تحظى محافظة إدلب بأهمية خاصة في مسار الأزمة السورية؛ إذ هي الملاذ الأساس للمهجَّرين والمعقل الأساس لهيئة تحرير الشام. وتتجه المحافظة نحو عدة مسارات تعتمد على سياسات عدة دول فاعلة، خاصة تركيا التي تريد استيعابها، في حين يتحين النظام الفرص لإخضاعها لسلطته.
يقف المشهد السوري العسكري اليوم على مفترق طرق نحو تشكيل ترتيبات أمنية جديدة، وذلك بعد إنهاء النظام وحلفائه لجيوب عسكرية لقوى المعارضة في مناطق "سوريا المفيدة" واستحكام قبضتهم فيها، مقابل اتفاقيات تجميد الصراع أو خفض التصعيد في إدلب ودرعا. وتوجد أيضًا مناطق خارج سيطرة النظام أكثر استقرارًا بحكم تواجد ضامن عسكري مباشر مثل مناطق شمال شرق سوريا (قوات قسد مع قوات أميركية) أو مناطق شمال وشمال غرب سوريا (الجيش التركي وقوات المعارضة). وفي هذه الأثناء، يحاول النظام السوري وحلفاؤه استثمار المرحلة الراهنة لإعادة ترتيب مناطقه أمنيًّا؛ حيث يسعى الروس إلى دمج بعض الفصائل القريبة منه في الفيلق الخامس والسادس والسابع كما يجهدون في إعادة هيكلة وزارة الدفاع وهيئة الأركان. في المقابل، تنخرط إيران مدنيًّا وإداريًّا في بنى محلية واجتماعية واقتصادية مع تنظيم قواتها العسكرية وإعادة تمركزها في المناطق الحدودية لسوريا عمومًا، ولإجراء مناوشات في مناطق التماسِّ مع القوات الأميركية خصوصًا. ويتضح من قراءة المشهد السوري العام أنه مُتجه نحو تفاهمات جديدة لم تتبلور معالمها بعد، وعنوانها العريض هي تفاهمات أمنية لفتح الطرق الرئيسية بين المدن وخطوط التجارة المحلية والخارجية.
وفي ضوء هذا المشهد وتحولاته المحتملة، تبدو إدلب وكأنها "المعضلة المؤجلة" حاليًّا لاعتبارها المحطة الأخيرة في سلسلة إجراءات وتفاهمات لإنهاء الصراع العسكري، ففيها خزان بشري كبير لنازحين من مختلف المناطق السورية، وتوجد فيها مجموعات مسلحة كثيرة بما فيها "مجموعات متشددة" عصية على الاندماج مع باقي الفصائل، ومنها ما تجذَّر في البنى الإدارية والمجتمعية بما له من سيطرة مسلحة كهيئة تحرير الشام، فضلًا عن أن ترتيبات الآستانة في إدلب لم تنتهِ بشكل كامل ما يعطي النظام وحلفاءه فرصة للاستثمار في هذه المعضلة واستغلالها أيما استغلال.
ونظرًا لأهمية معضلة إدلب في مسار الأزمة السورية، تُقيِّم هذه الورقة المشهد العسكري والإداري، وكذلك الترتيبات الأمنية من حيث التماسك أو الهشاشة في هذه المحافظة، لتخلص إلى مقاربة لفهم الواقع في إدلب كما تستطلع المآلات والسيناريوهات المستقبلية المحتملة.
تقع محافظة إدلب في أقصى الشمال الغربي لسوريا، وتُحاذي جزءًا من الحدود السورية-التركية، وقد بلغ عدد سكانها في 2011 حوالي 2.072.266 نسمة، وبلغت مساحتها 5464 كم2 ([1]). شاركت المحافظة بالثورة منذ أيامها الأولى لتخرج عن سيطرة النظام بشكل كامل في مارس/آذار 2015، بعد سيطرة قوات معارضة ومجموعات أخرى على مركزها. وبقيت كل من كفريا والفوعة "الشيعيتين" المحاصَرَتَيْن تحت سيطرة النظام ورهنًا لاتفاقية "المدن الأربعة" (كفريا-الفوعة/الزبداني-مضايا) بين إيران وأحرار الشام وهيئة تحرير الشام في أبريل/نيسان 2017. ومع استكمال ترتيبات الآستانة في 15 سبتمبر/أيلول 2017 واتفاقيات خفض التصعيد في إدلب، تمكَّن النظام وحلفاؤه الروس من السيطرة على أجزاء شرق سكة الحديد جنوب شرقي المحافظة، وتقدر مساحة المناطق التي سيطر عليها بما معدله 17.5% من مساحة المحافظة (متضمنًا مساحة كفريا والفوعة).
تبرز أهمية إدلب كونها كانت الملجأ الأساس في تهجير قسري ممنهج من كافة المناطق إليها، منذ تهجير مدينة حمص القديمة في مايو/أيار 2014، ثم حلب الشرقية، ثم ريف دمشق، وانتهاء بتهجير ريف حمص الشمالي في مايو/أيار 2018 (ينظر الجدول أدناه[2]. كما تضمنت الهجرات مدنيين وعسكريين ومنتمين لمجموعات مصنفة كإرهابية، مما عقَّد المشهد الديمغرافي ووضع عبئًا كبيرًا على المنظمات الإغاثية والاجتماعية بسبب اختلاط السكان بالمجموعات المسلحة. ويُشير تقرير وحدة تنسيق الدعم أنه وحتى تاريخ 23 أبريل/نيسان 2018 بلغ عدد النازحين إلى الشمال السوري عمومًا من الغوطة الشرقية والقلمون حوالي 75339. ([3])
الجدول رقم (1) يوضح تحول إدلب إلى موئل لتهجير قسري ممنهج من كافة المناطق
بالمقابل، ترافق مع هذه الزيادات السكانية سياسات استجابة طارئة، خلقت مشكلات تحتاج إلى حلول تنموية. وبسبب حجم المسؤولية الكبيرة والضاغطة على المحافظة لم تجد الفعاليات الإدارية المحلية سوى المنظمات الدولية والمحلية لمساعدتها في حل أزمة المهجرين، وحاولت تشكيل نموذج (إسعافي) في إدارة المهجرين من خلال "الهيئة العامة لإدارة المهجرين" التي كان لها أدوار أولية في تخفيف العشوائية والفساد الحاصل في توزيع المساعدات وضبط احتياجات المخيمات وتقديمها للمنظمات([4])، إلا أن تردي الواقع الاقتصادي والإداري في المحافظة أسهم في تنامي المؤشرات التي تنذر باتساع حجم التحدي وازدياد صعوبات المعالجة. وشهد المستوى العام للأسعار ارتفاعًا ملحوظًا رافقه انخفاض كبير في سعر صرف الليرة التي وصلت إلى حدود 500 ليرة أمام الدولار بانخفاض قارب 90% للقيمة الشرائية. كما ارتفعت معدلات الفقر؛ إذ بلغت نسبة الفقر في المحافظة حوالي 90.5% في ([5])2015، وهي من أعلى النسب في سوريا. وإذا ما أضفنا نسب العوائل النازحة والمهجرة المحتاجة (حتى نهاية عام 2017) فإن النسبة العامة للفقر ستصل لمستويات بالغة الخطورة حيث يبلغ مجموع تلك العائلات 119.696 عائلة فيهم 107.622 عائلة ذات دخل شهري أقل من 40 دولاراً.([6])
كما أسهم تدهور الأداء الاقتصادي على كافة المستويات في الانكماش في النشاطات الاقتصادية وبروز العديد من النشاطات غير الرسمية كانتشار العمل العشوائي وتنامي ظاهرة "تجار الأزمة"؛ مما أفسح المجال أمام اقتصاد مواز يحاكي الرسمي المفترض، بإيراداته وشبكاته وتعاملاته التجارية. كما أن سوء الأحوال الأمنية وتدخل "الجماعات المسلحة" في مفاصل الإدارة، والقصف العنيف، وانتشار الاغتيالات، شكلت عوامل رئيسية لهروب أصحاب الأموال للخارج وعدم استقبال المحافظة لأي نوع من الاستثمارات، فانتشرت على إثر ذلك البطالة في ظل حاجة المواطنين الماسة للعمل من أجل كسب المال.
بالعموم، فإن تزايد التحديات الناجمة عن تنامي الكثافة السكانية جراء سياسات التهجير وحركية النزوح المحلي فرضت على الفعاليات المحلية الإدارية والتنموية تحديات متنامية تستوجب منها إجراءات تراعي البُعد التنموي والاقتصادي في المحافظة، وهو الأمر الذي لا يزال متعثرًا بحكم السيولة الأمنية والاقتتال الداخلي من جهة، وتغليب منطق الاستجابة الطارئة بحكم المتغيرات المتسارعة في ملف المهجرين من جهة أخرى.
انخرطت محافظة إدلب -شأنها شأن معظم المحافظات- في الحراك السلمي والمظاهرات الشعبية منذ مارس/آذار 2011، ثم دخلت خط "الكفاح العسكري" الدفاعي ثم الهجومي في 2012، ثم جاءت سيطرة غرفة عمليات "جيش الفتح" على مدينة إدلب في مارس/آذار 2015. بالمقابل، استمرت جبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام كامتداد لها في قضم الفصائل الثورية المحلية والتمدد العسكري والإداري والمدني والتغلغل في مناطق إدلب.
شكَّل تحرير مدينة إدلب في 2015 مُرتكزًا لنمو حركة النزوح لاحقًا إليها وإلى تمدد نشاط المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني ثم الحكومة المؤقتة ثم اقتحام "حكومة الإنقاذ" كأداة إدارية لهيئة تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب. وزادت الأحداث من تداخُل الوجود العسكري مع اكتظاظ السكان النازحين في المحافظة وبالتالي من شدة التحديات الأمنية والاقتصادية.
خضعت محافظة إدلب لعدة محاولات لوقف إطلاق النار أو خفض التصعيد والتوتر كان آخرها في 15 سبتمبر/أيلول 2017 في اجتماع الآستانة السادس بين روسيا وتركيا وإيران، وتمخض عن "تقاسم للأدوار والنفوذ"، ولكن لم تُنجز الخرائط التفصيلية وبقي الخلاف على بعض النقاط خاصة من الجانب الإيراني الذي أصر على تواجد قوات قريبة منه على الحواجز الفاصلة ونقاط المراقبة، بينما أصرت تركيا على إمساك الملف الأمني بمفردها. وأدى عدم حسم الملف إلى استغلال النظام وإيران للوضع واقتحمت قواته مناطق جنوب شرق محافظة إدلب شرق سكة الحديد في الشهر الأول من 2018 واستعادت السيطرة عليها.
يُذكر أن نسب السيطرة قبل هجوم النظام كانت على الشكل التالي: 98.5% قوى الثورة مع انتشار لجبهة النصرة، و1.5% ميليشيات ممولة من إيران وقوات النظام. أما بعد هجوم ميليشيات إيران وقوات النظام فقد استطاع النظام أن يُسيطر على منطقة واسعة وصلت نسبتها إلى 16%، فأصبح توزُّع نسب السيطرة على الشكل التالي: 82.5% قوى الثورة متنازعة مع فصائل أخرى كجبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام، و 17.5% ميليشيات إيران وقوات النظام. ([7])
وإثر تقدم النظام السريع في جنوب شرق إدلب سارعت تركيا إلى تنفيذ بنود اتفاق الآستانة ونشرت عدة نقاط مراقبة عسكرية وصلت إلى عشر نقاط حتى 9 مايو/أيار 2018 (موضحة على الخريطة الرئيسية)، ويُتوقع أن تصل إلى 20 نقطة لتُحيط بكامل أنحاء المحافظة ثم التفرغ لضبطها أمنيًّا وعسكريًّا. ([8]) ويكمُن التحدي الأساسي في إدلب أمام الجيش التركي المنخرط في عمليات لمواجهة قوات الحماية الشعبية الكردية في سيولة المشهد أمنيًّا وانخراط هيئة تحرير الشام جغرافيًّا في أماكن المدنيين وتداخلها مع هيئات إدارية كحكومة الإنقاذ وبعض المجالس المحلية.
خريطة تبين مناطق السيطرة والنفوذ بين القوى العسكرية المحلية والإقليمية في إدلب ومحيطها
أما فيما يتعلق بالمشهد الأمني في إدلب، فقد شهدت هيئة تحرير الشام إضعافًا لبنيتها وعلاقتها بالحاضنة المجتمعية من عدة أطراف منذ بداية دخول الجيش التركي إلى إدلب؛ فقد سعت تركيا لعدم الدخول في حرب مفتوحة لمواجهة الهيئة وتأسيس مراكز المراقبة لوقف إطلاق النار حسب اتفاق الآستانة مما أدى إلى انقسام صفوف الهيئة في الموقف تجاه الدخول التركي وانشقاق عدد من فصائلها ومرجعياتها. وقامت أطراف عديدة غير معروفة -يرى البعض أنها خلايا متبقية من تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جند الأقصى"- ببث الفوضى الأمنية في مناطق سيطرة الهيئة عبر تنفيذ سلسلة من الاغتيالات والتفجيرات. ومن الملاحظ من خلال تحليل بيانات الاستهداف الأخيرة خلال شهري مارس/آذار، وأبريل/نيسان 2018 أن أغلب أماكن حدوث الاغتيالات كانت في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (انظر الشكل أدناه).
الشكل رقم (1) يوضح توزيع السيطرة العسكرية في "مناطق الاغتيالات" بإدلب
الشكل رقم (2) يبين توزيع الجهات التي استهدفتها حملة الاغتيالات الأخيرة في إدلب
وشهدت المحافظة في الآونة الأخيرة عدة تطورات أبرزها تشكيل تنظيم "حراس الدين" في 27 فبراير/شباط 2018 بقيادة أبوهمام الشامي القيادي في تنظيم "القاعدة"، وأعلن بيعته لتنظيم "القاعدة". وضم تنظيم "حراس الدين" الفصائل التالية: حراس الشام، وسرايا الساحل، وسرية كابل، وجند الشريعة، بالإضافة إلى قيادات "القاعدة" في مجلس الشورى الذي يضم: أبو حبيب طوباس، وأبو خديجة الأردني، وسامي العريدي، وأبو القسام، وأبو عبد الرحمن المكي، وعدد من القيادات السابقة في "جبهة النصرة" التي رفضت فك الارتباط بالقاعدة. بعد نحو أسبوع من إعلان تشكيل "حراس الدين"، أعلنت ثلاث فصائل أخرى انضمامها إليه، وهي: "جيش الملاحم"، و"جيش البداية"، و"جيش الساحل". التزم تنظيم "حراس الدين" الحياد في الاقتتال الذي اندلع بين "هيئة تحرير الشام" و"جيش تحرير سوريا" في ريفي حلب وإدلب، ولكن هذا لم يمنع من حدوث بعض الاشتباكات بين مقاتلي "هيئة تحرير الشام" ومقاتلي حراس الدين في منطقة ريف حماه الشمالي، وخاصة أن معظم المنتسبين لحراس الدين هم عناصر (محلية وأجنبية) سابقة في الهيئة وفي جند الأقصى، ومعظمهم باتوا على خلاف واضح مع التيار الأقل تشددًا في الهيئة، وعلى خلاف مع قوى الثورة السورية. وأعلن تنظيم "حراس الدين" التابع لتنظيم "القاعدة" وفصيل "أنصار التوحيد" (منشق سابقًا عن "جند الأقصى")، في 29 أبريل/نيسان 2018، اندماجهما ضمن حلف واحد حَمَل اسم "حلف نصرة الإسلام". وذكر بيان مشترك لـ "التنظيمين"، أن هدف اندماجهما "إقامة دين الله تعالى، وتطبيق الشريعة الإسلامية، ودفع العدو الصائل"، وذلك مِن "باب التعاون على البر والتقوى"، طبقًا للبيان.
تنحصر سيطرة حلف "نصرة الإسلام المُبايِع لتنظيم "القاعدة" الآن في ريف حماه الشمالي وفي الريف الجنوبي من جسر الشغور في إدلب، ولكن الثقل الأساسي يكمُن في شمال حماه. ويبلغ عدد مقاتلي الحلف حوالي 2500 منهم 1000 أجنبي([9]). ومن المتوقع أن يزداد عدد الأجانب في التشكيل، خاصة مع قبول "هيئة تحرير الشام" التهدئة مع "جيش تحرير سوريا" وعدم فتح جبهات جديدة من النظام سواء من قوى الثورة أو غيرها. هذه الأسباب تجعل من "حلف نصرة الإسلام" الخيار الأخير والوحيد للأجانب كي يحموا أنفسهم في إدلب. لذا، من المرجح أن نشهد معارك بين هذا الحلف وقوى الثورة من جهة ومع الهيئة من جهة أخرى. يُذكر أن فصيلي "حراس الدين" و"أنصار التوحيد" شنَّا هجومًا مباغتًا، في مطلع شهر مايو/أيار 2018، على مواقع قوات النظام في ريف حماه الشمالي، وتمكَّنا من السيطرة على بلدة الحماميات وتلَّتِها الاستراتيجية بريف حماه، قبل أن ينسحبوا منها نتيجة غارات الطيران الروسي.
حدَّد القرار رقم 1378 للعام 2011، والصادر عن وزارة الإدارة المحلية التابعة للنظام([10])، التقسيمات الجغرافية المركزية للمحافظة بـ6 مناطق تضم 26 ناحية فيما تُقسَّم المحافظة إداريًّا لا مركزيًّا إلى 157 وحدة إدارية توزع على 15 مدينة و47 بلدة و95 بلدية تتمتع بالشخصية الاعتبارية و304 تجمعات([11])، إضافة إلى العشرات من القرى والمزارع والتجمعات التي لا تحظى بالشخصية الاعتبارية ولا تشملها التقسيمات الإدارية([12]). ويُقدر عدد المجالس المحلية التي سقطت بيد النظام بحوالي 17 مجلسًا محليًّا معتمدًا، مقابل 140 مجلسًا محليًّا تديره قوى المعارضة.
الشكل رقم (3) يوضح توزيع نسب السيطرة على الوحدات الإدارية في إدلب بين النظام والفصائل السورية
ويُعاني المشهد الإداري في محافظة إدلب من هشاشة وتشظٍّ كبيرين، أسهم فيهما التداخل بين الحالتين السياسية والعسكرية في المحافظة، الذي انعكس على المنظومة الـمُهيكلة للمجالس المحلية بنشوء مجالس محلية غير معتمدة من الحكومة المؤقتة، وتضاعفت أعدادها بشكل كبير. كما أن تشكيل "حكومة الإنقاذ" من قبل شخصيات مرتبطة بتنظيم "هيئة تحرير الشام" المصنف إرهابيًّا من أطراف دولية([13]) وبحماية وقوة تنفيذية منها زاد في تعقيد المشهد وتداخل الجهات العسكرية بالتنظيمات الإدارية المدنية، وأسهم في تعدد المرجعيات وتضاربها، ويُضاف إلى ذلك انفلات منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية من عقال الضبط الحكومي.
وحسب تقرير أولي لمسح ميداني أجراه مركز عمران للدراسات مع وحدة المجالس المحلية([14])، جرى في الفترة من 8 أبريل/نيسان 2018 وحتى 15 مايو/أيار 2018 في محافظة إدلب، فإن 59% من المجالس المحلية تُصنِّف نفسها بأنها تتبع إداريًّا للحكومة المؤقتة مقابل 7% تُصنف نفسها تابعة لحكومة الإنقاذ. ومن الملاحظات وجود عدد من المجالس التي تتبع الحكومة المؤقتة لكنها مرغمة على التعاون مع حكومة الإنقاذ، فيما تصنف 16% من المجالس نفسها بأنها مستقلة عن حكومتي الإنقاذ والمؤقتة. ومن أهم الملاحظات لفريق المسح الميداني كان عدم تطابق مناطق النفوذ العسكري لهيئة تحرير الشام مع تبعية المجالس المحلية؛ حيثُ تشكل المجالس المحلية التي لها تبعية إدارية للحكومة المؤقتة، رغم أنها تقع في مناطق السيطرة العسكرية لهيئة تحرير الشام، ما مُعدله 22% من مجالس المحافظة الفرعية. ويُمكن عزو ذلك لكون المجالس المحلية مُنبثقة عن الحاضنة الاجتماعية وتُمثل بدرجة كبيرة طبيعة المزاج العام الرافض لممارسات هيئة تحرير الشام. ويؤكد هذا التحليل استعداد عدد من المجالس التي زارها فريق المسح الميداني لانتخابات جديدة لمجالسها مثل أريحا وكفر تخاريم.
الشكل رقم (4) يبين توزيع نسب تبعية المجالس المحلية في إدلب
ومن أهم عناصر استحواذ حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام هي قدرتها على توفير الغاز والتحكم بمعابر تجارية مع النظام وصيانة وتوفير خدمات المياه للمنازل وإدارة المعابر الدولية التي تدر عليها دخلًا توزعه على عدد من المجالس المحلية التي تتبع لها، كما تجري زيارات ميدانية مكثفة للرقابة على عمل المجالس. واستحوذت أيضًا على أي دعم أو تمويل مستقل يأتي للمجالس لمنعهم من امتلاك استقلالية مالية، فمثلًا، كان مجلس كفر يحمول يملك أرضًا زراعية يقوم بتأجيرها ويستفيد من مواردها، لكن منذ سبعة أشهر استولت عليها حكومة الإنقاذ.
عمومًا، يمكن تسجيل عدة ملاحظات تجاه فاعلية المؤسسات السياسية والإدارية المحلية والجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني في محافظة إدلب، إذ تصطدم سياساتها بالعديد من العراقيل التي تحد من خياراتها، ويعود سبب ذلك أولًا: إلى التعارض في أجندات الجهات المسيطرة على المحافظة، وثانياً: لتشتت الإدارات والهيئات المدنية التي لا تزال تفتقر لرؤية استراتيجية موحدة تُمكنها من امتصاص صدمة النزوح وابتداع أدوات إدارة سياسية واقتصادية واجتماعية تتواءم مع الوضع غير المستقر للمحافظة، وثالثًا: للاعتمادية المفرطة على المنظمات الدولية والمحلية في تقديم المساعدات للسكان ومخيمات المهجرين والمجالس المحلية.
رغم إنجاز اتفاق خفض التصعيد في إدلب ضمن الاجتماع السادس في الآستانة، في 15 سبتمبر/أيلول 2017، فإن الخرائط والتفاصيل الجزئية حول آلية المراقبة لم تُحسَم بين الأطراف الثلاثة بشكل نهائي. ولكن يبدو أن التقارب الروسي-التركي حول إدلب أكثر من تقارب الاثنين مع إيران. حيث صرح علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى في إيران، بأن "الخطوة القادمة لمحور المقاومة ستكون تحرير مدينة إدلب السورية([15]). وحذرت الأمم المتحدة عبر نائب المبعوث الدولي إلى سوريا للشؤون الإنسانية، يان إيغلاند، من اندلاع حرب في إدلب لكونها أصبحت أكبر مخيم للنازحين في العالم. كما حذر المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، من انتقال القتال إلى إدلب وتعريض المدنيين إلى خطر كبير. وفي نفس الوقت، تؤكد تركيا عبر عدة تصريحات للرئيس أردوغان أن إدلب وضبطها سيكونان الهدف القادم بعد عفرين ومنبج. ودعا وزير الخارجية الفرنسي، لو دريان، إلى ضرورة تقرير مصير إدلب من خلال عملية سياسية تتضمن نزع سلاح الميليشيات فيها.
بالمقابل، لا يمكن فك مصير إدلب عن معطيات المشهد العسكري العام وجنوحه باتجاه تبلور طموحات إقليمية ودولية ناشئة تجعل هذا المشهد يدخل في مرحلة إعادة تشكل وترتيب جديد، سواء بالاتكاء على فكرة ومفهوم الدول الضامنة أو عبر ترسيم جديد لحدود النفوذ الدولي. وسينعكس هذا الترتيب الجديد حُكمًا (سلبًا أو إيجابًا) على العملية السياسية التي دخلت مرحلة من السيولة المغرقة منذ جنيف 8 وما تبعها من تطورات ميدانية -مثل عملية غصن الزيتون، ومحاولات إعادة ترسيم حدود منطقة إدلب، ومعركة "إسقاط" الغوطة الشرقية، والنفوذ الإيراني في الجنوب السوري- وما رافقها أيضًا من هشاشة في بنى الفاعلين السوريين، سواء المعارضة التي باتت جسمًا سائلًا يصعب ضبط توجهاته، أو النظام الذي يجد نفسه غير قادر على إرفاق السيطرة العسكرية بسيطرة سياسية واجتماعية (كما يتخيل)، وغير مؤهل لمواجهة استحقاقات مرحلة البناء وإعادة الإعمار.
وفقًا لهذه المعطيات، يمكن الاستدلال فيما يتعلق بالمحافظة على أنها تسير وفق عدة اتجاهات يتضح التموضع التركي الرئيسي منها جميعًا، فتركيا رأت في اعتماد الخيارات الصلبة المدخل الأكثر حسمًا في مواجهة المهددات الأمنية التي تتعاظم ضدها، وسيكون لها تأثير واضح في الشمال السوري خاصة بعد شبه اكتمال تحقيقها لأهداف غصن الزيتون واستحواذها شبه المكتمل على الأجزاء الشمالية، بالإضافة إلى أدوار تركية محتملة ضمن مسار الآستانة فيما يخص محاربة جبهة تحرير الشام سواء عبر سياسات تفكيك أم مواجهة مباشرة عبر فصائل المعارضة، وفي ذات الوقت يُتوقَّع أن يخضع اتفاق الآستانة لخروقات مستمرة من قوات تتبع إيران وتميل إليها روسيا أحيانًا عندما تريد الضغط على تركيا، ثم تعود لتدعم الموقف التركي في تحصين هذه المنطقة أمنيًّا وإدارتها مدنيًّا.
بالمقابل، يسعى النظام إلى الدفع باتجاه استعادة "السيادة الوطنية" عبر مقاربات عسكرية أو سياسية عندما يعجز عن استخدام أدوات الروس أو الإيرانيين. وقد يلجأ إلى عدة خيارات بالتوالي أو التوازي، أهمها:
تتجه إدلب نحو عدة مسارات تعتمد على سياسات وردود أفعال عدد من الدول الفاعلة، خاصة تركيا التي تبدو الفاعل الرئيسي فيها. في حين يبدو أن النظام سيسعى بداية إلى عقد صفقات لفتح الطرق الدولية الرئيسية في سوريا وبالتالي عقد اتفاقيات تجارية مع مختلف المناطق مع تعزيز حالة الفوضى الأمنية في مناطق المعارضة في إدلب بشكل خاص. ويتوقع أن يخضع اتفاق الآستانة لمساومات ومنازعات من قوات تتبع النظام وإيران وتميل إليها روسيا أحيانًا عندما تريد الضغط على تركيا.
المصدر مركز الجزيرة للدراسات: https://bit.ly/2s95y01
([1])منظمة التنمية المحلية بالتعاون مع الحكومة السورية المؤقتة، "أطلس المعلومات الجغرافي، إدلب"، 17 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018):
https://drive.google.com/drive/folders/0B9mAVSIoeDcPNFRKY1MzejNxV3c
يُشار إلى أن المكتب المركزي للإحصاء التابع للنظام يُقدِّر عدد سكان محافظة إدلب في عام 2016 بـ1445000 نسمة، وهو رقم يبدو أنه لا يشمل النازحين إلى المحافظة، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018): http://www.cbssyr.sy/yearbook/2017/Data-Chapter2/TAB-4-2-2017.pdf
([2]) وحدة المعلومات، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تقرير غير منشور، 8 مايو/أيار 2018.
([3]) وحدة التنسيق والدعم، "الكارثة في سورية: التهجير القسري من الغوطة الشرقية والقلمون"، 3 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول 9 مايو/أيار 2018).
([4]) حيث عملت الهيئة على تقسيم المحافظة إلى قطاعات ضمن كل قطاع عدد معين من المخيمات بحيث يكون لكل قطاع مدير ولكل مخيم إدارة خاصة به تعمل على إحصاء أعداد المهجرين واحتياجاتهم المختلفة داخل المخيم من سلع وخدمات تشمل الصرف الصحي والتعليم والصحة والطعام...إلخ، وترفع هذه الحاجيات إلى إدارة القطاع الذي بدوره يوصلها للهيئة العامة حيث تجتمع لديه لوازم ونواقص المخيمات في قطاعات المحافظة كافة، فيتم توجيه المنظمات الإغاثية حسب تلك المعلومات.
([5]) المركز السوري لبحوث السياسات، "مواجهة التشظي"، 11 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018):
([6]) إحسان للإغاثة والتنمية، "تقييم الاحتياجات متعدد القطاعات في محافظة إدلب"، يناير/كانون الثاني 2017، تقرير غير منشور لدى المؤلف.
([7]) حسب تقدير وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، غير منشور، بالاعتماد على احتسابها باستخدام برنامج ال ArcGis بتاريخ 15 أبريل/نيسان 2018.
([8]) حسب الموقع التركي: http://www.suriyegundemi.com/2018/05/09/9620/ تاريخ الدخول 9 مايو/أيار 2018.
([9]) حسب مقابلة مع مصدر خاص في إدلب لدى وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بتاريخ 8 مايو/أيار 2018.
([10]) اعتمد القرار 1378 على القانون الإداري 107 المتضمن معايير تقسيم الوحدات الإدارية بحسب عدد السكان في كل منطقة، كما اعتمد على الإحصاء السكاني للمكتب المركزي للإحصاء التابع لحكومة النظام للعام 2004 وتعديلاته للعام 2011 وفق معدل النمو السكاني في سوريا
([11]) يُقصد بالشخصية الاعتبارية تمتع الوحدة الإدارية بالذمة المالية المستقلة والأهلية القانونية للقيام بالتصرفات القانونية المختلفة كإبرام العقود وحق التقاضي أمام القضاء وإمكانية مقاضاتها من الغير، والموطن المستقل عن الأفراد المكونين لها، ووجود شخص يعبِّر عن إرادة هذه الوحدة ويتصرف باسمها ويمثلها، إضافة إلى تمتعها بالمسؤولية المدنية والإدارية الكاملة
([12]) منظمة التنمية المحلية، 17 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018): https://bit.ly/2s2Uv8H
([13]) تم تصنيف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية من طرف الولايات المتحدة الأميركية بتاريخ 10 مارس/آذار 2017، موقع وزارة الخارجية، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018): https://www.state.gov/j/ct/rls/rm/273854.htm
وانظر موقع السفارة الأميركية في دمشق، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2018) إضغط هنا.
([14]) التقرير الأولي غير منشور بتاريخ 8 مايو/أيار 2018.
([15]) إيران: هدفنا القادم إدلب والوجود العسكري الأميركي لن يبقى شرق الفرات، موقع روسيا اليوم، تاريخ النشر: 13 أبريل/نيسان 2018: goo.gl/xmrxxc
شارك مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ممثلاً بباحثيه أيمن الدسوقي ومعن طلاع بالندوة الأكاديمية التي عقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات والتي حملت عنوان "مآلات الثورة السورية"، وذلك يومي 7 و8 نيسان 2018، في العاصمة القطرية الدوحة.
في اليوم الأول تناول الباحث الدسوقي في ورقته التي جاءت تحت عنوان: "مقاربة الحركات الجهادية للحكم المحلي وأثرها في الثورة السورية: مقارنة بين تنظيم الدولة وهيئة تحرير الشام" أنماط الحكم المحلي التي أفرزتها الثورة السورية، وخصوصاً تلك التي نشأت بظهور الحركات الجهادية كـ "تنظيم الدولة الإسلامية" و"هيئة تحرير الشام". في المنطقة، مبرزاً نقاط الاختلاف بينهما في ظل تفاوت الأدوات والمسميات المستخدمة والهياكل التنظيمية في إدارة وحكم كلً منهما.
في حين ركزت مشاركة الباحث طلاع في اليوم الثاني من الندوة في ورقته التي جاءت تحت عنوان: "تحولات البنية الأمنية للنظام السوري خلال الثورة"، على أهم التحولات التي شهدتها البنية الأمنية للنظام، والمتمثلة بعدم تماسك البيئة الأمنية في مناطق النظام وعدم خضوعها "إداريًا" أو "وظيفيًا" لقوة أمنية مركزية مضبوطة، مدللاً على تدهور مؤشرات الاستقرار الأمني بتدفق الميليشيات الأجنبية الحليفة للجغرافيا السورية من جهة، وبقرار تكوين مجموعات عسكرية محلية يشرف عليها كبار رجال النظام من جهة ثانية. مما عزز من نتائج الفشل الوظيفي والسيولة الأمنية وتعارض الأجندة الأمنية للفواعل الأمنية في مناطق سيطرة النظام.
ومن الجدير بالذكر أن الندوة حضرها العديد من الشخصيات السورية الفاعلة في الثورة السورية من سياسيين وناشطين وباحثين.
بدأ النظام السوري مدعوماً بغطاء جوي ودبلوماسي روسي في 18 شباط/ فبراير حملة قصف جنونية طالت مدن وبلدات الغوطة الشرقية؛ استهدفت بنيتها التحتية وتسببت بمقتل المئات من المدنيين، تبعتها محاولات للتقدم البري تكبد فيها النظام خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. أثارت تلك الحملة ردود أفعالٍ دولية معارضة وحراكاً دبلوماسياً نشطاً لوقفها، تصدرته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسويد، وأفضى إلى استصدار القرار الدولي رقم: (2401)، والقاضي بوقف الأعمال العسكرية لمدة شهر وإدخال المساعدات الإنسانية، ولكن النظام وحليفه الروسي لم يلتزما بالهدنة وطرحا بديلاً يقوم على فتح معبر إنساني لخروج المدنيين، بيد أن أهالي الغوطة لم يستجيبوا لتلك الدعوات ورفضوا الخروج حتى الآن.
وعلى الرغم من الحراك الدبلوماسي النشط أوروبياً وأمريكياً، والحراك الروسي المضاد في أروقة مجلس الأمن؛ إلا أن المشهد يكاد يخلو من أي دور إقليمي فعال دبلوماسياً، سواء على الصعيد الخليجي التركي، أو على المقلب الآخر حيث لا يلحظ أيضاً ثقل إيراني دبلوماسي وعسكري فعّال وواضح على الأرض، الأمر الذي يشير إلى أن الغوطة أصبحت ساحة للصراع الدولي؛ بين أمريكا وأوروبا من طرف وروسيا من طرف آخر، بشكل يجعل الفاتورة البشرية للضحايا مرشحة للارتفاع في الأيام القادمة، ويبقي مآل الغوطة ملتبساً وخاضعاً لعدة احتمالات تبعاً لقدرة أهالي الغوطة وفصائلها على الصمود أولاً، ومدى جدية المجتمع الدولي وقدرته على فرض وقف إطلاق النار وإجبار موسكو والنظام على الالتزام بالهدنة، حيث تشكل الغوطة اليوم اختباراً للاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية وقدرتها على تحجيم الدور الروسي بشكل يعيد بثّ الحياة في مسار جنيف المعطل، ويعيد ضبط بوصلة الحل السياسي باتجاه بعيد عن الطموحات الروسية للتفرد به. وعليه تسعى هذه الورقة إلى رسم ملامح المشهد الدوليّ الجديد لفهم وتفكيك ما يجري اليوم في الغوطة الشرقيّة بشكلٍ خاص، واستشراف مآلات الحملة العسكرية عليها وأثرها على مسار الحل السياسي في ظل الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه سورية. مقابل قراءة تحليلية على مستوى الملف السوري برُمّته، والذي دخل مرحلة جديدة وحساسة تشكل الغوطة الشرقيّة بوابتها، ويمكن تسميتها "مرحلة ما بعد الإرهاب".
لا تبدو الحملة العسكرية التي يقودها النظام وروسيا على الغوطة الشرقية عملية مدروسة الأبعاد والعواقب، سواء على المستوى العسكري ومقاربة موسكو لسيناريوهات مناطق سورية أخضعتها سابقاً(حلب)، أو على المستوى الدبلوماسي الذي تمثل بفشل محاولات تبرير العملية وخلق غطاءٍ دوليّ لها. لذلك يمكن القول إن ما تقوم به قوات النظام وموسكو في الغوطة مغامرة سياسية وعسكرية، تستند إلى افتراض النظام بأنه الأقوى على الأرض بعد التقدم الذي أحرزه في إدلب ودير الزور، مستفيداً من فائض القوى الذي ولدته اتفاقات خفض التصعيد، وافتراض روسي مقابل باستمرار الولايات المتحدة في سياساتها المضطربة تجاه الملف السوري واقتصار دورها على شرق الفرات، الأمر الذي يمنح موسكو المساحة الأكبر في ترتيب الأوضاع على الأرض بما يتناسب مع مصالحها ورؤيتها للحل السياسي. ويمكن الاستدلال على عامل المغامرة في هذه العملية من خلال مجموعة نقاط:
تجلت ذريعة النظام وموسكو المعلنة للهجوم على الغوطة بوجود عناصر إرهابية تتبع هيئة "تحرير الشام" في بعض مناطق الغوطة، ولكن إعلان فصائل الغوطة استعدادها لإخراج هذه العناصر أحرج موسكو، والتي عطّلت بدورها التفاوض حول خروج هؤلاء العناصر؛ لتتحول الذريعة إلى استهداف المدنيين في العاصمة دمشق بالقذائف من قبل فصائل المعارضة، وهو الأمر الذي يشير إلى مأزق موسكو في تغطية عملها العسكري وتقديم مبررات مقبولة لدى المجتمع الدولي لاستمرار حملتها على الغوطة وما ينتج عنها من مجازر يومية، خاصة وأن حجة "الإرهاب" لا تجدي نفعاً في حالة الغوطة، والتي تعترف موسكو بفصيليها الأقوى (جيش الإسلام- فيلق الرحمن)، حيث وقّعت معهما تتابعاً اتفاقاً اعتبرت بموجبه الغوطة منطقة خفض تصعيد. ولعل غياب الذريعة هو ما شكّل عاملاً مساهماً في تقوية المواقف الأمريكية الأوروبية ضمن مجلس الأمن، ودفع الدبلوماسية الروسية لتجنب المزيد من العزل الدولي في أروقة الأمم المتحدة، عبر عدم استخدام الفيتو في وجه القرار (2401)، مقابل تمريره بعد الالتفاف عليه وإفراغه من مضمونه وعدم الالتزام بتطبيقه.
مقابل غياب الذرائع، فإن إشارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ومندوب النظام في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، لإمكانية تطبيق سيناريو حلب في الغوطة الشرقية؛ يبدو مقاربة خاطئة وغير مدروسة، وذلك وفقاً لعدة عوامل تصب في صالح الغوطة لناحية عدم إمكانية سحب سيناريو حلب عليها، ولعل أبرز تلك العوامل:
يبدو أن اختيار موسكو لتوقيت العملية العسكرية ضد الغوطة الشرقية؛ عبّر بشكلٍ أو بآخر عن سوء تقدير من قبلها لجدية الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بخصوص سورية، والتي أعلن خطوطها العامة وزير الخارجية الأمريكية، ريكس تيلرسون، قبل شهر تقريباً من بداية الحملة على الغوطة، والتي تعتمد على تطويق النفوذ الإيراني وبناء مستقبل سوري من دون الأسد، ما يعني استهداف حلفاء موسكو بشكل يقوض من فاعلية الدور الروسي في سورية، وذلك عبر عودة الثقل الأمريكي الأوروبي الذي كان منشغلاً في فترة حرب تنظيم الدولة "داعش"، لذلك أسفرت الحملة العسكرية على الغوطة عن ردود أفعال أمريكية أوروبية معارضة وغير مسبوقة، تراوحت بين الضغط الدبلوماسي عبر مجلس الأمن و التواصل المباشر مع موسكو وصولاً إلى التلويح بالقوة العسكرية في حال تم استخدام السلاح الكيماوي، الأمر الذي يمكن أن يُفسّر كإثبات لجدية واشنطن وأوروبا في العودة بقوة للانخراط في الملف السوري وعدم السماح لموسكو بالتفرد في المناطق السورية الواحدة تلو الأخرى في إطار سعيها لفرض رؤيتها الخاصة في الحل السياسي.
ويشير واقع الحراك الدولي -الأمريكي الأوربي- تجاه الحملة الروسية على الغوطة، وما تبعه من حملة إعلامية دولية وحراك مدني سوري في مختلف عواصم العالم؛ بأن موسكو ونتيجة لمغامرتها غير المحسوبة قد وقعت في فخ التحول المباشر إلى طرف في الأزمة السورية بدلاً من فاعل دولي مساعد في الحل، وهو الدور الذي لطالما حاولت موسكو الإيحاء به، إضافة إلى تورط حليفها النظام في معركة طويلة الأمد قد تشكل حرب استنزاف لقواه وتعيد للعالم صورة النظام الدموي الذي يقتل شعبه، والتي حاول النظام وحلفاءه إخفاءها خلف ستار "حرب الإرهاب". وبذلك تكون موسكو لم تنجح في تحقيق نصر سريع يُستخدم في استكمال صورة المنتصر التي يريدها الرئيس، فلاديمير بوتين، قبيل الانتخابات الروسية في الثامن عشر من الشهر الجاري، بل ووضعت نفسها بين فكي كماشة أمريكية أوروبية تتيح لهم الفرصة للضغط على موسكو وتصفية الحسابات الموزّعة على عدة ملفات عالقة بين الطرفين، الأمر الذي يُعَدُّ مؤشراً على أن ملف الغوطة الشرقية قد تجاوز حدودها الجغرافية إلى صراع دولي.
يبدو أن نشوة "الانتصارات" التي حققها تدخل موسكو العسكري في سورية قد غيّبت عن العقل الاستراتيجي الروسي حقيقة مفادها أنَّ؛ لحظة الانتهاء من حرب تنظيم الدولة كانت لحظةً حاسمةً ولها تداعيات كبرى على الملف السوري، أولها: نهاية مسمى "الأزمة" بانحسار أثارها الدولية والإقليمية وعلى رأسها "الإرهاب"، مما يعني عودة مفهوم "الثورة" ببعده الدال على المواجهة بين النظام السوري وشعبه. وثانيها: بأن فراغ الولايات المتحدة وتحالفها الدولي من حرب الإرهاب حملَ ضمناً رسالةً مفادها؛ نهاية التفويض الأمريكي لموسكو بالتحكم بالملف السوري، واستخدام واشنطن لوجودها العسكري على الأرض السورية باتجاه موازنة القوة مع موسكو وطهران، وهو ما بدأت تظهر مؤشراته بوضوح مع مطلع العام 2018، والتي تمثلت في إعلان استراتيجية الدفاع الأمريكية الجديدة المتمحورة حول احتمال المواجهة مع روسيا والصين([3])، ووضحت أكثر ضمن خطاب وزير الخارجية الأمريكية، ريكس تيلرسون، في جامعة ستانفورد، والذي استعرض فيه الرؤية الأمريكية في سورية ما بعد "داعش"، حيث أكد على نية واشنطن الاحتفاظ بوجودها العسكري في سورية لمواجهة بقايا تنظيم الدولة والنفوذ الإيراني، وعدم تكرار خطأ العراق بالانسحاب، إضافة إلى استبعاد وجود الأسد في مستقبل سورية ودعوة موسكو للتعاون لإعادة الهدوء لمناطق خفض التصعيد([4]).
بالمقابل شهد شهر شباط/ فبراير تصعيداً عسكرياً أمريكياً روسياً، من جهة، في دير الزور وتمثل في الضربة الأمريكية لمليشيات النظام ومرتزقة روس حاولوا تجاوز الخط الأحمر الأمريكي للعبور إلى شرق الفرات. إضافة إلى تصعيد إيراني إسرائيلي، من جهة أخرى، تمثل في إسقاط الطائرة الإسرائيلية في سورية، ثم تمت ترجمة التوتر العسكري في سورية بشكل تصعيد كلامي في "مؤتمر ميونخ" للأمن، حيث هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتحرك العسكري ضد طهران إذا لزم الأمر([5])، كما كشفت الخُطب في ذات المؤتمر عن مدى تعقد المشكلات العالقة بين موسكو وحلف شمال الأطلسي، بدءاً من شبه جزيرة القرم والتدخل الروسي في شرق أوكرانيا، إلى تورطها بالانتخابات في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبية، مروراً بدعمها نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وصولاً إلى امتناعها عن الالتزام بمعاهدات خفض التسلّح، وحشدها مزيداً من القوات في شمال غربي روسيا وجيب كاليننغراد، ما يشكّل تهديداً لأمن دول البلطيق والبلدان الإسكندنافية([6]).
ويبدو أن تفاعل تلك المتغيرات المتسارعة على الصعيد الاستراتيجي الأمريكي خصوصاً والناتوي عموماً، لم يكن في حسابات موسكو، والتي لجأت في محاولة لاستدراك آثاره إلى تحرك ورد فعل سريع في الغوطة الشرقية يحقق لها عدة أهداف في هذا الإطار، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال عدة مؤشرات:
وفي هذا المناخ المتوتر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية يمكن أيضاً فهم تفرّد موسكو بعملية الغوطة الشرقية، وتجنبها لحضورٍ إيرانيٍ واضح وفعَال بناءً على عاملين:
كما يمكن من خلال العلاقة مع روسيا تفسير مواقف الدول الأوروبية المتصدرة للحراك الدبلوماسي في مجلس الأمن ضد عملية موسكو في الغوطة الشرقية، فبالإضافة إلى الملفات المعلقة بين الناتو وروسيا، تشتعل حرب إعلامية بين موسكو وبريطانيا حول دعم الأخيرة للدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، والذي تعتبره موسكو منظمة "إرهابية"، وتدير في هذا الإطار حملة إعلامية دولية كشفت تفاصيلها صحيفة الغارديان البريطانية([13])، بشكل جعل الطرفان في مواجهة إعلامية ودبلوماسية حول سلوكهما في سورية. كما يزيد من الحراك الألماني تجاه ما يحدث في الغوطة، إضافة إلى مشاكلها الناتوية مع موسكو، شعورها بالحرج الأخلاقي إزاء ملف استخدام الكيماوي في الغوطة، خاصة بعد ما نشرته صحيفة "ديرشبيغل" الألمانية حول تورط شركات ألمانية في تصدير أجزاء من الصواريخ التي ضُربت بها الغوطة في العام 2013([14]). أما السويد فتجد في الهجوم على الغوطة فرصة لإدانة موسكو، والتي أدى التوتر بينهما نتيجة النشاط الروسي في البلطيق إلى احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية نهاية العام 2016([15])، في حين تلتزم فرنسا وإدارة ماكرون بالخط الأحمر الذي وضعته الإدارة السابقة فيما يخص استخدام القوة في حال حدوث هجوم كيماوي في سورية. أما المواقف العربية الخجولة والمقتصرة على تصريحات بخصوص الوضع الإنساني، فيمكن فهمها في إطار الانشغال بالنفوذ الإيراني في سورية، والحشد الدولي لمواجهته، وعليه تفضل الدول العربية وعلى رأسها الخليجية عدم المواجهة مع موسكو، خاصةً في ظل استمرار الأزمة الخليجية، ولذلك يمكن اعتبار المبادرة المصرية مجرد محاولة لذر الرماد في العيون وإخلاء المسؤولية بوصف مصر أحد الضامنين لاتفاق خفض التصعيد في الغوطة.
من خلال استعراض طبيعة الحملة العسكرية التي تقودها موسكو والنظام السوري على الغوطة الشرقية وتحليل المناخ الدولي والإقليمي المحيط بها، مقابل استعراض نقاط القوة الداخلية للغوطة، يمكن التوصل إلى النتائج التالية:
تشكل الغوطة اليوم بعد دير الزور إحدى المحطات التي ستتوضح فيها الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية، ومقياساً لمدى جدية الولايات المتحدة ومن خلفها أوروبا والخليج العربي في مواجهة النفوذ الإيراني والروسي في سورية، والوصول إلى حل سياسي للأزمة يرسم مستقبل سورية بدون الأسد، وعليه فإن الظرف الحالي يعتبر دقيقاً جداً، ويفرض على المعارضة السورية العسكرية والسياسية تجاوز أخطائها السابقة وإعادة هيكلة نفسها استعداداً لاستثمار المرحلة القادمة، والتي ستكون الغوطة بوابة الدخول لها، وعليه يمكن الإشارة إلى بعض التوصيات الهامة:
الملحق رقم (1):
جدول زمني لحملات النظام السابقة على الغوطة الشرقية
المصدر: وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
الملحق رقم (2):
قوات النظام المشاركة في الحملة الحالية على الغوطة، ومحاور تقدمها
المصدر: وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية
([1]) للاطلاع على خسائر النظام في حملاته السابقة على الغوطة الشرقية منذ العام 2012، راجع الجدول رقم (1) في الملحق.
([2]) وحدة الرصد المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.
([3]) استراتيجية دفاع أمريكية جديدة تشير إلى تحول في الأولويات، موقع "عربي 21"، 19/1/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/pRJLy6
([4]) تيلرسون: باقون عسكرياً في سورية لمنع عودة داعش، موقع "العربية نت"، 17/1/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/Y3DkW3
([5]) نتنياهو في مؤتمر ميونيخ: سنتحرك ضد إيران إذا لزم الأمر، موقع" DW الألماني"، 18/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/QkH2qt
([6]) روسيا ترفض «تطويقها» بالبنى العسكرية لـ«الأطلسي»، موقع "جريدة الحياة"، 19/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/7M7kVT
([7]) وحدة الرصد والمعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.
([8]) غارات أميركية تقتل 200 من المرتزقة الروس في سورية، موقع "نيوز سنتر"، 14/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/TDnds6
([9]) موسكو جرّبت 200 نوع من الأسلحة في قتل السوريين، موقع "أورينت نيوز"، 23/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/cjz9EG
([10]) "كوميرسانت": تدمير سبع طائرات روسية بمطار حميميم في سورية جراء قصف بالهاون، موقع صحيفة "العربي الجديد"، 4/1/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/JEjKJR
([11]) هآرتس: لهذه الأسباب بدأت روسيا باستخدام طائرة "الشبح" في سورية، موقع "أورينت نيوز"، 26/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/7FydSG
([12]) بوتين يعرض أسلحة جديدة لا مثيل لها في العالم، موقع وكالة "سبوتنيك العربي"، 1/3/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/iutkRS
([13]) The Guardian website,18/12/2017, available on: ,How Syria's White Helmets became victims of an online propaganda machine
([14]) "دير شبيغل" تكشف عن تورط شركات ألمانية بهجمات الكلور في سورية، موقع "أورينت نيوز"، 6/2/2018، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/bcAkmf
([15]) السويد تستعد لحرب مع روسيا!، موقع "روسيا اليوم"، 16/12/2016، متوافر على الرابط الآتي: https://goo.gl/BFr4WL
أصدرت "وزارة الإدارة المحلية والخدمات" في "حكومة الإنقاذ" المُشكّلة في إدلب، قراراً بحلّ المجلس المحلي لمدينة أريحا، معلنة في الوقت ذاته عن تشكيل مجلس جديد يتبع لها واعتباره الجهة الوحيدة الممثلة للمدينة، في حين أعلن المجلس المنحل في بيان رسمي رفضه للقرار، مؤكداً على شرعيته المستمدة من أهالي المدينة، بوصفهم الجهة الوحيدة المخولة بحلّ المجلس أو إيقاف عمله.
وتتخوف بقية المجالس المحلية في محافظة إدلب من المصير نفسه، خاصة في ظل ما يمارس عليها من ضغوط خدمية وأمنية ناجمة عن مساعي"حكومة الإنقاذ" لإحكام سيطرتها الخدمية والتنظيمية على محافظة إدلب، وما يعنيه ذلك من إنهاء التجربة الديموقراطية الناشئة، المُعبّر عنها بالمجالس المنتخبة محلياً.
وتشكلت "حكومة الإنقاذ" مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، كأحد مفرزات "المؤتمر السوري العام" الذي عُقِدَ في أيلول/سبتمبر، وتم اختيار محمد الشيخ لرئاسة الحكومة، ليقوم بدوره بالإعلان عن تشكيلته المكونة من 11 وزارة و4 هيئات مركزية، عقب نيلها الثقة من قبل "الهيئة التأسيسية" المكونة من 36 عضواً. الأسباب الدافعة لتشكيل "حكومة الانقاذ"، اختصرهما الشيخ في سببين سياسي وخدمي: فإما السياسي فيتمثل بالتصدي للمؤامرات التي تحاك لإجهاض الثورة السورية من خلال مؤتمرات أستانة وجنيف وسوتشي، وأما الخدمي فيقوم على تشكيل مرجعية خدمية مؤسساتية قادرة على تطوير القطاعات الخدمية وتنظيم عملها.
لذا، فقد سعت "حكومة الإنقاذ" منذ يومها الأول إلى احتكار القرار الخدمي والتنظيمي في محافظة إدلب وريفي حماة وحلب، من خلال تسلّمها إدارة الملف الخدمي من قبل "هيئة تحرير الشام"، وإصدارها قرارات لتنظيم الوضع الخدمي في المحافظة. هذا فضلاً عن إطلاقها لمبادرات سياسية. وتولت "حكومة الإنقاذ" ملفات الخدمات والقضاء والشرطة من "الإدارة المدنية للخدمات التابعة" لـ"هيئة تحرير الشام"، كما حدث في تسلّمها إدارة السجن المركزي في إدلب، وتوليها مسؤولية الإشراف على "القوة الأمنية" التابعة سابقاً لـ"جيش الفتح" و"الشرطة الإسلامية" التابعة لـ"هيئة ترحرير الشام"، مستفيدة من ايقاف الدعم عن "الشرطة الحرة" على خلفية اتهامات بعلاقتها مع فصائل إسلامية متشددة.
كما أصدرت الوزارات الخدمية التابعة لـ"حكومة الإنقاذ" قرارات تنظيمية، كإلزام الصيدليات وأصحاب المستودعات الطبية الحصول على ترخيص من مديريات الصحة التابعة لـ"الانقاذ" تحت طائلة فرض عقوبات بحق المخالفين كإغلاق محلاتهم ومصادرة محتوياتها. كذلك أصدرت "الانقاذ" قراراً بضم "جامعة حلب الحرة" إلى "مجلس التعليم العالي" التابع لها، وما أحدثه ذلك القرار من موجة احتجاجات من قبل طلبة الجامعة. وإضافة لما سبق، أعلنت "الإنقاذ" في تعميم وزعته على المجالس المحلية بأنها الجهة الوحيدة المسؤولة عن الممتلكات والمنشآت العامة، مطالبة المدنيين بإزالة التعديات تحت طائلة المساءلة القانونية.
ولكي تتمكن "الإنقاذ" من تنفيذ قراراتها وشرعنتها، فهي بحاجة إلى الاتكاء على المجالس المحلية. وفي هذا الصدد، كان رئيسها محمد الشيخ، قد قال عقب لقائه عدداً من ممثلي المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في محافظة إدلب، بأن حكومته لا تتدخل في عمل المجالس ويقتصر عملها على الإشراف على المشاريع الممولة من قبل حكومته، داعياً في الوقت ذاته إلى ضرورة إجراء انتخابات للمجالس المحلية ومجلس المحافظة بحكم انتهاء مدة ولايتها القانونية.
وهو موقف فسره بعض أعضاء المجالس بأنه محاولة من قبل "حكومة الانقاذ" للهيمنة على المجالس المحلية غير التابعة لها، والتي يُقدر تعدادها في قطاع إدلب ب ـ22 مجلساً، في حين بلغ عدد المجالس التي تم العمل على إعادة هيكليتها أو تكليفها من قبل "الإدارة المدنية للخدمات" والتي أصبحت جزءاً من "حكومة الإنقاذ" 82 مجلساً كان أخرها مجلس مدينة أريحا المنتخب في نيسان/أبريل 2017.
وقد أحدث هذا القرار انقساماً داخل مدينة أريحا بين مؤيد ومعارض، واتهم بعض السكان المجلس المنحل بالفشل في إدارة الملف الخدمي للمدينة، مبدين تفاؤلهم بقدرة المجلس الجديد على التعامل مع الملف الخدمي نظراً لتبعيته لحكومة تمتلك السلطة والموارد، بينما أشاد قسم آخر من السكان بالمجلس المنحل وبأنه نتاج عملية انتخابية حقيقية، معربين عن امتعاضهم لطريقة حلّه.
وولّد قرار حلّ مجلس أريحا مخاوف لدى بقية المجالس المحلية المستقلة من أن تلقى المصير نفسه، خاصة مجالس سراقب ورام حمدان وبنش ومعرة النعمان باعتبارها الأكثر استهدافاً بالضغوط من قبل "حكومة الإنقاذ" في المرحلة المقبلة. وأمام مساعي "الانقاذ" لإحكام سيطرتها على القرار الخدمي والتنظيمي في محافظة إدلب وريفي حماة وحلب، تجد المجالس المحلية نفسها أمام تحدٍ كبير، يتصل بمدى قدرتها على الاستمرار كتجارب ديموقراطية ناشئة في بحر متلاطم من الصراعات.
المصدر جريدة المدن الإلكترونية: https://goo.gl/zz8xXH
شنّت "هيئة تحرير الشام" سلسلة من معارك الإلغاء ضد منافسيها، كان آخرها ضد حركة "أحرار الشام الإسلامية"، والتي أثارت نتائجها تساؤلات حول مستقبل محافظة إدلب وإدارتها المحلية في ظل هيمنة "هيئة تحرير الشام" عليها، ورعايتها تشكيل إدارة مدنية للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، في محاولة وصفها البعض بمبادرة اللحظة الأخيرة.
تمكنت "هيئة تحرير الشام" من بسط هيمنتها العسكرية على مناطق واسعة من محافظة إدلب عقب معركتها ضد "أحرار الشام"، الأمر الذي دق ناقوس الخطر بالنسبة للدول الإقليمية والدولية، ودفعها لإعادة النظر بسياساتها وتقييم خياراتها تجاه الوضع الناشئ في المحافظة، خاصة في ظل محاولات "الهيئة" بسط سيطرتها على الإدارة المحلية. وهو ما عبرت عنه "الهيئة" صراحةً من خلال إصدارها بياناً دعت فيه إلى تشكيل إدارة مدنية للمناطق المحررة، وقد لاقى البيان تأييداً من قبل "حركة نور الدين الزنكي"، إضافة إلى عدد من مجالس الشورى في محافظتي إدلب وحماة.
لم تتوقف مساعي "الهيئة" عند إصدار البيان، بل عملت على الدفع بمبادرتها من خلال رعاية عدد من الفاعليات المدنية بغية الترويج لمشروعها، واستقطاب مؤيدين له ودمجهم في هيئة عامة تتولى إشهار الإدارة المدنية. كما عقدت "الهيئة" اجتماعاً مع "الحكومة المؤقتة" لإقناعها بالانضمام للمبادرة، إضافةً لمحاولتها التواصل مع عدد من الشخصيات المعارضة لها لإقناعهم بالعدول عن رأيهم الهجومي تجاه "الهيئة" والانضمام للمشروع. وهو ما لاقى رفضاً صريحاً من معظمهم.
علاوةً على ما سبق، نظمت "الهيئة" عدداً من التظاهرات الداعمة لمشروعها، في أسلوب مشابه لما قامت به عند كل تحول لها؛ من "جبهة النصرة" وصولاً إلى "هيئة تحرير الشام". ونظمت عدداً من المبادرات الداعية للتوحد، لتعلن على إثرها عن مشروعها الجديد، وتبريره بكونه استجابة "لمطالب الشارع المحلي وصوناً للثورة".
بالتوازي مع الخطوات السابقة، عملت "الهيئة" على تقوية جهازها الخدمي المسمى بـ"الإدارة المدنية للخدمات" ليكون الحامل الأساسي لمشروعها. واستحدثت عدداً من الهيئات والمؤسسات والمديريات الخدمية ليبلغ عددها 18 جهازاً. ويُلحظ هنا تركيز الهيئة على الهيئات التي تؤمن لها إيرادات مالية كالكهرباء والنقل والمعابر، في حين لم تهتم حالياً بإحداث مديريات للصحة والتعليم أو إلحاق القائمة منها بجهازها الخدمي، وذلك رغبة منها في استمرار تدفق الدعم الخارجي لها، في ظل محدودية مواردها عن تحمل نفقاتها. كما عززت جهازها الخدمي من خلال إلحاق عدد من المجالس المحلية بإدارتها المدنية، ويقدر عدد تلك المجالس بـ35 مجلساً من أبرزها حارم ودركوش.
كذلك عملت "الهيئة" على تعزيز مركزية إدارتها الخدمية، كسلطة مرجعية في مناطق سيطرتها، وطالبت المجالس المحلية بوضع الدوائر التابعة لها تحت تصرف إدارتها المدنية، كما اعتبرت مديريتها العامة للإدارة المحلية، الجهة المسؤولة عن المجالس في المناطق المحررة.
وفي ظل مساعي "الهيئة" للدفع بمبادرتها وفق ما توحي به المؤشرات الراهنة، وما يحدق بإدلب من سيناريوهات قاتمة، يُطرح التساؤل حول مدى قدرة مشروع الإدارة المدنية على النجاح في اختبارات الإدارة والشرعية، وبالتالي تجنيب إدلب مخاطر ما يحاك لها.
نجاح مبادرة الإدارة المدنية مرهون بمدى قدرتها على نيل الشرعية المحلية وكذلك على تمتعها بمظلة خارجية، ومما يلحظ في هذا الشأن انقسام الشارع المحلي وقواه المدنية والعسكرية تجاه الإدارة المدنية. إذ أعلن ما يقارب 45 مجلساً محلياً تأييدهم للمبادرة، في حين تبنت مجالس أخرى موقفاً مغايراً من خلال تأكيدها على طابعها المدني واستقلاليتها عن الفصائل العسكرية وتبعيتها لـ"مجلس محافظة إدلب الحرة" ومنها مجالس إدلب وجرجناز ومعرة النعمان وسراقب. ويمكن تفسير رفض هذه المجالس، بقوتها، على اعتبار أنها ممثلة لمراكز الثقل الكبرى في إدلب، إضافةً إلى تمتعها برأي عام مؤيد لها ومناهض لـ"الهيئة"، فضلاً عن تمتعها بشبكة علاقات واسعة مع الجهات الداعمة. أما الحكومة المؤقتة، فقد أصدرت وزارتها للإدارة المحلية بياناً أكدت فيه بأنها الجهة الوحيدة المخولة تشكيل واعتماد المجالس والإشراف عليها.
كذلك عبّرت فصائل من الجيش الحر، لاسيما تلك المنضوية في "درع الفرات"، عن موقفها الرافض لهذه المبادرة. أما الهيئات المدنية الأخرى كالنقابات والمنظمات المحلية، فقد شارك عدد منها في اللقاءات الترويجية للمبادرة من دون أن تتبنى موقفاً صريحاً تجاهها. وفي هذا الشأن يقول الناشط السياسي أبو محمد، من محافظة إدلب لـ"المدن"، إن "المبادرة غير متكاملة وينقصها الوضوح. وفي حال أعلنت المبادرة عن تمسكها بمشروع الثورة، وقبلت الهيئة تحويل محاكمها الشرعية إلى مدنية، ورفعت تسلطها العسكري عن المدنيين وقبلت الاحتكام للقانون، عندئذ يمكن القبول بهذه المبادرة".
من جهته، وصف ناشط محلي من أطمة، المبادرة، بالمتأخرة ولن تغير شيئاً، في حين عبر عضو المجلس المحلي في الركايا والنقير أبو محمد، عن تفاؤله بالمشروع، نافياً ما يشاع عن تبيعته لـ"الهيئة".
أما عن الموقف الإقليمي والدولي، لم تحظَ المبادرة بقبول الولايات المتحدة الأميركية وهو ما عبر عنه بشكل صريح المبعوث الأميركي إلى سوريا مايكل راتني، في حين أعادت الجهات الأوروبية تقييم سياساتها تجاه الوضع الناشئ في محافظة إدلب، وأوقف عدد منها دعمه للمناطق المسيطر عليها من قبل "الهيئة". أما من جهة تركيا، فقد أبقت أنقرة على تدفق المساعدات للمحافظة، مع اتخاذها تدابير أمنية وإعلانها الاستعداد للتدخل لحماية أمنها.
لكي تنجح الإدارة المدينة فلا بد من حيازتها على الموارد الكفيلة لتوفير الخدمات، ولا يعتقد بتوفرها لدى "الهيئة" والتي ستواجه ضغوط كبيرة ناجمة عن توقف الدعم الخارجي للمحافظة، الأمر الذي سينعكس سلباً على حياة ما يقارب مليوني نسمة في محافظة إدلب. كذلك يعتبر تماسك "هيئة التحرير" محدداً لنجاح الإدارة المدنية باعتبارها الحامل الأساسي للمشروع، في ظل الحديث عن رفض تيارات داخلها لهذه المبادرة.
في النهاية، لا تتوافر لدى مشروع الإدارة المدنية في شكله الراهن مقومات النجاح في ظل افتقاده للإجماع المحلي ولمظلة خارجية، فضلاً عن افتقاده للموارد الأساسية لإدارة الخدمات، إضافة للمخاطر الداخلية التي تعتريه. وفي ظل ما سبق يغدو طرح الإدارة المدنية للخدمات في ظل المؤشرات الراهنة قفزة في المجهول من شأنها أن تعقد الموقف في محافظة إدلب.
اسم المصدر جريدة المدن الإلكترونية: https://goo.gl/asavJo
لم تلبث محافظة إدلب أن تنفست الهدنة التي فرضها اتفاق "مناطق خفض التصعيد"، حتى لاحت بوادر الصراع الداخلي من جديد، والذي اندلعت شرارته يوم الأربعاء 19 تموز/يوليو 2017 في عدة مناطق من المحافظة بين حركة "أحرار الشام" من جهة وهيئة "تحرير الشام" بمكونها الرئيسي جبهة "فتح الشام" (النصرة) سابقاً من جهة أخرى([1]). الاقتتال الذي لا يبدو مستغرباً بقدر ما كان منتظراً ومؤجلاً، سواء لجهة الاحتقان القديم بين الطرفين والذي ظهر ميدانياً في عدة محطات فارقة([2])، أو لجهة ما أمنته مناطق "خفض التصعيد" من هدوء جبهات أتاح لمختلف القوى إعادة ترتيب أوراقها العسكرية وتوسيع مناطق نفوذها تأهباً لأي سيناريو محتمل في الشمال السوري.
وعلى الرغم من أن هذا الاقتتال كان متوقعاً كمحطة في علاقة الطرفين؛ إلا أنه بدا الأوسع والأضخم، خاصة وأنه اندلع في سياق متغيرات محلية وإقليمية ودولية ضمن الملف السوري، قد تدفعه باتجاهات مختلفة وتجعل منه مؤهلاً للاستثمار في إطار التفاهمات والتوافقات الإقليمية والدولية حول الشمال السوري.
وعليه تحاول هذه الورقة؛ تحليل أبعاد ودوافع الصراع بين هيئة "تحرير الشام" وحركة "أحرار الشام"، وأثره على الطرفين وبنيتهما التنظيمية من جهة، وعلى فصائل المعارضة المسلحة في الشمال السوري من جهة أُخرى، إضافة إلى تلمس أثر العامل الإقليمي والدولي في توجيه هذا الصراع، مقابل استشراف ارتداداته المحتملة -حتى في حال تسويته-على الشمال السوري وشكل التوافقات الإقليمية الدولية ضمنه.
بعيداً عن رواية الطرفين حول بدء شرارة الاقتتال ومن يتحمل مسؤوليتها، إلا أنه من المؤكد أن كل ما سبق الاقتتال من حوادث توتر بين الجهتين، سواء الاعتداء المتبادل على مقرات وحواجز الطرفين، أو نكث اتفاق منطقة تل طوقان، أو رفع علم الثورة قرب معبر باب الهوى([3])؛ ليست كفيلة بإشعال اقتتال واسع يتجاوز حدود محافظة إدلب بسرعة كبيرة ليمتد إلى مناطق نفوذ الطرفين في ريف حماة الشمالي والشمالي الغربي و مناوشات في كل من درعا والبادية السورية ([4])، بل ويستدعي تجاوز "الفتاوى الشرعية" بالنسبة لجبهة "فتح الشام" واتخاذ قرار شبه فردي بمواجهة "أحرار الشام" وتجاوز إجماع الفصائل المنضوية تحت هيئة "تحرير الشام"([5])، لذلك لا يبدو التحرك ارتجالياً لجهة الطرفين، وتحديداً جبهة "فتح الشام"، والتي على ما يبدو جاء تحركها العسكري في هذا الوقت بالذات وفقاً لعدة دوافع، أبرزها؛
تدرك جبهة "فتح الشام" بأنها تمثل العبء الأكبر على التفاهمات الإقليمية والدولية لأي تسوية سياسية محتملة في الشمال السوري، وعليه جاء تحركها وفق الدوافع أعلاه كإعادة تموضع استباقي وتوسيع مناطق نفوذ، تأهباً لأي مواجهة محلية مدعومة إقليمياً.
على الرغم من قبول حركة "أحرار الشام" للمبادرة الشرعية الأولية المطروحة لوقف الاقتتال([8])؛ إلا أن رد فعل الحركة والتصعيد العسكري ضد الهيئة ضمن مناطق تداخل النفوذ المختلفة في كل من إدلب وريف حماة الشمالي والشمالي الغربي ودرعا، يشير إلى أن الحركة اتخذت قراراً بالمواجهة العسكرية، القرار الذي لم يبدو ارتجالياً أيضاً، بقدر ما استند إلى عدة عوامل ربما عولت عليها الحركة خلال هذا الوقت بالذات في تحركها العسكري ضد هيئة "تحرير الشام" وعلى رأسها جبهة "فتح الشام"، ولعل أبرز تلك العوامل:
لا يمكن فصل تصعيد حركة "أحرار الشام الإسلامية" عن محاولاتها التمايز عن القوى الخاضعة للتصنيف، وتوسيع مناطق نفوذها وتقديم نفسها كحركة قادرة على ضبط أمن الشمال ومحاربة "الإرهاب" بنفس الوقت، وبالتالي كطرف محلي مؤهل للانخراط ضمن أي توافقات سياسية محتملة حول مستقبل الشمال السوري. ولكن على الرغم من تلك العوامل التي قد تمثل فرصاً لصالح الأحرار؛ إلا أن صراعها مع الهيئة وجبهة "فتح الشام" لن يكون بتلك السهولة، وعليه فإن "الأحرار" ينتظرهم عقبات عدة في إدارة هذا الصراع في حال تسويته أو اندلاعه من جديد، وعلى رأسها:
تمثل حركة "أحرار الشام" وهيئة "تحرير الشام"، إحدى أكثر القوى العسكرية نفوذاً في الشمال السوري وعدد من الجبهات المختلفة، لذلك فإن تحديد طبيعة وشكل العلاقة بين الطرفين، سواء عبر اندلاع الصراع من جديد أو تسويته؛ سيرتب لتداعيات لن تقتصر آثارها على التنظيمين، وإنما ستتجاوزهما لتطال عدة جوانب في الملف السوري، ولعل أبرز تلك التداعيات المحتملة:
يدرك طرفا الاقتتال أن تحديد طبيعة العلاقة بينهما، هو المرحلة الحاسمة في رسم مستقبل الشمال السوري وما ينتظره من سيناريوهات محتملة، ففي ظل تصنيف جبهة "فتح الشام" وعدم قبولها دولياً وإقليمياً؛ فإنّ حركة "أحرار الشام" باتت تعي أن وجود قوى محلية خارج المشاريع الإقليمية والدولية لم يعد متاحاً على الأقل ضمن التوافقات التي تتم للتهيئة لحل سياسي شامل، فالنظام السوري مرتبط بالمشروع الإيراني الروسي، ووحدات الحماية الكردية تعد ضمن المشروع الأمريكي، إضافة إلى فصائل الجنوب المنخرطة ضمن الغطاء الأردني، مقابل بعض فصائل الشمال المطوعة ضمن الرؤية التركية؛ وعليه فإن "أحرار الشام" أمام خيارين في هذا الصراع، فإما الانخراط ضمن التصورات الإقليمية الدولية التي تُعدّ للشمال والمحافظة على بقايا الحركة، وهنا قد تكون أي تسوية مناورة من الحركة لإعادة ترتيب صفوفها واندلاع الصراع من جديد، أو أنّ الحركة ستسير خلف مشروع الهيئة وعلى رأسها جبهة "فتح الشام"؛ الخيار الذي قد يرسم سيناريو أكثر تعقيداً للشمال، ربما يقترب بشكله العام من سيناريو الرقة والموصل. وما بين هذين الخيارين فإن التفكير بخلق أي هوامش جديدة خارجهما؛ يتطلب تغييراً بنيوياً حقيقياً وجريئاً داخل حركة "أحرار الشام"، التغيير الذي لطالما اختُبِرَت فيه الحركة ضمن محطات عدة، إلا أنها لم تنجح على ما يبدو إلى الآن.
([1]) للاطلاع بشكل أوسع على بداية شرارة الاقتتال بين هيئة "تحرير الشام" وحركة "أحرار الشام"، راجع الرابط التالي: https://goo.gl/grLuBW.
([2]) للاطلاع بشكل أوسع على محطات الصراع السابقة بين هيئة تحرير الشام وحركة أحرار الشام، راجع الروابط التالية: https://ii6.me/VFuu!Rh، https://ii6.me/yCs1!h5، https://ii6.me/XxgV!la.
([3]) "تحرير الشام" لعنب بلدي: "أحرار الشام" هي من أعلنت الحرب، للتعرف أكثر على رواية الطرفين حول بدأ الاقتتال، راجع: الرابط التالي: https://goo.gl/grLuBW.
([4]) توسع رقعة المواجهات بين هيئة "تحرير الشام" وحركة "أحرار الشام"، تقرير منشور على الموقع الإلكتروني للمرصد السوري لحقوق الإنسان، للاطلاع على تفاصيل أوسع، راجع الرابط التالي: https://goo.gl/piR3U5.
([5]) أصدر جزء من حركة نور الدين الزنكي بياناً، يوم الخميس، أكدت من خلاله انفصالها عن هيئة تحرير الشام معللة ذلك بعدة أسباب. على رأسها: “عدم تحكيم الشريعة التي بذلنا مهجنا والغالي والنفيس لتحكيمها، من خلال تجاوز لجنة الفتوى في الهيئة وإصدار بيان عن المجلس الشرعي دون علم أغلب أعضائه"، إضافة إلى"تجاوز مجلس شورى الهيئة وقرار قتال أحرار الشام، علمًا أن تشكيلها بني على أساس عدم البغي على الفصائل". للاطلاع على البيان راجع الرابط التالي: https://goo.gl/4ZCpeF.
([6]) انظر تصريحات مصطفى سيجري رئيس المكتب السياسي للواء المعتصم المشارك في عملية سيف الفرات، موقع جيرون، 7 تموز 2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/FwK2XF
([7]) سوريا.. الأكراد يخططون لإقامة منفذ على المتوسط مقابل دعم واشنطن في عملية الرقة، موقع الخليج الجديد، 7/5/2017، متوافر على الرابط: https://goo.gl/NFVjmJ
([8])مبادرة وقف اقتتال إدلب تنتظر موافقة "تحرير الشام"، تقرير صحفي منشور على الموقع الإلكتروني لصحيفة عنب بلدي، للاطلاع على المزيد راجع الرابط التالي: https://goo.gl/Hdw6LL.
تسعى الحركات الجهادية إلى حكم مناطق سيطرتها بما يمكنها من تحقيق أهدافها التي نشأت لأجلها، إلا أنها تختلف في مقاربتها لمسألة الحكم وما يستتبعه بالضرورة من تباينها في الهياكل التنظيمية والأدوات التنفيذية المستخدمة لإنفاذ رؤيتها في الحكم، حيث ركزت بعض الحركات الجهادية على ممارسة الإكراه وفرض إيديولوجيتها الشمولية على المجتمعات المحلية، وباهتمام أقل بتوفر احتياجات السكان ومطالبهم المعاشية ومراعاة منظورهم للحياة وللإسلام كما في تجربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، في حين اتبعت حركات أخرى مقاربة مصلحية قائمة على المزج بين الحوافز الإيجابية والسلبية في حكم مناطقها كما في مثال "هيئة تحرير الشام".
استندت الهيئة على تجارب الحكم المحلية للتشكيلات الجهادية التي انبثقت عنها، وخلاصة توجيهات المركز "القاعدة" وتجارب فروعه في ساحات "الجهاد العالمية"، لتؤسس تجربتها في الحكم المحلي وذلك بالمزواجة بين الأدوات التالية: توفير الخدمات الاجتماعية، فرض سياسات الإكراه، نشر الإيديولوجية، وبواسطة بُنية تنظيمية مركبة، بما يمنحها القدرة على تعزيز تواجدها في البيئة السورية على المدى الطويل.
وفي ظل دفع "هيئة تحرير الشام" لتجربتها في الحكم المحلي وما يتضمنه من مخاطر، تجد المجالس المحلية نفسها أمام تحدٍ وجوديٍ تفرضها تلك الجهود. واستناداً لما سبق، تتحدد إشكالية الدراسة في مناقشة الأثر المتوقع للحكم المحلي "لهيئة تحرير الشام" على المجالس المحلية ضمن مناطق سيطرتها في محافظة إدلب، والتي جاء اختيارها كنموذج باعتبارها المحافظة الوحيدة المحررة بشكل شبه كلي، فضلاً عن تمتعها بموقع جغرافي متميز يجعلها صلة الوصل بين المناطق الساحلية والوسطى والشمالية، إضافة لتصدرها قائمة مناطق سيطرة قوى المعارضة من حيث عدد المجالس المحلية العاملة فيها، علاوةً على كونها مركز الثقل الرئيسي "لهيئة تحرير الشام".
تعتمد الدراسة المنهج الوصفي في مقاربتها لسياق تشكل "هيئة تحرير الشام"، وعمل المجالس المحلية في مناطق سيطرتها، في حين تم اعتماد المنهج التحليلي لتفسير مقاربة الهيئة للحكم المحلي وطرق تعاطيها مع المجالس المحلية. أما الأدوات البحثية التي اعتمدها الباحث فتشمل المقابلات والملاحظة الموضوعية.
تأتي هذه الدراسة في سياق دراسة الواقع الحوكمي في مختلف مناطق السيطرة بهدف الوصول إلى رؤية وطنية للتعامل مع هذا الواقع الجديد أثناء وبعد عملية الانتقال السياسي. تتناول الدراسة الحكم المحلي "لهيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب ومقاربتها للمجالس المحلية، بدءاً من توصيف سياق تشكل الهيئة، واستعراض مقاربتها للحكم المحلي، ثم التطرق للمجالس المحلية العاملة في مناطق الهيئة وأنماط تعاطي الأخيرة معها، لتنتهي الدراسة بعرض توصيات خاصة لتعزيز منظومة المجالس المحلية في مناطق سيطرة الهيئة.
تتعدد القراءات المفسرة لبروز "هيئة تحرير الشام"، بين من يعتبرها تمظهراً جديداً لجبهة النصرة ضمن محاولاتها التهرب من الضغوط الداخلية والخارجية التي تتعرض لها سيما عقب انتكاسة حلب وانطلاق مسار الأستانة، وبين من يراها خطوة تؤكد التزام الفرع بتعليمات القيادة المركزية "للقاعدة" من حيث ضرورة الاندماج بالبيئة المحلية صوناً "للتجربة الجهادية"، في حين فسرها آخرون بأنها نتاج علاقات التنافس المحموم لاحتكار تمثيل "الجهاد السوري".
تُقدم القراءات السابقة تفسيرات جزئية لبنية إشكالية، في حين تميل الدراسة لتبني مقاربة تحليلية شمولية للهيئة باعتبارها، نتاجاً للتحول التنظيمي المستمر للحركة السلفية الجهادية العابرة للحدود "القاعدة" في البيئة المحلية السورية، وذلك بتفاعلها مع الاعتبارات التالية: العلاقة المعقدة مع المجتمع الدولي، "التجربة الجهادية في العراق"، العلاقة مع "القاعدة"، علاقات التنافس الجهادية، الحاضنة الشعبية. استناداً لما سبق، يمكن تقسيم مراحل تشكل هيئة تحرير الشام إلى ثلاث وفق الآتي:
تم الإعلان عن تأسيس جبهة النصرة في كانون الثاني 2012 ([1])، بدعم وإسناد من الفرع "العراقي للقاعدة"، وبمرجعية إيديولوجية متعددة الروافد ([2])، خضعت لمراجعات على مستوى القيادة المركزية "للقاعدة"، وكان واضحاً منذ البداية حرص القائد العام للجبهة أبو محمد الجولاني على تجنب أخطاء "الجهاد العراقي" والالتزام بالمنهج الجديد "للقاعدة" _دون الإعلان عن التبعية لها رغم حيازتها لمباركتها_ القائم على الاندماج بالشعوب من خلال الاهتمام بقضاياها العامة ومقارعة الاستبداد والظلم الذي تتعرض له، إضافةً لتجنب استثارة المجتمع الدولي وذلك بالتأكيد على طابعها السوري.
استغلت جبهة النصرة الثورة السورية للولوج إلى الجغرافية السورية وتعزيز حضورها، مستغلةً قوتها العسكرية وبراغماتيتها في تشكيل التحالفات المصلحية، إضافةً للدفعة المعنوية والتعبوية التي تلقتها من خلال إفراج النظام عن عدد من المعتقلين من ذوي الخلفيات الإسلامية "الجهادية" من سجونه([3]).
تعرضت جبهة النصرة خلال هذه الفترة لضغوط كثيرة أبرزها: 1) التصنيف الأمريكي "كانون الأول 2012" والأممي "أيار 2013" لها على أنها منظمة إرهابية، 2) الصراع مع تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" على خلفية إعلان البغدادي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" نيسان 2013" ثم "الخلافة" في أيار 2014"، 3) إظهار الجبهة بيعتها "للقاعدة" وما أحدثه من ردود فعل سلبية من قبل جمهور الثورة السورية، 4) التدخل العسكري الروسي "أيلول 2015".
تفاعلت جبهة النصرة مع المتغيرات الطارئة على المشهد السوري والضغوط المحلية والخارجية التي تتعرض لها، لتعلن عن ولادة جسم حركي جديد في تموز 2016 باسم "جبهة فتح الشام".
أعلن الجولاني وبحضور قيادات لها وزنها في "الساحة الجهادية" إلغاء جبهة النصرة، وتشكيل كيان جديد بمسمى "جبهة فتح الشام" دون تبعيته "للقاعدة"، مبرراً هذه الخطوة بكونها استجابةً لرغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي من جهة، وحماية "الجهاد الشامي" وتحصينه من جهة أخرى ([4]).
أراد الجولاني من خلال التشكيل الجديد إدارة العلاقة المتوترة مع المجتمع الدولي، وذلك بإعلانه لكيان جديد مستقل عن "القاعدة" وأكثر محلية، فضلاً عن سعيه لترميم موقف الحاضنة الشعبية تجاه مشروعه الجهادي، والتي تضررت بحكم تصاعد استهداف مناطق قوى المعارضة بحجة تواجد النصرة ذات الارتباط القاعدي، ونتيجة لمنهجها في التغلب ولتدخلها الفج في شؤون السكان المحليين.
كذلك يمكن النظر "لجبهة فتح الشام" على أنها نتاج علاقات التنافس بين جبهة النصرة والأحرار ومسعى كل منهما لاحتكار تمثيل "الجهاد السوري"، حيث أراد الجولاني الضغط على الأحرار من خلال تشكيل تحالف جهادي لاستنزاف حركة الأحرار من جهة وإضعاف شرعيتها الجهادية من جهة أخرى. أما حضور الشيخان "أبو عبد الله الشامي وأبو الفرج المصري" في بيان الإعلان، فجاء لمنح الجبهة الغطاء الشرعي مع ضمان استمرارية الحضور الرمزي "للقاعدة" في التشكيل الجديد.
لم تعمر "جبهة فتح الشام" كثيراً، ليتم تجاوزها لصالح بنية حركية أطلق عليها مسمى "هيئة تحرير الشام" مطلع 2017، بما يظهر حجم وتسارع الضغوط الداخلية والخارجية، التي تعرضت لها قيادات "جبهة فتح الشام"، ومحاولاتهم الحثيثة لإيجاد مخرج حركي جديد.
تشكلت "هيئة تحرير الشام" إثر اندماج عدد من الفصائل العاملة في الشمال السوري نهاية كانون الثاني 2017، في مقدمتهم: حركة نور الدين الزنكي، "جبهة فتح الشام"، جبهة أنصار الدين، جيش المهاجرين والأنصار، لواء الحق، كما انضم للتشكيل الجديد عدد من شيوخ ودعاة "السلفية الجهادية" كــ: عبد الرزاق المهدي، أبو الحارث المصري، أبو يوسف الحموي، عبد الله المحيسني، أبو الطاهر الحموي ومصلح العلياني ([5]).
تفاعلت "جبهة فتح الشام" مع الضغوط الداخلية والخارجية التي استهدفت عزلها ومحاولات تصفيتها، والتي تكثفت مع اتفاق حلب الشرقية (13-12-2016)، اتفاق أنقرة لوقف إطلاق النار (30-12-2016) ومؤتمر الأستانة (23-1-2017)، لتعلن الجبهة عن تشكيل "هيئة تحرير الشام" كمناورة اضطرارية للالتفاف على التصنيف الإرهابي لها، وبما يصعب عملية استهدافها عسكرياً من قبل المجتمع الدولي لضمها فصائل غير مصنفة إرهابياً ومقربة في وقت سابق من الغرب كحركة نور الدين الزنكي. كذلك ينظر للتشكيل الجديد بأنه نتاج استمرار علاقات التنافس المحمومة بين الجبهة والأحرار ([6])، حيث تمكنت الهيئة من استقطاب ما يزيد عن 25 فصيل فرعي من الفصائل المنافسة لها، وفي مقدمتهم حركة أحرار الشام التي خسرت 16 من الفصائل المنضوية لها لصالح "هيئة تحرير الشام" ([7])، كما خسرت حركة الأحرار عدداً من قياداتها البارزين لصالح الهيئة كأبو صالح الطحان وأبو يوسف المهاجر.
علاوةً على ما سبق، جاء التشكيل الجديد ليؤكد رغبة الجولاني في تمكين مشروعه "الجهادي" في سورية وترميم شرعيته، وذلك بالتأكيد على مرونة الهيئة وتجسيد ذلك في الخطاب الإعلامي بقبولها المشروط بالعملية السياسية التفاوضية، وإدراجها قتال "الخوارج" لتأكيد اعتدالها، فضلاً عن استخدامها للشعارات التي تنتمي للخطاب الثوري المحلي ([8]) .
تضم "هيئة تحرير الشام" بين 19 و20 ألف منتسب بين مقاتل وإداري وشرعي، ويتباين نمط انتشار الهيئة في الجغرافية السورية بين تواجد مكثف يرتكز على مقرات وحواجز ثابتة تتبع للهيئة في مناطق محددة، أو انتشار خفيف يقوم على تسييرها لدوريات عسكرية عابرة، وعموماً تنتشر الهيئة وفق أحد النمطين السابقين في محافظة إدلب وجنوب وغرب حلب، وفي جرود القلمون والغوطة الشرقية، إضافةً لتواجدها المحدود في محافظتي درعا والقنيطرة كما توضح بذلك خريطة النفوذ التالية:
الرسم البياني رقم (1): خريطة توزع مناطق السيطرة في سورية
أما بخصوص هيكلية الهيئة، فيلحظ ومن خلال مقاطعة عدة مصادر من المعلومات، تمتعها بهيكلية إدارية تتوزع على عدد من الأقسام الرئيسية التي تغطي الجوانب التالية: العسكري، الأمني، الخدمي، الشرعي، القضائي، الإعلامي، الاقتصادي وكذلك السياسي، علماً أن لكل قسم مما سبق بنية وهيكلية تنظم عمله، مع ارتباطها جميعاً بمجلس الشورى كما يظهر بذلك الشكل التالي.
الرسم البياني رقم (2): الهيكلية المتوقعة لهيئة تحرير الشام
يلحظ من استعراض هيكلية هيئة تحرير الشام شموليتها وارتباطها بقيادة مركزية، بما يوضح مساعي الهيئة لإقامة حكم ذا طابع إسلامي على المدى البعيد، وبما يهدد المجالس المحلية التي تعتبر النواة الرئيسية لإعادة بناء الدولة الوطنية.
تُجمع "الحركات الجهادية" ذات الطابع العسكري على ضرورة حكم مناطقها بالشكل الذي يمكنها من تحقيق أهدافها الموضوعة، إلا أنها تختلف في مقاربتها لمسألة الحكم وما يستتبعه بالضرورة من تباينها في الهياكل التنظيمية والأدوات التنفيذية المستخدمة لإنفاذ رؤيتها في الحكم المحلي، حيث تركز بعض "الحركات الجهادية" على توفير الخدمات الاجتماعية أكثر من ممارستها لسياسات الإكراه، مع ميلها للمواءمة بين إيديولوجيتها وتوجهات السكان المحليين تجنباً للصدام معهم، بينما يميل بعضها الآخر لممارسة سياسات الإجبار والإكراه وفرض إيديولوجيته لتحقيق التمكين، مع اهتمام أقل بتوفير الخدمات الاجتماعية. وأمام ما سبق يبدو من الأهمية تسليط الضوء على تجربة "هيئة تحرير الشام" في الحكم المحلي، من حيث مقاربتها لهذه المسألة، والنمط والأدوات المتبعة من قبلها لإنفاذ رؤيتها، وطرق تعاطيها مع المجالس المحلية القائمة في مناطقها في المرحلة الراهنة.
تسعى "هيئة تحرير الشام" إلى تحقيق التمكين بشكل تدريجي، وإقامة إحدى أنماط الحكم ذات الصبغة الإسلامية "الإمارة، الدولة، الخلافة". وتعتبر تجربة الهيئة خلاصة تجارب التشكيلات التي ولدت منها، إضافةً لتوجيهات ومراجعات المركز وتجارب فروعه في "ساحات الجهاد" ([9]).
وفي مسعاها لتحقيق التمكين المُهيء لإقامة "الحكم الإسلامي"، تولي الهيئة السكان المحليين أهمية باعتبارهم فاعلاً رئيسياً يمتلك القدرة على دفع مشروعها أو إجهاضه. من هنا توظف الهيئة مجموعة من الحوافز لكسب الدعم من المجتمعات المحلية. أما أدواتها في ذلك فتتضمن: توفير الخدمات الاجتماعية، سياسات الإكراه، نشر الإيديولوجية. أما فيما يتصل بمفاضلتها لاستخدام أداة أكثر من غيرها فيعود إلى اعتبارات عدة أبرزها: مستوى تمكّنها وسيطرتها، الكلف المدفوعة والنتائج المتحققة، التيار المهمين على صنع القرار ومنفذيه.
تعتبر الإدارة العامة للخدمات الذراع الخدمي لهيئة تحرير الشام في المناطق التي تنتشر فيها، وقد تشكلت من قبل جبهة النصرة في وقت سابق من عام 2013 على خلفية قرارها بالانفصال عن "الإدارة الإسلامية للخدمات" ([10])، وتتكون الإدارة العامة للخدمات من عدد من المؤسسات الخدمية على المستوى المناطقي العام "إدلب، حلب، حماة. إلخ" لتكون أشبه بوزارات خدمية، ترتبط بعدد من المديريات الخدمية على المستوى القطاعي "قطاع الحدود، قطاع البادية، قطاع حلب المدينة. إلخ"، التي ترتبط بدورها بالبلديات المشكلة من قبل الإدارة العامة للخدمات، والتي يمكن اعتبارها النواة المحلية الأصغر المسؤولة عن تنفيذ توجيهات مؤسسات وهيئات الإدارة العامة للخدمات ([11])، ومن خلالها يتم الاحتكاك بالسكان المحليين وتوفير الخدمات لهم كما في بلديات حارم وسلقين ودركوش وتلمنس. أما في المناطق التي لا تتوافر فيها بلديات تتبع للهيئة، فيتم العمل فيها بواسطة المؤسسات والمديريات الخدمية للإدارة العامة، وذلك بالتعاون أو بالاستقلالية عن الأجسام الخدمية القائمة ([12])، أو من خلال مجالس محلية تهيمن عليها الهيئة ([13]).
الرسم البياني رقم (3): هيكلية الإدارة العامة للخدمات ([14])
تدرك الهيئة أهمية توفير الخدمات للسكان المحليين لكسب تأييدهم وتجنيد متطوعين جدد لمشروعها، كما تعلم أن التزامها بتوفير الخدمات الأساسية يضعف منافسيها "المجالس المحلية، هيئة إدارة الخدمات"، ويقلّل من مناهضة السكان لسياسات الإكراه المنفذة من قبلها، إلا أنها وعلى الجانب الآخر تدرك عجزها عن تحمل الكلف المرتفعة الناجمة عن توفير جميع الخدمات، الأمر الذي يفسر تركيزها على الخدمات الأكثر حيوية للسكان والتي من خلالها تستطيع التأثير أو التحكم بالمجالس المحلية كالمياه والكهرباء ([15])، في حين أنها ترهن توسيع نطاق خدماتها الأخرى بتوافر الموارد من جهة وحاجتها لتحقيق التمكين الكلي من جهة أخرى.
تعمل الهيئة على شغر المناصب الخدمية بعناصر سوريين مدنيين يغلب عليهم المحلية، بما يمكنها من نسج علاقات إيجابية مع السكان المحليين ([16])، أما مصادر تمويل خدماتها، فتعتمد الهيئة بشكل أساسي على شبكات الدعم الخارجية سواءً تلك التي يوفرها المركز أو المتعاطفين معها، إضافة للضرائب المحلية المفروضة على السكان المحليين لقاء الخدمات التي توفرها الهيئة بشكل مباشر، والرسوم التي تفرضها على حركة المرور التجاري مستغلة سيطرتها على خطوط الإمداد والتموين في شمال غرب سورية( [17]) ، وكذلك الأتاوات المفروضة لقاء تأمين الحماية أو السماح للمنظمات بالعمل ضمن مناطقها ([18])، إضافةً لتحصيل الغرامات بحجة مخالفة أوامرها، علاوةً على الموارد المالية المتأتية من بيع أو استثمار الأملاك العامة.
تلجأ الهيئة لممارسة سياسات الإكراه ضد خصومها وتبرير ذلك أمام الحواضن المحلية بذرائع متعددة منها: الإفساد في الأرض، التعاون مع الغرب أو النظام، إقامة شرع الله...إلخ، وتتنوع أساليب الهيئة في ممارسة الإكراه بين أسلوب مباشر يتم بواسطة ذراعها العسكرية كما حصل في حملتها على عدد من الفصائل في الشمال السوري كالجبهة الشامية وتجمع فاستقم وصقور الشام وجيش الإسلام وجيش المجاهدين ([19])، أو من خلال ذراعها الأمنية ([20]) لفرض توجهاتها على السكان المحليين ومعاقبة الأفراد والهيئات المناهضة لها، أو بأسلوب غير مباشر من خلال اتباع تكتيكات لاعنفية تهدف إلى فرض رؤيتها على السكان المحليين أو تكوين رأي عام تجاه قضية معينة، ويتم ذلك من خلال ذراعيها الدعوي والإعلامي ومن أمثلة ذلك، تنظيم الحملات الشرعية في المساجد والمناطق العامة لفرض إيديولوجيتها، أو إخراج مظاهرات ضد خصومها([21]).
اعتمدت "هيئة تحرير الشام" على تجارب "القاعدة المركزية" وفروعها فيما يتصل بضرورة التطبيق الانتقائي والتدريجي لأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك لتجنب الصدام مع السكان المحلين ([22])، الأمر الذي أكده الجولاني في مناسبات متعددة. وتقوم الهيئة باعتماد ثنائية القضاء والدعوة لفرض نفوذها والتحصل على الدعم المجتمعي، فمن جهة ورثت الهيئة دُور القضاء التي شكلتها النصرة سابقاً في مناطق تواجدها كدور القضاء في سلقين وسرمدا ودركوش..إلخ، وتمنح دُور القضاء الهيئة نفوذاً داخل المجتمعات المحلية باعتبارها أداة لها مصداقية في فرض قانونها المبني على رؤيتها الخاصة للشريعة الإسلامية ([23])، إضافة لما تخولها إياها من صلاحيات وتبريرها كالاستيلاء على الأموال والممتلكات العامة ومصادرة ممتلكات خصومها بحجج شرعية([24]).
على الجانب الآخر، تعتمد الهيئة على مكتب الدعوة والإرشاد ([25])، للقيام بحملات التعبئة الإيديولوجية والحشد المجتمعي لمشروعها بين السكان المحليين، ويلاحظ في هذا الصدد أن قدرة الهيئة على الانتشار والتعبئة الإيديولوجية أكثر تأثيراً في المناطق الريفية منها في الحواضر المدنية الكبرى في محافظة إدلب كما في معرة النعمان وسراقب وكفرنبل، والتي تمتلك مجتمعات مدنية فعالة تحد من قدرة الهيئة على النفاذ إليها.
تحظى إدلب بأهمية حيوية في سياق الصراع الدائر في سورية، وذلك باعتبارها المحافظة الوحيدة المحررة بشكل شبه كلي، فضلاً عن تمتعها بموقع جغرافي متميز يجعلها صلة الوصل بين المناطق الساحلية والوسطى والشمالية، إضافة لتصدرها قائمة مناطق سيطرة المعارضة من حيث عدد المجالس المحلية العاملة فيها، علاوةً على كونها مركز الثقل الرئيسي لهيئة تحرير الشام.
وبالنظر إلى الهيئات الخدمية العاملة في محافظة إدلب فتشتمل على: الإدارة المدنية للخدمات التابعة لجيش الفتح، هيئة إدارة الخدمات التابعة لحركة أحرار الشام الإسلامية، الإدارة العامة للخدمات التابعة لهيئة تحرير الشام، الحكومة المؤقتة والهيئات والمديريات والمجالس المحلية التابعة لها، منظمات المجتمع المدني. فيما يتعلق بالمجالس المحلية العاملة في محافظة إدلب فيقدر عددها بــ 156 مجلس فرعي بحسب مجلس محافظة إدلب الحرة، تتوزع إدارياً وفق الآتي: ([26]) الرسم البياني رقم (4): توزع المجالس المحلية في محافظة إدلب بحسب التقسيمات الإدارية
إضافة لما سبق يتواجد عدد من المجالس المحلية في القرى والمزارع التي لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية بحسب الأنظمة واللوائح المعمول بها من قبل وزارة الإدارة المحلية في الحكومة المؤقتة ومجلس المحافظة، وقد تشكلت تلك المجالس إما بمبادرة فردية من قبل وجهاء تلك القرى طلباً للدعم من المنظمات، أو بتوجيه من الفصائل العسكرية الساعية لتعزيز شرعيتها المحلية ([27]).
أما فيما يتعلق بالمجالس المحلية القائمة في مناطق التواجد المكثف لهيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، فيقدر عددها بــ 81 مجلس تتوزع بحسب التقسيمات الإدارية وفق الشكل رقم (5)، إضافة لتواجد 43 مجلس قرية.
الرسم البياني رقم (5): التقسيمات الإدارية للمجالس المحلية في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام
تتباين مرجعية تلك المجالس، حيث يتبع جزء كبير منها لمجلس محافظة إدلب الحرة الذي يعتبر بدوره جزء من الحكومة السورية المؤقتة ([28])، بينما لا يقر بعضها بالتبعية الإدارية لمجلس المحافظة، في حين يتبع عدد آخر من المجالس للإدارة العامة للخدمات تشكيلاً أو إشرافاً كما في حارم وسلقين.
تتفاوت المجالس المحلية فيما بينها من حيث فعاليتها وطبيعة دورها، ويعزى ذلك إلى عدة عوامل منها: الإمكانيات، الشرعية، حجم الوحدة الإدارية، العمليات العسكرية، العلاقة مع "هيئة تحرير الشام"، وتسعى تلك المجالس لتوفير الخدمات الأساسية لمجتمعاتها المحلية ما أمكنها ذلك، بما يتضمن عمليات الإغاثة وإصلاح البنية التحتية وتوفير خدمات الصحة والتعليم والدفاع المدني والأمن المحلي سواءً بمفردها أو بالتشارك مع الهيئات الخدمية "الشرطة الحرة والدفاع المدني" ومنظمات المجتمع المدني. أما مصادر الدعم المادي للمجالس، فمتعددة وفي مقدمتها الدعم الذي توفره الجهات المانحة عبر منح مالية أو مشاريع تشغيلية أو مواد عينية، في حين يعتبر الدعم المقدم من قبل الحكومة المؤقتة ومجلس المحافظة محدوداً من حيث الكم ومتقطعاً من حيث تواتره، كذلك تعتمد المجالس المحلية على مصادرها الذاتية كالجباية المحلية واستثمار الأملاك العامة وعوائد المشاريع التنموية، يضاف لما سبق الدعم المادي واللوجستي الذي توفره الإدارة العامة للخدمات لبعض المجالس سيما تلك التي تتبع لها([29]).
تدرك "هيئة تحرير الشام" الأهمية التي يحظى بها مشروع المجالس المحلية سواءً في الوقت الراهن لما تقوم به من أدوار خدمية وتمثيلية تقربها من السكان المحليين، أو بالنسبة للدول والجهات الداعمة باعتبارها قنوات أساسية لتمرير الدعم وتنفيذ مشاريع التدخل الإنساني والتنموي حالياً، وباعتبارها ركائز أساسية في تطبيق الحل السياسي مستقبلاً. لكن وعلى الجانب الآخر، تدرك الهيئة حالة التضاد القائمة بين مشروعها الرامي لبناء مقومات التمكين تدريجياً في مسعاها لإقامة "حكمها الإسلامي"، ومشروع المجالس المحلية الذي يعتبر تجسيداً لحالة الدولة ونواتها الأساسية. من هنا تتبنى الهيئة مقاربة مصلحية تجاه المجالس المحلية محكومةً بالعوامل التالية: 1) مستوى تمكن الهيئة ونمط انتشارها، 2) توافر الموارد،3) موقف الحاضنة الشعبية، 4) الدور المركزي للمجلس وشرعيته، 5) تواجد شركاء داعمين للمجلس.
استناداً لما سبق، يمكن إيجاز المقاربات التي تتبناها الهيئة تجاه المجالس المحلية في ثلاث وفق الآتي:
تحظى المجالس المحلية في محافظة إدلب بأهمية باعتبارها معياراً لمدى نجاح التجربة وإمكانية البناء عليها مستقبلاً، وفي حين تواجه عموم مجالس المحافظة تحديات منبعها ضعف الموارد وعلاقات التنافس المحلية ذات الطابع السلبي، والسياسات المتضاربة للفاعلين المنخرطين في الصراع السوري، فإن المجالس العاملة في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" والتي لا تتبع لها، تواجه مخاطر جدية تستهدف استمراريتها بحكم دفع الهيئة لتجربتها في الحكم المحلي عبر سياسات التمكين والإكراه. وفي حين يمكن أن يوصى بسياسات عامة لدعم المجالس المحلية بغية تمكينها، فإنه يتوجب على الجهات الداعمة وضع مقاربة خاصة لدعم المجالس الواقعة ضمن مناطق الهيئة لدعمها بشكل استثنائي، وذلك بإدراكها أولاً لبيئة عمل المجلس وبما يجنبها إثارة ردود فعل سلبية تعرض المجالس للخطر من قبل القوى المحلية، إضافةً لأهمية عملها وفق سلم أولويات موجه لتمكين المجالس المحلية وعلى مراحل زمنية.
بناءً على ما سبق ولتعزيز منظومة المجالس الواقعة ضمن مناطق الهيئة ومنحها المناعة الكافية بما يُمكنها من تلافي الوقوع في ثلاثية الهيئة (التعاون المصلحي، الاحتواء فالاختراق، الاقصاء) فإنه يوصى بالعمل على ما يلي:
تولي "هيئة تحرير الشام" أهمية لمسألة الحكم المحلي، حيث ترهن استمرارية مشروعها وتطوره الهادف لتحقيق رؤيتها للحكم الإسلامي، بمدى نجاحها في إدارة علاقاتها مع السكان المحليين ونيل دعمهم لمشروعها، وقد استفادت الهيئة من تجارب الحكم المحلية "للتشكيلات الجهادية" التي انبثقت عنها، وخلاصة توجيهات المركز "القاعدة" وتجارب فروعه في ساحات "الجهاد العالمية"، لتؤسس تجربتها في الحكم المحلي من خلال المزواجة بين مجموعة من الحوافز الإيجابية والسلبية لنيل دعم السكان المحليين، وبواسطة بنية تنظيمية مركبة ذات قدرة على التكيف مع المتغيرات الحاكمة للصراع السوري.
تدرك "هيئة تحرير الشام" تواجد عدة عقبات تعترض تمكين مشروعها في الحكم المحلي ومنها المجالس المحلية، حيث تُعتبر الأخيرة تجسيداً لحالة الدولة الوطنية ونواتها الأساسية، وعلى الرغم من حالة التضاد هذه بين مشروع الهيئة والمجالس من حيث طبيعة كل منهما وأهدافه، تدرك الهيئة القيمة الحيوية التي يمثلها مشروع المجالس المحلية لما تقوم به من أدوار خدمية وتمثيلية تمنحها الشرعية المحلية، أو بالنسبة للدول والجهات الداعمة باعتبارها قنوات أساسية لتمرير الدعم للمجتمعات المحلية وتنفيذ مشاريع التدخل الإنساني والتنموي راهناً ومستقبلاً. من هنا تتبنى الهيئة مقاربة مصلحية تجاه المجالس المحلية تشتمل على التعاون المصلحي والاحتواء فالاختراق والإقصاء، الأمر الذي يتهدد استمرارية المجالس، والتي بمقدار ما تتمكن من تعزيز دورها الخدمي وتأكيد شرعيتها المحلية، إضافة لمأسسة شراكاتها مع القوى المحلية المؤمنة بمشروع الدولة الوطنية، وزيادة ترابط منظومتها الإدارية مع الحكومة المؤقتة ومجلس المحافظة، علاوةً على تعزيز استقلاليتها في توفير مواردها باعتمادية أقل على الداعمين، عندئذ تتمكن من تجاوز التحدي الذي تفرضه عليها "هيئة تحرير الشام"، وإعطاء دفعة للإدارة المحلية على طريق إعادة بناء الدولة الوطنية.
([1]) البيان التأسيسي لجبهة النصرة، موقع يوتيوب، تاريخ 25-5-2012، رابط إلكتروني https://goo.gl/YeBgbi
([2]) يقول الباحث محمد أبو رمان في هذا الصدد: تستند السلطة العلمية المرجعية لجبهة النصرة أساساً إلى السلفية الحركية التي نشأت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، وتتبع المدرسة الجهادية التي وضع أصولها النظرية سيد قطب، وأخذ بها أيمن الظواهري زعيم جماعة الجهاد المصرية والقاعدة لاحقاً، وتبنّاها مروان حديد، مؤسس جماعة "الطليعة المقاتلة في سورية، وبلور أطروحاتها عبد الله عزام الأب الروحي للأفغان العرب في أفغانستان، وطوّر مستنداتها أبو مصعب السوري في الشتات. إذاً، ثمة روافد متعددة لأيديولوجيا النصرة، للمزيد مراجعة، محمد أبو رمان، "السلفية الجهادية": داعش والنصرة من إدارة التوحش إلى فقه الدماء، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، مجلد 26/ عدد 101، شتاء 2015، رابط إلكتروني https://goo.gl/0daqZC
([3]) Charles Lister, Profiling Jabhat al-Nusra, Brookings, Date: July 27, 2016. Link https://goo.gl/otk0JT
([4]) حدد الجولاني خمسة أهداف لتشكيل جبهة فتح الشام وهي: 1) إقامة دين الله وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين كل الناس، 2) التوحد مع الفصائل لرص صفوف المجاهدين وتحرير أرض الشام والقضاء على النظام وأعوانه، 3) حماية الجهاد الشامي والاستمرار فيه واعتماد كافة الوسائل الشرعية المعينة على ذلك، 4) السعي لخدمة المسلمين والوقوف على شؤونهم وأحوالهم والتخفيف من معاناتهم بكافة الوسائل الممكنة، 5) تحقيق الأمن والأمان والاستقرار والحياة الكريمة لعامة الناس. للمزيد مراجعة: إعلان تشكيل جبهة فتح الشام -الشيخ الفاتح أبو محمد الجولاني، موقع يوتيوب، تاريخ 28-7-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/wDz7Os
([5]) هيئة تحرير الشام تشكيلها وقياداتها وسلسلة الانضمامات، شبكة شام الإخبارية، تاريخ 28-1-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/Y3lfFw
([6]) حول هذا الموضوع مراجعة، آرون لوند، الدوّامة الجهادية، مركز كارنيجي، تاريخ 28-2-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/8ShXrp
([7]) تكونت هيئة تحرير الشام من اندماج ما يقارب 67 فصيل متفاوتين من حيث القوة والعدد، وحدة الرصد والمعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.
([8]) أحمد أبا زيد، التنافس الكبير: بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام، موقع إدراك، رابط إلكتروني https://goo.gl/Efr7qu
([9]) حول هذا الموضوع يمكن مراجعة، دانيال غرين، استراتيجية القوة الناعمة لـ تنظيم «القاعدة» في اليمن، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تاريخ 23-1-2013، رابط إلكتروني: https://goo.gl/L8SGqq
([10]) تحديات تواجه الإدارة العامة للخدمات بحلب، الجزيرة نت، تاريخ 31-3-2014، رابط إلكتروني https://goo.gl/GmzdYc
([11]) تعميم من الإدارة العامة للخدمات/ مديرية الخدمات الفنية بالحدود إلى بلدية حارم، الصفحة الرسمية لبلدية حارم، تاريخ 20-4-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/o8Yz6O
([12]) تعاون المجلس المحلي في كفردريان مع الإدارة العامة للخدمات لتوصل خطء الكهرباء، الصفحة الرسمية للمجلس المحلي في كفردريان، تاريخ 19-10-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/iOXzgP، أيضاً، محطة كهرباء “سراقب” تغذي منازل قرية “معردبسة” بالتيار الكهربائي، راديو الكل، تاريخ 30-3-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/uO5bvg
([13]) أشار عضو في المجلس المحلي لبلدة سنجار إلى تبعية المجلس للإدارة العامة للخدمات، حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع عضو من المجلس المحلي لبلدة سنجار، تاريخ 21-5-2017.
([14]) هيكلية بلدية حارم التابعة للإدارة العامة للخدمات، الصفحة الرسمية للإدارة العامة للخدمات بلدية حارم على الفيس بوك، تاريخ 21-5-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/NfRXBG
([15]) جانب من أعمال صيانة المحولة الرئيسية في محطة كهرباء "الزربة" وإعادتها للخدمة، الصفحة الرسمية للإدارة العامة للخدمات على الفيس بوك، تاريخ 1-5-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/lpDP2K
([16]) أشار الأستاذ فاضل برهان عمر رئيس المجلس المحلي لتلمنس إلى تواجد فروق في تعاطي النصرة سابقاً والهيئة مع المجالس المحلية، حيث كان يتم التعامل سابقاً من قبل العسكر أما حالياً فيتم من خلال مدنيين. حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماع مع الأستاذ فاضل برهان عمر رئيس المجلس في بلدة تلمنس، تاريخ 27-4-2017.
([17]) Charles Lister, Profiling Jabhat al-Nusra, Brookings, Date: July 27, 2016. Link https://goo.gl/otk0JT
([18]) حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع أحد العاملين في المنظمات الناشطة في محافظة إدلب، تاريخ 22-5-2017.
([19]) أحمد أبا زيد، خطة الجولاني الأخيرة.... الحرب بحثاً عن السياسة، موقد إدراك، تاريخ 9-2-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/4sTImj
([20]) سلطان جلبي، سجون «هيئة تحرير الشام» تشبه سجون النظام... مع تعذيب «أيديولوجي»، الحياة، تاريخ 13-5-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/RWHsLq
([21]) مظاهرات في إدلب مؤيدة لـ"تحرير الشام" و رافضة لاتفاق "الأستانة4"، موقع MICRO SYRIA، تاريخ 12-5-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/cOJ6z7
([22]) دانيل غرين، حكومة الظل التابعة لـ تنظيم «القاعدة» في اليمن، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تاريخ 12-12-2013، رابط إلكتروني https://goo.gl/qYjOeG
([23]) دار القضاء تمنع بيع أو شراء العقارات من قبل الطوائف المسلمة حديثا، جريدة زيتون، تاريخ 1-4-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/ANWN6c
([24]) YASIR ABBASMAY, HOW AL QAEDA IS WINNING IN SYRIA. War on the Rocks. Date. 10-5-2016. Link https://goo.gl/kUSDvF
([25]) بريق الدعوة مكتب الدعوة والإرشاد جبهة النصرة، موقع يوتيوب، تاريخ 8-4-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/JeMqU8
([26]) حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع الأستاذ محمد خطاب مدير مديرية المجالس المحلية في مجلس محافظة إدلب الحرة، تاريخ 19-5-2017.
([27]) حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع الأستاذ محمد سليم خضر عضو المكتب التنفيذي في مجلس محافظة إدلب الحرة/ مكتب العلاقات العامة، تاريخ 19-5-2017.
([28]) أشار الأستاذ ناصر هزبر الرئيس السابق للمجلس المحلي لمدينة معرة النعمان إلى تبعية المجلس تنظيمياً لمجلس المحافظة وللحكومة المؤقتة، إلا أنه مستقل من الناحية العملية. حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع الأستاذ ناصر هزبر الرئيس السابق للمجلس المحلي لمدينة معرة النعمان، تاريخ 22-5-2017.
([29]) شكر الإدارة العامة للخدمات لمساهمتها بتحمل بعض نفقات مد شبكة المياه في بلدة كللي، الموقع الرسمي لمجلس بلدة كللي على الفيس بوك، تاريخ 21-2-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/Zlaejz
([30]) سعيد غزول، "مجلس سرمدا" في إدلب يعاود ضخ المياه بعد عودة الكهرباء، وكالة سمارت للأنباء، تاريخ 21-7-2016، رابط إلكتروني https://goo.gl/Udyai6
([31]) حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع أسامة الحسين الرئيس السابق للمجلس المحلي في سراقب، تاريخ 21-5-2017.
([32]) حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع ناصر هزبر الرئيس السابق للمجلس المحلي في معرة النعمان، تاريخ 22-5-2017.
([33]) قيام الإدارة العامة للخدمات بتقديم العدم للمجلس المحلي في بلدة أبو الظهور لفتح الطريق لمكب النفايات، الصفحة الرسمية للمجلس المحلي في بلدة أبو الظهور، تاريخ 11-4-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/xtIATZ
([34]) أشار الأستاذ أسامة الحسين، الرئيس السابق للمجلس المحلي في سراقب إلى تواجد عدة فصائل في مدينة سراقب وهي: لواء جبهة ثوار سراقب، أحرار الشام، ومقر لهيئة تحرير الشام، ويعتبر لواء جبهة ثوار سراقب المرجعية والمسؤول العسكري باعتباره فصيلاً محلياً، حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع أسامة الحسين الرئيس السابق للمجلس المحلي في سراقب، تاريخ 21-5-2017.
([35]) أشار الأستاذ ناصر هزبر الرئيس السابق للمجلس المحلي لمعرة النعمان إلى المحاولات التي قامت بها الهيئة والنصرة سابقاً للسيطرة على المجلس وإقصائه وفرض بلدية تتبع لهم كبديل عن المجلس المحلي، إلا أن شرعية المجلس وحيازته على دعم السكان وكذلك موقف منظمات المجتمع المدني المؤيدة له، أفشلا تلك المساعي، حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع الأستاذ ناصر هزبر الرئيس السابق للمجلس المحلي لمعرة النعمان، تاريخ 22-5-2017.
([36]) YASIR ABBASMAY, HOW AL QAEDA IS WINNING IN SYRIA. War on the Rocks. Date. 10-5-2016. Link https://goo.gl/kUSDvF
([37]) أشار الأستاذ أسامة الحسين "الرئيس السابق لمجلس سراقب" إلى أن شرعية المجلس المستمدة من قبل المجتمع المحلي ودوره الخدمي المركزي، إضافة لقوة الحراك المدني في سراقب وتواجد أحزاب سياسية، عوامل أساسية تحد من تدخل الفصائل فيما فيها هيئة تحرير الشام في عمل المجلس، حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع أسامة الحسين "الرئيس السابق للمجلس المحلي في سراقب. تاريخ 21-5-2017.
([38]) Aymenn Jawad Al-Tamimi. Hay’at Tahrir al-Sham and Civil Society in Jabal al-Summaq. Syria Comment. Date 4-4-2017. Link https://goo.gl/ackML9
([39]) حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع عضو من المجلس المحلي لبلدة أطمة، تاريخ 26-4-2017.
([40]) حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماع مع الأستاذ فاضل برهان عمر رئيس المجلس في بلدة تلمنس، تاريخ 27-4-2017.
([41]) Yasir Abbas. Another "State" of Hate: Al-Nusra's Quest to Establish an Islamic Emirate in the Levant. Hudson Institute, Date: 29-4-2016. Link https://goo.gl/NTA6Li
([42]) أشار أحد أعضاء المجلس المحلي لكفر تخاريم إلى ذلك حينما قال: تميل الفصائل ومنها هيئة تحرير الشام في حال أرادت التدخل في عمل المجلس، إلى الضغط عليه وذلك لتعديل بعض القرارات المتخذة. حديث أجراه الباحث على وسائل التواصل الاجتماعي مع أحد أعضاء المجلس المحلي في كفر تخاريم، تاريخ 29-4-2017.
([43]) اجتماع المجالس المحلية بقطاع المنسي للتشاور حول سبب توقيف المشروع المياه من قبل هيئة تحرير الشام، الصفحة الرسمية للمجلس المحلي في قرية مجدليا، تاريخ 25-4-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/h5PyMF
([44]) عمر عبد الفتاح، "محلي" سنجار بإدلب: "فتح الشام" اعتقلت رئيس المجلس لعدم اعترافها فيه، وكالة سمارت للأنباء، تاريخ 3-1-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/6r18s0، كذلك، بعد رفضها تشكيل المجلس. هيئة تحرير الشام تلاحق أعضاء مجلس سلقين المدني وتعتقل بعضهم، شبكة شام الإخبارية، تاريخ 21-2-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/e8v1wz
([45]) عمر عبد الفتاح، محلي" سنجار بإدلب: "فتح الشام" اعتقلت رئيس المجلس لعدم اعترافها فيه، وكالة سمارت للأنباء، تاريخ 3-1-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/6r18s0
([46]) تحرير الشام تداهم منازل أعضاء المجلس المحلي في سلقين وتعتقل بعضهم، جريدة زيتون، تاريخ 22-2-2017، رابط إلكتروني https://goo.gl/zejypf