكومي([16])، فضلاً عن توسع ذراعها الأمانة السورية للتنمية بين عامي 2014-2020، مع إطلاقها لثمانية برامج جديدة أهمها جريح وطن، في ظل رعاية خاصة له من القصر الجمهوري، وتحصلها على تمويل من جهات مانحة بعضها أممي، باعتبارها أحد الشركاء الحصريين للجهات المانحة الراغبة بالعمل في مناطق سيطرة النظام، بذلك استطاعت الأمانة توفير منظومة متنوعة من الخدمات الاجتماعية طالت حوالي 1.5 مليون مستفيد في عام 2019، ولعل الأهم تمددها في الساحل لملئ فراع شبكات مخلوف التي تم حلها، ظهر ذلك في استجابتها لأزمة الحرائق عام 2020([17]).
قبل عام 2011، كانت المؤسسة العامة للتبغ مصدر هام لإيرادات خزينة الدولة، سيما في ظل ارتفاع الطلب محلياً على التبغ، حيث قدرت قيمة ما حولته للخزينة العامة بحوالي 19 مليار ليرة سورية عام 2009([18])، حوالي 420 مليون دولار، لتنخفض إلى حوالي 45 مليون دولار في عام 2021 ([19]) . في حين يمكن رد هذا الانخفاض إلى تراجع قدراتها الإنتاجية نظراً لما طالها من دمار، إلى جانب العقوبات المفروضة عليها منذ عام 2012، فإن السبب غير المعلن مزاحمتها من قبل شركة 1970 للتبغ، التي أقصت آل جابر ومخلوف من قطاع التبغ. تلك الشركة يبدو بأن لها صلات مع اللواء ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة،([20]) التي تدير بدورها تجارة الدخان المهرب عبر الموانئ والحدود التي تتواجد فيها([21]) ، ورعاية نقله إلى السوق المحلية والدول المجاورة كلبنان، من خلال التعاون مع حزب الله ووسطاء من سكان المناطق الحدودية([22]).
لا تبدو مساعي النظام في تمكين شبكاته أمراً يسيراً، فما تقدمه من خدمات يكاد لا يكفي الاحتياجات الأساسية راهناً، فكيف مع التدهور الحاد المتوقع للظروف الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً بأن قدرتها على الاستمرارية مرهون بتحصلها على تمويل، يبدو أنه في تراجع في ظل انخفاض التمويل الدولي للأزمة السورية([23])، واستهداف أنشطة اقتصاد الحرب للنظام. كذلك لا يبدو بأن لهذه الشبكات الحضور والقدرة على التعبئة ذاتها في جميع مناطق سيطرة النظام، إذ أنها أكثر حضوراً في المناطق التي بقيت تحت سيطرته، وتلك التي استعاد السيطرة عليها بالقوة العسكرية، منها في المناطق التي تنحسر فيها سلطته وتخضع لتقييدات فرضتها جماعات محلية أو تأثير حليفيه، هذا ما أظهره تحليل أداء شبكات النظام خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2021([24]).
في حين لم تظهر لغاية الآن مقاومة يعول عليها من قبل مجمع رجال الأعمال بما فيهم مخلوف، ضد الإجراءات المتخذة بحقهم لأسباب منها؛ قوة الإجراءات القسرية المتخذة بحقهم، وضعف شبكاتهم وترابطهم، وتخوفهم من كلف المواجهة المرتفعة، إلا أن تمدد شبكات النظام الاقتصادية ومساعيه لاحتكار مصادر الريع، يتوقع لها أن تصطدم باستحواذات حليفيه على القطاعات الاقتصادية الحيوية، كما يتوقع بأن تحفز مساعيه مستويات أعلى من المنافسة مع شركائه العاملين في أنشطة اقتصاد الحرب، إلى جانب عدم استقرار نخبة النظام الاقتصادية في ظل التلاعب المستمر بها، ليكون التعويل على المؤسستين الأمنية والعسكرية
إعادة ترتيب المؤسستين الأمنية والعسكرية
اتخذ النظام سلسلة من الإجراءات طالت المؤسستين العسكرية والأمنية، في مسعاه لضمان ولائها، وتمكينها من استعادة احتكار سلطة القهر مجدداً، كذلك احتواء تأثيرات حليفيه، في حين ما يزال مبكراً الحكم على مساعيه.
تجنباً للمشاكل المحتملة لتسريح الميليشيات، سواءً لحدوث نزاعات فيما بينها، أو تحويلها لأعداء ناقمين على النظام، لجأ الأخير إلى دمجها بمؤسسته العسكرية بطرق بدائية، على غرار ما فعل بدمج درعي القلمون والساحل في قوات الحرس الجمهوري([25]). كذلك تنظيم وضع القوات العاملة مع الإيرانيين في عام 2017 ضمن أفواج للدفاع المحلي([26]) ،ليتم البدء بتخفيض عديدها بنسبة 25% في صيف عام 2022، ودمج المسرحين منهم في المؤسسة العسكرية([27]). يعزز نهج النظام السابق نشوء منظومة عسكرية هجينة، يحتاج معها لوقت وموارد كبيرة لمعالجة اختلالاتها، فضلاً بأن جهود الدمج تصطدم بتحديات أبرزها، مواصلة إيران تطويع مقاتلين محليين ضمن ميليشياتها، مستغلة الاحتياج الاقتصادي المتنامي، وضعف قدرة جيش النظام على الانتشار على كامل الجغرافية السورية.
منطلقاً من مكانته وصلاحياته، لجأ بشار الأسد إلى التلاعب بالنخبة العسكرية والأمنية، عبر إجراء تعيينات ومناقلات دورية للقيادات العليا، سيما المشكوك في ولائهم، أو الذين لعبوا دوراً في تثبيت نظامه، ومن لاحقتهم تهم فساد وعقوبات وانتهاكات، أو المرشحين ليشكلوا مراكز قوة بما لديهم من امتدادات محلية أو روابط من الحلفاء. يتضح ما سبق أكثر في المؤسسة العسكرية التي تعرضت لاستنزاف كبير وترهل ملحوظ، جعلها أكثر عرضة لتأثيرات خارجية ومحلية، إلا أن معدل تغير قيادات الفرق لدى قوات نخبة النظام أقل مما هي عليه لدى فرق الجيش الأخرى، فعلى سبيل المثال، منذ بداية عام 2011 ولغاية 2022، تناوب على قيادة الفرقة الرابعة ثلاث ألوية أخرهم ماهر الأسد منذ عام 2018 وما يزال في منصبه، في حين تناوب خمسة ألوية على قيادة الفرقة الأولى أخرهم اللواء جابر علي جابر منذ آيار 2022. كذلك يوحي قرار الأسد تعيين وزير جديد للدفاع، وآخر لرئاسة الأركان في ربيع عام 2022 عقب شغوره منذ عام 2018، إمتلاكه هامش مناورة بعيداً عن حليفيه، ورغبته بترقية جيل من الضباط لرتب عليا، مستبدلاً بذلك أولئك الذين ساهموا في حماية نظامه، بما لا يجعله مديناً لهم بالبقاء.
إلى جانب ما سبق، بدا واضحاً حجم اهتمام النظام بتعزيز قوات النخبة لديه عبر زيادة عديد أفرادها وتشكيلاتها، ونشرها خارج قواعدها في العاصمة دمشق كما في حالة الحرس الجمهوري([28])، إلى جانب تطوير أدائها القتالي من خلال تنفيذها لعدد من المشاريع العسكرية العملياتية بإشراف روسي، فضلاً عن منحها امتياز إدارة أنشطة اقتصاد الحرب كما هو حال الفرقة الرابعة ([29])، بأسلوب مشابه لما دأب عليه قبل عام 2011، من حيث التركيز على وحدات نخبته، دون بقية تشكيلات الجيش السوري، والتي يبدو أن خطط إصلاحه مؤجلة لحين.
بالانتقال إلى المؤسسة الأمنية، ما تزال الأجهزة الأمنية متماسكة رغم ما لحق بها من خسائر، كذلك يلحظ بأن ثلاثة من قيادات الأجهزة الأمنية ما يزالون في مناصبهم منذ عام 2019، وهم رؤساء المخابرات العسكرية والجوية والعامة أو ما يعرف بأمن الدولة، في حين تمت إحالة اللواء ناصر العلي رئيس شعبة الأمن السياسي للتقاعد مطلع عام 2021 مع عدم التمديد له، ليحل مكانه اللواء غيث شفيق فياض ديب منذ شباط 2021. قد يوحي ما سبق باهتمام الأسد باستقرار عمل هذه الأجهزة، إلى جانب ثقته بقادة هذه الأجهزة في إنجاز ما كلفوا به، أو مراعاة لتوازنات معينة ذات صبغة مناطقية/ طائفية، ويكفي الإشارة بأن تعيين هؤلاء جاء في ذروة الخلاف مع مخلوف.
إضافة لما ورد أعلاه، يلحظ تنامي دور اللواء حسام لوقا مدير إدارة المخابرات العامة داخل المنظومة الأمنية، ومن مؤشرات ذلك توليه الإشراف على عدد من الملفات الأمنية داخلياً مثل؛ المصالحات والمعتقلين والمنطقتين الجنوبية والشرقية، فضلاً عن إدارة العلاقات الخارجية مع مشاركته في المنتدى العربي الاستخباراتي في تشرين الثاني 2021، وزيارته للمملكة العربية السعودية في كانون الأول 2022، ناهيك عن تنسيقه العالي مع روسيا، في إشارات قد يكون المقصود بها تهيئته للحلول مكان اللواء علي مملوك في رئاسة مكتب الأمن الوطني، أو تعويل الأسد على المخابرات العامة للتعاطي مع استحقاقات ملفات ما بعد الصراع، سيما في ظل الحديث عن دورات تأهيل خارجية لمجموعة من النقباء في سلك الشرطة، لرفد الأجهزة الأمنية وخاصة أمن الدولة برؤساء أقسام، وإعدادهم ليكونوا قيادات صف ثاني([30]).
تواجه الأجهزة الأمنية إشكاليات متعددة بعضها موروث، كمواصلتها عدم التنسيق البيني فيما بينها، والتنافس القائم بينها، وانتشار الفساد داخلها. أيضاً، وفي حين أن أذرعها قوية في مناطق لم يفقد النظام السيطرة عليها، أو استعادها عبر تدميرها عسكرياً وتجريفها ديموغرافياً، تواجه منافسة ومقاومة في المناطق التي تتشاركها مع قوات حليفة، أو تتواجد فيها مجموعات محلية مناوئة للنظام، كما في درعا والسويداء على سبيل المثال. كذلك يواجه النظام تحدي ترميم منظومته الأمنية بقيادات قادرة على إدارة الملفات الأمنية والتواصل مع نظرائهم في الخارج، بخلاف القيادات الأمنية السابقة وتلك القائمة حالياً، ممن راكموا خبرة في إدارة العمل الأمني ومعروفين لنظرائهم في الخارج، يحتاج النظام إلى وقت كافي لتجهيز قيادات صف ثاني ضمن الأجهزة الأمنية، وهذا ما سيترك تأثيراً على مسارات التنسيق الأمني وقنوات التواصل مع الخارج.
الاتكاء على الخارج: الريع والشرعية
كان الأسد معزول إقليمياً ودولياً، ومع رجحان كفته ميدانياً وسياسياً ضد خصومه بإسناد روسي حاسم، بدأت دول ومنظمات إعادة تقييم موقفها تجاهه، مدفوعة باعتبارات داخلية وديناميكات إقليمية ومصالح خارجية تحركها اعتبارات متعددة، لتطرح مبادرات بمسميات عدة، يجد فيها النظام فرصة لكسر العزلة المفروضة عليه، والتحصل على ريع يحتاجه وشرعية لتثبيت نظامه، إلا أن تصلبه وتفلت أوراق القوة من يديه، يقلل من المكاسب المتوقعة لهذه المبادرات.
منذ عام 2011، تعرض النظام لضغوط إقليمية ودولية، جعلته محاصراً ومعزولاً، ليكون التدخل الروسي عام 2015 نقطة تحول في مسار الحراك الثوري، أصابت خصوم الأسد بالإحباط من خطط إسقاطه. وفي سياق من التنافس الإقليمي والتهديدات الأمنية والتحولات الدولية، وجد بعض الخصوم أنفسهم مضطرين لتقييم موقفهم تجاه الأسد، والتجاوب مع المساعي الروسية، هذا ويمكن تأطير مساعي الانفتاح على الأسد ضمن ثلاث موجات. في كانون الأول 2018، أعلنت الإمارات والبحرين إنهاء العزلة الدبلوماسية مع النظام، ومحركها في ذلك دعم دمشق في إطار التنافس الجيوساسي مع تركيا وإيران([31]). خبت الموجة الأولى من الانفتاح على النظام، لتعاود مجدداً الانتعاش في عام 2021 بتوقعات إضافية، نظر لها مراكز دراسات غربية تحت عنوان الخطوة_ خطوة([32])، فضلاً عن ديناميكية إقليمية أوسع قائمة على تهدئة التنافس الجيوسياسي لصالح ترتيبات مصلحية اقتصادية. في هذا السياق، برز حراك أردني على خط واشنطن لإعادة إحياء خط الغاز العربي، بغية دعم اقتصاده المأزوم وإنجاز تكامل إقليمي اقتصادي، واحتواء النفوذ الإيراني على حدوده الشمالية من بوابة استعادة العلاقات مع دمشق ودعمها([33])، لتعقد لقاءات أمنية وزيارات لوفود اقتصادية بين البلدين، يبدو بأنها لم تثمر.
في عام 2022، تزعمت تركيا الموجة الثالثة من الانفتاح على النظام، أسس لها ضغط روسي، وقنوات لم تنقطع بين الجانبين سيما أمنياً، وفي حين لا يمكن إنكار البعد الداخلي في دفع أنقرة للتواصل مع دمشق، وهي على أعتاب انتخابات حاسمة في عام 2023 يحتاجها الحزب الحاكم، فإن مخاوفها الأمنية من طروحات تجميد الصراع([34])، وشرعنة ما هو قائم، في ظل عدم تجاوب الإدارة الأمريكية بشكل جدي مع هواجسها، دفعها للتواصل مع النظام السوري، في ظل انخفاض التوقعات من أن يثمر المسار عن اختراقات نوعية.
لم تكن مبادرات التطبيع مع النظام بمستوى توقعات الدول التي باشرتها، فضلاً بأن بعضها ما يزال قيد الاختبار، فطروحات استعادة الدور العربي مع دمشق لجذبها بعيداً عن طهران، وتقوية موقفها في مواجهة تركيا لم تؤتي أكلها، فضلاً بأن الدعم المقدم للحيلولة دون انهيار الدولة السورية، ما يزال دون المستوى المطلوب للتعامل مع الاحتياجات الهائلة في ظل قيود غربية وأمريكية، فضلاً عن استئثار الأسد ونخبته بموارد الريع القادم من الخارج. في حين لا يمكن التقليل من احتمالات انخراط دول أخرى في مسار التطبيع مع النظام، إلا أن التعويل عليه كشريك مسؤول لمعالجة ملفات أمنية وإنسانية، وتكامله مع المسارات الإقليمية الناشئة اقتصادياً، مسألة فيها نظر لعدة أسباب منها؛ بنية النظام الذي يقتات على الأزمات والريع المتولد عنها لا على حلها، مقاربة النظام في استنزاف الخصوم لا بناء شراكات معهم، سقف مطالب النظام المرتفع للتحصل على تنازلات وضمانات أمنية واقتصادية دونما تقديم تنازلات نوعية، عدم امتلاك النظام حرية العمل محلياً وإقليمياً في ظل تقيد يداه من قبل حليفيه، وافتقاده للموارد الكافية للمضي قدماً، وتفلت أوراق إقليمية من يديه.
بالمقابل، يسعى النظام لتسويق المبادرات وكأنها نصر سياسي له وإقراراً بشرعيته، إذ أنها تكسر العزلة المفروضة عليه، وعلى خطى إعادة دمجه تدريجياً في المنظومة الإقليمية كفاعل، فضلاً بأنها تخضع الأزمة السورية لمسارات تفاوض ثنائية مع الدول، وما يعنيه ذلك من نسف طروحات الحل السياسي أممياً مع المعارضة السورية. أما اقتصادياً، يريد النظام من هذه المبادرات التحصل على دعم يمكنه من مواجهة استحقاقاته الاقتصادية والإنسانية، ويبدو بأن مساعيه تكللت بنجاح محدود، مع إمداده بدعم من دولة الإمارات تبعاً لمصادر صحفية([35])، يحول دون سقوطه، لكنه غير كافي لمواجهة استحقاقاته وتحدياته.
الخاتمة
يشهد الاقتصاد السوري سلسلة من الانهيارات المتواصلة، تجعل الوضع قابلاً للانفجار في أي لحظة، ومع تراجع دور الدولة وخدماتها، والعبء المتنامي على مجموعة من موفري الخدمات المحليين والخارجيين، بما يفوق استطاعتهم في ظل انخفاض التمويل المخصص لسورية، فإن النتائج ستكون كارثية على الدولة والمجتمع السوريين، ليكون الانخراط في أنشطة اقتصاد الحرب أكثر جاذبية، ولآخرين خيار النزوح والهجرة الحل الوحيد.
في ظل هذه البيئة من التأكل المتواصل والانهيارات المتتالية، يجد نظام الأسد نفسه مضطراً للمضي قدماً لتوطيد سلطته، عبر مد شبكاته غير الرسمية وتقوية هياكله الخاصة، وإعادة ترتيب وضع مؤسستيه الأمنية والعسكرية، معتمداً على حلول بدائية، وأدوات تمزج ما بين الإكراه والتدخل الناعم، مع العلم أن مساعيه لن تبصر النور في المدى المنظور، لما يواجه جهوده من تحديات جسام لا يمتلك الموارد والقدرات لمعالجتها، ليراهن على عامل الوقت ليس إلا.
تنطوي عملية إعادة بناء النظام وتوطيد سلطته على درس هام، يتمثل بنهج الأسد رفض اتفاقيات مشاركة السلطة في مرحلة ما بعد الصراع، واستعداده لإقصاء أي مصدر للخطر مهما كان مقرباً، كذلك حرصه على مركزة مصادر الريع بين يديه، بما يجعله مستقلاً عن دعم النخب المحيطة به، لتكون النتيجة ضغوط أكثر على النخب للتحكم بها، ومساحات أقل للتحرك من داخل النظام، وبنية أكثر تصلباً.
تتفاوت توقعات الدول فيما يتعلق بالانفتاح على نظام الأسد، وبغض النظر عن المسارات التي اتخذتها، إلا أنها أعطت الأسد انطباعاً مفاده بأن مواصلة التعنت يفي بالغرض ويجلب مكاسب بالنهاية، وبالتالي مواصلة سياسة الصبر الإستراتيجي التي لا يملك سواها في ظل تفلت أوراق قوة من يده محلياً وإقليمياً، مراهناً على ضعف خصومه المحليين، وابتزاز الخارج بمزيد من الفوضى، للتحصل على مكاسب تعينه على بقاء نظامه. وفي ظل منح الأسد هدايا مجانية دونما مقابل، وغياب فعل سياسي جاد من المعارضة لترتيب إدارة مناطقها محلياً، والتحرك دبلوماسياً وتفعيل دور الجاليات السورية خارجياً، لا يتوقع إلحاق الهزيمة بنظام الأسد في المدى المنظور، بالتعويل فقط على الأزمات التي يشهدها.
([1]) النخب هي؛ أولئك الذين تكمن أفضليتهم في النسبية في وصولهم إلى الأجهزة القسرية، والفرص الاقتصادية والثروة والمؤسسات الحكومية ورأس المال الاجتماعي، والذي يؤدي تعاونهم المتعمد مع النظام دوراً في مهماً في بقائه. للمزيد مراجعة، عمار الشمايلة، آلان الأوسكان، محمد زهر، تحولات نخبة النظام الحاكم في الحرب الأهلية السورية (2016-2021): مقاربة سوسيو-اقتصادية. مجلة عمران، العدد 40/ المجلد 10. ربيع 2022. https://bit.ly/3CJXzLn
([2]) عجز الموازنة السورية يزداد في 2023.. زيادة الرواتب “ممكنة”، عنب بلدي، 01 تشرين الثاني 2022. https://bit.ly/3w02p2Z
([3]) إياد الجعفري، سوريا..ولعبة تدوير الدين العام الداخلي، المدن، 27 كانون الثاني 2022. https://bit.ly/3kjds56
([4]) المركز السوري لبحوث السياسات، دليل المركز السوري لبحوث السياسات لأسعار المستهلك في سوريا لفترة تشرين الأول 2020- حزيران 2022. 08 كانون الأول 2022. https://bit.ly/3vVbj1V
([5]) برنامج الأغذية العالمي: الجوع في سوريا يبلغ مستويات تاريخية، والملايين على شفير الهلاك، الأمم المتحدة، 09 آيار 2022. https://bit.ly/3X4IxHZ
([6]) Humanitarian needs in Syria have reached their worst levels since conflict began nearly 12 years ago, the Security Council heard on Wednesday. UN. 21 Dec 2022. https://bit.ly/3WiWu49
([7]) الفقر الأعلى: معدل الفقر الإجمالي. أما الفقر الأدنى: فهو معدل الفقر الشديد كمؤشر على عدم تلبية الاحتياجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة. أما الفقر المدقع كمؤشر على الحرمان من الغذاء. للمزيد مراجعة دليل المركز السوري لبحوث السياسات لأسعار المستهلك في سوريا لفترة تشرين الأول 2020- حزيران 2022.
([8]) أشارت دراسة لمركز السياسات وبحوث العمليات بأن 63% من المستطلع أرائهم في دمشق في عام 2021، قد عبروا عن رغبتهم بالهجرة. للمزيد مراجعة سلطان جلبي، الاتجاه نحو الهجرة في العاصمة السورية دمشق. مركز السياسات وبحوث العمليات. 2021. https://bit.ly/3X1lfTy. يتقاطع ما سبق مع تقديرات إحصائية غير رسمية بارتفاع معدل الهجرة منذ عام 2019 ليسجل 8 لكل ألف نسمة، ليكون المعدل أكبر مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. للمزيد زياد غصن، أزمة ديموغرافية في سوريا: الهجرة تُكمل ما بدأته الحرب، الميادين، 16 تشرين الثاني 2021. https://bit.ly/3iwOSgg
([9]) Joseph Daher. State Institutions and Regime Networks as Service Providers in Syria. Middle East Directions. 2020. https://bit.ly/3ZweKd5
([10])زياد غصن : /64/ مليار ليرة سورية قيمة مبالغ الفساد ومحاربته ليست بالتنظير، المشاهد، 15 أيلول 2022. https://bit.ly/3QuUIeT
([11]) بعوائد بلغت 5.7 مليارات دولار عام 2021.. "دولة الكبتاغون" بمناطق النظام السوري، الجزيرة، 27 أيلول 2022. https://bit.ly/3X3BXlb
([12]) Joseph Daher, The Syrian Presidential Palace Strengthens its Concentration of Power: The Rift Makhlouf-Assad. Middle East Directions. 13 May 2020. https://bit.ly/3VZam3e
([13]) سنان حتاحت، البقاء أم الرحيل؟ معضلة رجال الأعمال السوريين المستقلّين، Middle East Directions، تشرين الثاني 2021. https://bit.ly/3iry6PX
([14]) الأسد يوسع حملته على التجار..لتشمل عمّ زوجته طريف الأخرس، المدن، 21 أيلول 2021. https://bit.ly/3Qy0SdY
([15])جوزيف ضاهر، غرف التجارة السورية في العام ٢٠٢٠: صعود نخبة جديدة من رجال الأعمال، Middle East Directions، نيسان 2021. https://bit.ly/3QGUph1
([16])في عام 2021، أرسل مكتب السيدة أسماء الأسد عقوداً إلى وازرة التربية، تلزمهم بتعهيد مناقصة طباعة الكتب المدرسية إلى عدد من شركات القطاع الخاص. مقابلة أجراها الكاتب مع مصدر محلي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية. صيف عام 2021. يتقاطع ما سبق مع حضور دانا بشكور مديرة مكتب أسماء الأسد مع وزير التربية دارم طباع في موسكو خلال توقيع اتفافية في المجال التربوي مع روسيا. اتفاقية تعاون بين وزارة التربية وجامعة روسية، سانا، 28 تشرين الأول 2021. https://bit.ly/3W5fOBK
([17])سباق التبرعات مستمر.. “الأمانة السورية للتنمية” تجمع ستة مليارات ليرة لمتضرري الساحل، عنب بلدي، 15 تشرين الأول 2020. https://bit.ly/3WaPaak
([18]) عفراء محمد، زراعة التبغ في الساحل.. من ضيع أمجاد الماضي، E syria، 22 تشرين الأول 2010. https://bit.ly/3nfBXxY
([19]) 15 مليار و820 مليون ليرة ارباح المؤسسة العامة للتبغ للعام الماضي، الصفحة الرسمية لوزارة الصناعة على الفيس بوك، تاريخ الزيارة 25 حزيران 2022. https://bit.ly/3bsHfUp
([20]) شركة دخان تابعة لـ ماهر الأسد تسيطر على سوق التبغ المستورد في سوريا، تلفزيون سوريا، 28 آب 2021. https://bit.ly/3iH21Dx
([21])عدنان عبد الرزاق، الموانئ السورية تبيض ذهباً لنظام الأسد... تهريب وسلاح ومخدرات، العربي الجديد، 8 كانون الثاني 2022. https://bit.ly/3bwXEY0
([22]) مصدر وزاري للشرق الأوسط: الدخان الأجنبي المهرب يحرم الخزينة من ملايين الدولارات، النشرة، 13 أيلول 2019. https://bit.ly/3HTwbMa
([23]) زياد غصن، التمويل الإنساني يتراجع في سوريا: التّعليم والصحّة والتعافي المبكر الأكثر تضرراً، الميادين، 22 تشرين الثاني 2022. https://bit.ly/3vX26WH
([24])فريق مشروع زمن الحرب وما بعد الصراع في سوريا، الشبكات والتعبئة والمقاومة في الانتخابات الرئاسية في سوريا لعام ٢٠٢١، Middle East Directions، 02 تموز 2021. https://bit.ly/3IJNWjk
([25]) خضر خضور، الميليشيات المسببة للمتاعب، ديوان/ مركز كارنيجي للشرق الأوسط، 07 تشرين الثاني 2018. https://bit.ly/3CGk9UP
([26])يزن شهداوي، النظام السوري يقترح دمج المليشيات الإيرانية رسمياً في قواته، العربي الجديد، 08 أيار 2017. https://bit.ly/3X7N8tb
([27])مقابلة أجراها الكاتب مع مقاتل في قوات الدفاع المحلي بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي. صيف 2021.
([28])"الحرس الجمهوري".. تشكيلات جديدة لتعزيز حماية الأسد منها "اقتحام نسائى" (صور وأسماء)، زمان الوصل، 29 أيار 2021. https://bit.ly/3J6tdGI
([29]) للمزيد مراجعة، أيمن الدسوقي، شبكة اقتصاد الفرقة الرابعة خلال الصراع السوري، Middle East Directions، 13 كانون الثاني 2020. https://bit.ly/3k5FMHM
([30])ورشة داخلية أجراها مركز عمران حول تقييم حالة النظام السوري. اسطنبول، كانون الأول 2022.
([31]) البحرين والإمارات تعيدان فتح سفارتيهما في سوريا: قرقاش: الدور العربي ضروري لمواجهة التغوّل الإيراني والتركي. أخبار الخليج. 28 كانون الأول 2018. https://bit.ly/3IK4xnj
([32]) Like, A Path to Conflict Transformation in Syria. A Framework for a Phased Approach. Carter center. Jan 2021. https://bit.ly/3ZDEe8o and Raphael Parens and Yaneer Bar Yam. Step by Step to Peace in Syria. New England Complex Systems Institute. 09 Feb 2016. https://bit.ly/3kjb4v1
([33]) “خط الغاز العربي”..بوابة اقتصادية لتطبيع سياسي مع نظام الأسد؟. السورية نت. 29 أيلول 2021. https://bit.ly/3QHeEv4
([34]) Charles Lister. Freeze and Build: A Strategic Approach to Syria Policy. Middle East Institute. 14 March 2022. https://bit.ly/3Xg82q6
([35]) عدنان عبد الرزاق، الإمارات تدعم الأسد بالدولار: شحنات عملة من أبوظبي إلى دمشق وراء تحسن الليرة، العري الجديد، 03 كانون الأول 2020. https://bit.ly/3X9STGA
كانت الانقلابات العسكرية متتالية ومتتابعة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ومنها انقلابُ لويس ميزا في بوليفيا عام 1980، حيث لم يستطع ميزا تحسينَ اقتصادِ بلاده أو إيجاد سبل لرفع المستوى المعيشي للمواطنين، فعمل على تحويل الدولة إلى مصنعٍ ومتجرٍ للمخدرات وتصديرها إلى أميركا اللاتينية بالتزامن مع مجازره ضد الشعب البوليفي عبر مؤسساته القائمة على المخدرات، مما أدى إلى نهاية حكمه بعد عام واحد ومحاكمته لاحقاً بعد 15 عام، وأطلقت الولايات المتحدة الأميركية على النظام البوليفي حينها مصطلح دولة المخدرات “narco-state”، إشارة إلى الدولة التي تستخدم تجارة المخدرات كمصدر اقتصادي أساسي لتمويل نظامها الحاكم واستبداده.
أقرَّ مجلس النواب الأميركي في 21 أيلول 2022 قانوناً ينص على تعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات وتجارتها ورَبَطَهُ بشبكات نظام بشار الأسد، وفي خطابه أمام مجلس النواب قال النائب فرينش هيل “نظام الأسد أصبح دولة مخدرات”، وبذلك استجلب النائب توصيفاً مضى على إطلاقه أكثر من 40 عاماً ليصِفَ مدى خطورة الأسد ودوره في عملية تصنيع وتصدير المخدرات ليس فقط باتجاه الدول المجاورة له بل حتى نحو دول المنطقة ككل.
مشرفو المخدرات في مؤتمر تحويل التعليم
عُقدت في نيويورك منتصف أيلول 2022 قمة تحويل التعليم، التي هدفت إلى الارتقاء بالعملية التعليمية حول العالم وصياغة سياسات جديدة من شأنها تعزيز التنسيق بين البلدان المشاركة، ورفع سوية التعليم في البلدان التي تعاني من الأزمات والحروب، وتم توجيه الدعوات إلى الدول، ومن بينها دعوة لنظام الأسد لإرسال مسؤولي التعليم فيها للمشاركة وعقد ورش العمل، وقد ضمَّ وفد النظام خيرة خبرائه في مجال الإشراف على تجارة المخدرات وترويجها في الوزارات والمؤسسات القائمين عليها وهم: دارين سليمان رئيسة الاتحاد الوطني لطلبة سورية، دارم الطباع وزير التربية والتعليم، سومر طاهر رئيس اتحاد شبيبة الثورة ومحمد عزت عربي كاتبي رئيس منظمة طلائع البعث.
حيث عزز وزير التعليم المشارك في القمة من علاقته بشبكات المخدرات عبر ابنه مهاب، الذي هاجمته صفحات مؤيدة معتبرة أنه يملك شبكة كبيرة لتجارة المخدرات مطالبة أباه الوزير بعدم التدخل لإيقاف الإجراءات المطالبة باعتقاله، في حين انتشرت تجارة المخدرات في عدد من المدارس الواقعة تحت سيطرة النظام بشكل علني وعلى مرأى من الكوادر التدريسية والإدارية كما في مدارس مدينة السويداء.
إذ تشكلت شبكات المخدرات هناك في المنشآت التعليمية وتحت حماية الميليشيات المسلحة المرتبطة بالأفرع الأمنية، أما على صعيد تمثيل طلاب التعليم الجامعي في القمة عبر تواجد دارين سليمان، فيُشار إلى أن السكنات الجامعية أصبحت مكاناً لترويج الدعارة والمخدرات ضمن مسيرة “التطوير والإصلاح”، وقد انتشرت فضائح متتالية آخرها محاولة قتل طالبة في السكن الجامعي بجامعة البعث بتورطٍ مباشر من علي حمادي مسؤول فرع الاتحاد الوطني لطلبة سورية في الجامعة، وبذلك جاء وفد نظام الأسد إلى القمة في نيويورك، حاملاً معه خبرته في تحويل مؤسسات البلاد التعليمية إلى حطام بسبب البراميل التي دمرتها وتحويل المتبقي منها إلى مصانع ومتاجر كبتاغون لتمويل مخابراته ومرتزقته.
ثنائية الإرهاب والمخدرات
كشفت تسريبات ويكيليكس عدداً كبيراً من الوثائق المرتبطة بسورية، أحدها كان الاجتماع بين دانييل بنيامين منسّق مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية، وفيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري آنذاك في شباط 2011 بمشاركة مدير المخابرات العامة علي مملوك، دار الاجتماع حول الجماعات الإرهابية في العراق، وقد لخصَ مملوك سياسة الأسد في التعامل مع الجماعات المتطرفة بقوله: “النجاح السوري تمثل في اختراق المجموعات الإرهابية، وحصول سورية على ثروة من المعلومات، نحن من حيث المبدأ لا نهاجمهم أو نقتلهم، بل نتمدد داخل هذه المنظمات عن طريق اختراقها بعناصرنا”.
تمثلت سياسة نظام الأسد الهادفة لكسب ود الدول الغربية وإعادة تطبيعها معه خاصة بعد القطيعة التي حلت بينهم وبين الأسد بعد ضلوعه في اغتيال رفيق الحريري ودعمه للجماعات المتطرفة في العراق، عبر تقديم الأسد نفسه على أنه القادر على تفكيك تلك الجماعات التي ساهم هو في وجودها وبذلك انضم إلى حلف مكافحة الإرهاب، بعد أن كان نظامه معبراً للمتطرفين باتجاه العراق، ويشرح دافيد دبليو ليش في كتابه سقوط مملكة الأسد تغير الموقف الأميركي تجاه بشار الأسد من وضع سورية على لائحة الدول المتوقع شن عملية عسكرية عليها بعد العراق، إلى التنسيق معها باعتبارها فاعلاً أساسياً في عملية مكافحة الإرهاب بحكم معرفة النظام واختراقه لتلك الجماعات عبر عناصر أو قيادات تابعة له.
يُعيد الأسد اليوم سلوكه في صناعة الفزاعة ثم إقناع الدول بالتطبيع معه من أجل القضاء عليها ولكن في قضية المخدرات، فتزامناً مع مشاركة نظام الأسد في مؤتمر مكافحة المخدرات في حزيران 2022؛ كانت الجمارك الأردنية تُحبط محاولة تهريب شحنة مخدرات قادمة من سورية باتجاه الأراضي الأردنية، ومع تسارع أخبار إحباط عمليات تهريب المخدرات من سورية، جاء قرار مجلس النواب الأميركي بشكل مباشر تجاه الأسد، معتبراً إياه المسؤول الأول عن كثافة المخدرات القادمة من الأراضي السورية، واستخدم القرار ضمن بنوده قانون Kingpin الذي ينص على محاربة الأشخاص المسؤولين عن تجارة المخدرات حول العالم.
لم يكن الحراك الأميركي منعزلاً عن التحقيقات الغربية بخصوص تورط الأسد بشكل مباشر في عمليات تصنيع المخدرات، فقد نشرت مجلة دير شبيغل الألمانية تحقيقاً حول تورط بشار الأسد بتجارة المخدرات بعد تحقيقات قامت بها السلطات الألمانية مع متورطين تم القبض عليهم، وأكد التحقيق أن التجارة تتم بشكل مباشر عن طريق جيش الأسد وخاصة الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد التي تشرف على تصنيعه وإخراجه من سورية.
ختاماً، يستخدم الأسد اليوم ورقتين في سبيل تطبيع علاقاته مع دول المنطقة والدول الغربية، أولهما استخدام ورقة الجماعات الإرهابية مثل قوات سوريا الديمقراطية وثانيهما ورقة المخدرات لدفع الدول المتضررة للتعاون معه من أجل مكافحتها، مستخدماً إياهما كأوراق أخيرة بعد فشل محاولات روسيا وبعض الدول العربية في إعادته إلى الحضن العربي وتحسين علاقته مع الدول الغربية بالمساعي الدبلوماسية والسياسية، وبعد القانون الأميركي خسر الأسد أحد أوراقه واقتصرت فعالية ملف المخدرات على تأمين مصدر اقتصادي يعوّض بشكل جزئي الانهيار الاقتصادي الذي يعاني منه في محاولة لإبقائه قائماً إلى حين حدوث متغيرات دولية أو انهياره تماماً.
أصدر بشار الأسد بتاريخ 30 نيسان/أبريل المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2022 القاضي بمنح عفو عام عن "الجرائم الإرهابية" المرتكبة من السوريين والواردة في القانون 19 لعام 2012 وقانون العقوبات العام، عدا تلك الجرائم التي أفضت لموت إنسان. وقد شكل هذا المرسوم (وهو المرسوم الثالث والعشرون الذي يمنح عفواً عاماً منذ بداية عام 2011) نقطة "جذب واهتمام" لدى العديد من الفاعلين الدوليين والإقليمين، لما له من تشابك وظيفي مع ملف العودة، أو ملف الإصلاح الداخلي.
ومما زاد أهمية هذه النقطة أنها أتت تزامناً مع سلسلة من الخطوات والقوانين والتصريحات التي هدف النظام من خلالها الإيحاء بالتماهي مع القانون الدولي الإنساني، كإطلاق وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة النظام دورات تدريبية عدة تتعلق بالقانون الدولي الإنساني، واعتماد برنامج دراسات عليا خاص بالقانون الدولي الإنساني في أحد الجامعات الحكومية([1])، وتأكيدات نائب وزير الخارجية والمغتربين بشار الجعفري، في تصريحات له بعد صدور مرسوم العفو، على "ريادة سورية في برامج التأهيل والتوعية بما يتعلق بالقانون الدولي الإنساني"([2]). يضاف إلى كل ذلك جملة من القرارات والتصريحات الحكومية حول إمكانية عودة الملاحقين والمطلوبين إلى جهات أمنية دون أي مساءلة، وذلك بالاستفادة من مرسوم العفو الأخير([3])، بالإضافة لقيام بشار الأسد بإجراء تغيرات في عدد من المناصب العسكرية العليا، كتنصيب وزير دفاع جديد لم يسبق له قيادة وحدات عسكرية مقاتلة، وكذلك تعيين رئيس لهيئة الأركان العامة، بعد شغور المنصب لأربع سنوات منذ بداية عام 2018([4]).
تطرح هذه الإجراءات التي باتت محل نقاش دولي سلسلة من التساؤلات: بأي إطار يمكن فهم فلسفة هذه الخطوات؟ وما الآثار التنفيذية لها؟ وما واقعها؟ وهل تعكس مؤشراً ما في تغيير في سلوك النظام؟ إذاً، ستشكل الإجابات عن هذه الأسئلة فهماً ومدخلاً مهماً في سردية النظام الجديدة، وعليه ستفكك هذه الورقة كيفية إدارة النظام لملفي الاعتقال والعفو، ومدى مراعاته للسياق السياسي والأمني، وستناقش النص القانوني لمرسوم العفو، ومدى ارتباطه بالقوانين الأخيرة التي أصدرها النظام، وستقيس كمياً ونوعياً نتائج هذا المرسوم، من خلال متابعة سياسات التنفيذ، وستقف الورقة في ختامها على جملة من النتائج التي ستفيد في استنباط الاستراتيجية والفلسفة العامة للنظام ومدلولاتها من جهة، وفي تلمس تداعيات هذه الاجراءات على ملفي الاعتقال والعفو من جهة أخرى، وما تستوجبه من توصيات وحزم سياسات.
منذ بداية الحرك الثوري اتبع النظام سياسات ممنهجة ضمن إجراءات متنوعة بهدف "إدارة الأزمة"، واحتواء الحراك الشعبي، عبر الاعتقال والإخفاء القسريين لعدد كبير من المعتقلين، ومن ثم سوق اتهامات ملفقة لهم، ثم إجبارهم على الاعتراف بها تحت التعذيب، لتفضي في النهاية إلى تجريم معظم المعتقلين([5])، وليصار إلى عرض غالبية المعتقلين على محاكم عسكرية واستثنائية بدءاً بمحكمة أمن الدولة([6])، ثم إحالة عدد كبير من المعتقلين إلى محاكم الميدان العسكرية والخاصة بالجنايات العسكرية زمن الحرب، التي تم توسيع نطاق عملها في عام 1980 ليشمل المدنيين والعسكريين خلال النزاعات الداخلية([7])، بالإضافة لإحالة المعتقلين إلى محكمة قضايا الإرهاب، التي تم تأسيسها بالقانون 22 لعام 2012، بناءً على قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012، مع استمرار عمل محاكم الميدان العسكرية بالوتيرة نفسها.
إضافة لما سبق، وفي حالات نادرة، كانت الأجهزة الأمنية تقوم بإحالة بعض المعتقلين إلى القضاء المدني والمحاكم العسكرية، فيما لا تخضع إحالة الأجهزة الأمنية للمعتقلين، في أي من المحاكم المشار إليها، إلى معايير قانونية واضحة، لجهة اختصاص المحكمة المحال إليها بملف الدعوى من عدمه([8])، كما لم تلتزم محاكم الميدان العسكرية ومحكمة قضايا الإرهاب بمحاضر التحقيق وخلاصاتها التي اعترف بها المعتقل تحت التعذيب، ولم يكترث قضاة محاكم الميدان والإرهاب بتصريح المعتقل بأن إفادته في المحضر قد اُنتزعت تحت التعذيب، بعكس المحاكم المدنية والعسكرية([9])، كل ذلك وسط تجاوز واضح لأحكام دستور عام 2012، وخاصة المادتين 51 و53 منه([10]).
ارتبطت مراسيم العفو الصادرة منذ بداية عام 2011 بغايات أمنية وسياسية للنظام، متناغمة مع تنوع وجوه الصراع، فلم تشمل في العام الأول المعتقلين على خلفية الثورة، واقتصرت سياسات العفو وإخلاء السبيل على شروط أمنية عرفية وأخرى قضائية صرفة، فأخلي سبيل بعض المنخرطين في الحراك بناءً على تعليمات غير رسمية من قيادات الأجهزة الأمنية، أو خلية الأزمة، أو رأس النظام نفسه([11])، فيما أدت إحالة الكثير من المعتقلين إلى القضاء المدني مطلع العام الأول للثورة إلى قيام القضاة بإطلاق سراحهم لعدم كفاية الأدلة، أو كون اعترافاتهم قد انتزعت تحت التعذيب، أو تم إخلاء سبيلهم بكفالة. بينما اهتمت معظم المراسيم اللاحقة بمعالجة النظام للنزيف البشري الذي عانت منه بنيته البشرية في الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية.
بشكل سنوي، ومنذ عام 2011 كان يصدر مرسوم عفو واحد على الأقل، وفي بعض السنوات كان يصدر 3 إلى 4 مراسيم عفو. وتتنوع مراسيم العفو الصادرة ضمن عدد من الفئات، وذلك بحسب "الجرائم" التي تضمنت العفو عنها، إذ يمكن تقسيمها إلى مجموعة فئات كما يلي:
على الرغم من كافة مراسيم العفو الصادرة إلا أن أعداد المعتقلين والمختفين قسرياً ما زال مرتفعاً، وهناك عشرات الآلاف من السوريين ما يزال مصيرهم مجهولاً في أقبية سجون النظام السوري، وقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الانسان أنه ما يزال هناك قرابة 132 ألف معتقل ومختف قسري([12]). وفيما يلي أعداد المعتقلين سنوياً([13]):
يمكن تتبع المنهجية العامة لمراسيم العفو من خلال ما شملته من جرائم، ويُلاحظ على سبيل المثال أن مرسوم العفو الصادر بالمرسوم التشريعي 61 لعام 2011 قد شمل جميع الجرائم المرتكبة قبل هذا التاريخ، جنحاً كانت أم جنايات أم مخالفات، بالإضافة للعفو عن كامل العقوبة للجرائم المنصوص عليها في القانون 49 لعام 1980، والذي يجرم الانتساب لجماعة الإخوان المسلمين بحكم الإعدام، كما استمرت عمليات إطلاق سراح المعتقلين الإسلاميين والناشطين المعارضين والحقوقيين الذين تمت محاكمتهم سابقاً أمام محكمة أمن الدولة العليا خصوصاً بعد صدور مرسوم إلغاء حالة الطوارئ وإغلاق محكمة أمن الدولة بتاريخ 21 نيسان/أبريل 2011 وإنهاء العمل بأحكامها. تسبب المرسوم 61 لعام 2011 بإخلاء سبيل عشرات المجرمين الجنائيين وأصحاب السوابق، بالإضافة لجرائم الفرار الداخلي والخارجي من الخدمة العسكرية.
يمكن القول: إن عمليات الإفراج والاعتقال في العام الأول للثورة كما في الأعوام التالية خضعت لمقاربات النظام الأمنية والسياسية، وركزت في السنة الأولى على الاعتقال العشوائي لغربلة الحراك ونخب قياداته والمؤثرين فيه، ورسم خارطة أولية لحدوده وأطره، وأسهم العفو الواسع عن السجناء الجنائيين وأصحاب السوابق إلى تسميم المجتمعات المحلية الثائرة وغيرها، واستثمار حالة الفراغ التي بدأت معالمها بالظهور مع انحسار الدولة تدريجياً عن مشهد الإدارة والحكم في هذه المجتمعات، كما تسببت عودة عدد من المعتقلين الإسلاميين إلى مجتمعاتهم الثائرة أو انخراط بعض من ينتمي منهم إلى مجتمعات محلية هادئة نسبياً أو مطلقاً إلى خلخلة في الحراك، وفي اتساق مطالبه وانسجامها بشكل عابر للمناطق والمكونات الطائفية والإثنية والتيارات الأيديولوجية. أما على صعيد من شملهم العفو من العسكريين في مقابل تصاعد الاعتقالات على الشبهة السياسية والطائفية في الجيش فيمكن اعتباره محاولة لغربلة مؤسسة الجيش قبل العمل على تورطها بشكل كامل في الصراع، في مقابل تحييد قطاع واسع من العسكريين عن الانخراط في حركة الانشقاق المتسارعة، لتلافي مؤشرات العجز في البنية البشرية.
مع وصول بعثة المراقبين العرب المشكلة بموجب المبادرة العربية التي أطلقتها الجامعة العربية ووافق عليها النظام السوري بتاريخ 19 كانون الأول/ديسمبر 2011، أصدر بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 10 لعام 2012 القاضي بمنح عفو عام عن "الجرائم المرتكبة على خلفية الأحداث التي وقعت منذ 15آذار/مارس 2011"([14])، وهو المرسوم الأول من نوعه الذي يمنح عفواً عن المعتقلين على خلفية الأحداث، في مسعى من النظام لإظهار حسن النية والإيجابية في التعاون مع البعثة العربية، ثم لم يلبث النظام أن أعاد اعتقال جلّ من شملهم هذا العفو بعد مغادرة البعثة العربية لسورية. أما مراسيم العفو اللاحقة فلم تشمل المعتقلين على خلفية أحداث الثورة إلا في تهم بسيطة جداً منها: "إضعاف الشعور القومي"، أو "نقل أخبار كاذبة"، والمنصوص عليها في قانون العقوبات العام وتعديلاته([15]). بصورة عامة، لم ترق مراسم العفو لتشمل العدد الأكبر من المعتقلين، بل كانت تستثني عدداً كبيراً من الحالات التي تمت إدانة الكثير من المعتقلين وفقها، كما استثنت هذه المراسيم وبشكل دائم المعارضين السياسيين للنظام السوري.
شهد العام الثاني للثورة وما بعده تغيراً في سياسات النظام المتعلقة بالاعتقال والعفو، فأحيلت معظم ملفات المعتقلين إلى المحاكم الاستثنائية، التي لا تحتكم إلى قانون أصول المحاكمات الجزائية، وتفتقر إلى وجود مستويات للتقاضي، فاتسعت رقعة تخصص محاكم الميدان العسكرية، كما أصدر النظام قانون مكافحة الإرهاب، بالإضافة لتأسيس محكمة للنظر بقضايا الإرهاب بالتوازي مع إصدار دستور عام 2012، والذي نص كما سبق على مواد تتناقض مع هذه التوجهات، وأصبح ملفتاً أن النظام يركز أكثر على احتجاز أكبر عدد من المعتقلين بشكل تعسفي، والإمعان في ارتكاب جرائم التعذيب والإخفاء القسري، والتخفيف إلى حد شبه كامل من عمليات العفو والإفراج، ما يفسر ارتفاع عدد المعتقلين بشكل كبير في تلك الفترة، وبالإمكان هنا ملاحظة ثلاثة متغيرات أثرت في سياسة النظام تجاه الاعتقال والعفو اعتباراً من العام الثاني للثورة السورية:
يمكن القول بأن السياسيات الأمنية وآليات إدارة الأزمة داخلياً وخارجياً هي التي تحكم عمل النظام بما يتعلق بآليات الاعتقال والعفو، إذ يتم إلباسها في النهاية صيغاً قانونية وحوكمية شكلية، فالأساس في سياسة النظام ليس مراسم العفو، بل قيامه بتنفيذ اعتقالات مستمرة وبشكل يومي، خصوصاً في بدايات الثورة السورية ما بين عامي 2011 – 2015، وهو ما ساهم في زيادة أعداد المعتقلين بشكل مضطرد، حتى تجاوز أكثر من مئة ألف معتقل، قُتل قسم كبير منهم نتيجة ممارسات التعذيب من قبل عناصر الأجهزة الأمنية، بالإضافة لنقص الرعاية الطبية، وكذلك الظروف غير الإنسانية في المعتقلات.
لقد اتبع النظام في سياسة إصدار مراسم العفو سياسة عدم إطلاق المعتقلين دفعة واحدة، وأوهم بأنها عملية مستمرة، كما أنه لم يُصدر أي قوائم بمن تم العفو عنهم، بل ترك الأمر مبهماً في ظل سياسة التعتيم ورفضه الاعتراف بعدد المعتقلين أو الكشف عن مصيرهم ومصير المغيبين قسراً، وهذا النهج هو استمرار لنهج النظام في قضية المعتقلين على خلفية أحداث ثمانينات القرن الماضي، فقد استمر النظام حتى عام 2021 بإصدار عفو عن معتقلين بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وهو نهج يساعد النظام – حتى الآن – بشكل أو بآخر على التهرب من اتهامه بالتورط بعمليات تصفية تحت التعذيب، وإعدام خارج إطار القضاء، وتورطه وكذلك بجرائم الإخفاء القسري، كما ساعده ذلك النهج في إظهار نفسه كنظام يخوض حرباً ضد الإرهاب، وبأنه غير متورط بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية.
بعد إعادة سيطرة النظام على مناطق واسعة من البلاد، وتطبيقه الحل الصفري في تلك المناطق، ذهب إلى هذا الحل بمنظور ومقاربة خاصة به، عبر الإيحاء أن الحل التنفيذي ينبع من داخل الدولة/النظام ومن خلال أقنيتها، وجاء المرسوم التشريعي 7 لعام 2022 تتويجاً لسلسلة من الإجراءات التي سبقته كقانون تجريم التعذيب، وكذلك إلغاء العقوبات الشاقة المؤبدة وغيرها، وقد قصد النظام بتلك الإجراءات تحسين صورته، في خضم محاولات إعادة تعويمه، وضمن محاولاته الحثيثة للعودة إلى معادلات شبيهة لما قبل آذار 2011.)[16] (كسرت محاولات النظام تلك قيام صحيفة الغارديان البريطانية([17]) بنشر تقريرها حول مجزرة حي التضامن بدمشق بتاريخ 27 نيسان/ أبريل 2022، والمقاطع المروعة للمجزرة التي واكبت نشر التقرير، الأمر الذي يفسر ربما مسارعة النظام في الإعلان عن المرسوم رقم 7 مستثمراً فرصة حلول عيد الفطر، ليبدو الأمر وكأنه محاولة للانفتاح على المجتمع السوري من جديد([18]). ويحاول النظام دوماً الاستفادة من المتحولات والمتغيرات السياسية الدولية والإقليمية واستثمارها كمكاسب بالتوازي مع إصدار العفو والتي يمكن شملها بالآتي:
تجدر الإشارة ابتداءً إلى أن بشار الأسد احتكر دوماً إصدار مراسيم العفو عبر مراسيم تشريعية، إذ لم يقم مجلس الشعب السوري، الذي يفترض بأنه ممثل للسلطة التشريعية في البلاد، بإصدار أي قانون عفو، مع أن منح العفو العام هو حق دستوري لهذه السلطة، إذ تنص المادة رقم /75/ من دستور 2012، على أن يتولى مجلس الشعب سلطة إقرار العفو العام، في حين أن المادة رقم 108 من الدستور تنص أن "يمنح رئيس الجمهورية العفو الخاص، وله الحق برد الاعتبار".
وبتحليل نص مرسوم العفو رقم 7 وما لحقه من تصريحات، فإنها تؤكد على شكلانية معيار قوة النص وشموليته، (عدم ارتباطه بمهلة زمنية، ويشمل كافة "الجرائم الإرهابية" المرتكبة قبل تاريخ صدوره، كما أنه يشمل كامل مدة العقوبة، ولم يستثن هذه المرة المواد التي سبق أن استثناها في المراسيم السابقة)([21]). لكن غياب الحديث عن الرقابة وآليات المتابعة وجهاتها (مؤسسات حماية القانون ومراقبة تنفيذه)، يجعل قوة هذا النص لغوية دون أن يكسبها قوة قانونية، فقوة القانون بنفاذه، ووجود مؤسسات مدنية منتخبة تصونه.
كما يُلاحظ أيضاً، أن مرسوم العفو لا يتضمن عفواً عن الجرائم المرتكبة وفقاً لقانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية وتعديلاته([22])، والذي يسمح بخضوع المدنيين أمام محاكم الميدان العسكرية، والذي يضم مواداً تحوي عشرات التهم لمن تم الزج بهم في سجون النظام منذ عام 2011 وحتى الآن([23])، وهذا الاستثناء من نص المرسوم يُشكل ثغرة قانونية تسمح للنظام بإبقاء المعتقلين في سجونه بناءً على الجرائم الواردة في هذا القانون، خصوصاً أن توصيف الجرم يمكن أن يتغير بحيث يتم بناءً على مادة قانونية غير مشمولة بمرسوم العفو، وهذا التغيير يتم بسهولة تامة عبر القضاة الذين يستخدمهم النظام لمحاكمة المعتقلين، وفي أحيان كثيرة تتكفل الأجهزة الأمنية بعملية التوصيف التي يتبناها القضاة تلقائياً لا عبرة بالمواد التي تشملها مراسيم العفو، أو تلك التي لا تشملها([24])، فمعظم المعتقلين والمعتقلات والمختفين/ات قسراً عرضوا على محاكم استثنائية تعتمد على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، رغم تأكيد أغلب المعتقلين أنه تم تعذيبهم للحصول على معلومات غير حقيقية تجرمهم وفق مواد من قانون العقوبات العام وتعديلاته، أو قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية وتعديلاته، أو قانون مكافحة الإرهاب. مع العلم بأن عدداً كبيراً من المعتقلين ممن استثناهم العفو الأخير هم ناشطون مدنيون لم يتسببوا بمقتل أحد([25])، أما من لم يحالوا إلى المحاكم بعد، أو أولئك الذين هم قيد المحاكمة أمام محاكم الميدان العسكرية أو القضاء العسكري أو القضاء المدني، فلم يشملهم العفو بنص المرسوم.
وفيما يتعلّق بالأموال المنقولة وغير المنقولة للمعتقلين والمختفين قسراً، لم يتناول مرسوم العفو موضوع الأموال المنقولة وغير المنقولة التي تمت مصادرتها بناءً على خلفية القوانين الصادرة بحق من تم تجريمهم نتيجة المشاركة بالثورة منذ عام 2011، ما يسمح للنظام باستمرار مصادرته لهذه الأموال والاحتفاظ بها.
من جهة ثانية، أكد بيان وزير العدل في حكومة النظام سيولة النص التي تتيح للأجهزة الأمنية إعادة تفسير نصوصه بالشكل الذي يناسبها، إذ ربط إلغاء كافة البلاغات والإجراءات (إذاعة بحث - توقيف - مراجعة) المستندة إلى الجرائم المنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب وذلك بحق السوريين في الداخل والخارج، بشرط ما لم يتسبب فعلهم بموت إنسان، أو يثبت استمرار انتمائهم إلى تنظيمات إرهابية، أو ارتباطهم مع دول أخرى، وهذا ما لاتستطيع تحديده إلا الأجهزة الأمنية، التي ما تزال تعمل دون وجود لوائح وأنظمة قانونية مستقاة من مواد دستورية([26]). كما لا يُعتقد أن بيان وزير العدل سيمنح فرصة جدية للعفو عن المطلوبين، إذ يتضمن البيان إلغاء البلاغات وإجراءات إذاعة البحث والتوقيف والمراجعة المستندة فقط إلى قانون مكافحة الإرهاب، وهي خاصة بالنيابة العامة في محكمة الإرهاب
أما إجرائياً، لم تؤثر هذه الإجراءات على سلوك الأجهزة الأمنية، إذ لم تلغ مذكرات الإحضار وإذاعة البحث والتوقيف والمراجعة، فقد استمرت عمليات الاعتقال لبعض العائدين، كما أن المراجعة الأمنية لمن هو عائد لم تتوقف، وبقيت الأجهزة الأمنية تُطلب ممن عاد لمناطق سيطرة النظام بناءً على مرسوم العفو، أو ممن لم يكن مطلوباً لأحدها أساساً، بمراجعة فروع ومفارز هذه الأجهزة([27]). وعلى الرغم من صدور مرسوم العفو والقرارات التي أعقبته ما تزال الاعتقالات مستمرة في مناطق سيطرة النظام، فقد وثقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تنفيذ 124 حالة اعتقال/ احتجاز تعسفي، من ضمنهم عدد من السيدات والأطفال، وذلك بعد صدور مرسوم العفو([28])، كما تم رصد حالات قليلة لإعادة اعتقال بعض ممن شملهم العفو نتيجة ورود أسمائهم في نشرات بحث لأجهزة أمنية معينة.
كما كان واضحاً تغييب النظام لأي دور لمنظمات المجتمع المدني السورية كما جرت العادة، عن القيام بأي دور لمراقبة تطبيق مرسوم العفو وآليات الإفراج، والإشراف على المفرج عنهم، وضبط أعدادهم، والتأكد من تطبيق العفو على من يشملهم، وملاحظة الحالات التي شملها العفو ولم تخرج، فضلاً عن التواصل مع الأهالي في مناطقه وتقديم الدعم اللازم لهم. أما المنظمات الدولية فلا يسمح لمكاتب الأمم المتحدة والصليب الأحمر (والتي يعتقد أن موظفين مقربين من السلطة يشغلون وظائف في مكاتبها بدمشق([29])) أي هامش للتحرك لزيارة السجون، وخاصة سجن صيدنايا سيء الصيت، والتحقق من آليات الإفراج عن المعتقلين، والأعداد المتبقية، ولم تسجل أي سابقة لزيارة موظفين من الأمم المتحدة لزيارة هذه السجون.
وتبين الأرقام أدناه أن الحالة الدعائية لمرسوم العفو هي غاية كبرى، فالأرقام المتواضعة لأعداد المفرج عنهم بعد صدور المرسوم تكذب الادعاءات التي ساقها النظام حول العفو:
وبالسياق ذاته، فقد رافق إجرائيات التطبيق تلك سلسلة من الخطوات التي تؤكد على دلالات الدعاية السياسية، ويتجلى ذلك في الاحتفاء الواسع لمؤسسات الدولة به، إذ دعت وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة النظام سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية لاطلاع المغتربين السوريين على مرسوم العفو للتأكد مما إذا كان يشملهم، وذلك عبر تقديم طلب استعلام بشكل شخصي، ستقوم الوزارة بالتأكد، عبر منصة مشتركة مع وزارة الداخلية، مما إذا كان المرسوم يشمل الأسماء التي سيتم إرسالها عبر المنصة، ليصار إلى موافاة البعثات بالمطلوب أصولاً. ومما يؤكد الجانب الدعائي هنا الواقع القانوني إذ إنه "ليس باستطاعة وزير تقييد مرسوم"، لأن المرسوم أعلى وأسمى من البيان الصادر عن وزير العدل من الناحية القانونية، ولا يحق للوزير أن يتوسع في تفسير المرسوم، أو أن يعطي تأويلات غير موجودة في المرسوم([34]).
يدلل استمرار اعتقال وإخفاء النظام لآلاف المواطنين إلى محاولته تنفيذ استراتيجية طويلة الأمد بما يتعلق بالمختفين قسراً، قائمة على نسيان الأهالي ذويهم، والتسليم بأنهم ماتوا في سجون النظام، دون التمكن من التحقق من ذلك، أو المطالبة بهم لبقاء الأمل حياً بأن أبناءهم وذويهم أحياء وسيتم إطلاق سراحهم مستقبلاً. يتزامن ذلك مع رفض النظام حتى الآن، الإفصاح عن قوائم المعتقلين والمختفين لديه، وقد يفسر ذلك بأنه محاولة لنفي المعلومات التي تتبناها الجهات الحقوقية عن مقتل الآلاف في سجونه، فضلاً عن الاستمرار بإخفاء عشرات آلاف آخرين. كما قام النظام بإخراج المعتقلين وبعض المفقودين على دفعات متباعدة ضمن استراتيجية قد يبدو الهدف منها ألا يضطر النظام للإجابة الآن عن الأسئلة المتعلقة بمصير الآلاف الذين ما زالوا في عداد المختفين قسراً في سجونه، الأمر الذي يثير مخاوف من أن تشجع هذه السياسة شبكات الاحتيال للترويج لقوائم مزورة عن المفرج عنهم، ومن سيفرج عنهم، بهدف ابتزاز الأهالي الذين ينتظرون خروج ذويهم في هذا العفو أو غيره مُستقبلاً([35]).
تدفع "شكلانية مراسيم العفو" التي يصدرها النظام باتجاه تكثيف الجهود الوطنية باتجاه تبني مقاربة وطنية اتجاه الملف الحقوقي عموماً، عبر دعم ثلاثة حزم سياسات تشترك فيما بينها في أهمية وجود ملكية جماعية للمجتمع المدني السوري ككل، سياسيين وحقوقيين، لملف المعتقلين والمختفين قسراً([36])، ويمكن استعراض هذه الحزم على النحو الآتي:
أولاً: حزمة المسار السياسي: والتي تطالب من خلالها القوى الوطنية بتبني سياسة عملية تواجه سياسات تجزئة ملف المعتقلين والمختفين قسراً، أو سياسات عرضه للتفاوض، أو حتى اعتباره تقدماً في مسار سياسي. وترتكز هذه السياسة على عناصر عدة، أهمها: دعم تشكيل "آلية مستقلة دولية" للكشف عن المختفين قسراً، إضافة إلى آليات مراقبة تنفيذ عمليات الكشف وضمان تنفيذها في "بيئة آمنة"، تمنع تكرار الانتهاكات من اعتقال تعسفي وإخفاء قسري وتعذيب ومحاكم استثنائية؛ كما تستند هذه السياسة إلى ضرورات الارتباط ما بين الملف الحقوقي وعملية الإصلاح القضائي والقانوني، وعلى شروط الحد الأدنى التي يتبناها مجتمع الناجين والضحايا والعائلات في رفض تفكيك مسألة المعتقلين والمختفين قصراً وإفلات الجناة من العقاب. وهذا الأمر يتطلب بطبيعة الحال سلسلة من التحركات، وتكثيف الأنشطة والفعاليات السياسية، لبحث ملف المعتقلين والمختفين قسراً، بهدف قطع الطريق على محاولة النظام تحويل الملف من ملف وطني دافع للاستقرار إلى ملف حكومي يستخدمه للتهرب من جرائمه، ولجعله بوابة لعودة تطبيع المجتمع الدولي والإقليمي معه.
ثانياً :حزمة المنظمات الحقوقية ومراكز الدراسات: إذ تركز هذه الحزمة على دور المنظمات الحقوقية ومراكز الدراسات في رفد الحراك الحقوقي والفاعل السياسي بالمعلومات والتقارير، وتغطية الجانب التقني وتطوير سياسات عمل المسار السياسي والمجتمع المدني عموماً، والمساعدة في التنظيم وتطوير الخطاب وبناء القدرات، والتشبيك مع المنظمات الدولية الفاعلة، ورسم استراتيجيات الحشد والمناصرة، إضافة إلى المساعدة في مأسسة عمل الحراك الحقوقي السوري (كروابط الضحايا والناجين وحركات العائلات) لتطوير قدراتها على الاستجابة لحالات طارئة كالعفو الأخير (دعم نفسي للعائلات - توعية قانونية - دعم للناجين الجدد)، ولخلق توازن بين استغراق الروابط والحركات الحقوقية في العمل الحركي والحاجة للمأسسة والحوكمة الداخلية.
ثالثاً: حزمة الحراك الحقوقي السوري: والتي تنطلق من أهمية تنظيم مجتمع الناجين والضحايا وعائلاتهم لبناء تيار شعبي حقوقي فاعل ومؤهل لقيادة العمل على ملفات الاعتقال والإخفاء القسري والعدالة والمحاسبة، والتشبيك مع الفواعل السياسية الوطنية والدولية ومنظمات المجتمع المدني.
عموماً؛ يمكن القول: إن هذا المرسوم أتى تتويجاً لمجموعة من الإجراءات والقوانين التي تم إصدارها خلال الفترة الماضية، والتي تظهر توجهاً ما لدى النظام لتحسين ملفه في حقوق الإنسان وفق مقاربته الخاصة، التي يبدو أنها لم تتجاوز الحيز الشكلي حتى الآن، وذلك سواء بما يتعلق بنصوص القوانين، أو التغييرات في بعض المناصب العسكرية والأمنية، وصولاً إلى خطوات أولية في تبني القانون الدولي الإنساني([37])، فقد سبق للنظام إصدار قانون حماية الطفل، كما قام بتعديل بعض مواد قانون العقوبات العام، وإلغاء العقوبات الشاقة المؤبدة من التشريعات السورية كافة، بالإضافة لإصداره قانون تجريم التعذيب، وكذلك منح عفو عن الفارين من الخدمة العسكرية، ثم أخيراً إصدار المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2022، وكذلك تصدير شخصيات عسكرية جديدة غير مدرجة على قوائم العقوبات، ويصعب أيضاً ربطها بالانتهاكات المرتكبة بحق الشعب السوري.
يأتي كل ذلك وسط محاولات من النظام السوري لإعادة تعويم نفسه، وخصوصاً من خلال البوابة العربية، وذلك عبر طي صفحة الماضي، والعودة إلى معادلات شبيهة بما قبل عام 2011، من خلال القيام بخطوات شكلية، سواءً على المستوى الحقوقي، أو على المستوى السياسي والسياساتي، إذ تصب الخطوات التي يعمل عليها النظام في جهوده الرامية في، وإعادة إنتاج مقاربة حقوقية وسياسية خاصة بالنظام في هذه الملفات، بحيث يتم تعريف البيئة الآمنة على طريقة النظام، وبالصورة التي تظهر "جديته في التجاوب مع الطروحات الدولية للحل السياسي، ورغبته بعودة اللاجئين بأمان وكرامة"، وبالتالي تخفيف العقوبات والعزلة الدولية المفروضة عليه، كل ذلك لا يمكن فصله بحال عن ظهور مؤشرات لتغير في أوزان اللاعبين الدوليين في المشهد السوري إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، واضطراب التوازنات الدولية، ما ينبئ بتغيير ما في قواعد اللعبة في سورية، وبالتالي محاولة النظام السوري في إيجاد تسارع من أجل الاستجابة لتلك التحولات.
أولاً: جدول بالمراسيم التشريعية التي تتضمن عفواً منذ بداية عام 2011:
ثانياً: تحليل كمي لمراسيم العفو:
([1])"إطلاق ماجستير تأهيل وتخصص في القانون الدولي الإنساني"، جريدة البعث، 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3AuIltd
([2]) "الجعفري: الدولة رائدة عالمياً في التوعية بالقانون الدولي الإنساني"، جريدة الوطن السورية، 6 حزيران/ يونيو 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3uqQ47C
([3]) "البيان رقم 6547"، وزارة العدل في حكومة النظام السوري (صفحة الوزارة الرسمية على فيسبوك)، 7 أيار/ مايو 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3bHGlmY
([4])"الأسد يصدر مرسومين بترقية وزير الدفاع إلى رتبة عماد وتعيين رئيس لهيئة الأركان"، سانا، 30 نيسان/ أبريل 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3S2CK3t
([5]) مقابلات مع مجموعة من الناجين من الاعتقال بالتعاون مع رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا في الفترة ما بين 10 أيار/مايو إلى 30 حزيران/يونيو 2022.
([6]) ألغيت بالمرسوم التشريعي رقم 53 لعام 2011.
([7]) المحدثة بالمرسوم التشريعي رقم 109 لعام 1968، ثم تم توسيعه بالمرسوم التشريعي رقم 32 لعام 1980.
([8]) اتصال أجراه الباحث بتاريخ 21 حزيران/يونيو 2022 مع أحد المحامين المترافعين لدى محكمة الجنايات في قصر العدل بدمشق، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه.
([9]) يقصد هنا المحاكم العسكرية العادية التي يحكم بها قاضي الفرد العسكري.
([10])مقابلات مع مجموعة من الناجين من الاعتقال، مصدر سابق.
([11]) اتصال هاتفي مع ضابط أمن منشق.
([12])"ما لا يقل عن 131469 ما بين معتقل ومختف قسرياً لدى النظام السوري منذ آذار 2011"، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 30 كانون الأول/ديسمبر 2021، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3NQxdd8
([13]) مراسلات عبر الايميل مع نور الخطيب العاملة في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في الفترة الممتدة ما بين نهاية تموز ونهاية آب 2022.
([14]) "المرسوم التشريعي 10 لعام 2012 منح عفو عام عن الجرائم المرتكبة على خلفية الأحداث التي وقعت منذ 15-3-2011"، مجلس الشعب السوري، 15 كانون الثاني/يناير 2012، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3unEUkf
([15]) "قانون العقوبات العام 148 لعام 1949، المعدل بالمرسوم التشريعي 1 لعام 2011"، مجلس الشعب السوري، 15 كانون الثاني/يناير 2012، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3nKv1JH
([16]) محسن المصطفى، "النظام السوري: رسائل السياسة المحلية إلى المجتمع الدولي"، معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط Timep، 15 أيلول/سبتمبر 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3SjGexV
([17]) Martin Chulov: “Massacre in Tadamon: how two academics hunted down a Syrian war criminal”, The Guardian, April 27, 2022, Link: https://bit.ly/3P9ORd5
([18]) تجدر الإشارة بأنه من غير الممكن اعتبار مرسوم العفو رداً على مجزرة التضامن التي سبقت إصدار مرسوم العفو بيومين، باعتبار أن هذا المرسوم والمراسيم السابقة لا تصدر في يوم أو يومين، بل تحتاج إلى وقت كاف لكي تتبلور صيغة العفو بصيغته القانونية التي تصدر عادة بها، كما يمكن القول بأن هذه المراسيم تحكمها كما تمت الإشارة سابقاً سياسات النظام في التعاطي الداخلي مع الأزمة وفق الفعل لا وفق ردّات الفعل.
([19]) توسيع دائرة العفو الرئاسي في سورية، صحيفة البيان الإماراتية، 12 أيار / مايو 2022، الرابط الإلكتروني: https://bit.ly/3pHoKiP
([20]) هل تستغل بعض الدول والأحزاب مرسوم العفو رقم "٧" لإعادة اللاجئين، صحيفة عنب بلدي، 20 أيار / مايو 2022، الرابط الإلكتروني: https://bit.ly/3UmAZPT
([21]) "المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2022 منح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة قبل تاريخ 30-4-2022"، مجلس الشعب السوري، 30 نيسان/أبريل 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3yLX15K
([22]) المرسوم التشريعي 61 لعام 1950 قانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية، مجلس الشعب السوري، 13 آذار/مارس 1950، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3Lh0EUh
([23]) مرجع سابق.
([24]) ثمة عُرف أو منهجية متعارف عليها بين الفروع الأمنية والقضاة في المحاكم العسكرية والاستثنائية، إذ إن كل إضبارة معتقل تتضمن في تذييلها اعتراف المعتقل بـ "شاركت مع آخرين بإطلاق النار على قوى الجيش والشرطة والأمن مما أدى إلى إصابة ومقتل عدد منهم"، ويكفي ذلك لكي يقوم القاضي بإصدار حكم الإعدام أو السجن المؤبد على المعتقل. محادثة هاتفية مع ضابط أمن منشق.
([25]) مقابلة للباحث بتاريخ 30 أيار/ مايو 2022 مع أحد المشمولين بالعفو، والذي وصل إلى الشمال السوري.
([26]) "البيان رقم 6547"، مصدر سابق.
([27]) تواصل الباحث مع مواطن ومواطنة سوريين تم استدعاؤهما إلى المراكز الأمنية فور عودتهما إلى البلاد بعد صدور مرسوم العفو، فضلا عدم الكشف عن هويتهما كونهما ما يزالان في مناطق خاضعة لسيطرة النظام، بتاريخ 10 حزيران/ يونيو 2022 و19 تموز/ يوليو و2022 على الترتيب.
([28]) "تقرير نصف سنوي: توثيق ما لا يقل عن 1024 حالة اعتقال/ احتجاز تعسفي في النصف الأول من عام 2022 بينهم 49 طفلاً و29 سيدة، منها 164 حالة في حزيران"، الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 5 تموز/يوليو 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3bTwlr0
([29]) "تسريبات: جسر تتريث في نشر قائمة بأقارب رموز النظام يديرون مكتب دمشق لمفوضية اللاجئين للأمم المتحدة"، صحيفة جسر الإلكترونية، تاريخ النشر: 11 آذار/مارس 2019، رابط الإلكتروني: https://bit.ly/3ckfb5U
([30]) "تقرير نصف سنوي: توثيق ما لا يقل عن 1024 حالة اعتقال/ احتجاز تعسفي في النصف الأول من عام 2022 بينهم 49 طفلاً و29 سيدة، منها 164 حالة في حزيران"، مصدر سابق.
([31]) إحصائيات رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا والشبكة السورية لحقوق الإنسان، مصدر سابق.
([32]) إحصائيات رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا والشبكة السورية لحقوق الإنسان، مصدر سابق.
([33]) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع المدير التنفيذي لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا "دياب سرية" بتاريخ 22 حزيران / يونيو 2022.
([34]) "تشكيك حقوقي في قرار النظام السوري وقف الملاحقات المتعلقة بجرائم الإرهاب"، العربي الجديد، تاريخ النشر: 9 أيار/مايو 2022، تاريخ الوصول: رابط إلكتروني: https://bit.ly/3yntyOc
([35]) "انتظارات وسماسرة أمام سجن صيدنايا.. كأننا من عالم آخر”، المدن، تاريخ النشر 4 أيار/مايو 2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3B30Q8f
([36]) يمكن تعريف المجتمع الحقوقي السوري بأنه مجموعة المنظمات الحقوقية وروابط الضحايا والناجين وحركات العائلات والتي هي جزء من المجتمع المدني السوري، كما يمكن تعريف الحراك الحقوقي السوري بأنه مجموعة التجمعات التي تأخذ شكلاً تنظيمياً شعبياً حقوقياً كروابط الضحايا والناجين وحركات العائلات. وأما المنظمات الحقوقية أو الداعمة لملف حقوق الإنسان في سورية فهي المنظمات غير الربحية العاملة على رصد وتوثيق واقع حقوق الإنسان في سورية والقيام بأنشطة مناصرة وتمكين حقوقي.
([37]) "ما هو القانون الدولي الإنساني؟"، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تاريخ النشر: 30 أيار/مايو 2022، تاريخ الوصول 6/7/2022، رابط إلكتروني: https://bit.ly/3ykj42j
بتاريخ 8 كانون الثاني 2022 قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد العبدالله تصريحاً لصحيفة الاستقلال ، ضمن تقرير بعنوان: " أهداف أخرى وراء سعي إيران للاستثمار بنفط سوريا.. ما موقف الأسد وروسيا؟ ".
شخص فيه الباحث الغايات التي تسعى إليها إيران من التوجه للاستثمار في قطاع النفط رغم محدودية الفرص المتاحة فيه في الوقت الحاضر.
المصدر جريدة الاستقلال: https://bit.ly/3HZHGjY
تتعدد المقاربات الإقليمية المطروحة لسورية، ولكنها تتقاطع في تأكيدها على تقوية الدولة على حساب المجتمع، والدمج الإقليمي كمدخل لإعادة الاستقرار لسورية، في حين أن المراد إطار إقليمي يصون الدولة، ولا يلغي الشروط المحلية المهيئة للاستقرار.
مقاربة الدمج الإقليمي واستعادة الدولة
يمكن تأطير وجهات النظر المفسرة لإندلاع الحركة الاحتجاجية في سورية عام 2011 في تيارين، يعتقد الأول بأنها نتاج لعوامل داخلية مركبة تتصل باستعصاء النظام السياسي المركزي، وعطالته في إدارة الدولة وتمثيل المجتمع، ويجدون حججهم في متوالية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت وما تزال بسورية منذ إنقلاب البعث عام 1963، في حين يعتقد التيار الثاني بأن الحركة الاحتجاجية مجرد انعكاس لانهيار النظام الإقليمي وتآكل الدولة السورية، وتحولها من فاعل إقليمي إلى ساحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية.
يجد هذا الانقسام تعبيراته في نظرة مؤيدي كل منهما لمصدر الشرعية وكيفية تسوية “الأزمة” السورية، إذ يؤكد الأول على حل سياسي يؤسس لإنتاج منظومة سياسية شرعية من وجهة نظر السوريين، دون أن يلغي دور الإقليم والمجتمع الدولي كحواضن ضرورية لإنجاح هذا الاتفاق. في حين يعتقد التيار الثاني بأن الحل يكمن في تقوية الدولة على حساب المجتمع السوري، ودمجها في محيطها الإقليمي لتوفير شرعية خارجية، تساعدها في معالجة التحديات الداخلية التي تعترضها.
تعتبر روسيا أبرز ممثلي التيار الثاني، حيث تواصل جهودها لإعادة فرض سيطرة النظام على كامل الجغرافية السورية، كذلك الدفاع عنه في المحافل الدولية، من منطلق روايتها المتمركزة حول حماية الدولة واستعادتها، والدفاع عن ممثلها الشرعي وهو النظام السوري. ترى موسكو بأن إعادة دمج النظام في محيطه الإقليمي، من خلال ترتيبات أمنية ثنائية أو متعددة، كذلك إعادة دمجه في جامعة الدول العربية، سيوفران شرعية وغطاء سياسياً، يساعدان سورية في معالجة تحدياتها الداخلية، وتبعاً لذلك يقع الانتقال السياسي الجدي خارج التفكير الروسي.
أيضاً، يتبنى عدد من الدول العربية هذه المقاربة بشكل أو بآخر، يظهر ذلك في مشروع “الشام الجديد”، الذي عبر عنه بشكل صريح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي خلال زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أيلول 2020، حيث يستند المشروع إلى دراسة أعدها البنك الدولي عام 2014 بعنوان ” Over the horizon: A new Levant”، لتشكيل تكتل اقتصادي بين دول مصر والعراق والأردن، علماً أن سورية ليست بعيدة عن هذا المشروع، سيما مع إعادة تفعيل اتفاق نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسورية. بحسب محللين، فإن للمشروع أهداف غير ملعنة تتمثل بتعزيز كيان الدولة، في ظل ما تواجهه من تحديات اقتصادية واجتماعية وجيوسياسية أمنية متنامية، سيما في سورية التي تتهددها مخاطر وجودية، كذلك فإن دمجها من جديد في إطار إقليمي عربي تقوده مصر، يمكن له أن يخفف من التأثيرين الإيراني والتركي في سورية، وبالتالي توفير استقرار سياسي من نوع ما.
درعا ساحة للاختبار
تعتبر درعا مثالاً يمكن من خلاله اختبار فرضية مدى قدرة الدمج الإقليمي، واستعادة الدولة على جلب الاستقرار لسورية، فهي ميدان لترتيبات تنفيذ اتفاق خط الغاز العربي، وبوابة تريدها روسيا لتطبيع علاقات النظام مع محيطه. اكتسبت درعا والجنوب السوري عموماً أهمية أكبر، مع إعادة تفعيل اتفاق خط الغاز العربي، وما تبعها من اتصالات ولقاءات سياسية بين مسؤولي النظام ومسؤولين عرب وأجانب، وما عناه الاتفاق بشكل أو بآخر من دمج النظام السوري في ترتيبات إقليمية ذات طابع اقتصادي، بعد مقاطعة استمرت لسنوات.
صحيح أنه ما يزال مبكراً الحكم بشكل نهائي على مآلات الدمج الإقليمي لسورية، ولكن بحسب المعطيات القائمة، يمكن القول بأنه مسار غير واعد في ظل المعطيات القائمة.
تندرج مبادرة الدمج الإقليمي ضمن سياسة “الخطوة خطوة”، واستمراريتها مرهون بمدى تجاوب النظام وتقديمه لتنازلات ملموسة للخارج، ولا يبدو بأن النظام مقبل على ذلك طالما يشعر بأنه منتصر، وأن على الدول الأخرى تقديم تنازلات له دونما اشتراط مقابل، فضلاً بأن إيران لن تبقى في موقف المتفرج على مسار يتهدد نفوذها في سورية، إذ تبقي على أذرعها المحلية في الجنوب السوري للتخريب، وما يتضمنه ذلك من استمرار الجنوب كساحة للتشابك الإيراني- الإسرائيلي، كذلك كميدان لملواجهة مع المجتمعات المحلية الرافضة للتواجد الإيراني.
أيضاً، لم تجلب عودة الدولة إلى درعا الأمن والاستقرار لها كما يروج، إذ تم الاتفاق على حساب السكان المحليين، دونما مراعاة لمطالبهم بل تطلب تمرير الاتفاق سحقها وفرض تسويات بالقسر.
يدلل على ما سبق مظاهر التدهور التي تعيشها المحافظة أمنياً وخدمياً، حيث تتواصل عمليات الاغتيالات والتي قدرتها مادة صحفية على موقع سورية على طول بحوالي 138 محاولة اغتيال بين أيلول و26 كانون الأول 2021، كذلك عجز مؤسسات الدولة عن توفير الخدمات الأساسية في ظل افتقادها للموارد اللازمة، وترهل أجهزتها بسبب الفساد والبيروقراطية وتدخل الأجهزة الأمنية فيها، لتبقى وعودها وخططها حبراً على ورق، ولتدفع السكان للاعتماد على مبادرات محلية لتسيير شؤونهم كما في مواجهة أزمة كوفيد 19. أيضاً، ما تزال تجارة المخدرات وتهريبها ناشطة رغم عودة “مؤسسات الدولة الرسمية” لإدارة معبر نصيب، وانتشار أجهزة النظام الأمنية في المحافظة.
الحل: إطار إقليمي يكرس محلياً
مما لا شك فيه بأن سورية تحتاج إلى إطار إقليمي ودولي، يحد من مخاطر إنزلاق الوضع فيها إلى الانهيار التام للدولة والمجتمع، مع تواصل التنافس الجيوسياسي عليها، قادر على معالجة أو التخفيف من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية. يبدو بأن أطراف كالسعودية وتركيا ومصر مرشحة لتشكيل مثلث استقرار إقليمي كما يرى البعض، مؤهل بما يمتلك من ثقل اقتصادي وسياسي وشبكة علاقات مع مختلف الفاعلين من احتواء وإدارة الأزمة السورية، وفتح قنوات وساطة وحوار مع مختلف الفاعلين المنخرطين في الساحة السورية.
تتلاقى الدول الثلاث بأن لها مصلحة في استقرار سورية، ويمكن استثمار ذلك في ظل مساعي التهدئة الإقليمية لتوفير غطاء سياسي لإطلاق مبادرات في الساحة السورية، يتم من خلالها استكشاف مدى إمكانية توسيع حدود التعاون فيما بينهم سورياً وإقليمياً، مستثمرين علاقاتهم وإنخراطهم مع مناطق النفوذ، لرعاية مبادرات تتركز على التعافي الاقتصادي، الموجه محلياً والجامع بين مناطق النفوذ لمعالجة ملفات مهيئة على الاستقرار، طالما أن أمريكا وروسيا لا تمانعه راهناً. صحيح أن هنالك تحديات ليست هينة تواجه إنبثاق المثلث الإقليمي، إلا أنها تبقى الدول المرشحة لضمان استقرار الإقليم عبر البوابة السورية.
المصدر: السورية نت
قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد العبدالله تصريحاً صحيفة الاستقلال، ضمن تقرير بعنوان: "رغم التقارب الدبلوماسي.. لماذا يخشى العراق إعلان دعمه لنظام الأسد؟. شخص فيه الباحث أسباب إحجام الحكومة العراقية عن تقديم الدعم المادي لنظام الأسد رغم الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه، في حين تُظهِر تأييدها السياسي له على المستوى الرسمي.
رابط المصدر: https://bit.ly/33UJb47
أعلنت منظمة الانتربول الدولية وفق بيان لها في تاريخ منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إعادة تفعيل مكتبها في دمشق، إلا أن هذا القرار (وفقاً للبيان) لا يعكس أي موقف للمنظمة تجاه ما حدث في سورية، وأنها “منظمة حيادية مهمتها تنفيذ القانون والعمل بين أجهزة الشرطة بعيداً عن العلاقات الدبلوماسية بين البلدان”.
يأتي هذا الإعلان بعدما أوقفت المنظمة عمل سورية ضمنها بعد عام 2012، إثر انتهاك النظام السوري لميثاق حقوق الانسان التي تعتمده المنظمة ضمن قوانينها، وتعطيه أهمية كبيرة!.
وعلى الرغم من أن سورية قد دخلت منظمة الانتربول عام 1956، إلا أن هناك محطات عديدة استغل فيها النظام هذه العضوية لتحقيق اغراض سياسية، تتمثل بملاحقة خصومه السياسيين أفراداً أو مجموعات، ووضعهم ضمن قائمة الإرهاب. فهل ستشكل العودة إطاراً جديداً يستفيد منه النظام من تصفية المعارضة من بوابة الشرطة الجنائية؟ وبأي سياق أتت هذه الخطوة وما انعكاساتها؟
ابتداءاً، يمكن القول والاستنتاج المسبق، أنه لا يمكن فك الارتباط بين العديد من المؤشرات الدالة على حركية التطبيع مع النظام وإن كانت تلك المؤشرات ما دون المستوى السياسي؛ إلا أنها هذه المرة تأتي من بوابة منظمة دولية، تضم 195 دولة كأعضاء فيها، منظمةٌ تعلن منذ تأسيسها في 1923 أنها مهتمة بحقوق الانسان، وتسعى لتغطية أكبر مساحة ممكنة لتقدم مساعداتها لأجهزة الشرطة، لجعل “العالم مكاناً أكثر أماناً”.
سيشكل هذا القرار فرصة للنظام لكسر العزل الدبلوماسي والسياسي وإعادة العلاقات شبه الطبيعية، وتفعيل التعاون البيني، إذ “سيرسل الانتربول إلى النظام السوري تحديثات لحظية عبر مكتب الانتربول بدمشق، كما يعني ذلك إرسال بعثات تدريبية وتنشيطية إلى ليون مقر الانتربول أو احد فروعه المنتشرة في العالم، وهو ما يشجع بعض الدول على إعادة تفعيل علاقاتها مع النظام السوري والتجاوب مع طلباته” كما يقول خبراء. ناهيك عن قدرته على الولوج والوصول لـ 19 قاعدة بيانات في منظمة الانتربول تضم كافة الملفات المهمة مثل الإرهاب والمخدرات والأسلحة.
عملياً، يمكن للنظام التفاعل مع المنظمة والاستفادة منها من خلال أداتين؛ الأداة الأولى: الانخراط في النشرات إذ يعتمد الانتربول أدوات خاصة لنظامه وهي تسمى بالنشرات وتختلف كل نشرة عن الأخرى بمستوى الخطر الذي تعلنه الدولة المقدمة للنشرة. تتكون هذه النشرات من مجموعات وهي النشرة الحمراء والنشرة الصفراء والنشرة الزرقاء والسوداء والخضراء والبرتقالية والبنفسجية والنشرة الخاصة.
تعتبر النشرة الحمراء أهم النشرات التي قد يستخدمها النظام السوري ضد معارضيه، حيث تنص على طلب لاعتقال وتسليم الشخص المطلوب للدولة المتقدمة بالطلب، وهذه النشرة تعد إخطار دولي بالأشخاص المطلوبين، مدة هذه النشرة 5 سنوات تجدد تلقائياً أو بطلب من الدولة وتصدر من المكتب القانوني.
إلا أنه تجدر الإشارة هنا إلى الإنتربول الدولي ليس جهة قانونية تنفيذية لتسليم المطلوبين، وأنه يتم من خلال الإنتربول تبادل المعلومات والبيانات حول الجرائم والمطلوبين، وأن تسليم المطلوبين أو المجرمين قرار خاص بكل دولة يوجد فيها المطلوب تسليمه ولا يستطيع الإنتربول تجاوز تلك الدولة ولا يستطيع تسليم المطلوب.
حيث أن تسليم المجرمين يتطلب أولاً مبدأ المعاملة بالمثل، ثانياً لدى كل دولة لجنة قضائية مختصة لدراسة ملف المطلوب تسليمه قضائياً من حيث الوقائع والأدلة القانونية لارتكابه جرم جنائي، وليس الأمر هكذا عبثاً، والقرار للدولة بعد أخذ رأي لجنة التسليم وليس الإنتربول الدولي.
أما الأداة الثانية فهي تتمثل من استثمار هوامش تحرك انقطع عنها النظام – وإن كانت تلك الهوامش ما دون سياسية – إذ تستطيع الدول الأعضاء التواصل مع بعضها بشكل خاص ومباشر دون الرجوع للأمانة العامة، وهذه ثغرة بمكن للنظام أن يستفيد منها بشكل كبير، من خلال التواصل مع الدول الذي تربطه بها علاقة قوية وتجمعهم مصالح مشتركة، في حال تم التواصل بهذه الطريقة يصبح الاعتقال وتسليم المطلوبين بشكل أسهل حيث التواصل المباشر بين النظام والدول الأخرى دون الرجوع إلى المركز العام الذي يحقق في قبول أو رفض النشرة، بينما الدول تستجيب لهذه النشرات مباشرة لتحقيق مصالحها وهذا يعتبر أمر ذو أهمية كبيرة.
لا يجب أيضاً التقليل من أهمية منظومة الاتصالات فمن الممكن من خلال رقم الجواز تتبع وإيقاف الشخص في حين وصوله إلى دولة علاقتها بالنظام جيدة، فيصبح توقيف الشخص وتسليمه في غاية السهولة. حيث يتم تعميم الاسم المطلوب بغض النظر عن الجواز الذي يحمله أن كان سوري (الجنسية المزدوجة لا تساعد الأشخاص المطلوبين إنما يتم توقيفهم وفق الإشارة الحمراء من قبل الانتربول) أو يحمل جواز دولة أخرى إلا إذا كان الشخص يحمل جواز ذو حماية، لكن هذا الامر أيضاً لا يمنع من إيقافه والتحقيق معه وفي بعض الأحيان في الدول الدكتاتورية يتم احتجاز الشخص والتحقيق معه دون تبليغ اللجنة العامة وهذا يعتمد على قوة علاقة الدولة بالنظام.
بالمقابل وحيال السؤال الأبرز ما هي الخطوات القانونية التي ينبغي إتباعها؟ فهي محصورة في ثنائية (الاستفسار، الطعن)، حيث يستطيع أي مواطن أن يستفسر عن وجود أسمه على لائحة المطلوبين وفق للمادة 18 من قانون المنظمة.
في حال وجود الاسم يمكن المطالبة بالحذف وفي حال تم التوقيف بأمر من النيابة العامة أو بأمر قضائي، فإن أول حجة من الممكن الدفاع بها هي أن هذه النشرة باطلة باعتبار الشخص سياسي مما يوجبه تقديم معلوماته الشخصية التي تثبت صحة هذا الادعاء.
من الممكن أيضاً إصدار طعن بقرار التوقيف أو الترحيل للمكتب العام ويتم دراسته، حيث يستطيع الشخص المطلوب أن يستفيد من قانون قيصر باعتباره وثيقة مهمة تثبت بأن النظام لا يحترم القوانين الدولية وقوانين حقوق الانسان وقام بانتهاكها.
في حال تم رفع القضية وإخلاء السبيل ضمن كفالة يجب تسليم القرار للإنتربول، ويجب الاخذ بعين الاعتبار أنه من الممكن أنه قد لا تتفاعل كافة الدول مع القرار بسبب عدم تحديث الانتربول لقوائم المطلوبين، فيجب ترجمة وتصديق قرار البراءة ومخاطبة الانتربول بشكل مباشر وحمل هذه الوثيقة دائماً إلى أن يتم التأكد من إزالة الاسم من قوائم الانتربول.
يجب التعاون مع منظمات دولية معترف بها من قبل الانتربول ويجب أيضاً توثيق الحالات التي تعرضت للاعتقال نتيجة الإشارة الحمراء والمطالبة بتشكيل لجنة خاصة لدراسة الإشارات الحمراء، الصادرة من النظام تجاه معارضيه ومنعه من استغلال المنظمة وتوظيفها لقمع الشعب السوري وهذا يعتبر انتهاك كبير في قوانين المنظمة.
لا شك أن الخطوة المعلنة من قبل الانتربول هي خطوة ذات آثار سلبية على ملف حقوق الانسان عموماً وعلى السوريين الذين انتفضوا بوجه النظام خصوصاً، الامر الذي يستوجب تحركات وجهود منقطعة النظير للمنظمات والتيارات الحقوقية الوطنية سواء داخل الدول المضيفة للاجئين أو داخل المنظمات الاقليمية والدولية الكبرى، دون التقليل من أهمية وضرورات التواصل مع الدول العربية التي يبدو أنها تجهزت لإطلاق قطار التطبيع مع النظام.
تشكل هذه الخطوة تجلياً للتناقض داخل هذه المؤسسة ما بين أهدافها وسياساتها، إذ اتاحت للنظام بهذه الفرصة مساحات للتحايل وملاحقة كافة خصومه من بوابتها مرة أخرى وتصدير بأن جل اللاجئين هم “إرهابيون ويشكلون خطراً على الأمن العام”.
كما تساهم هذه الخطوة في تعزيز السير والنمو في مسارات التطبيع لتزداد غربة الحل السياسي اتساعاً، وتقليص مساحات الأمل لتنفيذ كل السوريين لاستحقاقاتهم الوطنية، خاصة في ظل تنامي مشهد اقليمي ودولي، يبدو أنه بات أقل اعتراضاً على عودة النظام إليه، رغم ما ارتكبه الأخير من انتهاك وجرائم كبرى مهددة للأمن المحلي والاقليمي والدولي.
المصدر: السورية نت https://bit.ly/3q18yIS