تعمل الوفود الأمريكية منذ بداية العام 2019 على الوصول لصيغةٍ توافقية حول مصير شمال شرق سورية، والتوافق الأمريكي المطلوب إلى الآن له طرفان رئيسيان: الأول هي الجارة الشمالية تركيا، والتي ترى في مشروع الإدارة الذاتية بكليته تهديداً على أمنها القومي، وعلى الطرف الآخر هناك الإدارة الذاتية المبنية على فكر أوجلان المهادنة لتركيا على الساحة السورية.
شكل قرار الرئيس الأمريكي المفاجئ للجميع بإعلانه الانسحاب من سورية بداية حركة دبلوماسية مكوكية منها المعلن ومنها السري، في محاولةٍ للوصول إلى صيغة تستطيع بها واشنطن الحفاظ على المكعبات التي رصفتها في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية.
يبدو للوهلة الأولى أن الولايات المتحدة تحاول فقط الوصول لصيغة توافقية مع حليفتها تركيا، إلا أن الواقع يشير إلى مساراتٍ أخرى تنشط فيها شبكة العلاقات الدبلوماسية الأمريكية منها على الصعيد الدولي، ومنها على الصعيد الإقليمي، وأخرى على الصعيد المحلي؛
فيما يخص النشاط الأمريكي على الصعيد الدولي، فيتمحور حتى الآن في ثلاثة مسارات رئيسية الأول يتمثل في محاولات لكسب الحلفاء الأوروبيين ضمن القوات المتبقية في سورية لحماية مكتسبات التحالف على أنقاض تنظيم الدولة، ويبدو أن هناك حتى الآن شريكين رئيسيين في هذا المسار وهما فرنسا، والمملكة المتحدة، مع دولٍ أخرى قد أبدت استعدادها لإرسال عناصر من قواتها المسلحة إلى شمال سورية، إلى جانب محاولات بعض الدول لتجنب إرسال قوات برية والبحث عن طرقٍ أخرى لدعم مهام التحالف مثل "هولندا"، يضاف لهذه المحاولات قيام دول الاتحاد الأوروبي بإرسال وفودٍ عدة إلى مناطق الإدارة الذاتية لسببين رئيسين هما مواطنوهم من عناصر تنظيم الدولة، وكيفية دعم مشروع الإدارة الذاتية في المجال الخدمي.
يتمثل المسار الثاني في الاستمرار بخنق النظام السوري من طرف المجتمع الدولي عبر منعه من إقناع الأطراف الدولية بالدخول لعملية إعادة الأعمار، ومراقبة أشد المساعدات الإنسانية التي تصل للنظام.
يتمثل المسار الثاني في الاستمرار بخنق النظام السوري من طرف المجتمع الدولي عبر منعه من إقناع الأطراف الدولية بالدخول لعملية إعادة الأعمار، ومراقبة أشد للمساعدات الإنسانية التي تصل للنظام، والثالث هو تحذير الدول الأوروبية من عدم استعادة مواطنيها الذين قاتلوا مع تنظيم "داعش"، والإسراع في استعادة أكبر عددٍ منهم في خطوة تهدف للتخفيف من خطر الإبقاء عليهم في شمال سورية، نتيجة انعدام محاكم يمكن الاستناد لأحكامها في تحديد مصيرهم، وهذا الاتجاه يشمل إرسال العشرات من هؤلاء المقاتلين إلى العراق بالتوافق بين الأخير ودولهم الأصلية، لتتم محاكمتهم في العراق كونه أحد المتضررين من نشاطاتهم وإمكانية حكمهم بالإعدام هناك، وهو أمرٌ مستحيل في إمكانية حدوثه في أوروبا، ولايزال هذا المسار يعاني من انعدام في عدد الدول التي أقرت مشاركتها في مشروع المنطقة الآمنة وإبقاء جنودها في سورية، كما يعاني الموقف الأوروبي فيما يخص العقوبات وحصار النظام من استمرار المخاوف الأوروبية فيما يخص معادلة الاستقرار في سورية سيؤدي لتقليل عدد اللاجئين لها، أما عناصر تنظيم الدولة، فأوروبا مدركة بأنهم سيكلفونها ثروة مالية، مع إمكانية إطلاق سراحهم وفق القوانين الأوروبية نظراً لانعدام الأدلة التي تدين معظم هؤلاء المقاتلين.
" المبعوث الأميركي إلى سورية والتحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" جيمس جيفري، قال إنّ الدول الغنية التي تخلت عن مسؤوليتها تجاه مواطنيها تخاطر باندلاع موجة عنف جديدة".
إقليمياً: تعمل الولايات المتحدة على مسارين رئيسين الأول؛ هو الوصول لصيغة توافقية مع حليفتها تركيا حول مصير الإدارة الذاتية، عبر إنشاء المنطقة الآمنة، ( ويمكن اعتبارها منطقة عازلة على المدى القصير والمتوسط)، التي ترغب تركيا في الحصول على دورٍ رئيسي ومحوري، وعلى تواجدٍ فيزيائي قوي فيها عبر جنودها وقواتٍ من المعارضة الموالية لتركيا، على حساب إنهاء وجود وحدات حماية الشعب بدايةً على الحدود ولاحقاً في المشهد العسكري كاملاً، بينما تطالب قوات سوريا الديمقراطية بعصبها " وحدات حماية الشعب"، بالمحافظة على سيطرتها الكاملة ضمن هيكلية أكثر تنظيماً مع قبولٍ لعودة النازحين إلى تركيا من مناطق سيطرتها في تل أبيض والرقة ودير الزور، ولا يُعتقد أن تقوم الوحدات بالاعتراض على انضمام عناصر من المعارضة المسلحة من أهالي هذه المناطق ولكن على شكل أفراد وترفض بتاتاً قبول أي تكتلات عسكري تنضم بشكلٍ جماعي لها، أما أمريكا فتقدم حتى الآن من جهتها سحب وحدات حماية الشعب بشكلٍ خاص بعيداً عن الحدود التركية لمسافة لا تقل عن 5 كم، ومنح تركيا عيناً في المنطقة تمكنها من رؤية تحركات قسد والوحدات سواءً كان عبر بعض نقاط المراقبة البرية أو الجوية أو الاثنتين معاً، المسار الإقليمي الثاني والذي تعمل عليه الولايات المتحدة هو تقوية الدورين السعودي والإماراتي في منطقة شرق الفرات في ثلاثة اتجاهات: الأول هو ضخ الأموال في مشاريع إعادة الإعمار وتقديم الخدمات ولكسب ولاء العديد من الأطراف، والثاني هو لعب دور حامي العشائر السورية، والثالث تنظيم دور العشائر في مشروع مقاومة وحد النفوذ الإيراني في شرق سورية عموماً ومنطقة دير الزور خصوصا.
ظاهرياً يبدو أن المسار الإقليمي خصوصاً في الاتفاق مع الحليفة تركيا خرج من عنق الزجاجة، فتصريحات قائد قسد حول قبولهم للتفاوض مع تركيا وحول وجود جهود وساطة بينهم وتركيا ترافقت مع زيارات لجيمس جيفري إلى مناطق الإدارة الذاتية وأنقرة، وترافقت مع رسالة عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكُردستاني الذي دعا " قوات سوريا الديمقراطية لأمرين رئيسيين الأول حل مشكلاتها في سورية، من دون اللجوء إلى العنف، والثاني القيام بالأخذ بالحسبان حساسيات تركيا في سورية، كما ترافقت التصريحات مع عقد مؤتمر العشائر، في ضوء تخفيف تركيا من تهديداتها المباشرة لقسد بالاجتياح والقيام بعملية عسكرية على غرار "غصن الزيتون" أو النسخة المصغرة منها، وفيما يخص الطرف السعودي فقد شكلت زيارة السبهان خطوة أمريكية جديدة في تطمين مجتمعات دير الزور الفائرة حول دورها المستقبلي في إدارة مناطقها بنفسها، ومنع التوسع الإيراني مقابل الدعم السعودي الإماراتي، هذه النجاحات لاتزال تعاني من استمرار محاولات التغلغل الإيرانية في المجتمعات المحلية، بالإضافة إلى انخفاض مستويات الثقة بين أنقرة وواشنطن خصوصاً بعد تجربة منبج، كما أن الذراعين اللذين تعتمد أمريكا عليهما ( تركيا والسعودية) دخلا لمرحلة الخصومة الدبلوماسية ومستوياتٍ متدنية من حرب الوكالة في ليبيا، وهو ما يمكن أن يهدد أي محاولة أمريكية للتوفيق بينهما شرق الفرات إلا إذا ضغطت أمريكا في اتجاه قيام الدولتين بفصل الملفات عن بعضها البعض.
وأخيراً خطوات المسار المحلي، وتسير فيه الولايات المتحدة بعدة اتجاهات رئيسية: الأول هو تمكين السيطرة الأمنية للإدارة الذاتية عبر ضبط السجون التي تحوي المئات من عناصر تنظيم الدولة، والذين يمكن اعتبارهم قنبلة موقوتة في منطقة لاتزال تعيش ارتدادات سنوات من الفراغ الأمني، كما لايزال مثال سجن أبو غريب في العراق وهروب مئاتٍ من عناصر القاعدة منه ماثلاً أمام الأعين، وفي المجال الأمني يقوم التحالف بعمليات إنزال مستمرة تستهدف خلايا التنظيم المتبقية في جنوب مدينة الحسكة وصولاً إلى دير الزور، وعسكرياً يقوم التحالف الدولي بعملية إعادة هيكلة لقوات سوريا الديمقراطية عبر تشكيل مجالس عسكرية لأهداف عدة منها: 1_ تحويل هرمية قسد، وخصوصاً YPG من حالة المجموعات والتشكيلات المنفصلة لحالة التشكيلات العسكرية المترابطة والهرمية". 2_ الدخول لمرحلة الاستقرار والتمكين العسكري، 3_ تثبيت عناصر القوات في مناطقها، بما يقلل من المخاوف التركية من هوية قادة هذه القوات، بالإضافةً إلى التجهيز لأي عملية دمج عسكرية لهذه القوات مع قوات " بيشمركة روج" أو الجيش السوري الوطني في المستقبل.
الاتجاه الثالث محلياً يمكن في دفع وتشجيع أطراف عدة للعمل على ملف الحوار الكُردي – الكُردي، وهذا الملف يتم تداوله عبر عدة وسائل أبرزها؛ محاولات بعض منظمات المجتمع المدني الكُردي لتقريب وجهات الطرفين الكُرديين.
الاتجاه الثاني محلياً يتمثل في رفع مستوى مقبولية مشروع الإدارة الذاتية لدى المجتمعات المحلية، خصوصاً العربية منها عبر إعادة هيكلة الإدارة الذاتية وتشكيل إدارات لمناطق الرقة ودير الزور، ويأتي اجتماع العشائر الذي عقدته "قسد" في عين عيسى على رأس هذه الخطوات بالإضافة لكونها رسالة للنظام وروسيا بغلق باب العودة للمنطقة عبر العشائر أمامهم، كما إن زيارة السبهان كانت لإعطاء هذه المحاولة في كسب العشائر طابعاً من الشرعية العربية المتمثلة بالمملكة السعودية، بالإضافة لأسباب الضبط المحلي ومواجهة محاولات تغلغل إيران، وفي هذه الاتجاه تبرز محاولات " قسد " في محاببة العشائر، وتمييز مناطقها في قانون الدفاع الذاتية ( العسكرية الإلزامية) الذي عدلته مؤخراً، ليبقى نافذاً على ولادات عام 1986 في منطقة الجزيرة، ويرتفع لمواليد 1990 في مناطق أخرى خصوصاً من الرقة وديرالزور.
الاتجاه الثالث محلياً يمكن في دفع وتشجيع أطراف عدة للعمل على ملف الحوار الكُردي – الكُردي، وهذا الملف يتم تداوله عبر عدة وسائل أبرزها؛ محاولات بعض منظمات المجتمع المدني الكُردي لتقريب وجهات الطرفين الكُرديين، وتذليل العقبات وحصر المطالب في التشارك بالصيغة الحالية للإدارة الذاتية والعمل على تطويرها لاحقاً، والوسيلة الأخرى تكمن فيما يسمى مشروع الحوار الكُردي - الكُردي المُهندس فرنسياً، ولايزال هذا الأخير في طور الغموض والبطء، فوفق المصادر الكُردية، استطاعت الخارجية الفرنسية تنظيم لقاءين بين الطرفين دون أن يفضى إلى أية نتيجة عملية، وهو ذات المستوى الذي وصلت إليه محاولات منظمات المجتمع المدني فلم تتجاوز حاجز عقد بعض الاجتماعات التي حضرها ممثلون عن الطرفين، تميزت بتمسك كليهما بمنطلقاتهم السياسية الحزبية والأيديولوجية للوصول إلى أية صيغة اتفاق لتشارك الحكم.
يتمثل الاتجاه الرابع وهو الأقل نشاطاً وتركيزاً في موضوع ضم "مجلس سوريا الديمقراطية " إلى هيئة التفاوض العليا، وبالرغم من نفي هذا التوجه من قبل شخصيات معارضة، إلا إنه يبقى مطروحاً على الطاولة وتزيد احتماليته مع زيادة احتماليات التوافق الأمريكي التركي، الذي إذا ما تم فسيمثل انضمام " مسد " للمعارضة دفعةً قوية لها، لأن "هيئة التفاوض " تعيش مرحلة من الجمود، فاجتماعاتها تُعقد بفواصل زمنية طويلة وهو أمرٌ أدى إلى عدم فاعليتها، عدا عن أنها لم تحقق إنجازاً فعلياً.
يظهر من الخطوات التي تم السير فيها في المسار المحلي، إلى درجة متفاوتة بين مستويات مساراته والتي تعمل عليها واشنطن، فلازالت سجون الإدارة الذاتية تحوي العشرات من معتقلي تنظيم الدولة، ويُلحظ نشاطٌ جمهوريات روسيا، في أخذ عناصر وعوائل مواطنيهم المحتجزين لدى " قسد" بينما تستمر أوروبا في التلكؤ في اتخاذ ذات الخطوة، أما عملية إعادة هيكلة "قسد"، فتنشط بوتيرةٍ أسرع مع وجود تخوف لدى التحالف من ممارسة ضغطٍ أكبر على " قسد" على الأقل في المرحلة الحالية، بعد ما خلقه قرار ترامب المفاجئ حول الانسحاب من تخوفات لدى قيادات قوات سوريا الديمقراطية، لذا لا تريد وحدات حماية الشعب وقسد السير في كافة الخطوات دون وجود ضمانة سياسية أو ضمانة عسكرية تتمثل بوعودٍ في البقاء لفترة أطول شرق الفرات، من جهته يعتبر موضوع طمأنة العشائر، ودمجها مع منظومة " مسد " والإدارة الذاتية، عملية معقدة مع انقسام العشائر بين أطراف الصراع المتعددة، من النظام، إلى إيران، إلى تركيا، والتحالف وهو ما يضفي بهشاشة زائدة على واقعها، أما ملف الحوار الكُردي – الكُردي، فبالرغم من كونه أحد أهم الملفات بالنسبة إلى المجتمعات المحلية، إلا إنه لا يبدو على واشنطن والتحالف أية رغبة في ممارسة ضغطٍ فعال سواءً على الإدارة الذاتية لقبول المجلس كشريكٍ حقيقي، أو على المجلس ليقوم بتفعيل هيئاته الداخلية والخارجية.
اتصفت السياسة الأمريكية في سورية بالسير في خطٍ متذبذب بين التشدد والانفراج اتجاه النظام السوري، أو دعم المعارضة، وصولاً للعام 2015 مع اتخاذ التحالف قرار التعاون مع " وحدات حماية الشعب"، ولاحقاً تشكيل " قسد"، وصولاً إلى تغريدة ترامب حول الانسحاب.
اتصفت السياسة الأمريكية في سورية بالسير في خطٍ متذبذب بين التشدد والانفراج اتجاه النظام السوري، أو دعم المعارضة، وصولاً للعام 2015 مع اتخاذ التحالف قرار التعاون مع " وحدات حماية الشعب"، ولاحقاً تشكيل " قسد"، وصولاً إلى تغريدة ترامب حول الانسحاب، ليصل تذبذب الإدارات الأمريكية لحدوده العليا، وليعود لاحقاً لمرحلة أكثر استقراراً مع توجه الإدارة الأمريكية لضبط وتهذيب قرار ترامب بالانسحاب، وتطوير هذا الضبط لاحقاً لطرح مشروع المنطقة الآمنة، الذي دفع بالولايات المتحدة الأمريكية، للتوفيق بين سياسات الإدارات العسكرية والأمنية الأمريكية، في سبيل الوصول إلى حلٍ يرضي حلفاء أمريكا المحليين – قسد - ، والدوليين، وبشكلٍ خاص أنقرة، ويظهر من النشاط الأمريكي الدبلوماسي توجه دقيق حول كيفية الحفاظ على المكتسبات الميدانية في مواجهة تنظيم الدولة، وتحويله إلى مشروع تمكين مجتمعي لمختلف مكونات شرقي الفرات وشمال سورية، بالتعاون مع الجارة تركيا، بحيث يصل المشروع في نهايته إلى التقليل من المخاوف التركية، إلى الحد الذي تعدل الأخيرة به موقفها من إدارة شمال سورية، بصورة تمنح الأخيرة فرصة تمكنها من تفعيل مشروعها الحوكمة دون التخوف من مهددات وجودية، ويظهر من التحركات الأمريكية: الدولية، والإقليمية، والمحلية، توجهاً تتوضح معالمه رويداً رويداً، حول الصيغة النهائية لشكل الحكم شرق النهار، ورغم انقشاع الضباب قليلاً إلا أن أي مشروعٍ يتم تنفيذه سيحتاج لخطواتٍ أكثر في اتجاه تحسينه بحيث يصبح مقبولاً بشكلٍ خاص من المجتمعات المحلية، وإلا فإن التجارب الأمريكية الفاشلة في العراق بعد احتلاله لاتزال ماثلة في الأذهان.
المصدر موقع سوريا: http://bit.ly/2NH1uBv
في منظور مختلف عن تعظيم مصاب السوريين في فقد أيقونة ثورية شعبية كعبد الباسط الساروت، يمكن الحديث عن رؤية تصب في اتجاهين أساسيين، الأول يركز على التحذير من إشكالية الاستمرار في الحديث عن فرادة مثال الشهيد الساروت وبالتالي منح النظام انتصاراً معنوياً أو التسبب ضمناً بهزيمة معنوية لجمهور الثورة، التي استطاع النظام قتل نموذجها الفريد، أما الاتجاه الثاني فينطلق من المحذور الأول إلى اعتبار عبد الباسط نموذج أو "بارادايم" لقيم الثورة أو بعضها جسدها الشهيد ومثلت انبثاقاً موضوعياً لخصوصية وهوية الحراك الثوري السوري، قيم لن تموت باستشهاده، فضلاً عن استمرار المئات من الثوار بتبنيها ضمنا ومحال أن ينتهي الليمون أو الزيتون أو الياسمين، ولعل هذا التجريد لهذه القيم والسمات والممارسات وتحويلها إلى ثقافة شعبية ثورية حية، سيقود إلى اكتشاف المئات من حبات الليمون أو الزيتون أو زهرات الياسمين يحملون هذه الثقافة ويتمثلون هذه القيم.
الساروتية هنا عنوان لمنظومة قيم وممارسات جسدها الساروت كما قلنا بقوله وفعله فنسبت إليه وستنسب إلى غيره ممن سيحملها ويجسدها، ولن تعقم أرحام الحرائر عن تكرار أمثاله ومثال عبد القادر وأبو فرات وغيرهم والقائمة تطول، يمكن أن نورد هنا بعض مفردات هذه الثقافة ونفتح الباب للمتابعين لإبراز المزيد.
الهوية الوطنية وما فوقها وما تحتها
إحالة أبناء الرقعة الجغرافية الممتدة بين النهر والبحر وبين الجبل والصحراء إلى هوية وطنية ترسمها الحدود السياسية، لا يكون ذي بال إذا لم تحكمه قيم جامعة تسكب في إثباتها الدماء، تنطلق ابتداءاً من الإنسان وجوده ومستقبله، كرامته وعدالته، الساروت البدوي المهجر قسرياً من الجولان المحتل إلى قلب سورية حمص المحافظة الثالثة أهمية ومحورية وعقدة اتصال، يعبر بشخصه ثم بوعيه السياسي الوطني وتلقائيته إلى قلوب السوريين الأحرار، محيلاً كل الهويات المتوهمة إلى هوية جامعة هي فوق الوطن وفوق الدولة هي الإنسان وجوداً وكرامة وعدالة.
الثورة في الساروتية ليست ثورة فقراء على أغنياء وقد أتت إلى الساروت وغيره كل فرص الغنى والظهور فأغنى نفسه بالناس وللناس، وليست ثورة مكون على مكون وقد غنّى هو ومن معه من السوريون لحرية وكرامة كل السوريين، وفي ذات الوقت فإن الثورة في الساروتية هي ابنة الواقع وتتفاعل مع تباينات المجتمع والسياسة على حد سواء وليست معطى سياسي نخبوي فوقي.
الواقعية في مقابل الطائفية السياسية
على المنصات وقف هاتفاً مع الحرة المرحومة فدوى سليمان بنت الطائفة العلوية، هاتفاً للحرية والكرامة والوطن الواحد بالتزامن مع انخراط زهرات سورية في الحراك كباسل شحادة ومشعل التمو وغيرهم الكثير في نسف موجع لسردية حامي الأقليات، وهو نفسه أي عبد الباسط الذي يكرر في عدة مناسبات طروحات توحيد الاستقطاب على بوصلة الكرامة والحرية استقطاب إيجابي وطني لكل الطوائف والمكونات في مواجهة توظيف السلطة للمسألة الطائفية في صراعها الدامي مع الثورة، في الوقت عينه الذي لا يتماهى فيه مع المزاودات الوطنية التي تنفي المحرقة الممنهجة والمقصودة بحق المكون الأكبر من السوريين وهم العرب السنة، بوصفها عملية تجريف حضاري لوجود هذا المكون تاريخاً وإنساناً وثقافة وعمراناً، هو جلي في أحد أهازيج الساروت لا يتنافى مع الثورة ولا مع وطن الجميع ويحمل إشارة إلى الخطر الذي يتهدد الكل بتهديد وجود الجزء، هو طرح وطني أصيل في مواجهة سردية طائفية سياسية مبطنة يحمل في شكله ومضمونه انضباطاً يحيل الثائرين إلى ناظم شعوري متين .
الانضباط الثوري
للثورة السورية هوية واضحة في شكلها ومظاهرها انعكست على مضمونها وجوهرها وخصوصيتها. السوريون انطلقوا من العراضة الشامية مثلاً والدبكات التي كانت تعقد في أفراح الأرياف وبعض المدن وكلها مظاهر يحكمها انضباط معين من "الوصّيف" إلى ضابط الإيقاع. انطلقوا من ذلك كله إلى صياغة نمط هجين تمازج فيه الهتاف والدبكة وأُبدعت فيه أشكال جديدة مثل عروض تسونامي الثورة والقسم الثوري الجماهيري والمظاهرات الطيارة شديدة الانضباط، مظاهر شهدناها كثيراً وعلى الدوام في مظاهرات حمص وشقيقاتها الملتهبة وانتقلت ثقافتها إلى بقية المدن الثائرة، قيمة الانضباط ووحدة الهتاف والتركيز على الهدف دون حرف البوصلة إلى معارك جانبية مع المقصرين بحق الثورة وتضحياتها هي قيم وممارسات ساروتية جسدها عبد الباسط أيضاً، فالمجاميع المنضبطة بشكل التظاهر ورسائله وصوته تحمل في مظهرها هذا رسالة سياسية واعدة بأن الذين وسُموا يوماً بأن جباههم لا تعرف السجود جديرون بتمثيل البديل السياسي أو على الأقل رسم محدداته، الرسالة التي هي جزء من قصة وسردية الحراك التي لم يبدلها أو يغيرها الساروت.
سردية لم تتبدل
التراجع الذي حكم واقع ثورة ملئت الدنيا وشغلت الناس تسبب بالجزء الأكبر منه تبدل السردية أو قصة قيامة السوريين، حيث انحرفت البوصلة وفق أجندات طارئة غطت على ثبات سردية عبد الباسط والمئات وربما الآلاف من أمثاله، الذين غيبتهم السجون أو علقوا على المشانق أو جلسوا جانباً ينتظرون لحظة العودة إلى نسق الثورة الأول، في الوقت الذي تعززت فيه سرديات بديلة أكدت سردية النظام بأن الثورة عبارة عن خروج لشراذم مرتهنة من الإرهابيين والقتلة العابرين للحدود في مواجهة الدولة الشرعية وحتى المنظومة الدولية المشرعنة لها، مما استدعى تكالب العالم ظاهراً وباطناً على الثورة بجريرة من أصروا أن يضعوا الثورة في موقع العداء له. بالتزامن مع ذلك ظل الساروت يهتف للحرية والعدالة والكرامة ولوطن يعيش هذه القيم حتى الرمق الأخير وعبر على ظهور أولئك الأدعياء ليفتح ثغراً في حصار شعبه وليخرج إلى حيث يتبرأ من السرديات الطارئة بل ومن الارتهان للداعم والصديق، عمل ورفاقه بقطف زيتون بلاده واستعان بما تيسر من رزق في تثبيت السيرة (السردية) وإكمال المسيرة، صنع الساروت هنا السياسة الثورية وصنع أدواتها أيضاً.
واقعية الأدوات أو السياسة الثورية
حين التحول إلى العسكرة لم يكن أحد من المراقبين عن بعد ليتوقع أن تظاهرات حمص الرائعة ستتحول تدريجياً إلى قصة خالدة للكفاح المسلح في وجه طغمة مجرمة، تحديداً لم يكن أحد ليتوقع أن ينحاز عبد الباسط إلى السلاح بالكلية، في البدء حمل رفاقه والمنشقون السلاح لحمايته وحماية بقية المظاهرات، ثم لم يلبث أن امتشق بندقيته دفاعاً عن لحن الحرية الذي عزفه والآلاف من السوريين، ثم قرر الأسد أن يدخل الحرب التي أعلنها هو من طرف واحد، يستفز مؤيديه بصوته ويجلب عليهم بعدته وعتاده ويشاركهم بأموالهم وأولادهم دون مقابل منه.
كان قرار الناس أو معظمهم أن يدافعوا عن أنفسهم وكان قرار عبد الباسط وأمثاله أن يتنحوا عن المنصة ويكونوا مع الناس، يرّشدوا بندقيتهم ويشقوا معهم طريقهم يتظاهرون معهم في اسطنبول والريحانية وإدلب وحماه وحلب، ثم يدافعون أخيراً عن آخر قلاع الثورة على أرض حماه وإدلب، وعلى طول الطريق لا يكون ثمة انحناء أو ركون أو ارتهان لصديق أو حليف ولا قطيعة ولا مجافاة أو مناكفة لجار أو كبير، بهذا المعنى انتخب الناس الساروت ورفاقه دون انتخابات فكانوا نخبة الثورة وطليعتها.
النخبة الشعبية الثورية
لعل تجريد قيم الساروت واستخلاصها من قصة ثورته واستشهاده والبحث عنها في إرادة وتصميم آلاف الثوار على جبهات العز وأيضاً في الجيل الجديد -الذي نمى وعيه خلال السنوات الثمانية الماضية على حديث الثورة والسياسة مهما شاب هذا الحديث من شوائب - سيحيل المشهد المستلب لصالح قوى دولية وإقليمية أو أجندات غير وطنية أو عابرة للحدود، إلى مشهد جديد، عنوانه صناعة نخبة ثورية شعبية تتبنى هذه القيم وتحمل هذه الثقافة وتحذو هذا الحذو، بعدما عجزت النخب التقليدية عن تصدير قيادات مجتمعية وسياسية وخلق حالة رمزية يلتف حولها السوريون. الآلاف الذين جمعهم استشهاد الساروت وقبل ذلك بطولاته ورفاقه على جبهات حماه وإدلب واللاذقية وما يجري حتى اللحظة من ملاحم بطولية ذوداً عن آخر قلاع الثورة، أكاد أجزم أنهم بتبنيهم لقيم الوطن الحر والثورة النظيفة التي ظهرت في عبد الباسط ومن سبقه ومن ينتظر، قادرون على صنع منظومة قيادية سياسية ومجتمعية تمضي مع الناس وبالناس إلى النصر يلتفون حولها ويرفدونها ولا تنتهي بموت أو شهادة.
رابط المصدر، موقع السورية نت: http://bit.ly/3026IsP
حمل استهداف نقاط المراقبة التركية بحسب تحليل الباحث في مركز عمران معن طلاع، لـصحيفة القدس العربي بتاريخ 27 حزيران 2019، عدة دلالات قد تلتقي مع بعضها وقد تتعارض مع بعضها الآخر؛ ومن أبرزها أن النظام يطمح لزعزعة الثقة بالفواعل العسكرية المتحالفة مع أنقرة واستغلال ذلك ميدانياً؛ كما أن هذا الاستهداف بمثابة اختبار ردة فعل أنقرة حيال نية النظام لتغيير قواعد التفاهم الأمني الذي تمت صياغته في أستانة تمهيداً لاتفاق جديد وفق شروط جديدة. إلا أنه من جهة مقابلة تعد هذه الخطوة «تهوراً» حسب وصف طلاع، لأنه من غير المستبعد، خاصة إذ ما تأكدنا من تأزم غرف عمليات جيش النظام؛ ما أن تفتح أبواب المواجهة المباشرة، ما يهدد بانتقالها من مستوى «الوكلاء» إلى مستوى الصراع المباشر، وما يحمله من فرص كبيرة لتحقيق ضغط قوي على أنقرة؛ وهذا ما يعد «مغامرة سياسية قبل أن تكون عسكرية».
للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2KTApZE
لا تزال الأسئلة المتعلقة بقطاعي الأمن والدفاع في سورية من أكثر الأسئلة أهمية، وازدادت أهميتها بعد الحراك الثوري، لأن غايات الإصلاح كانت مطلباً رئيسياً في هذا الحراك، كما أنها شهدت وما تزال تحولات عميقة أثرت على بنيتها ووظيفتها، فمن جهة أولى ما تزال معظم هذه الأسئلة دون إجابات معرفية كافية، بحكم أن عملية البحث في هذا المضمار هي عملية "مناهضة للأمن والدفاع" وفق أعراف الأجهزة الأمنية، ومن جهة ثانية فإن مكامن الخلل التي تستوجب تسليط الضوء عليها كثيرة وقديمة، وقد تراكم فوقها العديد من السياسات والممارسات التي حولت الخلل إلى معضلة صعبة الحل، ومن جهة ثالثة فإن واقع المؤسسة العسكرية الراهن يفرض أسئلة تتعلق بطبيعة وجود هذه المؤسسة ومآلها، خاصة في ظل ما تشهده من تحولات وتبدلات عميقة في تكوينها الاجتماعي ومراكز القوة والفاعلين الرئيسيين فيها. تبرز الضرورة البحثية لإعادة تعريف هذه المؤسسة في ضوء ما أحدثته تلك التحولات، وبيان أثرها على عملية إعادة التشكل الآخذة بالتبلور، تلك العملية التي تخضع لعدة بوصلات متضاربة ويغيب عنها البعد الوطني.
سيبقى تساؤل حول دور الجيش وأثره في التفاعلات والتحولات المحلية وعلى حركية التحول الديمقراطي سؤالاً مركزياً يواجه عملية إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية السورية، فالخلل البنائي والوظيفي والتشوه الهوياتي الذي اعترى هذه المؤسسة دفعها باستمرار للتدخل في الحياة الاجتماعية والسياسية وفق منطوقٍ يخدُم ويُغذّي فلسفة الفئة الحاكمة. فالعبث العقائدي والتنظيمي والوظيفي بمؤسسات الأمن والدفاع حوَّلها لمؤسسة شديدة الاغتراب عن المجتمع السوري، وفاقدة لمفهوم الحياد السياسي، وقوة مصطفة سياسياً لصالح النظام. والتحدي الأبرز أمام هذه العملية ليس فقط ما هو مرتبط تقنياً ببرامج SSR, DDR وإنما ما هو أيضاً متسق مع الظرف السوري كحزبوية الجيش وعقيدته، وانعدام الأطر المقوننة للعلاقات المدنية العسكرية.
واستكمالاً لمخرجات المشروع البحثي الذي أطلقه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عام 2018 حول تحولات المؤسسة العسكرية السورية وتحدي التغيير وإعادة التشكل، يواصل المركز اهتماماته البحثية في هذا المجال في عام 2019، مركِّزاً على أسئلة الواقع الراهن وما تستوجبه من تفكيك عدة إشكاليات بحثية، تتعلق بالبُنية التنظمية وطبيعة التشكل الشبكي الذي تشهده هذه البنية، وقد أطلق المركز مشروعه البحثي الثاني في هذا المضمار حول "المؤسسة العسكرية السورية في عام 2019: طائفية وميليشاوية واستثمارات أجنبية"، وأنجز جملة من المخرجات البحثية والتي نجمعها في هذا الكتيب كما هو مبين أدناه:
واعتمدت هذه المخرجات البحثية على خمسة جلسات تركيز عُقدت مع مجموعة من الضباط المنشقِّين من مختلف الاختصاصات في عدة مدن جنوب تركيا لمناقشة محورين رئيسين، الأول: ماذا بقي من الجيش؟ والثاني: التطييف وآلياته في الجيش. كما تم إجراء عشرات المقابلات الشخصية مع عدة ضباط منشقِّين.
للمزيد عن الكتاب:
النسخة العربية: http://bit.ly/2LvSWum
النسخة الإنكليزية: http://bit.ly/2XiPeGZ
ذهب الباحث بدر ملا رشيد من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية خلال حديثه لموقع السورية نت، بتاريخ 27 حزيران 2019، حول ما تناقله عدد من الناشطين والإعلاميين السوريين عن مساعي "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، المُشكل من حزب الاتحاد الديمقراطيPYD، للانضمام إلى "هيئة التفاوض السورية"، التي نفت بدورها، وجود محادثاتٍ بهذا الشأن، إلى أن هيئة التفاوض "تعيش مرحلة من الجمود"، إذ أنها تعقد اجتماعاتها بفواصل زمنية طويلة " وهو أمرٌ أدى لعدم فاعليتها، عدا عن أنها لم تحقق إنجازٍ فعلي".
وانطق الباحث مما سبق إلى القول، أن انضمام "مسد" أو عدمه "لن يؤثر بشكلٍ كبير على سير المسار التفاوضي، إلا إذا شهدنا تطورات سياسية موازية في مساراتٍ أخرى كمسار أستانة، أو إعادة إحياء جنيف، وحتى خلق مسار حل جديد بالكامل".
أيضاً أشار الملا إلى عدم إمكانية مقارنة انضمام "مسد"، بحالة ضم منصة موسكو لـ"هيئة التفاوض"، كون منصة موسكو، تمثل إطاراً سياسياً "هشاً أو منعدم الفاعلية"، بينما مجلس"مسد"، برأيهِ "يمثل هيكل حكم وسيطرة إدارية وعسكرية ببرنامج سياسي"، مشيراً إلى أن عملية الانضمام، لو تمت "ستكون شائكة أو مبنية بالأساس على توافق إقليمي ودولي كبير ما يعني التجهيز لمرحلة إعلان الحل".
للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2RI048g
اعتبر الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران خلال تصريحه لـ «القدس العربي» بتاريخ 16 حزيران 2019، أن سبب تكثيف الضغوط العسكرية على نقاط المراقبة التركية هو لدفعها للانسحاب من مناطق تمركزها، وإظهار أنقرة بمظهر «الضامن الضعيف»، واستغلال ذلك في حال حدوثه لضرب العلاقة بين الجانب التركي وفصائل المعارضة، فضلاً وهو الأهم تقويض الاتفاق الروسي التركي، الذي يلجم النظام عن شن عملية عسكرية واسعة النطاق في إدلب.
في المقابل، تستثمر روسيا الاستهداف المتكرر من قبل قوات النظام لنقاط المراقبة التركية، حسب رأي الدسوقي، من أجل الضغط على أنقرة ودفعها لإعادة النظر بحساباتها فيما يتعلق بالمعارك الدائرة في ريف حماة الشمالي وملف « اللجنة الدستورية»، فضلاً عن محاولة استثمار هذه الاستفزازات لفتح قناة تواصل مباشرة بين الطرفين بحجة ضرورة التنسيق مستقبلاً للحيلولة دون تكرار مثل هكذا حوادث، ويؤشر الرد التركي لعدم خضوع أنقرة للتهديدات والضغوط واستعدادها للتصعيد عسكرياً إن تطلب الموقف ذلك، ومن المحتمل أن يدفع الرد التركي روسيا إلى إعادة ضبط الصراع ليكون بين الفرقاء المحليين، مخافة الانزلاق إلى مواجهات أكبر أطرافها الضامنين.
للمزيد انقر الرابط التالي: http://bit.ly/2XTGKXB
واجه "النظام السوري" تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية عديدة منذ انقلاب البعث في 1963 وحتى اليوم، مارَسَ خلالها أدوات الالتفاف والاحتواء والقفز إلى الأمام واستثمار الحلفاء وغيرها ليصمد بتعريفه الخاص للصمود، وليُبقي على حاجة محيطه إليه من خلال امتلاكه لملفات أمنية عابرة للحدود. كما وازن علاقاته مع القطبين، السوفيتي والأميركي، خلال السنين السابقة، إضافة إلى بناء شبكة محلية يسيطر فيها على الحزب والدولة والمجتمع. ولكن الزلزال الأخير المتمثل بـ "الانتفاضة الشعبية" في عام 2011 -والتي دفع بها لتُصبح فيما بعد صراعًا إقليميًّا ودوليًّا- كَسَر عُمق التكوين البُنيوي للنظام دون أن يُنهيه، وأبقى على عوامل الاحتقان المجتمعي والجذور السياسية. وبالتالي، فإن بنية وأدوات وشبكات النظام الحالية في 2019 تختلف في الشكل وطبيعة التكوين والسلوك عما قبل 2011 -حيث بات محكومًا بتحالفات وسياق سياسي وأمني وميداني جديد- وخاصة بعد التدخل الروسي في 2015 وعودة كثير من الجغرافيا لسيطرة النظام.
ستقوم هذه الورقة بتحليل مآلات النظام السوري من خلال تقدير مدى قوة النظام العسكرية والسياسية والاقتصادية ومدى استدامتها، ومدى قدرته على الاستمرار في تنمية نفوذه في الميدان السوري من عدمه، ومن ثم تقييم قدرته على التأثير في تسوية مقبلة سواء بقدراته أو بتحالفاته أو ما تقدمه ظروف التسوية نفسها.
لقد تشكَّل مشهد الصراع الإقليمي والدولي في سوريا عبر سلسلة مقاربات دولية جزئية حاولت تجميد الصراع تارة واحتواءه أو تسكينه وتجميده على الوضع الراهن لزمن مطول أو التأقلم مع متغيراته. ومن خلال هذه التدافعات تشكلت مناطق نفوذ أمنية ثلاثة: الأولى: منطقة شرق الفرات، وهي التي تقع تحت حماية الجيش الأميركي (تحت غطاء قوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة)، وتوجد قوات فرنسية وبريطانية مساندة إضافة إلى الشريك المحلي وهي قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب (YPG). الثانية: مناطق درع الفرات (ريف حلب الشمالي) وعفرين وإدلب، والتي يسيطر عليها الجيش التركي، وتخضع لتفاهمات أمنية وإدارة مباشرة في كل من درع الفرات وعفرين)، وإلى نقاط مراقبة تركية واتفاق منطقة منزوعة السلاح خاص لإدلب. الثالثة: باقي المناطق السورية وتخضع لسلطة النظام مع مشاركة إيران في عدة أجزاء (حلب ودرعا وحمص) وروسيا (حميميم وطرطوس ودرعا). ففي حين ركزت المقاربات العسكرية للفاعلين الإقليميين والدوليين على غايات أمنية متباينة ومتعارضة أحيانًا؛ أفرزت تفاعلات هذه المقاربات واقعًا محليًّا جديدًا غير مستقر وشديد التقلب، لكنه منضبط بأطر عامة تتجنب حل جذور الصراع وتتعاطى مع آثاره وتداعياته الأمنية العابرة للحدود، ما حال دون إيجاد أرضية لبيئة آمنة ومحايدة تسهم في الوصول إلى اتفاق سياسي ومن ثمَّ إلى عودة النازحين واللاجئين.
انطلقت السياسة الأميركية من مدخل "محاربة الإرهاب" المتمثل بتنظيم الدولة كأولوية مقابل تغيير النظام أو دعم المعارضة. واعتمدت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على قوات سوريا الديمقراطية عسكريًّا وإداريًّا حتى إعلان نهاية "الخلافة" وبقاء خلايا لتنظيم الدولة، وحينها تركزت السياسة الأميركية الجديدة التي أعلن عنها جيمس جيفري (المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا) على: محاربة تنظيم الدولة وضمان عدم عودته، وإخراج إيران والميليشيات المدعومة من طرفها من سوريا، والدفع بالعملية السياسية حسب قرار مجلس الأمن 2254(1). كما أنها تمضي باتجاه خطوات أكثر تصعيدًا لعرقلة "المشروع الإيراني" (رغم أنه لم يُترجم بعد بخطوات حقيقية) بشكل لا يجر التحالف الدولي للصدام المباشر مع طهران، ولكن هذا لا يعني أن مستويات المواجهة ستبقى مضبوطة بل تحتمل التفجر بمستويات متعددة، خاصة مع الضوء الأخضر الممنوح مسبقًا لـ "إسرائيل" بتوافق روسي وأميركي. كما تصطدم هذه المقاربة بالمحددات الاستراتيجية الأمنية لأنقرة التي ترى في قوات سوريا الديمقراطية غطاء "لشرعنة" حكم ذاتي لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وهو ما استوجب من تركيا عدم تنحية الخيارات العسكرية. ولابد هنا، من رصد تطور التفاهمات الأميركية-التركية وحدودها لما له من تأثير بالغ في المسار الأمني والسياسي القادم.
أما روسيا، فبعد تدخلها في 2015 لإنقاذ النظام وجدت نفسها أمام بنية عسكرية وإدارية هشة في مناطق النظام وتنافس إيراني لا يضمن لها الصدارة كوسيط وفاعل إقليمي في حل النزاعات في مقابل الولايات المتحدة. فحاولت تجزئة المعضلة والعمل على ترتيبات ما قبل الاتفاق السياسي من خلال "تسكين" وتهدئة الجبهات في مسار أستانا مع الاستمرار في تقديم الدعم والتوجيه العسكري لقوات النظام وحلفائه. وتصطدم هذه المقاربة بملف إدلب الذي عجزت فيه، وعملت على تجميد جبهته بالاتفاق الثنائي مع تركيا ومع الدول الضامنة في أستانا، وكذلك باتفاق المنطقة العازلة، في سبتمبر/أيلول 2018. ورغم التصعيد الأخير في إدلب، بداية مايو/أيار 2019، لا يُتوقع حاليًّا فتح معركة واسعة لاسترجاع كامل إدلب بسبب التفاهمات الروسية-التركية ويبدو أن هناك قضمًا تدريجيًّا لجزء من إدلب، على صلة بفتح الطرق التجارية الدولية. كما يرتبط ملف إدلب أيضًا بالتطورات الأمنية التركية في ملف التفاوض مع الولايات المتحدة، بخصوص قوات سوريا الديمقراطية والمنطقة الآمنة شرق سوريا.
وفيما يتعلق بمقاربة إيران، فهي تسعى لـ "حماية المكتسبات وضمان ديمومتها" عبر تدعيم انتشارها في البادية وإبقاء التهديد الأمني للجبهة الجنوبية. كذلك، فإن إيران خففت من حدة ظهورها وأذرعها من خلال الانصهار تحت غطاء مؤسسات أمنية وعسكرية وإدارية وخلق أجهزة ومجموعات كـ"دولة داخل الدولة" بغية "شرعنة" وجودها وحمايتها، وكذلك بناء أذرع محلية سورية تستطيع أن تعطِّل أي حل لا تراه مناسبًا أو تزيد من مكتسباتها السياسية. كما تعمل طهران على تكثيف زخم المقاومة الناعمة لمحاولات موسكو للاستحواذ التام على المشهد العسكري والأمني -حيث تضغط موسكو على حلفائها لتنسيق الدعم وحصره بغرفة حميميم- أو تعمل على استغلال حاجة موسكو للقوة البشرية التي افتقدها النظام وتمتلكها "الميليشيات" الإيرانية واللبنانية والعراقية والأفغانية، فضلًا عن الانخراط -أي انخراط طهران- العضوي ببنية النظام.
وربما تتجلى العلاقة الحذرة بين الطرفين، الروسي والإيراني، من خلال تحليل للتصعيد العسكري الأخير في بداية شهر مايو/أيار 2019 في جنوب إدلب، حيث اعتمد الروس ميدانيًّا على بعض عناصر الفيلق الخامس الموالي لروسيا جنبًا إلى جنب بعض المجموعات الموالية لإيران، نظرًا لافتقار النظام لكتلة عسكرية صلبة. كما "تصطدم مقاربة طهران بمجمل المقاربات الأخرى التي تتفق على ضرورة محاصرتها وتحجيم قواها في سوريا سواء عبر سياسة عقوبات اقتصادية نوعية أو عبر تصنيف حرسها الثوري كقوة إرهابية أو عبر تضافر جهود دول "مؤتمر وارسو" في إنجاز سياسات حصار متعددة الجوانب؛ وهذا كله وإن بدا منضبطًا إلا أنه يحتوي مؤشرات انزلاق لحرب كبرى"(2).
أما تركيا فتتبع سياسة "القفز للأمام" وتجهيز البنية التحتية الأمنية والعسكرية والإدارية، وذلك من خلال تقوية مناطق "خط دفاعها الأمني" (درع الفرات وعفرين) وتدعيم بناها الأمنية بكافة المستلزمات اللوجستية والبرامج التدريبية. كما تهدف أيضًا إلى خلق قوة محلية قادرة على صد أي هجوم لقوى مهددة للأمن العام في تلك المنطقة وللحدود التركية. كذلك، فإن منطقة النفوذ التركية يتم تدعيمها لمواجهة "الإدارة الذاتية" بهدف إعادة تعريف القوة الإدارية المتحكمة في مناطق شمال شرق سوريا وضرب كافة أذرع "حزب العمال الكردستاني"، ورغم أن الصدام المتوقع يبدو محدودًا على الأغلب لكنه مرشح للتوسع والانزلاق بسبب كثرة العوامل الأمنية المهددة، بما فيها تداعيات التصعيد في إدلب. ويطمح النظام إلى استغلال كافة هذه المعادلات لتثبيت سيطرته الأمنية والعسكرية والسياسية على كافة الجغرافيا عبر القضم العسكري تارة والمصالحات "الاستسلامية" تارة أخرى.
أسهمت سياسات الدول الفاعلة في تكريس مناطق النفوذ عبر ترتيبات أمنية جزئية وتأجيل التعاطي مع جذور الأزمة السياسية، ورغم أن هذا أسهم في تهدئة معظم الجبهات القتالية إلا أنه نقل أزمة النظام السياسية إلى تحديات حكومية يعجز عن الوفاء بأقل متطلباتها، ليس فقط بسبب العجز المالي وإنما لعدم امتلاك أدوات الإصلاح الحقيقي بعيدًا عن إجراءات التحكم الأمني المطبق. كما أن عدم قدرة موسكو على تبني استراتيجية خروج سياسية مع استمرارها بتغليب "الحل الصفري" سواء بالمعنى السياسي أو العسكري، عزز احتمالات عودة التصادم ونقله لمستوى إقليمي ودولي بشكل أوضح. وفي ظل مناطق النفوذ المتشكلة؛ فإن عنصر مرور الزمن على اتفاقيات تجميد الصراع وثبات التفاهمات الأمنية لها، يحوِّل الحدود الأمنية رويدًا رويدًا لحدود سياسية ممأسسة لتشكل نظامًا سياسيًّا جديدًا، يكون مدخلًا لبلورة صفقة سياسية يتم إخراجها بصيغة "حل سياسي"(3).
يمكن تحليل أهم تحديات النظام في المرحلة الراهنة من خلال استقراء التغيرات الأمنية والإدارية التي حدثت في المناطق التي عادت لسيطرته، من حيث قدرته على إعادة بناء المؤسسات وخلق الحد الأدنى من البيئة الآمنة والمستقرة. الواضح -حسب تصريحات رأس النظام وعدد من قياداته- أنه غير مهتم بعودة جميع النازحين إلا عبر مصالحات "استسلامية" وبأطر قانونية جديدة وليس بالضرورة إلى مساكنهم الأصلية. كما أن المخصصات المالية لإعادة الإعمار في موازنة 2019 لا تتجاوز 115 مليون دولار، من دون مخصصات مالية لها في الخزينة ابتداء(4). وبالنظر إلى عدد من المناطق التي استعادها، فقد خلق أنماطًا أمنية مؤقتة وأعاد تشكيل شبكاته من خلال طبقة تجار الحرب الجدد والوسطاء في المصالحات، كما أجرى انتخابات للمجالس المحلية صدَّر فيها وجوهًا جديدة وأعاد تصدير حزب البعث. كل هذا لم يأخذ بعين الاعتبار أهمية توليد ديناميات جديدة للتعاضد المجتمعي والمصالحة المجتمعية. وتطمح تكتيكات النظام لما أسماه "برنامج إعادة الإعمار" لعودة تثبيت التحكُّم المركزي بهدف تصدير صورة وهمية عن قدرته على إدارة ملفات ما بعد الحرب، كما يتبع في هذا الصدد سياسات تهدف إلى تعزيز شبكات تحكمه الأمنية والطائفية، وبعيدة عن أي إصلاح حقيقي.
ترتسم معطيات أمنية وعسكرية تتوافق مع التعريف الروسي للحل السياسي (الصفري) وفق معادلة لا يمكن لها أن تولد ديناميات سلام يلتف حولها السوريون من جهة ولا بيئات آمنة (تستلزم إصلاحات عدة) دافعة لعودة السوريين، من جهة ثانية. ويمكن الاستدلال كمثال بحجم الاعتقالات والاغتيالات والإحالات القضائية في مناطق المصالحات، إضافة إلى سياسات التهميش الممنهج لمناطق كانت تخضع سابقًا لقوى معارضة. وترتكز عناصر معادلة الحل وفق منظور النظام وحلفائه الروس على استعادة سيطرة "النظام" على كامل الأراضي السورية، وترحيل القوى المعارضة والثورية، وبالتالي تحويل الاستحقاقات السياسية لتحديات حكومية، عبر المضي قدمًا بأستنة جنيف(5).
وبناء على ذلك، يتضح أن مقاربة نظام الأسد لا تعالج المسائل الدقيقة المتعلقة بشرعية المؤسسات وقدرتها، والتي لا توفر الأمن والعدالة والدمج السياسي للمواطنين، كما أنه يعتبر التعافي الاقتصادي فرصة للإثراء الذاتي ولتكريس التحولات الاجتماعية والديمغرافية التي برزت نتيجة سِنِي الصراع. ويواجه النظام أيضًا معوقات ترتبط بمعايير الاستقرار التي لا يمتلكها، كالبرامج الكريمة لعودة اللاجئين وما تُمليها من استجابة محلية وواقع أمني منضبط؛ وتوافق سياسي وتماسك اجتماعي؛ وإعادة الشرعية وتأهيل الدولة لامتحان إعادة الإعمار. ففي غياب اللحظة السياسية المعترف بها دوليًّا، وفي ظل بنية عالية الهشاشة للجيش السوري وتحكم الروس والإيرانيين بالمشهد العسكري المحلي، فإن النظام سيواجه مشهدًا لا يسمح له بأن يعيد تشكيل نفسه ويحافظ على الاستقرار الأمني والمجتمعي(6).
على الرغم من أن الاهتمام في مرحلة ما بعد النزاع ينبغي أن ينصب على امتلاك شروط الاستقرار الأمني والاجتماعي والحد من مُولدات العنف، إلا أن النظام وهو يعيش حالة "الانتصار"، يخيل إليه أنه ليس بحاجة لإجراءات حقيقية لإعادة الدمج وتفكيك المجموعات المسلحة وإعادة التأهيل، وإنما يحدد أولوياته بما يحافظ على كيانه ويُبقي له السلطة الأمنية الحاكمة. ويرى كذلك أن جهوده ينبغي أن تقتصر على إعادة ترميم وإعادة تشكيل مراكز القوة العسكرية والأمنية وليس عبر إصلاح العقيدة الأمنية ودورها المضخم في الحقل العام وضبط العلاقات المدنية-العسكرية. وبالتالي، فحتى عمليات التسريح وإعادة الدمج والتأهيل ستكون مصممة ليس بما يهدف لاستقرار سوريا دولة ومجتمعًا، وإنما خاضعة لمصلحة "النظام" بالدرجة الأولى، ومتكيفة مع جهود حلفائه بالدرجة الثانية، ومستوعبة للمتغيرات التي طرأت على بنية الجيش بالدرجة الثالثة.
وهنا، يبرز سؤال حول تصور النظام للحل وآلياته لإعادة الضبط والتحكم في الجيش(7)، لاسيما أنه باتت تتحكم وتتنافس في بنيته، أي بنية النظام العسكرية، القوات الروسية والإيرانية، ويضع كل منها شروطًا ويمارس الضغوط. فمثلًا تجد الفيلق الخامس مشروعًا روسيًّا بامتياز غير محصور بمنطقة معينة ويُعنى بضم مجموعات قتالية معارضة في مناطق المصالحات، وكذلك مجموعات تم تهميشها من قبل إيران، مثل الدفاع الوطني. وكذلك يعمل النظام على تقوية شبكات جديدة من رجال الأعمال (الفوز والقاطرجي مثالًا) وشبكات التهريب في مناطق القلمون وريف حمص والتي باتت تملك شبكة تتحكم بالمفاصل الأمنية في البلاد. ويتضح عبر تحليل سياسات النظام حول إعادة ترميم وتشكيل مراكز القوة العسكرية والأمنية، أنه لا توجد مؤشرات تدل على أنه يمتلك برنامجًا حقيقيًّا لـ"الهيكلة وإعادة الدمج"، بل هناك رغبة حذرة ومحدودة في كافة القرارات والتوجيهات الصادرة، ولا تزال تحافظ على الهيكلية القائمة والعقيدة القتالية والممارسات الوحشية والتركيز على هدف حماية النظام بشكل رئيس.
فقد اعتمد النظام بشكل انتقائي على بعض الجماعات دون الأخرى، فسمح لقوات النمر بمساحة وحرية للعمل باستقلالية عنه وبالتنسيق مع الروس، بينما تمت اعتقالات لقيادات بعض الميليشيات الأخرى الأصغر (مثلًا: صقور الصحراء التي يرأسها أيمن جابر تم التضييق عليها، بينما تم ضم كتائب الفضل بن العباس إلى ملاك أي إدارة الفرقة الرابعة بهدف ضمها ككيانات -وليس دمجها- في هيكلية الجيش)، تاركًا بذلك علامة استفهام كبيرة حول مصير الفصائل المتبقية. بالإضافة إلى ذلك، كانت مثل هذه الجهود في بعض الأحيان مقتصرة فقط على تصنيف الجماعات شبه العسكرية كقوى تابعة للجيش العربي السوري. وتقوم سياسات النظام على تجميع الميليشيات وليس دمجها وتشكيل جيش محترف، وهو ما يتقاطع مع ما تدفع إليه روسيا عبر تبنيها سياسة دمج المجموعات "المصالِحة" والمجموعات القوية إلى الفيلق الخامس والسادس. تكشف إجراءات النظام الحالية أنه غير جاد بعملية إعادة هيكلة شاملة لأن ذلك يقوض -حسب مخياله- صورته كمنتصر في هذا الصراع، وإنما يكتفي بإجراءات ضم وتجميع شكلي لبعض المجموعات بالتنسيق مع داعميها أحيانًا. ويبدو أن النظام لا يزال لا يرى ضرورة لتشكيل جيش محترف يتبع للدولة بإطار مدني، وإنما يحتاج إلى جيش يبقى أداة للسيطرة السياسية وحتى الاقتصادية.
كما لا تزال "محدودية القدرة" تفرض نفسها على منهجية إعادة التشكيل لدى النظام، وتجعلها محصورة في أوامر النقل والتعيين والتسريح؛ وهذا ما يوحي بأن التنافس الروسي-الإيراني على ملء مراكز القوة في الجيش (كالفرق المدرعة والاستخبارات الجوية والعسكرية والحرس الجمهوري وهيئة الأركان) هو المؤشر الأبرز لفهم مآلات ومخرجات تلك المنهجية. فمن زاوية مصالح النظام، فإن الاستنزاف يتطلب العديد من البرامج والسياسات المكلفة من حيث المال اللازم لإنجازها ومن حيث الجهود الإدارية والفنية التي لا تزال غائبة بحكم إدراك النظام لحجم الخسائر من جهة، وبحكم أنه ليس المتحكم والمقرر الوحيد في منهجية إعادة التشكيل والهيكلة بسبب وجود الروس والإيرانيين وتباين رؤاهم حول هذا الشأن.
وبهذا المعنى؛ فإن الهدف الأوضح للنظام هو زيادة الاهتمام ببيروقراطية الجيش، وهي المدخل الرئيس لفاعليته وتحكمه داخل الجيش. فتارة يستثمر ذلك في زيادة هوامش حركته، وتارة ثانية يجعل الجيش ورقة استثمار يطرحها ما بين الروس والإيرانيين كالاتفاق المبرم مع وزير الدفاع الايراني لإعادة بناء الجيش السوري(8) وقرار تشكيل الفيلق الخامس ومنح إدارته للجيش الروسي والشركات الأمنية المتعاقدة معه، وتارة ثالثة تُتيح له تدعيم شبكاته الأمنية والعسكرية المتحكمة بمسار مؤسستي الدفاع والأمن كالتعاون مع المخابرات الجوية ومنصب رئيس الأركان. بالمحصلة، يتجه النظام بحكم هذه القيود في مقاربته، نحو شكل هجين بين التصور الروسي والإيراني إضافة إلى تصوره للسيطرة المحكمة.
وفي هذا الصدد، لابد من إدراك حالة موضوعية في واقع مؤسسة الجيش السوري، وهي صعوبة العودة إلى جيش ما قبل 2011، لا من حيث القدرة النوعية ولا التمويلية ولا من حيث التماسك البنيوي، والذي يقوم في أساسه على "تحالف الأقليات" الذي صمَّمه حافظ الأسد(9). ويرى النظام ضرورة مقاومة سياسات التغيير الموضوعية وبالشروط الوطنية لأنها ستُفقده إحكام سيطرته على الجيش وتطويعه في صراعاته المحلية.
من جانب آخر، فإن النظام استمر بفضل تموضعه في ظل واقع عسكري مشرذم منحه صفة الشرعية والسيادة، حيث تكونت ميليشيات سورية تتبع له وأخرى تتبع للروس وثالثة لإيران، وسيطرت على الطرق والمعابر ومسالك التهريب وتحكمت بمناطق إدارية وخطوط الإمداد. أما بعد هدوء الحرب نسبيًّا فسيُواجه سيناريوهات اللامركزية في إدارة وتوجيه مؤسستي الدفاع والأمن. فمن جهة أولى، لا تزال هناك أنماط مغايرة لتلك المؤسسات متحكمة بجزء مهم وحيوي من الجغرافية السورية، ومن جهة ثانية، تفرض متطلبات إدارة التباين الداخلي والميليشيات المتعددة سيرًا إجباريًّا باتجاهات أنماط عدم اللامركزية. وتشير سياسة النظام إلى أنه لن يركز على إنجاز كامل لعمليات الدمج والتفكيك وإعادة التأهيل "للميليشيات"، بل سيقتصر على بعض التسريحات وبعض التسهيلات التنموية المحدودة بهدف خلق "تجمع عصابات" داخل المجتمع. لقد أسهمت هذه المجموعات في فترة الحرب في دعم بقاء النظام وكان يُكافئها بمنحها الغطاء السياسي والقانوني ويشاركها العوائد المالية. أما بعد سكون معظم الجبهات عسكريًّا فسيواجه النظام مشكلة في مشاركته السلطات مع هذه المجموعات، وسيسعى إلى ضم بعضها واحتوائها رغم شح الموارد. وفي نفس الوقت قد يدفع الروس لنموذج "المناطق العسكرية" مما يقيد سلطات النظام مستقبلًا في استخدام بعض القطعات العسكرية لحماية بقائه.
ويمكن توصيف النظام في هذا الصدد بأنه لا يزال لا يرى ضرورة لتغيير جذري ويعتقد أنه لا يزال يمتلك القوة العسكرية ولديه أدوات وتكتيكات لاستعادة السيطرة وفق مفهومه، ويمكن أن يؤجل ويماطل في الحل السياسي ريثما يزيد من قبضته الأمنية والعسكرية، وفي نفس الوقت يستثمر اختلاف الروس والإيرانيين حول هيكلية الجيش المقبلة لتوسيع سلطته.
وبناء على القدرة المحدودة للتشكل واستثماره سياسيًّا، يتجه النظام إلى تبني المنهجية التالية(10):
في النهاية، تُمكِّن هذه المنهجية النظامَ من كسب مزيد من الوقت في مواجهة تحدي إعادة التشكل، وكذلك لاستعادة أنفاسه والمراوغة في تجنب أي تنازلات تؤثر في قبضته وبقائه في السلطة، لأن أي تنازل سيفقده عنصر السيادة والتحكم بمخرجات تلك العملية. فيقوم تارة بإجراءات شكلية في تغيير الوجوه والشخصيات، وتارة بجمع الميليشيات دون دمجهم وتارة بالسماح لبعض المجموعات بهامش معين لتمويلها من ممول خارجي صديق. كل هذه يتم استثمارها بهدف التأثير على شكل الحكم فيما بعد الصراع بشكل يستطيع النظام فيه التحكم بالشبكات غير المرئية والقوة الناعمة التي تُفشل أية محاولة حقيقية للإصلاح.
لا يزال النظام وحلفاؤه يرَون نهاية الصراع في سوريا عبر بوابة "المصالحات"، وليس عبر بوابة الاتفاق الدولي المفروض من مجموع الدول الفاعلة؛ ذلك أن المصالحة تُعيد بناء منظومة الجيش عبر عودة العنصر البشري، ولمن يسمح لهم النظام بالعودة بشروطه، فسكان العشوائيات -مثلًا- لا يحق لهم العودة لأماكن سكناهم لعدم توفر إثبات الملكية، وكذلك من تم تهجيرهم وتدمير منازلهم فهم يخضعون لقوانين جديدة لتنظيم الإسكان والمدن الجديدة.
ويحاول النظام احتواء المخاطر الناجمة عن تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي، من خلال تبني سياسات وإجراءات تتصل بإصلاح مؤسسات الدولة، وإعادة توجيه الإنفاق العام، والدفع بإصلاح القطاع العام الاقتصادي. وقد أسهمت عدة منظمات دولية مؤخرًا بإعداد "الوثيقة التنفيذية لإصلاح القطاع العام الاقتصادي"(11). ومما يُلحَظ غياب الاتفاق بين أجهزة الدولة على تعريف وآلية لتنفيذ الوثيقة، وهذا أحد الأساليب التي يتم لاحقًا التنصل فيها من استحقاق الإصلاح دون أن يتعرض النظام لضغط دولي يهدد كيانه. أضف إلى ذلك أن خطط الإصلاح المفرغة من عنصر الإلزام وتفصيل الآليات والأدوات لا تعالج مشكلة شيوع الفساد والافتقاد للموارد المالية والكوادر البشرية. كما تُظهر المعطيات تملص الحكومة من التزاماتها المتعلقة بتأمين المواد الأساسية المدعومة كالمشتقات النفطية، في ظل بروز مؤشرات على عهد هذه المسؤولية للقطاع الخاص، وما سيترتب على ذلك من آثار سلبية في قطاعات عدة نتيجة لتحرير الأسعار، وإمكانية التلاعب بها من قبل هذا القطاع(12).
إن المشهد السوري بمناطق النفوذ الثلاثة، عدا عن التنافس الروسي-الإيراني في مناطق النظام، يجعل قدرة النظام على إبرام تسوية سياسية مستدامة -في حال توافرت الإرادة لديه- محدودة جدًّا. لكن النظام يعمل حاليًّا على كسب الوقت عبر إعادة هيكلة شكلية للجيش وإطلاق سلسلة من الاجتماعات واللجان للإصلاح الإداري، بهدف استعادة القبضة الأمنية وإعادة تجميع "الميليشيات" بشكل "تجمع ميليشياوي" وليس كجيش محترف. كما أن لدى النظام القدرة على تعطيل الحل الذي يُفرض عليه والتسويف واستثمار خلافات الدول حول التسوية وشكلها. إن هذه السياسات لدى النظام ستُبقي الأزمة في سوريا متأججة وغير مستقرة، وقابلة للاندلاع سواء بشكل العنف أو على الأغلب بصور أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية. فرغم عودة كثير من المناطق عبر "مصالحات" أو عبر الحل العسكري الصفري والتهجير القسري، لا يزال الفشل الحكومي والخدمي والأمني عنوانًا لهذه المناطق.
إن المحاولات لدفع مسار التسوية وفق مخيال النظام لن يوصل البلاد إلى حالة استقرار وسلام مستدام، من دون إصلاح حقيقي ينال الشبكات المتحكمة بالدولة والمجتمع والجيش والأمن. كما أن تمييع المسار الدولي عبر التهرب من تطبيق قرارات مجلس الأمن، وخاصة 2254، أدى إلى إعطاء فرصة للنظام لأن يعيد تشكيل ذاته ضمن نفس المحددات والأساليب غير الدولتية التي عاش بها منذ تأسيسه وواجه فيها تحديات كبرى سياسية واقتصادية عبر استغلال اختلاف الدول الداعمة له.
وحسب المؤشرات الحالية، لا يبدو النظام راغبًا بتسوية أو إعطاء أي تنازلات بدون ضغط وتهديد وجودي حقيقي، وهذا ما لا يتوافر حتى الآن، وبالتالي سيسعى مع حلفائه لتصدير نفسه راعيًا لمصالحات "استسلامية" محلية وعودة "الشرعية"، وأنه المنصة المناسبة لإجراءات إصلاحية تجميلية لا تُغير من حقيقة وشبكات النظام المتحكمة داخليًّا وشبكاتها العابرة للحدود والقادرة على تفريغ أي تفاهم سياسي يتم. يبقى التحدي الأساس الذي قد يغيِّر المعادلة هو التحدي المالي والاقتصادي نتيجة العقوبات وتحديات بناء الدولة والسلام، خاصة مع الصعوبات المالية التي تعاني منها روسيا وإيران والتردد الصيني في الاستثمار غير المضمون، وهذا ما سيُبقي الاحتمالات القادمة لتطور الصراع مفتوحة وغير مستقرة.
المصدر مركز الجزيرة للدراسات: http://bit.ly/2QIlUYK
1-Jeffrey, James, Toward a New U.S. Policy in Syria Ground Zero for Countering Iran and Deterring an Islamic State Revival, The Washington Institute for Near East Policy, July 2018. (accessed 27 May 2019). https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/toward-a-new-u.s.-policy-in-syria-ground-zero-for-countering-iran-and-deter
2- معن طلاع، السياق السياسي للتعافي المبكر في سورية، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أبريل/نيسان 2019، قيد النشر.
3- المرجع السابق.
4- الشرق الأوسط، سوريا: البحث عن إعادة إعمار سياسية، 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، العدد 14606، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019): https://bit.ly/2JRdE7l
5- طلاع، السياق السياسي للتعافي المبكر في سورية.
6- المرجع السابق.
7- معن طلاع، اختبار مدى قدرة النظام على إعادة الهيكلة والدمج، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أبريل/نيسان 2019، قيد النشر.
8- فرانس 24، سوريا وإيران توقعان اتفاقية لإعادة "بناء الجيش السوري"، بتاريخ 27 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019): https://bit.ly/2ooBhZ1
9- طلاع، اختبار مدى قدرة النظام على إعادة الهيكلة والدمج، بتصرف.
10- المرجع السابق، بتصرف.
11- مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، الواقع الحوكمي وإعادة الإعمار في مناطق النظام السوري خلال شهر مارس/آذار 2019، مايو/أيار 2019، (تاريخ الدخول: 27 مايو/أيار 2019). https://bit.ly/2JtjTi8
12- المرجع السابق.
تصدر ملفات أملاك محافظة دمشق، الطاقة والمشتقات النفطية، العمل التشريعي والإدارة المحلية برنامج عمل حكومة النظام السوري خلال شهر نيسان 2019.
قام رئيس الحكومة عماد خميس بجولة ميدانية شملت عدة أمكنة في محافظة دمشق، لتنتهي الجولة باجتماع عقده مع عدد من المعنيين في مجلس محافظة دمشق، تم خلاله إقرار منظومة للارتقاء بعمل القطاعات في المحافظة، ترتكز على تحسين الخدمات والتنمية البشرية والاقتصادية والبنية الاستثمارية، وتطوير واقع النقل والمدارس، وإنجاز المخططات التنظيمية لمناطق برزة والقابون وجوبر ومتابعة العمل بمشروع ماروتا سيتي، وتأمين السكن البديل عن طريق وزارة الأشغال العامة والإسكان، كما تقرر إجراء مراجعة شاملة لأملاك محافظة دمشق وإيقاف جميع مبيعات أملاك المحافظة، كذلك تشكيل فريق عمل لدراسة المشاريع والمباني الاستثمارية غير المكتملة لمعالجتها، ويأتي هذا التوجه في ظل تأكيد رئيس الحكومة خميس بأن دمشق من أغنى المدن في الشرق الأوسط وهي المخولة برفد الخزينة العامة للدولة.
تصدر ملف المشتقات النفطية والطاقة أولويات عمل مجلس الوزراء، حيث استعرض رئيس الحكومة واقع القطاع النفطي وأسباب أزمة المشتقات النفطية، كما أشار إلى دراسة حكومية لتحديد الكميات المخصصة من البنزين والمازوت التي ستقوم الحكومة بدعمها، كذلك نوه إلى انخفاض توليد الطاقة الكهربائية من 4000 ميغا واط في شهر تموز 2018 لتصل إلى 3000 ميغا واط بفعل انخفاض كميات المشتقات النفطية الواردة لمحطات توليد الطاقة الكهربائية.
أقر مجلس الوزراء الوثيقة الوطنية لصياغة التشريعات التي أعدتها اللجنة المشكلة برئاسة وزير العدل، بهدف تنظيم إصدار أي صك تشريعي ليكون وفق أسس وضوابط موحدة وواضحة ومنهجية متطورة بالصياغة والإعداد.
بالانتقال لملف الإدارة المحلية، أقر مجلس الوزراء برنامج العمل والآلية التنفيذية لرؤى ومقترحات الوزارات لتنفيذ التوجيهات التي أطلقها الأسد خلال لقائه رؤساء المجالس المحلية في شهر شباط 2019، حيث تضمنت الوثيقة محورين؛ الأول مجموعة الإجراءات الآنية للتواصل مع المواطنين من مجتمع أهلي وقطاع خاص وغيرهما، إضافة إلى مجموعة من السياسات التي سيتم تبنيها لتكون منهج عمل للمرحلة القادمة، الثاني مجموعة الإجراءات التنفيذية لمقترحات الوزارات وإسقاطاتها على شكل 32 برنامجاً ذا أولوية وموزعة على 6 محاور وفق ارتباطها بالسياسات والإجراءات والغايات الأساسية.
في سياق دعم مجلس الوزراء للوحدات الإدارية، وافق المجلس على منح مبلغ 11.3 مليار ل.س لجميع المحافظات بهدف دعم موازناتها المستقلة وتمكين الوحدات الإدارية من تنفيذ مشاريعها الخدمية والتنموية المتوازنة.
وفي إطار التعاون بين وزارة الإدارة المحلية والبيئة والأمم المتحدة، عقدت الوزارة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (برنامج الموئل)، ورشة عمل تدريبية بعنوان "وضع خطط استجابة الأحياء والتعافي المبكر" لعدد من الوحدات الإدارية في محافظات حلب وحماه وحمص، حيث قدم مدير برنامج الموئل في سورية عرضاً حول خطط البرنامج لدعم البلديات في المجالات الفنية لتطوير خطط الاستجابة والتعافي، واشتمل التدريب على محورين، الجانب الإداري كإعداد مؤشرات التنمية المحلية وإعداد خطة التنمية المحلية الاقتصادية والاجتماعية وتنمية الموارد المالية للوحدات الإدارية، وقانون الإدارة المحلية 107، الجانب الفني والذي تضمن تعريفاً بمشروع دعم المكاتب الفنية في البلديات /MTOS/، وآلية رصد احتياجات المدينة من حيث المكونات والأدوات والطبقات والتطبيقات. كذلك عقد وزير الإدارة المحلية والبيئة مع المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي مراد وهبة والوفد المرافق له التعاون القائم بين الجانبين من خلال اللجنة العليا للإغاثة التي تضم كافة الوزارات المعنية، كما بين الوزير الاحتياجات الأساسية في هذه المرحلة وهي إدارة النفايات الصلبة وتدوير الأنقاض وتأهيل الصرف الصحي والطاقات المتجددة وسبل العيش والمشاريع التنموية والدعم بالمعدات اللازمة.
يتطرق هذا القسم إلى أبرز معطيات قطاعات الاقتصاد السوري، وفق منهجية تقوم على رصد القطاعات الأساسية واستعراض أبرز الأخبار المتداولة، واستخلاص المؤشرات النوعية منها.
واصلت حكومة النظام عقد لقاء "الأربعاء الاستثماري" خلال شهر نيسان، حيث نجم عن اللقاء تكليف عدد من الوزارات والهيئات الحكومية عقد اجتماع مشترك لدراسة مذكرة هيئة الاستثمار السورية المتعلقة بالتفويضات والصلاحيات الممنوحة لممثلي الوزارات لدى الهيئة، لتقديم جميع الخدمات والوثائق والتراخيص اللازمة للمستثمرين، ولفت مدير هيئة الاستثمار مدين دياب بأن المرحلة التالية لانتهاء التفويضات من جميع الوزارات ستكون العمل على تأهيل الشبكة وإنجاز الربط الشبكي مع جميع الوزارات للوصول إلى المرحلة الثالثة، والتي تتضمن حصر الخدمات وأتمتها وفق نظام استثماري واحد في الهيئة وجميع الوزارات المعنية بالاستثمار، بحيث يصبح هناك إضبارة واحدة متكاملة مشتركة للمشروع في الجهات كافة، كذلك أشار مدين دياب إلى افتتاح فرع لهيئة الاستثمار في محافظة حلب، على أن يتم افتتاح فرع آخر في محافظة حمص.
صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على تأسيس 34 شركة في شهر نيسان 2019، عرف منها الشركات التالية بحسب ما هو مرفق بالجدول.
فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين روسيا والنظام السوري، قال وزير النقل السوري بأن عقد استثمار وإدارة وتوسيع وتشغيل مرفأ طرطوس سيوقع مع شركة ستروي ترانس غاز الروسية الخاصة "STG-ENGINEERING"، على أن يستمر عقد الاستثمار للمرفأ لمدة 49 عاماً بحسب بنود الاتفاق الذي كشفه موقع قناة تلفزيون سوريا، كما أشار نص الاتفاق المسرب إلى تقاسم الأرباح بين الطرفين بنسبة 35% للجانب السوري، و65% للجانب الروسي، إضافة إلى التزام الجانب الروسي المشغل للمرفأ بتوظيف ما نسبته 85% من العمالة في المرفأ من السوريين.
عقد في شهر نيسان عدة فعاليات ولقاءات بين رجال الأعمال الروس والسوريين، حيث شاركت 15 شركة سورية من أصل 1.700 شركة عربية في معرض "أرابيا اكسبو 2019" الذي أقيم في موسكو، كما زار وفد مكون من 28 شخصية ورجل أعمال ومسؤول حكومي سوري شبه جزيرة القرم للمشاركة في "مؤتمر يالطا الخامس الاقتصادي الدولي"، وفي السياق نفسه، زار وفد من "جمهورية القرم الروسية" محافظة اللاذقية بهدف التعرف على مجالات التعاون الممكنة ولا سيما في مجال تأهيل الكوادر والبحث العلمي وخاصة في القطاع الزراعي، كما اشتملت زيارة الوفد الروسي على عدة مواقع سياحية في المحافظة منها؛ كسب والسمرا وبحيرة سد بللوران ومحمية العزر.
بالانتقال إلى العلاقات الاقتصادية بين إيران والنظام السوري، صادقت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء على مذكرة التفاهم للتعاون في مجال الأشغال العامة والإسكان الموقعة مع وزارة الطرق وبناء المدن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق بتاريخ 28-01-2019، وفي إطار الزيارات واللقاءات المتبادلة، بحث وزير الصناعة محمد جذبة مع السفير الإيراني بدمشق جواد ترك آبادي آليات تطوير التعاون المشترك بين البلدين في مجال الصناعة، حيث أشار السفير الإيراني إلى أن الشركات الإيرانية ستعمل ضمن الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في مجالات كثيرة ومنها إعادة تأهيل الشركات الصناعية العامة، بالمقابل أكد وزير الصناعة على ضرورة وضع برنامج زمني للانطلاق وتطبيق الخطوات المتفق عليها بين الجانبين، خصوصاً في مجال تصنيع الأدوية النوعية بالتعاون مع شركة "تاميكو"، ومعمل الألبان والأجبان في القنيطرة ومعمل العصائر في اللاذقية.
كذلك وفي السياق نفسه، قام وفد من رجال الأعمال السوريين برئاسة سامر الدبس رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها بزيارة إلى إيران، حيث التقوا مع عدد من المسؤولين الإيرانيين عرف منهم؛ رئيس لجنة تنمية العلاقات الاقتصادية السورية الإيرانية العراقية دانئي فر، ومعاون وزير الاقتصاد والمالية الإيراني مدير عام الجمارك الدكتور مير أشرفي، ومساعدة الرئيس الإيراني رئيسة منظمة المعايير القياسية نيره بيروز بخت، ومعاون وزير الصناعة الإيراني فرشاد مقيمي، هذا وقد تطرقت المباحثات بين الجانبين السوري والإيراني إلى كيفية تسهيل انسياب حركة البضائع بين الجانبين.
في سياق الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الموقعة بين الجانبين، أشار معاون مدير عام الشركة العامة لصوامع الحبوب حسن المصري بعدم تواجد أي عقود مبرمة حالياً مع الجانب الإيراني لتأهيل الصوامع، كاشفاً عن مقترح تم إعداده قبل عام لإعادة تأهيل صومعة اللاذقية من قبل الجانب الإيراني وذلك عن طريق الخط الائتماني الإيراني، ولكن التوجه الحكومي جاء بالتريث، كذلك افتتح وزير الصناعة السوري في مقر الشركة العربية السورية للصناعات الإلكترونية "سيرونيكس" خط تجميع الشاشات وأجهزة الإرسال الرقمية بطاقة إنتاجية تصل إلى 40 جهازاً يومياً، هذا ويذكر بأن شركة سيرونيكس قد وقعت مذكرة تفاهم مع شركة "شهاب" الإيرانية للصناعات الالكترونية تقضي بالتعاون لتوريد مكونات الشاشات التلفزيونية لتصنيعها لدى "سيرونيكس" والاستفادة عبر خط التسهيلات الائتماني الإيراني الثاني.
شارك عدد من الشركات الإيرانية في معرض "سيريا هيلث 2019" الذي أقيم على أرض مدينة المعارض بدمشق، والذي نظمته شركة فقيه غروب بمشاركة نحو 90 شركة محلية وعربية، وقد عرف من الشركات الإيرانية؛ شركة "إحيا ديرمان" الإيرانية التي تعمل في مجال المنافس وأجهزة التخدير وأجهزة الطبقي المحوري وهي تغطي أكثر من 80% من احتياجات السوق الإيراني، كذلك شركة "زردبند" الإيرانية. وفي السياق نفسه، شاركت عدة شركات إيرانية في معرض حلب الدولي بنسخته الثانية، الذي أقيم في المدينة الرياضية بالحمدانية بمشاركة ما يقارب 500 شركة من مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية، هذا وقد عرف من الشركات الإيرانية المشاركة في المعرض؛ Pirouz STO، بارزكاني شهيدي "شهيدي للتجارة"، شركة أبان بسبار توسعة، شركة فرشاد للتجارة، شركة Saf Noosh، سبلان سوله کاران، Nik polymer، السفارة الإيرانية، شركة الأنظمة للحلول الذكية التي تساهم فيها شركة "رايان كستر إيرانيان توانا" الإيرانية، إضافة للمستثمرين السورين بشان عون ومضر عباس، مركز الثقلين الخيري، Palaz Moket، حلويات سوهان الإيرانية.
فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين حكومة النظام السوري والدول الصديقة، بحث وزير النقل السوري علي حمود مع السفير الصيني بدمشق فنغ_بياو سبل التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، حيث أكد الوزير على ضرورة تشجيع وتحفيز الشركات ورجال الأعمال والمستثمرين الصينيين لدراسة مشاريع "النقل "في سورية ومنها؛ إنشاء مدينة صناعات بحرية في موقع عرب الملك بين طرطوس واللاذقية، مشروع تنفيذ طرق_ دولية (شمال -جنوب) وطريق (شرق-غرب)، مشروع قطار الضواحي الذي يربط مدينة دمشق بالمناطق المحيطة بها، من جانبه قدم السفير الصيني رؤية للاستثمارات الممكنة في قطاعات النقل وضرورة زيادة التبادل التجاري مع الصين، ومشاركتها في إعادة الإعمار في سورية. وعن العلاقات الاقتصادية البينية بين حكومة النظام السوري والعراق، عقدت الدورة التاسعة للجنة الوزارية السورية العراقية المشتركة في دمشق، حيث تم في نهاية انعقاد اللجنة التوقيع على محضر الاجتماعات الذي شمل مختلف قطاعات التعاون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة والصحة والسياحة والمجالات الأخرى، ويأتي انعقاد هذه اللجنة عقب مضي ثماني سنوات على انعقاد الدورة الثامنة في عام 2011، هذا وقد أشار مدير عام الشركة العامة للسكك الحديد العراقية طالب الحسيني في بيان صدر على هامش اجتماع اللجنة المشتركة بين العراق وسورية، إلى التنسيق مع الجانبين السوري والإيراني لبحث إمكانية تنفيذ الربط السككي بين البلدان الثلاثة (عكاشات -التنفس- خنيفيس)، استكمالاً لما تم الاتفاق عليه خلال الاجتماع الثنائي المنعقد بتاريخ الخامس من تموز عام 2014.
تظهر المعطيات الاقتصادية ازدياد اعتماد النظام على الريع لتوليد الموارد المالية ورفد الخزينة العامة للدولة، ويأتي هذا الاعتماد في ظل حاجة النظام الماسة للموارد المالية المولدة بسرعة ودون كلف لتغطية التزاماته، سيما في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وتزايد مطالب قاعدته الموالية، وتشديد العقوبات الغربية والأمريكية عليه، فضلاً عن تأثير تحالف رجال الأعمال وأمراء الحرب المفضلين للعمل في القطاعات الريعية المدرة للربح السريع (العقار، التجارة) على أجندة الحكومة الاقتصادية، ويظهر الاعتماد الحكومي على الريع بشكل جلي في طريقة عمل حكومة النظام، حيث عملت على إعداد البيئة القانونية التي تمكنها من التحكم بالقطاع العقاري ومن أبرز هذه القوانين القانون رقم 10، كذلك قامت بإعادة النظر ببدلات استثمار أملاك الدولة، وفي هذا السياق يمكن فهم تعويل رئيس الحكومة عماد خميس على أملاك محافظة دمشق لرفد الخزينة العامة للدولة والاستعجال في إخضاع مناطق جديدة للتنظيم وفق القانون رقم 10 كــ جوبر والقابون، إضافة إلى عرض المنشآت الحيوية كالمرافئ والمطارات والموارد المعدنية والبترولية للاستثمار من قبل شركات أجنبية تتبع لحليفيه روسيا وإيران، كما حصل في منح شركات روسية حق استثمار مرفأ طرطوس وقبلها استثمار مناجم الفوسفات، وما يشاع عن منحها أيضاً عقد استثمار مطار دمشق الدولي.
أظهرت أزمة المشتقات النفطية هشاشة النظام الاقتصادية، وضعف قدرته على تأمين الاحتياجات الأساسية للسكان المتواجدين في منطقة سيطرته، فضلاً عن ضيق خياراته خارج الاعتماد على حلفائه، وقد طالت أزمة المشتقات النفطية وللمرة الأولى الحكومة بوزاراتها ومؤسساتها وهيئاتها، واضطرتها إلى خفض احتياجاتها من المشتقات النفطية للنصف، الأمر الذي يعتبر مؤشراً على حجم الأزمة وشدتها، وترجع مصادر خاصة أزمة المشتقات النفطية بأحد أسبابها الرئيسية إلى ضغوط تمارسها إيران على النظام لدفعه للاستجابة إلى مطالب عدة قبيل إعادة تفعيل الخط الائتماني؛ 1) الحصول على حق استثمار وإدارة مرفأ اللاذقية، حيث أشارت صحيفة الجريدة إلى توقيع اتفاق إدارة واستثمار المرفأ بالأحرف الأولى بين الجانبين السوري و الإيراني، على أن تتولى وزارتي النقل والاقتصاد الإيرانيتين إدارة هذا الملف عوضاً عن الحرس الثوري المستهدف بالعقوبات الأمريكية، 2) إتاحة السوق السورية أمام البضائع الإيرانية وما يستلزمه ذلك من رفع الحواجز الجمركية ومنح تسهيلات بيروقراطية، فضلاً عن محاربة البضائع التركية المهربة المنافسة للبضائع الإيرانية، وهو ما يفسر الحملة التي شنتها إدارة الجمارك على البضائع التركية المهربة في الفترة الأخيرة، 3) التوقف عن بيع النفط الإيراني للشعب السوري بالسعر المدعوم، بالوقت الذي تعاني فيه الحكومة الإيرانية من ضغوط اقتصادية ومطالب شعبية، وفي هذا السياق ظهرت مؤشرات على تملص الحكومة بشكل تدريجي من دعم المحروقات عبر تحديد كميات المشتقات النفطية التي سيشملها الدعم الحكومي، على أن يتم بيع الكميات الأخرى خارج هذه الشرائح بحسب السعر العالمي.
تظهر المؤشرات مساعي النظام الرامية إلى تعزيز احتياطاته المالية من القطع الأجنبي، من خلال رفع المصارف الحكومية العامة معدلات الفائدة على الودائع بالقطع الأجنبي، وتسهيل عملية فتح الحسابات وقبول الودائع بالقطع الأجنبي في هذه المصارف، وإمكانية سحب مستحقاتها من الفوائد بالعملة نفسها. ويرتبط هذا مع التوجه الذي قام به المصرف المركزي مؤخراً، بقبوله توظيف ما يفيض عن حاجة المصارف العاملة في سورية من ودائع المتعاملين بالقطع الأجنبي لاستثماره لديه إلى جانب شهادات الإيداع شريطة أن تبدأ الوديعة بمليون دولار أمريكي أو يورو، والتي تفسر في أحد جوانبها كإجراء تقوم به الحكومة لجذب أموال السوريين من الخارج.
وفي جانب أخر وفي سبيل تعزيز السيولة المالية للمصارف الحكومية بالليرة السورية، تقوم هذه المصارف بالعمل على معالجة ملفات القروض المتعثرة، من خلال تحسين عمليات الجدولة والتسوية مما أسهم في رفع مستوى التحصيل لديها، إلى جانب قيامها كذلك بإصدار شهادات الإيداع بالليرة السورية لتعزيز هذه السيولة، وعلى الرغم مما تحقق من فوائض في السيولة المالية لدى المصارف الحكومية والخاصة بحسب البيانات الحكومية (قدرت بــ 1500 مليار ل. س في نهاية 2018)، إلا أن المصارف لم تتمكن من استثمار هذه الفوائض وتوظيفها، لأسباب ترتبط بالانخفاض الحاد في مستوى الإقراض لديها، وعزوف نسبة كبيرة من الصناعيين والتجار وغيرهم من الفئات الأخرى عن الاقتراض بسبب غياب البيئة الآمنة للاستثمار، فضلاً عن التعقيدات البيروقراطية وإجراءات منح القروض بعد ارتفاع نسبة القروض المتعثرة في السنوات الأخيرة.
شهد سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار تراجعاً ملحوظاً في شهر نيسان، حيث تخطى سعر الصرف حاجز 550 ل.س في السوق السوداء لأول مرة منذ نيسان2017، وقد عزا خبراء هذا الانخفاض إلى المضاربات على الليرة السورية، فضلاً عن زيادة الطلب على الدولار من أجل تمويل عمليات استيراد الاحتياجات الأساسية سيما المشتقات النفطية، إضافة إلى تراجع الحوالات المالية من الخارج عقب استعادة النظام السيطرة على مناطق المعارضة في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي والجنوب السوري، يضاف لما سبق المخاوف الناجمة عن الوضع الأمني والعقوبات المفروضة على النظام السوري، وقد أدى انخفاض سعر صرف الليرة إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية، فضلاً عن الحد من القدرة الشرائية للسكان.
أصدر النظام القانون رقم 11 القاضي بإحداث مؤسسة عامة ذات طابع اقتصادي تسمى المؤسسة العامة لتجارة وتخزين وتصنيع الحبوب (السورية للحبوب) ومقرها مدينة الحسكة، ولا يمكن اعتبار هذه الخطوة مؤشراً على قبول النظام باللامركزية، أو تقديم تنازلات للإدارة الذاتية الديمقراطية، بقدر ما يعبر عن توجه النظام للضغط على الهياكل الحوكمية للإدارة الذاتية، وتعزيز وضعه السيادي في المنطقة الشرقية، كذلك كسر احتكار الإدارة الذاتية لإدارة ملف القمح في المنطقة الشرقية، وذلك من خلال تقديم تسهيلات بيروقراطية للفلاحين لتسويق محصولهم من القمح، ومنحهم سعر شراء أعلى مما توفره الإدارة الذاتية، وسبق للنظام أن مارس هذا الأسلوب ضد مناطق سيطرة المعارضة في الجنوب والوسط، ولا يبالي النظام بالاعتبارات الاقتصادية الناجمة عن رفع سعر القمح من حيث استنزاف الموارد المالية لديه، وزيادة مستويات الدين الداخلي، إذ أنه معني أكثر بالاعتبارات السياسية ومسعاه للضغط على نموذج الإدارة الذاتية في الحكم.
عكست نتائج اجتماع أستانة الأخير بتاريخ 25-26 نسيان/أبريل؛ استمرار حالة ما اعتُبر "جموداً سياسياً" اعترى الملف السوري منذ أمدٍ ليس بقصير، وتجلى في تعثر إعلان اللجنة الدستورية التي تعتبر الخطوة الأولى "باتجاه الحل السياسي" وهدوء نسبي على مستوى الأعمال العسكرية مع انحسار فصائل المعارضة إلى جيب صغير في الشمال وإعلان نهاية تنظيم الدولة، لتعود الديناميكية العسكرية في الملف السوري مجدداً عقب أيام من انتهاء اجتماع أستانة 12، مع الحملة الروسية على ريفي إدلب وحماه، وذلك بالتزامن مع عملية محدودة نفذها "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا شمال حلب ضد "وحدات حماية الشعب " التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD"" والعمود الفقري لـ"قوات سورية الديمقراطية".
ويبدو أن تلك الديناميكية العسكرية ما هي إلا انعكاس لديناميكية سياسية محمومة تدور منذ المرحلة الأخيرة من الحرب على تنظيم الدولة، وتتجلى في محاولة الأطراف الدولية والإقليمية المنخرطة في الملف السوري إعادة ترتيب أوراقها وصولاً إلى تفاهمات جديدة تحدد مصالح كل طرف من الأطراف بشكل يفضي إلى رسم ملامح الحل السياسي في سورية.
وتتوزع مصالح الأطراف على الجغرافيا السورية؛ بشكل قسّم الخارطة السورية إلى مناطق ساكنة ظاهرياً ولكنها، تحمل إمكانات الانفجار في أي وقت تبعاً لقدرة اللاعبين في كل منطقة على الوصول إلى تفاهمات، وتلك المناطق هي: الجنوب السوري والشمال الغربي، إضافة إلى ما تبقى من غرب الفرات بيد "قوات سورية الديمقراطية" وشرقي الفرات، مقابل مناطق سيطرة النظام السوري في الساحل ودمشق، بما فيها مؤسسات النظام وما يدور في تلك المنطقة من صراعات خفية وأزمات اقتصادية متلاحقة. وعليه تسعى هذه الورقة التحليلية إلى تفكيك المشهد السوري المعقّد، تبعاً لمناطق النفوذ ولاعبيها الإقليميين والدوليين، وصولاً إلى رسم ملامح التفاهمات الجديدة واستشراف ما قد تؤدي إليه من آثار على شكل الحل السياسي المرتقب.
شكّل تعثر مسار أستانة بجولته الثانية عشر في إعلان تشكيل اللجنة الدستورية، وإحالتها إلى جنيف؛ فشلاً في المسعى الروسي لقطف ثمار ما أحرزته موسكو من تقدم عسكري نتيجة لهذا المسار، وتحويله إلى بديل عن مسار جنيف الأممي لإنتاج حل سياسي استراتيجي في سورية.
ويضاف إلى هذا الفشل الناجم عن رفض أمريكي-أوروبي لتفرد موسكو في إنتاج الحل السياسي في سورية؛ فشل آخر يتعلق بإحباط أمريكي لجهود موسكو في عملية إعادة تعويم الأسد وتنشيط ملف عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، في حين يستمر الهدف التكتيكي لمسار أستانة من خلال القصف الروسي ومحاولات التوغل البري في أرياف إدلب وحماه وحلب، وذلك لقضم مساحات جديدة من آخر مناطق سيطرة المعارضة والهيمنة على الطرق الدولية M4- M5، وهو جزء من اتفاق سوتشي لم تنفذه تركيا([1])، وبذلك يكون مؤتمر أستانة قد أتم المطلوب منه عسكرياً وفق بوصلة روسية وإيرانية باتجاه استعادة مناطق سيطرة المعارضة، وإعادة ضبط الحدود واستكمال عمليات نزع السلاح الثقيل والمتوسط من أيدي المعارضة المسلّحة وتحييد الجيوب المصنفة "إرهابية" وفتح وتنشيط شبكة الطرقات الدولية. الأمر الذي يشير إلى بداية انفراط عقد التحالف الثلاثي (روسيا، تركيا، إيران) بعد أن أنجز لأطرافه الثلاثة الأهداف العسكرية المشتركة. حيث بدأت خلافات ثلاثي أستانة بالظهور للعلن على عدة مستويات، خاصةً بين إيران وروسيا من ناحية، وبين موسكو وأنقرة من ناحية أخرى، إذ يبدو أن التنافس بدأ لتثبيت المكاسب على الأرض عبر تحالفات جديدة.
أحرز تحالف "الضرورة" بين موسكو وطهران إنجازات هامة بالنسبة لهدف الطرفين المشترك في الحفاظ على بقاء بشار الأسد؛ إلا أن تراجع المعارضة المسلحة إلى جيب ضيق في الشمال وانحسار الأعمال العسكرية سرعان ما ظهّرَ الخلافات الاستراتيجية بين الطرفين، والمتعلقة برغبة كل طرف بالتحكم بالملف السوري وهندسة الحل السياسي، ويمكن إجمال الخلاف الاستراتيجي بين روسيا وإيران في عاملين ([2]):
بالإضافة إلى العاملين السابقين، أخذت أبعاد الصراع الاستراتيجي الروسي الإيراني تتجلى في عدة ملفات أساسية منها ملف إعادة الإعمار وقطاعات الاقتصاد السوري الحيوية، إضافة إلى ملف إعادة هيكلة الجيش السوري والتحكم به، وفي إطار هذا التنافس تتوجه موسكو للاستفادة من المناخ الإقليمي والدولي (إسرائيل، الخليج، الولايات المتحدة) المتخوف من الوجود الإيراني في سورية، ومقايضة ورقة إيران بورقة بقاء الأسد وتعويمه وتمويل عملية إعادة الإعمار. وهذا ما بدا واضحاً في صمت موسكو عن الضربات الجوية الإسرائيلية للمواقع الإيرانية في سورية، ومحاولة إدخال إسرائيل على خط الحل السياسي للأزمة السورية بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو، والتي تزامنت مع زيارة بشار الأسد إلى طهران ([3]). الأمر الذي قد يشير إلى أن موسكو اختارت التضحية بحليفها التكتيكي (طهران) لصالح حلفاء جدد يساهمون بتحقيق أهدفها الاستراتيجية في سورية (إسرائيل، الولايات المتحدة، محور مصر السعودية الإمارات). بالمقابل، لا يغيب هذا التحرك الروسي عن ذهن القيادة الإيرانية، والتي ردت بالاجتماع الثلاثي في دمشق ([4])، والذي جمع رئيس أركانها مع نظيريه السوري والعراقي واستثنى الجانب الروسي من هذا الاجتماع، مما يشير إلى أن إيران تسعى إلى تدعيم تحالفاتها بعيداً عن موسكو بالاعتماد على العراق وسورية ولبنان، وذلك استعداداً لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ومحاولات إضعاف وجودها في سورية.
تعتبر تركيا بحكم موقعها كقوة إقليمية على الحدود السورية؛ المتضرر الأكبر من تدخل إيران المباشر ومن ثم موسكو في سورية، حيث أضعف هذا التدخل الدور التركي وساهم بانحساره إلى حماية الأمن القومي التركي من تنظيم "داعش" وميليشيات "PYD" المدعومة من الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار انخرطت أنقرة اضطرارياً مع طهران وموسكو في مسار أستانة بالرغم من الخلافات العميقة في رؤى الأطراف الثلاث الاستراتيجية لمستقبل سورية. وعليه فقد كان تعاطيها مع الشريكين الروسي والإيراني ذو طابع تكتيكي تحكمه مقتضيات حماية الأمن القومي؛ فهي تتقارب تارةً مع موسكو على حساب طهران كما حدث إبان اتفاق حلب، وتارةً أخرى مع طهران على حساب موسكو كما حدث حيال الموقف الإيراني الحيادي من معركة إدلب، والذي تجلى بإبعادها عن اتفاق سوتشي.
وتعاني تركيا في موقفها من الأطراف المنخرطة في الملف السوري من معضلة حقيقية تكمن في وجود ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" الفرع السوري لـ PKK على حدودها، واستغلال هذا الوجود من قبل أطراف متعددة كورقة للضغط عليها؛ فمن ناحية تحاول إيران دعم وجود ميليشيات PKK على الحدود التركية مع سورية والعراق بهدف عزل الدور التركي في البلدين، كما تحاول موسكو استغلال وجود ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي "PYD" في مثلث (تل رفعت، عين دقنة، مارع) لفرض تفاهمات جغرافية جديدة مع تركيا حول مناطق سيطرة المعارضة، وكذلك الأمر بالنسبة للولايات المتحدة وشركائها في التحالف الدولي وعلى رأسهم فرنسا، والذين يحاولون الضغط على تركيا باستخدام الورقة "الكردية" لتحجيم الدور التركي وتطويعه في خدمة رؤيتهم للحل في سورية.
وفي ظل هذا المناخ المتوتر بين الأطراف الثلاثة والضغط الأمريكي على إيران والتقارب الإسرائيلي الروسي فيما يخص تحجيم الوجود الإيراني في سورية، يبدو أن محاولات أنقرة لمسك العصا من المنتصف مع جميع الأطراف لن تفلح، وعليها أن تختار بين الأطراف الثلاثة، ومن المرجح أن أنقرة رغم مواقفها المتشددة مع الولايات المتحدة حول التزامها بصفقة S400 مع موسكو، ومحاولاتها لتمديد إعفائها من العقوبات على النفط الإيراني؛ إلا أنها ستحسم موقفها إلى جانب الولايات المتحدة في سورية على الأقل، وهو ما قد يشير إليه التقدم الحاصل بين الطرفين على مستوى المنطقة الآمنة شرق الفرات.
تعتبر منطقة شرق الفرات النقطة التي تجتمع فيها خيوط اللعبة في سورية، وهي بذلك تشكل هدفاً لكافة الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الملف السوري؛ نظراً لمساحتها التي تشكل ثلث سورية وغناها بالثروات الباطنية والغلال الزراعية، إضافة إلى موقعها المجاور لتركيا والعراق. تلك الامتيازات دفعت العديد من الأطراف لمحاولة ملء الفراغ الأمريكي بعد إعلان الرئيس ترامب نيته بالانسحاب من سورية، وتنقسم تلك الأطراف إلى أربعة معسكرات:
ولكل طرف من الأطراف الأربعة تصوراته الخاصة لمستقبل تلك المنطقة، كما له أدواته للتصعيد فيها؛ فبالنسبة لفرنسا وحلفائها يشكل الوجود الأمريكي ولو بشكل رمزي غطاءً لها للبقاء في المنطقة، وقد نجحت ضغوطها على الإدارة الأمريكية بحرف القرار الأمريكي نحو تخفيض عدد الجنود بدل الانسحاب الكامل. أما بالنسبة لموسكو والنظام فيحاولان الضغط باتجاه سحب كامل للقوات الأمريكية وتسليم المنطقة للنظام، وفي هذا الإطار تقدمت موسكو باقتراح تفعيل اتفاق أضنة مع تركيا لتهدئة مخاوفها، والتفاوض مع النظام بالنسبة لـ "قسد" لتسوية وضعها في ظل عودة النظام إلى المنطقة. في حين لا تثق أنقرة بكل تلك الأطراف وتعتبر أن المنطقة الآمنة هي الوسيلة الوحيدة لضبط حدودها وحمايتها، مما جعل العلاقات التركية متوترة مع واشنطن وحلفاء الناتو، إضافة إلى موسكو التي ترفض المنطقة الآمنة التركية وتريد استبدالها باتفاق أضنة.
وبالرغم من الهدوء النسبي الذي يعيشه شرق الفرات؛ إلا أن أطراف عديدة تقف متربصة بقواتها على حدوده، فمن ناحية هناك القوات الروسية والنظام السوري، والمليشيات الإيرانية في سورية والحشد الشعبي على الحدود العراقية السورية، كما توجد المصالح (السعودية الإماراتية) الممثلة بالوجود العسكري الفرنسي، إضافة إلى الحشود التركية على طول الحدود مع سورية.
وهنا تقع الولايات المتحدة في معضلة إيجاد حل يوازن بين مصالح حلفائها ويحمي مليشيات "PYD" من مواجهة مع تركيا. ويبدو أن الخيار قد حسم باتجاه تشكيل منطقة آمنة، والتي طال التفاوض حولها بالرغم من التفاهم على خطوطها العريضة؛ فمن حيث امتدادها يبدو أن الجانب التركي استطاع فرض تصوره بأن تكون المنطقة الآمنة بطول 460 كيلومتراً على طول الحدود التركية السورية، وستضم مدناً وبلدات من 3 محافظات سورية، هي: حلب والرقة والحسكة([5])، أما من خلال العمق فلايزال الموضوع محل تفاوض، إذ تريدها تركيا بعمق 32 كم في حين تحاول الولايات المتحدة تضييقها، كما يتفاوض الطرفان على آلية الانتشار المشترك التركي الأمريكي وطبيعة القوات التي ستنشرها تركيا في المنطقة، خصوصاً بعد رفض بريطانيا وفرنسا مقترحاً أمريكياً لنشر قواتهما كفاصل بين "قسد" والجيش التركي. ويجري الحديث عن ثلاثة احتمالات للقوات التي ستنشر في المنطقة ([6]):
وبغض النظر عن الطرف المحلي الذي سينتشر في المنطقة الآمنة؛ فإن تطبيق تلك المنطقة يبدو أنه بات أمراً واقعاً، وهذا يعني بشكل أو بآخر نهاية الإدارة الذاتية وحلم فيدرالية شرق سورية، الأمر الذي بدأت تظهر مؤشراته من خلال حل الإدارة الذاتية لهيئاتها السيادية الأبرز ([7]) (هيئة الدفاع والحماية الذاتية، هيئة الخارجية)، إضافة إلى الوساطة الفرنسية للمصالحة بين الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي المقرب من تركيا ([8]).
كما أن إقامة المنطقة الآمنة خاليةً من مليشيات "PYD" يعني أن تلك القوات إما سيتم حلها، أو ستنسحب باتجاه العمق السوري خارج المنطقة الأمنة، في مدن الحسكة و الرقة وريف دير الزور، وبذلك ستزداد حدة التوترات مع النظام المسيطر على الحسكة من ناحية ومع العشائر العربية الرافضة للهيمنة "الكردية" على مناطقها من ناحية أخرى، وهذا ما سيدفع إلى مزيد من التوتر في المنطقة؛ إلا في حال كانت التفاهمات الأمريكية التركية تتجاوز المنطقة الآمنة إلى كامل مناطق سيطرة "قسد"، بشكل يحقق استبدال عناصر "قسد" التابعين لوحدات "حماية الشعب" بعناصر عربية، وهو ما لم يتم الحديث حوله حتى الآن. إضافة لذلك فإن التوافق حول المنطقة الآمنة في شرق الفرات سيساهم بحلحلة الخلافات التركية الناتوية وتشكيل شريط ناتوي ضخم على طول الحدود التركية السورية، يشمل مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات، ومثل هذا التقارب الناتوي لن يكون في صالح روسيا أو إيران، اللتان ترفضان فكرة المنطقة الآمنة، مما سيزيد من نطاق الخلاف مع تركيا.
يشهد جنوب سورية بمحافظاته الثلاث (درعا، القنيطرة، السويداء) حالة من الفوضى الأمنية المتمثلة بعمليات قتل وخطف وسرقات واغتيالات في ظل ظروف معيشية صعبة للأهالي وعجز قوات النظام عن ضبط الأمن وانتشار السلاح.
وبالرغم من أن الجنوب السوري يعيش ذات الظروف العامة؛ إلا أن الأحداث في محافظة درعا تحمل دلالات سياسية وأمنية خاصة. فمنذ عقد اتفاق المصالحة في يوليو/ تموز 2018 لم يفي النظام بوعوده على المستوى المحلي بالنسبة للأهالي والفصائل والمجالس المحلية التي وافقت على المصالحة، كما أن موسكو لم تفلح بتنفيذ تعهداتها للدول الإقليمية (الأردن، إسرائيل) بعدم تغلغل إيران ومليشياتها إلى حدود البلدين. فعلى المستوى المحلي تعيش درعا وريفها ظروفاً معيشية صعبة تتمثل بندرة المواد الأساسية وتعطل الطرق والمرافق العامة وتدهور الخدمات، إضافة إلى الفلتان الأمني الناجم عن صراع بين أجهزة النظام الأمنية وفرقه العسكرية، مما خلق حالة احتقان شعبي، خصوصاً في ظل تلكأ النظام بتنفيذ بنود اتفاق المصالحة المتعلقة بإطلاق سراح المعتقلين ورفع المطالبات الأمنية، وعودة الموظفين إلى وظائفهم وانسحاب الجيش والحواجز الأمنية خارج المدن والبلدات.
أما على المستوى الإقليمي فقد فشلت موسكو في منع تغلغل العناصر التابعة لإيران في درعا والقنيطرة ووصولها إلى نقاط قريبة من الحدود الإسرائيلية. حيث لجأت إيران لدمج ميليشياتها بالقطعات العسكرية السورية وبخاصة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري اللواء 105، إضافة إلى تشكيل خلايا شيعية من أهالي المنطقة وتجنيدها وتدريبها من قبل الفرقة الرابعة وجمعية البستان ([9])، والتي عُرفت باللواء "313" ثم جرى تغيير التسمية إلى "درع الوطن"([10]).
ونتيجة لاستراتيجية التخفي التي اتبعتها إيران، فقد باتت تحظى بوجود عسكري على حدود إسرائيل في الجنوب السوري تحت ستار القواعد العسكرية التابعة للنظام، حيث تهيمن إيران على منطقة "مثلث الموت" وهي المنطقة التي تربط محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا، وعززت سيطرتها على ذلك المثلث، بإنشاء قواعد عسكرية في تلال "فاطمة الزهراء"، كما تتواجد إيران عسكرياً في مدينة درعا، وفي سلسلة الجامعات الواقعة على أوتوستراد "دمشق-عمان"، وفي "خربة غزالة" وقرية "نامر" شرقي درعا، وفي "ازرع" والقطعات العسكرية المحيطة بها، وفي مدينتي "البعث وخان أرنبة" في القنيطرة، و "تل الشعار وتل الشحم وتل مرعي" ([11])، إضافة لتأسيس "حزب الله" معسكراً للتدريب شمال درعا يسمى "حقل كريم الشمالي" يتم فيه تدريب عناصر من محافظات الجنوب السوري (درعا، السويداء، ريف دمشق، القنيطرة) تحت إشراف عناصر الحزب وبتمويل إيراني([12]).
ويبدو أن فشل النظام بالوفاء بوعوده لأهالي درعا وعدم قدرته على وقف التمدد الإيراني في المنطقة، قد أدى إلى إحداث شبه تقارب بين روسيا والمجتمع المحلي في درعا على مستويين:
ويبدو أن موسكو لا تقف وحيدة في هذا المسعى، حيث تذكر تقارير أمنية دوراً للأردن والإمارات مؤيد للجهود الروسية، عبر دعم القيادي في الفيلق الخامس (أحمد العودة)، والذي يتزعم مهام الحد من التمدد الإيراني في الجنوب، ودعم جهود موسكو لتشكيل فيلق سادس بقيادة (عماد أبو زريق). وتشير المصادر أن القياديان زارا الأردن مؤخراً وعقدا اجتماع مع المخابرات الأردنية لبحث سبل إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود، إضافة لحديث حول إمكانية تشكيل غرفة جديدة للدعم في عمان على غرار غرفة "الموك" التي تم إغلاقها في العام الماضي ([14]).
وبالرغم من أن الجنوب السوري يبدو هادئاً ظاهرياً وتحت سيطرة النظام؛ إلا أنه يحمل قابلية الانفجار في أي لحظة، نتيجة للصراع الدائر بين أذرع موسكو وطهران في المنطقة (الفيلق الخامس، الحرس الجمهوري، الفرقة الرابعة، المخابرات العسكرية، الأمن السياسي، المخابرات الجوية، حزب الله)، حيث ازدادت في شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان من العام الحالي وتيرة الاغتيالات الممنهجة، والتي طالت مقربين من الطرفين، كما حدثت احتكاكات مباشرة بين فرق عسكرية مقربة من موسكو مع الفرقة الرابعة المقربة من طهران.
يعيش النظام أزمة اقتصادية أمنية في مناطق سيطرته التي تعرف بـ"سورية المفيدة"، إضافة إلى المناطق التي استعادها خارج هذا النطاق، دفعت تلك الأزمات حاضنته الشعبية إلى التململ ورفع الصوت في وجه الفشل الحكومي على مستوى الخدمات الأساسية، مما حدا ببشار الأسد للإشارة إلى المنتقدين في خطابه أمام أعضاء المجالس المحلية ([15]). ويمكن رد تلك الأزمات إلى ثلاث عوامل رئيسية:
ساهمت تلك العوامل بإضعاف هيمنة النظام داخل مناطق سيطرته لصالح حلفائه (روسيا وإيران) من جهة، ولصالح ميليشياته التي باتت خارجة عن سيطرته وبخاصة في الساحل السوري، حيث باتت التنازلات التي يقدمها لروسيا وإيران على الصعيد الاقتصادي مدعاة للتهكم حتى لحاضنته الشعبية، والتي باتت على ثقة بعجز هذا النظام عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية المتفاقمة والانفلات الأمني والفساد المنظّم الذي يسود مناطق سيطرته.
يمكن من خلال الاستعراض السابق لواقع المناطق السورية الوصول إلى النتائج التالية حول قابلية التصعيد في تلك المناطق، وخارطة التحالفات الجديدة وما سيتركه ذلك من أثر على الحل السياسي:
تشهد المنطقة برمّتها عملية إعادة تشكيل لخارطة القوة فيها، وتعتبر سورية إحدى الساحات التي تلتقي فيها مصالح القوى الدولية والإقليمية المتنافسة على رسم ملامح النظام الأمني الجديد في الشرق الأوسط، ولذلك فإن الحديث لايزال مبكراً عن نهاية قريبة للحرب في سورية وفرصة إنتاج حل سياسي. ولكن يمكن القول؛ إن الأزمة السورية ببعدها الدولي والإقليمي دخلت في مرحلتها الأخيرة والتي عنوانها تثبيت النفوذ العسكري والسياسي والاقتصادي، أم شكل هذه المرحلة من حيث أدواتها، هل ستكون عسكرية أم ديبلوماسية؟ فهو رهن لقدرة تلك القوى على تسوية خلافاتها واقتسام المصالح على الأرض وعلى المستوى السياسي، بشكل يفتح المجال أمام جلوس الأطراف السورية على طاولة التفاوض مجدداً.
[1])) للاطلاع أكثر على بنود اتفاق سوتشي حول إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب (اتفاق النقاط العشر بين روسيا وتركيا حول إدلب)، راجع الرابط التالي: http://cutt.us/dBOo8
[2])) سقراط العلو، الصراع على الثروة السورية بين إيران وروسيا: الفوسفات نموذجًا، مركز الجزيرة للدراسات، 26 يوليو 2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Vkzl1x
([3]) الأسد في طهران... ونتنياهو في موسكو، جريدة الأنباء الكويتية، 28/2/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HnoGxY
([4]) إيران والعراق وسوريا في دمشق لأول مرة، موقع TRT عربي، 17 مارس 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2LCUJ2v
[5])) هذه تفاصيل المنطقة الآمنة التي ستقيمها تركيا على الحدود شمال سورية، موقع صحيفة العربي الجديد، 16 يناير2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2EaBabs
[6]))3 مقترحات أمريكية لمنطقة آمنة خالية من "بي كي كي"، موقع ترك برس، 22يناير 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2WR6fsp
([7]) بدر ملا رشيد، إلغاء هيئتي الدفاع والخارجية في "الإدارة الذاتية": إعادة هيكلة أم تحجيم وظيفي، مركز عمران للدراسات، 5 نيسان/ أبريل2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2vZ5ZeT
[8])) مصادر لـ"عربي21": جهود فرنسية لعقد اتفاق بين أكراد سوريا، موقع عربي21، 23 أبريل2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VEtXLD
(([9] المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، تقدير موقف 25 أبريل 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2VQttlH
([10]) الأبعاد والمتغيرات الجديدة للوجود الإيراني في جنوب سوريا، شبكة بلدي الإعلامية، 14 كانون الثاني 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ANeTyO
[11])) المرجع السابق.
[12])) المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، مرجع سبق ذكره.
[13])) درعا: ما هو دور روسيا في التظاهرات؟، موقع جريدة المدن، 15/3/2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HrdOR8
[14])) المرصد الاستراتيجي، فشل المفاوضات يفتح أبواب المواجهات العسكرية في حوران، مرجع سبق ذكره.
[15])) ساشا العلو، رسائلُ خطاب الأسد: عَودٌ على ذي بدء، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 19 شباط 2019، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2HxOZ6b