تصدر ملفات البرنامج الوطني لسورية ما بعد الحرب، قطاع الصناعة، قانون العقود والخطة الوطنية للامركزية، برنامج عمل حكومة النظام السوري خلال شهر أيار 2019.
أنجزت الحكومة الإطار التنفيذي "للبرنامج الوطني لسورية فيما بعد الحرب" لعامي 2019-2020، متضمناً إجراءات إسعافيه محفزة لعودة النشاط الاقتصادي والإنتاجي والخدمي ومنها؛ 1) إطلاق مشاريع لمكافحة الفقر، 2) ضمان توفير مستلزمات الإنتاج الزراعي والصناعي وحوامل الطاقة، 3) توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين وفق آليات محددة للدعم (كدعم سعر الفائدة، ودعم الإنتاج). أما الأولوية كقطاعات فكانت للزراعي ثم الصناعي. وفيما يتعلق بالسياسات المصرفية والنقدية، تم التأكيد على استدامة الموارد النقدية لتأمين الاحتياجات الأساسية، مع المحافظة على استقرار الأسعار وسعر الصرف، وإدارة العرض والتحكم في السيولة وتطوير الخدمات المالية والمصرفية، والعمل على تطوير أدوات مالية ومصرفية مناسبة لتحفيز التبادل التجاري مع الدول الصديقة، وعن الجانب المتعلق بالمالية العامة، أشارت المذكرة إلى ضرورة تطوير نظام التعريفات الجمركية، مع إعادة النظر في التعريفات في إطار حماية المنتج المحلي، وتطوير التشريعات الضريبية باتجاه الضريبة الموحدة على الدخل وضريبة المبيعات وضريبة البيوع العقارية.
حول التشاركية واستثمار الأصول العامة، بينت المذكرة أنه لابد من زيادة كفاءة استثمار الأصول العامة لتوفير إيرادات للدولة، والمساهمة في تمويل إنشاء البنى التحتية، وتعزيز دور القطاع الخاص والفرص الاستثمارية، والمشاركة في المخاطر ضمن عدة مكونات، تتمثل بحصر وتحديد الأصول القابلة للاستثمار (في الإدارة المركزية والإدارات المحلية)، وتحديد الإطار التشريعي الناظم للاستثمار، كذلك تحديد الإجراءات اللازمة لوضع الأصول في الاستثمار.
كذلك تضمن الإطار التنفيذي للبرنامج الوطني لسورية ما بعد الحرب لعامي 2019-2020 بنوداً تتعلق بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية من خلال العمل على إعداد قانون الكسب غير المشروع وإصلاح وتطوير عمل المؤسسات الرقابية، كما أوضحت الحكومة في مجال التطوير الإداري والمؤسساتي العمل على توصيف الخدمات العامة والإجراءات الإدارية المتصلة بها، وإصلاح الوظيفة العامة وبناء القدرات ما يتعلق بدراسة التشريعات والنواظم المؤسسة للوظيفة العامة، والعمل على تطويرها، وتطوير آليات إدارة الموارد البرية في الجهاز الحكومي، وبناء القدرات وتعزيز المهارات اللازمة لرفع جودة الأداء الإداري لدى العاملين في الدولة والمجالس المحلية.
في سياق متصل، أفردت الخطط الرسمية الحكومية حيزاً مهماً في نقاشاتها ومشاريعها للمناطق الحرة باعتبارها أحد المرتكزات الأساسية لإنعاش الاقتصاد السوري، وأكدت مصادر في المؤسسة العامة للمناطق الحرة بدء العمل على تطوير هذه المناطق من خلال تنفيذ عدد من المشروعات وفق برامج زمنية محددة في مقدمتها دراسة تعديل نظام الاستثمار في المناطق الحرة المصدق بالمرسوم 40 للعام 2003، كذلك دراسة مقترح يقضي السماح بإقامة المرافئ الجافة في المناطق الحرة، وإحداث نافذة واحدة في المناطق الحرة تضم كل الجهات التي تقدم الخدمات، إضافة لتشكيل لجنة عليا ولجان فرعية للمستثمرين تعنى بأوضاعهم وحل مشكلاتهم والصعوبات التي تعترضهم.
في جانب آخر، أصدرت رئاسة مجلس الوزراء التعليمات التنفيذية الجديدة للعقود التي تبرمها الجهات العامة والحالات الضرورية التي يجوز فيها التعاقد بالتراضي، حيث يجوز ذلك في حال فشل المناقصة أو طلب العروض لمرتين متتاليتين، كما يجوز ذلك بالنسبة لعقود الشحن وعقود التأمين على البضائع المشحونة، ويجوز أيضا حسب التعليمات التعاقد بالتراضي في الحالات الطارئة التي تستوجب سرعة مبررة عندما لا يمكن تقديم المواد أو إنجاز الخدمات أو تنفيذ الأشغال بالطرق الأخرى بالسرعة المطلوبة.
أكدت مذكرة أعدتها الحكومة أهمية العمل على تطوير البنية الصناعية وتشجيع الاستثمار فيها بصورة أساسية، وذلك من خلال التأكيد على التشاركية مع القطاع الخاص عبر إتاحة المجال له لاستيراد المشتقات النفطية، إضافة إلى تحديد الحد الأدنى لقيم كل المستوردات (أسعار استرشادية تأشيرية) التي لها مثيل من الإنتاج المحلي، وإعادة النظر بالرسوم الجمركية المفروضة على المواد الأولية الداخلة في الصناعة من خلال لجنة ترشيد التعرفة، إضافة إلى الاستمرار بسياسة ترشيد استيراد المنتجات المصنعة محلياً، كذلك تضمنت المذكرة تكليف وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية لإجراء كل التصحيحات والتعديلات على إجازات وموافقات الاستيراد المتعلقة بزيادة (الكمية- القيمة- المواصفة- سعة المحرك للآليات) من دون الرجوع إلى اللجنة الاقتصادية، واستجابة لمطالبات الصناعيين بإصدار القانون الجديد للاستثمار، إلى جانب مكافحة البضائع المهربة لدعم الإنتاج المحلي.
بالانتقال إلى الإدارة المحلية، تبنى برنامج الحكومة في مجال الإدارة المحلية الخطة الوطنية للامركزية، والتي تقوم على بناء وتفعيل آليات منظمة للمشاركة، وتحديد الاختصاصات التي يمكن أن تنقل إلى مجالس المحافظات، وإلى بقية مستويات المدن والبلدات والبلديات، وتحديد البرنامج الزمني لها، متضمناً الموارد المالية والبشرية اللازمة لنقل هذه الاختصاصات. كما تم التأكيد على ضرورة رفع كفاءة الوحدات الإدارية، وتمكين المجالس المحلية ومكاتبها التنفيذية من ممارسة الصلاحيات والاختصاصات المنوطة بها، ورفع كفاءة العاملين في الوحدات الإدارية بكيفية إعداد الخطط ومتابعتها، واختيار المشاريع وفق أولويات معينة، والتقييم والرصد لهذه الخطط، بالتوازي مع رفع الكفاءة الإدارية، إلى جانب إجراء تقييم سريع للاحتياجات التدريبية ووضع خطة التدريب ومن ثم تنفيذ ومتابعة خطط التدريب وتقييمها دورياً.
وفي سياق متصل، وافقت الحكومة على البرنامج التنفيذي للإطار الوطني للتخطيط الإقليمي للمرحلة القادمة، الذي أعدته هيئة التخطيط الإقليمي ضمن التوجهات والمنطلقات الأساسية، وقد جاء ذلك على مرحلتين متداخلتين ومتكاملتين، وهما المرحلة الانتقالية التي تشمل دراسات التخطيط المكاني لسورية، والخريطة الوطنية للسكن والإسكان، إضافة إلى تحديث الرؤية المكانية للنشاط الصناعي، ومرحلة الاستدامة، التي يتم بموجبها العمل بتوجهات الإطار الوطني وتقديم الدراسات الإقليمية والهيكلية.
يتطرق هذا القسم إلى أبرز أخبار قطاعات الاقتصاد السوري، وفق منهجية تقوم على رصد القطاعات الأساسية، واستخلاص المؤشرات النوعية.
لم تظهر المؤشرات انعقاد لقاءات يوم الأربعاء الاستثماري خلال شهر أيار، وعن سبب ذلك أشار مدين دياب مدير عام هيئة الاستثمار السورية بأن جلسات الأربعاء الاستثماري يمكن أن تعقد بأي وقت يحتاج إلى انعقادها، وأن الهيئة تعمل على حل مجمل المشاكل العالقة ولا داعي لعقد جلسات الأربعاء الاستثماري راهناً.
صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على تأسيس 35 شركة جديدة في شهر أيار 2019 بحسب ما نشره موقع الاقتصادي، منها ما ورد في الجدول المرفق.
فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين روسيا والنظام السوري، نفت وزارة النقل الأنباء عن استثمار مطار دمشق الدولي أو غيره من المطارات السورية من قبل روسيا، وأوضحت الوزارة في رد لها أنه وضمن بروتوكول اجتماعات الدورة الحادية عشرة للجنة المشتركة السورية الروسية في كانون الأول 2018، تمت مناقشة تأهيل مطاري دمشق وحلب مع الجانب الروسي وفق نظام BOT، دون التوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص.
وفي إطار الزيارات الروسية إلى دمشق، استقبل رئيس جامعة دمشق محمد ماهر قباقيبي وفداً روسياً برئاسة مدير عام هيئة الثقافة الروسية ألكسين بولكونيكوف، حيث شملت المناقشات بين الجانبين عدة نقاط منها؛ التعريف بأبرز الجامعات الروسية، التركيز على اللغة الروسية ودراسة التعليم عن بعد لرفع مستوى التعليم اللغوي.
وفي نفس السياق، زارت النائبة في مجلس الدوما الروسي ناتاليا بوكلونسكايا دمشق على رأس وفد يضم كلاً من؛ مساعدها إيفان سولافيوف، نائب وزير الصحة في جمهورية القرم نيكولاي دركاش، منسق لتوزيع الأطفال السوريين الجرحى في مستشفيات موسكو، منسق لتوزيع الأطفال الجرحى السوريين في مستشفيات سان بطرسبورغ، وأشارت بوكلونسكايا خلال لقاءاتها المسؤولين السوريين إلى الاتفاق مع مشفى المجتهد على نقل عدد من المرضى والجرحى السوريين للمعالجة في المستشفيات الروسية، كذلك تقديمها مقترحاً لمدير مستشفى المجتهد يتضمن قيام الجانب الروسي بتوريد معدات ولوازم طبية كمساعدات خيرية لسورية.
صرح مدير عام هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات إبراهيم ميدا عن قرب الانتهاء من تسجيل فرع لشركة البيت التجاري سورية القرم، ولفت ميدا إلى الموافقة على افتتاح فرع لشركة البيت التجاري سورية القرم في دمشق وتعيين مدير عام لهذا الفرع، وفتح حساب جار وممارسة العمل وفق القانون رقم 34 لعام 2008 الناظم للمؤسسات والهيئات الموجودة خارج الأراضي السورية، وسيناط بفرع دمشق العمل على تنفيذ البروتوكول الموقع بين سورية وروسيا الاتحادية أثناء الدورة 11 التي تمت في دمشق للجنة الروسية السورية المشتركة.
قرّرت شركة "سيروس لاين" الروسية محدودة المسؤولية والتي تعمل في مجال خدمات الملاحة البحرية والنقل البحري، افتتاح فرع جديد لها في طرطوس، ويأتي هذه القرار عقب حصول شركة " ستروي ترانس غاز الروسية الخاصة" على عقد إدارة واستثمار ميناء طرطوس البحري لمدة 49 عاماً.
بالانتقال إلى العلاقات الاقتصادية بين إيران والنظام السوري، وافقت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء على البرنامج التنفيذي للتعاون في المجال التربوي (التعليم ما قبل الجامعي) الموقع في دمشق بتاريخ 28-01-2019 بين حكومة النظام والحكومة الإيرانية للأعوام الثلاثة (2019-2020-2021)، وتم تكليف وزارة التربية المتابعة بما يلزم لاستكمال إجراءات وضع البرنامج في التنفيذ.
في السياق نفسه، كشفت معاون وزير التعليم العالي لشؤون البحث العلمي سحر الفاهوم عن اتفاق يدرس مع الجانب الإيراني لإحداث تغييرات على اتفاق المنح الدراسية الممنوحة للطلاب السوريين في الجامعات الإيرانية لتشمل الكليات الطبية.
في جانب آخر، حددت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أعضاء مجلس إدارة الغرفة التجارية السورية-الإيرانية المشتركة وفق ما هو مبين في الجدول المرفق.
تتنافس عدة أطراف على احتكار ملف القمح السوري، وهو ما يفسر بجانب الحرائق التي تطال الأراضي المزروعة بالقمح في مختلف مناطق السيطرة، حيث قام النظام بوقت سابق من شهر نيسان بإحداث المؤسسة "السوية للحبوب" في الحسكة، ورفع سعر شراء كيلو القمح من 175 في عام 2018 إلى 185 في عام 2019، كذلك تخصيص مبلغ 400 مليار ل. س (قرابة 900 مليون دولار أمريكي) لشراء كميات القمح من الفلاحين، في وقت أعلنت فيه الإدارة الذاتية تحديد مبلغ 200 مليون دولار أمريكي لشراء نحو 750 ألف طن من القمح بسعر 160 ل.س للكيلو، كذلك أعلنت المجالس المحلية في منطقة عمليات "درع الفرات" بدء الحكومة التركية استجرار محصول القمح بسعر يتراوح بين 120-135 للكيلو،([1]) ويقدر مصدر مطلع حجم الإنتاج الكلي للقمح لموسم 2019 بما يزيد عن 3.5 مليون طن بخلاف الأرقام المصرحة بها من قبل حكومة النظام والتي لا تتجاوز 2.7 مليون طن، وترجع المصادر الإنتاج المرتفع لهذا العام من القمح وكذلك الشعير (حوالي 2.5 مليون طن) إلى؛ ارتفاع معدلا الهطولات المطرية، وتوافر المناخ الرطب الملائم للقمح والشعير الأوكراني الذي تمت زراعتهما في عدد من المناطق السورية.
كشف مصد مطلع عن مشاكل تحول دون قدرة النظام على شرائه كميات كبيرة من القمح من جانب، وبيع الفلاحين محصول القمح إليه في جانب آخر، حيث لا يمتلك النظام الصوامع الكافية لتخزين القمح والتي انخفض عدد العامل منها من 130 إلى 16 صومعة بطاقة استيعابية تقدر بـــ 500 ألف طن، كما يواجه النظام صعوبات لوجستية في استجرار المحصول ونقله سيما من المناطق الشرقية، ويضاف إلى ما سبق تساؤلات جدية حول قدرة النظام المالية لتمويل شراء محصول القمح السوري.([2])
أما فيما يتعلق ببيع الفلاحين محصول القمح للنظام، يفيد المصدر المطلع عن تفضيل الفلاحين في المنطقة الشرقية بيع محصولهم من القمح للإدارة الذاتية عوضاً عن النظام لأسباب عدة أبرزها:
أدى زراعة أراضي القمح بفترات سابقة بالشعير، وعدم قيام الفلاحين بحراثة الأرض أكثر من مرة إلى نبات الشعير في حقول القمح، وهو ما دفع حكومة النظام إلى رفض استلام الكميات المختلطة من الإنتاج بحجة لجوء الفلاحين إلى التلاعب المقصود، كما يتوقع خبراء انخفاض كميات القمح المسلمة من قبل الفلاحين لكل من النظام والإدارة الذاتية بشكل عام، حيث يلجأ الفلاحون إلى الاحتفاظ بكميات أكبر من القمح والشعير مقارنة بالسنوات السابقة لضمان أمنهم الغذائي، في وقت تعجز الهياكل عن تزويد مناطق الفلاحين بمادة الخبز، ومستلزمات إنتاج القمح.
برز بشكل واضح الخلاف بين التجار وحكومة النظام على خلفية انخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار في السوق السوداء ليلامس عتبة 600 ل. س، إلى جانب قرار حكومة النظام إعادة قطع التصدير إلى مصرف سورية المركزي، أي إلزام التجار المصدرين ببيع القطع الأجنبي الوارد من قيمة صادراتهم إلى مصرف سورية المركزي،([3]) وعبرت غرفة تجارة دمشق بشكل واضح عن رفضها لقرار إعادة القطع الناتج عن التصدير إلى المصرف المركزي مهما كانت الآلية والتسعير،([4]) حيث يتخوف التجار من استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية، وانهيار متزايد لقيمة الليرة السورية، الأمر الذي يدفعهم للاحتفاظ بمدخراتهم من الدولار، في حين تسعى حكومة النظام السوري إلى تحصيل إيرادات إضافية من القطع الأجنبي لتمويل مشترياتها من الخارج، في وقت تعاني فيه من تبعات التوقف المؤقت للخط الائتماني الإيراني وحالة ركود الاقتصاد السوري والعقوبات.
أعلنت حكومة النظام تضمين "الخطة الوطنية للامركزية" في الإطار التنفيذي للبرنامج الوطني لسورية فيما بعد الحرب لعامي 2019-2020، وترافق ذلك مع تعميم صادر عن وزارة الإدارة المحلية بنهاية شهر أيار لكافة المجالس المحلية بتزويد الوزارة عن طريق مجالس المحافظات بمؤشرات أداء لعمل المجالس ومكاتبها التنفيذية على وجه السرعة، ويؤشر الاهتمام الحكومي بالإدارة المحلية راهناً إلى محاولة تخفيف الحكومة التزاماتها ومسؤولياتها على المستوى المحلي وتعهيدها إلى المجالس المحلية نظراً لضعف مواردها وجهازها الفني، إضافة إلى الرغبة في تسويق المجالس المحلية للجهات المانحة على أنها المسؤولة مباشرة عن إدارة الخدمات على المستوى المحلي، وحاجة هذه المجالس للدعم الفني والمادي لكي تقوم بأداء مهامها، كذلك ترويج النظام لطرحه للامركزية وجديته في تطبيق "الخطة الوطنية للامركزية"، قطعاً للطريق أمام طروحات المعارضة والإدارة الذاتية في هذا الصدد، ويضاف إلى ما سبق محاولة النظام احتواء المطالب المحلية للمجتمعات المحلية عبر الحديث عن منحها صلاحيات أوسع.
بدا واضحاً اهتمام حكومة النظام باتخاذ وتنفيذ الإجراءات ذات الصلة بمنطقة ما يعرف بــــ "سوار دمشق"، والتي تضم بحسب التوصيف الحكومي المناطق التالية: عين الفيجة، بسيمة، عين الخضرة، جوبر، برزة، القابون واليرموك، حيث تم تكليف وزير الأشغال العامة والإسكان العمل على وضع المخططات التنظيمية لهذه المناطق خلال شهرين، إضافة إلى وضع برنامج حكومي لإزالة الأنقاض والمخالفات وتسوير حرم عين الفيجة وبناء ضواحي سكنية لمين سيتم استملاك أراضيهم.
تتهم المعارضة السورية والسكان المهجرين من هذه المناطق حكومة النظام بالعمل على تكريس التغيير الديمغرافي في محيط دمشق، وذلك عبر استهداف هذه المناطق بسياسات حكومية انتقائية_مسيسة ومحابية لرجال الأعمال وأمراء الحرب، في حين يحاجج النظام بأن السياسات والبرامج الحكومية قانونية لا تمس ملكيات المواطنين، وأن الحكومة ملزمة بتعويضهم في حال استملاك أملاكهم للصالح العام، كما أن هذه السياسات مصممة لإعادة الاستقرار لهذه المناطق وضمان المصلحة العامة، وتكمن الخطورة في تبني عدد من موظفي الأمم المتحدة المتواجدين في دمشق لخطاب النظام والترويج لسياساته، ومحاولة توظيف الدعم الأممي المقدم لصالح تنفيذ سياسات النظام وبرامجه في هذه المناطق.
([1]) تركيا تبدأ شراء محاصيل الحبوب من شمالي حلب، حرية برس، تاريخ 13-06-2019، رابط إلكتروني https://horrya.net/archives/107313
([2]) النظام ينفق كل موازنة عام 2019، لربح «معركة القمح» ضد «الإدارة الذاتية»، موقع الحل، تاريخ 06-05-2019، رابط إلكتروني https://bit.ly/2XYBBxx
([3]) عشتار محمود، قطع التصدير مجدداً 130 ليرة على كل دولار.. رسم مشروع أم لا؟!، حزب الإرادة الشعبية، تاريخ 11-06-2019، رابط إلكتروني http://kassioun.org/economic/item/62046-130
([4]) غرفة تجارة دمشق ترفض بيع دولار التصدير للنظام، الاقتصاد، تاريخ 18-06-2019، رابط إلكتروني https://www.eqtsad.net/news/article/25491/
في حديثه لعنب بلدي، قال الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، بدر ملا رشيد، إن فرض قانون الدفاع الذاتي في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” يعود إلى منتصف العام 2014، ومنذ ذلك الحين قامت “الإدارة الذاتية” بإتمام ما يقارب 40 دورة من دورات التدريب العسكري للمجندين الإلزاميين في محافظة الحسكة، واختلفت في نسبها في عفرين وعين العرب (كوباني).
وأضاف أن القانون الأخير لا يُعتبر قانونًا جديدًا، بل تم إحداث تعديلات على القانون القديم، كان أهمها ما تم تحديثه فيما يخص التفرقة بين المواليد وفق المناطق، فبقيت المواليد المطلوبة على حالها في المدن الكُردية والشمالية، وهي مواليد 1986، بينما تم تحديدها في مناطق دير الزور والرقة بمواليد 1990 وما يتبعه.
وأشار ملا رشيد إلى أن التعديلات أدت إلى حدوث اعتراض كبير من قبل الفئة الشبابية في المدن الشمالية رفضًا للتمييز الحاصل، وانتشرت هاشتاغات متعددة تطالب بإلغاء هذا البند وتوحيد المواليد منها “نعم لتوحيد مواليد الدفاع الذاتي، لا للتفرقة، لا للتمييز ، لا للمناطقية، نعم للعدل، نعم للمساواة، الإدارة الذاتية للجميع”.
وبحسب ما صرح به الباحث، فإنه ووفقًا للأعمار المحددة فإن “قسد” تحاول التخفيف من الاحتقان الحاصل في المناطق العربية، نتيجة سحب الشباب للدفاع الذاتي، كما يمكن اعتباره عاملًا لإمكانية فتح الباب مستقبلًا لعودة النازحين من هذه المناطق، سواءً إلى داخل سورية أو إلى الدول المجاورة.
للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2LJlFw3
تعمل الوفود الأمريكية منذ بداية العام 2019 على الوصول لصيغةٍ توافقية حول مصير شمال شرق سورية، والتوافق الأمريكي المطلوب إلى الآن له طرفان رئيسيان: الأول هي الجارة الشمالية تركيا، والتي ترى في مشروع الإدارة الذاتية بكليته تهديداً على أمنها القومي، وعلى الطرف الآخر هناك الإدارة الذاتية المبنية على فكر أوجلان المهادنة لتركيا على الساحة السورية.
شكل قرار الرئيس الأمريكي المفاجئ للجميع بإعلانه الانسحاب من سورية بداية حركة دبلوماسية مكوكية منها المعلن ومنها السري، في محاولةٍ للوصول إلى صيغة تستطيع بها واشنطن الحفاظ على المكعبات التي رصفتها في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية.
يبدو للوهلة الأولى أن الولايات المتحدة تحاول فقط الوصول لصيغة توافقية مع حليفتها تركيا، إلا أن الواقع يشير إلى مساراتٍ أخرى تنشط فيها شبكة العلاقات الدبلوماسية الأمريكية منها على الصعيد الدولي، ومنها على الصعيد الإقليمي، وأخرى على الصعيد المحلي؛
فيما يخص النشاط الأمريكي على الصعيد الدولي، فيتمحور حتى الآن في ثلاثة مسارات رئيسية الأول يتمثل في محاولات لكسب الحلفاء الأوروبيين ضمن القوات المتبقية في سورية لحماية مكتسبات التحالف على أنقاض تنظيم الدولة، ويبدو أن هناك حتى الآن شريكين رئيسيين في هذا المسار وهما فرنسا، والمملكة المتحدة، مع دولٍ أخرى قد أبدت استعدادها لإرسال عناصر من قواتها المسلحة إلى شمال سورية، إلى جانب محاولات بعض الدول لتجنب إرسال قوات برية والبحث عن طرقٍ أخرى لدعم مهام التحالف مثل "هولندا"، يضاف لهذه المحاولات قيام دول الاتحاد الأوروبي بإرسال وفودٍ عدة إلى مناطق الإدارة الذاتية لسببين رئيسين هما مواطنوهم من عناصر تنظيم الدولة، وكيفية دعم مشروع الإدارة الذاتية في المجال الخدمي.
يتمثل المسار الثاني في الاستمرار بخنق النظام السوري من طرف المجتمع الدولي عبر منعه من إقناع الأطراف الدولية بالدخول لعملية إعادة الأعمار، ومراقبة أشد المساعدات الإنسانية التي تصل للنظام.
يتمثل المسار الثاني في الاستمرار بخنق النظام السوري من طرف المجتمع الدولي عبر منعه من إقناع الأطراف الدولية بالدخول لعملية إعادة الأعمار، ومراقبة أشد للمساعدات الإنسانية التي تصل للنظام، والثالث هو تحذير الدول الأوروبية من عدم استعادة مواطنيها الذين قاتلوا مع تنظيم "داعش"، والإسراع في استعادة أكبر عددٍ منهم في خطوة تهدف للتخفيف من خطر الإبقاء عليهم في شمال سورية، نتيجة انعدام محاكم يمكن الاستناد لأحكامها في تحديد مصيرهم، وهذا الاتجاه يشمل إرسال العشرات من هؤلاء المقاتلين إلى العراق بالتوافق بين الأخير ودولهم الأصلية، لتتم محاكمتهم في العراق كونه أحد المتضررين من نشاطاتهم وإمكانية حكمهم بالإعدام هناك، وهو أمرٌ مستحيل في إمكانية حدوثه في أوروبا، ولايزال هذا المسار يعاني من انعدام في عدد الدول التي أقرت مشاركتها في مشروع المنطقة الآمنة وإبقاء جنودها في سورية، كما يعاني الموقف الأوروبي فيما يخص العقوبات وحصار النظام من استمرار المخاوف الأوروبية فيما يخص معادلة الاستقرار في سورية سيؤدي لتقليل عدد اللاجئين لها، أما عناصر تنظيم الدولة، فأوروبا مدركة بأنهم سيكلفونها ثروة مالية، مع إمكانية إطلاق سراحهم وفق القوانين الأوروبية نظراً لانعدام الأدلة التي تدين معظم هؤلاء المقاتلين.
" المبعوث الأميركي إلى سورية والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" جيمس جيفري، قال إنّ الدول الغنية التي تخلت عن مسؤوليتها تجاه مواطنيها تخاطر باندلاع موجة عنف جديدة".
إقليمياً: تعمل الولايات المتحدة على مسارين رئيسين الأول؛ هو الوصول لصيغة توافقية مع حليفتها تركيا حول مصير الإدارة الذاتية، عبر إنشاء المنطقة الآمنة، ( ويمكن اعتبارها منطقة عازلة على المدى القصير والمتوسط)، التي ترغب تركيا في الحصول على دورٍ رئيسي ومحوري، وعلى تواجدٍ فيزيائي قوي فيها عبر جنودها وقواتٍ من المعارضة الموالية لتركيا، على حساب إنهاء وجود وحدات حماية الشعب بدايةً على الحدود ولاحقاً في المشهد العسكري كاملاً، بينما تطالب قوات سوريا الديمقراطية بعصبها " وحدات حماية الشعب"، بالمحافظة على سيطرتها الكاملة ضمن هيكلية أكثر تنظيماً مع قبولٍ لعودة النازحين إلى تركيا من مناطق سيطرتها في تل أبيض والرقة ودير الزور، ولا يُعتقد أن تقوم الوحدات بالاعتراض على انضمام عناصر من المعارضة المسلحة من أهالي هذه المناطق ولكن على شكل أفراد وترفض بتاتاً قبول أي تكتلات عسكري تنضم بشكلٍ جماعي لها، أما أمريكا فتقدم حتى الآن من جهتها سحب وحدات حماية الشعب بشكلٍ خاص بعيداً عن الحدود التركية لمسافة لا تقل عن 5 كم، ومنح تركيا عيناً في المنطقة تمكنها من رؤية تحركات قسد والوحدات سواءً كان عبر بعض نقاط المراقبة البرية أو الجوية أو الاثنتين معاً، المسار الإقليمي الثاني والذي تعمل عليه الولايات المتحدة هو تقوية الدورين السعودي والإماراتي في منطقة شرق الفرات في ثلاثة اتجاهات: الأول هو ضخ الأموال في مشاريع إعادة الإعمار وتقديم الخدمات ولكسب ولاء العديد من الأطراف، والثاني هو لعب دور حامي العشائر السورية، والثالث تنظيم دور العشائر في مشروع مقاومة وحد النفوذ الإيراني في شرق سورية عموماً ومنطقة دير الزور خصوصا.
ظاهرياً يبدو أن المسار الإقليمي خصوصاً في الاتفاق مع الحليفة تركيا خرج من عنق الزجاجة، فتصريحات قائد قسد حول قبولهم للتفاوض مع تركيا وحول وجود جهود وساطة بينهم وتركيا ترافقت مع زيارات لجيمس جيفري إلى مناطق الإدارة الذاتية وأنقرة، وترافقت مع رسالة عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكُردستاني الذي دعا " قوات سوريا الديمقراطية لأمرين رئيسيين الأول حل مشكلاتها في سورية، من دون اللجوء إلى العنف، والثاني القيام بالأخذ بالحسبان حساسيات تركيا في سورية، كما ترافقت التصريحات مع عقد مؤتمر العشائر، في ضوء تخفيف تركيا من تهديداتها المباشرة لقسد بالاجتياح والقيام بعملية عسكرية على غرار "غصن الزيتون" أو النسخة المصغرة منها، وفيما يخص الطرف السعودي فقد شكلت زيارة السبهان خطوة أمريكية جديدة في تطمين مجتمعات دير الزور الفائرة حول دورها المستقبلي في إدارة مناطقها بنفسها، ومنع التوسع الإيراني مقابل الدعم السعودي الإماراتي، هذه النجاحات لاتزال تعاني من استمرار محاولات التغلغل الإيرانية في المجتمعات المحلية، بالإضافة إلى انخفاض مستويات الثقة بين أنقرة وواشنطن خصوصاً بعد تجربة منبج، كما أن الذراعين اللذين تعتمد أمريكا عليهما ( تركيا والسعودية) دخلا لمرحلة الخصومة الدبلوماسية ومستوياتٍ متدنية من حرب الوكالة في ليبيا، وهو ما يمكن أن يهدد أي محاولة أمريكية للتوفيق بينهما شرق الفرات إلا إذا ضغطت أمريكا في اتجاه قيام الدولتين بفصل الملفات عن بعضها البعض.
وأخيراً خطوات المسار المحلي، وتسير فيه الولايات المتحدة بعدة اتجاهات رئيسية: الأول هو تمكين السيطرة الأمنية للإدارة الذاتية عبر ضبط السجون التي تحوي المئات من عناصر تنظيم الدولة، والذين يمكن اعتبارهم قنبلة موقوتة في منطقة لاتزال تعيش ارتدادات سنوات من الفراغ الأمني، كما لايزال مثال سجن أبو غريب في العراق وهروب مئاتٍ من عناصر القاعدة منه ماثلاً أمام الأعين، وفي المجال الأمني يقوم التحالف بعمليات إنزال مستمرة تستهدف خلايا التنظيم المتبقية في جنوب مدينة الحسكة وصولاً إلى دير الزور، وعسكرياً يقوم التحالف الدولي بعملية إعادة هيكلة لقوات سوريا الديمقراطية عبر تشكيل مجالس عسكرية لأهداف عدة منها: 1_ تحويل هرمية قسد، وخصوصاً YPG من حالة المجموعات والتشكيلات المنفصلة لحالة التشكيلات العسكرية المترابطة والهرمية". 2_ الدخول لمرحلة الاستقرار والتمكين العسكري، 3_ تثبيت عناصر القوات في مناطقها، بما يقلل من المخاوف التركية من هوية قادة هذه القوات، بالإضافةً إلى التجهيز لأي عملية دمج عسكرية لهذه القوات مع قوات " بيشمركة روج" أو الجيش السوري الوطني في المستقبل.
الاتجاه الثالث محلياً يمكن في دفع وتشجيع أطراف عدة للعمل على ملف الحوار الكُردي – الكُردي، وهذا الملف يتم تداوله عبر عدة وسائل أبرزها؛ محاولات بعض منظمات المجتمع المدني الكُردي لتقريب وجهات الطرفين الكُرديين.
الاتجاه الثاني محلياً يتمثل في رفع مستوى مقبولية مشروع الإدارة الذاتية لدى المجتمعات المحلية، خصوصاً العربية منها عبر إعادة هيكلة الإدارة الذاتية وتشكيل إدارات لمناطق الرقة ودير الزور، ويأتي اجتماع العشائر الذي عقدته "قسد" في عين عيسى على رأس هذه الخطوات بالإضافة لكونها رسالة للنظام وروسيا بغلق باب العودة للمنطقة عبر العشائر أمامهم، كما إن زيارة السبهان كانت لإعطاء هذه المحاولة في كسب العشائر طابعاً من الشرعية العربية المتمثلة بالمملكة السعودية، بالإضافة لأسباب الضبط المحلي ومواجهة محاولات تغلغل إيران، وفي هذه الاتجاه تبرز محاولات " قسد " في محاببة العشائر، وتمييز مناطقها في قانون الدفاع الذاتية ( العسكرية الإلزامية) الذي عدلته مؤخراً، ليبقى نافذاً على ولادات عام 1986 في منطقة الجزيرة، ويرتفع لمواليد 1990 في مناطق أخرى خصوصاً من الرقة وديرالزور.
الاتجاه الثالث محلياً يمكن في دفع وتشجيع أطراف عدة للعمل على ملف الحوار الكُردي – الكُردي، وهذا الملف يتم تداوله عبر عدة وسائل أبرزها؛ محاولات بعض منظمات المجتمع المدني الكُردي لتقريب وجهات الطرفين الكُرديين، وتذليل العقبات وحصر المطالب في التشارك بالصيغة الحالية للإدارة الذاتية والعمل على تطويرها لاحقاً، والوسيلة الأخرى تكمن فيما يسمى مشروع الحوار الكُردي - الكُردي المُهندس فرنسياً، ولايزال هذا الأخير في طور الغموض والبطء، فوفق المصادر الكُردية، استطاعت الخارجية الفرنسية تنظيم لقاءين بين الطرفين دون أن يفضى إلى أية نتيجة عملية، وهو ذات المستوى الذي وصلت إليه محاولات منظمات المجتمع المدني فلم تتجاوز حاجز عقد بعض الاجتماعات التي حضرها ممثلون عن الطرفين، تميزت بتمسك كليهما بمنطلقاتهم السياسية الحزبية والأيديولوجية للوصول إلى أية صيغة اتفاق لتشارك الحكم.
يتمثل الاتجاه الرابع وهو الأقل نشاطاً وتركيزاً في موضوع ضم "مجلس سوريا الديمقراطية " إلى هيئة التفاوض العليا، وبالرغم من نفي هذا التوجه من قبل شخصيات معارضة، إلا إنه يبقى مطروحاً على الطاولة وتزيد احتماليته مع زيادة احتماليات التوافق الأمريكي التركي، الذي إذا ما تم فسيمثل انضمام " مسد " للمعارضة دفعةً قوية لها، لأن "هيئة التفاوض " تعيش مرحلة من الجمود، فاجتماعاتها تُعقد بفواصل زمنية طويلة وهو أمرٌ أدى إلى عدم فاعليتها، عدا عن أنها لم تحقق إنجازاً فعلياً.
يظهر من الخطوات التي تم السير فيها في المسار المحلي، إلى درجة متفاوتة بين مستويات مساراته والتي تعمل عليها واشنطن، فلازالت سجون الإدارة الذاتية تحوي العشرات من معتقلي تنظيم الدولة، ويُلحظ نشاطٌ جمهوريات روسيا، في أخذ عناصر وعوائل مواطنيهم المحتجزين لدى " قسد" بينما تستمر أوروبا في التلكؤ في اتخاذ ذات الخطوة، أما عملية إعادة هيكلة "قسد"، فتنشط بوتيرةٍ أسرع مع وجود تخوف لدى التحالف من ممارسة ضغطٍ أكبر على " قسد" على الأقل في المرحلة الحالية، بعد ما خلقه قرار ترامب المفاجئ حول الانسحاب من تخوفات لدى قيادات قوات سوريا الديمقراطية، لذا لا تريد وحدات حماية الشعب وقسد السير في كافة الخطوات دون وجود ضمانة سياسية أو ضمانة عسكرية تتمثل بوعودٍ في البقاء لفترة أطول شرق الفرات، من جهته يعتبر موضوع طمأنة العشائر، ودمجها مع منظومة " مسد " والإدارة الذاتية، عملية معقدة مع انقسام العشائر بين أطراف الصراع المتعددة، من النظام، إلى إيران، إلى تركيا، والتحالف وهو ما يضفي بهشاشة زائدة على واقعها، أما ملف الحوار الكُردي – الكُردي، فبالرغم من كونه أحد أهم الملفات بالنسبة إلى المجتمعات المحلية، إلا إنه لا يبدو على واشنطن والتحالف أية رغبة في ممارسة ضغطٍ فعال سواءً على الإدارة الذاتية لقبول المجلس كشريكٍ حقيقي، أو على المجلس ليقوم بتفعيل هيئاته الداخلية والخارجية.
اتصفت السياسة الأمريكية في سورية بالسير في خطٍ متذبذب بين التشدد والانفراج اتجاه النظام السوري، أو دعم المعارضة، وصولاً للعام 2015 مع اتخاذ التحالف قرار التعاون مع " وحدات حماية الشعب"، ولاحقاً تشكيل " قسد"، وصولاً إلى تغريدة ترامب حول الانسحاب.
اتصفت السياسة الأمريكية في سورية بالسير في خطٍ متذبذب بين التشدد والانفراج اتجاه النظام السوري، أو دعم المعارضة، وصولاً للعام 2015 مع اتخاذ التحالف قرار التعاون مع " وحدات حماية الشعب"، ولاحقاً تشكيل " قسد"، وصولاً إلى تغريدة ترامب حول الانسحاب، ليصل تذبذب الإدارات الأمريكية لحدوده العليا، وليعود لاحقاً لمرحلة أكثر استقراراً مع توجه الإدارة الأمريكية لضبط وتهذيب قرار ترامب بالانسحاب، وتطوير هذا الضبط لاحقاً لطرح مشروع المنطقة الآمنة، الذي دفع بالولايات المتحدة الأمريكية، للتوفيق بين سياسات الإدارات العسكرية والأمنية الأمريكية، في سبيل الوصول إلى حلٍ يرضي حلفاء أمريكا المحليين – قسد - ، والدوليين، وبشكلٍ خاص أنقرة، ويظهر من النشاط الأمريكي الدبلوماسي توجه دقيق حول كيفية الحفاظ على المكتسبات الميدانية في مواجهة تنظيم الدولة، وتحويله إلى مشروع تمكين مجتمعي لمختلف مكونات شرقي الفرات وشمال سورية، بالتعاون مع الجارة تركيا، بحيث يصل المشروع في نهايته إلى التقليل من المخاوف التركية، إلى الحد الذي تعدل الأخيرة به موقفها من إدارة شمال سورية، بصورة تمنح الأخيرة فرصة تمكنها من تفعيل مشروعها الحوكمة دون التخوف من مهددات وجودية، ويظهر من التحركات الأمريكية: الدولية، والإقليمية، والمحلية، توجهاً تتوضح معالمه رويداً رويداً، حول الصيغة النهائية لشكل الحكم شرق النهار، ورغم انقشاع الضباب قليلاً إلا أن أي مشروعٍ يتم تنفيذه سيحتاج لخطواتٍ أكثر في اتجاه تحسينه بحيث يصبح مقبولاً بشكلٍ خاص من المجتمعات المحلية، وإلا فإن التجارب الأمريكية الفاشلة في العراق بعد احتلاله لاتزال ماثلة في الأذهان.
المصدر موقع سوريا: http://bit.ly/2NH1uBv
في منظور مختلف عن تعظيم مصاب السوريين في فقد أيقونة ثورية شعبية كعبد الباسط الساروت، يمكن الحديث عن رؤية تصب في اتجاهين أساسيين، الأول يركز على التحذير من إشكالية الاستمرار في الحديث عن فرادة مثال الشهيد الساروت وبالتالي منح النظام انتصاراً معنوياً أو التسبب ضمناً بهزيمة معنوية لجمهور الثورة، التي استطاع النظام قتل نموذجها الفريد، أما الاتجاه الثاني فينطلق من المحذور الأول إلى اعتبار عبد الباسط نموذج أو "بارادايم" لقيم الثورة أو بعضها جسدها الشهيد ومثلت انبثاقاً موضوعياً لخصوصية وهوية الحراك الثوري السوري، قيم لن تموت باستشهاده، فضلاً عن استمرار المئات من الثوار بتبنيها ضمنا ومحال أن ينتهي الليمون أو الزيتون أو الياسمين، ولعل هذا التجريد لهذه القيم والسمات والممارسات وتحويلها إلى ثقافة شعبية ثورية حية، سيقود إلى اكتشاف المئات من حبات الليمون أو الزيتون أو زهرات الياسمين يحملون هذه الثقافة ويتمثلون هذه القيم.
الساروتية هنا عنوان لمنظومة قيم وممارسات جسدها الساروت كما قلنا بقوله وفعله فنسبت إليه وستنسب إلى غيره ممن سيحملها ويجسدها، ولن تعقم أرحام الحرائر عن تكرار أمثاله ومثال عبد القادر وأبو فرات وغيرهم والقائمة تطول، يمكن أن نورد هنا بعض مفردات هذه الثقافة ونفتح الباب للمتابعين لإبراز المزيد.
الهوية الوطنية وما فوقها وما تحتها
إحالة أبناء الرقعة الجغرافية الممتدة بين النهر والبحر وبين الجبل والصحراء إلى هوية وطنية ترسمها الحدود السياسية، لا يكون ذي بال إذا لم تحكمه قيم جامعة تسكب في إثباتها الدماء، تنطلق ابتداءاً من الإنسان وجوده ومستقبله، كرامته وعدالته، الساروت البدوي المهجر قسرياً من الجولان المحتل إلى قلب سورية حمص المحافظة الثالثة أهمية ومحورية وعقدة اتصال، يعبر بشخصه ثم بوعيه السياسي الوطني وتلقائيته إلى قلوب السوريين الأحرار، محيلاً كل الهويات المتوهمة إلى هوية جامعة هي فوق الوطن وفوق الدولة هي الإنسان وجوداً وكرامة وعدالة.
الثورة في الساروتية ليست ثورة فقراء على أغنياء وقد أتت إلى الساروت وغيره كل فرص الغنى والظهور فأغنى نفسه بالناس وللناس، وليست ثورة مكون على مكون وقد غنّى هو ومن معه من السوريون لحرية وكرامة كل السوريين، وفي ذات الوقت فإن الثورة في الساروتية هي ابنة الواقع وتتفاعل مع تباينات المجتمع والسياسة على حد سواء وليست معطى سياسي نخبوي فوقي.
الواقعية في مقابل الطائفية السياسية
على المنصات وقف هاتفاً مع الحرة المرحومة فدوى سليمان بنت الطائفة العلوية، هاتفاً للحرية والكرامة والوطن الواحد بالتزامن مع انخراط زهرات سورية في الحراك كباسل شحادة ومشعل التمو وغيرهم الكثير في نسف موجع لسردية حامي الأقليات، وهو نفسه أي عبد الباسط الذي يكرر في عدة مناسبات طروحات توحيد الاستقطاب على بوصلة الكرامة والحرية استقطاب إيجابي وطني لكل الطوائف والمكونات في مواجهة توظيف السلطة للمسألة الطائفية في صراعها الدامي مع الثورة، في الوقت عينه الذي لا يتماهى فيه مع المزاودات الوطنية التي تنفي المحرقة الممنهجة والمقصودة بحق المكون الأكبر من السوريين وهم العرب السنة، بوصفها عملية تجريف حضاري لوجود هذا المكون تاريخاً وإنساناً وثقافة وعمراناً، هو جلي في أحد أهازيج الساروت لا يتنافى مع الثورة ولا مع وطن الجميع ويحمل إشارة إلى الخطر الذي يتهدد الكل بتهديد وجود الجزء، هو طرح وطني أصيل في مواجهة سردية طائفية سياسية مبطنة يحمل في شكله ومضمونه انضباطاً يحيل الثائرين إلى ناظم شعوري متين .
الانضباط الثوري
للثورة السورية هوية واضحة في شكلها ومظاهرها انعكست على مضمونها وجوهرها وخصوصيتها. السوريون انطلقوا من العراضة الشامية مثلاً والدبكات التي كانت تعقد في أفراح الأرياف وبعض المدن وكلها مظاهر يحكمها انضباط معين من "الوصّيف" إلى ضابط الإيقاع. انطلقوا من ذلك كله إلى صياغة نمط هجين تمازج فيه الهتاف والدبكة وأُبدعت فيه أشكال جديدة مثل عروض تسونامي الثورة والقسم الثوري الجماهيري والمظاهرات الطيارة شديدة الانضباط، مظاهر شهدناها كثيراً وعلى الدوام في مظاهرات حمص وشقيقاتها الملتهبة وانتقلت ثقافتها إلى بقية المدن الثائرة، قيمة الانضباط ووحدة الهتاف والتركيز على الهدف دون حرف البوصلة إلى معارك جانبية مع المقصرين بحق الثورة وتضحياتها هي قيم وممارسات ساروتية جسدها عبد الباسط أيضاً، فالمجاميع المنضبطة بشكل التظاهر ورسائله وصوته تحمل في مظهرها هذا رسالة سياسية واعدة بأن الذين وسُموا يوماً بأن جباههم لا تعرف السجود جديرون بتمثيل البديل السياسي أو على الأقل رسم محدداته، الرسالة التي هي جزء من قصة وسردية الحراك التي لم يبدلها أو يغيرها الساروت.
سردية لم تتبدل
التراجع الذي حكم واقع ثورة ملئت الدنيا وشغلت الناس تسبب بالجزء الأكبر منه تبدل السردية أو قصة قيامة السوريين، حيث انحرفت البوصلة وفق أجندات طارئة غطت على ثبات سردية عبد الباسط والمئات وربما الآلاف من أمثاله، الذين غيبتهم السجون أو علقوا على المشانق أو جلسوا جانباً ينتظرون لحظة العودة إلى نسق الثورة الأول، في الوقت الذي تعززت فيه سرديات بديلة أكدت سردية النظام بأن الثورة عبارة عن خروج لشراذم مرتهنة من الإرهابيين والقتلة العابرين للحدود في مواجهة الدولة الشرعية وحتى المنظومة الدولية المشرعنة لها، مما استدعى تكالب العالم ظاهراً وباطناً على الثورة بجريرة من أصروا أن يضعوا الثورة في موقع العداء له. بالتزامن مع ذلك ظل الساروت يهتف للحرية والعدالة والكرامة ولوطن يعيش هذه القيم حتى الرمق الأخير وعبر على ظهور أولئك الأدعياء ليفتح ثغراً في حصار شعبه وليخرج إلى حيث يتبرأ من السرديات الطارئة بل ومن الارتهان للداعم والصديق، عمل ورفاقه بقطف زيتون بلاده واستعان بما تيسر من رزق في تثبيت السيرة (السردية) وإكمال المسيرة، صنع الساروت هنا السياسة الثورية وصنع أدواتها أيضاً.
واقعية الأدوات أو السياسة الثورية
حين التحول إلى العسكرة لم يكن أحد من المراقبين عن بعد ليتوقع أن تظاهرات حمص الرائعة ستتحول تدريجياً إلى قصة خالدة للكفاح المسلح في وجه طغمة مجرمة، تحديداً لم يكن أحد ليتوقع أن ينحاز عبد الباسط إلى السلاح بالكلية، في البدء حمل رفاقه والمنشقون السلاح لحمايته وحماية بقية المظاهرات، ثم لم يلبث أن امتشق بندقيته دفاعاً عن لحن الحرية الذي عزفه والآلاف من السوريين، ثم قرر الأسد أن يدخل الحرب التي أعلنها هو من طرف واحد، يستفز مؤيديه بصوته ويجلب عليهم بعدته وعتاده ويشاركهم بأموالهم وأولادهم دون مقابل منه.
كان قرار الناس أو معظمهم أن يدافعوا عن أنفسهم وكان قرار عبد الباسط وأمثاله أن يتنحوا عن المنصة ويكونوا مع الناس، يرّشدوا بندقيتهم ويشقوا معهم طريقهم يتظاهرون معهم في اسطنبول والريحانية وإدلب وحماه وحلب، ثم يدافعون أخيراً عن آخر قلاع الثورة على أرض حماه وإدلب، وعلى طول الطريق لا يكون ثمة انحناء أو ركون أو ارتهان لصديق أو حليف ولا قطيعة ولا مجافاة أو مناكفة لجار أو كبير، بهذا المعنى انتخب الناس الساروت ورفاقه دون انتخابات فكانوا نخبة الثورة وطليعتها.
النخبة الشعبية الثورية
لعل تجريد قيم الساروت واستخلاصها من قصة ثورته واستشهاده والبحث عنها في إرادة وتصميم آلاف الثوار على جبهات العز وأيضاً في الجيل الجديد -الذي نمى وعيه خلال السنوات الثمانية الماضية على حديث الثورة والسياسة مهما شاب هذا الحديث من شوائب - سيحيل المشهد المستلب لصالح قوى دولية وإقليمية أو أجندات غير وطنية أو عابرة للحدود، إلى مشهد جديد، عنوانه صناعة نخبة ثورية شعبية تتبنى هذه القيم وتحمل هذه الثقافة وتحذو هذا الحذو، بعدما عجزت النخب التقليدية عن تصدير قيادات مجتمعية وسياسية وخلق حالة رمزية يلتف حولها السوريون. الآلاف الذين جمعهم استشهاد الساروت وقبل ذلك بطولاته ورفاقه على جبهات حماه وإدلب واللاذقية وما يجري حتى اللحظة من ملاحم بطولية ذوداً عن آخر قلاع الثورة، أكاد أجزم أنهم بتبنيهم لقيم الوطن الحر والثورة النظيفة التي ظهرت في عبد الباسط ومن سبقه ومن ينتظر، قادرون على صنع منظومة قيادية سياسية ومجتمعية تمضي مع الناس وبالناس إلى النصر يلتفون حولها ويرفدونها ولا تنتهي بموت أو شهادة.
رابط المصدر، موقع السورية نت: http://bit.ly/3026IsP
حمل استهداف نقاط المراقبة التركية بحسب تحليل الباحث في مركز عمران معن طلاع، لـصحيفة القدس العربي بتاريخ 27 حزيران 2019، عدة دلالات قد تلتقي مع بعضها وقد تتعارض مع بعضها الآخر؛ ومن أبرزها أن النظام يطمح لزعزعة الثقة بالفواعل العسكرية المتحالفة مع أنقرة واستغلال ذلك ميدانياً؛ كما أن هذا الاستهداف بمثابة اختبار ردة فعل أنقرة حيال نية النظام لتغيير قواعد التفاهم الأمني الذي تمت صياغته في أستانة تمهيداً لاتفاق جديد وفق شروط جديدة. إلا أنه من جهة مقابلة تعد هذه الخطوة «تهوراً» حسب وصف طلاع، لأنه من غير المستبعد، خاصة إذ ما تأكدنا من تأزم غرف عمليات جيش النظام؛ ما أن تفتح أبواب المواجهة المباشرة، ما يهدد بانتقالها من مستوى «الوكلاء» إلى مستوى الصراع المباشر، وما يحمله من فرص كبيرة لتحقيق ضغط قوي على أنقرة؛ وهذا ما يعد «مغامرة سياسية قبل أن تكون عسكرية».
للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2KTApZE
لا تزال الأسئلة المتعلقة بقطاعي الأمن والدفاع في سورية من أكثر الأسئلة أهمية، وازدادت أهميتها بعد الحراك الثوري، لأن غايات الإصلاح كانت مطلباً رئيسياً في هذا الحراك، كما أنها شهدت وما تزال تحولات عميقة أثرت على بنيتها ووظيفتها، فمن جهة أولى ما تزال معظم هذه الأسئلة دون إجابات معرفية كافية، بحكم أن عملية البحث في هذا المضمار هي عملية "مناهضة للأمن والدفاع" وفق أعراف الأجهزة الأمنية، ومن جهة ثانية فإن مكامن الخلل التي تستوجب تسليط الضوء عليها كثيرة وقديمة، وقد تراكم فوقها العديد من السياسات والممارسات التي حولت الخلل إلى معضلة صعبة الحل، ومن جهة ثالثة فإن واقع المؤسسة العسكرية الراهن يفرض أسئلة تتعلق بطبيعة وجود هذه المؤسسة ومآلها، خاصة في ظل ما تشهده من تحولات وتبدلات عميقة في تكوينها الاجتماعي ومراكز القوة والفاعلين الرئيسيين فيها. تبرز الضرورة البحثية لإعادة تعريف هذه المؤسسة في ضوء ما أحدثته تلك التحولات، وبيان أثرها على عملية إعادة التشكل الآخذة بالتبلور، تلك العملية التي تخضع لعدة بوصلات متضاربة ويغيب عنها البعد الوطني.
سيبقى تساؤل حول دور الجيش وأثره في التفاعلات والتحولات المحلية وعلى حركية التحول الديمقراطي سؤالاً مركزياً يواجه عملية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية، فالخلل البنائي والوظيفي والتشوه الهوياتي الذي اعترى هذه المؤسسة دفعها باستمرار للتدخل في الحياة الاجتماعية والسياسية وفق منطوقٍ يخدُم ويُغذّي فلسفة الفئة الحاكمة. فالعبث العقائدي والتنظيمي والوظيفي بمؤسسات الأمن والدفاع حوَّلها لمؤسسة شديدة الاغتراب عن المجتمع السوري، وفاقدة لمفهوم الحياد السياسي، وقوة مصطفة سياسياً لصالح النظام. والتحدي الأبرز أمام هذه العملية ليس فقط ما هو مرتبط تقنياً ببرامج SSR, DDR وإنما ما هو أيضاً متسق مع الظرف السوري كحزبوية الجيش وعقيدته، وانعدام الأطر المقوننة للعلاقات المدنية العسكرية.
واستكمالاً لمخرجات المشروع البحثي الذي أطلقه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عام 2018 حول تحولات المؤسسة العسكرية السورية وتحدي التغيير وإعادة التشكل، يواصل المركز اهتماماته البحثية في هذا المجال في عام 2019، مركِّزاً على أسئلة الواقع الراهن وما تستوجبه من تفكيك عدة إشكاليات بحثية، تتعلق بالبُنية التنظمية وطبيعة التشكل الشبكي الذي تشهده هذه البنية، وقد أطلق المركز مشروعه البحثي الثاني في هذا المضمار حول "المؤسسة العسكرية السورية في عام 2019: طائفية وميليشاوية واستثمارات أجنبية"، وأنجز جملة من المخرجات البحثية والتي نجمعها في هذا الكتيب كما هو مبين أدناه:
واعتمدت هذه المخرجات البحثية على خمسة جلسات تركيز عُقدت مع مجموعة من الضباط المنشقِّين من مختلف الاختصاصات في عدة مدن جنوب تركيا لمناقشة محورين رئيسين، الأول: ماذا بقي من الجيش؟ والثاني: التطييف وآلياته في الجيش. كما تم إجراء عشرات المقابلات الشخصية مع عدة ضباط منشقِّين.
للمزيد عن الكتاب:
النسخة العربية: http://bit.ly/2LvSWum
النسخة الإنكليزية: http://bit.ly/2XiPeGZ
ذهب الباحث بدر ملا رشيد من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية خلال حديثه لموقع السورية نت، بتاريخ 27 حزيران 2019، حول ما تناقله عدد من الناشطين والإعلاميين السوريين عن مساعي "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، المُشكل من حزب الاتحاد الديمقراطيPYD، للانضمام إلى "هيئة التفاوض السورية"، التي نفت بدورها، وجود محادثاتٍ بهذا الشأن، إلى أن هيئة التفاوض "تعيش مرحلة من الجمود"، إذ أنها تعقد اجتماعاتها بفواصل زمنية طويلة " وهو أمرٌ أدى لعدم فاعليتها، عدا عن أنها لم تحقق إنجازٍ فعلي".
وانطق الباحث مما سبق إلى القول، أن انضمام "مسد" أو عدمه "لن يؤثر بشكلٍ كبير على سير المسار التفاوضي، إلا إذا شهدنا تطورات سياسية موازية في مساراتٍ أخرى كمسار أستانة، أو إعادة إحياء جنيف، وحتى خلق مسار حل جديد بالكامل".
أيضاً أشار الملا إلى عدم إمكانية مقارنة انضمام "مسد"، بحالة ضم منصة موسكو لـ"هيئة التفاوض"، كون منصة موسكو، تمثل إطاراً سياسياً "هشاً أو منعدم الفاعلية"، بينما مجلس"مسد"، برأيهِ "يمثل هيكل حكم وسيطرة إدارية وعسكرية ببرنامج سياسي"، مشيراً إلى أن عملية الانضمام، لو تمت "ستكون شائكة أو مبنية بالأساس على توافق إقليمي ودولي كبير ما يعني التجهيز لمرحلة إعلان الحل".
للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2RI048g
اعتبر الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران خلال تصريحه لـ «القدس العربي» بتاريخ 16 حزيران 2019، أن سبب تكثيف الضغوط العسكرية على نقاط المراقبة التركية هو لدفعها للانسحاب من مناطق تمركزها، وإظهار أنقرة بمظهر «الضامن الضعيف»، واستغلال ذلك في حال حدوثه لضرب العلاقة بين الجانب التركي وفصائل المعارضة، فضلاً وهو الأهم تقويض الاتفاق الروسي التركي، الذي يلجم النظام عن شن عملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب.
في المقابل، تستثمر روسيا الاستهداف المتكرر من قبل قوات النظام لنقاط المراقبة التركية، حسب رأي الدسوقي، من أجل الضغط على أنقرة ودفعها لإعادة النظر بحساباتها فيما يتعلق بالمعارك الدائرة في ريف حماة الشمالي وملف « اللجنة الدستورية»، فضلاً عن محاولة استثمار هذه الاستفزازات لفتح قناة تواصل مباشرة بين الطرفين بحجة ضرورة التنسيق مستقبلاً للحيلولة دون تكرار مثل هكذا حوادث، ويؤشر الرد التركي لعدم خضوع أنقرة للتهديدات والضغوط واستعدادها للتصعيد عسكرياً إن تطلب الموقف ذلك، ومن المحتمل أن يدفع الرد التركي روسيا إلى إعادة ضبط الصراع ليكون بين الفرقاء المحليين، مخافة الانزلاق إلى مواجهات أكبر أطرافها الضامنين.
للمزيد انقر الرابط التالي: http://bit.ly/2XTGKXB
واجه "النظام السوري" تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية عديدة منذ انقلاب البعث في 1963 وحتى اليوم، مارَسَ خلالها أدوات الالتفاف والاحتواء والقفز إلى الأمام واستثمار الحلفاء وغيرها ليصمد بتعريفه الخاص للصمود، وليُبقي على حاجة محيطه إليه من خلال امتلاكه لملفات أمنية عابرة للحدود. كما وازن علاقاته مع القطبين، السوفيتي والأميركي، خلال السنين السابقة، إضافة إلى بناء شبكة محلية يسيطر فيها على الحزب والدولة والمجتمع. ولكن الزلزال الأخير المتمثل بـ "الانتفاضة الشعبية" في عام 2011 -والتي دفع بها لتُصبح فيما بعد صراعًا إقليميًّا ودوليًّا- كَسَر عُمق التكوين البُنيوي للنظام دون أن يُنهيه، وأبقى على عوامل الاحتقان المجتمعي والجذور السياسية. وبالتالي، فإن بنية وأدوات وشبكات النظام الحالية في 2019 تختلف في الشكل وطبيعة التكوين والسلوك عما قبل 2011 -حيث بات محكومًا بتحالفات وسياق سياسي وأمني وميداني جديد- وخاصة بعد التدخل الروسي في 2015 وعودة كثير من الجغرافيا لسيطرة النظام.
ستقوم هذه الورقة بتحليل مآلات النظام السوري من خلال تقدير مدى قوة النظام العسكرية والسياسية والاقتصادية ومدى استدامتها، ومدى قدرته على الاستمرار في تنمية نفوذه في الميدان السوري من عدمه، ومن ثم تقييم قدرته على التأثير في تسوية مقبلة سواء بقدراته أو بتحالفاته أو ما تقدمه ظروف التسوية نفسها.
لقد تشكَّل مشهد الصراع الإقليمي والدولي في سوريا عبر سلسلة مقاربات دولية جزئية حاولت تجميد الصراع تارة واحتواءه أو تسكينه وتجميده على الوضع الراهن لزمن مطول أو التأقلم مع متغيراته. ومن خلال هذه التدافعات تشكلت مناطق نفوذ أمنية ثلاثة: الأولى: منطقة شرق الفرات، وهي التي تقع تحت حماية الجيش الأميركي (تحت غطاء قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة)، وتوجد قوات فرنسية وبريطانية مساندة إضافة إلى الشريك المحلي وهي قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب (YPG). الثانية: مناطق درع الفرات (ريف حلب الشمالي) وعفرين وإدلب، والتي يسيطر عليها الجيش التركي، وتخضع لتفاهمات أمنية وإدارة مباشرة في كل من درع الفرات وعفرين)، وإلى نقاط مراقبة تركية واتفاق منطقة منزوعة السلاح خاص لإدلب. الثالثة: باقي المناطق السورية وتخضع لسلطة النظام مع مشاركة إيران في عدة أجزاء (حلب ودرعا وحمص) وروسيا (حميميم وطرطوس ودرعا). ففي حين ركزت المقاربات العسكرية للفاعلين الإقليميين والدوليين على غايات أمنية متباينة ومتعارضة أحيانًا؛ أفرزت تفاعلات هذه المقاربات واقعًا محليًّا جديدًا غير مستقر وشديد التقلب، لكنه منضبط بأطر عامة تتجنب حل جذور الصراع وتتعاطى مع آثاره وتداعياته الأمنية العابرة للحدود، ما حال دون إيجاد أرضية لبيئة آمنة ومحايدة تسهم في الوصول إلى اتفاق سياسي ومن ثمَّ إلى عودة النازحين واللاجئين.
انطلقت السياسة الأميركية من مدخل "محاربة الإرهاب" المتمثل بتنظيم الدولة كأولوية مقابل تغيير النظام أو دعم المعارضة. واعتمدت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على قوات سوريا الديمقراطية عسكريًّا وإداريًّا حتى إعلان نهاية "الخلافة" وبقاء خلايا لتنظيم الدولة، وحينها تركزت السياسة الأميركية الجديدة التي أعلن عنها جيمس جيفري (المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا) على: محاربة تنظيم الدولة وضمان عدم عودته، وإخراج إيران والميليشيات المدعومة من طرفها من سوريا، والدفع بالعملية السياسية حسب قرار مجلس الأمن 2254(1). كما أنها تمضي باتجاه خطوات أكثر تصعيدًا لعرقلة "المشروع الإيراني" (رغم أنه لم يُترجم بعد بخطوات حقيقية) بشكل لا يجر التحالف الدولي للصدام المباشر مع طهران، ولكن هذا لا يعني أن مستويات المواجهة ستبقى مضبوطة بل تحتمل التفجر بمستويات متعددة، خاصة مع الضوء الأخضر الممنوح مسبقًا لـ "إسرائيل" بتوافق روسي وأميركي. كما تصطدم هذه المقاربة بالمحددات الاستراتيجية الأمنية لأنقرة التي ترى في قوات سوريا الديمقراطية غطاء "لشرعنة" حكم ذاتي لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وهو ما استوجب من تركيا عدم تنحية الخيارات العسكرية. ولابد هنا، من رصد تطور التفاهمات الأميركية-التركية وحدودها لما له من تأثير بالغ في المسار الأمني والسياسي القادم.
أما روسيا، فبعد تدخلها في 2015 لإنقاذ النظام وجدت نفسها أمام بنية عسكرية وإدارية هشة في مناطق النظام وتنافس إيراني لا يضمن لها الصدارة كوسيط وفاعل إقليمي في حل النزاعات في مقابل الولايات المتحدة. فحاولت تجزئة المعضلة والعمل على ترتيبات ما قبل الاتفاق السياسي من خلال "تسكين" وتهدئة الجبهات في مسار أستانا مع الاستمرار في تقديم الدعم والتوجيه العسكري لقوات النظام وحلفائه. وتصطدم هذه المقاربة بملف إدلب الذي عجزت فيه، وعملت على تجميد جبهته بالاتفاق الثنائي مع تركيا ومع الدول الضامنة في أستانا، وكذلك باتفاق المنطقة العازلة، في سبتمبر/أيلول 2018. ورغم التصعيد الأخير في إدلب، بداية مايو/أيار 2019، لا يُتوقع حاليًّا فتح معركة واسعة لاسترجاع كامل إدلب بسبب التفاهمات الروسية-التركية ويبدو أن هناك قضمًا تدريجيًّا لجزء من إدلب، على صلة بفتح الطرق التجارية الدولية. كما يرتبط ملف إدلب أيضًا بالتطورات الأمنية التركية في ملف التفاوض مع الولايات المتحدة، بخصوص قوات سوريا الديمقراطية والمنطقة الآمنة شرق سوريا.
وفيما يتعلق بمقاربة إيران، فهي تسعى لـ "حماية المكتسبات وضمان ديمومتها" عبر تدعيم انتشارها في البادية وإبقاء التهديد الأمني للجبهة الجنوبية. كذلك، فإن إيران خففت من حدة ظهورها وأذرعها من خلال الانصهار تحت غطاء مؤسسات أمنية وعسكرية وإدارية وخلق أجهزة ومجموعات كـ"دولة داخل الدولة" بغية "شرعنة" وجودها وحمايتها، وكذلك بناء أذرع محلية سورية تستطيع أن تعطِّل أي حل لا تراه مناسبًا أو تزيد من مكتسباتها السياسية. كما تعمل طهران على تكثيف زخم المقاومة الناعمة لمحاولات موسكو للاستحواذ التام على المشهد العسكري والأمني -حيث تضغط موسكو على حلفائها لتنسيق الدعم وحصره بغرفة حميميم- أو تعمل على استغلال حاجة موسكو للقوة البشرية التي افتقدها النظام وتمتلكها "الميليشيات" الإيرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية، فضلًا عن الانخراط -أي انخراط طهران- العضوي ببنية النظام.
وربما تتجلى العلاقة الحذرة بين الطرفين، الروسي والإيراني، من خلال تحليل للتصعيد العسكري الأخير في بداية شهر مايو/أيار 2019 في جنوب إدلب، حيث اعتمد الروس ميدانيًّا على بعض عناصر الفيلق الخامس الموالي لروسيا جنبًا إلى جنب بعض المجموعات الموالية لإيران، نظرًا لافتقار النظام لكتلة عسكرية صلبة. كما "تصطدم مقاربة طهران بمجمل المقاربات الأخرى التي تتفق على ضرورة محاصرتها وتحجيم قواها في سوريا سواء عبر سياسة عقوبات اقتصادية نوعية أو عبر تصنيف حرسها الثوري كقوة إرهابية أو عبر تضافر جهود دول "مؤتمر وارسو" في إنجاز سياسات حصار متعددة الجوانب؛ وهذا كله وإن بدا منضبطًا إلا أنه يحتوي مؤشرات انزلاق لحرب كبرى"(2).
أما تركيا فتتبع سياسة "القفز للأمام" وتجهيز البنية التحتية الأمنية والعسكرية والإدارية، وذلك من خلال تقوية مناطق "خط دفاعها الأمني" (درع الفرات وعفرين) وتدعيم بناها الأمنية بكافة المستلزمات اللوجستية والبرامج التدريبية. كما تهدف أيضًا إلى خلق قوة محلية قادرة على صد أي هجوم لقوى مهددة للأمن العام في تلك المنطقة وللحدود التركية. كذلك، فإن منطقة النفوذ التركية يتم تدعيمها لمواجهة "الإدارة الذاتية" بهدف إعادة تعريف القوة الإدارية المتحكمة في مناطق شمال شرق سوريا وضرب كافة أذرع "حزب العمال الكردستاني"، ورغم أن الصدام المتوقع يبدو محدودًا على الأغلب لكنه مرشح للتوسع والانزلاق بسبب كثرة العوامل الأمنية المهددة، بما فيها تداعيات التصعيد في إدلب. ويطمح النظام إلى استغلال كافة هذه المعادلات لتثبيت سيطرته الأمنية والعسكرية والسياسية على كافة الجغرافيا عبر القضم العسكري تارة والمصالحات "الاستسلامية" تارة أخرى.
أسهمت سياسات الدول الفاعلة في تكريس مناطق النفوذ عبر ترتيبات أمنية جزئية وتأجيل التعاطي مع جذور الأزمة السياسية، ورغم أن هذا أسهم في تهدئة معظم الجبهات القتالية إلا أنه نقل أزمة النظام السياسية إلى تحديات حكومية يعجز عن الوفاء بأقل متطلباتها، ليس فقط بسبب العجز المالي وإنما لعدم امتلاك أدوات الإصلاح الحقيقي بعيدًا عن إجراءات التحكم الأمني المطبق. كما أن عدم قدرة موسكو على تبني استراتيجية خروج سياسية مع استمرارها بتغليب "الحل الصفري" سواء بالمعنى السياسي أو العسكري، عزز احتمالات عودة التصادم ونقله لمستوى إقليمي ودولي بشكل أوضح. وفي ظل مناطق النفوذ المتشكلة؛ فإن عنصر مرور الزمن على اتفاقيات تجميد الصراع وثبات التفاهمات الأمنية لها، يحوِّل الحدود الأمنية رويدًا رويدًا لحدود سياسية ممأسسة لتشكل نظامًا سياسيًّا جديدًا، يكون مدخلًا لبلورة صفقة سياسية يتم إخراجها بصيغة "حل سياسي"(3).
يمكن تحليل أهم تحديات النظام في المرحلة الراهنة من خلال استقراء التغيرات الأمنية والإدارية التي حدثت في المناطق التي عادت لسيطرته، من حيث قدرته على إعادة بناء المؤسسات وخلق الحد الأدنى من البيئة الآمنة والمستقرة. الواضح -حسب تصريحات رأس النظام وعدد من قياداته- أنه غير مهتم بعودة جميع النازحين إلا عبر مصالحات "استسلامية" وبأطر قانونية جديدة وليس بالضرورة إلى مساكنهم الأصلية. كما أن المخصصات المالية لإعادة الإعمار في موازنة 2019 لا تتجاوز 115 مليون دولار، من دون مخصصات مالية لها في الخزينة ابتداء(4). وبالنظر إلى عدد من المناطق التي استعادها، فقد خلق أنماطًا أمنية مؤقتة وأعاد تشكيل شبكاته من خلال طبقة تجار الحرب الجدد والوسطاء في المصالحات، كما أجرى انتخابات للمجالس المحلية صدَّر فيها وجوهًا جديدة وأعاد تصدير حزب البعث. كل هذا لم يأخذ بعين الاعتبار أهمية توليد ديناميات جديدة للتعاضد المجتمعي والمصالحة المجتمعية. وتطمح تكتيكات النظام لما أسماه "برنامج إعادة الإعمار" لعودة تثبيت التحكُّم المركزي بهدف تصدير صورة وهمية عن قدرته على إدارة ملفات ما بعد الحرب، كما يتبع في هذا الصدد سياسات تهدف إلى تعزيز شبكات تحكمه الأمنية والطائفية، وبعيدة عن أي إصلاح حقيقي.
ترتسم معطيات أمنية وعسكرية تتوافق مع التعريف الروسي للحل السياسي (الصفري) وفق معادلة لا يمكن لها أن تولد ديناميات سلام يلتف حولها السوريون من جهة ولا بيئات آمنة (تستلزم إصلاحات عدة) دافعة لعودة السوريين، من جهة ثانية. ويمكن الاستدلال كمثال بحجم الاعتقالات والاغتيالات والإحالات القضائية في مناطق المصالحات، إضافة إلى سياسات التهميش الممنهج لمناطق كانت تخضع سابقًا لقوى معارضة. وترتكز عناصر معادلة الحل وفق منظور النظام وحلفائه الروس على استعادة سيطرة "النظام" على كامل الأراضي السورية، وترحيل القوى المعارضة والثورية، وبالتالي تحويل الاستحقاقات السياسية لتحديات حكومية، عبر المضي قدمًا بأستنة جنيف(5).
وبناء على ذلك، يتضح أن مقاربة نظام الأسد لا تعالج المسائل الدقيقة المتعلقة بشرعية المؤسسات وقدرتها، والتي لا توفر الأمن والعدالة والدمج السياسي للمواطنين، كما أنه يعتبر التعافي الاقتصادي فرصة للإثراء الذاتي ولتكريس التحولات الاجتماعية والديمغرافية التي برزت نتيجة سِنِي الصراع. ويواجه النظام أيضًا معوقات ترتبط بمعايير الاستقرار التي لا يمتلكها، كالبرامج الكريمة لعودة اللاجئين وما تُمليها من استجابة محلية وواقع أمني منضبط؛ وتوافق سياسي وتماسك اجتماعي؛ وإعادة الشرعية وتأهيل الدولة لامتحان إعادة الإعمار. ففي غياب اللحظة السياسية المعترف بها دوليًّا، وفي ظل بنية عالية الهشاشة للجيش السوري وتحكم الروس والإيرانيين بالمشهد العسكري المحلي، فإن النظام سيواجه مشهدًا لا يسمح له بأن يعيد تشكيل نفسه ويحافظ على الاستقرار الأمني والمجتمعي(6).
على الرغم من أن الاهتمام في مرحلة ما بعد النزاع ينبغي أن ينصب على امتلاك شروط الاستقرار الأمني والاجتماعي والحد من مُولدات العنف، إلا أن النظام وهو يعيش حالة "الانتصار"، يخيل إليه أنه ليس بحاجة لإجراءات حقيقية لإعادة الدمج وتفكيك المجموعات المسلحة وإعادة التأهيل، وإنما يحدد أولوياته بما يحافظ على كيانه ويُبقي له السلطة الأمنية الحاكمة. ويرى كذلك أن جهوده ينبغي أن تقتصر على إعادة ترميم وإعادة تشكيل مراكز القوة العسكرية والأمنية وليس عبر إصلاح العقيدة الأمنية ودورها المضخم في الحقل العام وضبط العلاقات المدنية-العسكرية. وبالتالي، فحتى عمليات التسريح وإعادة الدمج والتأهيل ستكون مصممة ليس بما يهدف لاستقرار سوريا دولة ومجتمعًا، وإنما خاضعة لمصلحة "النظام" بالدرجة الأولى، ومتكيفة مع جهود حلفائه بالدرجة الثانية، ومستوعبة للمتغيرات التي طرأت على بنية الجيش بالدرجة الثالثة.
وهنا، يبرز سؤال حول تصور النظام للحل وآلياته لإعادة الضبط والتحكم في الجيش(7)، لاسيما أنه باتت تتحكم وتتنافس في بنيته، أي بنية النظام العسكرية، القوات الروسية والإيرانية، ويضع كل منها شروطًا ويمارس الضغوط. فمثلًا تجد الفيلق الخامس مشروعًا روسيًّا بامتياز غير محصور بمنطقة معينة ويُعنى بضم مجموعات قتالية معارضة في مناطق المصالحات، وكذلك مجموعات تم تهميشها من قبل إيران، مثل الدفاع الوطني. وكذلك يعمل النظام على تقوية شبكات جديدة من رجال الأعمال (الفوز والقاطرجي مثالًا) وشبكات التهريب في مناطق القلمون وريف حمص والتي باتت تملك شبكة تتحكم بالمفاصل الأمنية في البلاد. ويتضح عبر تحليل سياسات النظام حول إعادة ترميم وتشكيل مراكز القوة العسكرية والأمنية، أنه لا توجد مؤشرات تدل على أنه يمتلك برنامجًا حقيقيًّا لـ"الهيكلة وإعادة الدمج"، بل هناك رغبة حذرة ومحدودة في كافة القرارات والتوجيهات الصادرة، ولا تزال تحافظ على الهيكلية القائمة والعقيدة القتالية والممارسات الوحشية والتركيز على هدف حماية النظام بشكل رئيس.
فقد اعتمد النظام بشكل انتقائي على بعض الجماعات دون الأخرى، فسمح لقوات النمر بمساحة وحرية للعمل باستقلالية عنه وبالتنسيق مع الروس، بينما تمت اعتقالات لقيادات بعض الميليشيات الأخرى الأصغر (مثلًا: صقور الصحراء التي يرأسها أيمن جابر تم التضييق عليها، بينما تم ضم كتائب الفضل بن العباس إلى ملاك أي إدارة الفرقة الرابعة بهدف ضمها ككيانات -وليس دمجها- في هيكلية الجيش)، تاركًا بذلك علامة استفهام كبيرة حول مصير الفصائل المتبقية. بالإضافة إلى ذلك، كانت مثل هذه الجهود في بعض الأحيان مقتصرة فقط على تصنيف الجماعات شبه العسكرية كقوى تابعة للجيش العربي السوري. وتقوم سياسات النظام على تجميع الميليشيات وليس دمجها وتشكيل جيش محترف، وهو ما يتقاطع مع ما تدفع إليه روسيا عبر تبنيها سياسة دمج المجموعات "المصالِحة" والمجموعات القوية إلى الفيلق الخامس والسادس. تكشف إجراءات النظام الحالية أنه غير جاد بعملية إعادة هيكلة شاملة لأن ذلك يقوض -حسب مخياله- صورته كمنتصر في هذا الصراع، وإنما يكتفي بإجراءات ضم وتجميع شكلي لبعض المجموعات بالتنسيق مع داعميها أحيانًا. ويبدو أن النظام لا يزال لا يرى ضرورة لتشكيل جيش محترف يتبع للدولة بإطار مدني، وإنما يحتاج إلى جيش يبقى أداة للسيطرة السياسية وحتى الاقتصادية.
كما لا تزال "محدودية القدرة" تفرض نفسها على منهجية إعادة التشكيل لدى النظام، وتجعلها محصورة في أوامر النقل والتعيين والتسريح؛ وهذا ما يوحي بأن التنافس الروسي-الإيراني على ملء مراكز القوة في الجيش (كالفرق المدرعة والاستخبارات الجوية والعسكرية والحرس الجمهوري وهيئة الأركان) هو المؤشر الأبرز لفهم مآلات ومخرجات تلك المنهجية. فمن زاوية مصالح النظام، فإن الاستنزاف يتطلب العديد من البرامج والسياسات المكلفة من حيث المال اللازم لإنجازها ومن حيث الجهود الإدارية والفنية التي لا تزال غائبة بحكم إدراك النظام لحجم الخسائر من جهة، وبحكم أنه ليس المتحكم والمقرر الوحيد في منهجية إعادة التشكيل والهيكلة بسبب وجود الروس والإيرانيين وتباين رؤاهم حول هذا الشأن.
وبهذا المعنى؛ فإن الهدف الأوضح للنظام هو زيادة الاهتمام ببيروقراطية الجيش، وهي المدخل الرئيس لفاعليته وتحكمه داخل الجيش. فتارة يستثمر ذلك في زيادة هوامش حركته، وتارة ثانية يجعل الجيش ورقة استثمار يطرحها ما بين الروس والإيرانيين كالاتفاق المبرم مع وزير الدفاع الايراني لإعادة بناء الجيش السوري(8) وقرار تشكيل الفيلق الخامس ومنح إدارته للجيش الروسي والشركات الأمنية المتعاقدة معه، وتارة ثالثة تُتيح له تدعيم شبكاته الأمنية والعسكرية المتحكمة بمسار مؤسستي الدفاع والأمن كالتعاون مع المخابرات الجوية ومنصب رئيس الأركان. بالمحصلة، يتجه النظام بحكم هذه القيود في مقاربته، نحو شكل هجين بين التصور الروسي والإيراني إضافة إلى تصوره للسيطرة المحكمة.
وفي هذا الصدد، لابد من إدراك حالة موضوعية في واقع مؤسسة الجيش السوري، وهي صعوبة العودة إلى جيش ما قبل 2011، لا من حيث القدرة النوعية ولا التمويلية ولا من حيث التماسك البنيوي، والذي يقوم في أساسه على "تحالف الأقليات" الذي صمَّمه حافظ الأسد(9). ويرى النظام ضرورة مقاومة سياسات التغيير الموضوعية وبالشروط الوطنية لأنها ستُفقده إحكام سيطرته على الجيش وتطويعه في صراعاته المحلية.
من جانب آخر، فإن النظام استمر بفضل تموضعه في ظل واقع عسكري مشرذم منحه صفة الشرعية والسيادة، حيث تكونت ميليشيات سورية تتبع له وأخرى تتبع للروس وثالثة لإيران، وسيطرت على الطرق والمعابر ومسالك التهريب وتحكمت بمناطق إدارية وخطوط الإمداد. أما بعد هدوء الحرب نسبيًّا فسيُواجه سيناريوهات اللامركزية في إدارة وتوجيه مؤسستي الدفاع والأمن. فمن جهة أولى، لا تزال هناك أنماط مغايرة لتلك المؤسسات متحكمة بجزء مهم وحيوي من الجغرافية السورية، ومن جهة ثانية، تفرض متطلبات إدارة التباين الداخلي والميليشيات المتعددة سيرًا إجباريًّا باتجاهات أنماط عدم اللامركزية. وتشير سياسة النظام إلى أنه لن يركز على إنجاز كامل لعمليات الدمج والتفكيك وإعادة التأهيل "للميليشيات"، بل سيقتصر على بعض التسريحات وبعض التسهيلات التنموية المحدودة بهدف خلق "تجمع عصابات" داخل المجتمع. لقد أسهمت هذه المجموعات في فترة الحرب في دعم بقاء النظام وكان يُكافئها بمنحها الغطاء السياسي والقانوني ويشاركها العوائد المالية. أما بعد سكون معظم الجبهات عسكريًّا فسيواجه النظام مشكلة في مشاركته السلطات مع هذه المجموعات، وسيسعى إلى ضم بعضها واحتوائها رغم شح الموارد. وفي نفس الوقت قد يدفع الروس لنموذج "المناطق العسكرية" مما يقيد سلطات النظام مستقبلًا في استخدام بعض القطعات العسكرية لحماية بقائه.
ويمكن توصيف النظام في هذا الصدد بأنه لا يزال لا يرى ضرورة لتغيير جذري ويعتقد أنه لا يزال يمتلك القوة العسكرية ولديه أدوات وتكتيكات لاستعادة السيطرة وفق مفهومه، ويمكن أن يؤجل ويماطل في الحل السياسي ريثما يزيد من قبضته الأمنية والعسكرية، وفي نفس الوقت يستثمر اختلاف الروس والإيرانيين حول هيكلية الجيش المقبلة لتوسيع سلطته.
وبناء على القدرة المحدودة للتشكل واستثماره سياسيًّا، يتجه النظام إلى تبني المنهجية التالية(10):
في النهاية، تُمكِّن هذه المنهجية النظامَ من كسب مزيد من الوقت في مواجهة تحدي إعادة التشكل، وكذلك لاستعادة أنفاسه والمراوغة في تجنب أي تنازلات تؤثر في قبضته وبقائه في السلطة، لأن أي تنازل سيفقده عنصر السيادة والتحكم بمخرجات تلك العملية. فيقوم تارة بإجراءات شكلية في تغيير الوجوه والشخصيات، وتارة بجمع الميليشيات دون دمجهم وتارة بالسماح لبعض المجموعات بهامش معين لتمويلها من ممول خارجي صديق. كل هذه يتم استثمارها بهدف التأثير على شكل الحكم فيما بعد الصراع بشكل يستطيع النظام فيه التحكم بالشبكات غير المرئية والقوة الناعمة التي تُفشل أية محاولة حقيقية للإصلاح.
لا يزال النظام وحلفاؤه يرَون نهاية الصراع في سوريا عبر بوابة "المصالحات"، وليس عبر بوابة الاتفاق الدولي المفروض من مجموع الدول الفاعلة؛ ذلك أن المصالحة تُعيد بناء منظومة الجيش عبر عودة العنصر البشري، ولمن يسمح لهم النظام بالعودة بشروطه، فسكان العشوائيات -مثلًا- لا يحق لهم العودة لأماكن سكناهم لعدم توفر إثبات الملكية، وكذلك من تم تهجيرهم وتدمير منازلهم فهم يخضعون لقوانين جديدة لتنظيم الإسكان والمدن الجديدة.
ويحاول النظام احتواء المخاطر الناجمة عن تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي، من خلال تبني سياسات وإجراءات تتصل بإصلاح مؤسسات الدولة، وإعادة توجيه الإنفاق العام، والدفع بإصلاح القطاع العام الاقتصادي. وقد أسهمت عدة منظمات دولية مؤخرًا بإعداد "الوثيقة التنفيذية لإصلاح القطاع العام الاقتصادي"(11). ومما يُلحَظ غياب الاتفاق بين أجهزة الدولة على تعريف وآلية لتنفيذ الوثيقة، وهذا أحد الأساليب التي يتم لاحقًا التنصل فيها من استحقاق الإصلاح دون أن يتعرض النظام لضغط دولي يهدد كيانه. أضف إلى ذلك أن خطط الإصلاح المفرغة من عنصر الإلزام وتفصيل الآليات والأدوات لا تعالج مشكلة شيوع الفساد والافتقاد للموارد المالية والكوادر البشرية. كما تُظهر المعطيات تملص الحكومة من التزاماتها المتعلقة بتأمين المواد الأساسية المدعومة كالمشتقات النفطية، في ظل بروز مؤشرات على عهد هذه المسؤولية للقطاع الخاص، وما سيترتب على ذلك من آثار سلبية في قطاعات عدة نتيجة لتحرير الأسعار، وإمكانية التلاعب بها من قبل هذا القطاع(12).
إن المشهد السوري بمناطق النفوذ الثلاثة، عدا عن التنافس الروسي-الإيراني في مناطق النظام، يجعل قدرة النظام على إبرام تسوية سياسية مستدامة -في حال توافرت الإرادة لديه- محدودة جدًّا. لكن النظام يعمل حاليًّا على كسب الوقت عبر إعادة هيكلة شكلية للجيش وإطلاق سلسلة من الاجتماعات واللجان للإصلاح الإداري، بهدف استعادة القبضة الأمنية وإعادة تجميع "الميليشيات" بشكل "تجمع ميليشياوي" وليس كجيش محترف. كما أن لدى النظام القدرة على تعطيل الحل الذي يُفرض عليه والتسويف واستثمار خلافات الدول حول التسوية وشكلها. إن هذه السياسات لدى النظام ستُبقي الأزمة في سوريا متأججة وغير مستقرة، وقابلة للاندلاع سواء بشكل العنف أو على الأغلب بصور أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية. فرغم عودة كثير من المناطق عبر "مصالحات" أو عبر الحل العسكري الصفري والتهجير القسري، لا يزال الفشل الحكومي والخدمي والأمني عنوانًا لهذه المناطق.
إن المحاولات لدفع مسار التسوية وفق مخيال النظام لن يوصل البلاد إلى حالة استقرار وسلام مستدام، من دون إصلاح حقيقي ينال الشبكات المتحكمة بالدولة والمجتمع والجيش والأمن. كما أن تمييع المسار الدولي عبر التهرب من تطبيق قرارات مجلس الأمن، وخاصة 2254، أدى إلى إعطاء فرصة للنظام لأن يعيد تشكيل ذاته ضمن نفس المحددات والأساليب غير الدولتية التي عاش بها منذ تأسيسه وواجه فيها تحديات كبرى سياسية واقتصادية عبر استغلال اختلاف الدول الداعمة له.
وحسب المؤشرات الحالية، لا يبدو النظام راغبًا بتسوية أو إعطاء أي تنازلات بدون ضغط وتهديد وجودي حقيقي، وهذا ما لا يتوافر حتى الآن، وبالتالي سيسعى مع حلفائه لتصدير نفسه راعيًا لمصالحات "استسلامية" محلية وعودة "الشرعية"، وأنه المنصة المناسبة لإجراءات إصلاحية تجميلية لا تُغير من حقيقة وشبكات النظام المتحكمة داخليًّا وشبكاتها العابرة للحدود والقادرة على تفريغ أي تفاهم سياسي يتم. يبقى التحدي الأساس الذي قد يغيِّر المعادلة هو التحدي المالي والاقتصادي نتيجة العقوبات وتحديات بناء الدولة والسلام، خاصة مع الصعوبات المالية التي تعاني منها روسيا وإيران والتردد الصيني في الاستثمار غير المضمون، وهذا ما سيُبقي الاحتمالات القادمة لتطور الصراع مفتوحة وغير مستقرة.
المصدر مركز الجزيرة للدراسات: http://bit.ly/2QIlUYK
1-Jeffrey, James, Toward a New U.S. Policy in Syria Ground Zero for Countering Iran and Deterring an Islamic State Revival, The Washington Institute for Near East Policy, July 2018. (accessed 27 May 2019). https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/toward-a-new-u.s.-policy-in-syria-ground-zero-for-countering-iran-and-deter
2- معن طلاع، السياق السياسي للتعافي المبكر في سورية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أبريل/نيسان 2019، قيد النشر.
3- المرجع السابق.
4- الشرق الأوسط، سوريا: البحث عن إعادة إعمار سياسية، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، العدد 14606، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019): https://bit.ly/2JRdE7l
5- طلاع، السياق السياسي للتعافي المبكر في سورية.
6- المرجع السابق.
7- معن طلاع، اختبار مدى قدرة النظام على إعادة الهيكلة والدمج، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أبريل/نيسان 2019، قيد النشر.
8- فرانس 24، سوريا وإيران توقعان اتفاقية لإعادة "بناء الجيش السوري"، بتاريخ 27 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019): https://bit.ly/2ooBhZ1
9- طلاع، اختبار مدى قدرة النظام على إعادة الهيكلة والدمج، بتصرف.
10- المرجع السابق، بتصرف.
11- مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر مارس/آذار 2019، مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019). https://bit.ly/2JtjTi8
12- المرجع السابق.