بينما تولي الكثير من الجهات المتابعة للشأن السوري جلَّ اهتمامها للبعد الأمني والسياسي، فإن القليل منها يولي اهتماماً موازياً للأبعاد الإنسانية كالبعد الصحي. حيث تؤشر الكثير من التقارير إلى تردي القطاع الصحي في ظل التدهور المتواصل للمرافق الصحية والنقص الكبير الذي تعاني منه على صعيد الكوادر الاختصاصية والنقص الحاد في الأدوية مع بلوغ الثورة السورية عامها السادس. ووفقاً لآخر الإحصائيات يقدر عدد من هم بحاجة إلى الخدمات في القطاع الصحي في سورية عام 2016 بـ 11.5 مليون إنسان ويبلغ عدد النساء والأطفال منهم 8 مليون. بينما يقدر حجم الدعم المطلوب لهذا القطاع بـ 437.21 مليون دولار.


بينما تولي الكثير من الجهات المتابعة للشأن السوري جلَّ اهتمامها للبعد الأمني والسياسي، فإن القليل منها يولي اهتماماً موازياً للأبعاد الإنسانية كالبعد الصحي.

ووفقاً لنداءاتها التحذيرية المتكررة حول الوضع الصحي في سورية، أعلنت منظمة الصحة العالمية على لسان مسؤوليها في عام 2016 عن قلقها الكبير جراء الوضع الصحي المتدهور في هذا البلد ومن التداعيات السلبية على القطاع الصحي، والتي أخذت تؤثر سلباً على جميع برامج الصحة ومدى القدرة على الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمع لتقديم الخدمات الصحية الأساسية بعد أن بلغ عدد من هم بحاجة إلى الخدمات في القطاع الصحي 11.5 مليون إنسان، يبلغ عدد النساء والأطفال منها 8 مليون، وقدر حجم الدعم المطلوب بـ 437.21 مليون دولار. وأكدت المنظمة كذلك على أنها بلغت نقطة تخشى فيها من عدم قدرتها على تقديم هذه الخدمات بسبب شحّ التمويل وانتشار الأمراض.

وتشير المعطيات الصحية إلى دمار أكثر من 60% من المشافي وخروج أكثر من نصف المراكز الطبية عن العمل، بينما تأثر أكثر من 70% من مصانع الأدوية بهذا الصراع، وانخفض الإنتاج المحلي للأدوية بنسبة تقل عن 30%، مما تسبب بانتشار الأدوية المزورة والمهربة بشكل كبير، إلى جانب انخفاض عدد العاملين في المجال الصحي إلى ما يقارب 45%.  

ومع توارد التقارير الصادرة عن المنظمات الأهلية والدولية كمنظمة أطباء بلا حدود والشبكة السورية لحقوق الإنسان وغيرها من الجهات الأخرى العاملة على الأرض، والتي تؤشر إلى تردي الأمن الصحي بشكل كبير في ظل التدهور المتواصل للمرافق الصحية. يبدوا من الأهمية بمكان تسليط الضوء على الواقع الصحي في المناطق السورية المحررة لتلمس حجم المعاناة التي يكابدها السكان في ظل غياب الخدمات الصحية والأدوية والرعاية الطبية.

فمع انطلاق الثورة السورية تركز القمع الأمني للنظام السوري في أحد جوانبه على قطاع الصحة، عندما لجأ إلى استخدامها كسلاح في وجه المعارضين له في جميع المناطق الثائرة، عبر الاستهداف المنظم من قبل قوات النظام وحلفاؤه للمراكز الطبية والمشافي الميدانية باستخدام الطائرات الحربية والمدفعية والسيارات المفخخة، مخلفة أضراراً كبيرة في غرف الأطباء والمرضى ومحتوياتها من الأجهزة الطبية والأثاث واحتراق سيارات الإسعاف بهدف وقف تقديم خدماتها للجرحى والمرضى. مما دفع القائمين على الشأن الصحي في هذه المناطق إلى إقامة مشافي تحت الأرض لحمايتها من الاستهداف، إلى جانب التكتم على أماكن وجودها، ولجوئها في كثير من الأحيان إلى استخدام المدارس والمساجد كمراكز طبية لتقديم الخدمات الصحية. ومما زاد من معاناة هذه المشافي كذلك النقص الكبير الذي تعاني منه على صعيد الكوادر الاختصاصية، بعد قيام النظام بقتل واعتقال العديد منهم بسبب نشاطهم في هذه المشافي، مما قلص من قدرتها إلى حد كبير على تحمل عبء تقديم الخدمات الصحية وليقتصر عمل الكثير منها على تقديم الإسعافات الأولية.  

وتبعاً لذلك ازدادت معاناة المواطنين بشكل حاد مع انتشار العديد من الأمراض الوبائية والمعدية، وتفاقم حالة الأمراض المزمنة لدى الأفراد، لقلة توافر الأدوية واللقاحات الضرورية وانعدام الخدمات الصحية في كثير من هذه المناطق، فهناك أجزاء واسعة من سورية معزولة تماماً عن أي شكل من أشكال المساعدة الطبية بعد أن أصبح تسليم المواد الطبية مقيداً بسبب استهداف خطوط المواصلات النظامية وغير النظامية، ولم يعد النظام الصحي الحالي يلبي الخدمات المناطة به إلا في حدودها الدنيا، معتمداً على المساعدات الإقليمية والدولية والجمعيات الأهلية المتباينة في اهتماماتها وخبراتها وما يعنيه ذلك من تضارب في الأجندات والخوف من عدم ثبات واستمرار الخدمات  الصحية في المستقبل. 

وما زاد من تفاقم الوضع الصحي سوءً في الوقت الحالي تراجع الدعم المقدم من المانحين الدوليين، مما انعكس على قدرة المنظمات الدولية الإغاثية والطبية على تأمين الأدوية والإمدادات الصحية الكافية، وفي مدى قدرتها على مواصلة عملها في سورية في ظل الأزمة الحالية المتفاقمة، في ظل الاحتياجات الصحية والدوائية المتزايدة نتيجة الاستمرار في تدمير البنية التحتية للمرافق الصحية وفقدانها كل مقوماتها وانهيار طرق الإمداد الطبي وازدياد معاناة العاملين فيها نتيجة تحديات وأخطار عدة تمنعهم من أداء مهامهم على النحو المطلوب.

ووفقاً لما سبق فإن التراجع الحاد في الحصول على الرعاية الصحية والأدوية أمر بالغ الأهمية، نظراً لما سيشكله من آثار عميقة وبالغة الخطورة على مستقبل السكان. كما أن غياب الاستراتيجيات الصحية والخطط الضرورية لمواجهة تداعيات الأزمة الناجمة عن استطالة الصراع سيفاقم في المستقبل من تردي الوضع الصحي وسيزيد من عبء المشكلات التي ستواجه السكان في المرحلة القادمة.  

مع تواصل الصراع واستمرار تدهور الوضع الصحي في سورية يوماً بعد يوم، يتزايد عدد من يفقدون أرواحهم كل يوم، ليس بسبب العنف فحسب، وإنما يصبح الناس هناك ضحايا لنظام صحي واهن ومهترئ لم يعد قادراً على تزويدهم باحتياجاتهم من الخدمات الصحية كي يبقوا على قيد الحياة. مما يجعل حياة الآلاف منهم في دائرة الخطر.

لذا يتعين على أجهزة الأمم المتحدة وخصوصاً المفوضية السامية لحقوق اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية حث الجهات المانحة الدولية على الوفاء بالتزاماتها والعمل على سدّ الثغرات التمويلية التي يعانيها القطاع الصحي، وتطوير وتنفيذ بروتوكولات وسياسات من شأنها توفير تغطية صحية لسكان هذه المناطق بالتعاون مع وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة والمجالس المحلية في المناطق المحررة. والتركيز على تجهيز المشافي الميدانية المتطورة لسد الاحتياجات اللازمة من الأدوية المنقذة للحياة والأدوية الأساسية والخدمات الصحية. مما سيساعد على تخفيف المعاناة وإنقاذ حياة العديد من الأرواح أو تخفيف النتائج بعيدة المدى للإصابات. ولا بد من العمل كذلك على وضع برامج وأساليب جديدة وزيادة حملات التوعية للحد من انتقال الأمراض المعدية والوبائية في المناطق المحررة والمحاصرة.

التصنيف مقالات الرأي