ساهمت عدة عوامل في تطور أداء المجالس المحلية منذ بدء تشكّلها. ويُعدّ سعي المجالس لمشاركة السكان واحداً من أهم تلك العوامل، حيث تتضمن أنظمتها الداخلية حق السكان بالشكاية على أداء المجالس المحلية أو أعضائها. كما عملت المجالس على إيجاد آليات للتعامل مع هذه الشكاوى، حيثُ تُظهر البيانات أنها تتعلق في معظمها بأداء المجلس ككل أكثر من تعلقها باختيار كوادره.
ومن خلال التقييم لعدد من المجالس المحلية يُمكن القول أن آليات التعامل مع الشكاوى لدى المجالس لم ترتقِ بعد لأن تكون نظاماً متكاملاً يتضمن مؤشرات تدل على فعالية الشكاوى وآليات التعامل معها، خصوصاً في ظلّ ما تواجهه المجالس من تحديات تعوق قدرتها على حل الشكاوى ومنها: نقص الكوادر القانونية والإدارية المؤهلة للنظر في الشكاوى، تضارب في الأدوار بين المجالس والهيئات التنفيذية بخصوص الجهة المكلفة النظر بالشكاوى وضعف موارد المجالس، إلا أن جهود المجالس في هذا المجال تعتبر خطوة جيدة على طريق الحكم الرشيد.
تولي هيئات الإدارة المحلية أهمية لشكاوى السكان باعتبارها إحدى الأدوات التي يعبرون من خلالها عن مطالبهم وتوقعاتهم من تلك الهيئات، وهو ما دفعها لتبني إجراءات نصّت عليها أنظمتها الداخلية للتعامل مع تلك الشكاوى. ومن الطبيعي أن تتنوع آليات التعاطي مع الشكاوى باختلاف شكل وطبيعة النظام السياسي القائم ومدى توافر القيم المؤسساتية والخبرات الإدارية التي تتيح آليات التعبير عن هذا الحق وتعزّزه.
ففي عهد نظام الأسد الأب وكذلك الابن، لم تحقق الشكاوى مقصدها في رد المظالم وتصويب أداء المؤسسات، سواءً بسبب القبضة الأمنية التي كانت تطال كل من يحاول الإصلاح أو بسبب هيمنة الفساد على مؤسسات الدولة. الأمر الذي أدى إلى تفشي الثقافة السلبية لدى المواطنين وإحجامهم عن ممارسة حقهم الرقابي لعلمهم المسبق بعدم جدوى ذلك. وبحكم حالة الانسداد الذي وصل إليه نظام الأسد وتراكم الأزمات وتحوّلها إلى أزمة شاملة، قامت الثورة السورية لتأسيس عقد اجتماعي جديد يتوافق عليه السوريين ويتيح للمجتمع إمكانية التعبير عن نفسه وفق آليات مؤسساتية، وبما يكسر احتكارية أقلية مصلحية تدير الدولة بشكل يناقض هوية المجتمع ومصلحته.
ثم أتت المجالس المحلية كأحد أهم مفرزات الثورة السورية وأحد رهاناتها في إنجاز التحول نحو نظام جديد يحقق قطيعة مع نظام الأسد، كآلية لتأطير وتنظيم مشاركة السكان في إدارة الشأن العام واستعادة حقوقهم التي سلبت منهم ومنها حق الترشح والانتخاب والمحاسبة. ولكي تتمكن المجالس من إنجاز الرهان المعقود عليها، كان لا بد لها من تعزيز تطبيقها لمبادئ الحكم الرشيد وفي مقدمتها الشفافية، وتوفير الآليات التي تتيح للسكان ممارسة حقهم الرقابي عبر عدة آليات وأهمها آليات الشكاوى ومعالجتها.
تأتي هذه الورقة البحثية ضمن سياق ما سبق، لتحاول تقصّي أسباب شكاوى السكان وما إذا كانت تتصل بأداء المجالس أو كوادرها، وتبحث كيفية التعاطي معها وتحديات المجالس المحلية في ذلك من خلال عملية رصد للمجالس وتحليل البيانات المتحصلة، وصولاً إلى اقتراح معالم نموذج أمثل لتعاطي المجالس مع تلك الشكاوى
تبنى السكان في ظل نظام الأسد موقفاً سلبياً مفاده أن الشكوى لا تساعد في نيل مطلب أو حل مشكلة أو رد اعتبار رغم وجود العديد من الإجراءات والهيئات الرسمية المكلفة قانوناً بمتابعة الشكوى ورد المظالم. ويعود السبب في انتشار هذه القناعة إلى عدة أسباب منها:
1. هيمنة الفساد والروتين على مؤسسات الدولة؛
2. غياب العدالة أمام القانون وتنامي المحسوبيات؛
3. الخشية من التعرض لمضايقات من قبل المتنفذين في الدولة؛
4. ضعف المعرفة بالإجراءات القانونية والمؤسسات المكلفة بالنظر في الشكوى نظراً لتضارب الصلاحيات وغموض القوانين ذات الصلة.
ومع تزايد مظالم السكان وضياع الحقوق كان لا بد من العمل على تصحيح مسار العلاقة القائمة بين الدولة والمجتمع وإعادة رسم حدود السلطة وتعزيز قدرة المجتمع على التعبير عن نفسه سياسياً واستعادة حقوقه، فكانت الثورة السورية التي أوجدت مناخاً من الحرية لمناقشة قضايا الشأن العام ومكّنت السكان في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد من التعبير عن مطالبهم وشكواهم حيال الهيئات الثورية العسكرية والمدنية ومنها المجالس المحلية.
ويلحظ من خلال تتبع شكاوى السكان تجاه المجالس المحلية أنها تتصل بالأداء أكثر من ارتباطها بأعضاء المجالس دون أن يعني ذلك غياب الشكاوى الشخصية رغم قلّتها. وربما يفسر ما سبق بالآلية المتبعة في تشكيل المجالس والتي تقوم على ترشيح الهيئات المحلية لشخصيات محلية معروفة لعضوية المجالس ومن ثم فتح باب الطعون، وهو ما يحول غالباً دون وصول شخصيات إشكالية لعضوية المجالس. وتتعدّد الأسباب الموجبة لشكاوى السكان على المجالس، فمنها ([1]):
1. ضعف القدرة على توفير الخدمات الأساسية لاسيما في قطاع البنية التحتية؛
2. ضعف تبني معايير معتمدة في تحديد المستفيدين من الخدمات، مما يفتح الباب للمحسوبيات؛
3. تبني قرارات لا تتماشى مع أولويات السكان؛
4. عدم وضوح الجهة المسؤولة عن توفير الخدمات لاسيما في المناطق التي يوجد فيها أكثر من هيئة تنفيذية؛
5. ضعف الشفافية فيما يتعلق بنشر الإجراءات والمشاريع والميزانيات؛
6. ضعف القدرة على فرض القرارات المتخذة لغياب ذراع تنفيذية (شرطة محلية) بمقابل وجود هيئات تنفيذية أخرى قادرة على فرض قراراتها؛
7. ضعف الاستقلالية الناجمة عن تدخل الهيئات التنفيذية في عمل المجلس؛
وتتنوع طرق تعبير السكان المحليين عن شكاويهم بين طرق مباشرة وغير مباشرة، رسمية وغير رسمية. ففي حين يلجأ البعض للتعبير عن شكواهم بشكل مباشر من خلال مناقشتها مع الجهة المختصة ([2])، يفضل آخرون مناقشة الأمر ضمن محيطهم الاجتماعي دون رفعها للجهة المختصة. وبينما يميل البعض لاتّباع الآليات القائمة للتعبير عن شكاواهم، يفضل آخرون اللجوء إلى المظاهرات والاحتجاجات ([3]). ويمكن تفسير هذا التباين بعدة عوامل منها:
1. مدى وجود آليات معروفة وموثوقة لدى العديد من السكان للتعبير عن شكواهم؛
2. مدى ثقة السكان بالمجالس المحلية وكفاءتها؛
3. مدى إتاحة المعلومات والإجراءات والقوانين والميزانيات للسكان؛
4. روح المسؤولية العامة وثقافة اللجوء للشكاوى لدى السكان لتحقيق مطالبهم وتصويب الأداء.
تدرك المجالس المحلية أهمية التعاطي مع الشكاوى التي يطرحها السكان، فنجاحها في احتواء الشكاوى عبر معالجتها بما يتوفر لها من إمكانيات أو تبيان حقيقة الموقف بشأنها عبر إتاحة المعلومات لأصحاب الشكوى يسهم في ترسيخ شرعيتها وتصويب أدائها. ويظهر من خلال عملية رصد المجالس تنوع الآليات التي لجأت إليها المجالس في التعاطي مع الشكاوى ومن أبرزها:
1. اللقاءات الجماهيرية: تعتبر الآلية الأكثر شيوعاً لدى المجالس لا سيما في الوحدات الإدارية الصغيرة، وقد تكون اللقاءات على نطاق واسع يشمل جميع السكان أو على نطاق ضيق يضم القيادات المحلية فقط ([4]). ويتم في هذه الاجتماعات الاستماع لشكاوى السكان والردّ عليها وتدوين ذلك في محاضر اجتماعات رسمية.
وتمتاز هذه الآلية بما يلي:
أ. سهولة إجرائها باعتبارها لا تتضمن إجراءات بيروقراطية معقدة؛
ب. السرعة في الرد على موضوع الشكوى؛
ت. تحقيق المشاركة المجتمعية.
أما بخصوص سلبياتها فمن أبرزها:
أ. ضعف الانضباط التنظيمي لا سيما مع كثرة عدد الحضور وإمكانية تحولها لسجالات شخصية؛
ب. مخاطر أمنية ناجمة عن عمليات القصف التي تقوم بها قوات نظام الأسد وحلفائه.
2. مكتب الشكاوى: لجأت بعض المجالس إلى تشكيل مكاتب متخصّصة لمتابعة الشكاوى، ويعتبر هذا التوجه حديثاً ([5]) حيث لم يلحظ في هيكليات المجالس عند بداية تشكيلها، ويلحظ انتشارها في مجالس المدن التي تحتوي على هيكليات إدارية أكثر تحديداً من حيث الأدوار والصلاحيات. تتميز هذه الآلية بكونها تخصّصية ([6]) وبأنها تعمل وفق إجراءات محددة ([7]) وإن كانت لم ترقَ بعد إلى نظام متكامل للشكاوى. أما سلبياتها فتتجلى بما يلي:
أ. ضعف وعدم كفاية الكادر القانوني والإداري المكلف بمتابعة الشكاوى؛
ب. ضعف إلمام السكان بإجراءات التقدم بالشكوى؛
ت. ضعف آليات التأكد من متابعة الشكاوى وإصدار التقارير الرسمية بخصوص ذلك.
3. التواصل الإلكتروني: تتبع أغلبية المجالس هذه الآلية بحيث يتم التواصل معها عن طريق صفحاتها الرسمية المتاحة على شبكة الانترنت، إما عبر كتابة تعليق على العام أو إرسال رسالة خاصة تتضمن موضوع الشكوى. وتتميز هذه الآلية بسهولتها، إلا أن هنالك الكثير من السلبيات تعتريها ومنها:
أ. ضعف انتشار الانترنت في العديد من المناطق التي تديرها المجالس؛
ب. سهولة تعرض صفحات المجالس للقرصنة؛
ت. كثرة الشكاوى الوهمية التي يطرحها البعض بأسماء مستعارة للتشويش على المجالس.
4. صندوق الشكاوى: تبنى عدد من المجالس فكرة وضع صندوق لتلقي الشكاوى، حيث يقوم السكان بإيداع شكواهم في الصندوق الذي يخصّصه المجلس لذلك، ويقوم موظف مسمّى من قبل المجلس بعرضها على المكتب التنفيذي للنظر بشأنها ([8]). وتتمتع هذه الآلية بعدد من الإيجابيات ومنها:
أ. قدرتها على الوصول لأكبر شريحة من السكان لوجود الصناديق في أماكن عامة؛
ب. كون هذه الآلية تتضمن إجراءات بيروقراطية معقدة مما يسهل على السكان اللجوء إليها لطرح شكاواهم.
أما سلبياتها فمنها:
أ. إمكانية تعرض الصناديق للتخريب؛
ب. ضعف وعي السكان بممارسة حقهم في التقدم بشكاوى.
5. الهيئات المجتمعية: تفضّل بعض المجالس التواصل مع مجتمعاتها من خلال قنوات اتصال مجتمعية تضمّ وجهاء البلدة كالشخصيات العامة ورجال الدين، باعتبارهم يتمتعون بمصداقية ومكانة اجتماعية معتبرة لدى السكان. وتقوم هذه الآلية على تشكيل هيئات مجتمعية تأخذ عدّة أشكال منها: مجلس عائلات، لجان تواصل، منتديات خاصة([9])، على أن تقوم هذه الهيئات بعرض الشكاوى ومناقشتها مع المجلس وإبلاغ السكان بالنتائج المتحصّلة. ومن إيجابيات هذه الآلية:
أ. إمكانية الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من السكان؛
ب. توفر عامل المصداقية والثقة لاعتمادها على قنوات اتصال تقليدية ذات مكانة؛
ت. قدرتها على تحقيق المشاركة المجتمعية.
أما سلبياتها:
أ. وجود إشكاليات في تشكيل الهيئات المجتمعية من حيث عدم مراعاتها أحياناً للتوازنات الاجتماعية أو انفتاحها على تأثيرات الهيئات التنفيذية والقوى العسكرية على الأرض؛
ب. سعي تلك الهيئات أحياناً إلى لعب دور منافس للمجالس في إدارة شؤون الوحدات الإدارية.
6. الاستبيانات المحلية: لجأ عدد من المجالس إلى توزيع استبيانات للوقوف على آراء السكان ومطالبهم واقتراحاتهم. وتفضل المجالس هذه الآلية لمساعدتها في تحديد أولويات السكان وقياس مستوى رضاهم عن أداء المجلس بأرقام إحصائية يسهل التعامل معها ([10]). وفيما يتعلق بالسلبيات فمتعددة منها:
أ. ضعف كفاءة الكادر الفني المكلف صياغة وتوزيع الاستبيان؛
ب. الافتقاد إلى برامج تقنية تخصصية لتحليل البيانات؛
ت. وجود مشاكل ميدانية تعوق تنفيذ الاستبيان.
7. الباب المفتوح: فتح باب التواصل المباشر للسكان المحليين لتقديم شكواهم للمجلس سواءً للمكتب التنفيذي أو المكتب صاحب العلاقة ([11]). وتتميز هذه الآلية بكونها سهلة ومباشرة ومتاحة للجميع، إلا أنها وبالمقابل لا تخلو من السلبيات وفي مقدمتها:
أ. ضعف مأسسة بعض المجالس وهو ما يفضي إلى تعدد الأدوار؛
ب. عدم وضوح الصلاحيات فيما يتعلق بالجهة المعتمدة للنظر في الشكوى؛
ت. ضعف وعي السكان بممارسة حقهم بالشكوى؛
ث. التغيير المتكرّر لمراكز عمل المجالس بسبب استهدافها المتكرر من قبل قوات نظام الأسد وحلفائه؛
وفي تقييم عام لآليات الشكاوى المتّبعة في المجالس المحلية يمكن القول:
· لا تُمثل الإجراءات التي تتبعها المجالس في التعاطي مع الشكاوى نظاماً متكاملاً معتمداً يشمل استقبال الشكاوى والتحقق منها وحماية المراجعين ومعالجة الشكوى والمتابعة؛
· تشمل الإجراءات المتبعة من قبل المجالس للتعاطي مع الشكاوى آليات رسمية وأخرى غير رسمية، ويعود السبب في لجوء المجالس إلى آليات دون أخرى لعدة عوامل منها:
- مستوى مأسسة المجلس وخبراته الإدارية؛
- حجم الوحدة الإدارية؛
- الاستقرار الذي تتمتع به الوحدة الإدارية؛
- مستوى وعي السكان بحقهم في التقدم بشكوى.
· أقرت العديد من المجالس منذ بداية تشكيلها حق الشكوى وآليات ممارستها في أنظمتها الداخلية، إلا أن إيجادها لآليات ممارسة هذ الحق يعتبر حديثاً نسبياً؛
· لا توجد مؤشرات كافية للتأكد من فاعلية الإجراءات التي تتبعها المجالس للتعاطي مع الشكاوى، حيث تواجه العديد من التحديات في هذا المجال ومنها:
- نقص في الكوادر القانونية والإدارية المؤهلة للنظر في الشكاوى؛
- تضارب الأدوار بين المجالس واله يئات التنفيذية الأخرى القائمة على الأرض فيما يتعلق بالجهة المكلفة بالنظر في الشكاوى ومتابعها؛
- ضعف موارد المجالس وهو ما يحدّ من قدرتها على التدخل لمعالجة شكاوى السكان لا سيما الجانب الخدمي.
أوجدت المجالس المحلية عدداً من الإجراءات للتعاطي مع الشكاوى بحسب ما أتاحه لها سياقها المحلي وإمكانياتها التي تتوافر لها. ويعتبر ما سبق ركيزة أساسية للبناء عليه لاقتراح نموذج للتعاطي مع الشكاوى يحقق الأهداف التالية:1ذ
· استقبال كافة الشكاوى ومعالجتها وفق إجراءات واضحة؛
· تعزيز شرعية المجالس؛
· تطوير أداء المجلس ونوعية خدماته المقدمة؛
· زيادة وعي السكان بحقهم في المساءلة والمحاسبة.
ولكي يتمكن النموذج من إنجاز الأهداف المتوخاة منه فإنه يستلزم توافر العناصر التالية فيه: المرونة، الوضوح، الدقة، الشفافية، المشاركة، سيادة القانون، إمكانية الوصول. وبناءً على ما سبق تطرح الورقة معالم نموذج للشكاوى في المجالس المحلية يتضمن:
1. نظام استقبال الشكاوى: يتضمن الإجراءات التي يتبعها السكان للتعبير عن شكواهم بشكل رسمي. ويجب أن تتمتع هذه الإجراءات بالوضوح وإمكانية الوصول من قبل الجميع، إضافةً للمرونة والسرعة في استقبال الشكاوى وإحالتها للجهات المختصة داخل المجلس. ويتحقق ما سبق من خلال:
- إعداد نظام مكتوب لاستقبال المراجعين للمجالس المحلية؛
- تشكيل وحدات إدارية متخصّصة ضمن المجالس لاستقبال الشكاوى؛
- اعتماد آليات عدة لاستقبال الشكاوى على أن يتم تأطيرها قانونياً ومؤسساتياً؛
- نشر تقارير دورية بخصوص الشكاوى التي تم استقبالها؛
- تعزيز شفافية المجالس المحلية من خلال إتاحة نظامها الداخلي وإجراءاتها وقوانينها وميزانياتها للسكان؛
- توعية السكان بحقهم في المساءلة والمحاسبة من خلال التقدم بالشكاوى.
2. نظام حماية المراجعين: الإجراءات التي تضمن الحماية لصاحب الشكوى وعدم التعرض له أو إيذائه. ويعتبر هذا مكوناً رئيسياً في نظام الشكاوى، فكلما توفرت إجراءات الحماية والسرية للمراجعين تشجع السكان على ممارسة حقهم في التقدم بشكاوى. وضمن ما سبق يقترح الآتي:
- وضع قوانين تحدد حقوق وواجبات أصحاب الشكاوى وإجراءات حمايتهم؛
- وضع نظام للتظلم وتعويض أصحاب الشكاوى في حال تعرضهم للمضايقات أو الأذى بسبب ممارستهم حقهم في التقدم بشكاوى؛
3. نظام التحقق من الشكوى: إجراءات التحقق من صلاحية الشكوى حتى يتم أخذها بعين الاعتبار وإحالتها للجهات المختصة. ويعتبر هذا النظام ضرورياً لفرز الشكاوى المحقة من جهة وتخفيف العبء الإداري على المجلس من جهة أخرى. وفي هذا الشأن يقترح الآتي:
- إعداد نظام مكتوب يحدد المعايير والإجراءات لاستقبال الشكاوى؛
- وضع نماذج محددة للشكاوى تتضمن بيانات صاحب الشكوى وموضوع الشكوى والجهة ذات الاختصاص ورقم الشكوى؛
- اعتماد البرامج التخصصية لحفظ بيانات المراجعين وأرشفة الشكاوى وتصنيفها.
4. نظام معالجة الشكاوى: الإجراءات والآليات المعتمدة للنظر في موضوع الشكوى ومعالجتها، ولتحقيق فاعلية أكبر في معالجة الشكاوى يتوجب توافر الآتي:
- ضبط هيكلية المجالس فيما يتعلق بتحديد أدوار وصلاحيات الجهات المختصة للنظر بموضوع الشكوى؛
- وضع إطار زمني للرد على الشكوى وإعلام صاحب العلاقة بذلك؛
- معالجة موضوع الشكوى عبر إصدار القرارات والتعليمات والقوانين وتنفيذها بالتعاون مع الهيئات التنفيذية؛
- نشر التقارير بخصوص الشكاوى التي تمت معالجتها والتي ما تزال قيد النظر.
5. نظام المتابعة والاعتراض: الإجراءات التي يلجأ إليها صاحب الشكوى في حال عدم قناعته بالنتائج والقرارات التي تم التوصل إليها من قبل المجلس، ويعتبر ذلك حق لصاحب الشكوى على أن ينظم وفق الآتي:
- تشكيل لجان تخصّصية محايدة للنظر في موضوع الشكوى على أن يتم الاستعانة بالقيادات المحلية؛
- وضع نظام للنقض والتظلم يتضمن الحق في اللجوء للهيئة القضائية المحلية للبت في موضوع الشكوى.
للسكان حق مساءلة ومحاسبة الهيئات المحلية ولهم في ذلك أدوات عدة ومنها الشكوى التي يعبروا من خلالها عن رضاهم أو عدمه عن تلك الهيئات ومطالبهم وتوقعاتهم منها. وفي حين زهد السكان في ممارسة هذا الحق في ظل نظام الأسد لقناعتهم بعدم فاعلية هذه الآلية، إلا أنهم ومع تحررهم من سلطته أصبحوا أكثر جرأة في التعبير عن شكواهم ومطالبهم تجاه الهيئات المحلية التي تشكلت لسدّ حالة الفراغ ومنها المجالس المحلية.
وتمثل شكاوى السكان على عمل المجالس المحلية العاملة في مناطق سيطرة فصائل المقاومة الوطنية ظاهرة صحّية في حال تم تأطيرها قانونياً ومؤسساتياً وتوظيفها لتجاوز مكامن الضعف وتحسين جودة الخدمة المقدمة وتعزيز التواصل مع السكان بما يسهم في ترسيخ شرعية المجالس وتطوير أدائها. أما في حال التعاطي السلبي معها فإنه من المتوقع وكما دلت الوقائع تعثر المجالس وفقدانها لمقومات الاستمرارية. وإدراكاً من المجالس لأهمية التعاطي مع شكاوى السكان فقد ضمنت هذا الحق في أدبياتها واتبعت مروحة متنوعة من الآليات للتعاطي معها مع ما يعتريها من إيجابيات وسلبيات، ومما يلحظ أنها ما تزال جنينية في طور التشكل، كما تفتقد لمؤشرات كافية للتأكد من فاعليتها.
ولتعزيز قدرة المجالس على التعاطي مع الشكاوى فإنه يتوجب العمل بالتوازي على ثلاثة مسارات، يتصل الأول بالمجالس المحلية من خلال البناء على ما تحقق ومراكمة الخبرات وتأطير ذلك قانونياً ومؤسساتياً، في حين يتصل المسار الثاني بالسكان المحليين لجهة نشر الوعي لديهم بأهمية ممارسة حقهم في الشكوى وفق قواعد منضبطة ومحددة، أما المسار الثالث فيتعلق بالجهات الداعمة التي يتوجب عليها رفد المجالس بالموارد التي تعزز قدرتها على التعاطي مع موجبات الشكاوى، إضافةً إلى الاستمرار في تدريب كوادرها ورفدها بالاختصاصين في هذا المجال.
([1]) للمزيد حول شكاوى السكان المحليين على المجالس المحلية مراجعة، استطلاعات رأي وشكاوى برسم المجالس، ملحق المجالس المحلية، جريدة سوريتنا، الرابط http://goo.gl/QkV1b4
([2]) توجيه أهالي بلدة تسيل شكوى رسمية للمجلس المحلي بخصوص لجنة الخبز، الصفحة الرسمية للمجلس المحلي في بلدة تسيل، تاريخ 28-11-2014، رابط إلكتروني https://goo.gl/JT59CF
([3]) شهدت بعض المجالس مظاهرات تطالب بإسقاطها إثر اتهام السكان لها بالتقصير وعدم معالجة مطالبهم وشكاويهم، للمزيد حول ذلك مراجعة، مظاهرات في “تفتناز” الإدلبية للمطالبة بإسقاط المجلس المحلي في البلدة، راديو الكل، تاريخ 16-1-2016، رابط http://goo.gl/d6S9Nh
([4]) اجتماع بعض وجهاء البلدة لمداولة مشاكل البلدة والبحث عن حلول لها، المجلس المحلي في عينجارة وريفها، تاريخ 17-4-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/TTLMfv ، أيضاً أنظر لقاء جماهيري بين المجلس المحلي لإعزاز والأهالي، المبادرة السورية للشفافية، تاريخ 3-3-2015، رابط إلكتروني http://goo.gl/O32Y2g
([5]) المجلس المحلي لمدينة بنّش يحدث مكتب لاستقبال الشكاوى، موقع المبادرة السورية للشفافيةـ تاريخ 27-5-2015، رابط إلكتروني http://goo.gl/vV0iSK
([6]) تقرير صادر عن مكتب ديوان الشكاوى العام لشهر نيسان 2016، الصفحة الرسمية للمجلس المحلي لمدينة حلب على الفيس بوك، تاريخ 1-5-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/ZZDj7Z
([7]) آلية رد المظالم التي من الممكن أن تحصل في المجلس أو مع الناس، المجلس المحلي لإدارة بلدة كنصفرة، تاريخ 31-3-2016، رابط https://goo.gl/d7pFc0
([8]) سراقب: استحداث صندوق شكاوى للمواطنين، المبادرة السورية للشفافية، تاريخ 18-2-2015، رابط إلكتروني http://goo.gl/4hKFUU
([9]) المجلس المحلي يدعو لاجتماع مناديب العائلات في البارة، المجلس المحلي في بلدة البارة، تاريخ 17-3-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/khpMIQ ، أيضاً أنظر، الأتارب: منتدى لتعزيز التشاركية والتخفيف من حدّة النزاعات، المبادرة السورية للشفافية، تاريخ 12-10-2015، رابط إلكتروني http://goo.gl/lYlhfx
([10]) استبيان المجلس المحلي في بلدة معرة حرمة للوقوف على عمل المجلس وأراء السكان، الصفحة الرسمية المجلس المحلي في بلدة معرة حرمة، تاريخ 18-3-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/Oz6qwU
([11]) بيان المجلس المحلي في جبالا للسكان حول مراجعة المجلس في حال وجود شكاوى، الصفحة الرسمية للمجلس المحلي في جبالا، تاريخ 24-4-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/SPbuq9
خريطة خاصة توضح مواقع الغارات والقصف التي تتعرض له مدينة حلب من كافة الأطراف المتنازعة بالإضافة إلى مواقع السيطرة والنفوذ في المدينة ومحيطها حتى تاريخ 17 تموز 2016. وجب الإشارة أن قوات النمر وميلشيات القدس الفلسطينية سيطرت على أجزاء من طريق الكاستلو
في إطار تغطية الشأن الداخلي السوري قام راديو الكل بإجراء لقاء صوتي مسجل مع الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران للدراسات الإستراتيجية بتاريخ 8-8-2016 للتعليق على الورقة التحليلية التي أصدرها المركز بعنوان"الدور الإداري والخدمي للمجالس المحلية في المرحلة الحالية والانتقالية:قراءة تحليلية في نتائج استطلاع رأي"، ركز اللقاء بشكل رئيسي على المادة البحثية من خلال طرح مجموعة تساؤلات تناولت الدور الخدمي للمجالس وأولوياتها في هذا الجانب، وما هي العوامل التي تعزز من دور المجالس في توفير الخدمات من جهة والعوائق التي تحد من دورها من جهة أخرى، كما تطرق الباحث إلى الموارد المالية للمجالس لاسيما الذاتية منها. واختتم الباحث مداخلته بالتنويه إلى أهمية العمل على تعزيز الموارد الذاتية للمجالس من خلال توفير دراسات بهذا الخصوص والعمل ضمن خطة إستراتيجية متكاملة
تستعرض هذه الورقة سياق الأحداث التي أفضت لإعلان الإدارة الذاتية عن عقدٍ اجتماعيٍ "يشرعن" نظاماً فدرالياً في الشمال السوري من طرف واحد، وتوضح كمّ الإشكاليات المتعلقة بمشروعيته التي لم تبنِ أية توافقات وطنية سورية أو حتى كُردية بينية، هذه الخطوة التي رأتها المعارضة خطوة متقدمة للتقسيم، واعتبرها العديد من الفعاليات المحلية مخرجاً يتضمن تناقضات بنيوية، وقفزٌ فوق التطور الفكري البشري عندما اتكئ على مفاهيم "الإلهة الأم" وتصديرٌ لتجارب غير ناجحة كالكومونات.
تناقش هذه الورقة ما أسمته الإدارة الذاتية في الشمال السوري " العقد الاجتماعي للفيدرالية الديمقراطية لروج آفا – شمال سوريا" المعلن عن استكماله في 2/6/2016 والذي ستحكم به المناطق الخاضعة لسيطرتها. جاء إعلان تشكيل مجلس تأسيسي لفدرالية الشمال بناءً على سلسلة من الاجتماعات المتطورة عن اجتماع رميلان 10/12/2015 والذي كان نتيجته تشكيل "مجلس سوريا الديمقراطي" بهدف خلق تيارٍ ثالث في سورية لا إلى صف النظام ولا إلى صف المعارضة المتمثلة بالائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة. وتطور مشروع المجلس هذا ليخرج عن ذاك الهدف متجهاً نحو إعلان فدرالية في شمال سورية من طرفٍ واحد.
انطلاقاً من الإشكاليات المتأتية من طرح هذا الدستور الذي لم يكسب اعتراف أي طرف من أطراف "الصراع"، أو من التحالف الدولي الذي ينسق مع "قوات سوريا الديمقراطية" ضد "تنظيم الدولة الإسلامية"، أو كرٌدياً إذ لم يلقَ إعلان الفدرالية صدى إيجابياً عاماً في الأوساط الكردية، ستعمل هذه الورقة على تقييم هذه الخطوة وما تتضمنه من أبعاد سياسية، مبينة في ذات الوقت الجهودات الأخرى التي تبحث عن رؤية ما يجب أن يكون الوضع الكُردي عليه ضمن دستور سورية.
تضمن نص الدستور مصطلحين، تجد الورقة من الضروري تقديم تعريف وشرح لها وهي:
روج آفا: هي كلمة كوردية وتعني الغرب، وفي الأدبيات الكُردية تعني غرب كوردستان أي روج آفايي كوردستان. ويختلف كُردياً في إطلاق الاسم على المناطق ذو الغالبية الكُردية في سورية بناءً على الاختلافات السياسية البينية، فمن الكٌرد من يفضل عبارة "كوردستان سوريا" سيراً على النموذج العراقي، ومنهم يرفض تجزئة الجغرافية الكُردية وإضافتها لدولة أخرى، بينما شعبياً يتم أغلب الأحيان تجاوز حدود الدول القائمة: سورية، العراق، تركيا وإيران ويتداولها الكُرد بناءً على الاتجاهات المعبرة عن أجزاء كوردستان الأربعة التي يطالبون بها.
الكومونة: يُعرف العقد الاجتماعي لدستور "فدرالية شمال سوريا" الكومونة على أنها "شكل التنظيم القاعدي الأساسي للديمقراطية المباشرة، وجهاز صنع القرار والإدارة ضمن مجالها الإداري والتنظيمي". وتعمل الكومونة كمجلس قائم بذاته في كافة مراحل صنع القرار وتقابل "مجالس الأحياء" المتعارف عليها في سورية. أما في معجم المعاني العربي فتعني "تشكيل مصغر اجتماعي اقتصادي" ([1]). وتشكلت أول كومونة في باريس بعد انتخاب 90 ممثل لها في الثامن عشر من آذار عام 1871 وسقط آخر مقاتليها في 28 أيار نتيجة المعارك ضد الإمبراطور الفرنسي شارل لويس بونابرت (نابليون الثالث) ([2]).
استناداً على نداء وجهته حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM لأطراف سوريّة "لأجل بناء تحالف ديمقراطي في عموم سورية" في شهر آب/ 2015، عقدت الإدارة الذاتية اجتماعاً في مدينة ديريك/ المالكية بمحافظة الحسكة بتاريخ 09-10/12/2015 ([3]). بحضور أطراف مقربة من حزب الاتحاد الديمقراطي PYD كتيار قمح وأطراف عربية وتركمانية وآشورية. وقد تزامن انعقاد هذا المؤتمر مع سير مؤتمر المعارضة في مدينة الرياض بهدف تشكيل وفد تفاوضي، والتي لم يتم دعوة ممثلين للإدارة الذاتية إليه، مما دفع بتفسير خطوة عقد مؤتمر ديريك بأنها محاولةُ ضغطٍ لقبول الإدارة الذاتية طرفاً في المفاوضات وعلى أقل تقدير إحداث نوع من الضوضاء يؤدي بالأخير للتفاوض معها حول ذات الموضوع ([4]).
تم تشكيل مجلس سوريا الديمقراطية بتاريخ 12/12/2015 بعضوية 42 شخصاً ممن حضروا مؤتمر ديريك وبرئاسة مشتركة مؤلفة من هيثم مناع من تيار قمح (قيم – مواطنة – حقوق) وإلهام أحمد عضوة الهيئة التنفيذية في TEV-DEM (مظلة تضم كافة الأطراف المنتمية لتنظيم PYD أو التي قام الحزب بخلقها منذ تشكله عام 2003 ([5]). وتلى الإعلان عن المجلس بفترة قاربت الشهر تجميد حزب ال PYD عضويته في هيئة التنسيق الوطنية بتاريخ 08/01/2016 ([6])، وبتاريخ 10/01/ 2016 عقد هيثم مناع مع إلهام أحمد الرئيسان المشتركان لمجلس سوريا الديمقراطية اجتماعاً بمدينة جنيف ضمن محاولات المجلس الدخول لمفاوضات جنيف كطرف ثالث الأمر الذي لم يتم حتى ساعة إعداد هذا البحث ([7]).
بعد قرابة الشهرين وبتاريخ 12/03/2016 تم إرسال دعوة من المنسقية العامة للمقاطعات الثلاث (كوباني/عين العرب-عفرين - الجزيرة) والتي على أثرها عُقد اجتماع في مدينة رميلان بتاريخ 16/03/2016 تحت شعار "سوريا الاتحادية الديمقراطية ضمان للعيش المشترك وأخوة الشعوب". وانطلقت أعمال الاجتماع التأسيسي لنظام الإدارة في روج آفا وشمال سورية، على مدار يومين انتهى بمناقشة مسودة النظام الاتحادي في اليوم الأول وإقرارها في اليوم الثاني، وتم انتخاب رئاسة مشتركة للمجلس وهما: هدية يوسف الحاكمة المشتركة للمقاطعة ومنصور السلوم الرئيس المشترك للإدارة الذاتية في مدينة تل أبيض، إلى جانب انتخاب هيئة مؤلفة من 31 عضواً وعضوة من المجلس. ومهمة هذه الهيئة هي العمل على تطبيق ما ورد في وثيقة النظام الاتحادي الديمقراطي بيث نهرين-شمال سورية ([8])، على أرض الواقع خلال مدة أقصاها 6 أشهر ([9]).
وعلى إثر هذه القرارات أعلن الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطي هيثم مناع في 17/03/2016 رفضه للبيان المعلن من المجلس وبرر ذلك بجملة أسباب. يرتبط أولها بعدم فرض وجهة نظر مكون من المجلس على بقية الأطراف ووجوب "الابتعاد عن المناطقية" ([10])، ويتعلق الثاني بالتعارض بين طرح الفدرالية مع الضرورة الأكيدة لبناء "دولة ديمقراطية برلمانية تعتمد اللامركزية الديمقراطية في الإدارة "، منوهاً لضرورة عدم الانجرار وراء تصريحات دولٍ مبنيةٍ على خلافاتها مع دول إقليمية أخرى. وربط رئيس تيار قمح هيثم المناع عودته بسحب بيان إعلان الفدرالية والذي لم يتم لذا أعلن انسحابه من مجلس سوريا الديمقراطي في 05/04/2016 ([11]). وتُدلل تلك المعطيات على أن المشكلين للمجلس أزاحوا غاياته من توحيد رؤى المعارضة وتشكيل جسم يمثل مخرجات مؤتمر القاهرة والدخول للمفاوضات، إلى فرض أمر واقع بإنشاء إقليم فدرالي من طرف واحد دون أي توافق وطني أو حتى إقليمي/ دولي ([12]). وبالعموم خلص اجتماع مدينة رميلان في 16/17 آذار 2016 لمجموعة قرارات بشأن إعلان النظام الفدرالي كالآتي ([13]):
وبناءً على قرارات هذا الاجتماع، عقد اجتماع بتاريخ 27-28/06/2016 بمدينة ديريك/ المالكية وتم التصديق على العقد الاجتماعي للنظام الفدرالي، وتم الإعلان عنه ببيان. وترافق الإعلان بجملة مواقف سياسية توضح رؤية وموقف الإدارة الذاتية السياسية، إذ أكد على أهمية تحالف قوات سوريا الديمقراطية مع قوات التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة"، واتهم تركيا بالامتناع عن محاربة التنظيم وبالتعاون معه، وانتقد أي تقارب تركي إيراني بهدف محاربة الفدرالية المعلنة. كما ضم لـ "حلقة المتربصين بالفيدرالية شراً كلاً من النظام السوري والحزب الديمقراطي الكُردستاني العراقي. إضافة إلى أنه أرجع سبب انسداد الأفق أمام الحل السياسي للملف السوري لعدم توصل واشنطن وموسكو لصيغة حل نهائية ([14]).
أتى هذا العقد نتيجة تضافر مجموعة من الفعاليات التي حرص حزب الاتحاد الديمقراطي البناء عليها، ليبدو هذا العقد كـ “مخرج موضوعي" للتفاعلات التي شهدتها بنية الإدارة الذاتية. ويكمن وراء هذه الخطوة مجموعة من المؤشرات السياسية التي يرمي حزب الاتحاد من خلفها تحقيق مكاسب على الصعيد المحلي والخارجي تشرعن ما يسمى "بحكومة الأمر الواقع" من جهة، وتهندس تموضع سياسي جديد كطرف ثالث في العملية التفاوضية.
تُحاول الإدارة الذاتية التعامل مع قضية العقد الاجتماعي كسلطة شرعية قائمة. وفي هذا الصدد ينبغي التنويه إلى أن مقاربات الشرعية تلك لا تزال محط أخذ ورد على حد سواء محلياً، وحتى إن كانت تتعامل وفق مفهوم حكومة الأمر الواقع، وذلك لأمرين هامين:
أولاً: يحوم الغموض حول هذا المفهوم ضمن القانون الدولي، فمع غياب نص صريح وواضح لهذه السلطات التي تتشكل نتيجة حروب داخلية أو ثورات، تقوم الدول ذات السيادة عادةً باتخاذ إجراءات ازدواجية في التعامل، فمن الممكن أن تقوم دولة ما بالإبقاء على جزء من علاقاتها مع الحكومة المركزية لدولة، وتقوم بذات الوقت بالتعامل مع إدارة نشأت في منطقة معينة ضمن هذه الدولة المركزية.
ثانياً: هناك خلاف بخصوص الإدارة الذاتية المشكلة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD حول إمكانية إطلاق هذه التسمية عليها، فمن الخبراء من يمنحها هذه الصفة بناءً على وجود حربٍ داخلية في سورية. ويشترط أصحاب هذه النظرة قيام حكومة الأمر الواقع بمهام تشبه مهام الدولة ووفق مبدأي حظر العنف وعدم التدخل بشؤون غيرها من الدول وبالمقابل تحصل على الاحترام وفق هذين المبدأين. وحسب هذا الرأي فإن من أهم خصائص حكومة الأمر الواقع هو الاستقرار والفعالية ([15]). ويرى البعض الآخر أنه لا يمكن إسقاط تسمية حكومة الأمر الواقع على السلطة التي شكلها حزب الـPYD في شمال سورية لغياب خصائص هامة ومنها ([16]):
بالمقابل، يواجه هذا الدستور أسئلة وتحديات المشروعية سواء تلك المتعلقة بمستوى التمثيل السياسي لأهم الفعاليات والمكونات في مناطق الشمال السوري، أو تلك المرتبطة بغياب معايير القبول الشعبي، ناهيك عن عدم قبول الحكومة المركزية السورية أو أية حكومة أخرى لهذا العقد.
وإذا ما تجاوزنا الإشكالية الكبرى لهذا الدستور ([17]) والمتمثلة بفرضه من طرف واحد ودون تنسيق وحوار مع المركز وباقي الأطراف، فهو يضم جملة من الأمور الإشكالية الأخرى نذكر أهمها:
أولاً: ضبابية حدود الفدرالية المعلنة: لم يتطرق العقد الاجتماعي لحدود فدرالية شمال سورية حيث ورد في ديباجته "ومؤسسة على مفهوم جغرافي ولا مركزية سياسية وإدارية ضمن سورية الموحدة"، الأمر الذي يجعل من آلية تنفيذ اعتماد المفهوم الجغرافي والإداري في تشكيل الإقليم آلية صعبة وقابلة للتوظيف والتفسير متعدد الأوجه. كما يطرح ذلك جملة من التساؤلات، فهل سيكون بناءً على تقسيمات إدارية جديدة؟ فالتقسيمات الإدارية الحالية لمحافظات الشمال تُظهر بقاء أجزاءٍ من المحافظات مع مراكزها في حين تم ضم الجزء المسيطر عليه عسكرياً لمناطق "الفدرالية"، ومصطلح الشمال السوري يمتد لمناطق يصل عمقها لأكثر من 50 كم وتضم جزءاً من محافظات إدلب و اللاذقية"، وهذا يجعل حدود هذا الإقليم متسماً بالضبابية ويفتح المجال أمام التنبؤات حول إمكانية تمدد هذا الكيان في سياق الوضع السوري الراهن ليضم مدناً كالرقة، الأمر الذي لا يتم قبوله حتى كُردياً بينياً، فهو أمر من شأنه أن يجعل النسبة الكُردية ضعيفة جداً في أي صيغة فدرالية إن تشكلت في سورية. ومقارنةً بإقليم كوردستان العراق فقد قام الأخير بتبيان حدود الإقليم منذ ساعة إعداد الدستور العراقي بالتفصيل من محافظات وأقضية وتطرق لضرورة حل مشكلة المناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور العراقي ([18]).
ثانياً: الخلط المفاهيمي بين اللامركزية السياسية والكونفدرالية: يعتري مفهوم اللامركزية السياسية وفقاً للعقد الجديد مجموعة من المعالم غير الواضحة ويلاحظ من قراءته بشكل كامل وجود خلط غير متوازن بين حقوق الكيانات ذات البنية الكونفدرالية والتي هي في حقيقة الأمر اتحاد دول، وبين الفدرالية وهي مصطلح فضفاض لا يمكن حصره بنموذج معين. وتقوم الدول والأقاليم عادةً بالمساومة على حقوق وواجبات كل طرف فالمركز يحاول دوماً ان يحافظ على السلطات في يد العاصمة بينما تحاول الأقاليم قدر الإمكان الحصول على امتيازات واسعة بناءً على أدوات قوة يتملكها الإقليم، وهي تنحصر لدى الإدارة الذاتية بوجود قوة عسكرية قوية ومنضبطة تنظيمياً جعلت منها مرتكزاً للتحالف الدولي في محاربة تنظيم "(الدولة الإسلامية"). ووفق التجارب التي حدثت للنموذج الكُردي في كوردستان العراق والذي يعتبر من أوسع أشكال الفدرالية يظهر إمكانية تخلي الولايات المتحدة عن حليفها المنتقص لاعتراف دستوري من المركز كما حدث بعد حرب الخليج الأولى عام 1991.
ومنحت الإدارة الذاتية عبر دستورها الجديد نفسها صلاحيات الحكومة المركزية وليس "كحكومة طرف" إذ أنها تمنح حقوقاً لا يمكن لطرف أن يمنحه للمواطن وإن كانت ضمن حدود حكومة هذه الإدارة، إذ يؤكد العقد الاجتماعي في المادة 22 على أن لكافة الشعوب والمكونات والمجموعات الحق في تقرير مصيرها بالإضافة لحق "المقاومة المشروع"، وهو أمر ينبغي أن يحتويه دستور الدولة المركزي. وكذلك يلحظ في المادة 46 المتعلقة بحق طلب اللجوء السياسي والإنساني في الإقليم والتعهد بعدم إعادته لبلده، فبالمقارنة مع الوضع العراقي نجد غياب مادة عن اللجوء السياسي والإنساني في دستور الإقليم لكن نجدها في المادة 21 من الدستور العراقي الذي ينطبق على الإقليم أيضاً.
كما أن هناك بعض المواد التي تدل على أنه دستور دولة مستقلة وفيها أقاليم، إذ تصرح وثيقة العقد الاجتماعي في المادة 66 أن "بإمكان كل إقليم تطوير وتكريس العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع الشعوب والبلدان المجاورة، بشرط عدم تناقضها مع العقد الاجتماعي لفيدرالية روج آفا – شمال سوريا وفيدرالية سوريا الديمقراطية (المستقبلية ومركزها في العاصمة دمشق) ([19])"، الأمر الذي يمكن عدّه تناقضاً واضحاَ في تعريف الإدارة الذاتية لذاتها. ومن التناقضات إيراد وظيفة "تكريس العلاقات الدبلوماسية" إشارة إلى حق فتح ممثليات دون أن يتم إرفاق شرح أو تفسير لها، فلم يتم ذكر كيفية فتح هذه الممثليات ولم يتم العثور على حالات مماثلة لأنظمة سياسية تمنح حق فتح ممثليات دبلوماسية خاصة بأقاليم ومنفصلة عن عاصمة الدولة المركزية أو بالرغم من إرادته، ولا يمكن معرفة من أين وعلى أي أساس حددت شكل وتسمية الدولة السورية مستقبلاً. وبالمقابل نجد وهذه العلاقة بين المركز وحكومة الإقليم مدونة بوضوح في دستور إقليم كوردستان العراق ([20]).
ثالثاً "الإلهة الأم" كمصدر تشريعي: تستمر ديباجة العقد بطرح مبادئ غير واضحة ومفتقدة للتفسيرات مع ذكر (الإلهة الأم) كمصدر من مصادر التشريع، إذ برر سيهانوك ديبو مستشار الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD مفهوم "الإلهة الأم" على أنه إسناد إلى (العصر الحجري الحديث/النيولويتي) وأن العقد الاجتماعي له جذور تاريخية تقدر بــ 400 سنة قبل الميلاد. وقسَّم ديبو المنتقدين للعقد الاجتماعي إلى ثلاثة أقسام: الناقد موضوعياً والمرحب به، والمشكك، والحاقد بدافع من الأعداء ([21]).
وتُعد "الإلهة الأم مجرد ميثولوجيا وأساطير لم يتقبلها الناس ولم تبلغ في ضمير الشعب الكردي نفسه مكان الأسطورة التاريخية، وإقحام هذا المعنى الرمزي في مرجعية حقوقية وقانونية ودستورية لن يخدم المقصد في شيء، وسيُكرس تلقائياً اصطفافاً دينياً وطائفياً وقومياً في هذه المنطقة المتخمة بالجراح الطائفية والعرقية!" بالإضافة إلى أن اعتماد نهج الإدارة الذاتية عموماً على تعزيز دور المرأة في المجتمع قد وصل لدرجة تأنيث "الإلهة" ووضعها ضمن مصادر التشريع. وهذا يتنافى مع الثقافة الإسلامية الوسطية للكٌرد عبر تاريخهم منذ اعتناق للإسلام ([22]).
يضاف إلى ما ذُكر، غلب على مسودة العقد الاجتماعي خلطٌ بين الفدرالية والكونفدرالية من الناحية السياسية، ونرى خلطاً أيضاً بين المفاهيم الوثنية والتوحيدية. وفي نفس الوقت الذي تذكر مسودة العقد "الإلهة الأم" تبدأ بعبارة "أقسم بالله العظيم" فكيف يمكن لعقيدتين متناقضين التواجد في ذات الشخصية المتماسكة فكرياً وعقائدياً بإحداها.
خامساً: الشمولية عن طريق البيروقراطية، تُبين المواد (54 وحتى 84) هيكلية مؤسسات الحكم في "فدرالية شمال سوريا" والتي تبدأ من أصغر وحدة (الكومونة) إلى الهيئات العامة والمجالس التنفيذية للأقاليم ضمن الفدرالية، والمجلس التنفيذي للفدرالية. وتوضح المواد كيفية تشكيل المجالس والهيئات العامة التي يبلغ عددها 17 مؤسسة عامة بما فيها مؤسسة الإعلام ومفوضية الانتخابات وهيئة الدفاع، كأجساد مستقلة عن بقية الهيئات التنفيذية الأخرى. وتتبع الهيئة التنفيذية للإقليم 15هيئة تنفيذية، وللمجلس التنفيذي للفدرالية 18 هيئة عامة، فيكون محصلتها 33 هيئة تنفيذية دون التطرق لهيئات بقية مجالس الأحياء. وبالنظر إلى تصريح العقد على وجوب عضوية كل مواطن في كومونة واحدة على أقل تقدير -ورغم توضيح العقد في كثيرٍ من بنوده على مبادئ الحرية والديمقراطية-إلا إنه أوجد الأرضية المناسبة لخلق نوع من الدكتاتورية والبيروقراطية المعوقة في حقيقة الأمر للحرية. وبتحليل تسلسل مواد العقد من ناحية الهيكلية الإدارية نرى بأن الكومونة هي أساس المؤسسات وصولاً للمجلس التنفيذي للفدرالية، وهو أمر يُعارض مبدأه الموضح في ديباجته بوقوفه ضد النظام الشمولي الاستبدادي والمركزي، لكن في حقيقة الأمر يُقوي العقد الاجتماعي بهذا البند مركزيةً لم تكن متحققة حتى في أوج قوة النظام السوري. ويتضح بذلك أن المقصود التأسيس لفكرة دمج كافة عناصر المجتمع بمنظومة الحكم الحالية.
يؤكد فرزند شيركو (الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) على أن رغبة المشرفين على فدرالية الشمال – وفقاً لما ورد في البيان التأسيسي للنظام الفدرالي- بالسيطرة على الشمال السوري بالكامل بذكر مناطق منبج وجرابلس، ويُضيف إمكانية ضم مدينة الرقة لهذا الإقليم. ويشير إلى الفصل الواضح والمقصود بين كوردستان وسورية في البيان بهدف إظهار أن الجهود نحو تشكيل دولة سورية فدرالية هي بمبادرة كردية وليست من المركز. ومن جهة ثانية يُبين شيركو أنه على الرغم من التوجه الماركسي العميق الذي احتواه البيان، إلا أنه حاول تجنب إظهار الأيديولوجيات اليسارية، وذلك من خلال تبنيه لمبادئ الثقافة الدينية للمجتمع"، ونشهد هذا الأمر أيضاً في العقد الاجتماعي الذي أُعلن في 2 حزيران 2016. أما من جهة ثالثة فيؤكد شيركو فيما يخص الحدود الإدارية وبالمقارنة مع ما حدث في العراق فإنه يتناقض مع النموذج الكردستاني العراقي الذي يستند إلى الجغرافيا والتاريخ، بدلاً من الحدود الإدارية البحتة" ([23]).
كما ذهب المركز المصري للدراسات الكردية عبر ندوة ناقشت العقد الاجتماعي وفق أبعاد سياسية أكثر منها قانونية "إلى الاعتقاد بأنه "إنشاء وطن مستقل باﻷكراد بشمال سورية" ([24])، إلا أن هذا العقد لم يرد ضمنه أية بنود تُصرح بالاستقلال أو الانفصال، وهذا ما عرَّضه للانتقاد من قبل بعض الكرد لعدم تناول العقد لحق تقرير المصير للشعب الكُردي بشكل صريح وواضح. وتناول السياسي الكُردي صلاح بدر الدين هذه القضية، متسائلاً عن أصل الشرعية التي استمد منها المجتمعون والمقررون باسم الشعب الكُردي في سورية دستوراً ليتم حكم الشعب به، في وقت قارب عدد المهاجرين لـ 65% وبشكل خاص من الفئات الشبابية التي انخرطت في النضال في المناطق الكُردية. كما انتقد بدر الدين تشويه الإدارة الذاتية لمبادئ نظرية العقد الاجتماعي الذي أفرزته الثورة الفرنسية ويصف عملية إقرار العقد الاجتماعي بأمر يشكل العار على كل التراث الثوري الإنساني ([25]).
كما وصف بعض قيادات الائتلاف الوطني هذه الخطوة بأنها مرحلة متقدمة من عملية تفتيت سورية بالتوازي مع العراق وبإشراف أمريكي وأن نجاح هذه الخطوة يعني انهيار الحزام الأمني للمنطقة ومن المحتمل أن تؤدي لمواجهة دول أخرى في المنطقة المصير نفسه مع اتخاذها موقف المتفرج حالياً ([26]).
وأشار رئيس المجلس الوطني الكُردي إبراهيم برو إلى أن افتقار هذا العقد للوضوح فيما يخص الحقوق الكُردية منوهاً إلى أن دستور الإدارة الذاتية يرى في وجود إقليم قومي كردي أمراً خطيراً على المنطقة، في إشارة لتصريحات سابقة لمسؤولين في الإدارة الذاتية أعلنوا رفضهم تشكيل دولة قومية كُردية، إضافة لتثبيت هذا الموقف في العقد الاجتماعي وذلك بتحميل الدولة القومية أساس الفشل والمآسي في المنطقة ([27]).
ومن جهتها ردت الرئيس المشتركة لفدرالية روج آفا-شمال سورية هدية يوسف على الاتهامات الموجهة لهم بالعمل على تقسيم سورية قائلةً "إنَّ النظام الفيدرالي المذكور بالوثيقة لا يعنى تقسيماً ولا انفصالاً لشمال سورية، وإننا نقبل بأن نعيش في دولة تحافظ على الشعوب الموجودة بها". وترى يوسف بأن الفدرالية هي الحل الوحيد للقضية السورية معلنةً بأنه لو كانت لهم رغبة بالانفصال لصرحوا بها، وأشارت بأن الدفاع والسياسة الخارجية سيتم إدارتها من قبل المركز ([28]). ولم توضح ما إن كان النظام قد اعترف فعلاً بقواتهم كقوات حماية للفدرالية المعلنة بالرغم من أن طريقة انسحاب النظام من المناطق التي تقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية الآن كانت من طرف واحد دون أن يكون هناك دفعٌ عسكري من أي طرف. ولايزال النظام يحكم المناطق التي يريد حكمها في مدينتي القامشلي والحسكة إما بتواجده العضوي أو عن طريق قوات الدفاع الوطنية، بينما تقوم مؤسسات الإدارة الذاتية بعملية الإبقاء على إدارات الدولة عاملةً ضمن تسلسلها الإداري على ما كانت عليه سابقاً. ولا تملك حتى الآن المؤسسة التابعة للإدارة الذاتية أي قيمة على الأوراق الرسمية للدولة السورية ويقتصر سريان مفعولها فقط ضمن مناطق سيطرتها، فأي مطلوب لخدمة العلم لدى النظام ولو كان حاصلاً على تأجيل من الإدارة الذاتية لا يملك صلاحية الدخول للمناطق التي يسيطر عليها النظام وسيكون معرضاً لخطر السوق للجبهات.
وبالتوازي مع إعلان الإدارة الذاتية، عقد وفدٌ من المجلس الوطني الكُردي ورشة في جنيف (بمشاركة قيادات من المجلس بينهم رئيس المجلس إبراهيم برو، وبمساعدةٍ من وزارة الخارجية الألمانية ومجموعة من خبراء دوليين مختصين مع منظمة نداء جنيف) ([29]). وتناولت الورشة المسائل القانونية والسياسية في أوقات الحرب والنزاعات وتم فيها مناقشة رؤية المجلس الوطني الكُردي لمستقبل سورية وبنائها وفق نظامٍ ديمقراطيٍ اتحادي، وتم تباحث مبادئ دستورية حول ذلك والشكل المناسب لتطبيقها في "كوردستان سوريا". وحسب الوفد المشارك سيتم تقديم ما توصل إليه المجتمعون كمشروع إلى مكتب الشؤون القانونية للمجلس لدراسته وتقديمه للمجلس الوطني الكُردي ([30]). وفي حين أن التصريحات دارت حول تشكيل دستور إلا إن اللجنة المشاركة في الوفد أكدت أنها ورشة قانونية تنحصر مهمتها في طرح تصور المجلس للحل في سورية. وتضارب هذا التوضيح مع مداخلات لشخصيات سياسية من ضمن المجلس تُفيد بأن الورشة خلصت لوضع مسودة دستور يحوي 132 مادة. ويُعتبر المجلس الوطني الكُردي أكثر وضوحاً من ناحية تصوره فيما يخص الوضع الكُردي في سورية، حيث يركز على وجوب إقامة فدرالية ديمغرافية للكُرد كما في الوثيقة التي وقعها مع الائتلاف ([31]). أما بخصوص المناطق التي لا يشكل الكٌرد فيها أغلبية، فيهدف المجلس لوضع صيغة تفاهم تعطي المكونات المتواجدة في هذه المناطق حق الإدارة الذاتية ضمن الفدرالية المراد تحقيقها، ولتشمل كامل الشريط الحدودي الشمالي من المالكية/ ديريك شرقاً وحتى عفرين غرباً. ويُطالب المجلس أيضاً بوضع بند حق تقرير المصير للكُرد في سورية ضمن أي دستور سوري جديد.
وبمبادرة من الهيئة السياسية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أقيمت ورشة حوارية حول "الملف الكُردي والفيدرالية"، تم فيها بحث مشاركة الكُرد في الحياة السياسية منذ نشوء الدول السورية، وفي عهد المد القومي العروبي، بالإضافة إلى شكل الدولة منذ الاستقلال وحتى 1963، والتحديثات التي واجهتها الثورة في الأماكن ذات الغالبية الكُردية، وماهية المشاركة التي قدمها الكُرد خلال الثورة. كما ركزت الورشة على الرؤية الكُردية والعربية والتكنوقراط للدولة السورية بعد الثورة مناقشة أشكال عدة (البرلماني، الرئاسي، وأفكار أخرى) وعدة أنظمة إدارية (المركزية، الفيدرالية، اللامركزية السياسية والإدارية). وطرحت الورشة مجموعة من المخرجات التي لخصت الأفكار السابقة ووجهات النظر المتطابقة: كاسم الدولة المتوافق عليه في الورشة "الجمهورية السورية"، وجعل اللغة الكُردية لغة رسمية في المناطق ذات الغالبية الكُردية. أما بخصوص النقاط الخلافية فتمحورت بشكل رئيسي حول اللامركزية حيث تم الاتفاق على مبدأ اللامركزية ولكن اختُلف بين شكلَي السياسية والإدارية.
انطلق تصور المؤسسات التي أعلنت عن فيدرالية الشمال (التي شكلها حزب الاتحاد الديمقراطي) من معطيات الواقع السياسي والعسكري الراهن والذي يمكن تغيره أو انتقاله إلى مستويات نوعية جديدة. كما عززت تلك المؤسسات صيغة إنكار وجود الآخر، وأغلقت الأبواب أمام الفعاليات والتنظيمات المخالفة لفكرها في إدارة المنطقة.
إن تلك المؤسسات التي فرضت عقداً اجتماعياً يُشكَّكُ بمشروعيته، لاتزال تعتمد على الدولة السورية في توفير النسبة الأعظم من رواتب الإداريين، وتتكئ على مبدأ التلاقي في المصالح مع النظام في معالجاتها الأمنية والعسكرية. ويوضح هذا التلاقي درجة استغلال الاتحاد الديمقراطي للظروف والمعطيات بهدف تكريس ما يعرف بـ "حكومة الأمر الواقع" لتتحكم في كافة التفاصيل الإدارية والاقتصادية والسياسية للمكونات المجتمعية داخل "الإقليم". ويقفز العقد فوق التطور الفكري البشري باعتماد مفاهيم فلسفية تعود بجذورها للعصور الحجرية كما يوضح أصحابها أنفسهم في مفهوم "الإلهة الأم"، أو مع اعتماد شكل الكومونة الإداري الذي وجد في فترة الثورة الفرنسية لما يقارب 3 أشهر فقط.
عموماً تحاول الإدارة الذاتية جاهدة في طرحها للعقد الاجتماعي تطويع الظروف والمعطيات الراهنة وشراكتها في "الحرب على الإرهاب" لتقديم مخرجات تساهم في جعلها طرفاً ثالثاً في "الصراع" وتعزز عوامل تمكينها السياسي والعسكري والاجتماعي متجاوزة مبدأ الحوار والتوافق الوطني مع باقي المكونات حول القضايا الرئيسية الإشكالية، وهذا ما يجعلها تنهج سلوكيات مضطربة ومزدوجة من جهة، ويعزز من الشروط المهيئة للرفض السوري العام لمشروعها.
([1]) معجم المعاني الالكتروني الرابط: http://goo.gl/IU2Vsx
([2]) أسامة عبد الله:"كومونة باريس، الاشتراكي إعلام لأجل الثورة" موقع مجلة الشرارة الالكتروني، تاريخ 01/05/2007 الرابط: http://goo.gl/t7jBaM
([3]) الوثيقة السياسية لمجلس سورية الديمقراطي، وكالة أنباء هاوار، التاريخ 09/12/2015م، الرابط: https://goo.gl/02b3Tj
([4]) مؤتمر ديريك يعلن عن تشكيل مجلس يمثل قوات سورية الديمقراطية سياسياً، آرانيوز، التاريخ 12/12/2015م، الرابط: http://goo.gl/cv4A5g
([5]) هيثم مناع وإلهام أحمد رئيسان مشتركان لمجلس سورية الديمقراطية الجديد، آرانيوز، التاريخ 12/12/2015م، الرابط: http://goo.gl/YlHGST
([6]) حزب الاتحاد الديمقراطي يجمد عضويته في هيئة التنسيق، آرانيوز، التاريخ 08/01/2016م، http://goo.gl/t6ntTc
([7]) «مجلس سورية الديمقراطي» يستكمل في جنيف ما بدأه في المالكية، جريدة الوطن، التاريخ 11/01/2016م، http://goo.gl/t32pz6
([8]) تسمية بيث نهرين هي (تسمية تاريخية باللغة السريانية تعنى بلاد الرافدين).
([9]) تحت شعار سورية الاتحادية الديمقراطية ضمان للعيش المشترك وأخوة الشعوب. وكالة السريان الدولية للأنباء، التاريخ 18/03/2016م، الرابط: http://goo.gl/bZfnCb
([10]) بيان صادر عن تيار قمح، الصفحة الرسمية لهيثم مناع على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" التاريخ 17/03/2016م، الرابط: https://goo.gl/QeoLBF
([11]) هيثم المناع ينسحب من رئاسة "مجلس سورية الديمقراطية"، جريدة الوسط، التاريخ 05/04/2016م، الرابط: http://goo.gl/AacHbf
([12]) الوثيقة السياسية لمجلس سورية الديمقراطية، وكالة أنباء هاوار، التاريخ 09/12/2015م، الرابط: https://goo.gl/jWdpqs
([13]) تحت شعار سورية الاتحادية الديمقراطية ضمان للعيش المشترك وأخوة الشعوب وكالة السريان الدولية للأنباء، التاريخ 18/03/2016م، الرابط: http://goo.gl/bZfnCb
([14]) البيان الختامي للهيئة التنظيمية للمجلس التأسيسي للنظام الاتحادي الديمقراطي لروجافا، وكالة انباء هاوار، التاريخ 27/06/2016م. الرابط: http://goo.gl/ZecNph
([15]) جيان بدرخان:"الكرد في سورية وحكومة الأمر الواقع المحلية"، مركز ياسا للدراسات القانونية، التاريخ 03/2013م، الرابط: http://goo.gl/ImQvo1
([16]) ذلك ضمن مكالمة هاتفية أجراها الباحث مع الأستاذ موسى موسى المختص في القانون الدولي، بتاريخ: 28/07/2016
([17]) يضم العقد 11 فصلاً موزعاً على 4 أبواب، وتشمل جميعها على 85 مادة، ويرد ضمن ديباجته لإشارات لما أسماه الدور السلبي للدول القومية في قمع الشعوب في سوريا والشرق الأوسط"، بالإضافة إلى اعتقاده بأن" الدولة الفدرالية ستكون الحل بإعطاء كل الشعوب ضمن هذه الدول التي تعيش حروباً داخلية"، كما وتركز الديباجة على إيراد الاختلافات الأثنية والدينية والتي يجب أن تصل للمساواة في الحقوق وفرص اتخاذ القرار وصناعته
([18]) نص مشروع دستور اقليم كوردستان – العراق، موقع حكومة اقليم كوردستان، التاريخ 24/09/2006م، الرابط: http://goo.gl/Vcc04j
([19]) الكشف عن العقد الاجتماعي للفيدرالية الديمقراطية لروج آفا – شمال سورية، وكالة فرات للأنباء، التاريخ، 01/07/2016 الرابط: http://goo.gl/vnxd4f
([20]) حيث ورد في الباب السابع عشر من المادة 104 كيفية فتح الاقليم للمكاتب الخاصة بشؤونه الثقافية والاجتماعية ضمن السفارات العراقية: "إصدار مرسوم بتأسيس المكاتب الخاصة بالإقليم للشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية في السفارات والبعثات الدبلوماسية العراقية في الخارج وللمزيد راجع نص مشروع دستور اقليم كوردستان، مرجع سابق، الرابط: http://goo.gl/Vcc04j
([21]) ويرى ديبو بإن المجتمع غادر طبيعته الأيكولوجية (أي احترامه للطبيعة و الأيكولوجيا هي فرع من علم الاحياء يدرس العلاقات بين الكائنات الحية و بيئتها) ونتج عنه "معاداة وفراق أو طلاق للحق الأمومي أو ثقافة الإلهة الأم، وإحلال السلطة الذكورية بدلاً منه من خلال الملكية والثروة والسلطة"، و يعتبر سيهانوك إن الأديان التوحيدية عجزت عن توحيد البشر وايقاف شلالات الدماء التي اريقت في الحروب بين بني البشر ولذا يرى ضرورة بالعودة لفلسفة الإلهة الأم ( " ومن حيث أن تاريخ البشري يبدأ من ثقافة الإلهة الأم وليست من أديان التوحيد، كون التاريخ يؤدي دوراً نشوئياً وتكوينياً، ليس لأجلِ المجتمع البشريِّ وحسب، بل ولكافة الكيانات الكونية؛ يُعَدُّ حقيقة أَجمعت عليها جميع العلوم. والتاريخ والعلوم بمجملها بدأت في العهد النيوليتي وبالأخص في عهد تل حلف (6000– 4000 ق.م). ومساهماتُ الإلهة المرأة – الأم أمر محدِّدٌ في هذه المرحلة. إذ يجب استيعاب الدور التعليمي الأول والأصل للنساء– الأمهات " للمزيد أنظر مقالته: كُردٌ اِسْتَهْدَوا؛ مكوناتٌ ليست بالتائهة؛ التاريخ بدأ من الإلهة الأم إنه العقد الاجتماعي المُحَصّن، موقع حزب الاتحاد الديمقراطي، التاريخ 09 /07/2016م، الرابط: http://goo.gl/paE05N
([22]) د. محمد حبش: فأين تذهبون؟ قراءة في العقد الاجتماعي لروج آفا، كلنا شركاء، التاريخ 04/07/2016 الرابط: http://goo.gl/Mg8PX6
([23]) النظام الاتحادي الديمقراطي الجديد في شمال سورية، موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، التاريخ 27/04/2016، الرابط: http://goo.gl/cgBPGk
([24]) بالفيديو خبراء: الأكراد يفتتون سورية بـ "فيدرالية روج آفا"، موقع مصر العربية، التاريخ 20/07/2016م، الرابط: http://goo.gl/47RS47
([25]) صلاح بدر الدين: العقد الحزبي الباطل، موقع رابطة المستقلين الكرد السوريين، التاريخ 11/07/2016م، الرابط http://goo.gl/y6vC7Z
([26]) خالد خوجة: إعلان فيدرالية روج آفا مرحلة متقدمة من عملية تفتيت سورية، موقع عيون الخليج، الرابط: http://goo.gl/YZsGjR
([27]) "الوطني الكوردي": دستور الادارة الذاتية يجد في كوردستان خطرا على المنطقة، موقع كوردستان24، التاريخ 12/07/2016، الرابط http://goo.gl/NIxhdD
([28]) مصدر سابق، الرابط: http://goo.gl/47RS47
([29]) المجلس الكردي يكشف تفاصيل ورشته القانونية في جنيف بسويسرا، موقع آرانيوز، التاريخ 17/07/2016م، الرابط: http://goo.gl/N0RCbJ
([30]) تصريح من وفد المجلس الوطني الكردي في سوريا المشارك في ورشة العمل في جنيف، موقع تيار المستقبل الكردي في سوريا، التاريخ، 05/07/2016م، الرابط: http://goo.gl/mv4lmD
([31]) نص الوثيقة الكردية الخاصة الموقعة بين الائتلاف والمجلس الوطني الكوردي، موقع شفاف الشرق الأوسط، التاريخ: 17/03/2014م، الرابط: http://goo.gl/ogU982