Omran Center

Omran Center

بذاكرة مُثقلة بالمجازر والمآسي والصور الخانقة؛ نسترجع نحن السوريين تواريخ أيامنا المرتبطة بجرائم حرب تنافس كل منها الأخرى أيها أشد إيلاماً، وتمر علينا اليوم الذكرى الحادية عشرة لاستخدام نظام الأسد الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين في غوطة دمشق عام 2013، كما مرت الأعوام عاماً تلو الآخر على ذوي الضحايا دون تحرك يذكر، باستثناء ما نبرع به من بيانات واجتماعات وفعاليات ومواد إعلامية ومبادرات مدنية وجهود توثيقية نحاول عبرها حفظ سرديتنا وتوثيق مأساتنا -التي لا يزال شهودها أحياء- من مزيد من التحريف.

نذكر أنفسنا في كل ذكرى بما مورس بحقنا من انتهاكات حتى لا تموت القضية فينا، كما ماتت بين سطور التهديدات الأمريكية وخطوطها الحمراء الوهمية، وفي أروقة مجلس الأمن وبين الفيتوهات الروسية، حتى لا تموت القضية فينا كما حاولت دول عدة قتلها بالمجان لمجرد أنها قررت طي صفحتها والتطبيع مع الجاني محاوِلةً إقناعنا أن لا سبيل لنا إلا تناسي جرائمه والعودة إلى حكمه، نستذكرها كي نعرّف الأجيال الأصغر بالقضية التي دُفع لأجلها كل هذا الثمن.

كان رهاننا على تحرك العالم بمجرد توثيق الجرائم وإثبات مسؤولية فاعليها -على الرغم من فداحة تلك الجرائم وعدد ضحاياها الكبير، ومخالفتها الجلية لأبرز مبادئ القانون الدولي، وتأثيرها الذي لا يقتصر على الضحايا فحسب، بل على كل من تعرض لها تأثيراً جسدياً ونفسياً يستمر لأجيال، ناهيك عن تأثيرها على البيئة وعلى الدول المحيطة- رهاناً خاسراً بالأساس، بل واهماً، يتجاهل خلل النظام الدولي القائم على حل الأزمات وفقاً لمصالح الدول الخمس الكبرى أو اللاحل في حال تعارضها، بغض النظر عن نوع الجريمة المرتكبة ودقة توثيقها وعدالة قضيتها، فالأهم هنا هو مرتكبها وقوة حلفائه وقدرتهم على الدفاع عنه باستخدام أو التلويح باستخدام أحد أكثر الأسلحة السياسية فتكاً لما لها من تأثير على الأرض: سلاح "الفيتو".

الفيتو الروسي.. حصن النظام لتجنب المحاسبة

فيما يتعلق بالملف السوري ضمن أروقة مجلس الأمن، استخدمت روسيا "حق النقض" 18 مرة، 6 منها ضد مشاريع قرارات تتعلق باستخدام السلاح الكيميائي في سوريا خلال عامي 2017 و2018، اثنان منها يدينان النظام لاستخدامه الكيماوي ويدعوان لفرض عقوبات عليه، بينما تتعلق الأربعة الأخرى بالتحقيق بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية سواء من حيث تمديد مهام الخبراء الدوليين، أو تمديد تفويض آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة[1]، أو التحقيق في المسؤولية عن هجمات دوما عام 2018 وهجمات خان شيخون 2017.

وبذلك أنهت روسيا آلية التحقيق المشتركة التي تم إنشاؤها بموافقتها، بعد أن عملت على تقليص صلاحياتها عبر استخدام الفيتو ضد مشاريع القرارات التي توسع هامش عملها. كما شككت بمنهجية عملها بعد أن خلُصت إلى مسؤولية النظام عن هجوم دوما بعد تدقيق 19 ألف ملف وعدد من الشهادات وتحليل العينات في تقريرها الصادر عام 2023. ومن حينها والمحاولات الروسية مستمرة لتقليص مساحة ملف السلاح الكيماوي في سوريا عن نقاشات مجلس الأمن الشهرية التي تستعرض تقارير ما تبقى من بعثات تحقيق قليلة، لتتحول إلى ربعية، سعياً لتنحية الملف بالكامل عن إطار المجلس لاحقاً، على الرغم من محدودية أثر هذه النقاشات.

لطالما شكلت تركيبة النظام الدولي بهذه الطريقة العرجاء؛ منفذاً للدول للتهرب من استحقاقاتها السياسية تجاه شعوبها أو تجاه الدول الأخرى، إذ سادت قناعة عامة حول قصور أداء الأمم المتحدة ووكالاتها في حل الأزمات الدولية ما دامت حالة اللااتفاق السياسي بين الدول الخمس الكبرى مسيطرة.

آليات دولية مكبّلة بالقيود السياسية

أثار استخدام السلاح الكيمائي على نطاق واسع عام 2013 ردود فعل دولية حادة اللهجة، أدت إلى إجبار النظام على الانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيمائية وقبوله "تسليم ترسانته الكيميائية" بمبادرة روسية وضغط أميركي تحت التهديد بعمل عسكري ضده، دون أن يُتبع ذلك بأي إجراء من شأنه تهديد وجود النظام باستثناء بضعة تصريحات بين الحين والآخر تستخدم لأهداف سياسية أكثر من تحقيق أهداف ملموسة.

تجرأ النظام على تكرار استخدام أسلحة كيميائية عديدة في هجماته على مناطق سورية مختلفة، إذ وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في بيان لها 222 هجوماً كيمائياً استهدف الأراضي السورية بين 2012 و2024، 217 هجوماً منها قام بها النظام مقابل 5 هجمات نفذها "تنظيم الدولة"، الأمر الذي يدلل على إعادة إنتاج ترسانته من الأسلحة الكيمائية عام 2013 وبالتالي عدم استجابته لأدنى متطلبات الاتفاق الدولي معه على الرغم من انخفاض سقفه.

كما أن العقوبات الغربية التي فرضت على النظام بعد استخدامه السلاح الكيماوي، تحولت من كونها أداة للردع كما افتُرض لها، إلى جزء من لعبة التوازنات السياسية بين القوى الكبرى، حيث كانت في مواضع كثيرة محل تفاوض روسي-غربي. كما تمكن النظام من الالتفاف على معظمها بأساليب عديدة أو بدعم حلفائه، نظراً لخبرة النظام في التعامل مع العقوبات الدولية سابقاً وإن توسع نطاقها كثيرا بعد انتهاكات النظام بعد 2011.

من جهة أخرى، تواجه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في سوريا تحدياً يتمثل بالفجوة بين صلاحياتها المحدودة المتعلقة بالإجراءات التنفيذية والتحقيق ورفع التقارير، والقدرة التنفيذية المحصورة بمجلس الأمن الذي يعيق أي تحرك جدي، ناهيك عن اقتصار مهمتها في معظم بعثات التحقيق السابقة على إثبات وقوع الهجمات بسلاح كيماوي دون البحث عن الجهة المسؤولة عن الهجوم، إلى أن سمح لها بموجب موافقة معظم الدول الأعضاء بذلك عام 2018، وبالتالي لم تتمكن المنظمة من اتخاذ إجراءات مؤثرة بما في ذلك تعليق عضوية سوريا في المنظمة ومنعها من التصويت أو الترشح لعضوية المجلس التنفيذي، عقب الهجمات على دوما 2018، الأمر الذي لا يشكل أي ضغط على النظام ناهيك عن ردعه.

وتثير هذه الأمور مجتمعة تساؤلات حول جدوى الآليات والأدوات الدولية المستخدمة حالياً في الردع عن ارتكاب وتكرار الجرائم، وضرورة التفكير في آليات أكثر نجاعة، تعيد الثقة المفقودة بالمنظومة الدولية.

ثم ماذا بعد؟

نتساءل كسوريين اليوم، ماذا بعد أن أثبتت آلية التحقيق المشتركة مسؤولية النظام عن هجوم دوما 2018؟ ماذا بعد أن وُثّقت كل تلك الجرائم بجهود حثيثة من منظمات محلية أو دولية أو حتى بجهود فردية لإبقاء مسار المحاسبة حياً؟ هل يمكن ضمان ألا تُعاد الكرّة ونُستهدف مجدداً بسلاح كيماوي أو بغيره؟ (فالتركيز على عدم استخدام السلاح الكيماوي المحرم دولياً لا يجعل بقية الانتهاكات وجرائم الحرب أقل شناعة)، وهل باستطاعة الدول الحليفة للنظام أو الساعية للتطبيع معه أن تضغط عليه لتضمن ذلك في إطار سعيها للحفاظ على "الاستقرار الإقليمي"؟

لا تقتصر آثار غياب نظام مساءلة ومحاسبة دولية على الأنظمة المرتكِبة لتلك الانتهاكات وشعوبها فحسب، بل تتعداها لترفع "عتبة الإجرام" دولياً من ناحية كم الإجرام ونوعية الأسلحة المستخدمة فيه، على اعتبار أن حداً تم تجاوزه دون أن يُحجّم فاعلُه يقع ضمن حدود "المقبول" لدى المجتمع الدولي الذي مرّره، إذ لا يمكن فكّ انعكاس أزمة دولية على أخرى، فغض الطرف عن الدور الروسي في سوريا يرتبط بشكل أو بآخر بغزوها لأوكرانيا، وارتفاع مستوى الإجرام الممارس بحق الشعب السوري ارتبط بما يمارس بحق الفلسطنيين اليوم، واستخدام الكيماوي دون رادع سيفتح حروباً أوسع سمتها الأسلحة المحظورة دولياً.

كذلك لا تقتصر تداعيات عدم المحاسبة على الملف الجنائي فحسب، فالتغاضي عن الجرائم المرتكبة وفقدان الأمل بوجود قانون دولي قابل للتنفيذ وقادر على الردع؛ سيولد مزيداً من العنف وحركات التطرف ويستنسخ تجارب تنظيمات راديكالية ويتسبب بمزيد من انتشار السلاح والفوضى غير المحصورة بمكان ممارسة الانتهاكات المتكررة دون رد، فللشعوب خصائص كما الأفراد، إذا ما استمرت في مواجهة تحديات وجودية وتُركت لمصيرها وحيدة؛ لا تُبقي وجودها رهينة لقوائم الأولويات الدولية واعتبارات الدول الضامنة.

 

المصدر: تلفزيون سوريا، اضغط هنا


[1] آلية التحقيق المشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة، هي هيئة مستقلة أنشأها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب القرار 2235 بتاريخ 7 آب/ أغسطس 2015.

أصدر بشار الأسد في 11 آب/أغسطس 2024 مرسوماً يقضي بدعوة مجلس الشعب الجديد للانعقاد لأول مرة في يوم الأربعاء (اليوم) 21/08/2024. ويبدو جليّاً أن الأسد تقصّد دعوته لمجلس الشعب في هذا التاريخ بالذات، حيث يتزامن مع ذكرى مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية التي ارتكبها الأسد ونظامه في صبيحة يوم الأربعاء الموافق لـ 21/08/2013، والتي راح ضحيتها 1429 شخصاً، منهم 426 طفلاً.

إن دعوة الأسد لانعقاد المجلس تحمل رسالة رمزية تقول: "قُمت بما قُمت به، ولن أُحاسب، بل سأتلقى التصفيق الحار على ما قمت به في نفس اليوم تحديداً منذ 11 عاماً، وعلى ما قمت به أيضاً على مدار السنوات الماضية". وهنا يؤكد الأسد إصراره على الجريمة التي ارتكبها بالإضافة إلى سلسلة الجرائم والانتهاكات الطويلة بحق الشعب السوري. كما أن مجرد وقوفه على منصة المجلس بعد كل هذه السنوات يؤكد ضعف المنظومة الدولية في جلبه للعدالة وإخضاعه للمحاسبة، حيث اكتفت تلك المنظومة بمصادرة سلاح الجريمة فقط.

عدالة مشوّهة: مصادرة سلاح الجريمة وإطلاق سراح المجرم

بعد أقل من شهر من هجوم الغوطة الكيميائي، وافق بشار الأسد في أيلول/سبتمبر 2013 على الانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية تحت تهديد الولايات المتحدة بإسقاط نظامه بسبب هذا الهجوم. جاءت هذه الموافقة بعد مبادرة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفقاً لبيان وزارة الخارجية الروسية، التي دعت إلى انضمام سورية الفوري إلى الاتفاقية، ووضع مخزونها من الأسلحة الكيميائية تحت الرقابة الدولية بهدف تصفيتها، لتجنب تدخل عسكري خارجي محتمل في الصراع السوري.

لاحقاً، أسفرت المباحثات الروسية-الأمريكية في جنيف السويسرية عن التوصل إلى اتفاق إطار بهذا الشأن، تم تعزيزه بقرار المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118، الذي نص على خطة غير مسبوقة لنقل المكونات الرئيسية للأسلحة الكيميائية السورية وتصفيتها في الخارج.

 المرسوم التشريعي 61 لعام 2013: الذي يقضي بالموافقة على الانضمام إلى اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة

استمرت عملية تدمير المخزون الذي سلمه بشار الأسد لعدة أشهر وانتهت في شهر آب/أغسطس من عام 2014. ولكن نظام الأسد لم يكتفِ بإعادة بناء مخزونه من جديد، بل أعاد استخدام غاز السارين في الهجوم الكيميائي على مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي صباح 4 نيسان/أبريل 2017، الذي كان مطابقاً للمخزون الذي تم تدميره سابقاً. حيث أسفر الهجوم الجوي على المدينة عن مقتل 100 شخص وإصابة ما لا يقل عن 400 آخرين، كما كرر هجومه الكيميائي على الغوطة الشرقية في 7 نيسان/أبريل 2018 أثناء الحملة العسكرية للسيطرة على المنطقة، وهو ما يؤكد بأن الأسد قد انتهك بشكل متكرر اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي كان قد وافق على الانضمام إليها سابقاً.

أثبتت السنوات الماضية أن الأسد لم ولن يتوانى عن استخدام أي سلاح ضد ثورة الشعب السوري، وهو ما خبِره السوريون بشكل جدي تماماً. ولكن المفارقة أن عدداً كبيراً من الدول التي نادت بإسقاط نظامه قد تراجعت عن مطالباتها لتتحول نحو التطبيع معه، مما يشكل علامة فارقة في القضية السورية ككل.

التطبيع مع الأسد: رهان خاسر ومخاطر مستمرة

يثير مسار التطبيع واستئناف العلاقات مع نظام الأسد تساؤلات خطيرة حول التزام الدول والمجتمع الدولي عموماً بالمبادئ الإنسانية والعدالة الدولية. ويحمل التطبيع مع هذا النظام في طياته أخطار جسيمة ليس فقط على المستوى الأخلاقي والسياسي، ولكن أيضاً على الصعيد الأمني الدولي، خصوصاً أن حادثة هجوم الكيميائي ليست حادثة منفصلة بحد ذاتها، فقد شهدت الساحة السورية استخداماً واسع النطاق للأسلحة الكيميائية من قبل النظام ضد المدنيين.

كما أن أحد أبرز المخاطر المرتبطة بالتطبيع مع نظام الأسد هو إعطاء الضوء الأخضر لاستخدام الأسلحة الكيميائية دون عقاب حول العالم. إن مجرد فكرة الإفلات من العقاب قد تشجع دولاً أو ديكتاتوريات أخرى على تبني سلوك مشابه، ليس بالضرورة أن يكون السلاح الكيميائي هو أداة الجريمة، ولكن النهج باستخدام العنف ضد المدنيين عموماً يمكن أن يمر دون عقاب إذا توافرت الظروف السياسية المناسبة. ولكن القتل يبقى قتلاً سواء أكان بالأسلحة الكيميائية أو التقليدية.

من الناحية الأمنية، يُعد التطبيع مع الأسد تهديداً للاستقرار الإقليمي على المستوى البعيد. هذا الوضع يفاقم تعقيد الصراعات الإقليمية ويزيد من فرص اندلاع نزاعات جديدة عبر توليد دائرة العنف مستقبلاً. كما أن استمرار النظام السوري في الحكم يمكن أن يؤدي إلى تعزيز وانتشار الأسلحة الكيميائية ووصولها إلى حلفائه في إيران وحزب الله.

علاوة على ذلك، يمثل التطبيع مع نظام الأسد تهديداً لجهود مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل. وبقاء النظام في السلطة دون محاسبة قد يقوض المعاهدات الدولية مثل اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، ويضعف آليات الرقابة الدولية، مما يجعل من الصعب فرض عقوبات أو إجراءات ضد الدول أو الكيانات التي تنتهك هذه المعاهدات.

أما من ناحية أخلاقية، يرسل التطبيع مع نظام الأسد رسالة خاطئة إلى الضحايا السوريين وذويهم عموماً، وإلى ضحايا الهجمات الكيميائية خصوصاً. حيث يمثل هذا التطبيع تجاهلاً لمعاناتهم وللجرائم التي ارتكبت بحقهم، مما يقلل من أهمية العدالة والمساءلة في العلاقات الدولية. إذ لا يمكن العودة إلى العمل كالمعتاد مع نظام ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

إن الاعتقاد بأن الأسد يمكن إصلاحه أو إصلاح نظامه بالحالة التي هو عليها اعتقاد خاطئ تماماً، ولا يمكن التعويل عليه. وستصطدم رغبات الدول بعنجهية النظام التي طالما تعامل بها مع الآخرين. فقد أثبتت السنوات الطويلة أن نظام الأسد يتعامل مع الدول بسياسة الصبر الاستراتيجي ليقتل أي ملف من شأنه أن يشكل تهديداً له.

رسائل مزدوجة للداخل والخارج: "لست نادماً"

بحسب المادة 64 من دستور 2012، كان يمكن لبشار الأسد أن يدعو مجلس الشعب الجديد للانعقاد في أي يوم آخر غير اليوم الذي يصادف ذكرى أليمة في الذاكرة الجمعية لملايين السوريين. ولكن إصراره على هذا اليوم برمزية يوم الأربعاء الحادي والعشرين من شهر آب يمثل استهتاراً بمشاعرهم. وهي في ذات الوقت تحمل رسالة بأنه مستعد لتكرار ما فعله دون أي ندم أو شعور بالذنب.

كما أن هذا الإصرار يحمل في طياته دلالات متعددة على المستويات الداخلية والخارجية. داخلياً وبالنسبة للبيئة الموالية له، يعكس هذا الإصرار رسالة مفادها أن الأسد باقٍ في السلطة، وأنه غير مكترث بالانتقادات الدولية أو المعارضة الداخلية. كما أنه يظهر كـ "رئيس" غير خاضع للمساءلة، لا يشعر بأي خجل من الماضي، بل يراه جزءاً من نجاحاته في بقاء النظام في مواجهة التحديات و"المؤامرة الكونية" التي ادعى أنه يتعرض لها.

أما بالنسبة للمعارضين، فإن اختيار هذا التاريخ بالتحديد يبعث برسالة استفزازية، تؤكد أن الأسد ونظامه لا يزال متمسكاً بنهجه القمعي والوحشي، وبأنه مستعد لتكرار استخدام نفس الأساليب العنيفة إذا لزم الأمر. ويقصد من هذا الاختيار تعميق الجراح ومفاقمة حالة اليأس لدى الكثيرين الذين كانوا يأملون في تحقيق العدالة والمحاسبة على الجرائم المرتكبة بحقهم وحق ذويهم.

أما على المستوى الخارجي، فإن هذه الدعوة في ذكرى المجزرة توجه رسالة مزدوجة. للدول التي تطبع معه، يظهر الأسد كمن يفرض شروطه ويتصرف بلا مبالاة تجاه القوانين والأعراف الدولية، مما يضع هذه الدول في موقف محرج ويجعلها تبدو وكأنها تتغاضى عن هذه الجرائم الفظيعة. أما الدول التي ما زالت ترفض التطبيع معه، فيمثل هذا التصرف تحدياً مباشراً لها. إذ يظهر الأسد كمن يستهين بمطالبها ويستمر في سياساته دون اعتبار للعواقب، وحتى هذه الدول الرافضة للتطبيع معه وعلى رأسها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية كانت أقصى مطالبها هو تغيير نهج النظام لا إسقاطه.

في النهاية، يمثل هذا الإصرار تحدياً للعدالة الدولية وللضمير الإنساني، ويعكس بشكل واضح أن نظام الأسد غير مستعد للتنازل أو التراجع عن سياساته القمعية. إن مرور 11 عاماً على المجزرة دون محاسبة جدية يعزز شعور الأسد بالحصانة ويجعله أكثر جرأة في تحدي المجتمع الدولي في فرض شروطه المستقبلية، خصوصاً بما يتعلق بعودة اللاجئين. مما يضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية في مواجهة هذا التحدي والعمل على منع تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل.

 المصدر: تلفزيون سوريا، اضغط هنا

 

ملخص

يستعرض هذا التقرير تداعيات أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر تموز 2024. سياسياً، شهد مسار التطبيع الإقليمي والدولي مع نظام الأسد تقدماً تمثل بتعيين سفير لإيطاليا في دمشق، وتقديم 7 دول "لا ورقة" لمجلس الاتحاد الأوروبي مطالبة بالتخلي عن "اللاءات الثلاث"، وإبداء النظام استعداه لبناء علاقة جديدة مع تركيا. أمنياً، تتصاعد مؤشرات عدم الاستقرار في عموم الجغرافيا السورية؛ ففي شمال غرب سورية تخللت موجة الاحتجاجات الشعبية حالات عنف ومواجهات مباشرة مع القوات التركية على خلفية أحداث ولاية قيصري، كما شهدت المنطقة أوسع هجوم شنته قوات النظام بالطائرات المسيرة خلال 2024 ضد مواقع مدنية في ريفي حلب وإدلب. وفي شرق سورية، يسعى التحالف الدولي لتعزيز نقاط انتشاره مع تصاعد هجمات المليشيات الموالية لإيران على المنطقة. اقتصادياً، استمر انخفاض الصادرات عبر معبر نصيب، كما أدت السياسات الاقتصادية المتبعة من قبل النظام إلى تزايد هجرة رؤوس الأموال تزامناً مع ارتفاع تكلفة المعيشة، فيما اتبعت "الإدارة الذاتية" سياسات اقتصادية أضرت بالقطاع الزراعي.

تداعيات التطبيع الإقليمي والدولي على الفواعل المحلية

ضمن سياق التطبيع وإعادة العلاقات مع بشار الأسد، أعلنت إيطاليا إعادة بعثتها الدبلوماسية وتعيين سفير لها في دمشق، وقد تزامنت هذه الخطوة مع تحرك إيطاليا وست دول من أعضاء الاتحاد الأوروبي للمطالبة بالتخلي عن "اللاءات الثلاث" التي تحدد موقف الاتحاد من القضية السورية([1]). في المقابل، أصدرت وزارة خارجية النظام بياناً للرد على الدعوات التركية الراغبة بإعادة علاقاتها مع دمشق، أبدى النظام فيه استعداه لبناء علاقة جديدة مع تركيا على "أسس واضحة" أهمها: انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة "المجموعات الإرهابية" التي تهدد أمن البلدين، وربط عودة العلاقة الطبيعية بين البلدين بالعودة إلى الوضع السائد قبل عام 2011. ويُظهر البيان قبول النظام بدء مسار التطبيع واستجابته للدعوات التركية وتخليه عن الشرط المسبق المتعلق بانسحاب قواتها قبل عقد اللقاء بين أردوغان والأسد.

يسير قطار التطبيع الإقليمي والدولي مع نظام الأسد بخطى ثابتة، رغم اختلاف دوافع الدول التي يغلب عليها البعد الأمني أو تجريب الحلول البديلة بذرائع إعطاء حوافز للنظام وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة "بهدف تغيير سلوكه تدريجياً". إلا أن مسار التطبيع يسير وفقاً لما يفضله النظام وبما يحقق مصالحه، فالاتفاقات الثنائية تعطيه هامش مناورة أكبر نظراً لكونها مبنية على مصالح كل دولة على حدة، كما تعينه على التهرب من الاستحقاقات السياسية وتنفيذ القرارات الدولية وعلى رأسها 2245.

على الصعيد المحلي، أجرى نظام الأسد الانتخابات التشريعية للدورة الرابعة منذ إقرار الدستور الجديد في 2012، بعد سنوات من حالة الجمود المسيطرة على المشهد السوري منذ توقف العمليات العسكرية بموجب اتفاقات خفض التصعيد، وتأتي هذه الانتخابات بعد فترة وجيزة من انتخابات حزب البعث التي أظهرت سعي الأسد لإعادة هندسة مراكز القوة داخل الحزب وتعزيز سيطرته المطلقة بغية جعله قوة سياسية منضبطة ببوصلة الأسد وتوجهاته، وقادرة على "التفاعل والريادة" مع أي مشهد سياسي جديد. ويهدف النظام من إصراره على إجراء الانتخابات لتصدير صورة "صموده وانتصاره رغم المؤامرات والضغوط الدولية عليه"، إضافة إلى تهربه من الحل السياسي من خلال ادعاء تعزيز شرعيته الشعبية عبر "الانتخابات". واعتبرت دول غربية أن البيئة غير مواتية لإجراء انتخابات، فيما طالبت هيئات المعارضة الرسمية بانتخابات ديموقراطية حقيقية وفق القرارات الدولية تمثل كافة أطياف الشعب بخلاف المجلس الحالي، كما انطلقت حملات شعبية وإعلامية رافضة لهذه الانتخابات الشكلية.  

في شمال شرق سورية، أثارت أجواء التقارب التركي مع نظام الأسد مخاوف "الإدارة الذاتية"، معتبرة ذلك "خطراً وجودياً" عليها واصفة هذا المسار بأنه "مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوري"، حيث تدرك الإدارة أن تغير السياسة التركية استراتيجي وليس تكتيكياً، وأن هذا التقارب سيقلل من خياراتها المتاحة ويضعها في مواجهة تحديات صعبة، لا سيما أنه -في حال نجاحه- سيقطع الطريق أمام أي اتفاق مستقبلي بينها وبين النظام. وهو ما يفسر تصريح مظلوم عبدي القائد العام لـ "قوات سوريا الديمقراطية"، الذي أكد على عدم إمكانية حل الأزمة السورية عن طريق العنف والحرب والقتال، مؤكداً استعداد الإدارة للحوار مع جميع الأطراف وكافة القوى ومن ضمنها تركيا، بما يفضي إلى وقف الاقتتال والوصول إلى حل سياسي في سورية. وعلى صعيد تخفيف الاحتقان المحلي، أصدرت الإدارة قانون العفو العام الذي جاء استجابة لمطالب الأهالي وشيوخ ووجهاء العشائر، ويشمل مئات السجناء من مرتكبي جرائم الإرهاب وجميع الجرائم المرتكبة قبل تاريخ صدور العفو.

توترات أمنية متصاعدة: احتجاجات شعبية تزيد مؤشرات اللااستقرار

شهدت مناطق شمال غرب سورية احتجاجات تخللتها حوادث تخريب لبعض الأملاك العامة والخاصة، شملت حرق شاحنات وإنزال الأعلام التركية وصدامات مباشرة مع القوات التركية في عدة مواقع، وذلك عقب أحداث التخريب والاعتداءات على اللاجئين السوريين التي جرت في ولاية قيصري التركية من جهة، ورفضاً لعودة الحديث عن التطبيع السياسي بين تركيا ونظام الأسد إثر تصريحات الساسة الأتراك حول التقارب والتي أدت لإشعال شرارة الاحتجاجات من جهة أخرى، إضافة إلى وجود أبعاد أخرى دفعت عدداً من سكان هذه المناطق لإظهار مستوى عالٍ من الغضب والاستياء نتيجة تراكمات مستمرة لمرحلة طويلة من إهمال قضايا الحوكمة الرشيدة وانتشار الفساد، والهشاشة الأمنية واللاتوازن في العلاقات الأمنية المدنية، وغياب حدود واضحة لطبيعة العلاقة مع تركيا.

من جهة أخرى، شهدت منطقة إدلب تصعيداً عسكرياً بين قوات النظام و"هيئة تحرير الشام"، حيث شنَّ النظام أوسع هجوم بالطائرات المسيرة خلال عام 2024 ضد مواقع مدنية في ريفي حلب وإدلب، في حين استمرَّت الهيئة بتنفيذ عمليات التسلل ضد قوات النظام وكان أبرزها عمليات ضمن محور سراقب بداية شهر تموز.

على صعيد مختلف، لا يزال نموذج التسويات يتَّسم بالهشاشة الأمنية في مختلف المناطق. ففي بلدة كناكر، وعقب فرض النظام تسوية أمنية جديدة تهدف لإلحاق المتخلفين عن الخدمة العسكرية بوحدات الجيش، هاجم رافضون للتسوية مقراً للنظام، علماً بأنَّ التسوية والأحداث التي رافقتها تأتي بعد أسابيع من اشتباكات بين قوات النظام ومسلحين محليين في مطلع الشهر السابق. وفي السويداء، اغتيل قائد فصيل "لواء الجبل" مرهج الجرماني، والمعروف بتأييده للحراك الشعبي في المحافظة وتولّيه مسؤولية حماية المظاهرات هناك، وتعتبر حادثة الاغتيال هذه الأبرز في المحافظة منذ بداية الحراك، وقد حصلت بعد فترة وجيزة من استقدام النظام تعزيزات أمنية إلى المحافظة. وفي درعا، استمرت الاشتباكات بين مجموعتين محليتين في مدينة جاسم بريف درعا لأكثر من عشرة أيام على خلفية اغتيال قيادي في إحدى المجموعتين واتهام الأخرى بالوقوف وراء العملية. وفي المحافظة ذاتها أيضاً، شنّ مقاتلون هجمات متعددة استهدفت مواقع مختلفة لقوات النظام في المحافظة، بالتزامن مع قطع طرقات بالإطارات المشتعلة، ردّاً على اختطاف عائلة تنحدر من منطقة الصنمين من قبل عصابة تتبع لـ “الفرقة الرابعة" في ريف حمص، وقد توقفت الهجمات بعد الإفراج عن العائلة.

في حين سقط 60 قتيلاً معظمهم من المدنيين في مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية" نتيجة اضطرابات أمنية وجرائم قتل واقتتالات عشائرية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. كما استمرت عمليات تنظيم داعش في مناطق نفوذ الإدارة، حيث وقعت 21 عملية أمنية مختلفة تراوحت بين إطلاق الرصاص والقتل بأداة حادة وزرع عبوات ناسفة وألغام ما أسفر عن وقوع 6 قتلى. من جهة أخرى، تعرضت القاعدة الأميركية في معمل كونيكو للغاز بريف دير الزور لهجوم صاروخي مصدره المليشيات الإيرانية، وردت طائرات أميركية باستهداف محيط القرى السبعة ضمن مناطق نفوذ الميليشيات الموالية لإيران في ريف دير الزور بالرشاشات الثقيلة. كما وصلت تعزيزات عسكرية جديدة لقوات التحالف في المنطقة شملت منظومة دفاع جوي قصيرة المدى من نوع "أفينجر"، وقد بدأ التحالف الدولي بإنشاء أبراج مراقبة على طول نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي لمراقبة المنطقة وضبط الوضع الأمني مع تزايد وتيرة هجمات قوات العشائر من الضفة الأخرى على نقاط قسد ومخاوف من تصعيد إيراني ضد الوجود الأمريكي في المنطقة.

الاقتصاد السوري في دوامة أزمات: صادرات متراجعة وأعباء معيشية متزايدة

استمر انخفاض الصادرات السورية من الخضار والفواكه إلى الأردن عبر معبر نصيب بشكل ملحوظ خلال شهر تموز 2024، بسبب عرقلة الجانب الأردني دخول السيارات المحملة بالبضائع نتيجة تواتر استخدام النظام للشاحنات في تهريب المخدرات، مما اضطر الأردن إلى تحسين البنية التحتية للمعبر وتحديث أجهزته وتطبيق شروط قاسية على عبور الشاحنات الآتية من سورية. وتتسبب هذه الخطوة بخسائر كبيرة للمزارعين والتجار السوريين نتيجة تلف البضائع أثناء الانتظار الطويل على الحدود، وتؤدي هذه الإجراءات لتراجع الصادرات السورية إلى الخارج مما يؤثر سلباً على القطع الأجنبي، ناهيك عن توتر العلاقات مع الأردن في حال استمرار تهريب المخدرات إلى أراضيه وعبرها إلى دول الخليج.

وحول الكساد الاقتصادي الحاصل في سورية واستمرار عجز النظام عن تطوير البيئة الاستثمارية، أشارت الأرقام إلى تراجع عدد الشركات المسجلة في سورية خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 44% مقارنة مع ذات الفترة من العام السابق، تزامناً مع استمرار هجرة رؤوس الأموال نتيجة العقبات الاقتصادية المتفاقمة. كما تراجع عدد التجار المسجلين في غرفة دمشق من 9890 إلى 8200 تاجر خلال عام واحد فقط، بينما كان عدد المنتسبين قبل إلزامية التسجيل في التأمينات الاجتماعية 17 ألف تاجر، ويعزى هذا الانخفاض إلى ارتفاع تكاليف العمل خاصة حوامل الطاقة والضرائب المفروضة، وصعوبة توافر المستلزمات الأساسية للعمل التجاري مع ارتفاع أسعارها، وانخفاض تنافسية المنتج السوري، وقلة الحوافز والتسهيلات المقدمة من الحكومة، الأمر الذي دفع بالعديد من الفعاليات التجارية للانتقال إلى دول أخرى.

على صعيد تكاليف المعيشة في مناطق النظام، ارتفعت تكلفة معيشة أسرة مكونة من خمسة أفراد إلى أكثر من 13 مليون ليرة سورية في بداية شهر تموز بحسب مؤشر قاسيون، بينما وصل الحد الأدنى للمعيشة إلى نحو 8.1 مليون ليرة. في حين بلغ الحد الأدنى للأجور الشهرية نحو 278 ألف ليرة فقط، ولا يلبي هذا المبلغ سوى 2.2% من وسطي تكاليف المعيشة في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2024 و2.1% خلال الأشهر الثلاثة التالية من العام نفسه. ومن شأن هذه الفجوة بين الأجور المتدنية وارتفاع تكاليف المعيشة أن تفاقم حدة الفقر وتزيد معدلات العوز بين السكان، إضافة لتدني القوة الشرائية للمواطنين مما يساهم في تعميق الكساد الاقتصادي، ناهيك عن الآثار النفسية على الأسر السورية واحتمالية زيادة التوترات الاجتماعية وتفاقم الأزمات الإنسانية.

وفي سياق نقص العديد من الخدمات الأساسية مثل الغاز والكهرباء، وصلت مدة انتظار استلام أسطوانة الغاز إلى 85 يوماً في دمشق و100 يوم في حمص. مما أدى إلى ارتفاع أسعارها في السوق السوداء ليبلغ ما بين 250 و300 ألف ليرة، لتشكل عبئاً معيشياً إضافياً يقلل قدرة السكان على تلبية احتياجاتهم الأساسية، ويزيد السخط الشعبي على السياسات الحكومية، إضافة إلى تزايد اعتماد السكان على السوق السوداء للحصول على الغاز والخدمات الأخرى بالشكل الذي يزيد من تدهور الاقتصاد.

أما على صعيد التفاهمات الاقتصادية مع حلفاء النظام، فقد وقعت الشركة السورية للبطاريات والغازات السائلة في حلب، مذكرة تفاهم تشاركية مع شركة "بوغرا كونستراكشن" الروسية، تتضمن التزام الشركة الروسية بتوريد وتركيب وتجهيز مصنع متكامل في الشركة. وذلك على الرغم من العقد الموقع بين الشركة السورية وشركة "تافان" الإيرانية بقيمة 41 مليون دولار؛ إلا أن عدم بدء العمل وفق العقد يشير إلى هشاشة الاستثمارات الإيرانية في سورية، وتنافس المستثمرين الروس على القطاعات التي دخلت إليها إيران.

وانعكاساً لتحسن العلاقات مع الدول العربية، وصلت أول رحلة للخطوط الجوية السورية إلى السعودية بعد عام من موافقة المملكة على إعادة تشغيل الرحلات بين البلدين، وقد تفتح هذه الخطوة المزيد من أفق التعاون بين البلدين، وتنعكس بشكل إيجابي على موارد النظام المالية، وتشجع الدول الأخرى على إعادة تشغيل الرحلات الجوية مع سورية.

أما في مناطق شمال وشرق سورية، فقد قررت "الإدارة الذاتية" حرمان مزارعي الخضار الصيفية من مخصصاتهم من مادة المازوت، فأصبح المزارعون مجبرين على شرائه من السوق السوداء بأسعار مرتفعة، مما زاد من تكاليف الإنتاج وبالتالي ارتفعت أسعار الخضار المحلية بنسبة 30% مقارنة بالأعوام الماضية. ومن شأن هذه القرارات أن تقلص هوامش ربح المزارعين وتقلل قدرتهم على الاستمرار في الزراعة بالمحصلة. فيما يؤدي عدم دعمهم إلى تركهم للسوق السوداء وترحيل التكاليف الزائدة إلى أسعار الخضار والفواكه، مما يزيد من الأعباء المالية على المستهلكين ويرفع معدلات الفقر والعوز بين السكان. كما يظهر هذا القرار تخبط السياسات الاقتصادية الصادرة عن الإدارة في التخطيط وتوفير الدعم للقطاع الزراعي، على الرغم من تبنيهم رؤى اشتراكية في إدارة المنطقة.

وفي ذات السياق، تراجعت كمية القمح المستلمة هذا الموسم في مناطق "الإدارة الذاتية" إلى نحو النصف مقارنة بالعام الفائت، بسبب تحديد سعر شراء متدنٍ وعزوف المزارعين عن تسليم محاصيلهم، حيث استلمت "الإدارة الذاتية" 766 ألف طن من القمح فقط، بينما كانت التوقعات تشير إلى نحو 1.5 مليون طن. وازدادت التعقيدات التي تواجه مزارعي الحسكة في ظل غياب الدعم وانخفاض الأسعار في السوق المحلية مقارنةً مع التكاليف التي يتحملها المزارع، مما اضطرهم لشراء الأدوية والأسمدة بالدولار من السوق السوداء، فازدادت التكاليف وخسر الموسم الصيفي. ويؤثر تراجع كمية القمح المستلمة بشكل مباشر على الأمن الغذائي في المنطقة، كما أن عزوف المزارعين عن تسليم محاصيلهم يسفر عن تزايد فجوة الثقة بين الفلاحين و"الإدارة الذاتية"، مما يعكس نقص فعالية السياسات الزراعية للإدارة وعدم قدرتها على تلبية احتياجات المزارعين.

وفي ريفي حلب الشمالي والشرقي، استعادت حركة الشاحنات السورية نشاطها في نقل البضائع من ساحة المعابر الحدودية مع تركيا إلى الشمال السوري، بعد توقف شبه كامل استمر أربع سنوات. وقد توقفت الشاحنات التركية عن الدخول إلى الشمال السوري بسبب حالة الغضب والاحتجاجات التي شهدتها المدن السورية على خلفية أعمال العنف ضد اللاجئين السوريين في ولاية قيصري. ومن شأن هذه العودة أن تخلق فرص عمل لسائقي أكثر من 700 شاحنة سورية ونحو 500 عامل في المنطقة، مما يساهم بتنشيط الاقتصاد المحلي ويزيد فرص العمل ويخفف من معدلات البطالة ويحسّن الأوضاع المعيشية.

 


 

([1]) تحدد اللاءات الثلاث بـ: لا للتطبيع مع الأسد، لا لرفع العقوبات، لا لإعادة إعمار سورية دون تحقيق "تقدم ملموس" في العملية السياسة حسب القرار الدولي 2254، وقد بقيت مرجعاً لموقف الدول الأوروبية منذ إقرارها من قبل مجلس الاتحاد في 2017. وتقود هذا الموقف فرنسا وألمانيا ضمن كتلة رباعية غربية إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، وفي الآونة الأخيرة علت أصوات كتلة مقابلة داخل الاتحاد الأوروبي، إذ أرسل وزراء خارجية إيطاليا والنمسا وقبرص وجمهورية التشيك واليونان وكرواتيا وسلوفينيا وسلوفاكيا وثيقة "لا ورقة" أوروبية إلى مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد جوزيب بوريل للمطالبة بمراجعة موقف الاتحاد إزاء سورية.

نظم مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة حوارية بعنوان "تحليل الصراعات الإقليمية: استراتيجيات التعامل مع الصراعات"، وذلك في مدينة الدانا، بتاريخ الأحد 26 أيار/مايو 2024. قدم الندوة الدكتور نجيب الغضبان، أستاذ العلوم السياسية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة أركنسا الأمريكية، موضحاً فيها مبادئ بعض النظريات السياسية التي تفسر العلاقات بين الدول والكيانات الدولية، ومفهوم الصراع الدولي؛ دوافعه وأُسُسَهُ والطرق الوقائية السائدة للتعامل معه. كما قدّم نماذج تاريخية لتطور هذه الصراعات ونتائجها والحلول التي اتُّبعت في معالجتها.

استعرض الدكتور الغضبان خلال جلسته مراحل تطور الحالة السورية، وأهم العوامل التي عكست مسارها، وما تتيحه الظروف الحالية من فرص ومساحات يمكن للسوريين العمل عليها لتجاوز أزماتهم المركبة.

سلطت الندوة الضوء على أهمية التحليل العلمي للصراعات الإقليمية وضرورة تبني استراتيجيات وقائية وعلاجية مبنية على فهم عميق للنظريات السياسية والتجارب التاريخية.

شارك مركز عمران للدراسات الاستراتيجية - أحد برامج المنتدى السوري- ضمن فعاليات مؤتمر التمكين الاقتصادي والاستدامة في سورية، الذي انعقد في مدينة إستانبول 23 - 24 أيار/ مايو 2024، بمشاركة وتنظيم من المنتدى السوري، وعدد من المنظمات المحلية والعربية والدولية بهدف تعزيز النهوض الاقتصادي وتعزيز فرص الاستثمار في الداخل السوري.

شهد المؤتمر ست ندوات بحثية وأربع ورش عمل متخصصة، شارك فيها مركز عمران بفريقه البحثي. كما ساهم مناف قومان، الباحث المساعد في مركز عمران، في تيسير جلسة بعنوان "التمويل الصغير والصناديق الاستثمارية والتمويل التضامني كأدوات للتمكين الاقتصادي". تناولت الجلسة المحاور التالية: 1) الفرق بين تمويل المشاريع الصغيرة وتمويل ريادة الأعمال، 2) أهمية تمويل المشاريع الصغيرة بين المنح والقروض البنكية، 3) تحديات التشريعات القانونية والاقتصادية في المجتمعات الهشة.

حضر المؤتمر شخصيات بارزة منها؛ سيف الدين عبدالله، وزير الخارجية السابق في ماليزيا، وديفيد كاردين، نائب المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إضافة إلى عدد كبير من ممثلي منظمات المجتمع المدني، وباحثين وأكاديميين.

تم الإعلان عن سلطنة عُمان كمستضيف جديد لاجتماعات اللجنة الدستورية، وذلك في بيان اجتماع لجنة الاتصال العربية (الوزارية) المؤلفة من مصر، والأردن، والسعودية، والعراق ولبنان مع النظام السوري، والتي عُقدت في القاهرة بتاريخ 15 آب/أغسطس 2023. ويأتي الإعلان عن ذلك بعد تعطُّل محادثات اللجنة الدستورية بسبب المطالب الروسية لتغيير جنيف كمركز لعقد محادثات اللجنة، بدعوى عدم حياد الأخيرة عقب العقوبات التي فرضتها على روسيا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد تمَّ اختيار سلطنة عمان كبلد مستضيف لاجتماعات اللجنة الدستورية من بين كل من الإمارات، والبحرين، والجزائر وكازاخستان المقترحة من قبل مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية([1]).

يُناقش هذا المقال احتمالات لعب السلطنة لدورها المحتمل في الملف السوري ما بين الوساطة أو الاقتصار على الاستضافة المكانية، كطرف محايد أشبه بجنيف، لاجتماعات اللجنة الدستورية، وذلك في سياق استمرار الاستعصاء السياسي المرافق لجمود مناطق النفوذ من خلال النظر لكل من: سجل عُمان الدبلوماسي ودورها الوساطي على المستوى الإقليمي والدولي، ومقاربتها للمسألة السورية وأطرافها على مدار سنوات الصراع.

"سويسرا الشرق الأوسط": تقليد دبلوماسي استثنائي

لا شكَّ بأن التقليد الدبلوماسي العُماني المبني على مرتكزات عدم الانحياز والحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف الدول بغض النظر عن أطراف النزاع أو خلفية النزاع المصلحية أو الإيديولوجية أو الأخلاقية، جعل منها فاعلاً لا يحمل -إلى حد بعيد- أعباء وتداعيات نزاعات دول المنطقة في سياستها الخارجية. بتعبير آخر: تشكِّل "البراجماتية" أحد أهم المرتكزات في صياغة المقاربات الخارجية للسلطنة وهو ما يقضي بضرورة الاستناد على "الحقائق الجيوستراتيجية وليس المواقف الأيديولوجية أو المؤقتة" لضمان دور فاعل في المجتمع الدولي([2]). تجلَّى ذلك بامتناعها عن الانحياز لطرف ما في الحرب العراقية-الإيرانية حتى غزو الكويت، وامتناعها أيضاً عن قطع علاقتها بمصر عقب اتفاقية السلام مع إسرائيل في 1981 بشكل يخالف التوجه العام للسياسة الخارجية للدول العربية آنذاك([3]).

 استمرَّت عُمان -على مدار العقد الأخير- في التعامل مع النزاعات في المنطقة مستندةً للركائز الدبلوماسية ذاتها، إذ لم تنضم للتحالف الذي قادته السعودية في حرب اليمن، كما لم تُشارك في الحصار الخليجي ضد قطر، ناهيك عن محافظتها على علاقة جيدة مع إيران. مكَّنتها جُملة العوامل هذه من لعب دور وساطي على مستوى ملفات دولية وإقليمية أبرزها: مفاوضات الملف النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، ومفاوضات الحل في اليمن بين السعودية والحوثيين. لتكمن فاعلية السياسة الخارجية العمانية في كونها نقطة التقاء دبلوماسية للأطراف المتنازعة.

سورية في السياسة الخارجية العمانية

انتهجت عُمان سياسة متمايزة عن تلك التي اتبعتها دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية وقطر تجاه الملف السوري: ففي الوقت الذي قطعت فيه أغلب الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية مع النظام في سورية بالتوازي مع تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية ودعم الدول العربية بقيادة سعودية للمعارضة السورية، امتنعت عُمان عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام أو تقديم الدعم للمعارضة السورية في إطار تمسكها بمرتكزات سياستها الخارجية([4]).

توضَّحت مساعي السلطنة للعب دور وساطي في الملف السوري عام 2015، إذ كانت الدولة الخليجية الأولى التي تتبادل الزيارات الرسمية مع النظام في سورية على مستوى وزراء الخارجية، والدولة الخليجية الأولى التي يلتقي وزير خارجيتها برئيس النظام بشار الأسد في دمشق([5])، بالتوازي مع استقبالها لرئيس الائتلاف السوري السابق خالد خوجة([6]) من جهة ومشاركتها في محادثات فيينا للسلام التي ضمَّت 17 دولة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة من جهة أخرى([7]). لاحقاً في 2019، قدَّمت مسقط مبادرة للنظام تهدف لإيجاد حل يُنهي الصراع بتوافق إقليمي-دولي بشرط قيام النظام بالتعاون لإنهاء الوجود الإيراني في سورية([8])، إلا أن موقف النظام المتعنِّت عطَّل مسار الحل السياسي وجميع مبادرات الحل ذات الصلة.

ظلَّت السلطنة الدولة الخليجية الأولى المبادرة في تطبيع العلاقات مع النظام، إذ كانت الأولى في إعادة تعيين سفير لها في دمشق عام 2020، كما كانت المحطة الأولى لرئيس النظام بشار الأسد في زياراته الخارجية بعد زلزال شباط/فبراير 2023([9]) الذي تلاه تطبيع إقليمي عربي مع النظام انتهى بعودته إلى الجامعة العربية. حيث تعمل مسقط على البناء على رصيد علاقتها مع النظام لتفعيل دورها الوساطي في الملف السوري، الأمر الذي تجلَّى في محاولاتها عامي 2015 و 2019، بالإضافة إلى دورها في المحادثات الأمريكية مع النظام بخصوص مصير الصحافي الأمريكي المفقود في سورية، أوستن تايس([10]).

على الرغم من أنَّ جملة العوامل السابقة والمصحوبة بوجود الرغبة السياسية في لعب دور وساطي يعزِّز من فرص السلطنة في لعب هكذا دور؛ إلا أن المشهد السوري المعقَّد وعدم وضوح دعم إقليمي عربي لدور عُماني محوري ضمن إطار المبادرة العربية التي تلعب الأردن دوراً ريادياً فيها والتي لم تحرز تقدماً ملموساً على مستوى الحلول التقنية بسبب تعنُّت النظام، يجعل فرصها في لعب دور وساطي إقليمي محدودة حالياً، خصوصاً مع فتح قنوات التواصل السياسية بين الدول العربية والنظام.

 دولياً، إنَّ غياب قنوات التواصل السياسية المباشرة بين الولايات المتحدة والنظام يضفي أهمية للسلطنة على مستوى احتمالات لعبها لدور وساطة أكبر مستقبلاً؛ إلا أنَّ عدم وضوح تقدُّم ملموس في المحادثات بين أمريكا والنظام التي تجري برعاية السلطنة بخصوص مصير الصحافي الأمريكي المفقود في سورية وبعض المختفين من حملة الجنسية الأمريكية يضع عائقاً أمام تقدُّم مسار المفاوضات، والذي يرتبط بسلوك النظام من جهة، وديناميات صنع القرار في واشنطن، بشكل رئيسي موقف البيت الأبيض من جهة والكونغرس من جهة أخرى.  

ختاماً، سعت عُمان من خلال مقاربتها المتمايزة لترسيخ ثقة النظام فيها كتلك التي تحظى بها من طرف إيران، وذلك بهدف توظيف هذه الثقة للعب دور وساطي على مستوى الملف السوري إقليمياً أو دولياً، مستفيدةً من علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف وسجلِّها الدبلوماسي وخبرتها في الوساطة على مستوى ملفات إقليمية ودولية. ومع ذلك، ما تزال حظوظ وإمكانية السلطنة للعب دور وساطي في الملف السوري غير مرتفعة، على الأقل حالياً، نظراً لغياب دور محوري لها في المبادرة العربية حتى الآن، وعدم وضوح تقدم في المحادثات الأمريكية الحالية مع النظام، ولكون إرادة وقدرة النظام تجاه تغيير سلوكه وتقديم تنازلات العاملين الأكثر أهمية في إنجاح أي تقدم في مسار الاستعصاء الراهن.


([1]) "من جنيف إلى مسقط.. “الدستورية” قد تستأنف عملها قريباً"، السورية نت، 16 آب/أغسطس 2023، الرابط: https://cutt.us/pMK47

([2]) المبادئ والمرتكزات، وزارة الخارجية العمانية، الرابط: https://cutt.us/ApsPY

([3]) Joseph A. Kechichian: "Oman A Unique Foreign Policy Produces a Key Player in Middle Eastern and Global Diplomacy", Rand Cooperation, 1995, Link: https://cutt.us/l6OAZ

([4])  بريت سودتيك وجورجيو كافييرو: "الخطوات الدبلوماسية لسلطنة عمان في سوريا"، مركز كارينغي، 03 شباط/فبراير 2021، الرابط: https://cutt.us/lSM2k

([5]) المرجع السابق.

([6])  "الوزير المسؤول عن الشوؤن الخارجية يستقبل رئيس الائتلاف السوري"، الوطن العمانية، 20 تشرين الأول/أكتوبر 2015، الرابط: https://cutt.us/hJw1A

([7])  "نص البيان المشترك الصادر عقب مباحثات فيينا بشأن سوريا، العربية"، 31 تشرين الأول/أكتوبر 2015، الرابط: https://cutt.us/wkLDW

([8]) عبدالله الغضوي: "«عكاظ» تكشف التفاصيل.. بن علوي يعرض «صفقة» على الأسد: البقاء مقابل كنس إيران"، عكاظ، 11 تموز/يوليو 2019، الرابط: https://cutt.us/jxiLp

([9]) "الأسد يزور مسقط: المنطقة اﻵن بحاجة أكثر إلى دور سلطنة عُمان"، الميادين، 20 شباط/فبراير 2023، الرابط: https://cutt.us/RbHQe

([10]) “بمساعدة عُمان”.. رسائل متبادلة تتأرجح بين أمريكا ونظام الأسد"، السورية نت، 17 حزيران/يونيو 2023، الرابط: https://cutt.us/6nV9c

شارك الدكتور عمار قحف، المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية أحد برامج المنتدى السوري وعضو مجلس إدارته، بالحدث الجانبي المنعقد بتنظيم من "المنتدى السوري" وبرعاية البعثة الدائمة للاتحاد الأوروبي لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف؛ وذلك على هامش الدورة الرابعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان.

الحدث حمل عنوان "إعادة تشكيل مستقبل سورية: دراسة أدوار النقابات واتحادات الطلاب والمنظمات غير الحكومية في دعم حقوق الإنسان"،  وذلك بتاريخ 26 أيلول/ سبتمبر 2023 في قصر الأمم المتحدة في جنيف.

وتناول الحدث دراسة شاملة للأدوار التي لعبتها الكيانات مثل النقابات واتحادات الطلاب والمنظمات غير الحكومية في تاريخ سورية، كما ركزت على تقييم إمكانية استخدام النظام لهذه الكيانات كأدوات للقمع، واستعراض كيفية تطور هذه الكيانات وكيفية التلاعب بها من قبل النظام في المستقبل.

كما هدف إلى تسليط الضوء على الديناميكيات الحاسمة التي يمكن أن تؤثر على مشهد حقوق الإنسان في سورية، والمساهمة في فهم أوسع للتحديات المستمرة التي يواجهها الشعب السوري والسبل المحتملة للتغيير الإيجابي في نضاله من أجل الحرية.

وتناول الدكتور القحف خلال كلمته؛ دور حزب البعث منذ قدومه إلى السلطة في تسخيره للمجتمع المدني من أجل تحقيق فكرة الدولة الشمولية عبر قوننة ارتباط كل المنظمات النقابية والطلابية والمجتمعية بحزب البعث عبر مراسيم وقوانين استمرت حتى عهد بشار الأسد.

مدللاً خلال حديثه على احتكار البعث للاتحاد الوطني لطلبة سورية لشغل مساحة العمل الطلابي للمرحلة الجامعية مشكلاً من خلالها نظام الأسد كتائب البعث عام 2012 والتي تهدف لتجنيد الطلاب الجامعيين من أجل المشاركة في عمليات اقتحام المدن وقمع المظاهرات السلمية.

وعلى دور الاتحاد الوطني البارز في تحويل الصراع إلى طبقات المجتمع عبر تسليحه للموالين له من الطلاب وإطلاق يدهم في الجامعات من أجل قمع واعتقال وتعذيب الطلاب المشاركين في الحراك السلمي الهادف إلى الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في البلاد.

معتبراً القحف أن الاتحاد الوطني لطلبة سورية هو أهم أدوات نظام الأسد لإعادة تعويمه دوليا في المؤسسات التعليمية التي تقدم المنح للأشخاص المتورطين بالمجازر بعد 2011 أو تضم أشخاص ساهموا عسكريا في المعارك بسورية.

 
رابط الدراسة باللغة العربية: https://bit.ly/3qBBiw1
رابط الدراسة باللغة الانكليزية: https://bit.ly/3Rswftb
الدراسة من إعداد: Yaman Zabad

بتاريخ 22 أيلول 2023، عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة حوارية حول الورقة التي أصدرها بعنوان: إلغاء محكمة الميدان العسكرية...نهج التغير الشكلاني، وذلك في مدينة غازي عنتاب، تركيا.

ناقشت الندوة آثار المرسوم التشريعي 32 لعام 2023 القاضي بإنهاء العمل بمحكمة الميدان العسكرية، وخطوات العمل اللاحقة على الصعيدين السياسي والحقوقي.

كما شارك بالندوة كلاً محمد منير الفقير، ومحسن المصطفى، وعبادة صمودي من فريق البحث في المركز، وحضرها عدد من المراكز البحثية والمنظمات الحقوقية، بالإضافة لعدد من الشخصيات الحقوقية والسياسية والعسكرية السورية.

رابط الورقة: https://bit.ly/3LscsGj

 

أتى اجتماع عمان في 1 أيار/ مايو 2023 والذي ضم وزراء خارجية الأردن والعراق والسعودية ومصر ووزير خارجية النظام، [1] في سياق تشهد فيه  تفاعلات النظام الاقليمي مجموعة من المؤشرات الدالة على إعادة تشكله كإعادة تعريف "الأثر الأمريكي وأدوات فاعليته وفلسفة تموضعه" وتنامي الدور الصيني والروسي، إضافة إلى وجود مؤشرات في تغيير فلسفة خرائط المصلحة والتي أضحت "تتحرر" من القواعد الكلاسيكية. وضمن هذا الإطار تتزايد خطوات الفعل العربي  تجاه المشهد في سورية".

يؤشر تلخيص وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي" للرؤية العربية للحل في سورية بأنها قائمة على "دور عربي قيادي في جهود حل الأزمة السورية" وفق منهجية خطوة مقابل خطوة بما ينسجم مع القرار 2254 ، على أهمية البحث عن جهود الاستقرار ومنع مسببات السيولة الأمنية إلا أنها ترتبط بضرورات تقييم الحركية السياسية العامة وتحديد  مكامن الخلل وعواملها وعناصرها.

تناولت أجندة المحادثات العربية ثلاثة مسارات: إنسانية وأمنية وسياسية بإمكانها أن تشكل تحريكاً مهماً للملف السوري لا سيما بعد حالة الجمود و"تمترس الجغرافية" وتعطل الاستحقاقات السياسية، إذ تم ربط المسار الانساني وما طرحه من قضايا بأولويات هامة جداً للمجتمع السوري إلا أنه ينبغي ربط هذا المسار  بمبدأ " ما فوق التفاوض". وإخراجه عن دائرة الابتزاز السياسي التي لطالما وظفه النظام وجيره لمكاسب سياسية.  أما المسار الأمني -على الرغم من شمله لضرورة معالجة ملفات أمنية ملحة- ينبغي له أن يراعي توافر ثنائية "القدرة والرغبة" الغائبة عن نظام الأسد، لذلك يرتبط هذا المسار بمناخ سياسي شرعي ينبغي أن يتوفر وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة. أما المسار السياسي فتمت صياغته دون جدول زمني ودون أي توافر قواعد الزام من قبل النظام بالانخراط الجدي وهو ما يجعل هذا المسار وفق التصور العربي مجرد محاولة؛ أي أن الجهود ترمي لتوفير مسار أمني وانساني، وهذا ما يؤكد مؤشرات التكيف مع التمترس الجغرافي وما يعنيه من تجميد سياسي.  

قد يشكل اتفاق عمان نقطة  توافقية ما بين الموافقين  والرافضين لعودة النظام  إلى الجامعة، خاصة أن فلسفتها قائمة على خطوة مقابل خطوة؛ إلا أن حركية النظام في التعاطي مع هذه الجهود لن تخرج عن ديناميات حركته الدبلوماسية السابقة (القبول الشكلي  والدخول بالتفاصيل دون تحقيق أي انجاز)، فهو سيحاول تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية الصورية ومكاسب اقتصادية تعينه باستحقاقاته المحلية مستنداً على استراتيجية الصبر الاستراتيجي.

تتموضع قضية العودة تموضعاً مركزياً في الأجندة العربية، وقد قدمت شروطاً دافعة لتحسين بيئة العودة ومستلزماتها، ومن الجدير بالتنويه في هذا السياق أن النظام قاوم هذه العودة حتى حينما طرحت موسكو "برنامج العودة "، إذ أن النظام  ينظر لملفات اللجوء والهجرة التي ترافقت مع المشهد السوري بعد 2011 بأنها  "تطهير ذاتي" في البنية المجتمعية وأنه لن يتصالح مع من ناهضه لسنوات على مستوى عودة اللاجئين، فعلى مستوى التنفيذ لكل أطروحات العودة تؤكد المعطيات أن جلها يخضع لعملية الاعتقال،  أخرها تلك الاعتقالات التي طالت السوريين الذين تم تسليمهم من قبل السلطات اللبنانية. ومن جهة أخرى، يستخدم النظام نصوص العفو الصادرة عنه كمدخل لتحصيل المكاسب السياسية من خلال "تعويم" النظام، والإيحاء بأن الحل ينبع من داخل الدولة، وبأنّ النظام قادر على إدارة ملفي المعتقلين واللاجئين وحده، سعياً منه لخلق مساحات تفاوض مع الدول الفاعلة، ليضمن بذلك سحب ملف المعتقلين والمختفين قسراً والمهجرين من قوى التغيير الوطنية، وإعادة إنتاجه بما يضمن إفلاته من العقاب، وتخفيف العقوبات والعزلة الدولية.

أيضاً؛ تنال قضية "المخدرات" أهمية واضحة في بيان عمان، فقد أغرقت شبكات النظام العاملة بالمخدرات الأردن والخليج بمئات الشاحنات ( إذ تعد الفرقة الرابعة المحور الرئيسي في هذه الشبكات) ولهذا الأمر خطورته على الأمن المحلي لتلك الدول ومجتمعاتها،  وينطلق تعاطي الدول العربية مع تلك القضية باعتبارها  مهدداً أمنياً لا يستوجب انتظار الصفقات السياسية، إلا أن هذا التعاطي لا يلحظ قدرة النظام على هذا الضبط من جهة وعدم رغبته بالتخلي عن ورقة تفاوض ومساومة من جهة ثانية، فهذه الآلية (آلية الابتزاز وامتلاك أوراق ضغط) جزء رئيسي في سياسة الشرعنة والتعويم.

من المبكر الحديث عن انعكاسات فعلية للمبادرة العربية وذلك لأسباب عديدة؛ فعودة النظام لا تزال تصطدم بمعارضة قطر والكويت والمغرب في ظل ضرورة توفر إجماع عربي ضمن الجامعة العربية للضغط على المجتمع الدولي لرفع العقوبات عن سورية، إضافة لذلك فإن الموقف الأوربي والأمريكي لا يزال غير مشجع للتطبيع مع نظام الأسد ويُؤكد على تمسكه بالعقوبات وربط جميع مسارات الحل في سورية بالقرارات الأممية، ومن جهة أخرى مرتبطة بالمستوى الإقليمي لا تظهر المبادرة العربية قدرة على التأثير في نفوذ القوى الإقليمية المتدخلة في سورية، فمن جهة لا تزال إيران تحصل على الامتيازات في سورية عبر علاقتها بالنظام، آخرها الحديث عن توقيع اتفاق بين البلدين ينص على تشكيل ثماني لجان مشتركة،[2] ومن جهة ثانية تربط أنقرة تواجدها في سورية بالحفاظ على أمنها القومي وتنفيذ القرارات الدولية. وعلى الرغم من المساعي الروسية في التقريب بين البلدين إلا أن مسافات التباعد البينة لاتزال واسعة. أما محلياً، فقد أبدت الأوساط الشعبية المعارضة للنظام رفضاً لمحاولة تعويم النظام عبر مظاهرات شعبية في مناطق عدة داخل وخارج سورية رفضاً لمسار التطبيع.

يرتبط سيناريو نجاح المبادرة العربية واستمرارها بقدرة الساعين في المسار على حشد موقف عربي شامل قادر على إقناع المجتمع الدولي بجدية توجه النظام للتغيير السياسي وضرورة امتلاكهم لأدوات الضغط الفعال حتى لا تغدو  المبادرة  تشجيعاً على الإفلات من العقاب، إذ من المتوقع أن يبدي النظام بعض التغييرات الشكلية بهدف الحصول على الموارد الاقتصادية للدفع بعجلة المسار، لكن لا يمكن للدول العربية تحمل تكلفة تعويم النظام وإعادة دمجه في النظام العربي وفق مسار طويل لما سيحمله من تكاليف وأعباء على دول المسار.


[1]- سبق هذا الاجتماع اجتماع تشاوري لدول  مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق ومصر، استضافته المملكة العربية السعودية في جدة، في 14 من نيسان/ إبريل الماضي اتفق فيه المجتمعون على تأدية دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء ما أسموه بـ" الأزمة في سورية". إضافة لقمة جدة، أجُريت مجموعة اتصالات قامت بها دول عربية مع حكومة النظام السوري عقب الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا في شباط/ فبراير 2023، وتقدمت الأردن في 21 آذار/ مارس 2023 بمبادرة عربية لحل سياسي للأزمة السورية. وسط جهود إقليمية لعودة النظام السوري للجامعة العربية في ظل رفض بعض الدول العربية عودة النظام لمقعد الجامعة العربية.

[2] - لجنة لمتابعة ديون إيران، وآخرى مختصة بالمصارف والشؤون المالية والتأمين، ولجنة الشؤون الاستثمارية، ولجنة مختصة في ملف النفط، وأخرى في ملف النقل بكل أنواعه، ولجنة متخصصة في الشؤون التجارية والصناعية وواحدة مخصصة بالشؤون الزراعية، ولجنة متعلقة بالشؤون السياحية ومنها السياحة الدينية.

عقد مركز عمران بالتعاون مع فريق صدى الشبابي في مدينة الباب بالداخل السوري بتاريخ 29 كانون الأول 2021، دورة تدريبية تحت عنوان: الأدوار الوظيفية لمنظمات المجتمع المدني، قدم خلالها مدير البحوث بمركز عمران، الأستاذ معن طلّاع، تدريباً حول؛ الرقابة المجتمعية والمبادرات المحلية.
حضر التدريب شخصيات شبابية فاعلة، وممثلين عن منظمات مجتمع مدني.