أتى اجتماع عمان في 1 أيار/ مايو 2023 والذي ضم وزراء خارجية الأردن والعراق والسعودية ومصر ووزير خارجية النظام، [1] في سياق تشهد فيه  تفاعلات النظام الاقليمي مجموعة من المؤشرات الدالة على إعادة تشكله كإعادة تعريف "الأثر الأمريكي وأدوات فاعليته وفلسفة تموضعه" وتنامي الدور الصيني والروسي، إضافة إلى وجود مؤشرات في تغيير فلسفة خرائط المصلحة والتي أضحت "تتحرر" من القواعد الكلاسيكية. وضمن هذا الإطار تتزايد خطوات الفعل العربي  تجاه المشهد في سورية".

يؤشر تلخيص وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي" للرؤية العربية للحل في سورية بأنها قائمة على "دور عربي قيادي في جهود حل الأزمة السورية" وفق منهجية خطوة مقابل خطوة بما ينسجم مع القرار 2254 ، على أهمية البحث عن جهود الاستقرار ومنع مسببات السيولة الأمنية إلا أنها ترتبط بضرورات تقييم الحركية السياسية العامة وتحديد  مكامن الخلل وعواملها وعناصرها.

تناولت أجندة المحادثات العربية ثلاثة مسارات: إنسانية وأمنية وسياسية بإمكانها أن تشكل تحريكاً مهماً للملف السوري لا سيما بعد حالة الجمود و"تمترس الجغرافية" وتعطل الاستحقاقات السياسية، إذ تم ربط المسار الانساني وما طرحه من قضايا بأولويات هامة جداً للمجتمع السوري إلا أنه ينبغي ربط هذا المسار  بمبدأ " ما فوق التفاوض". وإخراجه عن دائرة الابتزاز السياسي التي لطالما وظفه النظام وجيره لمكاسب سياسية.  أما المسار الأمني -على الرغم من شمله لضرورة معالجة ملفات أمنية ملحة- ينبغي له أن يراعي توافر ثنائية "القدرة والرغبة" الغائبة عن نظام الأسد، لذلك يرتبط هذا المسار بمناخ سياسي شرعي ينبغي أن يتوفر وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة. أما المسار السياسي فتمت صياغته دون جدول زمني ودون أي توافر قواعد الزام من قبل النظام بالانخراط الجدي وهو ما يجعل هذا المسار وفق التصور العربي مجرد محاولة؛ أي أن الجهود ترمي لتوفير مسار أمني وانساني، وهذا ما يؤكد مؤشرات التكيف مع التمترس الجغرافي وما يعنيه من تجميد سياسي.  

قد يشكل اتفاق عمان نقطة  توافقية ما بين الموافقين  والرافضين لعودة النظام  إلى الجامعة، خاصة أن فلسفتها قائمة على خطوة مقابل خطوة؛ إلا أن حركية النظام في التعاطي مع هذه الجهود لن تخرج عن ديناميات حركته الدبلوماسية السابقة (القبول الشكلي  والدخول بالتفاصيل دون تحقيق أي انجاز)، فهو سيحاول تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية الصورية ومكاسب اقتصادية تعينه باستحقاقاته المحلية مستنداً على استراتيجية الصبر الاستراتيجي.

تتموضع قضية العودة تموضعاً مركزياً في الأجندة العربية، وقد قدمت شروطاً دافعة لتحسين بيئة العودة ومستلزماتها، ومن الجدير بالتنويه في هذا السياق أن النظام قاوم هذه العودة حتى حينما طرحت موسكو "برنامج العودة "، إذ أن النظام  ينظر لملفات اللجوء والهجرة التي ترافقت مع المشهد السوري بعد 2011 بأنها  "تطهير ذاتي" في البنية المجتمعية وأنه لن يتصالح مع من ناهضه لسنوات على مستوى عودة اللاجئين، فعلى مستوى التنفيذ لكل أطروحات العودة تؤكد المعطيات أن جلها يخضع لعملية الاعتقال،  أخرها تلك الاعتقالات التي طالت السوريين الذين تم تسليمهم من قبل السلطات اللبنانية. ومن جهة أخرى، يستخدم النظام نصوص العفو الصادرة عنه كمدخل لتحصيل المكاسب السياسية من خلال "تعويم" النظام، والإيحاء بأن الحل ينبع من داخل الدولة، وبأنّ النظام قادر على إدارة ملفي المعتقلين واللاجئين وحده، سعياً منه لخلق مساحات تفاوض مع الدول الفاعلة، ليضمن بذلك سحب ملف المعتقلين والمختفين قسراً والمهجرين من قوى التغيير الوطنية، وإعادة إنتاجه بما يضمن إفلاته من العقاب، وتخفيف العقوبات والعزلة الدولية.

أيضاً؛ تنال قضية "المخدرات" أهمية واضحة في بيان عمان، فقد أغرقت شبكات النظام العاملة بالمخدرات الأردن والخليج بمئات الشاحنات ( إذ تعد الفرقة الرابعة المحور الرئيسي في هذه الشبكات) ولهذا الأمر خطورته على الأمن المحلي لتلك الدول ومجتمعاتها،  وينطلق تعاطي الدول العربية مع تلك القضية باعتبارها  مهدداً أمنياً لا يستوجب انتظار الصفقات السياسية، إلا أن هذا التعاطي لا يلحظ قدرة النظام على هذا الضبط من جهة وعدم رغبته بالتخلي عن ورقة تفاوض ومساومة من جهة ثانية، فهذه الآلية (آلية الابتزاز وامتلاك أوراق ضغط) جزء رئيسي في سياسة الشرعنة والتعويم.

من المبكر الحديث عن انعكاسات فعلية للمبادرة العربية وذلك لأسباب عديدة؛ فعودة النظام لا تزال تصطدم بمعارضة قطر والكويت والمغرب في ظل ضرورة توفر إجماع عربي ضمن الجامعة العربية للضغط على المجتمع الدولي لرفع العقوبات عن سورية، إضافة لذلك فإن الموقف الأوربي والأمريكي لا يزال غير مشجع للتطبيع مع نظام الأسد ويُؤكد على تمسكه بالعقوبات وربط جميع مسارات الحل في سورية بالقرارات الأممية، ومن جهة أخرى مرتبطة بالمستوى الإقليمي لا تظهر المبادرة العربية قدرة على التأثير في نفوذ القوى الإقليمية المتدخلة في سورية، فمن جهة لا تزال إيران تحصل على الامتيازات في سورية عبر علاقتها بالنظام، آخرها الحديث عن توقيع اتفاق بين البلدين ينص على تشكيل ثماني لجان مشتركة،[2] ومن جهة ثانية تربط أنقرة تواجدها في سورية بالحفاظ على أمنها القومي وتنفيذ القرارات الدولية. وعلى الرغم من المساعي الروسية في التقريب بين البلدين إلا أن مسافات التباعد البينة لاتزال واسعة. أما محلياً، فقد أبدت الأوساط الشعبية المعارضة للنظام رفضاً لمحاولة تعويم النظام عبر مظاهرات شعبية في مناطق عدة داخل وخارج سورية رفضاً لمسار التطبيع.

يرتبط سيناريو نجاح المبادرة العربية واستمرارها بقدرة الساعين في المسار على حشد موقف عربي شامل قادر على إقناع المجتمع الدولي بجدية توجه النظام للتغيير السياسي وضرورة امتلاكهم لأدوات الضغط الفعال حتى لا تغدو  المبادرة  تشجيعاً على الإفلات من العقاب، إذ من المتوقع أن يبدي النظام بعض التغييرات الشكلية بهدف الحصول على الموارد الاقتصادية للدفع بعجلة المسار، لكن لا يمكن للدول العربية تحمل تكلفة تعويم النظام وإعادة دمجه في النظام العربي وفق مسار طويل لما سيحمله من تكاليف وأعباء على دول المسار.


[1]- سبق هذا الاجتماع اجتماع تشاوري لدول  مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق ومصر، استضافته المملكة العربية السعودية في جدة، في 14 من نيسان/ إبريل الماضي اتفق فيه المجتمعون على تأدية دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء ما أسموه بـ" الأزمة في سورية". إضافة لقمة جدة، أجُريت مجموعة اتصالات قامت بها دول عربية مع حكومة النظام السوري عقب الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا في شباط/ فبراير 2023، وتقدمت الأردن في 21 آذار/ مارس 2023 بمبادرة عربية لحل سياسي للأزمة السورية. وسط جهود إقليمية لعودة النظام السوري للجامعة العربية في ظل رفض بعض الدول العربية عودة النظام لمقعد الجامعة العربية.

[2] - لجنة لمتابعة ديون إيران، وآخرى مختصة بالمصارف والشؤون المالية والتأمين، ولجنة الشؤون الاستثمارية، ولجنة مختصة في ملف النفط، وأخرى في ملف النقل بكل أنواعه، ولجنة متخصصة في الشؤون التجارية والصناعية وواحدة مخصصة بالشؤون الزراعية، ولجنة متعلقة بالشؤون السياحية ومنها السياحة الدينية.

التصنيف مقالات الرأي
قدم الدكتور عمار قحف، المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية والأستاذ معن طلاع مدير البحوث في المركز، ندوة حوارية بعنوان "تطورات المشهد السياسي في سورية بعد الزلزال"، نظمتها السفارة السورية - دولة قطر / Syrian Embassy - Qatar، بحضور عدد من أبناء #الجالية_السورية والمهتمين بالشأن السوري.
استعرضت الندوة في محاورها الدلالات السياسية لحركية الفواعل المحلية والإقليمية والدولية تجاه #الكارثة وتداعياتها وأثر هذه الحركية على ثوابت ومتغيرات المشهد العام واتجاهاته المستقبلية.
التصنيف الفعاليات

عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية في مدينة اعزاز بريف حلب ورشة حوارية مشتركة بالتعاون مع مركز ماري للأبحاث والدراسات و مركز نما للأبحاث المعاصرة حول سيناريوهات #المشهد_السوري بعد حرب #أوكرانيا. شارك في الورشة المدير التنفيدذي لمركز عمران د.عمار قحف ومساعد الباحث علي العبد المجيد.


كما هدف اللقاء إلى تعزيز التعاون و توقيع مذكرة تفاهم بين المركزين. كما تم أيضاً الحديث عن أثر سيناريو التجميد على #الوضع_الاقتصادي والاجتماعي وماهي السيناريوهات المتوقعة للمنطقة إضافة لبحث أشكال التوافق والخلاف بين الأطراف الفاعلة في الملف السوري.

التصنيف الفعاليات

بتاريخ 2 تشرين الثاني 2019، وبمشاركة عدد من الناشطين والطلبة الجامعيين بالإضافة إلى عدد ممثلي منظمات المجتمع المدني؛ عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ورشة عمل بعنوان: "الشباب السوري وسبل امتلاك أدوات الفاعلية".

هدفت الورشة  إلى البحث عن قنوات لتفعيل طاقات الشباب باتجاه انطلاقة فاعلة ومؤثرة في المشهد السوري، تستفيد من الدروس والتجارب السابقة؛ توزعت جلسات الورشة على ثلاثة عناوين دور الشباب في الثورة السورية.. تجارب وخلاصات؛ الشباب السوري والعلاقة مع السياسة: خارطة الهم والاهتمام؛ آفاق العملي المستقبلي الواعدة: مساحات العمل الممكنة؛ وخلصت الورشة إلى ضرورة استمرار الحلقات النقاشية وفق أجندة تهتم بالمشهد السوري العام وبقضايا الشباب السوري.

التصنيف الفعاليات

في 28 أيلول (سبتمبر) 2019، نظم المجلس السوري الأمريكي والمنتدى السوري أمريكا، حدثًا للجالية السورية في مقهى ومعرض سيريانا بولاية ماريلاند.

تحدث السيد ياسر تبارة عضو مجلس إدارة مركز عمران ومدير وحدة المعلومات نوار شعبان عن تطورات المشهد السوري الحالية على الصعيدين المحلي والدولي، وفي نهاية الجلسة أجاب المتحدثون عن أسئلة واستفسارات الحضور المتعلقة بالشأن السوري.

التصنيف أخبار عمران
الأربعاء, 11 تموز/يوليو 2018 15:04

معن طلاع | معركة درعا ومدلولاتها

في إطار برنامجه الإخباري التحليلي (الساعة الأخيرة) استضاف تلفزيون العربي الباحث معن طلاع بتاريخ 9 تموز 2018، للحديث حول معركة درعا ومدلولاتها، وبيّن الباحث عبر مداخلاته: " أن ما تمر به جغرافيات المعارضة السورية من انهيارات عسكرية وسياسية يعود لتظافر مجموعة من العوامل سواء المتعلق بسياق تطورات المشهد السوري وما مر به من انعطافات وتحولات ارتدت سلباً على الصراع المحلي وعلى التعريف الناظم للعملية السياسية ناهيك عن التدخل الروسي وآثاره وما استتبعه من تغيير المواقف السياسية للعديد من الفواعل الإقليمية والدولية؛ أو سواء تلك العوامل المتعلقة بالأسباب الذاتية لتقهقهر المعارضة السورية التي لم تسعى لخلق هوامش تستعيد فيها زمام امتلاك القرار بالإضافة لعدم تدافعها لإنجاز سياسات عسكرية وتفاوضية موحدة  توقف استنزاف بناها الإدارية والمدنية والعسكرية.

 

 

 شكلت معرفة طبيعة التوجه الروسي الجديد -الرامي لإعادة تعريف ملفات المنطقة وفقًا لمخيال موسكو التي قررت العودة النوعية للمنطقة بعد انكفائها إبان فرط العقد السوفياتي – محددًا رئيسيًا لمعظم الفاعلين في المنطقة ابتداءً من دول الخليج لا سيما السعودية التي تختبر قدرتها في تحمل التمدد الإيراني المطوق لها والذي انتعش بعد التمكين الأوبامي له.

 إن المتغير العميق والذي كاد أن يكون ثابتًا رئيسيًا في الملف السوري هو أن التدخل الروسي المباشر في سوريا أواخر 2015 قد حجم إلى حد بعيد الطموحات الناشئة لدى قوى الإقليم، وفرض عليها أن تنسج سياساتها النابعة من ضرورة كبح لجام التهديد الأمني المباشر وفق المنوال البوتيني. إن المتغير العميق والذي كاد أن يكون ثابتًا رئيسيًا في الملف السوري هو أن التدخل الروسي المباشر في سوريا أواخر 2015 قد حجم إلى حد بعيد الطموحات الناشئة لدى قوى الإقليم، وفرض عليها أن تنسج سياساتها النابعة من ضرورة كبح لجام التهديد الأمني المباشر وفق المنوال البوتيني، إذ شكلت معرفة طبيعة التوجه الروسي الجديد - الرامي لإعادة تعريف ملفات المنطقة وفقًا لمخيال موسكو التي قررت العودة النوعية للمنطقة بعد انكفائها إبان فرط العقد السوفياتي  – محددًا رئيسيًا لمعظم الفاعلين في المنطقة ابتداءً من دول الخليج لا سيما السعودية التي تختبر قدرتها في تحمل التمدد الإيراني المطوق لها والذي انتعش بعد التمكين الأوبامي له.

 الأمر الذي جعل من مبدأ تغير التموضع وإعادة التركيز هي السياسة الأكثر استراتيجية للملكة وبناء قاعدة مشتركات مع الروس يتيح لحركتهم وفاعليتهم الإقليمية التوازن والفعالية المتخيلة، ومرورًا بإيران التي استنجدت بموسكو لإنقاذ نظام الأسد المتداعي تحت ضربات المعارضة لا سيما في إدلب والغوطة والساحل السوري، والتي وجدت نفسها مجبرة على أن تتماهى مع منطق الروس الذي يتعدى تفاصيل المشهد السوري لصالح توازنات النظام العالمي، وأن تحاول استغلال الهوامش دون التعرض للخطوط العامة.

ولزامًا وصل هذا المحدد لأنقرة التي اضطرت لتغيير تكتيكاتها مرارًا وتكرارًا تخوفًا من تداعيات "التورط والاستدراج الدولي" تارةً وبحكم تفاعلات بنيتها المحلية التي كبلت حركة سياساتها الخارجية وعززت من احتمالات الترابط العضوي بين المهدد الأمني المحلي مع الإقليمي تارة ثانية، واتساقًا مع متطلبات الخروج من "فخ المتربصين" الذي وصل حد الانقلاب الذي فشل تارة ثالثة، لتجد الحكومة التركية نفسها أمام مراجعات لا تقبل التأجيل فصاغت سياسة "تقليل الأعداء وكسب المزيد من الأصدقاء" التي تعد تصحيحًا موضوعيًا لسياسة تصفير مشاكل وهذا عزز من الاتجاهات الداعمة لتعزيز العلاقة مع روسيا "السيد الدولي الجديد في المنطقة".

"اتفاق وقف إطلاق النار الشامل الذي ستحاول موسكو إنجاحه ليتسنى لها البناء على هذا الوقف لإخراج "الحل السياسي" والانتقال كليًا إلى مستويات جديدة تعيد تعريف أطراف الصراع من نظام ومعارضة إلى حكم توافقي"

مبررات التوافق

يشكل التفنيد العام أعلاه مدخلاً ضروريًا لفهم مخرجات المشهد السوري الراهن على المستوى السياسي والعسكري الذي تأثرت بشكل مباشر بتلاقي الأطراف المتدخلة بشكل مباشر في سوريا ( الروس – الإيرانيين – الأتراك)، وعدم اعتراض الدول المنخرطة بالصراع كالسعودية وقطر والأردن وطبعاً وقبل كل أولئك الولايات المتحدة الامريكية، ومن أهم مخرجات هذا المشهد هو إخراج كافة الجيوب الاستراتيجية للمعارضة من معادلات التأثير العسكري، وإلحاق الهزيمة المرة بها في حلب، و"إعلان موسكو" الذي يؤسس لمسار عملية سياسية تعجل من سكة الحل المتسق مع الفهم الروسي ويتقاطع بمدلولاته الأمنية مع هواجس تركيا وإيران.

"اضطرت تركيا لتغيير تكتيكاتها مرارًا وتكرارًا في الملف السوري تخوفًا من تداعيات "التورط والاستدراج الدولي" تارةً وبحكم تفاعلات بنيتها المحلية التي كبلت حركة سياساتها الخارجية وعززت من احتمالات الترابط العضوي بين المهدد الأمني المحلي مع الإقليمي تارة ثانية"

 وأخيرًا وليس آخرًا اتفاق وقف إطلاق النار الشامل الذي ستحاول موسكو إنجاحه ليتسنى لها البناء على هذا الوقف لإخراج "الحل السياسي" والانتقال كليًا إلى مستويات جديدة تعيد تعريف أطراف الصراع من نظام ومعارضة إلى حكم توافقي يحارب أطرافه الإرهاب الذي سيكون لصيقًا بكل من يرفض هذا الحكم ولا يدعمه.

تدلل عمليات الهندسة السياسية أعلاه على توافر القدرة على تطبيقها ومضيها قدمًا للأمام، ويعود ذلك لامتلاك الأطراف المتبنية للإعلان (موسكو – طهران – أنقرة) القدرة الحقيقة على تنفيذ ودعم خارطة الطريق وامتلاكها لقنوات ضغط رئيسية على حلفائها المحليين، إضافة لتوافق هذه الهندسة مع ما كرسته سياسة أوباما من محددات وغايات، واتساقها – وفق التوقعات -مع تطلعات الرئيس القادم ترامب، ولكن الأسئلة التي تستوجب بحثًا معمقًا في إجاباتها كونها تؤثر على حركية هذه الهندسة كطبيعة الأدوار المنوطة بموسكو وأنقرة  في هذه التفاهمات ومدى التوافق البيني لكافة الملفات المستعصية ومدى قدرتهما على التحكم الكلي في عناصر المشهد السوري، ناهيك عن التساؤل المركزي المتعلق بدور الفاعل الأمريكي بكل هذه التفاهمات.

أدركت أنقرة بعد محاولة الانقلاب الفاشل حاجتها المستعجلة لمقاربة سياسية أمنية مرنة تحجم بها المهددات الأمنية السائلة داخليًا وخارجيًا، فاعتمدت على أدوات صلبة في تدعيم تموضعها القوي في التفاعلات المحلية وقامت بتجفيف شبه كلي لكافة "البؤر التي تستهدف جسد الدولة" كجماعة فتح غولن التي تتهمها أنقرة بالوقوف وراء تلك المحاولة، كما زادت من وتيرة المواجهة العسكرية مع تنظيم البي كاكا.

 ولأن الظرف الإقليمي مساعد لتنامي هذه المهددات اتجهت تركيا نحو سياسة أكثر حزمًا في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بتمدد تنظيمي داعش والـpyd  على حدودها الشمالية، وهذا لم يكن  بطبيعة الحال دون التنسيق مع الروس المتحكمين بمعادلات العسكرة لا سيما في الشمال السوري خاصة بعدما كسر الجليد المتراكم بين أنقرة وموسكو، إبان حادثة إسقاط الطائرة الروسية، عبر مرونة القيادة التركية وتعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة كمدخل تعززت فرضياته بعد وضوح التراخي المشترك في قضية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

"أدركت أنقرة بعد محاولة الانقلاب الفاشل حاجتها المستعجلة لمقاربة سياسية أمنية مرنة تحجم بها المهددات الأمنية السائلة داخليًا وخارجيًا"

إذًا عززت "الواقعية والبراغماتية" ضرورة التنسيق والاشتراك مع الروس في الملف السوري عبر بوابة مكافحة الإرهاب وتذليل الخواطر الأمنية وضبط الحدود الأمر الذي توافق أنقرة وموسكو حول مشروع درع الفرات (المكون من حلفاء محليين يتم دعمهم لوجستيًا وعسكريًا من قبل تركيا) والمضي باتجاه محاربة داعش وطرد الـ pyd من منطقة غرب الفرات وفرض منطقة عازلة بحكم التفاهم الأمني الروسي التركي، وبعد هذا الاختبار البيني الأولي أتت سياق معركة حلب التي أرادت موسكو إخراج المدينة من معادلات الصراع واستطاعت تركيا في إنجاح مفاوضات الاجلاء وإنهاء مآساة المدنيين، لتزداد مساحة الثقة البينية وزيادة مستوى التقارب السياسي، ليأتي مؤخرًا "إعلان موسكو" الذي رسم خطوط تنفيذية عامة للحل السياسي، ثم اتفاق وقف النار الأخير ليدلل على حجم المشتركات التي سار العمل على تعزيزها وفق سياسة خطوة بعد خطوة (step by step ).

أمريكا حاضرة غائبة

لا يخرج اتفاق وقف إطلاق النار هذا عن كونه بالدرجة الأولى استمرارًا للجدولة الزمنية المتخيلة لمسار العملية السياسية كما يهندسها الروس، الذين يجهدون لإنجاز شوطًا كبيرًا في هذه الجدولة قبل استلام القيادة الأمريكية الجديدة وبلورة سياساتها الإقليمية ليس تحسبًا من تغييرات مفاجئة قد تحدثها هذه الإدارة فذاك احتماله قليل وفقًا للمؤشرات المترشحة حول توجهات ترامب وفلسفة فريقه السياسي والعسكري، والتي تثمن الدور الروسي في سوريا، وإنما لوضع أحجار أساس روسية في عملية بناء سورية القادمة والتحكم بميزاتها الجيوستراتيجية والقدرة على تعطيل أية ممرات طاقة محتملة من جهة ولتعزيز وريادتها الإقليمية عبر البوابة السورية من جهة، ولإكمال عقد التحالفات الإقليمية القائمة على تعزيز مبادئ الدكتاتورية وتقويض الثورات وتمكين مضاداتها من جهة ثانية، ولحرمان هذه القيادة من أي فاعلية محتملة إن طرأت متغيرات غير محسوبة في توجهاتها بحكم تعقيد وتشابك ملفات المنطقة السائلة التي تشكل ارتداداتها على اضطرابات مؤثرة على طبيعة النظام السياسي الإقليمي والدولي.

أما أنقرة فتهدف من خلال سعيها لتكون ضامنة لتنفيذ هذا الاتفاق إلى تعزيز شروطها الأمنية عبر الإجهاز التام لفكرة توصيل الكانتونات الكردية الثلاثة خاصة بعدما أنجزت عملية درع الفرات أهدافًا استراتيجية في شمال حلب غربي النهر، وتمنحها أولوية محاربة داعش في الرقة وبالتالي حرمان قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الـ pydعصبها الرئيس من أي مكسب سياسي يمكن الإدارة الذاتية لشمال سوريا.

"لا يخرج اتفاق وقف إطلاق النار هذا عن كونه بالدرجة الأولى استمرارًا للجدولة الزمنية المتخيلة لمسار العملية السياسية كما يهندسها الروس"

 كما يعد هذا الاتفاق خطوة مهمة للتحويل العلاقة مع الروس لعلاقة استراتيجية وضرورية لإنجاز تفاهمات الحل السياسي وما بعده، تشكل موازنًا استراتيجيًا لعلاقة أنقرة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي جهدت طيلة فترة حكم أوباما لإدارة ملفات المنطقة بمقاربات توظيفية وبتكاليف زهيدة مغيبة مبدأ معالجة الأسباب لصالح نتائجها طالما أنها لا تتعارض مع مصالحها، ولتصحيح الخلل الحاصل في المعادلة الأمنية عبر دعمها للـ pyd التي تعتبره أنقرة امتدادًا عضويًا لتنظيم pkk المصنف إرهابيًا من قِبلها.

مكامن الهشاشة

رغم امتلاك هذا الاتفاق -المبني على مساحات التوافق بين روسيا وتركيا - هوامش واسعة للنجاح إلا أنه يمتلك أسباب هشاشته أيضًا، خاصة عند إدراكنا أن طهران التي لا تعارض سياسيًا ودبلوماسيًا هذا الاتفاق إلا أنه لا يمكنها بنهاية المطاف التأقلم مع فكرة الحل السياسي وستبقى مغلبة فكرة الحسم العسكري والتغيير الديمغرافي والتفرد في التحكم بملفات النظام وحركية بنيته لأن سوريا المركز الاستراتيجي لمشروعها السياسي في المنطقة، ولا يمكن لها تحمل خسارته المتأتية من مبدأ المشاركة وما سيلحقه من مطالبات بإخراج أذرعها وتقويض فعالية حزب الله في سوريا التي ستنعكس حكمًا على تموضعه في لبنان.

 كما يعد هذا الاتفاق اختبارًا حقيقيًا للضمانة الروسية فيما يتعلق بإجبار النظام وإيران على احترام وقف إطلاق النار، وهو أمر مشكوك به إذا ما أدركنا أن أي تسليم أو تغيير سياسي مهما كان شكليًا سيكون بمثابة شلل شامل لهيكلية هذا النظام ودعاماته من جهة ولأن فكرة الاستقرار والسلام من شانها إيقاف منسوب الشرعية التي بات يتحصل عليها مؤخرًا، وسيعزز من تحويل صراعاته البنيوية من كامنة لظاهرة وسيفقده أيضًا أي فرصة لإعادة امتلاكه القرار الأمني والعسكري في ظل الفوضى العارمة التي تعتري جسده.

"إيران لا يمكنها بنهاية المطاف التأقلم مع فكرة الحل السياسي وستبقى مغلبة فكرة الحسم العسكري والتغيير الديمغرافي والتفرد في التحكم بملفات النظام وحركية بنيته"

مما لا شك فيه أن العلاقة التركية والروسية قطعت أشواطًا مهمة في تعزيز عامل الثقة من خلال البوابة السورية وبعض الاتفاقيات الاقتصادية الاستراتيجية، إلا أنها لاتزال قيد الاختبار، وتسير وفق المبادئ البراغماتية وسياسات الحذر، وترتبط بديمومة وقف إطلاق النار، وعدم المشاغبة الإيرانية وبقاء الأمريكي في مقعد المتفرجين.

التصنيف مقالات الرأي

استضافت قناة TRT العربية ضمن برنامجها بلا قيود عدداً من باحثي مركز عمران جاء ذلك ضمن حلقة خاصة بمناسبة إصدار المركز لكتابه السنوي الثاني المتزامن مع الذكرى الخامسة لانطلاقة الثورة السورية بعنوان: "اختبارات وطنية في مواجهة سيولة المشهد السوري".

استعرض الباحثون خلال الحلقة محاور الدراسات الواردة في الكتاب مقدمين بذلك نبذة مختصرة عن عما ورد فيه، يذكر أن الكتاب تضمن أربع دراسات قدم منها مسار السياسة والعلاقات الدولية دراستين، الأولى بعنوان "الارتدادات الأمنية للسلوك الدولي والإقليمي في سورية... دراسة تحليلية"، وتفكك سياسات أهم الفاعلين الإقليميين والدوليين تجاه الملف السوري، متلمسةً أهم التداعيات الأمنية لهذه السياسات على معادلات الأمن المحلي والإقليمي، أما الدراسة الثانية، فكانت بعنوان "الإرهاب كمدخل في وأد الثورة السورية... دراسة سياسات"، وتبين حركية "الإرهاب" في المشهد السوري وأثر سلوكيات الفواعل الرئيسة على تناميه، وتستشرف مستويات "الإرهاب" الذي قد تواجهه المعارضة السورية "كخطر" في مختلف مراحل الانتقال السياسي، وترسم ملامح التحرك الاستراتيجي الأمثل تجاه تلك المستويات.

أما مسار الإدارة المحلية وتعزيز الممارسة الديمقراطية، فقدم دراسة بعنوان "خيارات اللامركزية وامتحان إعادة بناء الدولة في سورية"، تناولت بالتحليل أنماط الإدارة المحلية في سورية، ومعالم نموذج مقترح للإدارة المحلية، وتحديات المرحلة الحالية والانتقالية.

وضمن مسار التنمية والاقتصاد، طرحت دراسة بعنوان "التنمية الاقتصادية المحلية ضرورة للاستقرار الاجتماعي في سورية: دراسة تحليلية"، تركز على واقع التنمية الاقتصادية في المناطق المحررة وتستشرف الأولويات الأساسية لمستقبل اقتصادات هذه المناطق في عام 2016، من خلال تصميم برامج مناسبة تسهم بمجموعها في تحقيق أهداف هذه التنمية.

نظم مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ندوة بحثية بعنوان "المشهد السوري والتهديد الأمني"، بالتعاون مع مركز "سيتا SETA" للدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التركي، وذلك في مدينة اسطنبول.

افتتح الدكتور عمار القحف، المدير التنفيذي لمركز عمران الندوة بكلمة ترحيبية، أوضح خلالها أهمية هذه الندوة والأوراق المطروحة فيها، وأشار إلى إطلاق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية لكتابه السنوي الثاني بالتزامن مع الذكرى الخامسة للثورة السورية.

شارك في الندوة كل من الباحثين: الأستاذ معن طلاع، والأستاذ ساشا العلو، من مركز عمران للدراسات الاستراتيجية. وجان آجون، ومراد يشيلتاش، من مركز SETAللدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأدارها الباحث طلحة كوسيه من مركز SETA.

في وقته "الارتدادات الأمنية للسلوك الدولي والإقليمي في سورية"، تحدث الباحث معن طلاع عن سلوك وسياسات بعض القوى الدولية (الولايات المتحدة وروسيا) والإقليمية (إيران وتركيا ومصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي) تجاه الملف السوري، وكيف انعكست ارتدادات أمنية على المشهد السوري، مبيناً أهم مميزاته وانعكاساته.

أما الباحث ساشا العلو، فقد حاول في ورقته "الإرهاب كمدخل في وأد ‏الثورة السورية"، تفكيك حركية "الإرهاب" في الثورة السورية، وفقاً لسلوك الفاعلين المحليين الإقليمين والدوليين في الملف السوري، وتبيان أثر تلك السلوكيات على تنامي الإرهاب وتأثيره على التموضع السياسي العسكري للمعارضة السورية، ومساهمته في نقل الإرهاب من متحول في المعادلة السورية إلى ثابت على حساب القضية السياسية.

وفي ورقته، تحدث الباحث مراد يشيلتاش من مركز سيتا، عن انهيار المنظومات الامنية في المنطقة بسبب إطالة أمد الأزمة السورية، وعن آثار عدم التعاون بين هذه المنظومات في مواجهة التحديات المنبثقة عن الأزمة السورية. كما بيّن أن هناك عدة صراعات تؤثر على الأمن في المنطقة هي الصراع العربي الاسرائيلي، والأزمة العراقية، وأزمات المتفرعة عن الجماعات المتشددة في شمال افريقيا. وأشار الى الصراع الطائفي في المنطقة وتناميه في الآونة الأخيرة، ودور بعض الدول في تغذيته.

في كلمته، اعتبر الباحث جان آجون أن انهيار النظام الأمني في سورية أدى الى انتشار الجماعات المتشددة، الدينية والعرقية، التي تقاسمت هذه الأدوار الأمنية كتنظيم داعش والنصرة و"PYD". وأوضح الباحث أن تركيا حاولت ضم تنظيم "PYD" إلى المعارضة السورية وفك ارتباطها بالنظام السوري وPKK في بداية الثورة، وأن الدعم الغربي لهذا التنظيم دفعه إلى محاولة تصفية أطياف المعارضة الكردية، كالمجلس الوطني الكردي لاحتكار التمثيل الكردي في سورية.

لمشاهدة التقرير المصور انقر على الرابط التالي:https://youtu.be/fuo2eBfaS3M

 

التصنيف الفعاليات

تزامناً مع الذكرى السادسة لانطلاق الثورة السورية، يطلق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية كتابه السنوي الثاني، متضمناً عدة دراسات تعنى بأهم تحولات وتحديات الملف السوري، من إعداد مسارات المركز الثلاثة السياسة والعلاقات الدولية، الإدارة المحلية وتعزيز الممارسة الديمقراطية، والتنمية والاقتصاد.

يقدم مسار السياسة والعلاقات الدولية دراستين، الأولى بعنوان "الارتدادات الأمنية للسلوك الدولي والإقليمي في سورية... دراسة تحليلية"، وتفكك سياسات أهم الفاعلين الإقليميين والدوليين تجاه الملف السوري، متلمسةً أهم التداعيات الأمنية لهذه السياسات على معادلات الأمن المحلي والإقليمي، أما الدراسة الثانية، فكانت بعنوان "الإرهاب كمدخل في وأد الثورة السورية... دراسة سياسات"، وتبين حركية "الإرهاب" في المشهد السوري وأثر سلوكيات الفواعل الرئيسة على تناميه، وتستشرف مستويات "الإرهاب" الذي قد تواجهه المعارضة السورية "كخطر" في مختلف مراحل الانتقال السياسي، وترسم ملامح التحرك الاستراتيجي الأمثل تجاه تلك المستويات.

يقدم هذا الكتاب ضمن مسار الإدارة المحلية وتعزيز الممارسة الديمقراطية، دراسة بعنوان "خيارات اللامركزية وامتحان إعادة بناء الدولة في سورية"، تناولت بالتحليل أنماط الإدارة المحلية في سورية، ومعالم نموذج مقترح للإدارة المحلية، وتحديات المرحلة الحالية والانتقالية.

وضمن مسار التنمية والاقتصاد يمكنكم مطالعة دراسة بعنوان "التنمية الاقتصادية المحلية ضرورة للاستقرار الاجتماعي في سورية: دراسة تحليلية"، تركز على واقع التنمية الاقتصادية في المناطق المحررة وتستشرف الأولويات الأساسية لمستقبل اقتصادات هذه المناطق في عام 2016، من خلال تصميم برامج مناسبة تسهم بمجموعها في تحقيق أهداف هذه التنمية.

التصنيف أخبار عمران