تصرح جميع الدول المجاورة لسورية بشكل يومي عن تزايد حالات الإصابة بالفيروس، بينما استمر النظام لفترة بنفيه بوجود إصابات ؛ نفي يدحضه من جهة أولى العديد من المصادر التي أكدت أن فيروس كورونا انتشر بصورة رئيسة بمحافظات دمشق وطرطوس واللاذقية وحمص السورية وتم تسجيل إصابات كثيرة ووفاة البعض من المصابين ووضع آخرين منهم بـ "الحجر الصحي"، ناهيك عن إعلان العديد من الدول عن حالات إصابة لوافدين من سورية كوزارة الصحة الباكستانية التي أعلنت عن تسجيل 8 إصابات لأشخاص قادمين من سورية؛ ووزارة الصحة اللبنانية أعلنت عن 4 حالات قادمة من سورية؛ ويدحضه من جهة ثانية استمرار حركة العبور للايرانين والميليشيات الأجنبية ومئات الحجاج في ظل ما تشهده إيران من تفشي متزايد لأعداد المصابين. وامام هذه المعطيات أضطر النظام بنهاية المطاف إلى الاعتراف غير الشفاف لأعداد المصابين (حتى تاريخ إعداد التقرير كان العدد 10 حالات ووفاة حالتين).([1])
في النصف الثاني من شهر آذار بدأ النظام في فرض حظر التجول الليلي؛ وتم فرض حظر التجوال في البلدات والمدن الرئيسية؛([2]) يعكس هذا الاجراء السريع الذي لجأ له النظام مباشرة حالة انعدام الخيارات الاحتياطية الأخرى لعدم امتلاكه لها لا سيما على الصعيد الصحي؛ إذ أنه ووفقاً لـ" تقرير" LSE فإن سورية لديها حالياً 325 سريراً من وحدات العناية المركزة المتاحة، مما يتيح للنظام من استقبال 6500 حالة من المصابين بالفيروس كحد أقصى في كافة مناطق سيطرته. وهو ما يوضح اختلال سياسات قطاع الصحة عموماً، ومما يضاعف هذا الافتقار هو حالة الاستنزاف شبه الكلية لموارد الدولة لصالح العجلة العسكرية الأمر الذي انعكس ارتكاساً وظيفياً لبنى الدولة ومؤسساتها، مما يجعل مناطق سيطرته أرض خصبة لتكاثر الفيروس وإصابة أعداد كبيرة من المدنيين.
وبتفحص الإجراءات الرسمية المتبعة كطرق احترازية نجد أنها كانت حزمة من الإجراءات الإسعافية الحكومية التي اتسمت بأنها شكلية وتفتقد إلى آليات متابعة وأدوات ناجعة للتطبيق. فإغلاق جميع المعابر أمام حركة القادمين من لبنان باستثناء سيارات الشحن؛ لم يتم الالتزام به؛ واغلاق كامل الحدود السورية العراقية لم يلحظ في الحدود البرية بين العراق ومحافظة دير الزور، حيث تؤكد مصادر وحدة المعلومات في المركز أن المعبر لا يزال حركة من وإلى حتى تاريخ إعداد التقرير؛ ولايزال حزب الله النجباء هو المسيطر الأساسي على المعبر؛ كما ان إجراء تعليق الرحلات مع كل من العراق والأردن لمدة شهر و"الدول التي أعلنت حالة الوباء" لمدة شهرين، وإجراء الحجر الصحي للقادمين من هذه الدول لمدة 14 يوماً؛ تم الالتزام به من جهة الأردن ولكن من جهة العراق لم يتم الالتزام به ويعود ذلك إلى سيطرة قوات الحشد الشيعي الموالية لإيران على النقاط البرية مع سورية.
عملياً؛ لا يمكن للنظام إغلاق الحدود باتجاه حركة حزب الله من الحدود اللبنانية أو باتجاه الايرانيين والميليشيات الأجنبية فهذا أمر عائد لتقديرات إيران العسكرياتية؛ ربما يتم الاتجاه من ضبط حركة العبور دون أن يعني إلغائها وهذا يشكل تهديداً صحياً على الحواضن الاجتماعية التي تنتشر فيها الميليشيات الايرانية والأجنبية
ومن الطرق الاجترازية التي ترتجي تخفيف التجمعات؛ لجأت حكومة النظام إلى استصدار سلسلة من القرارات كقرار تعليق الدوام بالمدارس والجامعات، دون إيجاد طرق افتراضية ناجعة بحكم ضعف الاتمتة عموماً في مؤسسات الدولة؛ ومن بين القرارات تخفيض حجم العاملين في القطاع الإداري إلى حدود 40%، وتخفيض ساعات العمل واقتصارها على الفترة الممتدة من 9 صباحا حتى 2 ظهرا، وإلغاء نظام البصمة اليدوية لمدة شهر؛ كما صدر المرسوم الجمهوري رقم 86 لعام 2020 القاضي بتأجيل انتخاب أعضاء مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث المحددة بموجب المرسوم رقم /76/ لعام 2020 بتاريخ 13/4/2020، إلى يوم الأربعاء الموافق لـ 20/5/2020 م ؛ كما عطلت وزارة العدل المحاكم والدوائر القضائية حتى 16 نيسان 2020. وأقفت وزارة الداخلية العمل في تسجيل واقعات الأحوال المدنية ومنح البطاقات الشخصية والعائلية لذات التاريخ؛ كما تم إيقاف كل وسائل النقل الجماعي العام والخاص داخل المحافظات وبينها إلا أنه لم يلتزم بهذا القرار أيضاً؛ وفي 2 نيسان تقرر عزل منطقة السيدة زينب في محافظة ريف دمشق.
تتراوح نسب الالتزام في التطبيق لهذه القرارات؛ فالقرارات المرتبطة بحركة المواطنين وتقليص حركتهم لم يتم الالتزام بها؛ إذ أن هناك انعدام في الخيارات البديلة؛ كما يلحظ ترهل "أجهزة"النظام في تطبيق بعض القرارات مما يؤكد استهتار النظام بالتعاطي مع هذه الجائحة
اتخذت حكومة النظام على المستوى الصحي سلسلة من الأمور الاحترازية التي ترتجي تغطية سوء السياسات الصحية خلال العقدين الماضيين؛ فقد حددت وزارة الصحة مراكز الحجر الصحي في المحافظات للعناية ومراكز للعزل الطبي لعلاج الحالات المصابة بالفيروس، وبلغ عدد هذه المراكز 21 مركزا في 12 محافظة وهو عدد لايمكن اعتباره مؤهلاً للتصدي للفيروس في إحدى المحافظات المكتظة بالسكان كدمشق ؛ كما تؤكد التقارير المحلية على أنها مراكز غير مؤهلة للحجر الصحي إطلاقاً.
كما قامت الوزارة بإنشاء مستشفيات ميدانية في حلب وحمص ودمشق وتجهيز صالة الجيش الرياضية في دمشق لحجر المصابين وكلية الفنون في مدينتي حلب وحمص. والجدير بالذكر أن منظمة جهاد البناء الايرانية بدورها قد أنشات مراكز صحية دون تواجد أي آجهزة للكشف؛ كما تم تجهيز معسكر الطلائع في مدينة دير الزور كي يكون مكاناً للحجر، تحت إشراف مباشر من فصيل "القوة 313" وحزب الله اللبناني.
أما على المستوى الاقتصادي؛ فقد أعلن مصرف سورية المركزي عن خفض ساعات الدوام الرسمي ضمن المصرف وفروعه في المحافظات، وفي المصارف وشركات الصرافة، أصدر تعميماً للمصارف يسمح لها بإغلاق عدد من أفرعها، شريطة ألا يقل عددها في المحافظة الواحدة على فرعين، وتخفيض عملياتها المصرفية، وتنظيم دوام العاملين فيها بالحد الأدنى. كما تم اقتصار تداول الأسهم في سوق دمشق للأوراق المالية على يوم واحد فقط أسبوعيا وهو يوم الاثنين. من جهة أخرى تقرر تسيير سيارات محملة بالخضار والفواكه من أسواق الهال في المحافظات إلى الأرياف ومراكز المدن لتأمين متطلبات المواطنين منها وتوفير المحروقات اللازمة لضمان عمل هذه الآليات. إلا أنه لم يتم الالتزام به وتم استغلاله من قبل شبيحة النظام ورفع أسعار السلع الأولية مما خلق حالة من الفوضى؛
بطبيعة الحال؛ وبحكم قلة الموارد المتاحة للمواطن السوري الذي يعيش انتكاسات سوء الإدارة الاقتصادية؛ فقد ازدادت الضغوطات على المواطنين وتضاعفت إبان أزمة كورونا؛ فازدادت طوابير المدنيين عند مراكز التوزيع للسلع والبنوك. خاصة بعد إن حدد النظام لكل فرد رغيف خبز ونصف، مما أدى إلى زيادة في سعر الخبز في السوق السوداء وبالتالي ظهور فئة جديدة من المستفيدين والانتهازين والذين بدأوا باستغلال النقص في بعض السلع وقاموا باحتكارها ومن ثم إعادة بيعها بأضعاف سعرها الحقيقي. وللحد من أزمة الخبز صرح وزير الاقتصاد السوري إن الوزارة ستقدم المساعدة للمخابز الخاصة ورفعت القيود المفروضة على استيراد الدقيق ولن تقتصر على صناعات محددة مثل قبل، وتعتبر هذه المرة الأولى التي يسمح فيها للقطاع الخاص باستيراد القمح والدقيق.
أما على المستوى العسكري فقد لحظ عدة إجراءات؛([3]) كقيام الجيش الروسي بتطبيق حجر صحي على قاعدته في مطار حميميم كإجراء احترازي، حيث تم منع الحركة من والى القاعدة؛ وقيام الميليشيات الموالية لإيران بنقل كمية من العتاد من قاعدة سعسع باتجاه الشمال، تم تعليل هذه الحركة كإجراء وقائي من الغارات الإسرائيلية، ولكن عملياً لم تخلي إيران تلك المواقع وإنما تعمل على تخفيف الكثافة البشرية في قواعدها وتقوم بتوزيع المقاتلين على عدة مواقع من أجل الحد من انتشار الفيروس.
من جهتها أصدرت القيادة العامة لجيش النظام أوامر بإنهاء الاحتفاظ والاستدعاء في جيش النظام السوري وقراراً خاصاً بإنهاء الاحتفاظ والاستدعاء "للأطباء البشريين الأخصائيين([4]). وفي السياق العسكري وفيما يتعلق بانتشار الفيروس لم يتم رصد أي تحرك احترازي من قبل قوات النظام، وانحصر الأمر على قيام الجانب الروسي بإنشاء 3 نقاط طبيه خاصة بعناصره، بالإضافة إلى تواجد 5 مروحيات روسية جاهزة في المنطقة، وهي على الأغلب مخصصة لنقل المثابين الروس إلى مطار حميميم في حال ظهور عوارض الفيروس عليهم.
من أكثر الملفات التي يخشى عليها من تداعيات أزمة كورونا هو ملف المعتقلين وخطورة إصابتهم بالفيروس؛ حيث أثار العديد من نشطاء المجتمع المدني السوري ومنظمات حقوق الإنسان الدولية قضية عشرات الآلاف من السجناء السياسيين في السجون الرسمية وغير الرسمية في سوريا الوباء الحالي؛ في بيان صدر بتاريخ 18 آذار / مارس، طالب أعضاء من كتلة المجتمع المدني في سورية اللجنة الدستورية بوضع الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين في السجون السياسية أولوية في الوقت الحالي، كما طالبوا بإنشاء بعثة للأمم المتحدة لمراقبة الأوضاع الصحية في جميع السجون المتبقية.
بالمقابل لم يكترث النظام لتلك المطالبات؛ وقام بإجراءات شكلية لبعض سجون وزارة الداخلية؛ حيث تم إيقاف الزيارات في جميع فروع ومراكز السجون لمدة شهر وتم إصدار المرسوم التشريعي رقم 6 القاضي بمنح عفو عام عن الجرائم المرتكبة قبل تاريخ 22-3-2020. (لم يشمل معتقلي الرأي والموقف السياسي والمعتقلين على خلفية الثورة )
من المعروف أن وضع السجون من الناحية الصحية يجعل انتشار الفيروس أمر لا مفر منه وخاصة بعد عدم قيام النظام بأي إجراءات وقائية لحماية السجون واقتصرت إجراءاته بنشر صور ومقاطع توضح قيام بعض المساجين برش مواقع مختلفة من السجن المركزي في عدرا بالمعقمات. ولكن الكارثة الحقيقة تكمن في المعتقلات الأمنية والتي في الوضع الطبيعي لا يمكن الحصول على أية معلومة حول ذلك.
وتشير المعلومات إلى أنه في 13 مارس، تم نقل 9 حالات إلى المشفى العسكري في حمص من السجن، وتلك الحالات ما زالت في المشفى، وكافة الحالات اشتركت بعدة أعراض تمثلت بـ (وهن في الجسم، صعوبة تنفس، ضعف في البصر، وفقدان شهية.) وقد طالبت جمعية حقوق المساجين بالتعرف على تلك الحالات من أجل إخبار عوائلهم، ولكن إدارة السجن لم تبدي تعاون وعللت ذلك إلى خطأ في أوراق التخريج الخاصة بالحالات الصحية وطلبت مراجعة المشفى العسكري، والذي يمنع زيارته من دون تصريح من أحد الفروع الأمنية.([5])
من خلال رصد الإجراءات التي يتبعها النظام من جهة؛ وعدم الشفافية في التعاطي مع أزمة كورونا، يمكن تصدير ملحوظتين رئيسيتين، تتعلق الأولى بإخفاء عجزه البنيوي في قطاع الصحة (كتقنيات وكسياسات) وبالتالي فإن عدم التهويل سيساهم في عدم تأجيج الاحتجاج المحلي الذي تعددت مستوياته سواء اقتصادية أو اجتماعية والآن صحية كما أن هذا الأمر قد يساهم في نشر الذعر داخل جيشه؛ أما الملحوظة الثانية متعلقة بعدم قدرته الاستغناء عن الدور والوجود الايراني المكثف والذي يشكل داعماً مهماً على مستوى الكوادر البشرية.
بموازة ذلك؛ سيستغل النظام هذا الظرف (تبرير هذا العجر واللاقدرة ) ليكون سرديته أن ما يعيشه من أزمات محلية سببها العقوبات،وهذا عار عن الصحة تماما لأن الخلل بنيوي ومتراكم في ادارة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية منذ عقود، ولأن العجلة العسكرية هي المتحكمة في مسار عمل الحكومة فلو أراد الاستجابة لمتطلبات الداخل لما أقدم على معركة تكلف ملايين الدولارات وإن كان تمويلها خارجي؛ فلا يزال الناظم الرئيسي لحركية النظام مرتبطة بأمرين تحييد الملف الانساني لصالح الهدف الأمني وتحويل كل الاستحقاقات السياسية من اعادة اعمار وعودة لاجئين وتماسك اجتماعي لتحديات حكومية غير مستعجلة وقابلة للتوظيف والابتزاز الدولي.
([1]) أجرت وحدة المعلومات مقابلتين الأولى كانت مع طبيب يعمل في أحد مشافي حمص والثانية مع ممرض يعمل في أحد مشافي مدينة حلب بتاريخ 30/3/2020، ومن أبرز النقاط التي تم التوصل لها من المقابلتين تمثلت بالتالي: معدل الإصابة أعلى وأكثر انتشارا مما تشير إليه الأرقام الرسمية. تم حجر قسم كامل في أحد مشافي حمص لمدة 4 أيام ثم تم نقلهم إلى المناطق الساحلية تحت إشراف مباشر من الشرطة العسكرية الروسية. كما تحاول إيران عن طريق أذرعها المحلية من الاستفادة من الفيروس إلى أقص حد، حيث تعمل على تعزيز علاقاتها بشرائح المجتمع المختلفة عن طريق تأمين مساعدات وسلل غذائيةـ بالإضافة إلى إنشاء نقاط صحية بالقرب من المعابر الحدودية بين محافظة حمص ولبنان (القصير والدبوسية).
([2]) بحسب وسائل النظام الرسمية تم اعتقال 153 شخصا لعدم تقيدهم بقانون الحجر.
([3]) فيما يتعلق بإجراءات الشأن العسكري، أجرى الباحث مقابلتين، الأولى كانت مع أ.ر من جبلة والثانية مع س.س في ريف حماه الشمالي بمناطق سيطرة النظام يوم 1/4/2020.
([4]) وبحسب المقابلات التي أجراها الباحث تبين أن العديد من المنشآت الصحية في المدن التي يسيطر عليها النظام تعاني من نقص حاد بالكوادر الطبية، ولعل قرار تسريح الأطباء هو لسد هذا النقص
([5]) مقابلة مع موظف في جمعية رعاية المساجين في حمص والذي يشرف على سجن المركزي بتاريخ 1/4/2020.