تتسم العلاقة بين الاستقرار الأمني والتعافي المبكر بأنها علاقة عضوية في دول ما بعد النزاع، وعلاقة تبادلية في حالات الانتقال والتحول السياسي، إلا أن الثابت في معادلة تحقيق الأمن والاستقرار يتمثل بضرورة وجود مناخ سياسي جديد يجفف منابع ومسببات الصراع، والحالة السورية ليست استثناءً في هذا الأمر، فمن جهة أولى بات سؤال الاستقرار الأمني هاجساً وطنياً لكن بالوقت ذاته تعددت الأسباب الدافعة لحالات الفوضى والتشظي في المرجعيات، سواء المحلية أم الإقليمية والدولية، ومن جهة ثانية فإن الاستعصاء الذي يعتري حركة العملية السياسية وما رافقه من تحوير لجوهرها (من انتقال سياسي إلى لجنة دستورية غير واضحة المسار والمخرجات) فإنه يغيب في المدى المنظور أي انفراج متوقع من شأنه نقل البلاد إلى مناخات سياسية جديدة. وبالتالي بقاء مؤشرات الاستقرار بقيمها السالبة.
ومع اتجاه الملف السوري نحو سيناريو "التجميد القلق" معززاً احتمالية تصلب الحدود الأمنية الفاصلة بين مناطق النفوذ الثلاثة في سورية: (منطقة النفوذ التركي وحلفيته المعارضة السورية في شمال غرب الفرات، ومنطقة النفوذ الأمريكي وحليفته الإدارة الذاتية شمال شرق الفرات، ومنطقة النفوذ الروسي والإيراني وحليفهما النظام)، فإن معدلات الاستقرار الأمني سترتبط بالتعافي المبكر والاستقرار الاجتماعي، سواء ما تعلق منها بالمقيمين في مناطقهم داخل سورية، أم أولئك النازحين من مناطق أخرى، واللاجئين في الخارج الذين يرتجون عودة كريمة وآمنة لمناطقهم، وهو محور اهتمام هذا التقرير، الذي يحاول رصد وتحليل أربعة مؤشرات بالغة الأهمية على مستوى الأمن الفردي والمجتمعي، وهي: الاغتيالات والتفجيرات والاعتقالات والاختطاف . وذلك من خلال عينة مختارة من المدن التي تمثل مختلف الجغرافية السورية.
من أجل الوصول إلى تقديرات صحيحة تم اختيار نماذج بإمكانها تقديم صورة قابلة للتعميم على باقي المناطق بارتياب مقبول. وعليه آثر التقرير، في قسميه الأول والثاني، تتبع مؤشري التفجيرات والاغتيالات خلال سنة كاملة، تبدأ من بداية شهر تموز/ يوليو 2019 وحتى نهاية شهر حزيران/ يونيو 2020، في مناطق النفوذ الثلاثة. ففي مناطق سيطرة النظام السوري تم اختيار المناطق التي يسيطر عليها النظام في محافظة دير الزور ومحافظة درعا باعتبارهما مناطق استعاد النظام السيطرة عليها، ويعد السؤال الأمني فيها الأكثر إلحاحاً.
وبالنسبة لمناطق سيطرة الإدارة الذاتية، تم اختيار المناطق التي تسيطر عليها في دير الزور إلى جانب محافظة الحسكة التي تعدُّ مركزاً حيوياً هاماً لها. أما بالنسبة لمناطق سيطرة المعارضة السورية فتم تتبع كافة هذه المناطق في كل من محافظات إدلب وحلب والرقة والحسكة.
ولقياس هذين المؤشريّن تم تصميم نموذج خاص لرصد تلك العمليات، وتحليل البيانات الخاصة بها، كمؤشرات للعودة الآمنة، فقد شمل النموذج الخاص بالاغتيالات والتفجيرات كلاً من: (التاريخ - المكان - نوع الحادثة - المستهدف - أداة الاستهداف - صفة المستهدف - الجهة الفاعلة للعملية). وتم الإشارة إلى نتائج تلك العمليات وما أسفرت عنه. كما سعى التقرير كذلك إلى تحليل تلك البيانات ومقاطعتها بين مختلف المناطق، في محاولة لرسم الملامح العامة للوضع الأمني وقياس أولي لمؤشرات الاستقرار والعودة الآمنة.
في حين اعتمد التقرير على المصادر التالية:
وشمل المؤشران الثالث والرابع كلاً من الاعتقالات والاختطاف وهما مؤشران بالغا الأهمية، نظراً لما يشكلانه من محددات مهمة للعودة الآمنة للاجئ والنازح على حد سواء. وهنا تم اختيار ثلاثة نماذج من مناطق سيطرة النظام، وهي مدن تم السيطرة عليها منذ عام 2018، وهي مدينة جاسم في درعا، ودوما في ريف دمشق، والبوكمال في ريف دير الزور. أما بالنسبة لمناطق المعارضة فقد تم اختيار مدينة جرابلس باعتبارها مدينة تم السيطرة عليها منذ حوالي العامين ضمن إطار ما عرف باسم عملية "درع الفرات". وبالتالي تعد اختباراً موضوعياً لمؤشرات الاستقرار الأمني فيها، كما تم اختيار مدينة عفرين لحساسيتها من جهة لحداثة السيطرة (منذ مطلع 2018). إلى جانب كونها توفر معطيات أولية تتيح للتقرير مقارنتها مع النموذج الأول ومدى مطابقته أو الاختلاف عنه.
من أجل ذلك تم تصميم نموذجٍ خاصٍ لرصد تلك العمليات، وتحليل البيانات الخاصة بها كمؤشرات للاستقرار والعودة الآمنة خلال نصف سنة تبدأ من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 حتى نهاية آذار/ مارس 2020. فقد تم تصميم النموذج في ملف الاعتقال والاختطاف وفق الشكل التالي: (التاريخ - المكان - نوع العملية - صفة المستهدف - عدد المستهدفين - الجهات المسيطرة - أماكن الرصد - الجهة المستهدِفة - جنس المستهدف). فيما يتعلق بمصادر التقرير فقد تم الاعتماد على المقابلات الخاصة مع أشخاص مطلعين على تفاصيل الأحداث في المناطق المرصودة. بالإضافة إلى الاعتماد على:
لقراءة المادة انقر هنا
قدم الباحث في مركز عمران معن طلاع تصريحاً صحفياً ضمن تقرير نشرته صحيفة جسر الإلكترونية بعنوان: هل عاد “داعش” للحياة عبر الاغتيالات؟
رأى فيه الباحث إنه لا يمكن القفز إلى الاستنتاج بأن داعش يقف وراء عمليات الاغتيال تلك، وعندما نحلل مستويات الأرقام (من عمليات اغتيال وتفجيرات خلال شهري كانون الثاني وشباط الماضيين) نجد أن لا يمكن الحديث عن أي تحليل دون تحميل الجهات الأمنية المسؤولية الأولى عن حوادث القتل تلك. وطالما لا توجد نتائج لتحقيقات الاجهزة الأمنية، فإن الجزء الاكبر من المسؤولية يقع على عاتق تلك الأجهزة، التي يتوجب عليها تأمين الاستقرار الامني”.
مؤكداً الباحث أن “داعش” بعد الباغوز “أصبح يافطة أكثر من كونه جسم حقيقي، إذ بات غطاءاً للعديد من العمليات، جزء له علاقة بالعصابات، وجزء له علاقة بتصفية حسابات شخصية، وجزء مرتبط بدفع بعض الجهات السياسية، للقيام بعمليات أمنية تحت يافطة داعش”.
ووفقاً لرأيه فإن “الجزء الأكبر من عناصر داعش الذين خرجوا من المعتقلات، ليس لديهم ترابط تنظيمي، (مع عدم إغفال حالة الذئب المنفرد التي يستخدمها أشخاص ينتمون لداعش فكرًا ويقومون بعملياتهم)، لذا فإن هذه الحالة وغيرها ستشكل لما تبقى من داعش مناخاً جيداً لاعادة التفكير بمرحلة انتقالية ما، لا يمكن فهمها إلا بالنظر لواقع داعش عشية انهياره وما بعد الانهيار”.
للمزيد انقر رابط صحيفة الجسر: https://bit.ly/3cWYZme