بتاريخ 27/ آب 2020؛ شارك الباحث في مركز عمران للدراسات بدر مُلا رشيد ضمن حلقة برنامج " سوريا اليوم " على شاشة تلفزيون سوريا، والتي تناولت حادثة الاحتكاك الأمريكي الروسي في منطقة شرق الفرات ؛ حيث وضح مُلا رشيد خلال مداخلته تزايد مؤشرات الاختلاف الروسي الأمريكي على الرغم من محاولة أمريكا تثبيت قواعد اللعبة في هذه المنطقة؛ كما فكك ملا رشيد دوافع موسكو وسياساتها في شرق الفرات لا سيما فيما يتعلق برغبة روسيا للوصول إلى معبر اليعربية/ تل كوجر مع العراق، بالإضافة إلى التغلغل أكثر في المنطقة الغنية بالنفط والغاز.

 

 

قال الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية “معن طلاع” خلال تصريحه لـ SY24، إن هذا التواصل والدعم ليس مفاجئاً وباعتقادي أن هذا الإجراء هو ضمن سلسلة من الإجراءات الآخذة بالتعاظم والتي اتخذتها أبو ظبي في إعادة تعريف علاقتها مع نظام الأسد؛ وهو عموماً يأتي ضمن (إدراك إماراتي) لأمرين، الأول إنتاج المشهد العسكري وتحولاته بعد التدخل الروسي؛ والذي فرض تسيداً روسياً أجبر -ابتداءاً- العديد من الدول الاقليمية إلى تعديل خططها ومواقفها، ثم التطبيع التدريجي مع غايات موسكو في سورية في ظل سياسة إدارة الظهر الأمريكي للصراع المحلي السوري”.

والثاني تفرضه محددات أمنية إماراتية ترى أن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا بعد هزيمة داعش تتمثل في محاصرة طهران وتحجيم تواجدها الأمني والعسكري والإداري، وهذا سيفرض فراغاً ما تسعى الإمارات لتعبئته.

للمزيد انقر الرابط التالي: https://bit.ly/3bKVP4C

بتاريخ 9 كانون الثاني 2020، شارك الباحث محمد العبد الله بتقرير موسع نشره موقع السورية نت بعنوان: "ضواحي سكنية على قوائم الانتظار: توغلٌ إيراني ناعم لتكريسِ سيطرةٍ مستقبلية"، رأي فيه يرى الباحث أن توصيف العلاقة بين روسيا وإيران في سورية “لا تتعدى كونها علاقة تعاون مصلحية ظرفية، ولا ترقى لأن تكون بمثابة علاقة تحالف بين الدولتين”، على حد تعبيره، وذلك على اعتبار أن كلا الطرفين استفاد من المزايا التي يتمتع بها، لتحقيق الانتصار ضد معارضي النظام، وكان لكل منهما طموحاته العسكرية والسياسية والاقتصادية في سورية.

وعلى الرغم من الكلفة المادية الكبيرة التي وضعتها إيران لقاء تدخلها في سورية، تمكنت موسكو من التفرد بالفرص الكبرى في القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، ما دفع طهران إلى محاولة الاستئثار بما تبقى من الفرص التي لم تطالها الأيادي الروسية، ومنها قطاع الإسكان، وذلك من خلال توقيع مذكرات تفاهم مع حكومة النظام، وتنفيذ تلك المشاريع بالتشارك مع المؤسسات والشركات الحكومية التابعة له، بهدف منحها شرعية أكبر في المستقبل.

للمزيد حول التقرير انقر رابط المصدر: https://bit.ly/3bpxrF8

 

رأى الباحث معن طلاع من مركز عمران، في حديثه لراديو روزنة في تاريخ 14 أيلول 2019، حول القمة الثلاثية في أنقرة والتفاهمات الجديدة حول إدلب؛ أن القمة ستركز بشكل مباشر ورئيسي على ملف إدلب وما يتضمنه من تحديات ملحة كموضوع الطرق الدولية؛ وملف تنظيمات "هيئة تحرير الشام" و "حراس الدين" إضافة إلى حركة النزوح الجماعي معتبراً أن قمة أنقرة اختباراً حقيقياً لضبط الخلافات واستيعابها فإما ترميم مساحات الخلاف الحاصل والحفاظ على مسار أستانا كمسار أمني وإما ترحيل الخلاف لقمم أخرى مما بسفر عن تصدع هذا المسار بحكم انتهاء صلاحياته بعد أن أتم المطلوب منه.

كما رجّح تنامي خيارين؛ يتمثل الأول بإعادة تعريف موسكو لاتفاق سوتشي لا سيما فيما يتعلق بالبند الثالث والذي ينص على "إقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20 كيلومتراً " ليصبح عمق المنطقة 30 كم وتعزيز فكرة الدوريات المشتركة كمدلول لحفاظ أنقرة على نقاطها في تلك المناطق.

أما الخيار الثاني هو الاعتراف بالأمر الواقع وتجميد القتال مقابل منح أنقرة مهلة إضافية لتنفيذ اتفاق سوتشي وتفكيك هيئة تحرير الشام وحراس الدين؛ وبالتالي شرعنة نتائج العمل العسكري الروسي الاخير وتحويله لنموذج عمل حيال أي تأخر في تنفيذ الاتفاق.

 

المصدر راديو روزنة: http://bit.ly/2mf4DuQ

دون تأكيد من مصادر النظام؛ أشارت عدة تقارير إعلامية صادرة في الأسبوع الأول من شهر آب لعام 2019  إلى إجراء النظام عدة تغييرات  نوعية طالت أهم مراكز القوى الأمنية والتي كان من أبرزها وفقاً لهذه التقارير تعيين رئيس مكتب الأمن الوطني علي مملوك نائباً له للشؤون الأمنية، فيما حل بديلاً عنه في هذا المنصب اللواء محمد ديب زيتون الذي كان يشغل مدير إدارة المخابرات العامة؛ و وشملت التغييرات أيضاً، إحالة رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء جميل حسن إلى التقاعد وتعييّن اللواء غسان جودت إسماعيل خلفًا له؛ كما عيّن اللواء حسام لوقا (الذي كان يشغل منصب رئيس شعبة الأمن السياسي) مديراً لإدارة المخابرات العامة؛ وعيّن عوضاً عنه اللواء ناصر العلي، كما شملت التعيينات وضع اللواء ناصر ديب مديراً لإدارة الأمن الجنائي خلفًا للواء صفوان عيسى.

وفي الوقت الذي لا يعلن النظام عن هذه التغييرات عبر قنواته الرسمية؛ تصدرت هذه التغييرات العديد من مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الاعلامية السورية وأخذت مساحة واسعة من الاهتمام والتداول بحكم الترابط الزمني ما بين هذه التغييرات وما يشهده المسرح السوري من عقم سياسي وتأزمات معززة لتنامي الاستعصاء؛ وانحصرت تفاسير ودوافع النظام لتلك التغييرات بين اتجاهات ثلاثة مكملة لبعضها البعض:

الاتجاه الأول: "إجراء روتني"؛ فأوامر النقل والترفيع والتسريح والندب والتمديد ( المعروفة باسم النشرة)  تصدر مرتين سنوياً (بأول السنة وبمنتصفها)؛ ويستطيع من خلالها النظام -إذا ما استثنينا عامل العمر والوضع الصحي والتقييم الأمني- إعادة توزيع مراكز القوة وفقاً لمعاييره  وشروطه؛ ففي التغييرات الأخيرة هناك بعض الضباط قد تجاوز السبعين عاماً من العمر وقد تم تمديد خدمتهم لأسباب عديدة أولها منطق "إدارة الأزمة" (كجميل حسن ومحمد ديب زيتون تم تمديد خدمة كل منهما عشرة سنوات ولابد من احالتهما الى التقاعد) ؛ أما بالنسبة لتعيين غسان إسماعيل مديراً لإدارة المخابرات الجوية فيمكن اعتباره "تدرجاً وظيفياً" حيث كان نائباً لجميل حسن؛ وكذلك بخصوص تعيين حسام لوقا مدير إدارة المخابرات العامة حيث كان معاون مدير هذه الإدارة قبل تعيينه رئيساً لشعبة الأمن السياسي.

الاتجاه الثاني: "رسائل شكلية": على الرغم من استمرار النظام بانتهاج ذات السياسة الناظمة لمعايير "النشرة" كمعيار الولاء والإطاعة؛ وسلوكه المهني؛ والخبرة في حماية أمن النظام؛ حرص النظام في هذه التغييرات على تصدير عدة رسائل أهمها الآتي:

  1. الإيحاء "بإعادة التوازن الطائفي" بين مراكز القوة؛ فعين في إدارة المخابرات العامة حسام لوقا (شركسي من السفيرة بحلب) وفي الأمن السياسي ناصر العلي (سني من ريف حلب)؛ بينما أبقى المخابرات العسكرية والجوية بيد ضباط علويين.
  2. التقاعد كوسيلة "مشرفة" لمن أوغل بالإجرام من قبل الثورة وبعدها؛ إذ تعد تلك الوسيلة طريقة بيروقراطية للالتفاف على مطالبات وإدانات المجتمع الدولي لهؤلاء "القادة" بحكم ما ارتكبوه من جرائم مثبتة بحق الشعب السوري.
  3. تعزيز "مخيال قدرة النظام" على التحكم بقطاع الأمن والدفاع أمام العديد من الفواعل؛ إذ يطمح أيضاً من وراء تلك التغييرات إبراز مساحة تحكمه أمام "افتراضات الانقسام الافقي والعمودي" لهذا القطاع لصالح الشبكات الروسية والإيرانية.

الاتجاه الثالث: "المرونة أمام متطلبات الحلفاء": إذ باتت واضحة رغبة موسكو بإعادة تنظيم قطاع الأمن والدفاع وتحسين أدائه، ولا تمتلك دوائر صنع القرار عند النظام إلا إبداء المرونة والتكيف مع هذا التوجه الروسي؛ حيث قامت موسكو بإيفاد عدد من ضباط النظام إلى موسكو لإجراء دورات أركان في اختصاصات الدفاع الجوّي والآليات والمشاة، كما دفعت بإجراء سلسلة من التعيينات في وزارتي الدفاع والداخلية، طالت أكثر من 100 ضابط بمناصب حساسة منذ مطلع عام 2019، كما تمت تنحية عدد من الضباط بذريعة بلوغهم السن القانوني للتقاعد، في حين تمّ تهميش المحسوبين على إيران تحت ذريعة انتهاء أدوارهم العسكرية، وخاصة في الثُكنات المُحيطة بدمشق.

عموماً: إن التوصيف الأكثر موضوعية لتلك التغييرات هي المحاولة لإعادة تشكيل حذرة لمراكز القوة في قطاع الأمن والدفاع بما يخدم فلسفة النظام الحاكم بإبقاء هذا القطاع كأداة تأثير وقوة يتحكم بها ويضمن ضبطها وتوجيهها من جهة؛ ويعطي إيحاء "بتعديل ما" لن يكون إلا شكلياً من جهة ثانية، وهذا الأمر لا يزال خاضعاً لعقبات بالغة الصعوبة.  وينبغي على المعارضة السورية (سواء الرسمية وغير الرسمية) وكافة القوى الوطنية المطالبة بالتغيير؛ أن تعتمد في تعاطيها مع ملف التغييرات استراتيجية "التمسك بضرورة التغيير الشامل والجذري"؛ وذلك من خلال ثلاثة أدوات رئيسية:

  1. الأداة التفاوضية: عبر إصرارها بأن عملية التغيير هي عملية مرتبطة بالبنية والوظيفة والفلسفة المتحكمة في عمل هذه الأجهزة وينبغي أن تكون موجهات ومحددات هذا التغيير مضمونة دستورياً ويرافقها العديد من الإجراءات المتعلقة بالترابط ما بين هذا الملف والتغييرات القانونية من جهة؛ وما بينه وبين مبدأ العدالة والمحاسبة من جهة ثانية؛ وهذا يتطلب بطبيعة الحال تبني رؤية تنفيذية للتغيير؛
  2. الأداة الحقوقية: وهذا يتطلب تظافر العديد من الجهود الوطنية لمواجهة طموح النظام في الافلات من العقوبة؛ واستمرار العمل في توثيق جرائم وانتهاكات تلك الأجهزة (كبينة وكقادة)؛ وهذا الأمر يتطلب وجود مؤتمر سنوياً للعديد من المنظمات الحقوقية الوطنية وأجندة سنوية متسقة مع هذا الهدف؛
  3. الأداة البحثية والاعلامية: لا تزال المهمة البحثية والاعلامية الأكثر إلحاحاً في الملف السوري محصورة في الدفع باتجاه إحداث القطيعة مع الإرث الماضوي لعمل وفلسفة عمل قطاع الأمن والدفاع، وبلورة سياسات تعيد تصميم الهندسة الاجتماعية فيه وفقاً لمعايير احترافية ووطنية بعيدة عن الأدلجة السياسية والمقاربات السلطوية؛ وانتاج خطط موضوعية باتجاه إعادة بناء هذا القطاع كليةً وقوننة العلاقات المدنية الأمنية.

يغيب النظام قسراً كل أسئلة التغيير الوطنية الدافعة باتجاه استقرار مستدام، ويكتفي بإجراءات بيروقراطية ورسائل لا وزن لها وغير مؤثرة في طبيعة الحركة المستقبلية لهذا القطاع والذي يمضي بتسارع نحو مجمع ميليشياوي بزيّ عسكري "رسمي"؛ وأمام هذا التغييب لا بد من التنويه مجدداً -استراتيجياً-على الضرورة الملحة لتبني المعارضة وقوى الثورة والتغيير لاستراتيجية صادة لمحاولات النظام الطامحة لإفلاته من العقاب وللإيهام بإجرائه تغييرات تضلل المجتمع المحلي والدولي عبر بوابة "تغيير سلوكه". فجلّ التغييرات التي حصلت والتي ستحصل ستبقى أسيرة محددات تحكمه بالسلطة وإعادة ضبط قطاع الأمن والدفاع وفق ثنائية (المصلحة والمرونة) التي تهيئ له الشروط لإعادة انتاج شبكاته بتغييرات شكلية ولا تتعارض مع ضغوطات حلفائه الرامية لتطبيق منهجيتها في إعادة التشكل.

التصنيف أوراق بحثية
الجمعة, 28 حزيران/يونيو 2019 19:08

بدر ملا رشيد | منصة "مسد"

ذهب الباحث بدر ملا رشيد من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية خلال حديثه لموقع السورية نت، بتاريخ 27 حزيران 2019، حول ما تناقله عدد من الناشطين والإعلاميين السوريين عن مساعي "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد)، المُشكل من حزب الاتحاد الديمقراطيPYD، للانضمام إلى "هيئة التفاوض السورية"، التي نفت بدورها، وجود محادثاتٍ بهذا الشأن، إلى أن هيئة التفاوض "تعيش مرحلة من الجمود"، إذ أنها تعقد اجتماعاتها بفواصل زمنية طويلة " وهو أمرٌ أدى لعدم فاعليتها، عدا عن أنها لم تحقق إنجازٍ فعلي".

وانطق الباحث مما سبق إلى القول، أن انضمام "مسد" أو عدمه "لن يؤثر بشكلٍ كبير على سير المسار التفاوضي، إلا إذا شهدنا تطورات سياسية موازية في مساراتٍ أخرى كمسار أستانة، أو إعادة إحياء جنيف، وحتى خلق مسار حل جديد بالكامل".

أيضاً أشار الملا إلى عدم إمكانية مقارنة انضمام "مسد"، بحالة ضم منصة موسكو لـ"هيئة التفاوض"، كون منصة موسكو، تمثل إطاراً سياسياً "هشاً أو منعدم الفاعلية"، بينما مجلس"مسد"، برأيهِ "يمثل هيكل حكم وسيطرة إدارية وعسكرية ببرنامج سياسي"، مشيراً إلى أن عملية الانضمام، لو تمت "ستكون شائكة أو مبنية بالأساس على توافق إقليمي ودولي كبير ما يعني التجهيز لمرحلة إعلان الحل".

للمزيد انقر رابط المصدر: http://bit.ly/2RI048g

 

قام الباحث أيمن الدسوقي من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، بمداخلة صحفية في جريدة القدس العربي، للتعليق على "الموقف الإماراتي من المقترح التركي لإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري". حيث أشار الباحث إلى افتراق السياسات الإماراتية والتركية على مستوى الإقليم، ومسعى الإمارات الحثيث لإجهاض المقترح التركي لصالح مقترح تعمل عليه يقوم على نشر قوات عربية أو دعم قوات عشائرية مختلطة، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بالحراك الإماراتي وزيارة عدد من مستشاريها لمناطق قسد، وعن مدى نجاح الإمارات في التسويق لمقترحها، أجاب الباحث بأن ذلك مرهون بمدى قدرتها على حشد الدعم السياسي من موسكو وواشنطن، وتأمين الغطاء العربي وتوفير التمويل الكافي.

المصدر جريدة القدس العربي: https://bit.ly/2SiOFOJ 

مُلخّصٌ تنفيذيّ

  • خضعت موسكو بإبرامها اتفاق إدلب مع تركيا لجملة من الظروف المحلية والدولية، والتي حالت دون مُضيها قدماً في معركة ليست محسومة دبلوماسياً، وهو ما اعتادت عليه موسكو سابقاً، الأمر الذي قد يُفهم بأنه نصر تركي حقق لأنقرة ما كانت تريده، والواقع أن الاتفاق لم يحقق لتركيا مكاسب، وإنما جنبها مجموعة من الخسائر المادية والسياسية.
  • يشكل اتفاق إدلب مجموعة تحديات جدية لتركيا واختباراً لها أمام موسكو والمجتمع الدولي من جهة، وأمام سُكان تلك المنطقة من المدنيين والفصائل المتحالفة معها من ناحية ثانية، وأهم من ذلك لقدرتها على حماية أمنها القومي ودورها السياسي في الملف السوري.
  • ألقت موسكو الكرة في ملعب تركيا بقبولها باتفاق سوتشي، وهو الأمر الذي يمثل رهاناً روسياً على الوقت لاستعادة إدلب ومحيطها، فنجاح أنقرة بتنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى، وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة.
  • لا يُمثل الاتفاق نصراً لأحد أو هزيمة لآخر، وإنما يمكن اعتباره رهاناً روسياً على الوقت، واختباراً لتركيا يُحدد قدرتها على إدارة ملفات إقليمية معقدة على المستوى العسكري والسياسي وفرض واقع جديد على المستوى المحلي في إدلب.
  • تشير المواقف الأوروبية المنسجمة مع الموقف التركي وبخاصة فرنسا وألمانيا، إلى إمكانية تحييد الملف السوري عن باقي الملفات الخلافية مع تركيا، وتشكيل استراتيجية أوروبية تركية جديدة تقوم على تنسيق مشترك يكسر احتكار مسار أستانة للواقع الميداني على الأرض السورية.
  • نجاح تركيا في تنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة كمرحلة أولى ومن ثم تفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية في المنطقة، لا يشكل ضمانة لعدم مطالبة موسكو بعودة المنطقة إلى سيطرة النظام.
  • تعيش منطقة خفض التصعيد الرابعة ما عاشته سابقاتها من المناطق فيما يخص الإشكالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، والتي أفضت إلى سقوطها، ولذلك لا يعتبر اتفاق "سوتشي" إنقاذاً للمنطقة من مصير سابقاتها في حال استمرار ذات الظروف المحلية، والمواقف الإقليمية والدولية السلبية اتجاه المنطقة.
  • تشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة اليوم تحدياً كبيراً يحدد النجاح أو الفشل في التعامل معه مصير الحل السياسي في سورية، وهذا ما يتطلب تكريس جهود محلية ودولية لدعم تنفيذ الاتفاق كمرحلة أولى، ومن ثم تأمين استقرار المنطقة عبر عملية إعادة الهيكلة السياسية والعسكرية والإدارية، الأمر الذي يتطلب تنحية الملف السوري عن قائمة الملفات الخلافية مع تركيا، والتعامل مع المنطقة كآخر مناطق الثورة السورية وليس كمنطقة نفوذ تركي.

مُقدمة

أثمرت الجهود التركية على المستوى الدبلوماسي والميداني في تجنيب إدلب معركة دامية كان من الممكن أن تؤدي إلى كارثة إنسانية بكل المقاييس، وذلك عبر اتفاق سوتشي الذي توصل إليه الرئيسان التركي والروسي في 17 أيلول/سبتمبر 2018. وبالرغم من الارتياح والترحيب الدولي والمحلي بالاتفاق، والناتج عن النظر إليه من زاوية إنسانية؛ إلا أن الاتفاق يطرح جملة من التساؤلات حول تفصيلاته وآلياته التنفيذية، وما سيفضي إليه أخيراً، وبخاصة حول مستقبل إدلب وما تمثله من ثقل عسكري وسياسي كمعقل أخير للمعارضة السورية.

ولا يعد الاتفاق من حيث الشكل مختلفاً عما سبقه من اتفاقات بين أطراف أستانة حول مناطق خفض التصعيد، وبخاصة اتفاق ضم إدلب إلى تلك المناطق في أستانة 6، حيث تبدو تلك الاتفاقات في ظاهرها إنقاذاً لأرواح المدنيين وفتحاً للمجال أمام الحلول السياسية، ولكن مؤداها يكون مكاسب منخفضة التكلفة لموسكو تتيح لها قضم مناطق المعارضة الواحدة تلو الأخرى، وهو الأمر الذي يدفع إلى طرح التساؤلات التالية:

  1. هل شكَّل الاتفاق تنازلاً روسياً لتركيا على المدى البعيد، وهل يُعتبر الاتفاق تفويضاً دولياً لأنقرة لإدارة الشمال السوري، خاصةً مع الدعم الأوروبي للموقف التركي من معركة إدلب؟
  2. هل يُمكن الوثوق بموسكو من جديد، بالنظر إلى سلوكها خلال الاتفاقات السابقة حول مناطق خفض التصعيد، أم أن مصير إدلب اليوم بات رهناً بقدرة أنقرة على تفكيك "هيئة تحرير الشام"؟
  3. هل تستطيع تركيا منفردة إدارة الشمال السوري (مناطق درع الفرات، غصن الزيتون، إدلب) وتشكيل كيانات عسكرية وإدارية فيها، بشكل يدعم موقف المعارضة السورية في التفاوض مع النظام على الحل السياسي؟

وعليه، تسعى هذه الدراسة إلى الإجابة عن التساؤلات السابقة، وفق عدة مداخل، بدءاً بتحليل المقدمات التي أفضت إلى اتفاق "سوتشي" حول إدلب والظروف المحلية والإقليمية والدولية التي رسمت سياقه، وذلك ضمن حسابات الربح والخسارة بالنسبة لطرفيه (روسيا وتركيا)، مقابل تفكيك التحديات التي تعترض الاتفاق ولاتزال، سواء ما يتعلق منها بتفصيلاته وآلياته التنفيذية، أو تلك المتعلقة باستدامته على المدى البعيد، خاصة بالنسبة للدور التركي وموقعه الوظيفي من الاتفاق، فنجاح أنقرة في تنفيذ الجزء المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة. لتتوصل الدراسة إلى نتائج تمثل إجابات عن تساؤلاتها وتقدم استشرافاً لمستقبل منطقة خفض التصعيد الرابعة في ظل هذ الاتفاق، إضافة إلى تقديمها عدة توصيات مباشرة مبنيّة على أساس النتائج وتشخيص التحديات وكيفية تجاوزها.

أولاً: الاتفاق بين موسكو وأنقرة (الرابح والخاسر)

نجحت تركيا في وقف العجلة الحربية الروسية المنتشية بانتصاراتها السابقة في مناطق "خفض التصعيد" من التقدم إلى إدلب، وذلك بالتحرك على مستويين محلي- إقليمي ودولي، حيث اعتمد التحرك التركي على إتقان اللعب على المتناقضات والمصالح المتشابكة للدول المعنية بالملف السوري على تلك المستويات، فعلى المستوى المحلي عززت تركيا نقاط المراقبة الخاصة بها في ريف حماه وزادت عدد قواتها في إدلب، كما طلبت من الفصائل الحليفة لها ضمن تشكيلات "درع الفرات" و"غصن الزيتون" الاستعداد للمشاركة في المعركة، ونشرت أخبار عن إدخالها شحنات سلاح نوعي للمعارضة، الأمر الذي ساهم برفع معنويات فصائل المعارضة في "الجبهة الوطنية للتحرير" وعزز رغبتها بالدفاع عن مواقعها ورفض سيناريو المصالحات على غرار ما حدث في ردعا، وانعكست بالنتيجة تلك الروح المعنوية على الشارع في إدلب، والذي شهد تظاهرات بزخم كبير رافضة للمعركة.

 على المستوى الإقليمي استغلت تركيا الموقف الأمريكي المتصلب اتجاه طهران وحاجة الأخيرة للموقف التركي الرافض للالتزام بالعقوبات الأمريكية حيالها، ونجحت في تحييدها عن المعركة، مُستفيدة من موقف أوروبي منسجم مع الموقف التركي من المعركة، خاصة ألمانيا وفرنسا، وبالتالي فإن طهران لن تغامر بتوتير الجو مع الاتحاد الأوروبي الرافض للانسحاب من الاتفاق النووي، ومع الدول التي تقود وساطة مع الولايات المتحدة بخصوص هذا الاتفاق، حيث اختارت طهران عدم توريط ميليشياتها في معركة على منطقة لا تعتبرها ضمن "سورية المفيدة" بالنسبة لها، خاصةً بعد تنفيذ اتفاق إخلاء كفريا والفوعة، وفي وقت تغرق فيه تلك الميليشيات في مستنقع داعش بريف دير الزور.

على المستوى الدولي أيضاً نجحت تركيا باستمالة الموقف الأوروبي لتأييدها، وذلك بلعب ورقة اللاجئين والتلويح بأن أي موجة لجوء ناجمة عن معركة في إدلب لن تقتصر أثارها على تركيا وحدها، وإنما ستطال أوروبا، وهو الأمر الذي يخلق مشكلة حقيقية وكابوساً بالنسبة للحكومات الأوروبية التي تواجه صعوداً لليمين المتطرف واحتجاجات شعبية ضد الهجرة واللاجئين، ناهيك عن احتمال تسلل مقاتلي القاعدة إلى أوروبا بين أفواج اللاجئين. إضافة إلى ذلك استفادت تركيا من مخاوف أوروبية حيال سلوك واشنطن اتجاه الاتحاد الأوروبي فيما يخص الناتو والاتفاقات التجارية بين الاتحاد وأمريكا، حيث عكست المواقف الأوروبية ما يمكن اعتباره رغبة في إثبات أن الناتو يستطيع التحرك منفرداً دون غطاء أمريكي، وهو ما تدل عليه تصريحات تركيا بأن "حدودها مع إدلب هي حدود الناتو"، والمواقف الحازمة من فرنسا وبريطانيا حول الكيماوي، والموقف الألماني الجديد نسبياً حول إمكانية التدخل العسكري في حال استخدام الكيماوي، وهذا ما قد يشير إلى إمكانية تفعيل دور تركي أوروبي على المستوى الدبلوماسي فيما يخص الملف السوري، يُعيد إحياء مسار جنيف ويمهد لانهيار أستانة، خاصة بعد الشرخ الذي أحدثته إدلب بين أطراف المسار الثلاثة.

في ظل تلك الجهود التركية لم يكن من الممكن لموسكو أن تمضي قدماً في معركة ليست محسومة دبلوماسياً، وهو ما اعتادت عليه سابقاً، كما أن موقف إيران وعدم نيتها للمشاركة في المعركة في ظل النقص العددي لقوات النظام يجعل الحسم العسكري للمعركة أقرب للمستحيل، خاصةً مع الدعم التركي للفصائل المعارضة ووجود قوات تركية على الأرض، وعليه لم يبق أمام موسكو إلا التراجع عن العمل العسكري والتفاوض مع تركيا حول بدائل تحقق للطرفين مصالحهم وتحافظ على مسار أستانة.

مما لا شك فيه أن موسكو  بإبرامها لهذا الاتفاق تكون قد خضعت لجملة من الظروف المحلية والدولية، والتي عكست نجاحاً للجهود التركية على الصعيدين العسكري والديبلوماسي، وهو ما يُفهم بأنه نصر تركي حقق لأنقرة ما كانت تريده من وقف عملية عسكرية شاملة تشنها موسكو على إدلب، والواقع أن الاتفاق لم يحقق لتركيا مكاسب وإنما جنبها مجموعة من الخسائر المادية والسياسية على رأسها خسارة مصداقيتها أم حلفائها من الفصائل السورية في "جبهة التحرير الوطنية" وأمام جمهور الثورة السورية في الشمال السوري، وهو ما سينعكس بالضرورة على دورها السياسي والعسكري في الملف السوري، إذ سيؤدي أي تراجع لفصائل منطقة "خفض التصعيد" الرابعة إلى انكشاف مناطق السيطرة التركية على الشريط الحدودي مع سورية (درع الفرات، غصن الزيتون) أمام قوات النظام ومليشيات "قسد" التي أعلنت عن نيتها المشاركة في معركة إدلب، وبالتالي سيصبح ما حققته تركيا من مكاسب عسكرية مهدداً، بالإضافة إلى الأعباء الإنسانية التي ستتحملها تركيا نتيجة المعركة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها، وما سيترتب عن أي موجة نزوح جديدة من حراك سياسي داخلي معارض لطالما اتخذ من اللجوء السوري ذريعة لمهاجمة الحكومة التركية.

أما بالنسبة لموسكو فيبدو  أن "الاتفاق المؤقت" على حد تعبير مسؤوليها([1])، قد حقق لها ما كانت تصبو إليه مرحلياً؛ فالمعركة في منطقة "خفض التصعيد" الرابعة تبعاً لطبيعتها الجغرافية والفصائل الموجودة فيها لا يمكن حسمها بمرحلة واحدة، فالمنطقة جغرافياً تقسم إلى منطقة سهلية على تخوم مناطق سيطرة النظام ومنطقة جبلية خلفها، وهو الأمر الذي يستوجب أن تكون المعركة على مرحلتين: الأولى تتم السيطرة فيها على المناطق السهلية، ثم مرحلة أخرى أكثر صعوبة وقد تستغرق أشهر للاستحواذ على المنطقة الجبلية، إضافة لذلك تشهد المنطقة السهلية تواجد كثيف للفصائل المعتدلة "جبهة التحرير الوطني"، ولذلك فالاستحواذ عليها في المرحلة الأولى بالنسبة لموسكو سيسهل عليها استخدام القوة المفرطة في المرحلة اللاحقة كون المنطقة ستكون في الغالب خاضعة لسيطرة "هيئة تحرير الشام"([2])، وعليه تكون موسكو وفقاً للاتفاق قد حققت أهداف المرحلة الأولى من المعركة دون خوضها، فهي قد استكملت تأمين مواقعها في ثلاث محافظات (حلب، حماه، اللاذقية) وأبعدت خطر استهداف قاعدة حميميم عبر الطائرات المسيّرة، وضمنت افتتاح طرق التجارة الضرورية للنظام، والتي سيساهم تأمينها بقضم ما لا يقل عن 10 كم2 من المساحات التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، حيث ستوكل مهمة تأمين تلك الطرق لدوريات مشتركة (روسية تركية إيرانية) بحسب تصريحات لقيادات في فصائل المعارضة([3]).

 أما بخصوص المرحلة الثانية من المعركة والهيمنة المباشرة على إدلب، فيبدو أن موسكو على ثقة بأنها قادمة لا محالة وتأجيلها لفترة يصب في صالح موسكو، فقد أتاح انسحاب "هيئة تحرير الشام" من المنطقة العازلة بموجب اتفاق سوتشي الفرصة لموسكو لتشكيل بقعة جغرافية محدودة تقع تحت سيطرة تنظيمات إرهابية تتفوق بشكل كبير  من الناحية القتالية والتسليحية على الفصائل المعتدلة في تلك المنطقة، مما قد يتيح لها الهيمنة المطلقة على تلك المنطقة، الأمر الذي سيخلق ذريعة لموسكو لفتح معركة، خاصة في ظل عجز تركيا على مدار عام من اتفاق أستانة 6 عن تفكيك "هيئة تحرير الشام"، ورفض الأخيرة للعرض التركي بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطنية"([4])، إضافة إلى صعوبة خيار نقل التنظيمات المتطرفة من إدلب إلى مناطق أخرى كما تم سابقاً في عدة صفقات. وفي ظل هذا الواقع فالمرجح أن تفضي الأمور إلى معركة قد تفضل تركيا أن تخوضها بنفسها مع فصائل "جبهة التحرير الوطني" للتخلص من "هيئة تحرير الشام" أو بعض أجنحتها، الأمر الذي يُرجح ألا تعارضه موسكو؛ فمثل تلك المعارك تكون فاتورتها مرتفعة لناحية الخسائر البشرية في صفوف المدنيين، خاصةً مع تداخل مناطق الهيئة مع المناطق المدنية، وستتحمل تركيا أي ردود فعل دولية لتلك المعركة، كما حدث إبان تحرير مدينتي الباب وجرابلس من "تنظيم الدولة" وعفرين من مليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي PYD ، وبالنتيجة ستحقق موسكو مكاسب مجانية جديدة عبر عقد المصالحات أو عودة مؤسسات النظام إلى إدلب كمقدمة لتصفيتها كمنطقة أخيرة للمعارضة على غرار سابقاتها من المناطق.

يدعم هذا السيناريو لمصير إدلب أن اتفاق سوتشي لا يُعد جديداً، وإنما هو نسخة من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أستانة 6 لضم إدلب ومحيطها إلى مناطق خفض التصعيد في أيلول /سبتمبر من العام الفائت، حيث تضمن الاتفاق تشكيل منطقة عازلة بإشراف نقاط مراقبة إيرانية روسية تركية، وتكليفاً لتركيا بتفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية([5])، ولم يُكمل الاتفاق عاماً واحداً حتى بدأت موسكو بالتحشيد للهجوم على المنطقة بذريعة الفشل التركي بتنفيذ مهمة تفكيك "هيئة تحرير الشام"، وهو السيناريو الذي ستعمل موسكو على تحقيقه اليوم في ظل استمرار الظروف ذاتها دون تغيير فيما يخص "هيئة تحرير الشام" والواقع العسكري والإداري والسياسي لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، وهو ما يشكل مجموعة تحديات جدية لتركيا واختباراً لها أمام موسكو والمجتمع الدولي من جهة، وأمام سُكان تلك المنطقة من المدنيين والفصائل المتحالفة معها من ناحية ثانية، وأهم من ذلك لقدرتها على حماية أمنها القومي ودورها السياسي في الملف السوري عبر الاحتفاظ بمنطقة خفض التصعيد الرابعة.

ثانياً: تحديات الدور التركي

ألقت موسكو الكرة في ملعب تركيا بقبولها باتفاق سوتشي، وهو الأمر الذي يمثل رهاناً روسياً على الوقت لاستعادة إدلب ومحيطها، فنجاح أنقرة بتنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة لا يعدو كونه تذليلاً للعقبات الصغرى، وتقدماً مرحلياً ستعقبه مراحل أكثر صعوبة وعقبات أكبر حجماً تتعلق بتفكيك الهيئة، وتغيير الواقع الإداري والعسكري والاقتصادي للمنطقة في حال كان لدى أنقرة رغبة بالحفاظ عليها ودمجها تحت إدارتها مع منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"([6])، ويمكن إجمال أبرز التحديات التي من الممكن أن تواجه الدور التركي، بالتالي:

1.   تحديات متعلقة بالاتفاق

بالرغم من نجاح أنقرة في تنفيذ الخطوة الأولى من الاتفاق والمتعلقة بسحب السلاح الثقيل من المنطقة العازلة؛ إلا أن استكمال الخطوات المرحلية اللاحقة من الاتفاق ستكون أكثر صعوبة وبحاجة إلى أمد أبعد مما اتفق عليه، وهو ما ستطالب به أنقرة غالباً، فانسحاب الفصائل المتشددة من المنطقة العازلة لم يتم وفق الجدول الزمني في 15 أكتوبر/ تشرين الأول، كما تُشير المواقف المعلنة للفصائل بأن الخطوة لن تسير بسلاسة كسابقتها، فقد رفضت أربعة تنظيمات جهادية الاتفاق (حراس الدين، أنصار التوحيد، جبهة أنصار الدين، جبهة أنصار الإسلام) وأعلنت تشكيل غرفة عمليات تحت مسمى "وحرض المؤمنين"، وعرضت صوراً لاستهداف مواقع قوات الأسد في معسكر جورين من نقاطها في المنطقة منزوعة السلاح المتفق عليها بعرض 20 كيلومتراً في مناطق سيطرة المعارضة([7]).

ويُشير بيان "هيئة تحرير الشام"([8])، والذي تأخر صدوره إلى قبل يوم من نهاية المهلة المحددة في الاتفاق لانسحاب الفصائل المتشددة، إلى أن الهيئة قبلت بسحب السلاح الثقيل كخطوة تكتيكية لكسب الوقت، ولكنها قد لا تسير إلى جانب تركيا في تنفيذ باقي بنود الاتفاق، حيث تضمن البيان شكراً لتركيا على جهودها ورفضاً للتخلي عن السلاح أو قتال النظام في إشارة مستقبلية إلى أنها لن تقبل حل نفسها، وقد يُمثل هذا البيان حلاً وسطاً توصل إليه جناحا الهيئة اللذان انقسما حول الاتفاق بين رافض (جناح أبو اليقظان المصري) وجناح يرحب بالاتفاق والاندماج مع "الجبهة الوطنية للتحرير" (جناح الجولاني)([9])، كما أن مواقف الفصائل المعتدلة حول الاتفاق جاءت أيضاً متحفظة على بعض بنوده فيما يتعلق بحدود المنطقة العازلة والدوريات الروسية، مما يُشير إلا أن تركيا اليوم أمام موقف حرج، خاصةً مع نفاد المهلة المتفق عليها لانسحاب التنظيمات المتشددة والمترافقة مع تصاعد اللهجة التهديدية من النظام وموسكو حول إمكانية استئناف المعركة في حال عدم التزام الطرف الآخر بوعوده، وأن الاتفاق مؤقت وإدلب ستعود إلى سيطرة النظام([10])، وهو ما يضع أنقرة أمام خيارين، الأول طلب تمديد المهلة الزمنية لانسحاب التنظيمات المتشددة من المنطقة العازلة، الأمر الذي قد تقبله موسكو مقابل تنازلات معينة من الطرف التركي بخصوص تفاصيل الاتفاق، ومن المرجح أن تكون التنازلات حول الدوريات الروسية في المنطقة العازلة، والثاني هو القيام بعمل عسكري محدود لإجبار الفصائل الرافضة للانسحاب على الالتزام ببنود الاتفاق، وهو خيار أقل ترجيحاً نظراً لأن أي اشتباك تركي مع هذه الفصائل قد يؤثر على الاتفاق برمته لأنه سيتجاوز حدود المنطقة العازلة، مما يفتح الباب أمام معركة شاملة في إدلب .

وفي ظل الاحتمال الأول ونجاح أنقرة بكسب المزيد من الوقت لإقناع الفصائل الجهادية بالانسحاب من المنطقة العازلة؛ فإن الخلافات حول باقي بنود الاتفاق لن تتوقف مع فصائل المعارضة أو مع "هيئة تحرير الشام"، وبخاصة حول نقطة فتح الطرق التجارية (M4-M5)، والتي يستلزم تأمينها انسحاب فصائل المعارضة بمقدار 10 كم2 على جانبي الطريق، مما يعني خسارة أراضٍ جديدة بالنسبة للمعارضة، وخسارة أكبر بالنسبة لهيئة "تحرير الشام"، والتي ستتنازل عن إدارتها للمعابر الحدودية مع تركيا بعد خسارتها لمعابر التجارة مع مناطق النظام في المنطقة العازلة، وهي أهم موارد تمويل الهيئة، ناهيك عن قبولها بحل نفسها والاندماج مع "جبهة التحرير الوطني"، تلك العقبات التي ستواجه تركيا الواقع على عاتقها مهمة التخلص من التنظيمات الإرهابية في إدلب كشرط لاستمرار الاتفاق؛ تجعل من خيارات أنقرة ضيقة وقد تفرض عليها في مرحلة ما خوض معركة مع تلك التنظيمات، وبخاصة مع الجناح المتشدد من "هيئة تحرير الشام" وغيرها من الفصائل المصنفة دولياً إرهابية (حراس الدين، أنصار الإسلام، الجهاديين المستقلين الفصائل، خلايا داعش، الحزب الإسلامي التركستاني) وهي تنظيمات تضم في غالبها مقاتلين أجانب وتتسم بالتشدد ورفض الحلول السياسية، الأمر الذي قد يدفع تلك التنظيمات للتوحد في مواجهة أي محاولات للتخلص منها، مما سيشكل كتلة صلبة من الجهاديين المتشددين الأجانب يصعب التخلص منها عسكرياً كون المعركة ستكون وجودية بالنسبة لهم، وذات فاتورة مرتفعة بشرياً في ظل وجودهم في مناطق ذات كثافة سكانية كبيرة.

2.   تحديات ما بعد الاتفاق: (الاستدامة)

تعكس التصريحات التركية رغبة أنقرة بالاحتفاظ بنقاط المراقبة الخاصة بها وبوجودها العسكري في إدلب ومحيطها لحين إجراء انتخابات في سورية([11])، واستكمال تأمين شريطها الحدودي من تواجد مليشيات PYD في شرق الفرات، وبالمقابل تُظهر التصريحات الروسية إصراراً على استعادة إدلب ولو بعد حين([12]). وفي ظل تلك الرغبات المتضاربة بين شريكي أستانة يبقى مصير إدلب معلقاً بمدى نجاح تركيا في تذليل العقبات المتعلقة بتنفيذ بنود الاتفاق مع نهاية العام الحالي، وقدرتها على فرض واقع جديد في إدلب وباقي المناطق الواقعة تحت سيطرتها في الشمال السوري، وهو ما يستلزم جهود أكبر لتذليل عقبات أخرى تعترض استدامة سيطرة المعارضة وتركيا على تلك المناطق، ويمكن تحديد تلك العقبات بالتالي: 

أ‌.        عقبة عسكرية: (معضلة التوحيد)

يُشكل الواقع العسكري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة معضلة حقيقية أمام تركيا؛ فالمنطقة تحتوي على ما يقارب 90 ألف مقاتل مختلفي التوجهات والمشارب العقائدية بين معتدل ومتشدد وأكثر تشدداً([13])، ناهيك عن الاختلافات المناطقية الناجمة عن تهجير حوالي 20 ألف مقاتل إلى إدلب من باقي المناطق السورية. الأمر الذي خلق واقعاً من الفوضى الأمنية تجلى في عمليات تفجير واغتيالات باتت شبه يومية في المنطقة، إضافة إلى حدوث اشتباكات متكررة بين "هيئة تحرير الشام" والفصائل المنضوية تحت "جبهة التحرير الوطني".

وفي ظل هذا الانفلات الأمني وفوضى السلاح؛ فإن مهمة تركيا في الحفاظ على المنطقة تحت سيطرتها وإبعاد شبح إخضاعها لسيطرة النظام مجدداً ستكون أقرب للمستحيلة، خاصةً في حال استنساخ تجربة درع الفرات في إدلب، وهو ما بدأت تركيا القيام به بالفعل. حيث طلبت من الفصائل في منطقة خفض التصعيد الرابعة تقديم كشوف ذاتية لمقاتليها وكشوف للسلاح الذي تمتلكه على غرار ما قامت به سابقاً مع فصائل درع الفرات وغصن الزيتون، وقد تكون تلك الخطوة تمهيداً لدمج فصائل إدلب بـ "الجيش الوطني" الذي تم تشكيله في الشمال السوري([14]). تلك المساعي التركية رغم أهميتها الظاهرية لتشكيل كيان عسكري جامع؛ إلا أن المشكلة تكمن في مضمونها إذا ما قيست بتجربة الجيش الوطني، فالفيالق الثلاثة المكونة للجيش هي كيانات على الورق فقط دون أي ارتباط حقيقي بقيادة مركزية، وهو أقرب إلى ائتلاف فصائل بإشراف تركي منه إلى جيش، حيث لا يملك وزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان التابعين للحكومة المؤقتة أي صلاحية فعلية لإصدار أوامر إلى الفصائل، وما زال أي فصيل داخل الجيش الوطني أكبر عملياً من كل الحكومة، ولا يقبل فعلياً تلقي أي نوع من الأوامر منها([15])، إضافة إلى عجز جهاز الشرطة العسكرية التابع لوزارة الدفاع عن ردع انتهاكات الفصائل اتجاه المدنيين وضبط سلوك أفرادها.

ب‌.   عقبة إدارية: (معضلة الحوكمة)

لا يقل الواقع الإداري لمحافظة إدلب سوءً عن واقعها العسكري لناحية الانقسامات من حيث التبعية، ووجود عدد كبير جداً من المجالس المحلية يقارب 140 مجلساً، وحسب تقرير أولي لمسح ميداني أجراه (مركز عمران للدراسات الاستراتيجية) مع وحدة المجالس المحلية، جرى في الفترة من 8 أبريل/نيسان 2018 وحتى 15 مايو/أيار 2018 في محافظة إدلب، فإن 59% من المجالس المحلية تُصنِّف نفسها بأنها تتبع إدارياً للحكومة المؤقتة مقابل 7% تُصنف نفسها تابعة لحكومة الإنقاذ. ومن الملاحظات وجود عدد من المجالس التي تتبع الحكومة المؤقتة لكنها مرغمة على التعاون مع حكومة الإنقاذ، فيما تصنف 16% من المجالس نفسها بأنها مستقلة عن حكومتي الإنقاذ والمؤقتة([16]). وعموماً، يمكن تسجيل عدة ملاحظات تجاه فاعلية المؤسسات السياسية والإدارية المحلية والجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني في محافظة إدلب، إذ تصطدم سياساتها بالعديد من العراقيل التي تحد من خياراتها، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أولاً: إلى التعارض في أجندات الجهات المسيطرة على المحافظة، وثانياً: إلى تشتت الإدارات والهيئات المدنية التي لا تزال تفتقر لرؤية استراتيجية موحدة تُمكنها من امتصاص صدمة النزوح وابتداع أدوات إدارة سياسية واقتصادية واجتماعية تتواءم مع الوضع غير المستقر للمحافظة، وثالثاً: للاعتمادية المفرطة على المنظمات الدولية والمحلية في تقديم المساعدات للسكان ومخيمات المهجرين والمجالس المحلية([17]). 

هذا الواقع الإداري يُشكل أيضاً عقبة في وجه المساعي التركية لإعادة تنظيم المنطقة تمهيداً لدمجها مع منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، خاصةً في ظل احتمال اندماج "هيئة تحرير الشام" عسكرياً مع "الجبهة الوطنية"، وإدارياً ضمن هيكل الحكومة المؤقتة. الأمر الذي سيكون شكلياً ويحافظ للهيئة على المجالس المحلية التابعة لها، وهو ما سيؤدي إلى استمرار حالة التردي الإداري في المنطقة، ويفتح الباب أمام موسكو لطرح عودة مؤسسات النظام على الأقل لإدارة إدلب.

 بالمقابل يبدو أن تركيا ليست غافلة عن صعوبات الواقع الإداري في إدلب، فبالتوازي مع مساعيها لضبط المشهد العسكري، بدأت بإجراء إحصاء مدني للسكان، كما ركز وفد "الائتلاف الوطني السوري" في زيارته لإدلب على ضرورة ضبط الواقع الإداري للمحافظة([18])، ومن المرجح أن يتم سحب نموذج الإدارة المتبع في مناطق "درع الفرات" و"غصن الزيتون" على إدلب، وهو نموذج ليس أفضل حالاً بكثير، فالحكومة المؤقتة تعد غطاءً شكلياً دون صلاحيات فعلية في الإشراف والمتابعة للمشاريع، والتي يقوم الممول ذاته بعملية الإشراف عليها، كما تتبع أيضاً قطاعات الصحة والتعليم للإشراف التركي وليس للحكومة المؤقتة([19]).

ت‌.   عقبة اقتصادية: (معضلة الفقر)

لا تعتبر العملية العسكرية على إدلب هي الخطر الوحيد الذي يهدد سكانها بالكارثة، وإنما يُنذر الوضع المعيشي للسكان فيها بكارثة إنسانية وشيكة الحدوث ناجمة عن الفقر ونقص الخدمات الإغاثية. حيث يبلغ تعداد السكان في منطقة خفض التصعيد الرابعة (محافظة إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي)، بحسب إحصاءات شهر آب/ أغسطس من عام 2018، ما يقارب من (3.867.663) نسمة. يمثل السكان المقيمين فيها نسبة 58% أي ما يقارب (2.226.736) نسمة، في حين بلغ عدد السكان النازحين (1.621.077) نسمة وما نسبته 41%. كذلك يشكل عدد السكان القاطنين في مخيمات النزوح (791.640) نسمة وما نسبته 20% من العدد الكلي لسكان المحافظة([20])، ويصل معدل الفقر بين السكان إلى 90.5%، ويبلغ تعداد العوائل التي تعيش بدخل شهري أقل من 40 دولار (107.622)([21]). ويعاني النازحون بشكل خاص من تردي الوضع الإنساني والاجتماعي بشكل كبير وعدم القدرة على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم، في ظل تفشي البطالة بشكل مرتفع وانعدام سبل المعيشة لدى نسبة كبيرة منهم ووقوعهم تحت خط الفقر المدقع. أضف إلى ذلك المشكلات المرتبطة بانهيار البنية التحتية والوضع الصحي المتردي وغياب المأوى وارتفاع الأسعار والظروف الأمنية الخطرة التي يعيشون ضمنها([22]). كما أسهم تدهور الأداء الاقتصادي على كافة المستويات في الانكماش في النشاطات الاقتصادية وبروز العديد من النشاطات غير الرسمية كانتشار العمل العشوائي وتنامي ظاهرة "تجار الأزمة"؛ مما أفسح المجال أمام اقتصاد مواز يحاكي الرسمي المفترض، بإيراداته وشبكاته وتعاملاته التجارية. كما أن سوء الأحوال الأمنية وتدخل "الجماعات المسلحة" في مفاصل الإدارة، والقصف العنيف، وانتشار الاغتيالات، شكلت عوامل رئيسية لهروب أصحاب الأموال للخارج وعدم استقبال المحافظة لأي نوع من الاستثمارات، فانتشرت على إثر ذلك البطالة في ظل حاجة المواطنين الماسة للعمل من أجل كسب المال([23]).

  يشكل الوضع الإنساني تحدياً كبيراً أمام بقاء المحافظة على وضعها الحالي تحت سيطرة المعارضة وبإشراف تركي، فالأوضاع المُزرية للسكان عموماً وللمهجرين منهم خصوصاً قد تُهيء لموجات من العودة الجماعية إلى مناطق سيطرة النظام على غرار ما حدث مع 600 شخص من أهالي حي الوعر في حمص نتيجة الأوضاع المتردية في مخيمات جرابلس وريف إدلب([24] وهو الأمر الذي سيصب في صالح الجهود الروسية لاستعادة اللاجئين قبل الحل السياسي، وبالتالي تدعيم صفوف قوات النظام عبر التجنيد الإجباري للعائدين. لذلك يُشكل الوضع الإنساني في إدلب وغيرها من المناطق التي تُشرف عليها تركيا تحدياً أمامها لا يقل أهمية عن تحدي إعادة الهيكلة العسكرية والإدارية، خاصةً في ظل تحملها وحيدة تقريباً لنفقات إعادة إعمار البنية التحتية في تلك المناطق (الصحة، التعليم) ورواتب مقاتلي "الجيش الوطني" و"الجبهة الوطنية للتحرير" في ظل أزمة اقتصادية تعيشها، وتراجع الدعم الدولي والعربي للمناطق الخاضعة تحت سيطرتها.

ثالثاً: النتائج

من خلال استعراض الظروف المحلية والدولية المحيطة بالاتفاق الروسي التركي حول إدلب، ومناقشة الواقع العسكري والاقتصادي والإداري لمنطقة خفض التصعيد الرابعة، يمكن التوصل إلى النتائج التالية والتي تمثل إجابات للتساؤلات التي طرحتها الورقة، وهي:

  1. لا يُمثل الاتفاق نصراً أو هزيمة لآخر، وإنما يمكن اعتباره رهاناً روسياً على الوقت، واختباراً لتركيا يُحدد قدرتها على إدارة ملفات إقليمية معقدة على المستوى العسكري والسياسي.
  2. لا يزال شبح احتمال شن حملة عسكرية على إدلب قائماً، خاصةً في ظل مواقف الفصائل المتشددة في المنطقة من الاتفاق، والإصرار الروسي على استعادة إدلب واعتبارها الاتفاق مؤقتاً، حيث تراهن موسكو على العقبات والإشكاليات التي تعاني منها إدلب، والتي يصعب على تركيا منفردة أن تضطلع بها في حدود الإطار الزمني المرسوم لتنفيذ الاتفاق.
  3. تشكل المواقف الأوروبية المنسجمة مع الموقف التركي وبخاصة فرنسا وألمانيا، إلى إمكانية تحييد الملف السوري عن باقي الملفات الخلافية مع تركيا، وتشكيل استراتيجية أوروبية تركيا جديدة تقوم على التنسيق المشترك، تكسر احتكار مسار أستانة للواقع الميداني على الأرض السورية، ويؤكد ذلك استئناف التنسيق الأمريكي التركي فيما يخص ملف منبج، ولكن مرحلة ما بعد الاتفاق سوتشي وإمكانية انخراط الأوروبيين في عملية إعادة الهيكلة للمنطقة بشكل يؤدي إلى استخدامها كورقة ضغط سياسي على موسكو والنظام تبقى رهناً بمخرجات الاجتماع الرباعي (روسيا، تركيا، ألمانيا، فرنسا) الذي عقد منذ أيام.
  4. تعقيدات المشهد العسكري في إدلب لناحية وجود تنظيمات متشددة أبدت رفضها للاتفاق وتكتلها في كيانات جديدة، يشير إلى أن تركيا قد تسعى إلى طلب تمديد للإطار الزمني للاتفاق بغية استكمال محاولاتها لتحييد الأطراف الأقل تشدداً من تلك التنظيمات، وذلك لتخفيف فاتورة أي عمل عسكري قد تضطر تركيا للقيام به للتخلص من الأجنحة المتشددة والجهاديين الأجانب.
  5. نجاح تركيا في تنفيذ جزء الاتفاق المتعلق بالمنطقة العازلة كمرحلة أولى ومن ثم تفكيك التنظيمات المصنفة إرهابية في المنطقة، لا يشكل ضمانة لعدم مطالبة موسكو بعودة المنطقة إلى سيطرة النظام، وهنا تظهر الحاجة التركية إلى تشكيل مظلة دعم سياسي واقتصادي دولي تمكنها من مواجهة الضغوط الروسية وتجاوز العقبات والتحديات التي تمثلها الظروف العسكرية والاقتصادية والإدارية للمنطقة، وذلك في حال رغبت تركيا بالبقاء في المنطقة إلى حين إجراء انتخابات في سورية.

رابعاً: التوصيات

تعيش منطقة خفض التصعيد الرابعة ما عاشته سابقاتها من المناطق فيما يخص الإشكالات العسكرية والإدارية والاقتصادية، والتي أفضت إلى سقوطها، ولذلك لا يعتبر اتفاق "سوتشي" إنقاذاً للمنطقة من مصير سابقاتها في حال استمرار ذات الظروف المحلية، والمواقف الإقليمية والدولية السلبية اتجاه المنطقة ومن خلفها الثورة السورية التي تعتبر هذه المنطقة آخر المناطق التي تمثلها. وفي الوقت ذاته يُمكن أن تشكل المنطقة فرصة لانطلاقة جديدة تفرض واقع جديد على مستوى الثورة السورية وتحسين شروط التفاوض على الحل السياسي مع النظام، وبالتالي فرصة للأطراف الإقليمية والدولية الراغبة بعدم تفرد موسكو بصياغة الحل السياسي، ومحاصرة نفوذ إيران في سورية، ولكن هذا الواقع الجديد بحاجة إلى عملية إعادة هيكلة شاملة على المستوى العسكري والإداري والسياسي للمنطقة، وتعاون إقليمي دولي مع الدور التركي. وعليه يمكن من خلال تحليل واقع المنطقة وإشكالياتها صياغة التوصيات التالية:

1.   على المستوى السياسي

تُشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة مع مناطق "درع الفرات" الواقعة تحت الإشراف التركي مساحة جغرافية كبيرة، وثقل سكاني هائل يُمثل كل المحافظات السورية، وعليه لابد من إعطاء طابع تنظيمي للجهود الشعبية المتمثلة بالتظاهرات يؤسس لفاعلية سياسية تحتاجها الثورة السورية بعد خساراتها المتعاقبة على المستوى العسكري وانحسارها إلى الشمال فقط، ويمكن ترجمة ذلك إلى خطوة عملية تتمثل بإعادة إحياء مفهوم التنسيقيات الثورية والتي تمثل كل قرية أو مدينة أو مجموعة من المهجرين وإعطاء تلك التنسيقيات طابع رسمي يعترف بها وبأعضائها من قبل المجالس المحلية والحكومة الانتقالية والائتلاف، وتأمين حاجات تلك التنسيقيات اللوجستية اللازمة لتنظيم التظاهرات. إن مثل هذه الخطوة ستشكل أرضية لفصل العمل العسكري والإداري عن السياسي في الشمال السوري، وستتيح الفرصة لإحياء فاعلية شعبية مؤثرة ومعبرة عن وجهة نظر جمهور الثورة السورية، كما أن وجود مثل تلك التنسيقيات ودعمها يُمكن أن يُستثمر في سبيل إحياء العمل السياسي ورفع الوعي الشعبي تحضيراً للاستحقاقات القادمة كالدستور والانتخابات البرلمانية وفق الرؤية الدولية.

2.   على المستوى العسكري

يعيش الشمال السوري عموماً مشهداً عسكرياً بالغ التعقيد لجهة العدد الكبير من المقاتلين المنضوين تحت لواء فصائل متعددة الاتجاهات، العدد الغالب من قياداتها وأفرادها من خلفيات مدنية وليست عسكرية. ولم يعد هذا الواقع العسكري مقبولاً في ظل المرحلة القادمة، والتي سيكون عنوانها بناء السلام ما بعد النزاع، حيث تتطلب تلك المرحلة وفقاً للأجندة الدولية تصفية العسكرة وإعادة دمج أطراف الصراع في جيش وطني موحد بالتزامن مع مسار الحل السياسي. وهنا تكمن المشكلة، فطرفا اتفاق أستانة (روسيا، تركيا) يمتلكان رؤى غير مناسبة للتعامل مع ملف تصفية العسكرة، الرؤية الروسية تتمثل بالمصالحات وإعادة دمج من يرغب من المقاتلين في جيش النظام، وهو الأمر الذي يمثل إعادة رفد وترميم جيش النظام والحفاظ على عقيدته وليس إعادة هيكلته بشكل يجعله مؤسسة داعمة للسلام والتحول الديمقراطي في البلاد، أما الرؤية التركية فتتمثل بإنشاء بنية تحمل طابع المؤسسة العسكرية النظامية (وزارة دفاع وهيئة أركان)، ولكنها دون صلاحيات فعلية على الأرض، حيث تحتفظ الفصائل بكيانها المستقل وقياداتها ومناطقها، وهو ما يساهم باستمرار حالة الفوضى وتغول الفصائل على حالة المؤسسات المدنية، ويعدم أي إمكانية لدمج تلك الفصائل مستقبلاً في جيش وطني، وبذلك يتحقق لموسكو والنظام ما يرمون إليه في الحفاظ على مؤسسة عسكرية موالية للنظام وتشكل أداة حماية له.

بين تلك الرؤيتين، المطلوب اليوم في الشمال هو عملية إعادة هيكلة حقيقية للقطاع الأمني تمهد لعملية إعادة الهيكلة الشاملة على مستوى سورية، ولابد لتلك العملية في الشمال من أن تبدأ بعملية ما يسمى بالـ (DDR) "نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج"، وهي عملية تشمل نزع السلاح المنفلت وضبطه وإدارة الأسلحة الموجودة في المنطقة، ثم تسريح واستبعاد العناصر المدنية، خاصة على مستوى القيادات من الفصائل واستبدالهم بضباط وصف ضباط عسكريين تمهيداً لدمج الفصائل في كيان عسكري موحد، وتحتاج مثل هذه العمليات إلى خبرات دولية مارست مثل تلك البرامج في نزاعات سابقة، إضافة إلى إمكانات وبرامج اقتصادية لتمكين المقاتلين الذين يتم تسريحهم، وعادة يتم تقديم منح مالية للمقاتلين المسرحين لتمكنهم من العودة إلى الحياة المدنية، وتأمين مورد رزق بديل، وتلك الإمكانات لا تستطيع تركيا تحمل عبئها منفردة؛ لذلك لابد من إطلاق عملية إعادة هيكلة عسكرية في الشمال بإشراف المؤسسات الدولية المتخصصة كالأمم المتحدة و منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ((OECD.

إن إطلاق عملية إعادة هيكلة حقيقية في الشمال يمكن أن ينتج كياناً عسكرياً ضخماً يحقق مكاسب للعديد من الأطراف؛ ومنها لجم التطلعات الروسية لهندسة حل سياسي يحقق مصالحها منفردة، ويساهم في حال دمجه في الجيش النظامي في إحداث تغيير حقيقي على مستوى بنية وعقيدة الجيش السوري بشكل يضمن استقرار السلام بعد النزاع، بالإضافة لذلك فمثل هذا الكيان يُمكن أن يتم الاعتماد عليه في مواجهة المليشيات الإيرانية مستقبلاً، وكسر احتكار قوات "سورية الديمقراطية" للمناطق المحررة من تنظيم الدولة شرق الفرات.

3.   على المستوى الإداري والاقتصادي

بالتوازي مع الحاجة لإعادة الهيكلة السياسية والعسكرية تظهر حاجة ملحة جداً في الشمال السوري لإعادة هيكلة إدارية تساهم في خلق نموذج حوكمي جديد، ولابد أن يرتكز هذا النموذج إلى وحدة القرار الإداري أي حصره في يد الحكومة المؤقتة على كافة المستويات ودمج أي كيانات إدارية أخرى ضمن الحكومة، وبخاصة على مستوى الدعم والنشاط الإغاثي، وهذا ما يتطلب تظافر الجهود بين القوى المحلية الفاعلة على الأرض ومجمل المؤسسات السورية المعارضة (وسائل إعلام، مراكز بحثية، تجمعات سياسية، منظمات مجتمع مدني)، وذلك لخلق نموذج حوكمة جديد للشمال السوري يهيئ لحكم مدني رشيد، ونظام لامركزية إدارية قابل للتعميم مستقبلاً على مستوى سورية، وهو ما يقتضي بالضرورة أيضاً توافر الدعم الدولي لخلق مثل تلك التجربة، وخاصةً لناحية دعم الحكومة السورية واعتباره الكيان الإداري الوحيد المخول بإدارة المنطقة. إن تحقق إعادة هيكلة إدارية وعسكرية في الشمال السوري سيساهم في خلق بيئة آمنة يُمكن استغلالها للتواصل مع رجال الأعمال السوريين للاستثمار في الشمال عبر مشروعات تحددها المجالس المحلية والحكومة المؤقتة وتوفر لها الحماية والإمكانات اللازمة، الأمر الذي سيساهم في خلق فرص عمل وتحريك النشاط الاقتصادي، وبالتالي التخفيف من نسبة الفقر.

تشكل منطقة خفض التصعيد الرابعة اليوم تحدياً كبيراً يحدد النجاح أو الفشل في التعامل معه مصير الحل السياسي في سورية، وهذا ما يتطلب من الجهات المحلية مدنية وإدارية وعسكرية تكريس جهودهم لدعم تنفيذ الاتفاق لتجنيب المنطقة شبح هجوم روسي جديد، ولابد للدول الداعمة للثورة السورية إقليمياً ودولياً دعم الجهود التركية على مستوى تنفيذ الاتفاق كمرحلة أولى، ومن ثم تأمين استقرار المنطقة عبر عملية إعادة الهيكلة السياسية والعسكرية والإدارية، والتي ستشكل فرصة لإعادة التفاوض إلى سكة جنيف وفق مقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وليس الرؤية الروسية، الأمر الذي يتطلب تنحية الملف السوري عن قائمة الملفات الخلافية مع تركيا، والتعامل مع المنطقة كآخر مناطق الثورة السورية وليس كمنطقة نفوذ تركي.


 

([1]) موسكو تؤكد تنفيذ اتفاق إدلب وتعتبر المنطقة العازلة مؤقتة، موقع صحيفة الشرق الأوسط، 28/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2ygHr2r

([2]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 11/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2pSfEkc

([3]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، 10/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2RP20vi

([4]) "النصرة" ترفض طلب تركيا بحل نفسها وتحذر "الوطنية للتحرير" من استهدافها، موقع روسيا اليوم، 4/8/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Mjnj4T

([5]) توافق بأستانا على منطقة خفض تصعيد في إدلب، موقع الجزيرة نت، 13/9/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NDbo1G

([6]) أردوغان: لن نخرج من سورية قبل أن يجري شعبها انتخاباته، موقع روسيا اليوم، 4/10/208، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CJkfxB

([7]) أربعة تشكيلات “جهادية” ترفض اتفاق إدلب وتحاول عرقلته... تعرف إليها، موقع صحيفة عنب بلدي، 15/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2yHx0nU

([8]) "تحرير الشام" تعلق على اتفاق إدلب وترفض تسليم السلاح، موقع صحيفة عنب بلدي، 14/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NHhj5W

([9]) اتفاق المنطقة العازلة في إدلب... السياق والواقع الراهن واتجاهاته، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 12/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2A6Jmbk

([10])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، 23/9/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2CKiJeQ

([11]) أردوغان: تركيا لن تغادر سوريا حتى يجري الشعب السوري انتخابات، سبوتنيك عربي، 4/10/2018، متوافر على الرابط التالي: https://goo.gl/X1kZve

([12])برغم "اتفاق سوتشي"... روسيا تهدد مجددًا باجتياح إدلب، موقع الدرر الشامية، مرجع سبق ذكره.  

([13]) فابريس بالونش، الجولة الأولى من الحملة على إدلب قد تستهدف المتمردين المدعومين من تركيا، مرجع سبق ذكره.

([14]) إدلب على خطى منطقتي "درع الفرات" و "غصن الزيتون"، موقع صحيفة عنب بلدي، 7/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2Ekxarw

([15]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، 13/7/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2NIDaKb

([16]) تقرير أولي لمركز عمران غير منشور.

([17]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، 24/5/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2s95y01

([18]) بعد المنطقة العازلة... ثلاثة ملفات تنتظر التطبيق في إدلب، موقع صحيفة عنب بلدي، مرجع سبق ذكره.

([19]) الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم، مركز جسور للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([20]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 3/10/2018، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2zPAXJ8

([21]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([22]) محمد العبد الله، النازحون في إدلب... قراءة في التحديات والمآلات في ضوء التفاهم التركي-الروسي، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، مرجع سبق ذكره.

([23]) د. عمار القحف، فرص الاحتواء والسيطرة على إدلب في مسارات الأزمة السورية، مركز الجزيرة للدراسات، مرجع سبق ذكره.

([24]) حين يستغل النظام السوري عودة النازحين كورقة سياسية، موقع DW، 3/8/2017، متوافر على الرابط: https://bit.ly/2S4mqQM

التصنيف الدراسات

ملخص تنفيذي

  • تظهر المؤشرات ذات الصلة ضعف مصداقية انتخابات الإدارة المحلية ولامبالاة المواطنين تجاهها، كذلك تفرد حزب البعث بالحصة الأكبر من المقاعد بعيداً عن حلفائه في الجبهة الوطنية.
  • شكل ملف انتخابات الإدارة المحلية اختباراً لعلاقة البعث بنظرائه في الجبهة الوطنية، حيث قادت قوائم البعث "الوحدة الوطنية" الُمشّكلة إلى حدوث أزمة مع الحزب السوري القومي الاجتماعي، ويمكن لهذا الموقف أن يتطور وينسحب على بقية أحزاب الجبهة، وفي حال تحقق ذلك فإن من شأنه تقويض تجربة الجبهة الوطنية.
  • إن توسع نطاق سيطرة النظام الميدانية دون التحكم الكلي بالموارد، واستمرار العقوبات الاقتصادية والإحجام الأممي عن تمويل إعادة الإعمار، من شأنه أن يزيد الضغوط الخدمية والحوكمية والمالية على النظام.
  • أدى توضح الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في سورية وتوزيع بعض المهمات على حلفائها، إلى تعطيل المسار التفاوضي الناشئ بين النظام ومسد، والذي ظهر في أكثر من ملف كوقف إمداد النفط وتقييد عمليات تسليم القمح واعتقال مرشحي الانتخابات المحلية.
  • في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الاقتصادية السورية الروسية تنامياً يمكن لحظه بعدد الاتفاقيات الموقعة واعتمادية دمشق على موسكو بتوريد القمح، ما تزال المفاوضات مستمرة بين النظام وإيران للتوقيع على اتفاقية التعاون الاستراتيجية طويلة الأمد.

الواقع الحوكمي وملف الإدارة المحلية

تركزت أولويات حكومة النظام السوري خلال شهر آب 2018 على الملفات التالية: تحديث المنظومة القانونية، عودة اللاجئين، مكافحة الفساد، التحضير لانتخابات الإدارة المحلية.

أنهى مجلس الوزراء دراسة التشريعات الصادرة في سورية، وذلك ضن خطة أعدتها الأمانة العامة لمجس الوزراء بهدف تهيئة البيئة القانونية لمرحلة "ما بعد الحرب"، حيث شملت الدراسة 949 تشريعاً صدروا في الفترة الممتدة منذ ما قبل 1970 لغاية 2018، لتخلص الدراسة إلى اقتراح تعديل 190 تشريع قانوني. ([1])

كما حظي ملف عودة اللاجئين بأهمية من قبل الفريق الحكومي تمثلت بإحداث "هيئة التنسيق لعودة المهجرين في الخارج"([2])، وتتألف اللجنة بموجب القرار من وزير الإدارة المحلية والبيئة رئيساً وعضوية معاوني وزراء الخارجية والمغتربين والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والإعلام وممثلين عن وزارة المصالحة الوطنية والجهات المختصة، هذا وقد عقدت الهيئة اجتماعها الأول منوهةً بعودة ثلاثة ملايين ونصف مهجر إلى مناطقهم في الداخل (دير الزور، الغوطة الشرقية، الرقة المحررة، حمص، حلب، القنيطرة).([3])

في ملف مكافحة الفساد، أقر اجتماع حكومي تطوير عمل الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والجهاز المركزي للرقابة المالية، سيما فيما يتعلق بالهيكلية الإدارية وتدريب الكوادر البشرية وتقييمها وتأمين المباني والآليات والتجهيزات وتفعيل الأتمتة والربط الشبكي بين المركز والفروع، وتشكيل فرق عمل خاصة في كل من "الهيئة والجهاز" لتنفيذ مهام محددة وإعداد تقارير تتبع دورية عن جميع قضايا الفساد "قيد التحقيق" وإرسالها لمجلس الوزراء. هذا وأوضحت آمنة الشماط رئيسة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش عن تفعيل قانون الكسب غير المشروع، الذي يطبق بشكل سري ولا يستطيع أحد الاطلاع على ذلك إلا الجهات المعنية فقط.([4])

في سياق مكافحة الفساد، كشف موقع موالي للنظام عن قضية فساد في صناعة الاسمنت تصل قيمتها إلى 5 مليارات ل.س (حوالي 11 مليون $) سورية، وهو ما أدى إلى توقيف كل من؛ مدير عام المؤسسة العامة للإسمنت ومدير إسمنت عدرا وعدد من المدراء والعاملين في معمل إسمنت عدرا. 

بالانتقال إلى ملف الإدارة المحلية، واصلت وزارة الإدارة المحلية والبيئة دعمها لمجالس الوحدات الإدارية واقتصرت خلال شهر آب على دعم عدد من الوحدات الإدارية في محافظة طرطوس، كمساهمة من الوزارة في إنشاء البنى التحتية للمناطق الحرفية والصناعية في هذه الوحدات الإدارية، وقد توزعت المساهمة المالية بين 40 مليون ل.س (تقريباً 89 ألف $) لبلدة الروضة، و20 مليون ل.س لكل من بلدتي الصفصافة ودوير الشيخ سعد.

أما ملف انتخابات الإدارة المحلية، بلغ عدد طلبات الترشح لمجالس الإدارة المحلية 49096 مرشحاً في جميع المحافظات، تم قبول 41482 ممن استوفوا الشروط القانونية المنصوص عليها في اللوائح والقوانين الناظمة للانتخابات، وذلك بحسب ما أعلن عنه رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات.

أما بخصوص الناخبين، فقدرت الهيئة العليا للقضاء عددهم بــ 16.349.357 مليون ممن يحق لهم الانتخاب، توزعوا بين 8222701 ناخبة، و8126156 ناخب.

                                          

أبرز معطيات الاقتصاد السوري

1.   المالية العامة

  • أفاد رئيس مجلس الوزراء بصرف 37 مليار ل.س (حوالي 83 مليون $، بسعر 450 لكل $) على البنى التحتية والخدمات والتنمية في شرق حلب، و22 ملياراً في محافظة دير الزور (حوالي 49 مليون$)، كاشفاً بالوقت نفسه عن تحصيل أكثر من 120 مليار ل.س في ملف القروض المتعثرة (حوالي 267 مليون $)، وزيادة مبالغ استثمارات أملاك الدولة بمقدار 30 مليار ل.س (حوالي 67 مليون$) كذلك تحصيل نحو 8 مليارات ل.س في قطاع التأمين (حوالي 18 مليون $).
  • كشفت بيانات المجموعة الإحصائية 2017 التي أصدرها المكتب المركزي للإحصاء عن بلوغ صافي الضرائب غير المباشرة([6]) (الضرائب، الإعانات) للعام 2016 نحو 377.2 مليار ل.س (حوالي 838 مليون $)، حيث شكل صافي الضرائب غير المباشرة نحو 27.8% من إجمالي الإيرادات المقدرة لموازنة 2016 والتي تم تقديرها بمبلغ 1358.27 مليار ل.س (حوالي 3 مليار $) (إجمالي تقديرات الموازنة 1980 مليار ل.س مطروحاً منها العجز المقدر بـ 621.73 مليار ل.س)، كما شكل أكثر من 51% من الإيرادات الجارية المقدرة لعام 2016 بنحو 738 مليار ل.س (حوالي مليار و640 مليون $).
  • أفاد البيان المالي للحكومة عام 2017 عن تحقيق زيادة في إجمالي إيرادات الرسوم والضرائب بنسبة 27.24% عن 2016، وذلك بمقدار 69 مليار ل.س، مسجلة بذلك 322 مليار ل.س (حوالي 716 مليون $).
  • وافقت وزارة المالية على تخصيص مبلغ وقدره 17 مليار ل.س (حوالي 38 مليون $) بشكل مبدئي لتمويل الخطة الاستثمارية لوزارة الصناعة لعام 2019، حيث تم تخصيص نحو 13 مليار من الاعتمادات لمشاريع الاستبدال والتجديد، ونحو 2.6 مليار ليرة للمشاريع المنقولة، وقريب المليار للمشاريع الجديدة، في حين كانت الاعتمادات المطلوبة من قبل وزارة الصناعة لتمويل خطتها الاستثمارية 38 مليار ل.س.
  • أكد محافظ الحسكة اللواء جايز الحمود الموسى استمرار الحكومة بصرف رواتب العاملين في محافظة الحسكة والمقدرة بــ 2.2 مليار ل.س شهرياً (حوالي 5 مليون $).
  • وافقت اللجنة الاقتصادية بمجلس الوزراء على طلب وزارة الصناعة منح المؤسسة العامة لحلج وتسويق الأقطان قرضاً مالياً مقداره 47.627 مليار ل.س ليرة لشراء أقطان موسم 2018-2019.
  • كشف وزير المالية عن دراسة لمنح الصناعيين قروضاً جديدة، مؤكداً بأن كتلة الديون المتعثرة في المصارف قد تجاوزت 286 مليار ل.س (حوالي 636 مليون$)، مبرراً بذلك قرار منع السفر بحق الصناعيين المتعثرين عن الدفع.
  • كشفت البيانات المالية لشركة كهرباء درعا عن ارتفاع نسبة تحصيل الديون (الجباية) من 72.872 مليون ل.س خلال شهر حزيران إلى 155.491 مليون ل.س في شهر تموز.

2.   المصارف

  • حققت المصارف الخاصة ربحاً صافياً بنحو 6.9 مليارات ل.س (حوالي 15 مليون $) خلال النصف الأول من 2018، بانخفاض نسبته 20% عن الفترة نفسها من العام الماضي والتي بلغت 8.7 مليارات ل.س، وتشمل البيانات السابقة 13 مصرف خاص باستثناء بنك سورية والخليج الذي لم ينشر بياناته المالية بعد.
  • بلغت الأرباح التشغيلية([7]) لمعظم المصارف الخاصة التقليدية (عدا مصرف سورية والخليج) حوالي 14.2 مليار ل.س (حوالي 32 مليون$) خلال النصف الأول من 2018، ولم يتم تسجيل خسائر تشغيلية لأي مصرف خاص.

 

  • وافق مجلس الوزراء على إصدار شهادات إيداع بالقطع الأجنبي نقداً في المصارف العاملة بعوائد تنافسية، وقد حدد وزير المالية سعر الفائدة بشكل أولي بــ 4.25 % لأي شخص داخل أو خارج سورية، هذا وقد بلغت قيمة الأموال المودعة داخل سورية بحسب وزير المالية حوالي 1500 مليار ل.س (حوالي 3.5 مليار $).
  • تعديل مرتقب للقانون رقم 26 لعام 2015 الخاص بتسوية ديون المصارف العامة، بحيث من المتوقع أن تتضمن التعديلات تسهيلات ائتمانية للمقترضين المتعثرين عن السداد.
  • ارتفع صافي التسهيلات الائتمانية المباشرة الممنوحة من المصارف التقليدية الخاصة خلال الأشهر الثلاثة من 2018 بنسبة 14.11%، لتبلغ حوالي 168.5 مليار ل.س (حوالي 375 مليون$)، مقارنة بما كانت عليه نهاية 2017 حيث بلغت 147.7 مليار ل.س.
  • بلغت قيمة الودائع الإجمالية للمصارف الخاصة الإسلامية والتقليدية (ودائع العملاء وودائع المصارف) خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2018 حوالي 932 مليار ل.س (حوالي 2 مليار$)، مرتفعة بنسبة 1.9% عن 2017 والتي بلغت حينها 914 مليار ل.س.

 

  1. الإسكان

  • أعلنت المؤسسة العامة للإسكان عن تخصيص 1339 وحدة سكينة (السكن الشبابي، الادخار السكني، السكن البديل، شاغلي المخالفات) بمحافظتي حلب وحمص.
  • أصدرت المؤسسة العامة للإسكان أمر المباشرة لتنفيذ أبراج الجزيرة 14 في مدينة الديماس الجديدة، وتعد مؤسسة الإنشاءات العسكرية الجهة المسؤولة عن تنفيذ الأبراج بقيمة 7.7 مليار ل.س (حوالي 17 مليون$).
  • كشف عضو من مجلس محافظة دمشق عن نية المحافظة التعاقد مع إحدى الشركات لبناء 500 وحدة للسكن البديل في منطقة تنظيم خلف الرازي.
  • كشف مدير الهيئة العامة للاستثمار والتطوير العقاري أحمد حمصي قرب إطلاق مشروع تطوير عقاري للسكن العشوائي في حلب في منطقة الحيدرية، على مساحة تقدر بـــ 118 هكتاراً.
  1. الطاقة والكهرباء

  • إعادة بئري النفط رقم (103. 107) للإنتاج بطاقة إنتاجية تقدر بــ 500 برميل يومياً، كم تم افتتاح حطتين للمياه في الشميطية والمريعية وعدد من مراكز ومقرات البلديات في ريف محافظة دير الزور.
  • كشف وزير النفط والثروة المعدنية عن خطة الوزارة تعميم مشروع البطاقة الذكية للبنزين، حيث بلغ عدد البطاقات المقدمة في محافظتي طرطوس واللاذقية 120 ألف بطاقة، كما كشف عن قيمة الدعم الحكومي للمشتقات النفطية والبالغ 1.2 مليار ل.س يومياً (حوالي 2 مليون و600 ألف $).
  • استعرض وزير النفط والثروة المعدنية مذكرة لجنة الموارد والطاقة حول "استراتيجية الطاقة وآفاق تلبية الاحتياجات خلال الفترة القادمة في قطاعات "النفط والكهرباء والموارد المائية والنقل والصناعة"، وقد تضمنت المذكرة دراسة احتياجات سورية حتى عام 2033 من جميع مخرجات الطاقة مثل الكهرباء أو النفط أو الغاز.
  • تم استلام الدفعة الأولى من مراكز التحويل الكهربائية وعددها 65 بموجب العقد المبرم بين المؤسسة العامة لتوزيع الكهرباء وشركة ميتاليك اللبنانية، ويبلغ عدد المراكز المتعاقد عليها 404 مركز تحويل.
  • بلغت قيمة أضرار قطاع الكهرباء بريف درعا بحسب بيانات الشركة العامة لتوزيع الكهرباء بدرعا نحو 8 مليارات ل.س (حوالي 18 مليون $).
  1. التجارة والصناعة

  • تم تخصيص المؤسسة العامة للصناعات النسيجية وشركاتها التابعة بمبلغ 320 مليون ل.س كخطة إسعافيه لإصلاح عدد من آلات وخطوط إنتاج المؤسسة.
  • كشف تقرير التتبع النصفي الصادر عن مديرية الاستثمار في وزارة الصناعة لــ 2018 عن دخول 137حرفة و238 منشأة حيز الإنتاج خلال النصف الأول من 2018 برأسمال بلغ 10.5 مليارات ل.س (حوالي 24 مليون $)، موفرة بذلك 1712 فرصة عمل.
  • كشفت مديرية الاستثمار الصناعي عن ترخيص 1025 منشأة خلال النصف الأول من 2018، برأسمال إجمالي بلغ 61.22 مليار ل.س، موضحة انخفاض عدد المنشآت المرخصة خلال هذه الفترة مقارنة بالفترة نفسها من 2017 بنحو 43 منشأة، حيث سجلت تلك الفترة ترخيص 1068 منشأة برأسمال إجمالي بلغ 261.76 مليار ل.س (حوالي 582 مليون $).

 

عدد المنشئات الصناعية والحرفية المنتجة في النصف الأول من 2018

 

توزع المنشئات العاملة في النصف الأول من 2018 بحسب القطاعات

  • بلغ إنتاج الشركة العامة للخيوط القطنية في اللاذقية 2919 طن من الغزول القطنية حتى نهاية تموز 2018، في حين بلغت المبيعات الإجمالية للشركة خلال المدة نفسها 3.6 مليار ل.س، وقد تم تصدير 450 طناً من الخيوط القطنية إلى مصر وأوربا بقيمة مليون دولار.
  • بلغت مبيعات شركة اسمنت البادية خلال النصف الأول من 2018 نحو 16.9 مليار ل.س نتج عنها أرباح دفترية بقيمة 4.34 مليار ل.س، في حين بلغت الخسائر المتراكمة للشركة نحو 8.57 مليار ل.س نتيجة حصولها على تمويل مصرفي بالدولار (قرض مقاول صيني) عند تأسيسها وانخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار، هذا وقد بلغت فجوة السيولة لدى الشركة بنهاية حزيران أكثر من 21.4 مليار ل.س.
  • اعتبر صناعيو القابون الدراسة المقدمة من محافظة دمشق بخصوص تقييم نسبة الضرر بالمنطقة الصناعية غير دقيقة، معربين عن رغبتهم بالبقاء بالمنطقة الصناعية.
  • كشف رئيس الاتحاد العام للحرفيين عن اقتراح خمس مناطق بديلة لنقل المنشئات الحرفية القائمة في القدم.
  • أفاد مدير صناعة حمص أسعد وردة بأن 60% من المنشئات الصناعية والحرفية في حمص تعمل بنسبة تشغيل تتراوح بين 30-60% باستثناء معامل الأدوية البشرية التي تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية، كاشفاً بالوقت نفسه عن عدد المنشئات الصناعية المنفذة خلال النصف الأول من 2018 والتي بلغت 27 منشأة برأسمال 313 مليون ل.س.

6.   الزراعة

  • بلغت كمية القمح المسوقة للمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب في درعا نهاية موسم التسويق 25.6 ألف طن، مقابل 14 ألف طن في الموسم الماضي.
  • بلغت كمية القمح المستوردة من الخارج منذ بداية 2018 لغاية شهر آب حوالي 101 طن، وأعلنت الحكومة رغبتها باستيراد القمح من رومانيا وبلغاريا.
  • خفضت مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك مخصصات محافظة طرطوس من الدقيق بنسبة 15%، عقب رفعها خلال السنوات الماضية بنسبة 25%، ويعود سبب خفض حصة المحافظة من الدقيق إلى عودة قسم من النازحين لمناطقهم، إضافة إلى ضبط توزيع المادة ومنع بيعها في السوق السوداء.
  • كشفت المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب عن استلام 300.86 طن من القمح منذ بداية الموسم، مقارنة بــ 459 ألف طن في الموسم الماضي بانخفاض نسبته 34.4%، هذا وقد تراجعت كميات القمح المسلمة من الحسكة من 180 ألف طن في 2017 إلى 48 ألف طن في 2018، في حين تصدرت محافظة حماة نظيراتها من حيث كميات القمح المسلمة بــ 136 ألف طن.
  • قُدرت أضرار منشآت الري في محافظة درعا بــ 9 مليارات ل.س (حوالي 20 مليون $) قابلة للزيادة في ظل استكمال عملية تقييم الأضرار.
  • قُدر الإنتاج الأولي للحمضيات في محافظة اللاذقية بــ 816 ألف طن، بانخفاض 180 ألف طن عن العام الماضي، كما تراجع إنتاج الزيتون من 200 ألف طن إلى 45 ألف طن.
  • قدر إنتاج محافظة السويداء من التفاح بــ 70 ألف طن، 40% منه غير صالح للتسويق.

7.   النقل

  • وصول أول رحلة طيران لناقل جوي عربي "عراقي" إلى مطار دمشق الدولي قادمة من مطار النجف الدولي.
  • أعلنت شركة أجنحة الشام للطيران عن بدء تسيير رحلاتها من دمشق إلى العاصمة الأردنية بمعدل رحلتين أسبوعياً.
  • أفاد مصدر في وزارة النقل بوجود تحرك لتفعيل التعاون الاقتصادي والربط السككي وحركة نقل البضائع بين سورية ولبنان.
  • قدرت المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية قيمة الأضرار المباشرة للشبكة الطرقية في المحافظات التي تعرضت للتخريب بحدود 38 مليار ل.س (حوالي 85 مليون $)، ويقدر طول شبكة الطرق المركزية بــ 8394 كم، منها 1520 كم اتوسترادات.
  • وقعت المؤسسة العامة للمواصلات الطرقية 22 عقد مع عدد من مؤسسات القطاع العام، بقيمة تجاوزت 3.5 مليار ل.س وذلك لصيانة وتأهيل شبكة الطرق المركزية والجسور المتضررة.
  • تعمل وزارة النقل ضمن رؤيتها الاستراتيجية في المواصلات الطرقية على زيادة الاهتمام بالشبكة الطرقية، حيث بدأت الوزارة طرح مشاريع لتطوير الطرق الرئيسية وفق نظام الـ O. T، وربط البوابة الشمالية لسورية بالبوابة الجنوبية والبوابة الغربية (البحرية) بالبوابة الشرقية.
  • خصصت وزارة النقل مبلغ 20 مليار ل.س (حوالي 45 مليون$) من موازنتها لدعم صيانة وإنشاء الطرق والجسور والمعابر، كما عبرت الوازرة عن نيتها تنفيذ عدد من الطرق الرئيسية أبرزها:
  • الطريق السريع (شمال – جنوب): يمتد من الحدود التركية حتى الحدود الأردنية (باب الهوى، حلب، حماة، حمص، دمشق، الحدود الأردنية) بطول 432 كلم، وبكلفة أولية تقدر بــ 808 ملايين يورو.
  • الطريق السريع (شرق – غرب): يمتد من طرطوس عبر التنف إلى الحدود العراقية (طرطوس، حمص، البصيري، التنف، الحدود العراقية) بطول 351 كلم تقريباً، وبكلفة أولية تقدر بــ 473 مليون يورو.
  • ربط طريق الساحل الغاب مع أوتوستراد حماة _ حلب بطول حوالي 30 كلم، كذلك استكمال طريق دير الزور _البوكمال، والطريق الشاطئي (اللاذقية، جبلة، بانياس).
  • بدء العمل على تنفيذ طريق حمص مصياف الجديد الذي سيربط المنطقة الوسطى بالساحلية مروراً بمصياف، وقد بدأت المواصلات الطرقية ومؤسسة الإنشاءات العسكرية تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع بتكلفة 7.4 مليارات ل.س.
  • تنسيق بين وزارة النقل والكهرباء والمؤسسات المعنية لإنشاء مدينة صناعية بحرية في منطقة عرب الملك في بانياس، بالتوازي مع إنشاء حوض عائم في مرفأ طرطوس.
  • تخطط المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية المؤسسة لإنشاء خط حديدي جديد البصيرة -التنف من محطة البصيرة على محور مهين- الشرقية بطول 156 كلم، كذلك استكمال تنفيذ خط حديد دير الزور _ البوكمال _ الحدود العراقية بطول 143 كلم، وتنفيذ خط حديد دمشق_  درعا_ الحدود الأردنية بطول 107 كلم.

8.   السياحة

  • كشفت مديرية سياحة ريف دمشق عن تحسن ملحوظ في السياحة الدينية، حيث بلغ عدد الأشخاص الفعليين الذين قدموا إلى سورية بهدف السياحة الدينية 161819 سائح.
  • قُدرت خسائر القطاع السياحي في سورية بنحو 330 مليار ل.س (حوالي 734 مليون $)، في حين بلغ عدد العاطلين عن العمل في مجال النقل السياحي والمطاعم حوالي ربع مليون عامل.

إعادة الإعمار والعلاقات الاقتصادية

تسعى حكومة النظام جاهدة إلى استقطاب الأموال ودفع عجلة النمو الاقتصادي، وفي مسعاها ذلك فإنها تراهن على معرض دمشق الدولي الذي سوف يعقد في أيلول 2018، وقد كشفت المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية عن مشاركة 46 دولة من أبرزها: روسيا وبيلاروسيا والهند وإيران، كما يقُدر عدد الشركات التجارية المشاركة بـــ 2000 شركة، من بينها وكالات من دول أوربية مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.

كذلك تعمل حكومة النظام على تقديم تسهيلات لرجال الأعمال لإقامة مشاريع اقتصادية، وفي هذا الصدد صادقت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على تأسيس 8 شركات في شهر آب 2018 بحسب ما هو مرفق في الجدول، ليبلغ عدد الشركات المسجلة خلال النصف الأول من 2018 حوالي 859 شركة مقسمة بين: 432 سجلاً لشركات التضامن، و77 لشركات التوصية، 23 لشركات المساهمة، و327 لشركات محدودة المسؤولية.

تواصل العلاقات الاقتصادية السورية_ الروسية تطورها، حيث شهد شهر آب توقيع عدد من العقود الاقتصادية بين الجانبين من أبرزها:

  • منح وزارة السياحة الشركة الروسية "LOGISIT" رخصة لإشادة فندق وشاليهات في موقع المنارة بمحافظة طرطوس، وتقدر التكلفة الاستثمارية للمشروع بأكثر من 18 مليار ل.س (حوالي 40 مليون$).
  • توقيع وزارة الأشغال العامة والإسكان عقد توريد آليات ومعدات هندسية مع الجانب الروسي، بانتظار المصادقة عليه من قبل رئاسة الوزراء.
  • تعاقد المؤسسة العامة للإسكان مع شركة "ستروي اكسبرت ميدل إيست" الروسية لتنفيذ مشروع للسكن الشبابي و13 برجاً سكنياً بمنطقة الديماس بريف دمشق.
  • توريد 200 ألف طن قمح من روسيا، حيث كمية القمح المستوردة من موسكو منذ بداية 2017 لغاية منتصف 2018 نحو مليوني طن.

كذلك من المقرر عقد الملتقى الثاني لرجال الأعمال السوري الروسي خلال فعاليات الدورة الستين لمعرض دمشق الدولي، ويتوقع أن يشارك بهذا المعرض 70 شركة روسية، ويضاف إلى ما سبق تقديم الجانب السوري مقترحاً لتحويل "جمهورية القرم" منطقة رئيسية للتجارة مع روسيا.

أما مع الجانب الإيراني، ما تزال المفاوضات جارية لتوقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي طويل الأمد بين الجانبين، وقد أفاد معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية لشؤون العلاقات الدولية عن إنجاز 75% من المسائل ذات الصلة بالاتفاقية، كما قام أمير أميني معاون وزير الطرق وبناء المدن الإيراني بزيارة إلى دمشق على رأس وفد اقتصادي، حيث التقى عدداً من المسؤولين السوريين كوزير النقل والأشغال العامة والإسكان ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية وهيئة التخطيط والتعاون الدولي، وعن نتائج الزيارة:

  • اتفاق وزارة وزارة الأشغال العامة والإسكان مع الجانب الإيراني على تنفيذ 30 ألف وحدة سكينة من مشاريع المؤسسة العامة للإسكان في محافظات دمشق وحلب وحمص بواسطة القطاع الخاص الإيراني، كذلك الاتفاق على تشكيل فريق من المقاولين الإيرانيين للاطلاع على عمل قطاع المقاولات السورية والدخول بشراكات في قطاع المقاولات.
  • التباحث بمشروع مد سكة حديدية تربط بين إيران وسورية مروراً بالعراق، حيث يتوقع أن تمتد السكة من مدينة شلمجه جنوبي إيران إلى ميناء البصرة العراقي، ومن ثم إلى الأراضي السورية.
  • التعاون في مجال انشاء ميناء بحري في الحميدية بطرطوس وعمل المرافئ والسفن والتسهيلات لزيادة حركة النقل والتبادل التجاري بين البلدين.

تواصل الحكومة تنويع شراكاتها الاقتصادية وتمتين علاقاتها من الدول التي تعتبرها صديقة لها وفي هذا السياق، بحث وزير الصناعة مع السفير البيلاروسي في دمشق ووفد شركة ماز البيلاروسية، العرض المقدم من الشركة لإقامة خطي إنتاج للشاحنات والباصات في سورية. كذلك دعا سفير سورية في الهند الشركات الهندية ورجال الأعمال الهنود للمشاركة في الدورة 60 لمعرض دمشق الدولي.

خلاصة تحليلية

واصلت حكومة النظام تركيزها على ملف مكافحة الفساد، في محاولة منها للرد على ما يثار حولها من شبهات بالفساد والتي تزايدت في الآونة الأخيرة، إلا أن تأكيد رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بخصوص سرية تطبيق قانون الكسب غير المشروع، من شأنه أن يقلل من مصداقية الجهود المبذولة لمكافحة الفساد، ويجعل منها عنواناً إعلامياً وأداة لتصفية الحسابات داخل الجهاز الحكومي.

فيما يخص انتخابات الإدارة المحلية، تدل المؤشرات القائمة على ضعف مصداقيتها ولامبالاة المواطنين تجاهها، وكذلك تفرد حزب البعث فيها بعيداً عن حلفائه في الجبهة الوطنية التقدمية، حيث لوحظ تضارب البيانات الصادرة عن اللجنة القضائية العليا للانتخابات بخصوص عدد طلبات الترشيح، حيث أعلن رئيس اللجنة عن استقبال 49096 طلب ترشح في جميع المحافظات([8])، ليعود ويعلن عن ترشح 55164 شخص لانتخابات الإدارة المحلية([9])، دون تفسير التباين في الأرقام المصرح عنها.

ولا يبدو بأن جهود النظام في حشد السكان للمشاركة في انتخابات الإدارة المحلية قد تكللت بالنجاح، وهو ما يمكن التدليل عليه بلامبالاة السكان تجاه الانتخابات سيما عقب إعلان البعث لقوائم "الوحدة الوطنية"([10])، ولعل عزوف المرشحين عن إطلاق حملات انتخابية([11]) وانسحاب بعضهم الآخر([12]) مؤشرين بأن النتائج قد حسمت مسبقاً ووفق ترتيبات معينة دون الحاجة لخوض غمار الانتخابات.

يبدو بأن حزب البعث قد حسم خياره بالاستئثار بمعظم مقاعد المجالس المحلية، وما يعنيه ذلك من تهميش لأحزاب الجبهة الوطنية، فعلى سبيل المثال تضمنت قائمة "الوحدة الوطنية" لمجلس مدينة اللاذقية 50 مرشحاً كان لحزب البعث 39 مقعداً في حين توزعت المقاعد المتبقية بين 7 للمستقلين و4 لأحزاب الجبهة الوطنية([13])، كذلك حظيت أحزب الجبهة الوطنية بمرشح واحد في قائمة "الوحدة الوطنية" لمجلس محافظة السويداء مقابل 44 مرشح لحزب البعث و8 مستقلين.([14])

قاد توجه البعث إلى تصعيد الخلافات بينه وبين حلفائه في الجبهة الوطنية، وهو ما ظهر جلياً بانسحاب مرشحي الحزب السوري القومي الاجتماعي من انتخابات الإدارة المحلية في محافظة السويداء رداً على قائمة "الوحدة الوطنية" الإقصائية التي أعلنها البعث([15])، ويمكن لهذا الموقف أن يتطور وينسحب على بقية أحزاب الجبهة وفي حال تحقق ذلك فإن ذلك من شأنه أن يعيد النظر بتجربة الجبهة الوطنية التقدمية.

خدمياً، أظهرت الوقائع تعرض عدة مناطق لأزمة مياه خانقة تمركز معظمها بمحافظة ريف دمشق كما في ضاحية الأسد وصحنايا والتل، كما برزت أيضاً في ريف حماة الغربي ومدينة حمص. وفي جانب آخر تزايدت شكاوى السكان من رفع أجور النقل في عدد من المحافظات كما في حي الورود (مساكن الحرس) في دمشق، كما استمرت أزمة القمامة في عدد من المدن والبلدات كما في جرمانا وحي المزة 86 في العاصمة وأشرفية صحنايا أيضاً، ولعل الأبرز ظهور أزمة وقود في عدد من المحافظات من أبرزها اللاذقية وطرطوس والتي أرجعها موظفو الحكومة لتهريب الوقود إلى لبنان.

إن توسع نطاق سيطرة النظام بدعم مباشر من حليفيه، دون إحكام السيطرة الكلية على الموارد الطبيعية (النفط، الغاز)، من شأنه أن يظهر محدودية القدرات المالية والحوكمية للنظام، سيما مع استمرار العقوبات الاقتصادية والإحجام الأممي عن تمويل عمليات إعادة الإعمار، الأمر الذي يعزز احتمالية تعرض مناطق سيطرته لأزمات خدمية أكثر حدة في المستقبل المنظور.

شهدت العلاقة بين النظام السوري ومجلس سورية الديمقراطي توتراً ملحوظاً في شهر آب بخلاف ما كان متوقعاً، وهو ما ظهر في وقف مسد لإمدادات النفط باتجاه مناطق النظام وكذلك الحد من عمليات تسليم القمح، واعتقال مرشحي الانتخابات المحلية([16]) والإعلان عن الإدارة الذاتية المشتركة في شمال وشرق البلاد([17])، ويشير التوتر القائم إلى فشل مفاوضات الطرفين في تحقيق اختراق فيما يتعلق بالملفات الإشكالية كاللامركزية وإدارة الموارد الطبيعية والخدمات، ويمكن إرجاع فشل المفاوضات إلى توضح أكثر لاستراتيجية الإدارة الأمريكية في سورية وانتقالها للضغط الاقتصادي والسياسي على النظام وحلفائه.

اقتصادياً، يتزايد اعتماد النظام على الجانب الروسي في توريد القمح، سيما في ظل تدهور الإنتاج السوري من القمح (انخفض بنسبة 60% منذ 2011 حيث كان يبلغ آنذاك 4 مليون طن)، حيث ارتفعت كميات القمح الروسية الموردة لسورية من 47 ألف طن في 2015 لتتجاوز مليوني طن بين بداية 2017 ومنتصف 2018 بحسب البيانات الحكومية. كما تشهد العلاقات الاقتصادية بين الجانبين الروسي والسوري تنامياً ملحوظاً معبراً عنه بعدد الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين خلال شهر آب، ولعل الملاحظ تنامي الانخراط الروسي في قطاعات اقتصادية خارج النفط والغاز والسياحة كالعقار والصناعة وكذلك الزراعة.

بالمقابل، ما تزال اتفاقية التعاون الاستراتيجية طويلة الأمد قيد التفاوض بين الجانبين السوري والإيراني، حيث تمارس إيران من خلال زيارة مسؤوليها المتكررة إلى دمشق ضغوطاً على النظام للتوقيع على هذه الاتفاقية والحصول على امتيازات واسعة تشمل ميناء بحري وسكك حديدية ومناطق صناعية وعقارية، الأمر الذي لا يلقى تأييداً واسعاً داخل أروقة صنع القرار في دمشق.


([1]) دانيه الدوس، تطوير تشريعات القطاع الحكومي بما ينسجم مع توجهات عمل الدولة ومشروع الإصلاح الإداري، تشرين، تاريخ 02-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2N2vQxC

([2]) إحداث هيئة تنسيق لعودة المهجرين في الخارج، تشرين، تاريخ 05-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2N2XVou

([3]) وضع رؤية مشتركة وخطة عمل لعودة المهجرين السوريين من الخارج، موقع وزارة الإدارة المحلية والبيئة، تاريخ 09-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2oWEVcM

([4]) محمد زكريا، هيئة الرقابة والتفتيش تؤكد أن قانون الكسب غير المشروع مطبق لكنه محاط بالسرية، جريدة البعث، تاريخ 02-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2CDMDlA

([5]) البيانات الواردة في الجدول بحسب تصريحات وبيانات اللجنة القضائية العليا للانتخابات.

([6]) الضريبة غير المباشرة: نوع من أنواع الضريبة التي يتم تحصيلها لمصلحة الحكومة من خلال وسيط، وتفرض على الإنفاق أو الاستهلاك أو المبيعات، وذلك على خلاف الضرائب المباشرة التي تُفرض على الدخل والأصول والأرباح.

([7]) الدخل التشغيلي: دخل المصرف المتأتي من صافي إيرادات الفوائــد وصـــافي إيرادات العمولات والرســـوم، وصافي الأرباح التشغيلية الناتجة عن تقييم العملات الأجنبيــة، ومن خسائر أو أرباح غير محققة ناتجة عن إعادة تقييم مركز القطع البنيوي، إضافة إلى أرباح موجودات مالية للمتاجرة أو متوافرة للبيع والإيرادات التشغيلية الأخرى.

([8]) انتخابات الادارة المحلية. أكثر من 49 ألفا إجمالي طلب ترشيح، جريدة البعث، تاريخ 02-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2oYAPRx

([9]) محمد منار حميجو، قبول 34500 طلب ترشح ما عدا ثلاث محافظا، جريدة الوطن، تاريخ 08-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2x1rtJ9

([10]) صحفيون ينتقدون مسار الانتخابات… سنضع ورقة بيضاء، سناك سوري، تاريخ 11-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2oX3jLl

([11]) محمد منار حميجو، فقر في الحملات الإعلانية لانتخابات الإدارة المحلية … الأخرس لـ«الوطن»: لم يصلنا إلا عدد قليل من طلبات الإعلان، جريدة الوطن، تاريخ 03-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NFTC21

([12]) بعد صدور قوائم «البعث». مرشح للانتخابات ينسحب: «النتائج وضعت سلفاً» !، سناك سوري، تاريخ 09-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2N1TRVr

([13]) «البعث» يعلن قائمة اللاذقية. أحزاب الجبهة والمرأة نالوا من “الجمل أذنه”، موقع سناك سوري، تاريخ 09-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2QmX8gc

([14]) “البعث” يعطي حلفاءه مقعداً واحداً في قائمة “السويداء” التي وصفت بـ “الذكورية”، سناك سوري، تاريخ 08-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2CLiqBi

([15]) في سابقة تاريخية… حزب جبهوي ينسحب من الانتخابات، سناك سوري، 11-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2O7eRqh

([16]) «قسد» تعتقل مرشحين لـ «الإدارة المحلية» بالحسكة وتدعم داعش بدير الزور، جريدة الوطن، تاريخ 20-08-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2O8QybA

([17]) الإعلان عن تأسيس إدارة ذاتية كردية مشتركة في سوريا، موقع روسيا اليوم، تاريخ 06-09-2018، رابط إلكتروني https://bit.ly/2NsNTfR

التصنيف تقارير خاصة

تتسارع الأحداث والترتيبات باتجاه اقتراب بدء النظام وحلفائه فتح معركة إدلب. كما تتباين فيها السيناريوهات المتوقعة بحكم اختلاف المقاربات الأمنية لفواعل الأستانة من جهة؛ واحتمالات المشهد العسكري وانزلاقاته المتوقعة من جهة ثانية. لذا يستعرض تقدير الموقف هذا السياق السياسي والعسكري المفضي لهذه المعركة؛ ويتلمس ويختبر ملامح التفاهم ما بين دول الأستانة وحدوده وأثره على تغليب إحدى السيناريوهات. كما يوضح هذا التقدير في هذا السياق المتسارع ملمح الخيار الأنجع للقوى والفواعل المحلية والمتمثل في تمتين الجبهة المحلية عبر الانتقال من صيغ الإدارة المحلية إلى صيغ الحكم المحلي المنضبط.

سياق المعركة المحتملة: هدفٌ روسي دقيق الأدوات

شكّل اجتماع سوتشي بمخرجاته في مطلع هذا العام انعطافة محورية في حركية العملية السياسية المتعثرة بالأساس؛ إذ حدد أولوياتها واختصرها بعملية دستورية وانتخابات كما أرادها الروس. إلا أن هذه الانعطافة سبقتها مُحددات سياسية فرضتها الدول الخمسة (أمريكا وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن) في مخرج اللاورقة في باريس. ورغم أن مضمون اللاورقة لا يختلف مع الطرح الروسي إلا أنها أكّدت على مركزية الأمم المتحدة في هذه العملية واعتبرتها المرجعية الرئيسية بشكل يُعيق الطموح الروسي في استحواذه التام على المرجعية السياسية. وشكَّل ذلك التأكيد دافعاً إضافياً لروسيا للانتقال من مقاربة "حرف جنيف" إلى "أستنة جنيف" وذلك عبر استراتيجية "إنهاء فاعلية المعارضة المسلحة".

فمنذ معارك الغوطتين وجنوب دمشق وريفَي حمص وحماه وانتهاء معارك الجنوب؛ والروس ماضون في تطبيق حلولهم الصفرية على كافة الأراضي السورية؛ مُزينة بمصالحات شكلية مليئة بالارتكاسات؛ وتجعل الكُل "متهم وتحت الطلب". إن كثرة التصريحات حول إدلب ليست إلا استمراراً حثيثاً لما يُريده بالدرجة الأولى المخيال الروسي الذي يرتجي إنهاء الكُلفة السياسية للتدخل العسكري عبر إنجاز الحل السياسي وفق تعريف موسكو، على الرغم مما يُطرح من خطط ومراحل "السيطرة عليها" سواء في الأستانة أو حتى عبر منصاتهم الإعلامية أو البحثية؛ وفي اللقاءات الدبلوماسية والسياسية المعلنة منها وغير المعلنة.

رافق هذا السياق تثبيطاً روسياً لأهم الاستحقاقات السياسية التي ينتظرها السوريون (كملف المعتقلين وعودة اللاجئين)؛ وذلك عبر تحويل تلك الاستحقاقات إلى "تحديات حكومية خالية من الشرط السياسي" لتخفيف حدة الانخراط الروسي الذي يتزايد عمقه في البنية السورية. حيثُ تهدف موسكو فيما تدَّعيه من ضمانات تحقيق أمرين: المساندة المالية التي تتطلب مبالغَ يصعب على موسكو وحلفائها تأمينها بمفردهم؛ وتأسيس مناخات سياسية تؤمن انخراط "أعداء" النظام في عملية شرعنة نظام الأسد بشكل تدريجي وفق منطوق البراغماتية والواقع العسكري الجديد.

وفي هذا السياق؛ وضمن الحركية الروسية أعلاه؛ تتعامل موسكو مع ملف إدلب بدقة وترتيب حذر. فهي من جهة أولى ووفقاً لمنظور موسكو ستُشكل إعلاناً روسياً لانتهاء ثنائية الصراع العسكري بين النظام والمعارضة، وبالتالي تغيراً كاملاً في مُوجِّهات العملية السياسية إن لم يكن نسفاً كلياً لها والتكيُّف مع النظام وبدء التطبيع معه. كما تسعى الإدارة الروسية لفرض "مقاربات المصالحة" المحلية مع الفصائل كإطار قابل للتسويق وبديل "ناجع" عن جنيف. ومن جهة ثانية، تسعى موسكو لأن تكون "عودة السيطرة على إدلب" امتلاكاً لمداخل التنمية والتبادل التجاري المحلي والخارجي الذي من شأنه البدء في تذليل "عقبات ما بعد الصراع". ومن جهة ثالثة، سيكون لعودة السيطرة المتخيلة تلك إنهاء لـ"كوابيس الدرون" وما حملته من استنزافات روسية وتهديداً مستمراً لقواعدها وضباطها وجنودها.

ومن جهة رابعة ورئيسية، فهي بالمقابل تحمل في تداعياتها تعطيلاً محتملاً لمسار الأستانة بحكم تضارب المصالح مع أنقرة التي يفرض عليها أمنُها القومي عدم جعل تلك المنطقة منصّة تهديد لها يستخدمها الأسد وحلفاؤه كورقة ابتزاز دائمة. وتتعقد هذه التداعيات الأمنية خاصة أن مفاوضات النظام مع "الإدارة الذاتية" قد تُفرز "زواج مصلحة" بينهما لا سيما في ظل تأرجح الموقف الأمريكي. كما أن التقرُّب الروسي والإيراني مع تركيا نتيجة سياسات العقاب الأمريكية التي تمارسها واشنطن اتجاههم قد تخسرهم الطرف التركي كمساهم في ترتيبات المشهد الأمني في سورية، وهو أمرٌ سيكون له تبعات تعود بالسلبية على سياسة “جذب" تركيا لصالح "محور الصد".

قمة طهران: تفاهم قلق وسيناريوهات مفتوحة

تأتي قمة طهران بعد سلسلة من المؤشرات المُدللة على أولوية ملف إدلب في سياسة موسكو وحلفائها. ومن هذه المؤشرات بدء القصف الروسي على عدة مناطق (انظر الجدول رقم (1) في الملحق)، وزيادة التمترس التركي في قواعده وما قابله من نشر لنقاط روسية تفصل بين قواعد أنقرة العسكرية وخطوط تمركز النظام وحلفائه (انظر الخريطة رقم (1) في الملحق)، وتصنيف أنقرة هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، وتجهيزات وتحضيرات النظام والميليشيات الإيرانية لحرب كبرى وما استلزمته من حرب نفسية، والتصريحات الغربية والأمريكية المُحذرة من استخدام الكيماوي، واستعدادات المعارضة العسكرية. ودفعت هذه المؤشرات قمة طهران لتكون إطاراً دقيقاً لتحديد مستقبل هذه المحافظة. ومن ملامح هذا الإطار يمكن ذكر العنصرين الآتيين:

  1. خطوط تفاهم أمنية حذرة

تأتي التفاهمات الحذرة تحت عنوان استمرار هدنة أو تمديد اتفاقية خفض التصعيد أو إعطاء أنقرة فرصة إضافية لترتيب المشهد في المحافظة أمنياً. وعليه فإن هذا التفاهم يتمحور حول تحديد خارطة الأهداف المتعلقة "بهيئة تحرير الشام" و"حراس الدين" بما لا يؤثر على مقاربات أنقرة الأمنية التي تعتبر إدلب خطاً دفاعياً متقدماً لمنطقتي درع الفرات وغصن الزيتون ومجالاً حيوياً أمنياً ينبغي ألا يخضع لسلطة الأسد. كما ترشح عن هذه القمة أيضاً عدة أمور منها تعهُّد تركيا بضمان عدم جعل هذه المنطقة منصة تهديد للقواعد الروسية؛ وإرساء تعاون استخباري تركي مع روسيا وإيران ضد "القوى الإرهابية"؛ وإنشاء نقاط عسكرية روسية في المناطق التي تتواجد فيها النقاط التركية ودخول النظام لها إدارياً وليس عسكرياً.

  1. أجندةٌ في طريق التفاهم العام

لا تزال ملامح التفاهمات التي تُديرها موسكو وأنقرة والمتعلقة بالأمور الإدارية والاقتصادية وبما يتصل بإجراءات تحييد الطرق والمعابر غير مكتملة نظراً لارتباطها بالعنصر الأول من جهة؛ ولتبعيتها بالترتيبات اللازمة لتنفيذ أي اتفاق. فمن جهة تركية يُراد لهذا التفاهم المحتمل أن يكون عناوين استقرار ودافع باتجاه حل سياسي شامل. ومن جهة روسية فهي لا تزال تُعلي من شروط الاختبار للتموضع التركي، إذ تُريده بحجم متفق عليه لا يُشكل "خطراً على النظام".

وفقاً للمتابعات الميدانية والسياسية؛ فإنه يُعتقد أن الترتيبات الناشئة حول إدلب هي ترتيبات شديدة القلق ومفتوحة الاحتمالات. فمعادلة إدلب (كمعركة فاصلة) يتم صياغة تفاهماتها الأمنية والعامة مع إغفال لأي أدوار مقاومة وصادة متوقعة حيالها. حيث تَعزز هذا الإغفال بحكم سرعة تدحرج مناطق معارضة ذات ثقل عسكري نوعي كالغوطة الشرقية ودرعا؛ ناهيك عن اعتقاد موسكو أن جبهة إدلب هي استمرارٌ لعملياتها العسكرية. وهنا نُؤكد على أن هذا الإغفال لا يتسم بالدقة والموضوعية؛ فمن جهة أولى؛ تتجهز المعارضة المسلحة لـ "معركة وجود" فلا ترحيل أو تهجير بعد إدلب؛ وخياراتها تبدأ وتنتهي بالمقاومة. وعزز هذا الأمر تلك الإجراءات المتبعة من الفواعل المحلية في إدلب للتصدي لحالات الاختراق التي كانت إحدى سمات المشهد في الغوطة ودرعا وريفَي حمص وحماه، ناهيك عن وجود المظلة الجامعة للعمل العسكري (الجبهة الوطنية للتحرير) وعمليات التحصين والهندسة العسكرية والتجهيز لاحتمالية الضغط العسكري في جبهات أخرى.

ومن جهة ثانية؛ لن تكون بهذا المعنى إدلب استمراراً لما يتخيله الروس للعمليات العسكرية ومسارها؛ حيث أن اعتماد النظام الواضح على الميليشيات الإيرانية سواء بشكل مباشر أو المجموعات التي باتت جزءاً من بُنية جيشه سيكون عنصر اختبار للسياسة الأمريكية "المهتمة" وفق ادعاءاتها بتحجيم إيران. وتدلل إشارات الموافقة الحذرة التي أبدتها واشنطن وبعض العواصم الأوروبية تجاه العمليات الروسية على صعوبة المهمة أمام هذه الحاضنة الاجتماعية والقوة النوعية في إدلب خاصة في ظل لجوء النظام وحلفائه للسلاح الكيماوي كسلاح فيصل.

ووفقاً لما تقدم؛ لا تخرج السيناريوهات المتوقعة تجاه إدلب عن ثلاثة؛ أولها عمليات دقيقة ومحدودة (وهي المرجحة) إلا أنها غير مضمونة النتائج؛ وثانيها تدهور التفاهمات الأولية والانزلاق لعمليات شاملة (الأقل ترجيحاً) وهو ذو كلف سياسية وعسكرية بالغة التعقيد تبدأ بانهيار محتمل لإطار الأستانة الذي استثمرت به موسكو ولا تزال وقد تصل تلك الكلف إلى مأساة إنسانية وتدحرجات عسكرية قد تفضي لتدخلات دولية؛ وثالثها إخراج إدلب من معادلات الصراع العسكري (وهو الأضعف نسبياً) لأنه ينتظر مؤشرات أمنية وسياسية لم تظهر بعد.

وفي هذا السياق تؤكد التصريحات الأمريكية والغربية المحذرة من "معركة إدلب" على ثلاثة أمور؛ أولها: الموافقة المبطنة فيما يخص أجندة عمليات الروس المعلنة والتي تدعي توجيه ضربات عسكرية تجاه هيئة تحرير الشام دون أن تُقدم لها أي تنازل يصب في صالح سوتشي على حساب جنيف؛ وثانيها والأهم هو الاستمرار في منح الروس "وكالة التسيُّد" في سورية الذي له عدة غايات منها ما هو "دعوة لاستمرار الانزلاق الروسي" ومنها ما له علاقة بتحقيق غايات مشتركة متمثلة "بمحاربة الإرهاب"؛ وثالثها مرتبط بترقُّب أمريكي لتحركات طهران الطامحة لملء الفراغ، وتخوف أوروبي من موجات لجوء ونزوح كبيرة.

المطلوب محلياً: "لا مفر من مواجهة أسئلة 2015"

على الرغم من المسارات القلقة المتوقعة للمعركة إلا أن هذا لا ينفي نجاعة مقاربة "تحويل الأزمة لفرصة". لقد دلَّل الزخم الثوري الذي رافق التطورات الأخيرة بشكل واضح تمسك الحاضنة بخيار الصمود؛ وهذا من شأنه تعزيز الدوافع النفسية للقوى العسكرية للمُضي باتجاه تبني سياسات دفاعية مُحكَمة وتحويلها لقدرة مستمرة وتدعيم شروط الفاعلية وتحسين الشروط المحلية وما تستلزمه من استجابات تنموية وحوكمية.

بناء عليه؛ ينبغي تدارُس خيار تحويل نمط الإدارة المحلية في إدلب إلى "حكم محلي منضبط"، وبصيغة أخرى استحضار أسئلة التحرير أواخر عام 2015 والبدء بتنفيذ سياسات ضبط تهدف بإطارها العام تثبيت الأمن والاستقرار المجتمعي، والبدء بتأسيس نظام حكم فعّال له معاييره وأدواته التنفيذية وأجندته الخدمية والاقتصادية. ولا يمكن أن تبدأ هذه العملية من دون إرادة سياسية محلية دافعة لتأطير التفاعلات المحلية في المحافظة المثخنة بالتحديات، مع مراعاة كسب الشرعية والقبول المجتمعي. وعليه يُقترح حزمة التوصيات التالية:

  1. تشكيل مرجعية سياسية محلية موحدة، تتكون وفق آليات التوافق المحلي الذي يضمن حسن التمثيل والشرعية؛ وتهدف إلى أن تكون الإطار العام لرسم السياسات العامة الخدمية منها والأمنية والعسكرية والمدنية والسياسية.
  2. التحول إلى نمط حكم محلي منضبط عبر تظافر كافة الجهود للفواعل المعنية وإنجاز صيغ عمل المؤسسات الحاكمة وقوننة علاقتها مع المجتمع والمؤسسات التنفيذية. وقد يكون هذا العمل بالتنسيق مع الحكومة المؤقتة وهيئات سياسية محلية أخرى تعمل في هذه الأثناء على مراجعة وتقييم أدائها.
  3. بلورة طرح محلي قائم على احتواء بعض السوريين من هيئة تحرير الشام وتفكيك أُطرها التنظيمية وفق ما يراعي الشرط المحلي الخاص والالتزامات التركية؛ وذلك بهدف سحب ذرائع من جهة، وتأمين اتساق عضوي بين الفواعل المحلية من جهة ثانية.
  4. تأسيس اللجنة المركزية للتنمية والاستجابات الإنسانية، وتنحصر مهمتها بمتابعة الشؤون المتعلقة بالموارد البشرية وسبل العيش وتحسين ظروفها، وتأمين تواصل فعّال مع كافة منظمات المجتمع المدني لتسهيل مهامها وحمايتها وفق أطر ناظمة صادرة عن المرجعية السياسية.
  5. تطوير آليات عمل الجبهة الوطنية للتحرير وتعزيز أُطرها التنظيمية لتغدو جسماً عسكرياً واضح العقيدة والبُنية والهرمية الإدارية؛ وربط استراتيجياتها وتكتيكاتها بمحددات تنظمها المرجعية السياسية؛ وتنحصر مهامها بالوظيفة الدفاعية.

قد يبدو الانتقال إلى صيغ "نظام الحكم المحلي" فعلٌ يعتريه ضيق الوقت وحساسية الظرف التي تمر به المحافظة؛ إلا أن العمل بالتوازي على التأسيس لهذا الانتقال هو حاجة مستعجلة واستراتيجية في آن معاً؛ من شأنها تحسين خيارات المحافظة وتوسيع هوامش حركتها. إن التحدي الأبرز أمام هذا الانتقال هو أن يكون وفق فلسفة تلاقي المصالح مع الحليف التركي وتعزيز مساحات العمل الوطني؛ ناهيك عن عوائق تتمثل بالقدرة على تجاوز حالة الفصائلية، وتعزيز دينامية بناء الدولة الأقدر على تحقيق الأمن المجتمعي وتوفير الخدمات المنظمة للمجتمعات المحلية؛ ومدى استطاعة ونجاعة المكونات المحلية في إدارة المرافق العامة وتنمية الموارد الاقتصادية لتحسين مستوى المعيشة والدخل وعدم تدهور العجلة الاقتصادية، وصولاً إلى تشكيل نموذج تنموي نوعي.

 

ختاماً يمكن القول بأن كل الاحتمالات مفتوحة؛ إلا أن ملمح استمرار الاختبار والتوافق الأمني الحذر بين فواعل الأستانة سيكون له أثر ما خلال المرحلة المقبلة؛ دون أن يعني ذلك انتفاء احتمالية الانزلاق لمعركة شاملة في حال تعثر التوصل لاتفاق عام (سياسي وإداري). وأمام كل هذه التحديات لا مفر للقوى المعارضة من تعزيز شروط صمودها وقوتها وتدارس كل الخيارات وعلى رأسها ضبط مشهد التفاعلات الأمنية والعسكرية والإدارية والسياسية في إدلب وما تستلزمه من أطروحات نوعية.

الملحق؛

جدول رقم (1) يوضح ضربات طيران الروسي والقصف المدفعي على مناطق إدلب وما حولها من 10 /آب حتى 10/أيلول

خريطة رقم (1) توضح نسب السيطرة والنفوذ في محافظة إدلب وتموضع القواعد والنقط الروسية والتركية

المصدر: وحدة المعلومات في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية

التصنيف تقدير الموقف