شكلت مواقف دول الخليج حالات داعمة للقوى المجتمعية الثورية السورية، حيث تولت منذ البداية طرح العديد من المخارج للأزمة السورية، وشكلت مبادراتها الدينامية الأساسية والمحركة لمبادرة الجامعة العربية الأولى إلا أن استمرار رفض النظام أدى إلى تطور الموقف الخليجي والمطالبة بتنحي رئيس النظام السوري لصالحه نائبه (المبادرة العربية الثانية)، ومن ثم رفض الحوار معه ليفضي إلى تعزيز تقديم الدعم السياسي والمعنوي للمعارضة السورية في المجتمع الإقليمي والدولي، وبلغ هذا الموقف ذروته في تلك المرحلة عندما سحبت دول الخليج سفرائها من دمشق وطردت نظرائهم السوريين من أراضيها. أما في المرحلة المسلحة فقد اتبعت كل من قطر والسعودية والإمارات سياسات تمكين المعارضة ومدها بالدعم اللوجستي بدايةً ثم دعوة المجتمع الدولي ومطالبته بتسليح الجيش السوري الحر والاعتراف بمؤسسات المعارضة الرسمية وهيئاتها، إلا أن التطورات السياسية والأمنية ساهمت في عرقلة الحركة والتأثير الخليجي، سواء تلك التطورات الناجمة عن التدخل الروسي وما فرضه من معادلات سياسية وعسكرية جديدة، أو تلك المتعلقة بالأزمة الخليجية والتحولات المحلياتية أو تلك المرتبطة "بالتخبط" الامريكي في المنطقة وما تفرزه من تمكين للمشروع الإيراني.
تناقش هذه الورقة -متكئة على أدوات التحليل الاستراتيجي-مسببات تلك العرقلة وأثرها على العلاقة الخليجية السورية وانحسار خيارات ومساحات التأثير، موضحة طبيعة المشهد السوري بعد هذه التطورات وموجبات عودة التلازم الوظيفية مع المسارات السورية الوطنية لتحقيق الاتساق العضوي لتفريغ المشروع الإيراني المتمدد، وتستكشف هذه الورقة ميادين هذا التلازم وحزم الإجراءات الضامنة لعودة الفاعلية في الحقل السياسي والأمني والتنموي.
دفعت التطورات الإقليمية والتعقيدات المحلية التي تعتري الجغرافية السورية منذ التدخل الروسي إلى ظهور عوائق مختلفة الحجم أمام القوى الإقليمية الفاعلة في الشأن السوري، مما أفرز تحولاً في مسار الحركية الإقليمية وفقاً لتغلب "المنطق الجيوأمني" على مداخل الحل والانفراج السوري وبحكم أولوية "عدم التعارض مع موسكو" التي باتت فاعلاً رئيسياً في هذه الجغرافية، ودول الخليج العربي من بين تلك القوى الإقليمية، فبالنظر لأهم تلك التطورات، فإنه يمكن حصرها بعدة دوائر "متعارضة"، فرضت على دول الخليج تغييرات واضحة أفرزت إعادة تقييم للسلوك والأداء الخليجي، وأهم هذه الدوائر وهي:
بعد تلك التطورات الدافعة لتغير السلوك الإقليمي لدول الخليج في سورية، فإنه يمكن تشكيل معادلة الدور الخليجي الراهنة وفق للآتي: )الفاعلية الخليجية = أدوار إنسانية ودبلوماسية+ دعم شديد المحددات والشروط+ انخراط إيجابي في عمليات التشكل السياسي(، وتؤكد هذه المعادلة -التي فرضت نفسها بحكم تنامي معوقات الفاعلية المثلى- تضيق مساحات التأثير وتقلص الفرص الكفيلة بعدم تحول سورية سواء كجغرافية لمسرح متشظي، "تُحسن" طهران المنتشرة أفقياً في هذا المسرح استغلاله ومل فراغاته بمشروعها السياسي والإيديولوجي، أو لتحول سورية كدولة إلى كيان دولتي فاشل غير قادر على ضبط المشهد الأمني والعسكري والسياسي وترتهن دوائر صنع القرار فيه لحلفائه وشروطهم الجيوسياسية في المنطقة.
من جهة أولى، فإن تسارع طهران لتحسين وتعزيز تموضعها في المنطقة وإن بدى غير مستقر فإنه باتجاهات امتلاك شروط التمكين، إذ يساهم تفتيت أهم المسارح الجيوسياسية في المنطقة في إضعاف دول الأطراف وتصدر طهران لدفة القيادة التي ستحاول من خلالها التحكم في ملفات المنطقة بغية ضمان عودته لممارسة دوره الشرطي قبل أحداث الربيع العربي من جهة ولاستكمال مشروعه الاستحواذي على مراكز القوة في المجال الحيوي والجيبولتيكي لهذه المنطقة.
ومن جهة ثانية، فإن عدم تحول الفعل الخليجي لاستراتيجية متكاملة قادرة على الدفع باتجاه تضمين الاتفاق السياسي المتوقع للشروط الأمنية والسياسية المحلية المتقاطعة مع محيطها العربي، واكتفائها في سياسة الصد، يسهم على المدى الاستراتيجي بإعادة فرز السلطة الحاكمة بكل ما تعنيه العودة من تعاظم شروط اللاستقرار والفوضى والتحكم في بؤر الإرهاب واتجاهاته.
ومن جهة ثالثة، فإن التدخل الروسي الذي يحاول استثمار "نصره" العسكري في ميدان السياسة و"رعاية" عملية سياسية لا تفضي لمعالجة أسباب الرفض والقطيعة المجتمعية، فإنه ينمي مناخات الانحدار باتجاه الأفغنة القابلة للتدحرج لتغدو سمة المنطقة ككل، وبالتالي فإن كافة المؤشرات تدل على أنها خطوات ديكورية في "مسلسل ادعاءات" الحل السياسي، وهو أمرٌ ينبغي أن تبقى دول الخليج مدركةً أبعاده السلبية على المنطقة ككل،
تحتم الاتجاهات أعلاه على دول الخليج تجاوز معطلات التأثير في الملف السوري سواء المرتبطة ببنيتها الداخلية أو المتعلقة بضرورات اتساق الرؤية والأدوات الخارجية، وإعلاء أولويات التلازم الأمني والسياسي السوري الخليجي، والاستمرار بالضغط على الفواعل الدولية لتبقى القضية المجتمعية هي المحرك الأساس في أي عملية سياسية، مستغلة عوامل في تمكين القوى الاجتماعية سياسياً واقتصادياً وتعزيز أدوار المجالس المحلية التي هي نتاج شرعية شعبية، وهو أمر سيكون صاداً للمشروع الإيراني غير المنسجم مع هوية المنطقة وتفاعلاتها من جهة، وسيعزز من مناخات صد وتجفيف قوة الجماعات العابرة للحدود واسقاط ورقة لطالما احسنت قوى الاستبداد توظيفها في تمزيق البنية المحلية واستغلال ذلك لإعادة شرعنة بقائها.
انطلاقاً من ضرورة وأهمية هذا التلازم، فإن ملامح أي انخراط استراتيجي خليجي ينبغي له الانطلاق من اعتبارات سياسية واقعية؛ وضرورات إعادة تقييم لأدوار التأثير محلياً والبحث عن أنماط تغييرها باتجاهات تعزيز التلازم؛ بالإضافة إلى أولوية تعزيز المشروع الصاد لطموحات طهران، وعليه يمكن– كمحاولة لرسم هذه الملامح –تحديد ثلاثة أطر للفاعلية، الأول متعلق باستنباط عناصر التأثير الكامنة في العملية السياسية وسبل تعزيز مقاربة التلازم، والثاني مرتبط بتحديد الأدوار المحلياتية، والإطار الثالث يحدده واقع المشروع الإيراني وآفاقه وسبل مواجهته وتحجيمه. فإذا ما انطلقنا من في هذا القسم من الإطار الأول، فإن المشهد السياسي الراهن بات يؤكد على ثوابت جديدة، لا سيما تلك التي تعد نتائجاً للتدخل الروسي، ومنها نذكر:
إلا أن إدراك موسكو لثابتين يتعلقان بالنظام (الأول: عدم قابلية تحمل بنيته لأي تغيير حقيقي؛ والثاني عدم نجاعة تزمين خفض التوتر من زاوية عدم قدرة النظام على الحفاظ على المكتسبات العسكرية، وبالتالي العمل على أولوية الاستعجال في الخطوات السياسية اللازمة وانجازها شكلاً على الأقل) يجعل عملية الهندسة الروسية للحل السياسي عملية يعتريها العديد من العراقيل وعناصر اللاستقرار، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن العملية السياسية وفق المخيال الروسي لا تزال مرتبطة حالياً بمرحلة تفاوضات مع الأطراف الإقليمية المعنية، ومتعلقة بمدى مقاومة المجتمع الدولي لهذه الخطوة الروسية التي ستسحب تدريجياً مرجعية جنيف، هذا المجتمع الذي وإن تماهى بحكم التدخل العسكري مع المخرجات الروسية، إلا أنه يدرك أن الأمر بنهايته رهين التقارب الروسي الأمريكي، وهذا ما لم تتعزز مؤشراته المرتبطة بالشروط الأمنية السورية المحلياتية([1]).
ووفقاً لأعلاه وبالتقاطع مع الشروط الوطنية كانتفاء مسببات الإرهاب والربط العضوي بين الانتقال السياسي والاستحقاقات الأخرى، فإنه يمكن تحديد عناصر الفاعلية السياسية الخليجية بأربعة مداخل:
تدلل الخريطة أدناه على واقع إيران العسكري والأمني في سورية في عام 2017، فبالإضافة إلى قواعدها العديدة في سورية (فعلى سبيل المثال يمتلك الحرس الثوري لوحده -عدا الميليشيات الأخرى-ثلاثة قواعد كبيرة في الكسوة بريف دمشق ومنطقة صلنفة في الساحل السوري ومنطقة السبع بيار في البادية السورية، عدا عن نقاط الاتصال والتسليح في مطار دمشق الدولي والزبداني وجمرايا في ريف دمشق ومدينة البعث في القنيطرة، والحاضر في ريف حلب) تنشط إيران حالياً على أربعة أبعاد:
بالمقابل ورغم تنامي العناصر المكملة للمشروع الإيراني وبلوغها مستويات متقدمة، إلا أن عوامل تفريغ هذه المشروع وتحجيمه لا تزال تمتلك فرصاً عديدة يمكن لدول الخليج استغلالها، خاصة أن أي حالة سياسية محتملة ستعترضها بنية أمنية هشة ومناخ فوضوي لا يمكن أن يفضي للتعافي والاستقرار المجتمعي، ومن هذه الفرص نذكر حزم الإجراءات التالية:
تشكّل إعادة الإعمار في سورية مهمة بالغة التعقيد والتشبيك مع المسار السياسي؛ فبحسب ما هو متعارَف عليه حول المعافاة وإعادة الإعمار بعد النزاعات، يجب أن تتم إعادة البناء المادّية والمعافاة الاقتصادية والإصلاحات السياسية والمصالحة المجتمعية بصورة متزامنة من أجل نقل البلاد من حالة الحرب والفوضى إلى "السلم والاستقرار". لكن في سورية، ثمة خطر بأن يتواصل الجزء الأكبر من إعادة الإعمار والمعافاة الاقتصادية بمعزل عن المفاوضات والإطار السياسي الملائم لشروط التعافي، إذ يمكن أن تتحوّل إعادة الإعمار بسهولة إلى أداة لتثبيت مكاسب الحرب وديناميكيات النفوذ القائمة، ما يحول دون عملية الانتقال من الحرب إلى السلم أو يطرح تعقيدات أمامها، بدلاً من دعمها، كما أن اهم ما يعزز هذا الخطر أنه مع تقدّم عملية إعادة الإعمار، ستواجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، معضلةً بين الاستثمار في إعادة الإعمار "التقنية" – التخلّي عن فرض شروط على المساعدات، والاتجاه بحكم الأمر الواقع إلى مكافأة النظام والمساهمة في ترسيخه لنفوذه على الأرض – وبين رفض المشاركة في عملية إعادة الإعمار برمتها، ما يُعرِّضهم لخطر خسارة مزيد من التأثير[2].
ورغم ذلك تتيح إعادة الإعمار فرصة لدول الخليج بتعزيز الاتساق السياسي مع الحاضنة المجتمعية السورية وزيادة أوراق التأثير والمساهمة في عملية التشكل السياسي لسورية ورسم معالمها المستقبلية، فإعادة تصوّر المشهد بكافة أبعاده لا يمكن له أن يتم دون إعادة صياغة الديناميكيات السياسية وديناميكيات النفوذ أو ترسيخها.[3] وتدرك دول الخليج طبيعة العلاقة بين إعادة الإعمار والحكم والنفوذ. فحتى فيما يتفاوضون على الترتيبات المتعلقة بنزع التصعيد ووقف إطلاق النار، فأنهم سيسعون أيضاً إلى ترسيخ دوائر نفوذهم في سورية عن طريق إعادة الإعمار. على سبيل المثال، تستثمر تركيا في إعادة إعمار البنى التحتية المتضررة من الحرب في الباب، آملةً بأن يساهم ذلك في طرد المجموعات المتطرفة وتشجيع عدد كبير من اللاجئين الذين تستضيفهم داخل الأراضي التركية، على العودة إلى سورية، وليس الهدف من هذه الجهود بسط الاستقرار في الوقت الراهن وحسب، إنما أيضاً تمكن ورائه أسباب سياسية.
وعليه يمكن تحديد ملامح سبل فعالية دول الخليج في سياسات إعادة الإعمار في عدة اتجاهات، أهمها ما هو مرتبط بمتطلبات تعزيز التواصل ما بين منظومة مجلس التعاون الخليجي مع الاتحاد الأوروبي (الداعم المادي الأكبر لإعادة الإعمار في سورية) والتوصل لمذكرات تفاهم وتنسيق وتعاون لإنجاز هذا التحدي، والعمل على الدفع باتجاه تحديد الشروط السياسية لبدء هذه العملية، والحذر من تحول هذا الملف من استحقاق سياسي داعم للاستقرار إلى تحدي حكومي يتوه في دهاليز البيروقراطية وشبكات الفساد الأسدية والإيرانية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه من أدوات الفاعلية يكمن في إنشاء منظومة التعاون الخليجي لصندوق مالي داعم لسياسات إعادة الإعمار وما تتطلبه من دراسة احتياجات وسياسات تنفيذية وبرامج تطوير الأداء والعودة الكريمة للاجئين والنازحين، والتركيز المباشر على مناطق سيطرة المعارضة وما تتطلبه من احتياجات تؤهلها لإدارة هذه العملية.
تتعاظم شروط التشكل السياسي غير المتسق مع طبيعة وتعريف القضية السورية التي تشهد تغييراً لمفاهيم سياسية كالانتقال والتغيير السياسي لصالح تسوية تفرغ الاستحقاقات السياسية الضامة لبناء سورية بما يتسق مع هويتها الحضارية وتحولها لمهمات حكومية غير مستعجلة وغير مرتبطة ببوصلة سياسية، وهو ما من شأنه تحول سورية لدولة فاشلة مزمنة تتحكم طهران في معظم دوائر صنع قرارها، وهو ما سيرتد فوضى أمنية متنامية على البنية السورية والخليجية والعربية، الأمر الذي يحفز دول الخليج لإعادة تقييم سياساتها تجاه الملف السوري ودراسة أسباب إعاقة فاعليتها عبر تعزيز مقاربة التلازم السياسي والأمني مع الملف السوري، والبحث عن امتلاك دوائر تأثير تضمن من خلالها دول الخليج إيقاف السيولة المتأتية من المشهد السوري وتضمين خطوات هندسة الحل أبعاده السياسية والاجتماعية الكفيلة بتحقيق الاستقرار والتعافي في سورية من جهة وتقوض وتفرغ المشروع الإيراني من جهة أخرى.
([1]) التثمير الروسي للمسار السياسي لما بعد الأستانة، تقدير موقف صادر عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ 13/11/2017، الرابط: https://goo.gl/6sN4h8
([2]) Benedetta Berti, “Is Reconstruction Syria’s Next Battleground?”, Carnegie endowment for international peace, 5/9/2017, https://goo.gl/xFWLxX
([3]) لقد تكبّدت سورية، خلال الأعوام الستة الماضية، خسائر تراكمية في إجمالي الناتج المحلي تخطّت 226 مليار دولار، وأصبح نصف سكّانها في عداد النازحين بسبب النزاع، ولحقت أضرار كبيرة بالبنى التحتية المدنية. بحسب التقديرات الواردة في تقرير صادر عن البنك الدولي في العام 2017، دُمِّر 27 في المئة من المنازل في المراكز المدينية التي خضعت للتقويم، أو لحقت به أضرار، ويُقدَّر مجموع تكاليف إعادة الإعمار بـ200 إلى 350 مليار دولار
حركة سياسية ثقيلة، عطالة ذاتية، أخطاء متراكمة متزايدة، بوصلة عمل مشتتة، فقدان القرار الوطني المستقل، تأجيل الامتحانات والتحديات، تلك هي السمات الأبرز للأداء السياسي للمعارضة السورية خلال سنين الثورة السورية، ذاك الأداء الذي ابتدأ سيره من جديد إبان اندلاع ثورة الكرامة والحرية في سورية بعد أن كان في حالة سكون وظيفي قبيلها، فتحفز واستلهم من هتاف ومظاهرات الثوار موجبات حركته، مجددًا الأمل بفاعلية سياسية تنهي حكم النظام القائم وتؤسس لانتقال سياسي يخلق مناخات حرية الاختيار والتعبير وتحرر الإرادة الشعبية ويضمن لها مشاركة فعالة في صنع قرار بلدهم وبناء مؤسساتها وفق فلسفة الكفاءة والحرفية وتعزز من سبل تنمية مواردها البشرية والاقتصادية.
"لم تنجح المعارضة السورية في التحول من كيان سياسي شبه حزبي معارض، إلى مؤسسة حكم قادرة على قيادة الثورة والتأثير بمجرى الأمور على الأرض"
إلا أنها ومنذ اللحظات التنظيمية الأولى حتى يومنا هذا لم تنجح المعارضة السورية بأن تكون على مستوى تطلعات الثورة وأهدافها، ولم تنجح في التحول من كيان سياسي شبه حزبي معارض، إلى مؤسسة حكم قادرة على قيادة الثورة والتأثير بمجرى الأمور على الأرض.
فحتى هذه اللحظة لا تزال الممارسة السياسية للقوى المكونة للمعارضة تعكس خلطًا بين أدوات ومفاهيم العمل السياسي الحزبي المعارض (الذي اعتادت عليه تاريخيًا) ومفاهيم وأدوات الحكم وممارسة السيادة.
صحيح أن جل أسباب التعثر السياسي ترتبط بعوامل خارجية تتعلق بطبيعة المقاربة الأمنية الدولية السائدة لحل الأزمة السورية، وصحيح أيضًا أن سياق التحولات السياسية إقليميًا ودوليًا ساهم بشكل وبآخر في تغيير تموضع المعارضة لا سيما بعدما غدت الجغرافية السورية "مسرحًا جيوسياسيًا" ترتجي الفواعل الدولية والإقليمية تحويله لـ"بوابة تدخل" يسهم في تكوين نظام سياسي إقليمي يراعي شروط تلك الفواعل ومشاريعها السياسية ، إلا أن الأسباب الذاتية للأداء السياسي الكارثي حاضرة وبقوة، ولا يمكن إغفالها لأن اتساق الحركة وانسجامها مع الأهداف الاستراتيجية لطالما ارتبطت ارتباطًا عضويًا في بنية الجسم السياسي وفواعله ونجاعة أدائه العام.
انبثقت أولى الاعتلالات الوظيفية لأجساد المعارضة مع عدم بنائها وفق قواعد تمثيلية حقيقية، مُحدثةَ شبه قطيعة مع جلّ الهيئات المدنية والثورية في الداخل السوري، فحاولت ولأسباب تتعلق بفهم المعارضة آنذاك باقتراب سقوط النظام، أن تحاكي شكلًا تجربة المجلس الوطني الانتقالي الليبي أولًا، ثم تدارك ذلك الاستعجال بالائتلاف الوطني للمعارضة وقوى الثورة كجسم يدير شؤون "المرحلة الانتقالية"، وبهذا تم إنتاج أجسام بعمر افتراضي قصير، ووظيفة سياسية وإدارية تجاوزها السياق العام للمشهد السوري، وقوى تقليدية غير قادرة على القيام بسلوكيات رجال الدولة وتمتهن الطروحات الشعاراتية فقط.
وحتى ما قام به الائتلاف من عملية توسعة (معادلة كفة الإسلاميين بديمقراطيين) أتت لتتوافق مع المزاج الدولي الدافع باتجاه عملية تفاوض سياسية في جنيف أكثر مما تمليه ضرورة الإصلاح والتماهي مع الداخل السوري الثائر وما يتطلبه من احتياجات تتفاقم وتزداد شدتها مع بدء ظهور التنظيمات المتطرفة، فلا أدار ملفاته التفاوضية باقتدار وحرفية، ولا اتبع استراتيجية تفاوض واضحة.
"المراهقة السياسية التي مارسها الائتلاف في بداية تشكيله و"نجاحه المذهل" في تصدير صورة مثبطة عن طبيعة عمله المتوقع لا سيما بعد مسلسل الاستقالة التي تم الإعلان عنها قبيل تسليم الائتلاف كرسي سوريا في جامعة الدول العربية"
خلال كل ذلك اختلج بالائتلاف عطالة سياسية محكمة، فمن جهة أولى ثبت التدافع والتنافس البيني لمكوناته السياسية معادلة ذات مخرجات صفرية وعناصر تقليدية ثابتة لا تتبدل، ومن جهة ثانية أضحى انعكاسًا للتضارب الدولي الذي دعم وجود وكلاء سياسيين له ضمن هذا الجسد الثقيل يجعل مجموع قراراته تشبه أحجية (تعا ولا تجي)، ومن جهة ثالثة ازدادت تلك العطالة بالمراهقة السياسية التي مارسها الائتلاف في بداية تشكيله و"نجاحه المذهل" في تصدير صورة مثبطة عن طبيعة عمله المتوقع لا سيما بعد مسلسل الاستقالة التي تم الإعلان عنها قبيل تسليم الائتلاف كرسي سوريا في جامعة الدول العربية، ومجموع المبادرات "العاطفية" التي وجهها للنظام، وعدم الخبرة في التعاطي السياسي والدبلوماسي مع القوى الإقليمية والدولية، والمهاترات البينية، إلخ.
أما الهيئة العليا للمفاوضات -هذا الجسد الذي كُلفت الرياض في اجتماعات فيينا أواخر عام 2015 بدعم تشكليه ضمن أول مخرجات التشويه الروسي للعملية السياسية الذي أراد الإمعان في تمييع صف المعارضة -لم تستطع أن تستغل التوافق والدعم الشعبي الذي تشكل حينها تجاهها جراء المواقف السياسية الصلبة الصادرة عنها، ولم تستثمر هذا التوافق لفرض وثائق القاهرة المنجزة في عام 2012 كمرجعية سياسية للهيئة.
تلك الوثائق التي من أفضل ما خطته المعارضة خلال سنين الثورة، بل وبحكم وراثتها لجميع الإشكاليات المتراكمة من سابقيها وزاد عليها تضمينها اتجاهات سياسية تختلف مع بعضها البعض حتى في الأولويات العامة، لم تستطع الهيئة ضبط هذه البنية الشديدة التحول والسيولة، الأمر الذي ساهم مع عوامل سياسية أخرى في فقدانها لاحتكار تمثيل المعارضة في المفاوضات إذ شاركتها منصتا موسكو والقاهرة هذا الاحتكار، ليبدو المشهد التفاوضي إذا ما عزلنا التصريحات الإعلامية أقرب لتفاوض النظام مع فريق يتفق مع أكثر من نصفه.
ولعل أخطر الاعتلالات الوظيفية للمعارضة تزايد طردًا مع تنامي مستويات الصراع في سورية وبروز الإرهاب فيها، إذ تعاملت المعارضة في هذا الصراع بوجدانية مغرقة أكثر مما يفرضه مبدأ الحسم تجاه تنظيمات عابرة للثورة ولها مشاريع تهدد هوية البلد وفعله الحضاري، فلا وظفته كباقي الفواعل السياسية، ولا حسمت باكرًا موقفها منه، وسجلت عجلة السياسة في هذا السياق في سجل المعارضة وقوعها في المحاذير الوطنية وعدم إنجازها لوثيقة وطنية حاسمة رافضة لأي قوة لا تؤمن بأهداف الثورة وتريد حرفها.
الأمر الذي أفرز تأخرًا في إدراك خطورة العناصر والجماعات الجهادية الأجنبية التي تغلغلت داخل تشكيلات الثورة السورية بحجة مظلومية و"نصرة" الشعب السوري، والتعاطي معها دون إدراك أبعاد مشاريعها الذاتية وحجم انتماءاتها التنظيمية، وهو ما أدى بشكل أو بآخر لظهور تصنيفات متعددة في جسد المعارضة ثم المطالبة الدولية بعزلها عن المتطرفة.
"مضت ولا تزال المعارضة قدمًا باتجاه موتها السريري، إذ إن كل المؤشرات تدل على هذا المآل، فلا أفعالُ مراجعة، ولا بدء بتقييم الأدوات سوى بضع محاولات ترقى أن تكون استعراضًا لمص الصدمة ليس إلا"
وصلت الارتكاسات السياسية الذاتية للمعارضة مداها الأوسع بعد معركة حلب، والتي تبين أنها لم تعد قادرة على الفعل السياسي ولو بأدنى درجاته، فمرت كوارث التدخل الروسي وما حملته من تغييرات ديموغرافية وعسكرية واضحة دون أن يلمس المراقبون لهذه الأجسام أي استراتيجية تعاطي إبان هذا التدخل، فبعد هذه المعركة مضت ولا تزال المعارضة قدمًا باتجاه موتها السريري.
إذ إن كل المؤشرات تدل على هذا المآل، فلا أفعالُ مراجعة، ولا بدء بتقييم الأدوات سوى بضع محاولات ترقى أن تكون استعراضًا لمص الصدمة ليس إلا، ولا تدارسًا موضوعيًا لصلاحية البُنية الحالية لهذه المرحلة بعد أن اتخذت شكلًا ثابتًا ومصمتًا خلال الأعوام الستة الفائتة، الشكل الذي حال دون أي فعل سياسي حقيقي يُحدث أثرًا ملموسًا سواء على المستوى المحلي كتنظيم الصف الثوري الداخلي أو على المستوى الخارجي كتمثيل بديل مقنع للمجتمع الدولي، مما ولد فراغًا سياسيًا في الثورة السورية، وغُربة عن الشارع الثوري والذي عزز من عدم ملاحظتها في معادلة الصراع السوري، وأعلى من شأن الخيارات العسكرية التي اتسم حراكها بالفصائلية المغرقة وغيبت أثر وفعالية الحراك المدني والسياسي وأقصته وتدخلت في جميع مفاصل المحلياتية.
"لا يمكن للتاريخ عندما يتحدث عن ثورة العز والكرامة في سوريا وما سطرته من تضحيات في سبيل العيش الحر الكريم إلا أن يُحمل المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري مسؤولية تعثر الأداء السياسي"
يمكنني القول متوجعًا إنه لا يمكن للتاريخ عندما يتحدث عن ثورة العز والكرامة في سورية وما سطرته من تضحيات في سبيل العيش الحر الكريم إلا أن يُحمل المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري مسؤولية تعثر الأداء السياسي وعدم استغلال الفرص وتغييب الرشد، وسيسجل بخط ممزوج بالدم والألم أن اليسار المعارض كاليمين غرقا بالأوهام وأتقنا الاستعراضات الأيديولوجية بينما عجلة الثورة السياسية لا تزال تنتظر من يرتقي بأدائه لمستوى تضحياتها التي أتعبت التاريخ وأثقلت الجغرافية.
شارك مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ممثلاُ بالمدير التنفيذي الدكتور عمار قحف بأعمال مؤتمر عقده منتدى الشرق بتاريخ 19 آذار 2017، بعنوان: "نحو البنية الجديدة للأمن في منطقة الشرق الأوسط".
تحدث الدكتور عمار خلال مشاركته عن ضرورة إعادة الاستقرار الأمني في سورية، وهذا يتطلب حكماً إخراج كافة القوى الأجنبية الإرهابية إضافة إلى المليشيات الداعمة للنظام والتي يفوق عددها 60 تشكيل عسكري، منوهاً إلى أن مصدر الإرهاب والاستقطاب الطائفي في المنطقة هو النظام السوري وداعميه.
كما أكد أن إعادة الاستقرار الامني في سورية يبدأ من الأدنى إلى الأعلى بمعنى تمكين المجالس المحلية الفرعية ومجالس المحافظات لتقوم بإعادة ضبط المشهد الأمني.
كما ناقش المؤتمر أسباب فشل الدول والأنظمة في عملية ضبط الأمن في عدد من بلدان الشرق الأوسط، مركزاً على الظواهر المليشاوية التي بدأت بازدياد في ظل سباقات التسلح الحاصلة في المنطقة.
يجدر بالذكر أن المؤتمر حضره العديد من الخبراء وصانعي السياسات والمسؤولين الحاليين والسابقين، فضلا عن ممثلين من الوكالات الدولية، لتبادل وجهات نظرهم، وتقديم رؤى جديدة حول القضايا الأمنية الحالية، واقتراح الأطر لبنية أمنية جديدة في المنطقة.
استضاف برنامج "من تركيا" على قناة الأورينت السورية، الدكتور عمار قحف، مدير مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، للحديث عن مسار مؤتمر جنيف4 ومآلاته في ظل الانسداد السياسي القائم.
قدّم مدير مركز عمران للدراسات الاستراتيجية تحليلاً معمقاً للدور الروسي المتعاظم في سورية، وهو الأكبر منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وحلل أساليبها في خلق منصات متعددة لإضعاف المعارضة السورية لصالح نظام الأسد.
وإجابة منه على سؤال حول سرّ تعدد منصات المعارضة في مؤتمر جنيف، وتأثيرها على المسار السياسي في جنيف، أجاب الدكتور عمار قحف، بأن غاية روسيا من صناعة منصات موالية لها، هو الإعداد للمرحلة المقبلة من المفاوضات لضمان مصالح موسكو في سورية.
كما تناولت المقابلة الحديث عن بيانات جنيف1 ومساعي الروس للالتفاف على البيان من خلال اعتماد سياسة الغموض البناء على الرغم من مبادرة موسكو نفسها لصياغة البيان.
تُفند وتُقيم هذه الورقة البُنى الأمنية المتعددة في سورية بدءاً من مناطق سيطرة النظام السياسية ومروراً بالمعارضة وانتهاء بمناطق الإدارة الذاتية. ثم توضح الإجراءات التي ينبغي اتباعها قبل الشروع في حوكمة الأمن في سورية، كما أنها تقدم اقتراحاً أولياً يوضح الوظائف والأجسام الأمنية القطاعية وعلاقتها مع المركز والطرف بما يعزز شروط التمكين المحلي ويحمي استقرار ووحدة البلاد.
إن النظر للبيئة الأمنية في مناطق النظام على أنها متماسكة وتخضع لقوة أمنية مركزية مضبوطة، هي نظرة يتجاوزها الواقع، منذ بدء تدفق الميليشيات الأجنبية الحليفة للجغرافية السورية ولقرار تشكيل مجموعات عسكرية محلية يُشرف عليها كبار رجال النظام. لقد ساهم تراكم الفشل الأمني للأجهزة الرسمية وعجزها عن مواجهة تمدد الحراك الثوري في دفع النظام إلى مجموعة إجراءات آكلت سلطته الأمنية المركزية بدءً بتشكيل الميليشيات المحلية المساندة تحت رعاية جيش النظام السوري أو الفروع الأمنية. وأدت هذه السياسات إلى استبدال النظام سلطته الواقعية المكثّفة في المؤسسة العسكرية والأمنية بمرتزقة من السكان المحليين المنتسبين إلى ميليشيات مسلحة نمت وتوسّعت في الحجم والتأثير خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
إن من شأن هذه المجموعات أن تُشكّل خطراً حقيقياً على النظام في حال خروجها عن سيطرته. فإذا اكتسبت قاعدة واسعة من الأتباع على الأرض وبنت روابط متينة مع المجتمع، منحها ذلك القدرةَ على التفاوض مع النظام على السيطرة والنفوذ، والعمل مع الأفرقاء الدوليين تحقيقاً لمصالحها الخاصة التي قد تتعارض مع النظام. ولذلك، وضع النظام في رأس أولوياته، خلال العام 2016، احتواء هذه المجموعات عبر مأسستها وضمان ولائها كجزء من خطته لتأمين سُبل بقائه كعامل توازن واستقرار. لقد ساهمت تلك الإجراءات عموماً في النتائج التالية:
وباستعراض لأهم الفاعلين الأمنيين في مناطق سيطرة النظام نجدها على الشكل التالي([1]):
تشكلت في صيف عام 2012 وتُعتبر أكبر مليشيا داعمة للنظام على الإطلاق، وتضُم الآن أكثر من مئة ألف متطوع. وتتشكل من وحدات على امتداد سورية تحت إشراف موحد من جيش النظام وبقيادة العماد حواش محمد. بدأت قوات "الدفاع الوطني" على تنظيم وتدريب مئات المتطوعين في اللجان الشعبية، تحت قيادة "قوات الدفاع الوطني". تشابه هذه المليشيات الدفاع شكل مليشيا "الباسيج" التطوعية التابعة للحرس الثوري الإيراني مما يعزز القناعة أن هذه الميليشيات تشكلت تحت إشراف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.
تأسست كـ"قوات نخبة" على يد محمد جابر، وهو رجل أعمال تربطه صلات وثيقة بالنظام. وتعمل "صقور الصحراء" في المناطق الصحراوية، وشاركت في هجوم "القريتين"، كما ساهمت في استعادة السيطرة على بلدة "كسب" في الساحل السوري. وتتكوّن من عناصر علوية وشيعية وأفراد من عشيرة الشعيطات، خُصصت مهامها من أجل قتال عناصر "داعش". وتضم هذه المليشيات عناصر مدربة، منهم ضباط وعناصر متقاعدون في الجيش ومتطوعون من الشباب السوري. وهي مليشيا مختصة في نصب الكمائن وتنفيذ المهمات الخاصة الصعبة. وتُركز على حماية منابع النفط والغاز في سورية. كما أنها تقوم بحماية أكبر مخزن للأسلحة في سورية، وهو مخزن مهين.
تعمل هذه المليشيات تحت إشراف مدير جمعية البستان للأعمال الخيرية حيث أنشأت لاحقاً فرعاً أمنياً يجتذب العلويين من مركز الطائفة العلوية في الساحل. وتنتسب عملياً وإدارياً لإشراف قطاع الجيش المحلي في مناطق عملها، وتنسق عملياتها مع "الفرقة 18". أبرز هذه المليشيات كتائب الجبلاوي في حمص، وعملت في الغوطة، وهي أكثر استقلالية من مليشيات الدفاع الوطني. ومن هذه المليشيات أيضاً فهود حمص التي تشكلت في عام 2013 وامتدت حتى عام 2015 على يد شادي جمعة المقرب من الضابط أبو جعفر، الملقب بالعقرب ومؤسس "لواء خيبر"، أحد مليشيات الدفاع الوطني في حمص. وتضم فهود حمص تحتها قوات "درع الوطن"، التي تنسق مع مليشيات "ذو الفقار" الشيعية في دمشق.
أعلن بيان للحرس الجمهوري السوري في مايو 2015 عن تشكيل "لواء درع الساحل" برواتب مجزية لحماية المعقل الرئيسي للنظام واستعداده ضم متطوعين جدد لتشكيل "لواء درع الساحل"، لمدة سنتين أو لعقد دائم برواتب مجزية تصل إلى 40,000 ليرة سورية. وتم تكليف القيادة لكل من رامي مخلوف والعميد حسن مصطفى الضابط في الحرس الجمهوري لقوات النظام بهدف حماية القرى العلوية في المناطق الساحلية. ويضم الفارين من الخدمة الإلزامية في جيش النظام والمتخلفين عن الخدمة الاحتياطية وأعداداً من الجنائيين، موزعين بين قرية صنوبر القريبة من مدينة جبلة، وقرية “صطامو”.
وهي ميليشيا تم تشكيلها في صالة المحاربين القدماء في دمشق. وتشير معلومات إلى أن هذا الحشد مكون أبناء دير الزور والرقة والحسكة، ويترأسها رياض عرسان، من محافظة دير الزور ومقيم في مدينة دمشق.
انبثقت هذه المليشيات عن أحزاب سياسية، وعملت على حشد متطوعيها تحت شعارات حزبية أو سياسية، وأبرزها:
هي المليشيات التي تشكلت دعماً للنظام السوري من اللاجئين الفلسطينيين، بالإضافة لمليشيات فلسطينية كانت موجودة قبل بدء الثورة السورية، أما المليشيات والفصائل الفلسطينية التي كانت في مخيمات الفلسطينيين منذ البداية، هي:
بالإضافة لهذه الفصائل، فهناك مشاركة من جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، والحزب الفلسطيني الديمقراطي - سرايا العودة والتحرير. أما المليشيات التي شكلها النظام السوري من الفلسطينيين في سورية، فهي:
ساهم مفهوم الحياد الذي تعيشه محافظة السويداء في تعزيز الحالة المليشياوية المحلية التي باتت مسيطرة على الحياة المدنية لعموم السكان المحليين. ولا تتبع حواجز المحافظة للنظام فقط؛ فإما أن تتبع لمليشيا "الدفاع الوطني" أو تؤلفها "اللجان الشعبية"، أو تتكون من عناصر مختلطة تضم ممثلين عن ميليشيا "حماة الديار"، والحزب "السوري القومي الاجتماعي"، و"كتائب البعث". وحسب مراقبين محليين، فإن الحواجز المختلطة تتقاسم منافذ تهريب المحروقات المطلّة على مناطق داعش في الحدود الشمالية الشرقية للمحافظة، أو على الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية. وتتسم تلك الحواجز بكونها مصدراً هاماً للنهب العام، وتحصيل الأتاوات من عمليات التهريب وتجارة المحروقات والطحين والسجائر في دهاليز السوق السوداء. كما تنشط في المحافظة مليشيا بغطاءٍ دينيّ تتبع لنزيه الجربوع وتتقاسم مع سواها من مليشيات مسلّحة مرتبطة بالنظام بحجّة حماية السكان، وتعددت منابت المنتسبين إلى هذه الجماعة: ففيها التجّار وأصحاب محطات الوقود، الذين يحتاجون إلى حماية مصالحهم.
تشكَّلت هيئات أمنية لامركزية في مناطق سيطرة فصائل المعارضة كبديل عن منظومة الضبط السلطوية التي كانت قائمة في فترة سيطرة النظام السوري. وفي حين تعرَّضت العديد من تلك الهيئات الأمنية للزوال، فإن بعضها الآخر ما يزال ينشط ويقدم خدماته الأمنية. وأول الجهات التي حاولت التصدي للمهددات الأمنية كانت المجالس المحلية إذ كان لزاماً على قياداتها أن تتعامل مع عدة ملفات إشكالية فرضها الواقع الجديد كالملف الأمني، خاصة مع بروز مظاهر الفوضى الأمنية. وكان من مهامها حفظ النظام العام وحماية الممتلكات العامة.
لقد تلاشت التجربة الأمنية الأولى للمجالس نتيجة ثلاث عوامل أساسية:
عموماً فضلت أغلبية المجالس ترك الشأن الأمني للهيئات المختصة مدفوعة بعدة أسباب منها:
وبما يلي استعراض لأهم الفاعلين الأمنيين في مناطق سيطرة المعارضة:([2])
شهد سلك الشرطة حالة انشقاقات مرتفعة مقارنة بتلك التي حدثت في المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، حيث يقدر عددهم بـــ 500 ضابط وآلاف العناصر. وفي حين آثر جزء من المنشقين الابتعاد عن المشهد الميداني، انخرط قسم منهم في إدارة الأمن في مناطق سيطرة فصائل المقاومة بالتعاون مع المدنيين لا سيما مع تزايد السخط الشعبي الناجم عن ارتفاع معدل السرقات والجرائم والتعدي على الأملاك العامة. ومن التجارب التي ظهرت مع نهاية 2011 وبداية 2012: الضابطة العدلية في حريتان وتل رفعت، ومكتب الأمن الثوري، والمخافر الثورية في معظم المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام.
انتقلت التجربة الشرطية إلى طور أكثر تنظيماً مع منتصف 2012، حيث ظهرت عدة تجارب ما تزال قائمة من أبرزها:
بالإضافة لتجارب قائمة تعمل تحت مسميات متنوعة كقوات حفظ النظام والمخافر الثورية والأمن العام واللجان الأمنية والضابطة العدلية، إلا أنها ما زالت تجارب محلية النطاق لم تتطور بعد إلى قطاعية أو مناطقية ذات هيكل مؤسسي واضح.
في غياب المحاكم التي تتبع للمؤسسة القضائية للنظام، ظهرت بدائل متباينة فيما بينها من حيث مرجعياتها القانونية وآليات التشكيل وطرائق العمل وطبيعة الاختصاص والتبعية، من أبرزها:
شكلت فصائل المعارضة العسكرية عند بداية انطلاقها "لجان أمنية" مصغرة كان من مهامها جمع المعلومات وتحليلها وتحديد قائمة الأهداف المراد التعامل معها. وتطورت التجربة لاحقاً وتم تأطيرها بمكاتب أمنية قائمة ضمن هيكلية الفصائل. يمكن تصنيف المكاتب الأمنية للفصائل إلى أربعة نماذج:
تغلب اللامركزية على إدارة الملف الأمني في مناطق سيطرة فصائل المعارضة المسلحة، وذلك نظراً لغياب جهة مرجعية مركزية تتولى إدارة هذا الملف. كما تفتقد هيئات الأمن اللامركزية للطابع المؤسساتي بحكم ما يلي:
كما تتنامى الفوضى الأمنية بحكم ضعف مأسستها ومحدودية قدراتها من جهة، إضافة إلى تزايد مستوى التهديدات التي تتعرض لها من قبل القوى المناوئة لها من جهة أخرى. وتعددت مؤشرات الفوضى الأمنية التي تعيشها هذه المناطق كارتفاع عدد الحوادث الأمنية كالاغتيالات والتفجيرات وارتفاع عدد الحوادث الأمنية الجنائية كالسرقات والسلب والنهب والجرائم المخلة بالآداب العامة، ووجود بعض حالات الاعتقال والتغييب القسري والتعذيب الجسدي إضافة لانتشار مافيات السلاح وتجار المخدرات وعصابات التهريب وبيع البضائع المسروقة. ويحسب لتلك التجارب دوراً هاماً في تخفيف السيولة الأمنية ومحاربة الإرهاب المتمثل في تنظيم الدولة لا سيما في حلب وريف دمشق والقلمون وسعيها الحثيث لمأسسة العمل وقوننته عبر تسيقها الدائم مع المجالس المحلية الأكثر تمثيلاً وشرعية بين الأجسام الأخرى.
تتشابه الوظيفة الأمنية للفواعل الموكلة بتنفيذ المهام الأمنية في مناطق الإدارة الذاتية مع تلك الوظيفة التي كانت سائدة في مناطق النظام قبل الثورة من حيث ضرورة الضبط المجتمعي بما يتناسب مع طبيعة الفكر السياسي للجهة الحاكمة وشرعنة الاعتقالات السياسية وعسكرة المجتمع وربط اتجاهاته بالبوصلة الأمنية للقوة المركزية. وتشهد البُنية الأمنية تضارباً في المؤسسات وازدواجية في المرجعيات ما بين النظام والـ PYD. ولعل الخطر الأكبر المهدد للأمن العام هو ارتباط الأذرع العسكرية والأمنية فكرياً بحزب العمال الكردستاني ذي التوجهات الانفصالية والعدائية لدول الجوار.
بعد اندلاع الثورة بدأ حزب الـPYD بتشكيل الخلايا المنظمة وخصوصاً ضمن صفوف ما يطلق عليها "حركة شبيبة الثورة" تحت قيادة خبات ديريكي/ قيادي سابق في حزب العمال والذي تعده العديد من الجهات المؤسس والقائد الأول لوحدات الحماية الشعبية. تكاثرت التنظيمات العسكرية والأمنية للحزب لاحقاً مع تطور الأحداث، منها[3]:
تعتمد على عامل التطوع للانضمام، وتقود العمليات العسكرية الكبيرة في الأرياف وداخل المدن الموضوعة كأهداف للسيطرة عليها. ويتشكل الإطار العام للتراتبية العسكرية من رئاسة القيادة العامة لوحدات حماية الشعب والمرأة، ومن ثمَّ المجلس العسكري لهذه الوحدات، والقادة الميدانيين من قادة الكتائب والسرايا والمناطق. واستندت الوحدات في مشروعيتها العسكرية لاحقاً على المادة 15 من "ميثاق العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية" الذي تمت المصادقة عليه في الجلسة رقم 1 بتاريخ 06/01/2014، وتنص على أن وحدات حماية الشعب هي المؤسسة الوطنية الوحيدة المسؤولة عن الدفاع وعن سلامة أراضي المقاطعات وسيادتها الإقليمية، وهي في خدمة مصالح الشعب، وحماية أهدافه وأمنه الوطني. ويُقدر عدد عناصر الوحدات الحماية من 20 إلى 30 ألف مقاتل.
أقرَّ العقد الاجتماعي المُعلن من قبل الإدارة الذاتية تشكيل هيئة الدفاع والحماية الذاتية في 21/كانون الثاني 2014. وأقر المجلس التشريعي قانون الدفاع الذاتي في 13/07/2014، ويتضمن هذا القانون وجوب قيام كل أسرة بتقديم أحد أفرادها ممن تتراوح أعمارهم بين 18-30 سنة من أجل أداء "واجب الدفاع الذاتي" الذي يستمر مدة 6 أشهر وتم رفعها إلى 9 أشهر في 1 كانون الثاني 2016. ومهمة هذه الهيئة هو العمل على وضع القوانين الناظمة لعملية التجنيد الإلزامي للعناصر. وتتم هذه العملية بشكل خاص من قبل الإدارة الذاتية على الكُرد في مناطق سيطرتها، بينما تقوم الأطراف المتحالفة معها بتنفيذ الأمر في مناطق سيطرتها وبشكل خاص قوات الصناديد التابعة لعشيرة الشمر.
تستقي مهامها وواجبتها من شروحات الإدارة الذاتية وتهدف لحماية مناطقها وأحيائها من أي هجمات قد تحدث في ظل الأحداث التي تمر بها المنطقة، كالقيام بنصب الحواجز على الطرقات العامة المؤدية إلى الأحياء، وجمع المعلومات عن أي فرد يشكّ بتحركاته في المنطقة، ومساندة وحدات حماية الشعب والمرأة في جبهات القتال، وتُنسيق مع كافة مراكز قوات الأسايش والقوى الأمنية العاملة على الأرض.
تتبع للهيئة العامة، وتعمل في مقاطعتي الجزيرة وكوباني برئاسة مشتركة بين القيادي جوان إبراهيم وايتان فرهاد. وخلال ما يقارب 4 سنوات من تشكيله، تطوَّر الأمن العام من الإشارة فقط لقوات الأسايش التي تقوم بكافة المهام الأمنية، لتظهر مؤسسات أمنية تقوم بأدوار مختلفة وتتألف وفق هيكلتيها الإدارية من: شرطة المرور (ترافيك)، وقوات مكافحة الإرهابHAT، أسايش المرأة، أمن الحواجز، جهاز الأمن العام، شعبة مكافحة الجريمة المنظمة. وامتلك جهاز الأمن العام مع نهاية عام 2016، 45 مركزاً منها 21 في مقاطعة الجزيرة، 5 في مقاطعة كوباني، 19 في مقاطعة عفرين، بالإضافة لأكثر من 195 حاجز ثابت في عموم روج آفا. وبلغ عدد الأفراد والعناصر المنضمين إلى كافة هذه المؤسسات بحدود 4 إلى 5 آلاف عنصر.
وهناك مجموعة من القوات الرديفة وأهمها كتيبة الحرية العالمية والمستشارون الغربيون. ويعود سبب تشكيلها نظراً لتوافد عناصر أجنبية بهدف الانضمام لوحدات الحماية الشعبية YPG بعد انتهاء معركة كوباني ضد "تنظيم الدولة". وتم الإعلان عن الكتيبة رسمياً في 10/06/2015، في مدينة رأس العين/ سريه كانيه بقوام 25 عنصراً، واستقطبت الوحدات عناصر أجنبية من مختلف الجنسيات كان أهمها من اليسار التركي وبشكل رئيسي من الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني MLKP في تركيا، وجيش العمال والقرويين لخلاص تركيا (والأخير كان الذراع العسكري لحزبMLKP، وتعود جذوره إلى عام 1973)، وأفراد من الحركات اليسارية في أوروبا الشرقية. وتشكلت عدة تنظيمات انضم لها العناصر الجدد القادمون إلى "روج آفا". وتنقسم الكتيبة إلى لواءين ضمن تشكيلاتها، لواء (بوب كرو BCB) وينسب الاسم لزعيم نقابي بريطاني، ولواء «هنري كرازوكي» نسبةً إلى قائد شيوعي فرنسي. أما قيادة الكتيبة فقد أُسندت لفتاة كردية في الثلاثين من عمرها، اتّخذت «دنيز» اسماً حركياً، ويتم تقدير أعدادها من 200-300 مقاتل.
ولا يقتصر التواجد الغربي في المناطق الكُردية على المقاتلين المتطوعين فقط فهناك عدد لا بأس به من المستشارين الذي قدموا بهدف تدريب قوات الحماية الشعبية YPG بدايةً وقوات قسد لاحقاً، ومنهم فرنسا والولايات المتحدة وعدد قليل من البريطانيين. ويُقارب تعدادهم 500 مستشار وموجه لعمليات طائرات التحالف الدولي في مواجهة "تنظيم الدولة". ويعد حزب الاتحاد الديمقراطي حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية التي تطورت علاقتهما لتواجد قواعد عسكرية يقارب عددها 5-6، في ريف مدينة رميلان النفطية، قرية المبروكة غرب القامشلي، والثالثة في قرية تل بيدر في الريف الشمالي لمدينة الحسكة، ومقر القاعدة الرابعة بالقرب من مدينة عين عيسى، والخامسة منشآت معمل إسمنت «لافارج» الفرنسي التي اتخذتها القوات الأميركيّة مقرّاً لها.
يدلنا التفكيك العام للبُنى الأمنية الناشئة على الجغرافية السورية على جملة من الثوابت التي ستؤثر على طبيعة المخرج النهائي للجهاز الأمني العام المستقبلي في سورية وهي:
يُقصد بها مجموعة الإجراءات والتدابير اللازمة كخطوات رئيسية لتمهيد الانتقال إلى بيئة أمنية أقل سيولة وأكثر انضباطاً عبر استراتيجية أمنية مركزية وفق الاقتراحات التالية:
وفي هذا السياق ينبغي التأكيد على:
هي تلك الوظائف التي تمنحها السلطة المركزية للقطاع الجغرافي على سبيل توزيع القوة الأمنية:
وهي تلك المتعلقة بالاختراقات الأمنية ومكافحة الإرهاب وجلب المعلومات الأمنية ورفدها للجهات المختصة، وحماية الاستقرار العام وضمان نفاذ القانون، وتُتَابع الأعمال الأمنية في باقي القطاعات عن طريق علاقة ينظمها القانون مع الوحدة المحلية.
([1]) معن طلَّاع، مراكز القوة الأمنية عند النظام، جزء من بحث غير منشور في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، كانون الثاني 2017.
([2]) أيمن الدسوقي، دراسة بعنوان: المجالس المحلية وملف الأمن المحلي: دورٌ مطلوب لملف إشكالي، دراسة صادرة عن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، تاريخ النشر، الرابط: https://goo.gl/K9RzKM
([3]) بدر ملا رشيد، البنية الأمنية في مناطق الإدارة الذاتية، ورقة غير منشورة من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، كانون ثاني 2017.
ترتبط قناعة الكثير من المجالس المحلية بمركزية دورها في مجتمعاتها إلى حد كبير بموقف الناس من المجالس المحلية والدور المركزي والفريد الذي تلعبه كون أن خياراتهم تجاه الاحتياجات التي تلبيها الإدارات المحلية أو مايوازيها من هيئات مدنية مرتبطة بالبنى العسكرية هي خيارات ضيقة ولا يمكن لمنظمات المجتمع المدني ولا الهيئات المجتمعية الأخرى أن تحل محلها، ولا يمكن حتى للبنى الإدارية التابعة للنظام أن تقوم مقامها. على الأقل فيما يميز هذه البنى من القدرة على تمثيل المجتمعات المحلية وما يحمله ذلك من توفير ديناميات مؤسسية وغير مؤسسية من خلال المجالس المحلية نفسها وما تتيحه من فضاءات للحوار والمساءلة أو من خلال الهيئات والمرجعيات المجتمعية التقليدية، تمكن هذه المجتمعات من ممارسة الدور الرقابي وتوجيه المجالس المحلية لتكون أكثر تشاركية وشفافية وتعبيراً عن متطلبات وآمال المجتمعات المحلية.
أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز عمران للدراسات الاستراتيجية مطلع العام الحالي على 105 مجلساً محلياً على امتداد المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وتنظيم الدولة والقوى الكردية، توجهاً متزايداً إلى اعتمادية المجالس المحلية كجهة مركزية في تقديم الخدمة وإدارة فعاليات المجتمع المحلي، حيث عبر 41 % من العينة عن اعتقادهم بأن للمجالس دور مركزي ضمن الحيز الإداري لعملها فيما ذهب 50 % بالمئة منهم إلى اعتبار مجالسهم الجهة الوحيدة التي تضطلع بالأدوار الإدارية والخدمية.
ورغم أن هذه النتيجة نابعة من نظرة المجالس المحلية لنفسها ودورها في مجتمعاتها إلا أنه لا يمكن فصل تلك النظرة عن انطباع الناس تجاه دور المجالس المحلية كون أن خياراتهم تجاه الاحتياجات التي تلبيها الإدارات المحلية أو ما يوازيها من هيئات مدنية مرتبطة بالبنى العسكرية هي خيارات ضيقة ولا يمكن لمنظمات المجتمع المدني ولا الهيئات المجتمعية الأخرى أن تحل محلها، ولا يمكن حتى للبنى الإدارية التابعة للنظام أن تقوم مقامها. على الأقل فيما يميز هذه البنى من القدرة على تمثيل المجتمعات المحلية وما يحمله ذلك من توفير ديناميات مؤسسية وغير مؤسسية من خلال المجالس المحلية نفسها وما تتيحه من فضاءات للحوار والمساءلة أو من خلال الهيئات والمرجعيات المجتمعية التقليدية، تمكن هذه المجتمعات من ممارسة الدور الرقابي وتوجيه المجالس المحلية لتكون أكثر تشاركية وشفافية وتعبيراً عن متطلبات وآمال المجتمعات المحلية.
يعبر مصطلح المجالس المحلية عن الإدارات المحلية سواء أكانت مجالس محافظات أو ما يتفرع عنها من مجالس فرعية أو لجان أحياء ولعل أبرز ما يعلل حيازة المجالس المحلية لهذه الاعتمادية من قبل مجتمعاتها المحلية، حاجة السكان الأصيلة لأدوار الدولة ضمن مستويات اللامركزية وذلك من حيث تقديمها للخدمات أو الرقابة على الجهات الموفرة لها من منظمات وجهات خاصة ضمن آليات الرقابة المجتمعية التي توفرها مؤسسة المجلس المحلي، إضافة إلى إدارة الموارد الذاتية المتوفرة ضمن المنطقة أو الموارد الخارجية، بما يعود بالنفع العام على أفراد المجتمع من خلال ضخ عائداتها وفق خطط المكتب التنفيذي للمجلس المصادق عليها من قبله وضمن موازناته المعلنة ، وهي مسؤوليات لاتزال المجالس المحلية بمجموعها عاجزة عن تحملها إذا ما أضفنا إليها أهمية لعب المجالس المحلية دوراً مفصلياً في عملية التنمية والتنمية المستدامة إذ تظهر الدراسة المشار إليها قصور واضح في قدرة المجالس المحلية على القيام بأدوار رئيسية في إقامة مشاريع تنموية واقتصار دورها في أغلب الأحيان على التنسيق مع الجهات الداعمة، فيما تحكم قدرة هذه المجالس على القيام بمسؤوليتها هذه عدة عوامل أبرزها حيازتها للسلطة التنفيذية المحلية وحيازة كوادرها على مستويات عالية من الكفاءة الإدارية والتأهيل المؤسسي وقدرة المجالس المحلية على إقناع الأطراف المحلية والدولية الأخرى بأهليتها الإدارية والخدمية، إضافة إلى دفع السكان المحليين لتثبيت مشروعية المجالس المحلية أمام المنظمات الغير الحكومية المحلية والدولية والجهات العسكرية، فيما يتنامى توجه العديد من القوى العسكرية من جهة أخرى إلى دعم مركزية دور المجالس المحلية بناء على تفاهمات وتوافقات مع المجالس المحلية أو رغبة من هذه القوى في التخفيف من الأعباء المدنية التي تحملتها في السابق ولم تنجح في تحقيق الرضى المجتمعي على أدائها بسبب قلة خبرتها وتهميشها في كثير من الأحيان لدور المجتمع المحلي في الرقابة والتوجيه وفي تحقيق ذاته ، إضافة إلى فشلها في تصميم مستندات قانونية ناظمة لعملها فضلاً عن إهمالها لتلك الناظمة للعمل الإداري والخدمي ضمن الإطار الوطني العام .
وعليه فإن أهم ما يترتب على قدرة المجالس المحلية على تحمل مسؤوليتها وتجاوز المطبات التي واجهت الهيئات التنفيذية الأخرى التي لم تحظى بالمشروعية الحقيقية ولا الشرعية اللازمة هي حيازة المجالس المحلية على:
ومن أجل الوصول إلى هذه السوية فإن المجالس المحلية مطالبة بالعمل وفق ست حزم أساسية:
تركز على إعادة رسم خارطة المستفيدين سلباً أو إيجاباً تجاه فعالية المجلس المحلي وتحديد اتجاهات هذه العلاقات وأولوياتها، ووضع آلية لاستثمارها بالشكل الأمثل.
لا يوجد اتساق حقيقي في معدلات استجابة المجالس المحلية لمتطلبات حيازتها للدور المركزي والفريد في المجتمعات المحلية وذلك بسبب تفاوت الظروف بشكل حاد بين مجلس محلي وآخر واختلافها بين مجلس فرعي وآخر ضمن مجلس المحافظة نفسه، نتيجة ظروف الحصار الذي تعيشه بعض المناطق وحالة الانفتاح على دول الجوار الذي ميز مناطق أخرى لم تخضع للحصار، وتبعاً لتردّد وعي وقناعات المجتمعات المحلية لمحورية دور المجالس المحلية بسبب وجود بعض المحسوبيات المحدودة و التي لا ترتقى لمستوى الظاهرة ووجود حالات من تنازع الصلاحيات بين المجالس والمنظمات والإدارات التنفيذية الأخرى إضافة إلى بعض المشكلات في تمثيل شرائح من السكان في المجلس المحلي، ما أوجد تباينا واضحاً في الموارد المادية والبشرية للمجالس، ومع ذلك فإن ثمة جهود تبذل من قبل المؤسسات والمنظمات ومراكز الدراسات الوطنية المهتمة بملف الحوكمة (من خلال الورش ومجموعات التركيز والدورات التي تتنوع مشاركة المجالس المحلية فيها ما يسمح بتبادل الخبرات ونقل التجارب بالإضافة للأوراق والدراسات التي تسهم في رفع السوية المعرفية لدى المجالس المحلية بصورة متجانسة) وذلك بهدف ردم الهوة الموجودة بين المجالس المحلية والمضي قدماً صوب تلبية استحقاقات الحكم الرشيد ضمن أطر من العمل المتناسق الذي تسعى الحكومة المؤقتة لتفعيله من خلال إعادة تشكيلها وتفعيل وزارتها وهيئاتها في بيئات متنوعة بتنوع الظروف التي تعيشها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
شارك مركز عمران للدراسات الاستراتيجية في ندوة بحثية عقدها مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي (سيتا)، بمدينة اسطنبول في يوم الخميس 20 تشرين الأول 2016، ناقش فيها الملف السوري، بمشاركة باحثين أتراك وسوريين.
تضمنت الندوة التي حملت عنوان "الفوضى في سورية إلى أين؟"، عرضاً للوضع الراهن في سورية، وناقشت التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة، لا سيما معركة "درع الفرات" وما عكسته من زيادة الدور التركي في سورية.
تحدث في الندوة كل من عضو الهيئة العليا للمفاوضات ورئيس الائتلاف السوري السابق، خالد خوجة، والمدير التنفيذي لمركز "عمران" للدراسات الاستراتيجية، الدكتور عمار القحف، بالإضافة إلى الدكتور أفق أولوتاش من مركز "سيتا"، والدكتور محي الدين أقامان من جامعة أنقرة.
مدير مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، الدكتور عمار قحف، لفت في ورقته إلى أن الأنظمة السياسية في البلدان التي شهدت احتجاجات ضد الأنظمة، سعت منذ البداية لترويج فكرة الفوضى وربطها بالثورات. وأشار إلى أن نظام بشار الأسد في سورية، وضع منذ بداية الثورة (2011) سردية للإرهاب وتعامل من خلالها مع حراك المحتجين، والربط فيما بينهم وبين الإرهاب. وأضاف أن الأسد عمل على خلق فوضى سياسية، واقتصادية، وأمنية، وبات ينظر للمشهد بأدوات أمنية، ما ساهم في زيادة دور أجهزة الأمن في سورية بالتعامل مع المحتجين.
بدوره أوضح الدكتور محي الدين أقامان أن "الفوضى الحاصلة في سورية" ساهمت في تحديد تركيا بشكل أكبر لخطوطها الحمراء في سورية، وتحديد ما الذي يمكن تحمله وما لا يمكن تحمله. ولفت إلى دور إيران وسياستها الطائفية الواضحة في سورية والعراق، كما تطرق في مداخلته إلى التنافس الروسي– الأمريكي في سورية، واصفاً موقف البيت الأبيض بـ "المتردد".
من جهته، أشار رئيس الائتلاف الوطني السوري السابق خالد خوجة، إلى جملة من الأسباب التي أوصلت الوضع في سورية لما هو عليه الآن، وركز بشكل أساسي على التراجع الأمريكي لصالح روسيا في سورية. وأكد أن الجيش الحر قد تم إضعافه مقابل تقوية جهات أخرى كـ ميليشيات "سورية الديمقراطية".
وعن عملية "درع الفرات"، رأى خوجة أن المعارك في الشمال السوري تغير التوازنات، منوهاً إلى أهمية مدينة الباب ومنبج وقال إن "هاتين المدينتين ستغيران قدر حلب". وتابع أن تركيا تعمل حالياً على "إعادة إنتاج الجيش السوري الحر وتقويته".
واتفق الباحث في مركز "سيتا" أفق أولوتاش مع بقية المشاركين بالندوة، على أن "درع الفرات" تشير في مجملها إلى زيادة الفاعلية التركية في سورية، معتبراً أن أنقرة تدفع ثمن استقلال سياساتها.
استضافت قناة الرافدين الفضائية في برنامجها حديث العرب معن طلاع/ باحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية للحديث عن الاستراتيجية الايرانية تجاه ملفات المنطقة بشكل عام وحول تموضعها في الملف السوري لا سيما بعد التدخل الروسي المباشر بشكل خاص، كما فكك اللقاء خطاب طهران الاعلامي الذي يدعي النصر وتبيان مدى اتساق هذا الخطاب مع الواقع السياسي والعسكري في سورية، كما ركز اللقاء على طبيعة العلاقة الايرانية الروسية في الملف السوري وتبيان فيما إذا كانت تنافسية أم تكاملية.
تستعرض هذه الورقة سياق الأحداث التي أفضت لإعلان الإدارة الذاتية عن عقدٍ اجتماعيٍ "يشرعن" نظاماً فدرالياً في الشمال السوري من طرف واحد، وتوضح كمّ الإشكاليات المتعلقة بمشروعيته التي لم تبنِ أية توافقات وطنية سورية أو حتى كُردية بينية، هذه الخطوة التي رأتها المعارضة خطوة متقدمة للتقسيم، واعتبرها العديد من الفعاليات المحلية مخرجاً يتضمن تناقضات بنيوية، وقفزٌ فوق التطور الفكري البشري عندما اتكئ على مفاهيم "الإلهة الأم" وتصديرٌ لتجارب غير ناجحة كالكومونات.
تناقش هذه الورقة ما أسمته الإدارة الذاتية في الشمال السوري " العقد الاجتماعي للفيدرالية الديمقراطية لروج آفا – شمال سوريا" المعلن عن استكماله في 2/6/2016 والذي ستحكم به المناطق الخاضعة لسيطرتها. جاء إعلان تشكيل مجلس تأسيسي لفدرالية الشمال بناءً على سلسلة من الاجتماعات المتطورة عن اجتماع رميلان 10/12/2015 والذي كان نتيجته تشكيل "مجلس سوريا الديمقراطي" بهدف خلق تيارٍ ثالث في سورية لا إلى صف النظام ولا إلى صف المعارضة المتمثلة بالائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة. وتطور مشروع المجلس هذا ليخرج عن ذاك الهدف متجهاً نحو إعلان فدرالية في شمال سورية من طرفٍ واحد.
انطلاقاً من الإشكاليات المتأتية من طرح هذا الدستور الذي لم يكسب اعتراف أي طرف من أطراف "الصراع"، أو من التحالف الدولي الذي ينسق مع "قوات سوريا الديمقراطية" ضد "تنظيم الدولة الإسلامية"، أو كرٌدياً إذ لم يلقَ إعلان الفدرالية صدى إيجابياً عاماً في الأوساط الكردية، ستعمل هذه الورقة على تقييم هذه الخطوة وما تتضمنه من أبعاد سياسية، مبينة في ذات الوقت الجهودات الأخرى التي تبحث عن رؤية ما يجب أن يكون الوضع الكُردي عليه ضمن دستور سورية.
تضمن نص الدستور مصطلحين، تجد الورقة من الضروري تقديم تعريف وشرح لها وهي:
روج آفا: هي كلمة كوردية وتعني الغرب، وفي الأدبيات الكُردية تعني غرب كوردستان أي روج آفايي كوردستان. ويختلف كُردياً في إطلاق الاسم على المناطق ذو الغالبية الكُردية في سورية بناءً على الاختلافات السياسية البينية، فمن الكٌرد من يفضل عبارة "كوردستان سوريا" سيراً على النموذج العراقي، ومنهم يرفض تجزئة الجغرافية الكُردية وإضافتها لدولة أخرى، بينما شعبياً يتم أغلب الأحيان تجاوز حدود الدول القائمة: سورية، العراق، تركيا وإيران ويتداولها الكُرد بناءً على الاتجاهات المعبرة عن أجزاء كوردستان الأربعة التي يطالبون بها.
الكومونة: يُعرف العقد الاجتماعي لدستور "فدرالية شمال سوريا" الكومونة على أنها "شكل التنظيم القاعدي الأساسي للديمقراطية المباشرة، وجهاز صنع القرار والإدارة ضمن مجالها الإداري والتنظيمي". وتعمل الكومونة كمجلس قائم بذاته في كافة مراحل صنع القرار وتقابل "مجالس الأحياء" المتعارف عليها في سورية. أما في معجم المعاني العربي فتعني "تشكيل مصغر اجتماعي اقتصادي" ([1]). وتشكلت أول كومونة في باريس بعد انتخاب 90 ممثل لها في الثامن عشر من آذار عام 1871 وسقط آخر مقاتليها في 28 أيار نتيجة المعارك ضد الإمبراطور الفرنسي شارل لويس بونابرت (نابليون الثالث) ([2]).
استناداً على نداء وجهته حركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM لأطراف سوريّة "لأجل بناء تحالف ديمقراطي في عموم سورية" في شهر آب/ 2015، عقدت الإدارة الذاتية اجتماعاً في مدينة ديريك/ المالكية بمحافظة الحسكة بتاريخ 09-10/12/2015 ([3]). بحضور أطراف مقربة من حزب الاتحاد الديمقراطي PYD كتيار قمح وأطراف عربية وتركمانية وآشورية. وقد تزامن انعقاد هذا المؤتمر مع سير مؤتمر المعارضة في مدينة الرياض بهدف تشكيل وفد تفاوضي، والتي لم يتم دعوة ممثلين للإدارة الذاتية إليه، مما دفع بتفسير خطوة عقد مؤتمر ديريك بأنها محاولةُ ضغطٍ لقبول الإدارة الذاتية طرفاً في المفاوضات وعلى أقل تقدير إحداث نوع من الضوضاء يؤدي بالأخير للتفاوض معها حول ذات الموضوع ([4]).
تم تشكيل مجلس سوريا الديمقراطية بتاريخ 12/12/2015 بعضوية 42 شخصاً ممن حضروا مؤتمر ديريك وبرئاسة مشتركة مؤلفة من هيثم مناع من تيار قمح (قيم – مواطنة – حقوق) وإلهام أحمد عضوة الهيئة التنفيذية في TEV-DEM (مظلة تضم كافة الأطراف المنتمية لتنظيم PYD أو التي قام الحزب بخلقها منذ تشكله عام 2003 ([5]). وتلى الإعلان عن المجلس بفترة قاربت الشهر تجميد حزب ال PYD عضويته في هيئة التنسيق الوطنية بتاريخ 08/01/2016 ([6])، وبتاريخ 10/01/ 2016 عقد هيثم مناع مع إلهام أحمد الرئيسان المشتركان لمجلس سوريا الديمقراطية اجتماعاً بمدينة جنيف ضمن محاولات المجلس الدخول لمفاوضات جنيف كطرف ثالث الأمر الذي لم يتم حتى ساعة إعداد هذا البحث ([7]).
بعد قرابة الشهرين وبتاريخ 12/03/2016 تم إرسال دعوة من المنسقية العامة للمقاطعات الثلاث (كوباني/عين العرب-عفرين - الجزيرة) والتي على أثرها عُقد اجتماع في مدينة رميلان بتاريخ 16/03/2016 تحت شعار "سوريا الاتحادية الديمقراطية ضمان للعيش المشترك وأخوة الشعوب". وانطلقت أعمال الاجتماع التأسيسي لنظام الإدارة في روج آفا وشمال سورية، على مدار يومين انتهى بمناقشة مسودة النظام الاتحادي في اليوم الأول وإقرارها في اليوم الثاني، وتم انتخاب رئاسة مشتركة للمجلس وهما: هدية يوسف الحاكمة المشتركة للمقاطعة ومنصور السلوم الرئيس المشترك للإدارة الذاتية في مدينة تل أبيض، إلى جانب انتخاب هيئة مؤلفة من 31 عضواً وعضوة من المجلس. ومهمة هذه الهيئة هي العمل على تطبيق ما ورد في وثيقة النظام الاتحادي الديمقراطي بيث نهرين-شمال سورية ([8])، على أرض الواقع خلال مدة أقصاها 6 أشهر ([9]).
وعلى إثر هذه القرارات أعلن الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطي هيثم مناع في 17/03/2016 رفضه للبيان المعلن من المجلس وبرر ذلك بجملة أسباب. يرتبط أولها بعدم فرض وجهة نظر مكون من المجلس على بقية الأطراف ووجوب "الابتعاد عن المناطقية" ([10])، ويتعلق الثاني بالتعارض بين طرح الفدرالية مع الضرورة الأكيدة لبناء "دولة ديمقراطية برلمانية تعتمد اللامركزية الديمقراطية في الإدارة "، منوهاً لضرورة عدم الانجرار وراء تصريحات دولٍ مبنيةٍ على خلافاتها مع دول إقليمية أخرى. وربط رئيس تيار قمح هيثم المناع عودته بسحب بيان إعلان الفدرالية والذي لم يتم لذا أعلن انسحابه من مجلس سوريا الديمقراطي في 05/04/2016 ([11]). وتُدلل تلك المعطيات على أن المشكلين للمجلس أزاحوا غاياته من توحيد رؤى المعارضة وتشكيل جسم يمثل مخرجات مؤتمر القاهرة والدخول للمفاوضات، إلى فرض أمر واقع بإنشاء إقليم فدرالي من طرف واحد دون أي توافق وطني أو حتى إقليمي/ دولي ([12]). وبالعموم خلص اجتماع مدينة رميلان في 16/17 آذار 2016 لمجموعة قرارات بشأن إعلان النظام الفدرالي كالآتي ([13]):
وبناءً على قرارات هذا الاجتماع، عقد اجتماع بتاريخ 27-28/06/2016 بمدينة ديريك/ المالكية وتم التصديق على العقد الاجتماعي للنظام الفدرالي، وتم الإعلان عنه ببيان. وترافق الإعلان بجملة مواقف سياسية توضح رؤية وموقف الإدارة الذاتية السياسية، إذ أكد على أهمية تحالف قوات سوريا الديمقراطية مع قوات التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة"، واتهم تركيا بالامتناع عن محاربة التنظيم وبالتعاون معه، وانتقد أي تقارب تركي إيراني بهدف محاربة الفدرالية المعلنة. كما ضم لـ "حلقة المتربصين بالفيدرالية شراً كلاً من النظام السوري والحزب الديمقراطي الكُردستاني العراقي. إضافة إلى أنه أرجع سبب انسداد الأفق أمام الحل السياسي للملف السوري لعدم توصل واشنطن وموسكو لصيغة حل نهائية ([14]).
أتى هذا العقد نتيجة تضافر مجموعة من الفعاليات التي حرص حزب الاتحاد الديمقراطي البناء عليها، ليبدو هذا العقد كـ “مخرج موضوعي" للتفاعلات التي شهدتها بنية الإدارة الذاتية. ويكمن وراء هذه الخطوة مجموعة من المؤشرات السياسية التي يرمي حزب الاتحاد من خلفها تحقيق مكاسب على الصعيد المحلي والخارجي تشرعن ما يسمى "بحكومة الأمر الواقع" من جهة، وتهندس تموضع سياسي جديد كطرف ثالث في العملية التفاوضية.
تُحاول الإدارة الذاتية التعامل مع قضية العقد الاجتماعي كسلطة شرعية قائمة. وفي هذا الصدد ينبغي التنويه إلى أن مقاربات الشرعية تلك لا تزال محط أخذ ورد على حد سواء محلياً، وحتى إن كانت تتعامل وفق مفهوم حكومة الأمر الواقع، وذلك لأمرين هامين:
أولاً: يحوم الغموض حول هذا المفهوم ضمن القانون الدولي، فمع غياب نص صريح وواضح لهذه السلطات التي تتشكل نتيجة حروب داخلية أو ثورات، تقوم الدول ذات السيادة عادةً باتخاذ إجراءات ازدواجية في التعامل، فمن الممكن أن تقوم دولة ما بالإبقاء على جزء من علاقاتها مع الحكومة المركزية لدولة، وتقوم بذات الوقت بالتعامل مع إدارة نشأت في منطقة معينة ضمن هذه الدولة المركزية.
ثانياً: هناك خلاف بخصوص الإدارة الذاتية المشكلة من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD حول إمكانية إطلاق هذه التسمية عليها، فمن الخبراء من يمنحها هذه الصفة بناءً على وجود حربٍ داخلية في سورية. ويشترط أصحاب هذه النظرة قيام حكومة الأمر الواقع بمهام تشبه مهام الدولة ووفق مبدأي حظر العنف وعدم التدخل بشؤون غيرها من الدول وبالمقابل تحصل على الاحترام وفق هذين المبدأين. وحسب هذا الرأي فإن من أهم خصائص حكومة الأمر الواقع هو الاستقرار والفعالية ([15]). ويرى البعض الآخر أنه لا يمكن إسقاط تسمية حكومة الأمر الواقع على السلطة التي شكلها حزب الـPYD في شمال سورية لغياب خصائص هامة ومنها ([16]):
بالمقابل، يواجه هذا الدستور أسئلة وتحديات المشروعية سواء تلك المتعلقة بمستوى التمثيل السياسي لأهم الفعاليات والمكونات في مناطق الشمال السوري، أو تلك المرتبطة بغياب معايير القبول الشعبي، ناهيك عن عدم قبول الحكومة المركزية السورية أو أية حكومة أخرى لهذا العقد.
وإذا ما تجاوزنا الإشكالية الكبرى لهذا الدستور ([17]) والمتمثلة بفرضه من طرف واحد ودون تنسيق وحوار مع المركز وباقي الأطراف، فهو يضم جملة من الأمور الإشكالية الأخرى نذكر أهمها:
أولاً: ضبابية حدود الفدرالية المعلنة: لم يتطرق العقد الاجتماعي لحدود فدرالية شمال سورية حيث ورد في ديباجته "ومؤسسة على مفهوم جغرافي ولا مركزية سياسية وإدارية ضمن سورية الموحدة"، الأمر الذي يجعل من آلية تنفيذ اعتماد المفهوم الجغرافي والإداري في تشكيل الإقليم آلية صعبة وقابلة للتوظيف والتفسير متعدد الأوجه. كما يطرح ذلك جملة من التساؤلات، فهل سيكون بناءً على تقسيمات إدارية جديدة؟ فالتقسيمات الإدارية الحالية لمحافظات الشمال تُظهر بقاء أجزاءٍ من المحافظات مع مراكزها في حين تم ضم الجزء المسيطر عليه عسكرياً لمناطق "الفدرالية"، ومصطلح الشمال السوري يمتد لمناطق يصل عمقها لأكثر من 50 كم وتضم جزءاً من محافظات إدلب و اللاذقية"، وهذا يجعل حدود هذا الإقليم متسماً بالضبابية ويفتح المجال أمام التنبؤات حول إمكانية تمدد هذا الكيان في سياق الوضع السوري الراهن ليضم مدناً كالرقة، الأمر الذي لا يتم قبوله حتى كُردياً بينياً، فهو أمر من شأنه أن يجعل النسبة الكُردية ضعيفة جداً في أي صيغة فدرالية إن تشكلت في سورية. ومقارنةً بإقليم كوردستان العراق فقد قام الأخير بتبيان حدود الإقليم منذ ساعة إعداد الدستور العراقي بالتفصيل من محافظات وأقضية وتطرق لضرورة حل مشكلة المناطق المتنازع عليها وفق المادة 140 من الدستور العراقي ([18]).
ثانياً: الخلط المفاهيمي بين اللامركزية السياسية والكونفدرالية: يعتري مفهوم اللامركزية السياسية وفقاً للعقد الجديد مجموعة من المعالم غير الواضحة ويلاحظ من قراءته بشكل كامل وجود خلط غير متوازن بين حقوق الكيانات ذات البنية الكونفدرالية والتي هي في حقيقة الأمر اتحاد دول، وبين الفدرالية وهي مصطلح فضفاض لا يمكن حصره بنموذج معين. وتقوم الدول والأقاليم عادةً بالمساومة على حقوق وواجبات كل طرف فالمركز يحاول دوماً ان يحافظ على السلطات في يد العاصمة بينما تحاول الأقاليم قدر الإمكان الحصول على امتيازات واسعة بناءً على أدوات قوة يتملكها الإقليم، وهي تنحصر لدى الإدارة الذاتية بوجود قوة عسكرية قوية ومنضبطة تنظيمياً جعلت منها مرتكزاً للتحالف الدولي في محاربة تنظيم "(الدولة الإسلامية"). ووفق التجارب التي حدثت للنموذج الكُردي في كوردستان العراق والذي يعتبر من أوسع أشكال الفدرالية يظهر إمكانية تخلي الولايات المتحدة عن حليفها المنتقص لاعتراف دستوري من المركز كما حدث بعد حرب الخليج الأولى عام 1991.
ومنحت الإدارة الذاتية عبر دستورها الجديد نفسها صلاحيات الحكومة المركزية وليس "كحكومة طرف" إذ أنها تمنح حقوقاً لا يمكن لطرف أن يمنحه للمواطن وإن كانت ضمن حدود حكومة هذه الإدارة، إذ يؤكد العقد الاجتماعي في المادة 22 على أن لكافة الشعوب والمكونات والمجموعات الحق في تقرير مصيرها بالإضافة لحق "المقاومة المشروع"، وهو أمر ينبغي أن يحتويه دستور الدولة المركزي. وكذلك يلحظ في المادة 46 المتعلقة بحق طلب اللجوء السياسي والإنساني في الإقليم والتعهد بعدم إعادته لبلده، فبالمقارنة مع الوضع العراقي نجد غياب مادة عن اللجوء السياسي والإنساني في دستور الإقليم لكن نجدها في المادة 21 من الدستور العراقي الذي ينطبق على الإقليم أيضاً.
كما أن هناك بعض المواد التي تدل على أنه دستور دولة مستقلة وفيها أقاليم، إذ تصرح وثيقة العقد الاجتماعي في المادة 66 أن "بإمكان كل إقليم تطوير وتكريس العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع الشعوب والبلدان المجاورة، بشرط عدم تناقضها مع العقد الاجتماعي لفيدرالية روج آفا – شمال سوريا وفيدرالية سوريا الديمقراطية (المستقبلية ومركزها في العاصمة دمشق) ([19])"، الأمر الذي يمكن عدّه تناقضاً واضحاَ في تعريف الإدارة الذاتية لذاتها. ومن التناقضات إيراد وظيفة "تكريس العلاقات الدبلوماسية" إشارة إلى حق فتح ممثليات دون أن يتم إرفاق شرح أو تفسير لها، فلم يتم ذكر كيفية فتح هذه الممثليات ولم يتم العثور على حالات مماثلة لأنظمة سياسية تمنح حق فتح ممثليات دبلوماسية خاصة بأقاليم ومنفصلة عن عاصمة الدولة المركزية أو بالرغم من إرادته، ولا يمكن معرفة من أين وعلى أي أساس حددت شكل وتسمية الدولة السورية مستقبلاً. وبالمقابل نجد وهذه العلاقة بين المركز وحكومة الإقليم مدونة بوضوح في دستور إقليم كوردستان العراق ([20]).
ثالثاً "الإلهة الأم" كمصدر تشريعي: تستمر ديباجة العقد بطرح مبادئ غير واضحة ومفتقدة للتفسيرات مع ذكر (الإلهة الأم) كمصدر من مصادر التشريع، إذ برر سيهانوك ديبو مستشار الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD مفهوم "الإلهة الأم" على أنه إسناد إلى (العصر الحجري الحديث/النيولويتي) وأن العقد الاجتماعي له جذور تاريخية تقدر بــ 400 سنة قبل الميلاد. وقسَّم ديبو المنتقدين للعقد الاجتماعي إلى ثلاثة أقسام: الناقد موضوعياً والمرحب به، والمشكك، والحاقد بدافع من الأعداء ([21]).
وتُعد "الإلهة الأم مجرد ميثولوجيا وأساطير لم يتقبلها الناس ولم تبلغ في ضمير الشعب الكردي نفسه مكان الأسطورة التاريخية، وإقحام هذا المعنى الرمزي في مرجعية حقوقية وقانونية ودستورية لن يخدم المقصد في شيء، وسيُكرس تلقائياً اصطفافاً دينياً وطائفياً وقومياً في هذه المنطقة المتخمة بالجراح الطائفية والعرقية!" بالإضافة إلى أن اعتماد نهج الإدارة الذاتية عموماً على تعزيز دور المرأة في المجتمع قد وصل لدرجة تأنيث "الإلهة" ووضعها ضمن مصادر التشريع. وهذا يتنافى مع الثقافة الإسلامية الوسطية للكٌرد عبر تاريخهم منذ اعتناق للإسلام ([22]).
يضاف إلى ما ذُكر، غلب على مسودة العقد الاجتماعي خلطٌ بين الفدرالية والكونفدرالية من الناحية السياسية، ونرى خلطاً أيضاً بين المفاهيم الوثنية والتوحيدية. وفي نفس الوقت الذي تذكر مسودة العقد "الإلهة الأم" تبدأ بعبارة "أقسم بالله العظيم" فكيف يمكن لعقيدتين متناقضين التواجد في ذات الشخصية المتماسكة فكرياً وعقائدياً بإحداها.
خامساً: الشمولية عن طريق البيروقراطية، تُبين المواد (54 وحتى 84) هيكلية مؤسسات الحكم في "فدرالية شمال سوريا" والتي تبدأ من أصغر وحدة (الكومونة) إلى الهيئات العامة والمجالس التنفيذية للأقاليم ضمن الفدرالية، والمجلس التنفيذي للفدرالية. وتوضح المواد كيفية تشكيل المجالس والهيئات العامة التي يبلغ عددها 17 مؤسسة عامة بما فيها مؤسسة الإعلام ومفوضية الانتخابات وهيئة الدفاع، كأجساد مستقلة عن بقية الهيئات التنفيذية الأخرى. وتتبع الهيئة التنفيذية للإقليم 15هيئة تنفيذية، وللمجلس التنفيذي للفدرالية 18 هيئة عامة، فيكون محصلتها 33 هيئة تنفيذية دون التطرق لهيئات بقية مجالس الأحياء. وبالنظر إلى تصريح العقد على وجوب عضوية كل مواطن في كومونة واحدة على أقل تقدير -ورغم توضيح العقد في كثيرٍ من بنوده على مبادئ الحرية والديمقراطية-إلا إنه أوجد الأرضية المناسبة لخلق نوع من الدكتاتورية والبيروقراطية المعوقة في حقيقة الأمر للحرية. وبتحليل تسلسل مواد العقد من ناحية الهيكلية الإدارية نرى بأن الكومونة هي أساس المؤسسات وصولاً للمجلس التنفيذي للفدرالية، وهو أمر يُعارض مبدأه الموضح في ديباجته بوقوفه ضد النظام الشمولي الاستبدادي والمركزي، لكن في حقيقة الأمر يُقوي العقد الاجتماعي بهذا البند مركزيةً لم تكن متحققة حتى في أوج قوة النظام السوري. ويتضح بذلك أن المقصود التأسيس لفكرة دمج كافة عناصر المجتمع بمنظومة الحكم الحالية.
يؤكد فرزند شيركو (الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) على أن رغبة المشرفين على فدرالية الشمال – وفقاً لما ورد في البيان التأسيسي للنظام الفدرالي- بالسيطرة على الشمال السوري بالكامل بذكر مناطق منبج وجرابلس، ويُضيف إمكانية ضم مدينة الرقة لهذا الإقليم. ويشير إلى الفصل الواضح والمقصود بين كوردستان وسورية في البيان بهدف إظهار أن الجهود نحو تشكيل دولة سورية فدرالية هي بمبادرة كردية وليست من المركز. ومن جهة ثانية يُبين شيركو أنه على الرغم من التوجه الماركسي العميق الذي احتواه البيان، إلا أنه حاول تجنب إظهار الأيديولوجيات اليسارية، وذلك من خلال تبنيه لمبادئ الثقافة الدينية للمجتمع"، ونشهد هذا الأمر أيضاً في العقد الاجتماعي الذي أُعلن في 2 حزيران 2016. أما من جهة ثالثة فيؤكد شيركو فيما يخص الحدود الإدارية وبالمقارنة مع ما حدث في العراق فإنه يتناقض مع النموذج الكردستاني العراقي الذي يستند إلى الجغرافيا والتاريخ، بدلاً من الحدود الإدارية البحتة" ([23]).
كما ذهب المركز المصري للدراسات الكردية عبر ندوة ناقشت العقد الاجتماعي وفق أبعاد سياسية أكثر منها قانونية "إلى الاعتقاد بأنه "إنشاء وطن مستقل باﻷكراد بشمال سورية" ([24])، إلا أن هذا العقد لم يرد ضمنه أية بنود تُصرح بالاستقلال أو الانفصال، وهذا ما عرَّضه للانتقاد من قبل بعض الكرد لعدم تناول العقد لحق تقرير المصير للشعب الكُردي بشكل صريح وواضح. وتناول السياسي الكُردي صلاح بدر الدين هذه القضية، متسائلاً عن أصل الشرعية التي استمد منها المجتمعون والمقررون باسم الشعب الكُردي في سورية دستوراً ليتم حكم الشعب به، في وقت قارب عدد المهاجرين لـ 65% وبشكل خاص من الفئات الشبابية التي انخرطت في النضال في المناطق الكُردية. كما انتقد بدر الدين تشويه الإدارة الذاتية لمبادئ نظرية العقد الاجتماعي الذي أفرزته الثورة الفرنسية ويصف عملية إقرار العقد الاجتماعي بأمر يشكل العار على كل التراث الثوري الإنساني ([25]).
كما وصف بعض قيادات الائتلاف الوطني هذه الخطوة بأنها مرحلة متقدمة من عملية تفتيت سورية بالتوازي مع العراق وبإشراف أمريكي وأن نجاح هذه الخطوة يعني انهيار الحزام الأمني للمنطقة ومن المحتمل أن تؤدي لمواجهة دول أخرى في المنطقة المصير نفسه مع اتخاذها موقف المتفرج حالياً ([26]).
وأشار رئيس المجلس الوطني الكُردي إبراهيم برو إلى أن افتقار هذا العقد للوضوح فيما يخص الحقوق الكُردية منوهاً إلى أن دستور الإدارة الذاتية يرى في وجود إقليم قومي كردي أمراً خطيراً على المنطقة، في إشارة لتصريحات سابقة لمسؤولين في الإدارة الذاتية أعلنوا رفضهم تشكيل دولة قومية كُردية، إضافة لتثبيت هذا الموقف في العقد الاجتماعي وذلك بتحميل الدولة القومية أساس الفشل والمآسي في المنطقة ([27]).
ومن جهتها ردت الرئيس المشتركة لفدرالية روج آفا-شمال سورية هدية يوسف على الاتهامات الموجهة لهم بالعمل على تقسيم سورية قائلةً "إنَّ النظام الفيدرالي المذكور بالوثيقة لا يعنى تقسيماً ولا انفصالاً لشمال سورية، وإننا نقبل بأن نعيش في دولة تحافظ على الشعوب الموجودة بها". وترى يوسف بأن الفدرالية هي الحل الوحيد للقضية السورية معلنةً بأنه لو كانت لهم رغبة بالانفصال لصرحوا بها، وأشارت بأن الدفاع والسياسة الخارجية سيتم إدارتها من قبل المركز ([28]). ولم توضح ما إن كان النظام قد اعترف فعلاً بقواتهم كقوات حماية للفدرالية المعلنة بالرغم من أن طريقة انسحاب النظام من المناطق التي تقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية الآن كانت من طرف واحد دون أن يكون هناك دفعٌ عسكري من أي طرف. ولايزال النظام يحكم المناطق التي يريد حكمها في مدينتي القامشلي والحسكة إما بتواجده العضوي أو عن طريق قوات الدفاع الوطنية، بينما تقوم مؤسسات الإدارة الذاتية بعملية الإبقاء على إدارات الدولة عاملةً ضمن تسلسلها الإداري على ما كانت عليه سابقاً. ولا تملك حتى الآن المؤسسة التابعة للإدارة الذاتية أي قيمة على الأوراق الرسمية للدولة السورية ويقتصر سريان مفعولها فقط ضمن مناطق سيطرتها، فأي مطلوب لخدمة العلم لدى النظام ولو كان حاصلاً على تأجيل من الإدارة الذاتية لا يملك صلاحية الدخول للمناطق التي يسيطر عليها النظام وسيكون معرضاً لخطر السوق للجبهات.
وبالتوازي مع إعلان الإدارة الذاتية، عقد وفدٌ من المجلس الوطني الكُردي ورشة في جنيف (بمشاركة قيادات من المجلس بينهم رئيس المجلس إبراهيم برو، وبمساعدةٍ من وزارة الخارجية الألمانية ومجموعة من خبراء دوليين مختصين مع منظمة نداء جنيف) ([29]). وتناولت الورشة المسائل القانونية والسياسية في أوقات الحرب والنزاعات وتم فيها مناقشة رؤية المجلس الوطني الكُردي لمستقبل سورية وبنائها وفق نظامٍ ديمقراطيٍ اتحادي، وتم تباحث مبادئ دستورية حول ذلك والشكل المناسب لتطبيقها في "كوردستان سوريا". وحسب الوفد المشارك سيتم تقديم ما توصل إليه المجتمعون كمشروع إلى مكتب الشؤون القانونية للمجلس لدراسته وتقديمه للمجلس الوطني الكُردي ([30]). وفي حين أن التصريحات دارت حول تشكيل دستور إلا إن اللجنة المشاركة في الوفد أكدت أنها ورشة قانونية تنحصر مهمتها في طرح تصور المجلس للحل في سورية. وتضارب هذا التوضيح مع مداخلات لشخصيات سياسية من ضمن المجلس تُفيد بأن الورشة خلصت لوضع مسودة دستور يحوي 132 مادة. ويُعتبر المجلس الوطني الكُردي أكثر وضوحاً من ناحية تصوره فيما يخص الوضع الكُردي في سورية، حيث يركز على وجوب إقامة فدرالية ديمغرافية للكُرد كما في الوثيقة التي وقعها مع الائتلاف ([31]). أما بخصوص المناطق التي لا يشكل الكٌرد فيها أغلبية، فيهدف المجلس لوضع صيغة تفاهم تعطي المكونات المتواجدة في هذه المناطق حق الإدارة الذاتية ضمن الفدرالية المراد تحقيقها، ولتشمل كامل الشريط الحدودي الشمالي من المالكية/ ديريك شرقاً وحتى عفرين غرباً. ويُطالب المجلس أيضاً بوضع بند حق تقرير المصير للكُرد في سورية ضمن أي دستور سوري جديد.
وبمبادرة من الهيئة السياسية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أقيمت ورشة حوارية حول "الملف الكُردي والفيدرالية"، تم فيها بحث مشاركة الكُرد في الحياة السياسية منذ نشوء الدول السورية، وفي عهد المد القومي العروبي، بالإضافة إلى شكل الدولة منذ الاستقلال وحتى 1963، والتحديثات التي واجهتها الثورة في الأماكن ذات الغالبية الكُردية، وماهية المشاركة التي قدمها الكُرد خلال الثورة. كما ركزت الورشة على الرؤية الكُردية والعربية والتكنوقراط للدولة السورية بعد الثورة مناقشة أشكال عدة (البرلماني، الرئاسي، وأفكار أخرى) وعدة أنظمة إدارية (المركزية، الفيدرالية، اللامركزية السياسية والإدارية). وطرحت الورشة مجموعة من المخرجات التي لخصت الأفكار السابقة ووجهات النظر المتطابقة: كاسم الدولة المتوافق عليه في الورشة "الجمهورية السورية"، وجعل اللغة الكُردية لغة رسمية في المناطق ذات الغالبية الكُردية. أما بخصوص النقاط الخلافية فتمحورت بشكل رئيسي حول اللامركزية حيث تم الاتفاق على مبدأ اللامركزية ولكن اختُلف بين شكلَي السياسية والإدارية.
انطلق تصور المؤسسات التي أعلنت عن فيدرالية الشمال (التي شكلها حزب الاتحاد الديمقراطي) من معطيات الواقع السياسي والعسكري الراهن والذي يمكن تغيره أو انتقاله إلى مستويات نوعية جديدة. كما عززت تلك المؤسسات صيغة إنكار وجود الآخر، وأغلقت الأبواب أمام الفعاليات والتنظيمات المخالفة لفكرها في إدارة المنطقة.
إن تلك المؤسسات التي فرضت عقداً اجتماعياً يُشكَّكُ بمشروعيته، لاتزال تعتمد على الدولة السورية في توفير النسبة الأعظم من رواتب الإداريين، وتتكئ على مبدأ التلاقي في المصالح مع النظام في معالجاتها الأمنية والعسكرية. ويوضح هذا التلاقي درجة استغلال الاتحاد الديمقراطي للظروف والمعطيات بهدف تكريس ما يعرف بـ "حكومة الأمر الواقع" لتتحكم في كافة التفاصيل الإدارية والاقتصادية والسياسية للمكونات المجتمعية داخل "الإقليم". ويقفز العقد فوق التطور الفكري البشري باعتماد مفاهيم فلسفية تعود بجذورها للعصور الحجرية كما يوضح أصحابها أنفسهم في مفهوم "الإلهة الأم"، أو مع اعتماد شكل الكومونة الإداري الذي وجد في فترة الثورة الفرنسية لما يقارب 3 أشهر فقط.
عموماً تحاول الإدارة الذاتية جاهدة في طرحها للعقد الاجتماعي تطويع الظروف والمعطيات الراهنة وشراكتها في "الحرب على الإرهاب" لتقديم مخرجات تساهم في جعلها طرفاً ثالثاً في "الصراع" وتعزز عوامل تمكينها السياسي والعسكري والاجتماعي متجاوزة مبدأ الحوار والتوافق الوطني مع باقي المكونات حول القضايا الرئيسية الإشكالية، وهذا ما يجعلها تنهج سلوكيات مضطربة ومزدوجة من جهة، ويعزز من الشروط المهيئة للرفض السوري العام لمشروعها.
([1]) معجم المعاني الالكتروني الرابط: http://goo.gl/IU2Vsx
([2]) أسامة عبد الله:"كومونة باريس، الاشتراكي إعلام لأجل الثورة" موقع مجلة الشرارة الالكتروني، تاريخ 01/05/2007 الرابط: http://goo.gl/t7jBaM
([3]) الوثيقة السياسية لمجلس سورية الديمقراطي، وكالة أنباء هاوار، التاريخ 09/12/2015م، الرابط: https://goo.gl/02b3Tj
([4]) مؤتمر ديريك يعلن عن تشكيل مجلس يمثل قوات سورية الديمقراطية سياسياً، آرانيوز، التاريخ 12/12/2015م، الرابط: http://goo.gl/cv4A5g
([5]) هيثم مناع وإلهام أحمد رئيسان مشتركان لمجلس سورية الديمقراطية الجديد، آرانيوز، التاريخ 12/12/2015م، الرابط: http://goo.gl/YlHGST
([6]) حزب الاتحاد الديمقراطي يجمد عضويته في هيئة التنسيق، آرانيوز، التاريخ 08/01/2016م، http://goo.gl/t6ntTc
([7]) «مجلس سورية الديمقراطي» يستكمل في جنيف ما بدأه في المالكية، جريدة الوطن، التاريخ 11/01/2016م، http://goo.gl/t32pz6
([8]) تسمية بيث نهرين هي (تسمية تاريخية باللغة السريانية تعنى بلاد الرافدين).
([9]) تحت شعار سورية الاتحادية الديمقراطية ضمان للعيش المشترك وأخوة الشعوب. وكالة السريان الدولية للأنباء، التاريخ 18/03/2016م، الرابط: http://goo.gl/bZfnCb
([10]) بيان صادر عن تيار قمح، الصفحة الرسمية لهيثم مناع على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" التاريخ 17/03/2016م، الرابط: https://goo.gl/QeoLBF
([11]) هيثم المناع ينسحب من رئاسة "مجلس سورية الديمقراطية"، جريدة الوسط، التاريخ 05/04/2016م، الرابط: http://goo.gl/AacHbf
([12]) الوثيقة السياسية لمجلس سورية الديمقراطية، وكالة أنباء هاوار، التاريخ 09/12/2015م، الرابط: https://goo.gl/jWdpqs
([13]) تحت شعار سورية الاتحادية الديمقراطية ضمان للعيش المشترك وأخوة الشعوب وكالة السريان الدولية للأنباء، التاريخ 18/03/2016م، الرابط: http://goo.gl/bZfnCb
([14]) البيان الختامي للهيئة التنظيمية للمجلس التأسيسي للنظام الاتحادي الديمقراطي لروجافا، وكالة انباء هاوار، التاريخ 27/06/2016م. الرابط: http://goo.gl/ZecNph
([15]) جيان بدرخان:"الكرد في سورية وحكومة الأمر الواقع المحلية"، مركز ياسا للدراسات القانونية، التاريخ 03/2013م، الرابط: http://goo.gl/ImQvo1
([16]) ذلك ضمن مكالمة هاتفية أجراها الباحث مع الأستاذ موسى موسى المختص في القانون الدولي، بتاريخ: 28/07/2016
([17]) يضم العقد 11 فصلاً موزعاً على 4 أبواب، وتشمل جميعها على 85 مادة، ويرد ضمن ديباجته لإشارات لما أسماه الدور السلبي للدول القومية في قمع الشعوب في سوريا والشرق الأوسط"، بالإضافة إلى اعتقاده بأن" الدولة الفدرالية ستكون الحل بإعطاء كل الشعوب ضمن هذه الدول التي تعيش حروباً داخلية"، كما وتركز الديباجة على إيراد الاختلافات الأثنية والدينية والتي يجب أن تصل للمساواة في الحقوق وفرص اتخاذ القرار وصناعته
([18]) نص مشروع دستور اقليم كوردستان – العراق، موقع حكومة اقليم كوردستان، التاريخ 24/09/2006م، الرابط: http://goo.gl/Vcc04j
([19]) الكشف عن العقد الاجتماعي للفيدرالية الديمقراطية لروج آفا – شمال سورية، وكالة فرات للأنباء، التاريخ، 01/07/2016 الرابط: http://goo.gl/vnxd4f
([20]) حيث ورد في الباب السابع عشر من المادة 104 كيفية فتح الاقليم للمكاتب الخاصة بشؤونه الثقافية والاجتماعية ضمن السفارات العراقية: "إصدار مرسوم بتأسيس المكاتب الخاصة بالإقليم للشؤون الثقافية والاجتماعية والانمائية في السفارات والبعثات الدبلوماسية العراقية في الخارج وللمزيد راجع نص مشروع دستور اقليم كوردستان، مرجع سابق، الرابط: http://goo.gl/Vcc04j
([21]) ويرى ديبو بإن المجتمع غادر طبيعته الأيكولوجية (أي احترامه للطبيعة و الأيكولوجيا هي فرع من علم الاحياء يدرس العلاقات بين الكائنات الحية و بيئتها) ونتج عنه "معاداة وفراق أو طلاق للحق الأمومي أو ثقافة الإلهة الأم، وإحلال السلطة الذكورية بدلاً منه من خلال الملكية والثروة والسلطة"، و يعتبر سيهانوك إن الأديان التوحيدية عجزت عن توحيد البشر وايقاف شلالات الدماء التي اريقت في الحروب بين بني البشر ولذا يرى ضرورة بالعودة لفلسفة الإلهة الأم ( " ومن حيث أن تاريخ البشري يبدأ من ثقافة الإلهة الأم وليست من أديان التوحيد، كون التاريخ يؤدي دوراً نشوئياً وتكوينياً، ليس لأجلِ المجتمع البشريِّ وحسب، بل ولكافة الكيانات الكونية؛ يُعَدُّ حقيقة أَجمعت عليها جميع العلوم. والتاريخ والعلوم بمجملها بدأت في العهد النيوليتي وبالأخص في عهد تل حلف (6000– 4000 ق.م). ومساهماتُ الإلهة المرأة – الأم أمر محدِّدٌ في هذه المرحلة. إذ يجب استيعاب الدور التعليمي الأول والأصل للنساء– الأمهات " للمزيد أنظر مقالته: كُردٌ اِسْتَهْدَوا؛ مكوناتٌ ليست بالتائهة؛ التاريخ بدأ من الإلهة الأم إنه العقد الاجتماعي المُحَصّن، موقع حزب الاتحاد الديمقراطي، التاريخ 09 /07/2016م، الرابط: http://goo.gl/paE05N
([22]) د. محمد حبش: فأين تذهبون؟ قراءة في العقد الاجتماعي لروج آفا، كلنا شركاء، التاريخ 04/07/2016 الرابط: http://goo.gl/Mg8PX6
([23]) النظام الاتحادي الديمقراطي الجديد في شمال سورية، موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، التاريخ 27/04/2016، الرابط: http://goo.gl/cgBPGk
([24]) بالفيديو خبراء: الأكراد يفتتون سورية بـ "فيدرالية روج آفا"، موقع مصر العربية، التاريخ 20/07/2016م، الرابط: http://goo.gl/47RS47
([25]) صلاح بدر الدين: العقد الحزبي الباطل، موقع رابطة المستقلين الكرد السوريين، التاريخ 11/07/2016م، الرابط http://goo.gl/y6vC7Z
([26]) خالد خوجة: إعلان فيدرالية روج آفا مرحلة متقدمة من عملية تفتيت سورية، موقع عيون الخليج، الرابط: http://goo.gl/YZsGjR
([27]) "الوطني الكوردي": دستور الادارة الذاتية يجد في كوردستان خطرا على المنطقة، موقع كوردستان24، التاريخ 12/07/2016، الرابط http://goo.gl/NIxhdD
([28]) مصدر سابق، الرابط: http://goo.gl/47RS47
([29]) المجلس الكردي يكشف تفاصيل ورشته القانونية في جنيف بسويسرا، موقع آرانيوز، التاريخ 17/07/2016م، الرابط: http://goo.gl/N0RCbJ
([30]) تصريح من وفد المجلس الوطني الكردي في سوريا المشارك في ورشة العمل في جنيف، موقع تيار المستقبل الكردي في سوريا، التاريخ، 05/07/2016م، الرابط: http://goo.gl/mv4lmD
([31]) نص الوثيقة الكردية الخاصة الموقعة بين الائتلاف والمجلس الوطني الكوردي، موقع شفاف الشرق الأوسط، التاريخ: 17/03/2014م، الرابط: http://goo.gl/ogU982
شهد النصف الأول من شهر أيار 2016 تقدماً لصالح قوى الثورة السورية على حساب كلٍ من تنظيم الدولة والنظام السوري في محافظتي حلب وريف دمشق. كما تمكنت قوى سورية الديمقراطية من تحقيق تقدماً طفيفاً على حساب تنظيم الدولة في ريف الحسكة الجنوبي. أما جبهات النظام والتنظيم فشهدت تصعيداً في كلٍ من ريف حمص الشرقي ومدينة دير الزور مما مكن الأخير من السيطرة على عدو مواقع جديدة، ولكن هذه الجبهات لم تمنع قوات النظام من التقدم في الغوطة الشرقية على حساب قوى الثورة السورية، مستفيدةً من حالة الاقتتال بين فصائل قوى الثورة السورية في الغوطة الشرقة.