رأى معن طلاع، الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ضمن تصريحه لصحفية الشرق الأوسط، بتاريخ 5 آب/ أغسطس 2018، أن ملف العودة بشكل رئيسي يرتبط بإزالة أسباب الهجرة الرئيسية، التي لا تزال غائبة عن الهندسة الروسية للحل السياسي في سورية، وقال: «أي حل يرتبط ارتباطاً عضوياً بانتهاء مسببات الصراع، وليس نتائجه فقط، فملف العودة وضرورات الاستقرار لا تزال تغيب معاييرها وشروطها عن المبادرة الروسية».

وفيما يتعلق بتصريحات افرينتييف الأخيرة عن الحكومة السورية، فقد حللها بالباحث بالقول: «تهدف موسكو من مبادرتها لتحقيق أمرين: أولهما المساندة المالية التي تتطلب مبالغاً يصعب عليها وحلفائها تأمينها بمفردهم؛ وثانيهما: تأسيس مناخات سياسية تؤمن انخراط أعداء النظام في عملية شرعنة نظام الأسد بشكل تدريجي».

رابط المصدر: https://bit.ly/2Oag9jK

الجمعة, 02 كانون2/يناير 2015 01:03

مُنتدى موسكو: دعمٌ لنظامٍ مُستنزف

ملخص: تهدف المبادرة الروسية إلى تحسين التموضع السياسي والاقتصادي لروسيا ولنظام الأسد مستغلةً الموقف الضبابي للولايات المتحدة الأمريكية، وهي لا تتعدى كونها استعراض دبلوماسي مكشوف الغايات، فدوافع التحرك الروسي تنبع من أسباب سياسية واقتصادية محلية بالإضافة إلى محاولتها دعم موقفها الدولي من خلال تحسين ظروف نظام الأسد الذي فقد الكثير من أدوات السيطرة عبر تبنيها مداخل تصب في مصلحته بامتياز. وحتى تحسن قوى المعارضة مخرجات المبادرة الروسية لا بد من تبني عدة إجراءات تضمن الرعاية والضمانة الدولية لبنودها.

يدور في مدار السعي نحو ايجاد حلٍ سياسيٍ للأزمة السورية مجموعة مبادراتٍ وخطط تحركٍ تستهدف إيجاد ديناميات سياسية تدّعي بأنها تُسهم في تعزيز فرص الحلول غير العسكرية، لا سيما بعد دخول متغير الجماعات الجهادية العابرة للحدود واحتمال تهديد المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية للفاعلين الإقليميين والدوليين.

سنبين في تقدير الموقف هذا طبيعة المبادرة الأخيرة التي يعمل الروس على إنجاحها عبر توضيح نقاط التشابه والاختلاف بين المبادرة الروسية ومبادرة دي مستورا، ثم تفكيك فرضيّاتها وتحليل غايتها ودوافع الحراك الروسي، وبناءً على ذلك سنعتمد توصيةً من شأنها تحسين موقف المعارضة والائتلاف من المبادرات.

رباعية الاختلاف والاتفاق

تختلف مبادرات الحل السياسي المطروحة فيما بينها بمجموعة نقاط وتلتقي بأُخر، ولعل أهم تلك المبادرات هي المبادرة الروسية ومبادرة المبعوث الدولي دي مستورا، وتلتقي هاتان المبادرتان في أربع وتختلف في أربع.
ونقاط الاتفاق بينهما تشمل عدم البلورة وغياب الوضوح ونقص الاكتمال والابتعاد عن الخلافات الجوهرية، كما هو موضح أدناه:

1.    إنشاء مناخات سياسية جديدة تسمح بإيجاد مداخل ورؤى مشتركة لحلٍ سياسي للأزمة السورية خاصةً مع حالة الاستعصاء التي شهدتها الساحة العسكرية بعد فشل مفاوضات جنيف2.
2.    طرح رؤية سياسية جزئية فحسب، حيث تسعى المبادرة الروسية لجمع طرفي النزاع دون وجود أجندة واضحة أو ضمانات دولية وأممية، وتسعى مبادرة دي مستورا تجميد مناطق الصراع مع غياب معالم واضحة لأجندة تنفيذ الحلّ وغاياته.
3.    تحييد نقاط رئيسية تضمنّها اتفاق جنيف برغم أنها تعدّ مكمن خلاف جوهري، ألا وهي مصير رأس النظام السوري وصلاحيات ومهام هيئة الحكم الانتقالية، وتغليب فكرة محاربة الإرهاب في كلتا المبادرتين.
4.    عدم وجود خطة مكتوبة يمكن أن تشكل مستنداً قابلاً للدراسة من قبل الأطراف المعنية عوضاً عن الاعتماد على التصريحات الاعلامية ومدلولات الحراك الدبلوماسي، على عكس خطة الأخضر الابراهيمي التي استندت على اتفاق جنيف.

أمّا نقاط الاختلاف فهي تشمل الأدوات والفئات المستهدفة واتجاهات التغيير ونوعية الجهة المبادرة، وهي:

1.    تستهدف مبادرة دي مستورا الفصائل الداخلية في حين تستهدف المبادرة الروسية الفصائل السياسية.
2.    تتخذ مبادرة دي مستورا من ديناميات داخلية كالهُدن مدخلاً لاتفاق سياسي شامل، في حين تعتزم المبادرة الروسية الاعتماد على حكومة “وحدة وطنية” في فرض واقعٍ سياسيٍ جديدٍ يُنهي حالة القطبيّة ويشكّل جبهةً موحدةً ضدّ التطرّف والإرهاب.
3.    دي مستورا مبعوثٌ ووسيطٌ أمميٌ من وظيفته البحث عن سبل انفراج الأزمة السورية، في حين يفتقر الروس إلى هذه الحيادية وتنتفي عنهم صفة الوسيط تلقائياً بسبب وقوفهم مع النظام السوري وموقفهم الواضح تجاه قوى المعارضة التي تعتبر معظمها "قوى إرهابية".
4.    يعتبر منحى التغيير الذي يستهدفه دي مستورا – وبعض المبادرات الأخرى كالـ HD– عمودي من الأسفل إلى الأعلى، في حين تختصر المبادرة الروسية عملية التغيير أفقياً على صعيد النخب السياسية بتشكيل حكومة تخلع عليها صفة الوحدة الوطنية دون التطرّق إلى أي عميلة تطال مستويات الحكم الأخرى أو الفصائل الفاعلة في مشهد التغيير الاجتماعي/السياسي التي تشهده البلد.

الدوافع: تحسين تموضع روسيا ونظام الأسد

تهدف الخطوات الدبلوماسية الروسية الحالية الرامية لجمع بعض قوى المعارضة مع وفد النظام –الذي يرفض إلى الآن حضور هذه المفاوضات بنفسه– في أواخر الشهر الجاري (يناير / كانون الثاني 2015) لتذويب الجليد السياسي المحيط بالأزمة السورية.  إنّ غياب الأجندة والرؤية السياسية لحلٍ ناجع، وانحسار التأثير الروسي والإيراني على مجريات الأحداث في سوريا، وعدم قابلية البنية الداخلية للولوج في مناخ حلٍّ ضبابي لا يضمن لها مكاسب تُذكر... إنّ كل ما سبق بالإضافة إلى انفراد روسية (الطرف في الصراع) برعاية المبادرة ينذر بفشل أي تسوية مستدامة للأزمة السورية.  إنّ جلّ ما تقوم به روسيا هو التظاهر بإطلاق عملية حوار وطني كما تنصّ عليه الفقرة "ب" من ميثاق جنيف، في حين أن دوافعه الباطنة يمكن أن تلخّص بعاملين محليّين سياسي واقتصادي وبدافعٍ دولي استراتيجي يفرضه واقع نظام الأسد كما هو موضح بالآتي:

1.    تنشيط الحركة الدبلوماسية الروسية بعد انحسارها على الساحة الدولية جراء الثمن السياسي الباهظ لضمّ القرم التي أعادت ظروف الحرب الباردة لدوائر صناع القرار في أمريكا وروسيا على حد سواء، إضافةً إلى تهميشها في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب.
2.    البحث عن مخارج وحلول للأزمة الاقتصادية الخانقة التي سببتها العقوبات الأمريكية والأوروبية الانخفاض الحادّ لأسعار النفط، والتي تتجلّى بمساعيها في تقديم مغريات سياسية تارةً واقتصادية تارةً أخرى لكلّ من المملكة العربية السعودية وتركيا بعد تعزّز قناعتها بعدم جدوى التوجّه إلى الصين. ويمكن هنا ذكر عدة مؤشرات:
•    فشل خطة البنك المركزي الروسي في إنقاذ الروبل من التدهور عبر رفع سعر الفائدة، والذي بدأ مطلع 2014 ولم يتوقف الى اللحظة.
•    حياد الصين (في أحسن الأحوال) حيال الأزمة الاقتصادية الروسية، حيث أن الأولى هي المستفيد الأكبر من نزوح الشركات الأوروبية نحوها بدلاً من روسيا من جهة، ومن انخفاض سعر النفط من جهة أخرى، مما يضغط على الشراكة الاستراتيجية مع الصين التي أصبحت ترى في استمرار أزمة روسيا الاقتصادية فرصة سانحة للاستغلال السياسي والاقتصادي.
•    تراجع عائدات روسيا من بيع النفط والغاز إلى نصف حجمها الأصلي بعد انخفاض أسعار النفط، علماً أنها تشكّل بمفردها نصف الدخل القومي، وتعاظم تأثيرها السلبي على الاقتصاد الروسي برمّته في ضوء قدرة استمرار دول الخليج في سياسة زيادة الإنتاج لفترة تتجاوز عتبة الصبر الروسي.
•    عدول الاتحاد الأوروبي عن تفعيل الخط الجنوبي لنقل الغاز الروسي «ساوث ستريم لاين»، واعتماد خط غاز «نابوكو» الذي يمرّ عبر تركيا عوضاً عنه، واضعةً تركيا وسيطاً بين الاتحاد وروسيا في المباحثات المفضية لإنشائه، مما يدفع روسيا إلى البحث عن تقاطع مصالحها مع مصالح تركيا.  
3-    تحسين واقع الأسد لتعزيز دورها الإقليمي: بالرغم من المعطيات الموضوعية والتقارير الميدانية التي تشير بوضوح إلى انحسار الدور الفعّال للنظام لحساب الحضور  الإيراني، ناهيك عن الخسائر العسكرية المتتابعة التي منيت بها حملته الحربية، بالإضافة إلى تعاظم عجزه في تجنيد المزيد من الشباب والفوضى المنتشرة في صفوف مؤيديه، وإلى جانب تردّي حالته الاقتصادية في ظل تراجع قدرة حلفائه على استمرار دعمه مالياً بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بهم...لأجل ذلك يسعى "منتدى موسكو" إلى تغليب كفّة النظام على حساب تحقيق المطالب المجتمعية السورية.
ليس ثمة ما يشير إلى نجاح المساعي الروسية، فهي بأحسن الأحوال تسوية سياسية هشّة محكوم عليها بالفشل بالعاجل القريب، حيث تقوم المبادرة على عددٍ من الفرضيات يُسلم المشاركين في المنتدى بها مجرد قبولهم دعوة الحضور، حين أكدت أنّ الحوار الذي تسعى لتأسيسه يأتي دون أي شروط مسبقة ويسعى لتوحيد "الجهود الوطنية" في محاربة الإرهاب ولإيجاد حل سياسي سوري داخلي بهذه العمومية الفارغة من المضامين.
 ويمكن تحديد هذه الفرضيات الروسية بالنحو التالي:

لا يزال نظام الأسد متحكم بمؤسسات الدولة السورية، وممسك بزمام المبادرة على الصعيد العسكري والأمني.
تشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات تنفيذية واسعة ثلث قوامها الأول من النظام، وثلثها الثاني من معارضة الداخل، وثلثها الأخير من المعارضة الخارجية.
استمرار الأسد على رأس الهرم التنفيذي بصلاحيات محدودة أثناء الفترة الانتقالية لمدة 24 شهراً على الأقل، قد تمتد إلى نهاية ولايته الرئاسية في حال تعثرت العملية الانتقالية.

إشكاليات تفشل المبادرة

يمكن وصف الجهود الدبلوماسية الأخيرة بأنها محاولة روسية لتحسين شروط تموضعها الاقتصادي والسياسي على الساحة الدولية أكثر من كونها جهود لإيجاد حل سياسي في سورية، حيث أنها لا تزال تسبح في فضاءٍ عامٍ فضفاضٍ دون أن توضّح أو تفصّل بنود مبادرتها الحوارية، رافضة الخوض في نقاش مكامن الاختلاف الأصلية المتمثلة بالدور المستقبلي للأجهزة الأمنية والعسكرية ومصير رأس النظام. وعلاوة على ذلك يعتري سياق الطرح الروسي أربعة إشكاليات تزيد تعقيد مسارات الحل السياسي:

1.    عدم وجود خطة روسية مكتوبة توضح التزاماتها والتزامات الطرفين، والغاية النهائية من مبادرتها، وأدواتها التنفيذية، وبرنامجها الزمني، مما يعزّز فرضية أن الفاعل الروسي يهدف إلى الاستعراض الدبلوماسي لا غير.    
2.    غياب الموقف الواضح للولايات المتحدة الأمريكية من هذه المبادرة رغم امتلاكها مفاتيح عدة لا يمكن تجاهلها، مما يؤكد نظرية عدم جديتها في حل الأزمة في الوقت الحالي على الأقل، سواءً برغبة منها في استمرار الأزمة السورية لتوفير أسباب استنزاف الخصوم وإنهاك قواهم (كإيران وروسيا وحزب الله والجماعات الجهادية العابرة للحدود والتيارات الناشزة عن خططها في المنطقة أو التي يفترض أنها تضرّ بالمصالح الإسرائيلية)، أو لأسباب أمريكية داخلية تفرضها خلافات بين المؤسسات الأمريكية وإدارة أوباما.
3.    دعوة إيران منفردة لحضور منتدى موسكو دون المملكة العربية السعودية أو تركيا يفسح المجال لقوى إقليمية، لا تمتلك بمفردها مفاتيح الحل، بعرقلة أي جهود دبلوماسية لن تحقق توازن إقليمي.
4.    إشكاليات المشهد السياسي السوري الداخلي التي يمكن تبيانها في ثلاث نقاط: الأولى تتّصل بموقف الفصائل العسكرية الكبرى من هذه التحركات والمبادرات ومدى إمكانية تطويعهم في هذا الحل، والثانية تتعلّق بقدرة حكومة الوحدة الوطنية (المتوقع انبثاقها عن هذه المبادرة) أن تحسم برياً معركة " مكافحة الإرهاب، والثالثة تتأتى من عدم جدوى أي مبادرة تهمش فيها قوى أساسية تحظى بشرعية دولية كالائتلاف الوطني.

الخيار الأكثر فاعلية

توضح المؤشرات أن المبادرة الروسية لن تفضي إلى حل سياسي نظراً لارتباط الحلّ بجملة معطيات دولية مستقبلية لعل أهمها القدرة، إشكالية القضاء على الإرهاب في سياق التأجيج الطائفي التي تقوم بها إيران وتغضّ النظر عنه الأطراف الدولية، استعصاء الحلّ في الملفّ النووي الإيراني الذي يجعل ترك كثير من الخيوط السورية في يدها أمر إشكالي، وتراكم المشاكل المجتمعية في النظام العربي الجديد بعد الثورات المضادة التي ما زالت تحاول تمكين الدكتاتوريات في صدارة الحكم.  ولذا فالمتوقع أن تنحصر نتائج المبادرة الروسية في أحد السيناريوهين التاليين:
الأول: فشل منتدى موسكو وعدم استكمال الخطوات المتلاحقة التي تمّ الاعلان عنها كحوار دمشق وحكومة الوحدة الوطنية. ومما يؤكد هذا الخيار التمسك الروسي بثوابت هي محل الخلاف الرئيسي من جهة ولإدراك وظيفة المفاوضين الموفدين من قبل النظام من جهة ثانية.
الثاني: نجاح المؤتمر بتحقيق وظيفته وجمع أطراف الصراع والانتقال إلى خطوة اجتماع دمشق التي ستلاقي رفضاً شديداً في الأوساط العسكرية والسياسية المحلية، وسيدعم هذا الرفض أطراف اقليمية تملك أدوات عرقلة الحل. وهذا الخيار غير مرجّح لأن الفاعل الامريكي لن يمنح نصراً مجانياً للروس أو للإيرانيين أو لأي جهة أخرى، كما انه لا يزال غير مهتمٍ بحسم النزاع الذي يستنزف كل الاطراف كما تم ذكره مسبقاً، بالإضافة إلى أن هذه الجهود ستستغرق زمناً يقارب موعد الانتخابات الأمريكية والتي يرجح فوز الحزب الجمهوري بها مما يعني الاستغناء عن سياسة القيادة من الخلف نظراً لتراكم المهددات الأمنية الأمريكية.
لذا ينبغي أن يقوم الائتلاف الوطني لقوى المعارضة بجملة إجراءات مرتبة زمنياً من شأنها تحسين الظروف قدر المستطاع:

1.    حركة دبلوماسية مكثفة بهدف كسب تأييد دولي لمخرجات تفاهم قوى المعارضة الجارية اجتماعاتهم في القاهرة مع ضرورة التأكيد على تضمينها ثوابت لا يمكن الاستغناء عنها.
2.    دعوة مجموعة أصدقاء سورية للاجتماع ومناقشة الخطوة الروسية.
3.    المطالبة بضمانات قانونية أممية ورعاية ثنائية (أمريكية -روسية) مباشرة لهذه المبادرة.

 

التصنيف تقدير الموقف