ملخص تنفيذي

  • تأتي انتخابات حزب البعث خلال المؤتمر العام في سياق إعادة الأسد تشكيلَ وتصميم مراكز القوة داخل حزب البعث بما ينسجم مع استحقاقات النظام وتحدياته، وتأتي بعد سنوات من إقرار نظام داخلي جديد، ثم تغيير آلية تحديد مرشحي الحزب في الانتخابات التشريعية، ولاحقاً إنشاء لجنة للانتخابات تحضيراً للمؤتمر.
  • شهد المؤتمر العام زيادة عدد مقاعد اللجنة المركزية من 80 إلى 125 مقعداً، على أن يعين "الأمين العام" بشار الأسد 45 عضواً منهم. وقد زاحم الأعضاء المدعوون من قبل الأسد أولئك الناجحين من الفروع، حيث وصل إلى عضوية اللجنة المركزية 49 عضواً فقط من الفروع، مقابل 18 عضواً من المدعوين و13 عضواً من كتلة حزب البعث في مجلس الشعب، بالإضافة إلى 45 عضواً آخرين عينهم بشار الأسد بشكل مباشر.
  • بناءً على عملية تحليل بيانات واسعة لأعضاء اللجنة المركزية، تبين أن هناك 22 عضواً من اللجنة السابقة، و77 عضواً يعملون في مؤسسات الدولة، إضافة إلى وجود أعضاء من العسكريين أو المرتبطين بالميليشيات والشبكات الأمنية والعسكرية أو الخاضعين للعقوبات.
  • سيطرت محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص كمحافظات أصل لأعضاء اللجنة المركزية على 37.6% منها، بمقابل 23.3% لدمشق وريف دمشق وحلب، في حين توزعت النسبة الباقية على المحافظات الأخرى. وصلت 20 سيدة فقط لعضوية اللجنة المركزية، منهن 11 سيدة تم تعيينهن مباشرة من قبل بشار الأسد، كما وصل 68 سُنياً، و40 علوياً و10 مسيحيين، و5 دروز و2 إسماعيليين، ويلاحظ وجود انحراف في تمثيل بعض الفروع.
  • أفرزت الانتخابات قيادة مركزية جديدة بالكامل، مؤلفة من 14 عضواً يضاف لهم بشار الأسد، من ضمنهم 13 عضواً يعملون في مؤسسات الدولة بينهم 3 من أصحاب المناصب السيادية، و3 عسكريين، و3 من المُعاقبين.
  • أظهرت نتائج الانتخابات عموماً قيام قيادة الحزب بعملية تضليل وتلاعب في نسب تمثيل الفروع ومزاحمة نتائجها، وإقصاء بعض الكوادر ذات الشعبية على مستوى الفروع بعد تنفيذ الانتخابات كدائرة انتخابية واحدة من أجل خلق آلية لضبط المركزية.
  • تشير الانتخابات وتفاصيلها وديناميات تدخل بشار الأسد فيها، إلى إعادة هندسة مراكز القوة داخل الحزب وفلسفة النظام حيال شكل القوة السياسية (البعث) وقدرتها على تجاوز الترهل وتعزيز تسيّد المشهد الجديد بغض النظر عن أي سياق سياسي.
  • ينطلق الأسد في مقاربته للتغييرات الحزبية من ضرورة التحكم والسيطرة المطلقة والاعتماد على شبكات داخل الحزب تنقله من حالة وعاء سياسي شكلاني يهتم فقط بالتحشيد والاستحواذ على الدولة إلى قوة سياسية منضبطة ببوصلة الأسد وتوجهاته، وقادرة على "التفاعل والريادة" مع أي مشهد سياسي جديد.

للمزيد: https://bit.ly/3VGTNeh 

التصنيف أوراق بحثية

قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، محمد منير الفقير تصريحاً لصحيفة القدس العربي ضمن مادة حملت عنوان: "في تحدٍ جديد للأسد… رامي مخلوف يلعب على الولاءات العشائرية والطائفية والطبقية".

رأى الباحث خلال حديثه؛ أن الصراع تعقد أكثر من السابق ليس لحدة الخلاف وإنما لجهة الانقسام الذي يعمقه في البيئة الحاضنة الأساسية للنظام وتحديداً داخل الطائفة العلوية. ونوه الفقير إلى أن معظم المستفيدين مما يسميها رامي مخلوف الأعمال الخيرية هم من الطائفة العلوية وهذا كان قبل الثورة وبعدها، عبر جمعية البستان التي انتزعت من مخلوف أو راماك، لافتاً إلى ان التحدي بدأ منذ ظهور رامي في أول فيديو وترسخ في الفيديو الثالث عندما توقف عن استجداء بشار الأسد وأطلق تهديدات مبطنة بالطلاسم الدينية التي نشرها على صفحته.

للمزيد انقر رابط المصدر: https://bit.ly/2ZUHWxN

 

عكس ظهور رامي مخلوف بحمولة من الرسائل والدلالات، استثنائية الحدث وحجمه، خاصة ضمن التوقيت والسياق الحاليين للملف السوري. الاستثنائية التي تكمن بداية في الخروج عن المألوف لناحية سلوك أحد رموز النظام في التعاطي مع الإشكاليات الداخلية وتصديرها، تحديداً تلك المتعلقة بجزء من نظام الحكم والمقربين من الدائرة العائلية، والذين لطالما أحيطت بهم هالة من التقديس والسريّة، ساهم ظهور مخلوف بكسرها عبر تصديره إشكالية مركّبة (سياسية-اقتصادية-عائلية-دولية) إلى مستوى مختلف تماماً، تمثل بالرأي العام والشارع.

ولا تكمن الاستثنائية في رد فعل رامي مخلوف فقط، وإنما تمتد أيضاً إلى سلوك آل الأسد وعقلية السلطة والنظام، والذي لم يؤمن يوماً بهذا النوع من المحاسبة في إطار تشويه سمعة لأي من أركانه ورموزه ضمن دائرة الحكم، خاصة العائلية والطائفية، فرفعت الأسد الذي حاصر دمشق بالجيش وزاحم أخاه السلطة، خرج في إطار صفقة ضمنت لهُ امتيازات عدة، أقلها تحفّظ الإعلام الرسمي حتى الآن عن تناوله وتشويه سمعته.

 وكذلك غازي كنعان، الذي أتى بما لم يأتِ به رامي وهدد السلطة بمخطط انقلاب، ورغم انتحاره/تصفيته فقد حظي بجنازة عسكريّة. ولا يبدو أن النظام قد أحدث أي تغيير في تلك العقلية ضمن ظروف أكثر حساسية واتجاه شخصيات أقل وزناً، كعاطف نجيب في مطلع العام 2011، فكيف برامي محمد مخلوف ونفوذه؟ والذي لا يبدو ظهوره إلا ذروة لخلاف كان يتفاعل منذ وقت.

 فقد تعرض مخلوف خلال العامين الفائتين لحملات مُنظّمة ومتتالية على مستويات مختلفة، تعددت أشكالها غير الرسمية، لتنتهي اليوم بوضعه كغريم لـ "القانون" الممثل بـ"الدولة"، والتي خاطبها رامي بشكل مباشر في ظهوره دون ذكر كلمة الحكومة أو أي من أجهزتها المعنية بالإشكالية، وذلك ليس فقط لوعيه "الفطري" بأنه جزء منها ومن النظام المُسيطر عليها، وإنما لإدراكه الكامل أن القرار الذي اتُخذَ بحقه هو قرار سياسي أولاً، يتجاوز مبلغ 233.8 مليار ل.س، والذي لم يحتج على دفعه، وإنما على السياق وآليات التحصيل، وما بعده؟.

ولعل الخصوصية المركّبة لرامي مخلوف مقابل طبيعة التحركات والإجراءات التي يتخذها النظام بحقّه عبر مؤسسات الدولة، تعطي مؤشرات لملامح تحوّل في بنية النظام، على الأقل الاقتصادية، فمخلوف ليس مجرد ابن خال الرئيس، ورجل أعمال مهيمن على الحصّة الأكبر من الاقتصاد السوري، وإنما يمثل منظومة داخل منظومات متداخلة، عائلية وطائفية وعشائرية.

وهو ابن محمد مخلوف عرّاب بشار الأسد وأحد أهم الذين وقفوا معه في سنوات حكمه الأولى، خاصة في وجه الحرس القديم، والذي تمتد قوته في شجرة السلطة إلى أنيسة مخلوف، وآل مخلوف الذين ينحدرون من عشيرة الحدادين التي تشكل قوة داخل البنية العشائرية للطائفة، وكذلك العائلة ذاتها داخل العشيرة.

فضمن السياق السوري، لا يمكن التعاطي مع رامي مخلوف كشخص فقط، بقدر ما هو جزء من مرحلة كاملة وتحوّل رافق حكم بشار الأسد وسياسات الانفتاح الاقتصادي (النيو ليبرالية)، التي صعّدت طبقة رجال أعمال مقربين تغولوا في السوق على حساب تراجع دور الدولة والقطاع العام، التحول الذي أخلّ بتوازنات حافظ الأسد، ليس على مستوى شكل الاقتصاد فحسب، وإنما على مستوى تجاوز هيمنة الطائفة، عبر النظام، للجيش والأجهزة الأمنية والاكتفاء بالإتاوات من التجّار، إلى الإطباق على الاقتصاد السوري.

 وقد شكّل رامي مخلوف وعائلته وعدد من أبناء رموز نظام الأسد الأب أداةً لهذا الإطباق، من خلال شركات وبنوك واستثمارات في مختلف القطاعات وصلت حد الاحتكار والتشبيح الاقتصادي، وتسخير أجهزة الدولة لخدمة هذا الاحتكار ومنع كسره عبر قوانين مصممة له، وبذلك ضيّق الهامش لباقي رجال الأعمال من مختلف المكونات، والذين يعملون أيضاً في المتاح اقتصادياً ويشاركهم رامي في أغلبه، بعكس التوازنات التي كانت راسية عهد الأسد الأب والقائمة على ترك الاقتصاد للنخبة التقليدية من السُنّة والمسيحيين، في إطار تحالفات وتوازنات اقتضتها ضرورات تثبيت السلطة.

وكما مثّل صعود رامي مخلوف جزءاً من مرحلة وتحولاً في بنية النظام السوري، فإن أفُولهُ اليوم ومحاولات تحجيمه وإزاحته عن الساحة الاقتصادية، قد تشير إلى بدايات وملامح تحوّل جديد، لا يبدو مخلوف المحطة الأخيرة ضمنهُ.  التحوّل الذي يحمل سمة القسريّة ويسعى النظام إلى إحداثه في بنيته ضمن دوافع وسياقات معقّدة، منها داخلية تتعلق بتغيير الأولويات بعد تراجع العمليات العسكرية وما ظهّرته من إشكاليات مركّبة، انعكست بشكل أزمات اقتصادية مزمنة يعيشها النظام على عدة مستويات، ومالها من آثار عميقة على حركة الحياة العامة والمعيشة.

وأُخرى خارجية، تمثلت بتصاعد أثر العقوبات الاقتصادية واقتراب فرض قانون قيصر، كضغط دولي سياسي-اقتصادي لدفع النظام لإحداث تغيير في "سلوكه" بحسب تعبير الولايات المتحدة، والذي لا يبدو أنه سيحدث دون تغيير في البنيّة. مقابل ضغط الحلفاء الاقتصادي في إطار استرداد فاتورة التدخل العسكري، والتزاحم على التغلغل في بنية الاقتصاد السوري والتنافس على تحصيل عقود طويلة الأمد في قطاعاته الحيوية، والتي تحاول إيران التموضع ضمنها عبر شبكاتها الاقتصادية ووكلائها المحليين، مقابل نشاط موسكو وشبكاتها وما يرافقه من محاولات للتغلغل وإعادة هيكلة بعض قطاعات ومؤسسات الدولة، بما يتوافق ومصالحها ورؤيتها للحل السياسي وتفاهماتها مع اللاعبين الإقليميين والدوليين.

وقد ساهم هذا المناخ إضافة لعوامل أخرى، بصعود طبقة رجال أعمال جدد كوكلاء للحلفاء في عدة قطاعات، والذين ساهموا برسم شكل جديد للسوق عبر التغول أكثر على حساب "الدولة" التي تحولت إلى طرف ميليشياوي وشريك أمني وليس اقتصادي.

في تلك السياقات المعقّدة وما يتخللها من ضغوطات داخلية وخارجية، يبدو أن الأسد يسعى لإحداث تحوّل في جزء من بنيّة النظام، عبر براغماتية توائم بين مصالحه الخاصة والضغوطات المتعددة، فكما يناور النظام في هامش التنافس بين حلفائه، فإنه أيضاً يحاول التكيّف مع ضغوطاتهم، خاصة الروسية منها، عبر محاولات التوفيق بين مصالحه ومصالحهم ومقاطعتها.

ولعل مخلوف أحد أمثلة هذا التقاطع، الذي اقتضى سلسلة تحركات باتجاه تحجيم نفوذه، إذ لم تكن الإجراءات الأخيرة ضده هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها أخرى على مستويات وفترات مختلفة، كحلّ ميلشيات "الحزب القومي السوري" المدعومة منه، إضافة إلى مليشيات أخرى، مقابل التضييق على أعمال جمعية البستان والحجز على بعض الشركات.

 وفي هذا السياق لم يكن رامي الوحيد، ولكنه الأبرز، فقد تزامنت تلك الحملات مع أخرى استهدفت شرائح مختلفة من الشبكات الاقتصادية (ضباط، رجال أعمال، تجّار) وفرضت بدايةً محاصصتهم في الكسب الذي حققوه خلال سنوات الصراع، وذلك في إطار إعادة تعريف علاقة النظام بهم.

ويبدو أن تحركات النظام تأتي كمحاولات لإعادة ترتيب مراكز القوى، وفرض نفسه عبر الدولة الساعية إلى استعادة أدوارها، والتي تنازلت عن العديد منها بعد العام 2011، سواء في الشق الاقتصادي أو العسكري، وفوضتها لمليشيات مسلحة وشبكات اقتصادية بشكل يتلاءم وطبيعة الصراع المسلّح وما أفرزه من أشكال لاقتصاد الحرب على مرّ الأعوام الفائتة.

وربما يتقاطع ذلك مع ما أشار إليه بشار الأسد خلال لقائه بــ "المجموعة الحكومية لمكافحة الـكورونا" والمؤلفة من وزارات ومؤسسات الدولة، اللقاء الذي تلا الظهور الأخير لرامي مخلوف بأيام قليلة ونشرته رئاسة الجمهورية عبر معرفاتها الرسمية، وأكد خلاله الأسد على "ضرورة إعادة دور الدولة كلاعب على مستوى الاقتصاد وضابط للسوق".

 ذات الخطاب حمل تلميحات غير مباشرة ومدروسة باتجاه قضية مخلوف، فمجرد الظهور بالفريق الحكومي واستعراض ملفات عديدة و"تحديات المستقبل"، بدا كردّ "الدولة التي تنشغل بملفات أكبر من أفراد"، وهذا هو سلوك النظام الرسمي والتقليدي في التعاطي مع أزماته الحساسة، عبر تجاهلها والحرص على تظهير الدولة كطرف وليس الشخص أو العائلة أو الطائفة.

ولا تبدو محاولات استعادة دور "الدولة" على المستوى الاقتصادي منفصلة عن باقي المستويات، فقد رافق إجراءات  النظام في الجانب الاقتصادي تحركات على مرّ العامين الفائتين باتجاهات مختلفة، منها حلّ بعض المليشيات وإعادة تنظيم ودمج بعضها الآخر في الجيش، وذلك أيضاً في إطار إعادة ضبط وتعريف العلاقة بينها وبين "الدولة"، الأمر الذي استدعى أحياناً الصدام معها وبعض العوائل والأسماء المتنفذة التي تدعمها، كما حدث سابقاً في الساحل السوري 2018-2019، خاصة مع تحوّل تلك المليشيات إلى شبكات عائلية وأمنية، تنافس سطوتها في مناطقها "الدولة".

ولعل القاسم المشترك في أغلب تحركات النظام على المستويات السابقة، هو الغطاء الروسي، خاصة في تلك التي تستدعي صداماً مع مراكز القوى داخل النظام والعائلة والطائفة، واحتواء أي آثار محتملة لهذا الصدام. وفي هذا السياق لا تبدو أسماء الأسد ورجال الأعمال المقربين منها قوة كافية في مواجهة هذا النوع من الصدامات، خاصة ضمن بنيّة نظام الأسد المركّبة، والتي يبدو فيها دور أسماء الأخرس منفعلاً ومرسوماً، أكثر من كونه فاعلاً وعاملاً حاسماً في إحداث تحولات داخل البنيّة.

وهذا لا يعني التقليل من دور "السيدة الأولى" وأثره، بقدر ما هو إشارة إلى الدور الروسي كغطاء رافق هذا النوع من تحركات النظام السابقة، الغطاء ذاته الذي قد يتراجع أحياناً للضغط على النظام، ويعود لدعمه في حال الاستجابة. ويبدو أن الحملة الروسية غير الرسمية، التي شنت هجوماً على الأسد قبيل ظهور مخلوف، جاءت في هذا السياق، خاصة وأنها ركزت على توصيفي (ضعيف، فاسد)، لتأتي تحركات الأسد تجاه مخلوف كإثبات للعكس في ظاهرها، بينما بدت في العمق كرد منسجم مع مطالب الحملة، أكثر منه تحدٍ لموسكو.

وخلال استجابة النظام للضغوطات المركّبة عبر ديناميات داخلية جديدة، يبدو أنه بشكل أو بآخر يرسل إشارات تُعبّر عن رؤيته الخاصة لحجم التغيير المحتمل وسقف التنازلات التي قد يقدمها خلاله، فيما بدا وكأنه أشبه بالعودة إلى توازنات حافظ الأسد في بعض المستويات، والتي تقتضي إعادة فتح المجال الاقتصادي، وربما التنازل في غيره من المجالات مستقبلاً بما ينسجم مع حجم الضغوط والمرحلة المقبلة، ولكن دون التنازل في البنيّة الرئيسية المتمثلة بالإطباق على الجيش والأجهزة الأمنية، كصمام أمان النظام وأداته للتحكم والهيمنة على البلاد.

إذ يحاول النظام التكيّف مع الضغوط الخارجية للتغيير في بنيته الطائفية والعائلية، عبر التمسك بالجيش والأجهزة الأمنية وفتح ما دونهما لمشاركة الأغلبية السُنية من الموالين، في محاولة للاستمرار بعزل المعارضة وعدم الاعتراف بها، والإيحاء بأن الصراع في سورية طائفي على الحكم، ويمكن حلّه بتوسيع هامش مشاركة السُنة وباقي المكونات في مجالات مختلفة.

 فرغم هذا التحوّل الذي يقوده الأسد على المستوى الاقتصادي أو الإيحاء به على مستويات أخرى؛ إلا أن الأجهزة الأمنية والجيش لم يشهدا إلى الآن أي تغيير حقيقي، خاصة لناحية الهيمنة الطائفية، بل على العكس زاد تغول تلك الهيمنة على مستوى المراكز القيادية، وهذا ما أثبتته دراسة صادرة عن "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، تناولت طبيعة شاغلي المراكز القيادة في الجيش، والتعديلات التي طرأت عليها حتى العام 2020.

يدرك النظام أن اللجوء إلى مستويات من توازنات حافظ الأسد، ليس إلا تكيّفاً مرحلياً في واقع اختلفت فيه توازنات سورية والمنطقة، وتأقلماً مع حجم الضغوطات الداخلية لسنوات الصراع، وضغط المجتمع الدولي وداعميه، وذلك كمحاولة للتملص من إحداث تغيير حقيقي في سورية عبر مشاركة المعارضة وإعادة هيكلة أجهزة الدولة بما فيها القطاع الأمني، الأمر الذي يبدو أنه لم يعد رهناً بإرادة بشار الأسد وتصوراته، بقدر ما تحول إلى عملية خاضعة لتفاهمات ومصالح الفاعلين في القضية السورية.

 فرغم أن تحولات مراكز القوى قد تشير إلى تصدع في بنيّة نظام الأسد، إلا أنها وبالوقت ذاته ليست مؤشراً كافياً على تآكل تلك البنيّة أو تغييرها بالكامل، الأمر الذي بات مرتبطاً بعوامل إقليمية ودولية مختلفة، وتوافقات بين لاعبين متعددين بمصالح متضاربة، سيشكل التوفيق فيما بينها أساساً لأي حل سياسي قادم، وتحديداً لشكل النظام الجديد وموقع الأسد ضمنه.

التصنيف مقالات الرأي

 اختتمت اللجنة الدستورية المشكلة من قبل الأمم المتحدة كمدخل لحل القضية السورية، اجتماعها الموسع الأول في جنيف يوم أمس الأول، وقد اقتصر اللقاء على تلاوة كلمات المشاركين؛ من وفد المعارضة السورية، ووفد النظام، ووفد المجتمع المدني السوري، بشقيه القريب من النظام والقريب من طروحات المعارضة والثورة السورية، بالإضافة إلي إقرار مدونة سلوك ناظمة لعمل اللجنة الدستورية واختيار لجنة مصغرة من ٤٥ عضو من مجموع أعضاء اللجنة البالغ ١٥٠ عضو.

وقد رافق تلاوة كلمات المشاركين ردود فعل متباينة داخل قاعة الاجتماع، وفي أوساط النظام، والثورة والمعارضة على حد سواء، حيث مثلت الكلمات، المحددات العامة من قبل المشاركين والجهات المحسوبين عليها، أو الممثلين لها أو لصوتها أو مصالحها بما يتعلق بمخرج اللجنة الدستورية، بما يعني توجيهاً عاماً لعمل اللجنة الدستورية مستقبلاً.

أبرز التعليقات كانت حول النسق الحيادي الذي تكلم به السيد هادي البحرة، رئيس وفد المعارضة، في مقابل انحياز كلمة رئيس وفد النظام (الذي اعتبره رأس النظام غير ممثل رسمي لرؤية الحكومة التابعة له وإن كانت الحكومة والنظام بصورة أدق يدعم هذا الوفد) لموقف النظام وخطابه التصعيدي بصورة كاملة مع تمجيد لرأس النظام، فيما عبر ممثلو المجتمع المدني السوري، الأقرب للمعارضة والثورة، عن مواقفهم الواضحة غالباً من الانتهاكات، ومطالبة معظمهم الأمم المتحدة، بتحمل مسؤولياتها تجاه تحقيق إجراءات بناء الثقة المتمثلة بالإفراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين، وإيقاف الاعتقالات الممنهجة، فضلاً عن وقف العدوان على المدنيين في محافظة إدلب.

وفي الوقت الذي حاول وفد المجتمع المدني القادم من مناطق النظام، إحداث الكثير من الشغب و"التشبيح" المفرط ضد معظم الكلمات التي أشارت للانتهاكات المرتكبة دون الإشارة للمجرمين(من مبدأ يلي فيه مسلة بتنخزه)، فضلاً عن التماهي التام مع وفد النظام وخطابه، بل الدفاع بشكل غير مباشر ومباشر أحياناً عن جرائمه، فضلاً عن تمجيد جيش النظام المتورط بمعظم الانتهاكات الحاصلة على التراب السوري طوال ٨ سنوات.

فقد التزم وفد المجتمع المدني الحر (لتمييزه عن الوفد القادم من مناطق النظام)بالحياد التام تجاه قضايا مفصلية، كالموقف من شخص رأس النظام والمقاومة المسلحة للنظام (بغض النظر عن فساد الكثير من مظاهرها وارتهانها لقوى دولية وإقليمية)، هذا الالتزام كان مبنياً على قناعات نمطية جاهزة ومستوردة عن المجتمع المدني، وآليات الحكم عليه والتعاطي معه، بنيت عند كثير من الزملاء المشاركين تدريجياً خلال عشرات الورشات واللقاءات، التي دعمتها الجهات الدولية المختلفة، بهدف خلق تصورات سورية للمجتمع المدني، وتعزيزها في أذهاننا نحن الذين غيبنا الاستبداد زهاء النصف قرن عن الحياة العامة، فتلقفنا خلاصات تجارب الآخرين دون تمحيص واقعي حقيقي وفهم لفلسفة وخصوصية المجتمع المدني السوري زمن الثورة وزمن الحرب.

 ومن ذلك تبني فكرة الحياد السياسي، وعدم التمييز بين رفض الممارسة السياسية من قبل منظمات المجتمع المدني من جانب، والقدرة على التأثير في السياسة من خارجها، عبر تمثيل مصالح وتطلعات المدنيين، والمطالبة بحقوقهم من جانب آخر، وبهذا المعنى وتماهياً مع الأدبيات المستوردة والمتبناة لآليات التبني والخطاب للمجتمع المدني السوري، فقد ملئت الآمم المتحدة الفراغ السياسي في مواقف وفد المجتمع المدني الحر، بعلمه أو بجهله، وتم القفز على حاجات فطرية ومنطقية للمجتمع المدني السوري، تتمثل بحقه في المقاومة بشتى الوسائل، ضد كل من يريد انتهاك حقه في الحياة الحرة الكريمة، وأيضاً في رفض عدم الإشارة لبشار الأسد بإسمه، وصفته كرأس للنظام، ومجرم حرب مارس أبشع الانتهاكات بحق المجتمع السوري على ضفاف النزاع المختلفة.

ليس التعبير عن تجريم بشار الأسد موقفاً سياسياً بقدر ما هو توجه حقوقي، يعكس الالتزام التام بموقف الناس الرافض لشرعنة وتعويم مجرم حرب، ليكون تالياً في مستقبلهم خياراً محتملاً للحكم والسلطة، كما لايعكس الوقوف إلى جانب حقوق الناس في المقاومة بشتى الوسائل، تماهياً مع الحالة الفصائلية المرتهنة للدول أو المتغولة على المجتمع المدني، بقدر ما يعبر عن حق الناس في الدفاع عن خياراتها.

انفض الاجتماع الأول للجنة الدستورية، وفي الأوراق التي تليت في الجلسات وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ثوابت محددة، أحدها تجاوز معضلة بشار الأسد كمجرم حرب لا يمكن للسوريين بمجملهم أن يأتلفوا عليه أو يلتفوا حوله، وتحضيره لأي استحقاق انتخابي قادم، و الثاني تجريم كل سلاح يواجه الأسد، وتصنيف حامليه كإرهابيين دوليين وشرعنة كل بندقية تحارب معه، بسكوت المعارضة والمجتمع المدني الحر انحيازاً لمواقف أو أسبقيات شخصية، على حساب موقف جزء معتبر من المدنيين السوريين أو مبالغة بالحياد البارد.

 

المصدر السورية نت: http://bit.ly/33aq8xz

التصنيف مقالات الرأي