بتاريخ 26 أيلول 2022؛ عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية في مدينة كفر تخاريم بريف #إدلب ورشة حوارية بعنوان: " المجتمع المدني السوري، أولويات التنظيم والحراك". شارك في الورشة الزميل أول في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد منير الفقير.
 
تحدث فيها الفقير عن العمل المدني ما قبل #الحراك_الثوري وسياسات النظام ضد العمل المدني وأثرها على الحراك السياسي والمجتمعي، كما استعرض مسيرة الحراك المدني خلال الثورة السورية ، مبيناً دور تشكيلات #المجتمع_المدني الناشئة في تعويض غياب مؤسسات الدولة، وتحديات التشكيل والتمثيل ومساحات العمل المطلوبة.
التصنيف الفعاليات

يُعلن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية عن بدء قبول طلبات التقدم لبرنامج التدريب البحثي الرابع، والموجّه للطلبة السوريين من طلاب الدراسات العليا أو حملة الإجازة الجامعية. يقسم البرنامج إلى مرحلتين:

الأولى؛ موجهة للإحاطة بالأطر النظرية والمنهجية للعملية البحثية وأدواتها، وخاصة المتعلقة بمراكز التفكير والسياسات العامة وآليات عملها، بالإضافة إلى تحليل ملفات #المشهد_السوري وتحولاتها على كافة الصعد، على أن يمنح المتدربين في نهايتها شهادة حضور دورة تدريبية.
الثانية؛ مخصصة لعدد محدود من المتدربين، يتم انتقائهم بناء على معايير محددة، لإجراء تدريب عملي على إعداد مخرج بحثي، بإشراف ومتابعة مركز عمران في إحدى المجالات التالية: الاقتصاد السياسي، التعافي الاقتصادي، وإعادة الإعمار.

مكان التدريب:

1-#اسطنبول/ الفاتح

‏‎تقبل طلبات التدريب من تاريخ 17 ولغاية 26 حزيران 2022، وسيتم اختيار المقبولين بناء على شروط البرنامج ونتائج امتحاني القدرات التحليلية والمقابلات الشخصية، التي ستجريها اللجنة المسؤولة عن البرنامج مع المتقدمين.


‏‎رابط تقديم الطلب:https://ee.kobotoolbox.org/x/LSSV7Ajt 

التصنيف الفعاليات

قدم الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محمد العبدالله تصريحاً لجريدة عنب بلدي ضمن تقرير بعنوان " الجواز السوري يقفل أبواب المعاملات التجارية بوجه حامليه".

شخص فيه أسباب التقييد المالي المفروض على حملة الجواز السوري، والتداعيات المرتبطة بهذا التقييد على الواقع التجاري والاستثماري لهم داخل وخارج سورية.

 

للمزيد: https://bit.ly/37UhScC

قدم الباحث في #عمران_للدراسات_الاستراتيجية محمد العبدالله تصريحاً لـ جريدة عنب بلدي ضمن تقرير بعنوان: "حرب وغلاء وشبكات فساد...عوامل تدمر #الثروة_الحيوانية في #سورية".
بين فيه الباحث التحديات التي تواجه قطاع الثروة الحيوانية وتداعياتها المستقبلية.
 
قدم الباحث في #عمران_للدراسات_الاستراتيجية محمد العبدالله تصريحاً لـ جريدة عنب بلدي ضمن تقرير بعنوان: "كيف غيرت الحرب ثقافة الاستهلاك عند #السوريين".
 
شخص فيه الباحث واقع تغير السلوك الاستهلاكي في #سورية وأسباب هذا التغير وتداعياته المحتملة.
 
بتاريخ 13 أذار 2022، استضاف تلفزيون سوريا ضمن برنامجه منتدى دمشق، نوار شعبان الخبير في الشؤون الامنية والعسكرية في عمران للدراسات الاستراتيجية، للحديث عن تجنيد المقاتلين في حروب خارج الحدود.
 
حيث أوضح شعبان الدور العسكري للشركات الأمنية المتعاقدة مع وزارة الدفاع الروسية في سورية، مبيناً حركية هذا التجنيد والمهام العسكرية التي يقوم بها هؤلاء المجندين.
 
للمشاهدة على يوتيوب: https://youtu.be/rUE-TKb6QvM
الثلاثاء, 16 تشرين2/نوفمبر 2021 13:58

ندوة نقاشية | سورية بين التاريخ والمستقبل

بتاريخ 07 تشرين الثاني 2021، عقد مركز عمران للدراسات الاستراتيجية جلسة نقاشية بعنوان (سورية بين التاريخ والمستقبل) قدمها الدكتور ياسر العيتي، في مدينة غازي عنتاب - تركيا، حضرها عدد من الناشطين والفاعلين في المجتمع المدني.


استعرضت الجلسة في محورها الأول أبرز التشوهات السياسية في تاريخ سورية الحديث، كما ركز المحور الثاني على الثورة السورية باعتبارها نقطة تحول في تاريخ سورية الحديث يبدأ التغيير منها ولا ينتهي عندها، فيما ناقش المحور الثالث الرؤى المستقبلية المستندة على المقومات الطبيعية والبشرية في سورية من أجل بناء المستقبل السوري.

التصنيف الفعاليات

ملخص تنفيذي

  • يسعى تقدير الموقف للإجابة عن سؤال دوافع وحيثيات ودلالات الموقف الرسمي التركي ومواقف الأحزاب المختلفة في سياق عوامل الأمن القومي، وملف اللاجئين وديناميكيات السياسة الداخلية، والسردية التي يقدمها كل حزب للمشهد السوري.
  • يختلف تعاطي الأحزاب السياسية التركية مع "الملف السوري"، بحسب الخلفية الأيديولوجية والقاعدة الشعبية الانتخابية من جهة، والتموضع السياسي لكل منها بين تحالف حاكم وأحزاب معارضة من جهة أخرى.
  • تتباين مواقف الأحزاب التركية تجاه الفواعل العسكرية المتواجدة في الجغرافية السورية والتواجد العسكري التركي هناك من جهة، وتجاه ملف اللاجئين من جهة أخرى؛ وتمتلك مواقف مختلفة بشكل جزئي أو كلِّي بخصوص "الملف السوري" في هذا السياق.
  • على الرغم من تلاقيها في انتقاد السياسة الخارجية للحكومة، لا تمتلك أحزاب المعارضة موقفاً واحداً أو سرديةً واحدةً تجاه المشهد السوري، لا على مستوى الفواعل العسكرية المتواجدة في الجغرافية السورية، ولا على مستوى ملف اللاجئين أو أطروحة الحل لـ "الملف السوري".

 

 

مدخل

بعد مصادقة البرلمان التركي على مذكرة/قرار رئاسة الجمهورية في أواخر أيلول/سبتمبر 2021،([1]) والتي تم بموجبها تمديد صلاحية إرسال قوات خارج البلاد، إلى سورية والعراق، وإثر انقسام الأحزاب التركية بين مؤيد ومعارض للمذكرة؛ تُثار تساؤلات حول حيثيات ودلالات مواقف هذه الأحزاب لا سيما مع تصاعد حدة الاستقطاب في المشهد السياسي الداخلي التركي مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي المقرر في حزيران/يونيو 2023، خصوصاً وأن "الملف السوري" يُشكل أحد أهم الملفات "المثيرة للجدل" بالداخل التركي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وذلك بكل ما يتضمنه من إشكاليات معقدة أبرزها: التشكيلات دون الدولتية  والمتمثلة بشكل رئيسي بـ"قوات سورية الديمقراطية – قسد" و"هيئة تحرير الشام – هتش" وانعكاساتها على الأمن القومي التركي، والعلاقة مع الفواعل الإقليمية والدولية، وإشكالية اللاجئين وموجات الهجرة المحتملة. يُضاف إلى ذلك إثارة مسألة إعادة العلاقات مع النظام السوري من قبل أطياف عدة في المعارضة التركية.

 في هذا السياق، تتباين مواقف الأحزاب التركية المختلفة تجاه "الملف السوري" بشكل عام، وتجاه التدخل العسكري التركي في سورية بشكل خاص، سواء من ناحية السردية التي تقدمها للمشهد السوري، أو من ناحية الدوافع الكامنة وراء اتخاذها لقرار تأييدها لـ "المذكرة" ومستوى هذا التأييد، لا سيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الخلفيات الأيديولوجية المختلفة، والتموضع السياسي لكل منها بين: تحالف حاكم، وأحزاب معارضة. وهو ما تجلى بشكل واضح في جلسة التصويت على المذكرة؛ إذ صوت كل من حزب العدالة والتنمية (AK Parti)، وحزب الحركة القومية (MHP)، والحزب الجيد (İYİ Parti)، لصالح المذكرة؛ بينما صوت ضدها كل من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP)([2]).

وعليه يسعى تقدير الموقف هذا إلى استعراض محددات الأحزاب التركية المختلفة تجاه القرار، وحيثيات مواقفها ودلالاتها المختلفة، إضافة إلى تقديم خطوط عامة لاتجاهات هذه المواقف والعوامل التي تحكم ثباتها أو تحولها.

محددات الموقف الرسمي... (تهديدات أمنية وموجات هجرة محتملة)

تستند المذكرة التي قدمتها رئاسة الجمهورية، والتي تمت المصادقة عليها كقرار من البرلمان التركي، على "اتخاذ جميع التدابير اللازمة في إطار القانون الدولي ضد الحركات الانفصالية والتهديدات الإرهابية وجميع المخاطر الأمنية التي تهدد الأمن القومي لتركيا، والقضاء على أي هجمات أخرى من جميع المنظمات الإرهابية في العراق وسورية، وضمان الحفاظ على الأمن الوطني ضد المخاطر المحتملة الأخرى، مثل الهجرة الجماعية"، بالإضافة إلى إشارة القرار إلى "المخاطر والتهديدات المستمرة التي تستهدف فعاليات إنشاء الأمن والاستقرار، في إدلب، في إطار عملية أستانا"([3]).

لذلك؛ يُمكن القول بأن الأولوية الحالية للسياسة الخارجية التركية تتمثل في منع تشكُّل أي كيان حوكمي إثني في سورية، وإبعاد "قسد" والتشكيلات المرتبطة بها عن الحدود التركية، وصولاً إلى الحد من نشاط "حزب العمال الكردستاني" والمجموعات المرتبطة به في المنطقة، بالتوازي مع الحفاظ على الحد الضروري من الاستقرار النسبي في إدلب بشكل يمنع حدوث موجة هجرة جديدة تجاه الحدود التركية، وتراعي هذه الأولوية حساسية ملف الإرهاب للأمن القومي التركي على مدى العقود الأربعة السابقة، إضافة إلى الحساسية الكبيرة على المستوى التركي الداخلي تجاه أي موجة لجوء محتملة، في حال شنَّ النظام السوري عملية عسكرية واسعة في إدلب، الأمر الذي سيثير ردة فعل غاضبة على المستويين الاجتماعي والسياسي، خصوصاً مع التصاعد المتزايد للاحتقان الاجتماعي وخطاب الكراهية تجاه اللاجئين والمهاجرين بشكل عام، والسوريين منهم بشكل خاص([4]).

 وفي ذات السياق، يُلاحظ إيلاء الحزب الحاكم أهمية لمسألة الاستقطاب السياسي وتفاعله مع "الملف السوري"، وذلك من خلال تمديده المذكرة لعامين مقبلين، حتى تشرين الأول من العام 2023، أي لما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة والمقرر عقدها في حزيران من العام ذاته، وهي المرة الأولى التي تتم فيها المصادقة على المذكرة لمدة سنتين، بعد أن كانت المصادقة تتم لمدة عام واحد فقط في السنوات السابقة، وهو ما يمكن تفسيره بتجنب أن تكون المذكرة في مركز الحسابات الانتخابية العام المقبل، خصوصاً مع تصاعد الاستقطاب السياسي كلما اقتربت البلاد من موعد الاستحقاق الانتخابي.

وعلى الرغم من تصدر حزب العدالة والتنمية (AK Parti) واجهة الاستقطاب السياسي بما يتعلق بـ "الملف السوري" والتدخل العسكري خارج البلاد، إلا أنه لا يمكن إهمال موقف حزب الحركة القومية (MHP) المؤيد للموقف الرسمي التركي، كونه حزباً حليفاً للأول في تحالف "الجمهور"، ويُعتبر بشكل أو بآخر فاعلاً سياسياً يُسهم في صياغة موقف التحالف، وبالتالي الموقف الرسمي للحكومة. علاوةً على كونه حزباً "قومياً-يمينياً"، يمتلك تقليداً سياسياً صلباً تجاه القضايا الأمنية بشكل عام، ومسألة "الإرهاب" و"حزب العمال الكردستاني" بشكل خاص.

أحزاب المعارضة... (مواقف متباينة ودلالات مختلفة)

يجتمع كل من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) بالتصويت ضد القرار، إلا أنهما يختلفان في الدوافع التي تقف وراء موقفهما. فقد اعتاد حزب الشعب الجمهوي (CHP) أن يصوت لصالح القرار في السنوات السابقة، إذ صوت بنعم لصالح القرار في العام 2020 تحت حجة حماية حياة الجنود الأتراك هناك ومكافحة الإرهاب([5])، وهو ما يمثل الموقف التقليدي الحازم للشعب الجمهوري (CHP) في القضايا الأمنية، في حين أن الشعوب الديمقراطي (HDP) كان وما يزال يرفض التدخل العسكري التركي في سورية، وذلك كون التدخل يستهدف بشكل أساسي المجموعات المسلحة التابعة لـ"الإدارة الذاتية"، والتي ينظر إليها الحزب كـ"مبادرة قيّمة" في برنامج الحزب الرسمي، في حين تنظر لها الأحزاب التركية الأخرى بشكل عام ككيان "إرهابي"، الأمر الذي يشكل أحد العوامل التي تجعل حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) موصوماً بتهمة "الإرهاب" وعدم فكه الارتباط بـ"حزب العمال الكردستاني".

وفي الوقت الذي يصف فيه الشعوب الديمقراطي (HDP) المذكرة على أنها "تذكرة عداء الكرد... وتقدم يد العون للجيش السوري الحر، وتنظيم الدولة، والنصرة " مصنفاً "الجيش السوري الحر" في خانة "التنظيمات الإرهابية"، ويصرح بأن "شمال وشرق سورية ممر للسلام بين الشعوب، وممر للاستقرار والديمقراطية"([6])، إضافة إلى رفضه لإعادة اللاجئين وخطاب الكراهية المتصاعد تجاههم([7])؛ فإن الشعب الجمهوري (CHP) يرى بأن الحل يكمن في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وفي "تسهيل إمكانية تأسيس الأسد لوحدة الأرض، والسيادة والوحدة السياسية في بلاده"، مع تأكيده على إمكانية القيام بمكافحة الإرهاب بالتعاون مع النظام السوري، وبوجود إمكانية لإيقاف "الحرب الأهلية" في سورية وتأسيس السلام وإعادة السوريين إلى بلادهم بـ"سلام"([8]).

 لذلك، نجد بأن الدوافع وراء اتخاذ الحزبين قرار التصويت ضد القرار مختلفة، فالشعوب الديمقراطي (HDP) يمتلك موقفاً كان وما زال صلباً وثابتاً ضد التدخل العسكري التركي خارج البلاد، وذلك لدوافع أيديولوجية – إن صح التعبير – تتجلى في خطابه المؤيد لـ"الإدارة الذاتية" في سورية؛ في حين يمكن تقييم موقف الشعب الجمهوري (CHP)، كخطوة تكتيكية لزيادة الضغط على الحزب الحاكم بشأن "الملف السوري"، وكسب أصوات الشعوب الديمقراطي (HDP) في الانتخابات الرئاسية المقبلة على غرار ما حدث في الانتخابات المحلية (انتخابات البلدية) في كل من اسطنبول وأنقرة والتي لم يرشح فيها الأخير مرشحاً عنه، إذ يعمل الشعب الجمهوري (CHP) بذلك على محاولة حفاظه على تموضع سياسي يمكنه من التنسيق بين أطياف المعارضة المختلفة بغض النظر عن خلفيتها الأيديولوجية أو أسباب معارضتها للحزب الحاكم.

على الجانب الآخر، وعلى الرغم من كون الحزب الجيد (İYİ Parti) حزباً حليفاً للشعب الجمهوري (CHP) في تحالف "الملةMillet/"، إلا أنه صوّت لصالح المذكرة/القرار، تحت ذريعة حماية الأمن القومي. وبالتوازي مع ذلك، انتقد الحزب سياسة الحكومة التركية تجاه "الملف السوري"، متبنياً سردية "أن طريق الحل في سورية، لا يمر فقط من موسكو وواشطن، وإنما من دمشق أيضاً"([9])، فلطالما طالب قياديون في الحزب الجيد (İYİ Parti) بإعادة فتح القنوات الدبلوماسية مع النظام السوري، كخطوة لحل المعضلة السورية، بما يتضمن إعادة اللاجئين. لذلك، يُمكن تفسير موقف الحزب، برغبته بالتمايز عن الحزب الحاكم من جهة، وحزب الشعوب الديمقراطي (HDP) من جهة أخرى.

 

خاتمة

بالاستناد إلى ما سبق، نلاحظ اختلاف تعاطي الأحزاب السياسية التركية مع "الملف السوري"، بحسب الخلفية الأيديولوجية والقاعدة الشعبية الانتخابية والتموضع السياسي لكل منها بين تحالف حاكم وأحزاب معارضة، إذ يختلف بالضرورة موقف الحزب المتموضع في موقع المسؤولية في الحكم عن المعارض، الذي يسعى لرفع أسهمه في الانتخابات المقبلة أو المحافظة على تقليده السياسي في هذا الصدد.

لذلك، لا تبدو أحزاب المعارضة إلى الآن مؤثرة في صياغة التصور العام للسياسات تجاه سورية في الوقت الراهن، على الرغم من تأثير أطروحاتها على المستوى الإعلامي والاجتماعي، إذ تُعنى مواقفها وأطروحاتها بديناميكيات السياسة الداخلية وتموضعها السياسي وقاعدتها الشعبية، أكثر من واقع الجغرافية السورية وديناميكيات السياسة الدولية ذات الصلة.

لهذا، يبدو بأن الحزب الحاكم سيبقى الموجِّه الرئيسي لبوصلة السياسات تجاه "الملف السوري"، وفق محددات الأمن القومي و"خطر" موجات الهجرة المحتملة وطبيعة علاقته مع حليفه الحركة القومية (MHP) بالدرجة الأولى، وديناميات السياسة الداخلية بالدرجة الثانية؛ وذلك حتى موعد الاستحقاق الانتخابي المقرر عقده في حزيران/يونيو 2023.

بالمقابل، تبقى كل هذه المواقف؛ سواء تجاه الفواعل على الجغرافية السورية، أو ملف اللاجئين السوريين عرضة للتبدل والتغير، الجزئي أو الكلي، بحسب التغيرات التي قد تطرأ على التموضع السياسي للأحزاب وديناميكيات السياسة الداخلية، أو ما قد يفرضه طول أمد "الأزمة" والعوامل المركبة والمعقدة، والمرتبطة بالفواعل الإقليمية والدولية وطبيعة مواقفها تجاه "الملف السوري"، والتطورات الميدانية في الجغرافية السورية.

 


 

([1]) Karar No. 1310, Türkiye Büyük Millet Meclisi Resmi İnternet Sitesi, 26.10.2021,  Link: https://cutt.us/MsRTG

([2])  TBMM Genel Kurulunda, Irak ve Suriye tezkeresinin süresi 2 yıl daha uzatıldı, Anadolu Ajansı, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/ehJCn   

([3])  Karar No. 1310, Türkiye Büyük Millet Meclisi Resmi İnternet Sitesi, 26.10.2021, A.G.K.

([4])  السوريون في تركيا وحكاية “الملف المؤجل”..أيُ حلول وخيارات مستقبلية؟، السورية نت، 17 ايلول/سبتمبر 2021، انظر الرابط: https://cutt.us/mYutV

([5]) Yıldız Yazıcıoğlu, Irak ve Suriye Tezkeresi TBMM'de Kabul Edildi, VOA Türkçe, 08.10.2020, Link: https://cutt.us/Bp621   

([6]) Buldan: Bu tezkere iktidarın gidiş tezkeresidir, HDP Sitesi, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/NJWwX

([7])  حمزة خضر، "قضية الموز".. أحزاب معارضة وحقوقيون أتراك يستنكرون قرار ترحيل سوريين، تلفزيون سورية، 29 تشرين الأول/أكتوبر 2021، انظر الرابط: https://cutt.us/uxcQv

([8]) CHP’li Çeviköz: “Tezkerelerin süresini uzatmakla ömrünüzü uzatmaya mı çalışıyorsunuz?”, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/HnC5d 

([9])  Tezkere Meclis’ten geçti, Tele1, 26.10.2021, Link: https://cutt.us/cKRXN

التصنيف تقدير الموقف

عقدت اللجنة الدستورية الجولة السادسة لاجتماعاتها بإشراف المبعوث الدولي، غير بيدرسون، وجاءت بعد تسوية جديدة في درعا. هذه المحافظة التي لم تغب عن واجهة الأحداث في سوريا منذ بدء الثورة السورية، وخلال سِنِي الصراع لم تتوقف محاولات قوات النظام لإعادة السيطرة عليها منذ أن فقدها تحت تأثير ضربات الجيش الحر وفصائل المعارضة في بداية الثورة، وازدادت شراسة الحملات العسكرية مع التدخل الروسي، عام 2015، حيث انتهج النظام وحلفاؤه سياسة الأرض المحروقة لتغيير معادلات التفوق العسكري لصالحه، وعلى الرغم من استعادته السيطرة "الشكلية" على المحافظة، عام 2018، إلا أن التسوية الأخيرة التي جرت في منتصف عام 2021، وما سبقها ورافقها من ديناميات وسياقات سياسية طرحت تساؤلات حول أثر هذه التسوية على المشهد السياسي والأمني العام من جهة، وعن أثر عودة سيطرة النظام عليها ومدى ديمومتها فضلًا عن أثر ذلك في تعزيز شروط تعويمه خارجيًّا.

 

الانقضاض على مصالحة 2018

أدركت روسيا ومن خلفها النظام السوري بُعيد مؤتمر سوتشي الذي عقد في 30 ديسمبر/كانون الأول 2018، ضرورة إخراج مناطق خفض التصعيد (إدلب، وريفي حماه وحمص، والغوطة الشرقية والقلمون، والمنطقة الجنوبية ومنها درعا) من معادلات الصراع؛ خاصةً عندما فشل الروس في جعل هذا المؤتمر مؤتمر حوار سوري- سوري ينتج حلًّا وفق رؤيتهم؛ إذ تحول إلى مؤتمر يتبنى فكرة "اللجنة الدستورية"(1)؛ حيث أسهم موقف مجموعة الدول الخمسة (الولايات المتحدة، وإنكلترا، وفرنسا، والأردن، والسعودية) في تعزيز هذا التحول، والذي صدر قبل أيام من عقد مؤتمر سوتشي وتتضمن أهم بنوده "ورقة فيينا"(2)؛ حيث أكد هذا الموقف على جملة من المحدِّدات الناظمة للحل السياسي لاسيما الإشراف الكامل للأمم المتحدة. حينها أدركت موسكو ضرورة إحداث تغيير عسكري جوهري في سوريا يُضعف من قدرة هذه المجموعة على امتلاك أية ورقة ضغط؛ فأتت سياسة إعادة السيطرة على مناطق خفض التصعيد في درعا والغوطة الشرقية والقلمون وريفي حمص وحماه سواء بالآلة العسكرية أو باتفاقيات المصالحة؛ وترحيل من يرفض إلى منطقة خفض التصعيد الرابعة أي إدلب وما حولها.

 

في منتصف عام 2018، تعرضت مدن وبلدات درعا لحملة عسكرية قادها النظام وحلفاؤه دفعت مئات الآلاف المدنيين للنزوح نحو الحدود الأردنية، أو التوجه نحو مخيمات مؤقتة قرب هضبة الجولان المحتلة(3). وفرض النظام السوري بدعم روسي على الفصائل العسكرية المعارضة "اتفاق مصالحة" (يوليو/تموز 2018)، والتي نصَّت على "وقف إطلاق النار وعودة النازحين ودخول الشرطة العسكرية الروسية إلى المدينة، إلى جانب انتشار حواجز لقوات النظام وعودة مؤسساته الخدمية والإدارية للعمل في المنطقة، وتسليم الفصائل المعارضة لأسلحتها الثقيلة والمتوسطة وخروج الرافضين للاتفاق باتجاه الشمال السوري. كما ضمنت روسيا، بموجب الاتفاق، إعادة الخدمات للمدنيين في درعا والسماح بعودة أهلها النازحين"(4).

 

وبموجب الاتفاق، تمكنت قوات النظام من الدخول إلى مناطق في درعا البلد والريف الغربي. وفي المقابل، تأسست قوة عسكرية موالية لروسيا تمثَّلت بالفيلق الخامس المكوَّن من كبرى فصائل المعارضة العسكرية في درعا والذي سيطر على أجزاء واسعة من ريفها الشرقي وقطعت الطريق أمام سيطرة مطلقة للنظام على المحافظة. من جهة أخرى، بدأت الأجهزة الأمنية، وكجزء من عملية التسوية، بفتح باب التجنيد أمام شباب درعا للانضمام إلى صفوفها، إلى جانب تزايد أعداد المنضمين إلى الميليشيات الموالية لإيران. وبعد الاتفاق بعدة شهور، في 10 مارس/آذار 2019، شهدت المحافظة احتجاجات شعبية واسعة رافضة لنصب تمثال لحافظ الأسد وسط المدينة، واحتجاجًا على تردي الأوضاع الخدمية وزيادة حالات التجنيد الإجباري لشباب المحافظة وزجِّهم في جبهات القتال ضد فصائل المعارضة في إدلب وريف حلب. إضافة إلى حملات الاعتقال التي نفذتها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، والتي وصلت إلى أكثر من 380 شخصًا منذ سريان الاتفاق وحتى مارس/آذار 2019، بحسب إحصائية للأمم المتحدة(5). علاوة على عمليات الاغتيال والتفجير التي طالت المئات من المدنيين وشخصيات بارزة في المعارضة. (ينظر الجدول رقم 1)(6).

 

الجدول رقم (1)، عمليات التفجير والاغتيال في درعا من شهر يوليو/تموز 2019 إلى شهر يونيو/حزيران 2020

 

 

 

لم تحقق مصالحة 2018 عودة أمنية كاملة للنظام كتلك التي شهدها القلمون الشرقي والغوطة الشرقية وريفي حمص وحماه، وذلك لأسباب تتعلق بضرورة الوجود الروسي كضامن لعدم انتشار الميليشيات الإيرانية على الحدود الإسرائيلية، ولأسباب تتعلق بطريقة تطبيق الاتفاق؛ وبالتالي بقيت الحواضن الاجتماعية في درعا مؤيدة للثورة وتبدَّى ذلك جليًّا في رفض الأهالي المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو/أيار من العام الحالي (2021)، والخروج في احتجاجات شعبية واسعة دفعت -مع مجموعة من الأسباب الأخرى- قوات النظام للتصعيد والانقلاب على اتفاق المصالحة وحصار المنطقة والقيام بحملة عسكرية في محاولة لإخضاع درعا بالقوة.

 

السياق الأمني والسياسي لاتفاقات 2021

قامت قوات النظام (دون إسناد جوي روسي)، في يونيو/حزيران 2021، بحصار درعا البلد وقصفها؛ الأمر الذي أدى لتفجُّر الأوضاع في كامل محافظة درعا؛ حيث شهدت بلدات في الريف الغربي والشرقي هجمات على حواجز قوات النظام، وقُتل وأُسر العديد من الجنود، كما قُتل عشرات المدنيين بنيران قوات النظام(7). وقد تمكنت الأخيرة من عزل المدينة كليًّا عن العالم الخارجي، لتبدأ المفاوضات ما بين اللجنة المركزية ووفد النظام التي استمرت حتى نهاية يوليو/تموز 2021، وانتهت "بوساطة" روسية إلى اتفاق مبدئي دخلت بموجبه قوات النظام إلى درعا البلد، دون إنهاء الحصار مع السماح لدخول بعض قوافل الإغاثة، إلا أنه سرعان ما انهار الاتفاق وتجددت الحملة العسكرية للنظام، لتتجدد معها المفاوضات مع "اللجان المركزية" التي تمثل الأهالي، وانتهت المفاوضات إلى تسويات جديدة، شملت كامل محافظة درعا.

 

انطلقت عمليات التسوية من درعا البلد باتجاه الغرب ومن ثم الشمال وإلى الشرق، ليعلن النظام بعد شهر من انطلاقها إتمام هذه العمليات في كامل محافظة درعا بعد تمشيط منطقة الحراك ومحيطها بريف درعا الشمالي الشرقي، بالتوازي مع تسوية أوضاع عشرات المطلوبين من أبناء مدينة إزرع وبلدة الشيخ مسكين(8). وتضمن الاتفاق الجديد تسليم السلاح الفردي وتسوية أوضاع المطلوبين للنظام أمنيًّا وعودة المجندين المنشقين إلى وحداتهم العسكرية بغضون ستة أشهر وتهجير من يرفض؛ وترافق الشرطة العسكرية الروسية دخول النظام لهذه البلدات. والجدير بالذكر أن بعض البلدات لم تستطع تسليم كامل السلاح الفردي المطلوب والمقدَّر من قبل النظام، ففرض عليها مبالغ مالية كبدل تراوحت قيمتها ما بين 100 مليون إلى 200 مليون ليرة سورية (الدولار أكثر من 3 آلاف ليرة سورية)، ولم يحل الاتفاق دون وقوع حوادث أمنية كالاغتيالات والمواجهات الأمنية في بعض البلدات(9).

 

سياسيًّا؛ أسهمت جملة من الظروف والمعطيات في تسريع قرار النظام بإعادة السيطرة الكاملة على درعا؛ أولها: إسهام مظاهرات حوران الرافضة للانتخابات في اهتزاز صورة الانتخابات الرئاسية التي أرادها النظام رسالة مزدوجة كـ"استعادة الشرعية" وإعادة السيطرة على المجتمع عبر أدوات التحشيد السابقة (مسيرات وخيم ولاء واحتفالات جماهيرية)؛ وثاني تلك المعطيات محاولة النظام استغلال حالة الجمود التي تعتري المشهد السياسي والعسكري لتعزيز أدوات السيطرة الأمنية على كامل مناطق سيطرة النظام، ويأتي على رأسها الجبهة الجنوبية؛ إذ ستشكِّل عودته الأمنية لدرعا عاملًا معززًا لمواجهة حالة تنامي الرفض الشعبي له في السويداء باعتباره ملفًّا خاصًّا، هذا من جهة، وللتحكم بالطرق البرية وشبكات النقل كافة لتسهيل حركة عبور البضائع وإحداث بعض "الدفوعات الإيجابية" في الموازين الاقتصادية، من جهة أخرى.

 

وثالث تلك العوامل استغلال النظام لموقف إدارة بايدن غير المكترثة بالانخراط أكثر بالملف السوري واعتمادها على سياسة تخفيف كلفة التدخل مع إبقاء القدرة على التحكم بخيوطها العامة؛ حيث عمل النظام على إنجاز "تحدي درعا" قبل أي تغيير قد يطرأ على موقف هذه الإدارة، وهذا ما تضافر مع جهود الأردن الذي حاول تحريك الجمود العام بديناميات اقتصادية من خلال زياراته لواشنطن وموسكو، وتبلورت تلك الديناميات في تنفيذ اتفاقية خط الغاز العربي التي تتطلب "أمنًا" في أماكن مرور الأنابيب وتشكِّل درعا مدخلًا أمنيًّا في هذا الصدد. وبذا، فإن أهمية عودة النظام لم تعد فقط مرتبط بجيوسياسية المحافظة بل يضاف إليها عامل جيبولتيك الطاقة(10).

 

الانعكاسات السياسية والأمنية للاتفاقيات 2021

على الرغم من إخضاع النظام لدرعا إلا أن هذا الأمر ليس له حتى اللحظة انعكاسات حاسمة في المشهد السوري بعد؛ فناهيك عن غياب أي تغيير في مسيرة العملية السياسية ينذر بتفكيك استعصاءاتها المزمنة؛ فإن النتائج الأمنية للاتفاقيات لم تستقر بعد وتحتاج لاختبار عنصر الزمن، إلا أنها تشير إلى انعكاسات أمنية وسياسية راهنة ومحتملة لصالح النظام ومحوره.

 

أمنيًّا، فضلًا عن انعكاس التسوية سيطرة مطلقة أمنية للنظام، فإنها قد تفضي إلى تعزيز الوجود الإيراني بدلًا من إضعافه، فبالتزامن مع التسوية بدأت تتزايد مؤشرات تقويض اللواء الثامن المدعوم روسيًّا، والذي شكَّلته روسيا من أحد فصائل درعا، فصيل لواء "شباب السُّنَّة" المعارض، ويقوده أحمد العودة، فقد أوقفت روسيا رواتب مقاتليه وقد يصل الأمر قريبًا إلى حلِّه، خاصة أن قطار "التسوية" وصل إلى حدود بصرى الشام (شرق درعا)، المعقل الرئيس لهذا اللواء، ما ينذر بتنفيذ رغبة موسكو والمتمثلة بإعادة تأهيل "الجيش السوري" والاكتفاء به عسكريًّا، بما يوفر استراتيجية خروج للروس.

 

ويلاحظ أنه منذ 22 سبتمبر/أيلول 2021، قام النظام بإزالة العديد من الحواجز العسكرية التي تشرف عليها الفرقة الرابعة، ولإيران نفوذ كبير فيها، وذلك من مناطق متفرقة شملت عدة حواجز مهمة (مثل: "البانوراما" و"السبيل" و"السرايا" و"الصناعية"، وحاجز "المستشفى الوطني"، وحاجز مدخل مدينة درعا الغربي)(11)، ما قد يُفسَّر بأنه جاء بدفع روسي للإيحاء بوجود عملية تخفيف للنفوذ الإيراني في المنطقة(12)، خاصة بعد تنامي الأطروحات المحذِّرة من تمدد هذا النفوذ؛ إلا أنها عمليًّا تبقى شكلية لأن النفوذ الإيراني عميق في المنطقة الجنوبية ومتغلغل بما يتجاوز وجود حواجز عسكرية (الجدول رقم 2)(13).

 

يبين الجدول رقم (2) تموضع الأذرع المحلية والأجنبية المدعومة من إيران في الجبهة الجنوبية

 

سياسيًّا؛ تتزايد مؤشرات أولية على تبلور مقاربة "إعادة تأهيل الأسد" وعودته للمحيط العربي كخطوة أولية لانفتاح دولي وغربي على النظام، كالمبادرات الإماراتية الهادفة لتعزيز التعاون الاقتصادي والانفتاح الأردني الأخير الواسع على دمشق، فضلًا عن مؤشرات دولية أبرزها: قرار المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) بإعادة التعاون مع سوريا ودمجها في نظام معلوماتها. إلا أن الخطوة الحاسمة في هذه الملف هي لواشنطن التي لا تزال تصرُّ على "عقوبات قيصر"، وترفض التطبيع كليًّا مع النظام. بالمقابل، يحاول الروس والنظام الاستفادة من الأطروحات الأميركية الداعية لتغيير "سلوك النظام"؛ إذ أبدى موافقة لعقد اجتماع سادس للجنة الدستورية (التي عُقدت في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021)، في محاولة منه للإيحاء بالمرونة دون أن يقدِّم أي "تنازلات مجانية" في جنيف، وهذا ما أكدته نتائج اجتماعات هذه الجولة والتي وصفها بيدرسون بأنها "مخيبة للآمال".

 

إذن، تصب عملية استرداد السيطرة على درعا في صالح تقوية أوراق النظام الأمنية والسياسية؛ وتدلِّل بطبيعة الحال على أن الرؤية العامة للحل تقوم على حلٍّ صفري يعتمد التسوية كمدخل لفرض الحل الأمني؛ الأمر الذي من شأنه إعادة التحكم والضبط في درعا ويعيد لمؤسسات الدولة التموضع المركزي في عمليات الحوكمة.

 

لا شك أن نجاح النظام في استعادة سيطرته على درعا، يشكِّل دافعًا إضافيًّا له لطرح هذه "التسوية" كنموذج للتعامل مع باقي المناطق لاسيما في مناطق شرق الفرات (الغلَّة الاقتصادية الأكبر بالجغرافية الاقتصادية) التي يستعد فيها النظام لسيناريو الانسحاب الأميركي المحتمل. وقد تشكِّل تسوية درعا أيضًا، لاسيما في ظل عدم وجود موقف إقليمي ودولي معارض، بدايةً لمرحلة تنامي سيطرة النظام والتأسيس لاستعادة كامل سيطرته على المناطق التي لا تخضع لسيطرته المباشرة بعد، مما يساعده على حثِّ الروس لإعادة إنتاج اتفاقيات جديدة في أستانة لتمكِّنه مع الروسي من قضم المزيد من الأراضي في منطقة خفض التصعيد الرابعة، إدلب.

 

رغم ما حققه النظام في درعا لا يمكن الجزم بديمومة استقرار سيطرته عليها، فالمشهد السوري لا يزال مفتوحًا على التطورات الإقليمية والدولية ومقيدًا بها، خاصة أن الحدود الأمنية المتشكلة في مناطق النفوذ الدولية لم تتغير ولا تزال مناطق شمال غرب سوريا خاضعة لتفاهمات أستانة، ولا تزال مناطق شرق النهر تحت النفوذ الأميركي الذي يبدو أنه يعيد حسابات الانسحاب لاسيما بعد التطورات الدراماتيكية التي رافقت انسحابه من افغانستان، بالإضافة إلى أن سياسات "تعويم الأسد" لا تزال في طور اختبار تكتيكات وخطوات لا تزال محدودة الأثر.

 

خاتمة

مرة أخرى، تشهد الساحة السورية تحولًا جديدًا من خلال إعادة سيطرة النظام على محافظة درعا وإنهاء الخصوصية التي كانت تتمتع بها بموجب مصالحة 2018. ويفتح هذا التحول الباب أمام احتمالات معززة لتزامن هذه السيطرة مع تنامي توجهات عربية وإقليمية للتطبيع مع النظام؛ كما يزيد من تعنت النظام في إجراء أي تنازل في المسار السياسي لصالح تمسكه بمنطق التسوية كمدخل للحل الأمني؛ ما يجعل فكرة الحل خارج دمشق مستبعدة من أجندة النظام؛ إلا أنه وفي الوقت نفسه قد لا يسهم هذا التحول في تغيير في خارطة النفوذ الأمنية والعسكرية ويُبقي عملية الاستعصاء ثابتةً في "مسيرة الحل السياسي".

 

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات

https://bit.ly/2ZYzGzd 

 

مراجع

أعلن مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، رئيس الوفد الروسي إلى مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، ألكسندر لافرينتييف، أن: "إحدى المسائل الأساسية هي الأوضاع المترتبة في سوريا والبحث عن سبل التسوية المستقبلية. بالطبع، ستُمنح الفرصة للوفود لعرض مواقفهم، ورؤيتهم لكيفية إحلال السلام في هذا البلد. أحد الأهداف كذلك اختيار مرشحين للمشاركة في عمل لجنة مناقشة الدستور". للمزيد، انظر: لافرينتييف: بحث للتسوية وسوتشي فرصة للوفود كي تعرض رؤيتها حول كيفية إحلال السلام بسوريا، موقع سبوتنيك العربي، 29 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021): https://2u.pw/hC8Xi

أرسلت الدول الخمسة رؤيتها للحل ضمن مسار جنيف وتطبيق القرار الأممي 2254 (بشأن الانتقال السياسي)، إلى كلٍّ من المعارضة والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، وأوصت الورقة الأخير أن يعمل على أن تركز جهود الأطراف على مضمون الدستور المعدل، والوسائل العملية للانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وخلق بيئة آمنة ومحايدة في سوريا يمكن أن تُجرى فيها هذه الانتخابات. للاطلاع على ورقة فيينا، انظر: أبرز نقاط "ورقة فيينا" بشأن سوريا، الجزيرة نت، 27 يناير/كانون الثاني 2018 ، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021): https://2u.pw/C3Do7

بعد اتفاق "المصالحة" بدرعا.. نازحون يعودون لمنازلهم، موقع التليفزيون الألماني الإلكتروني، 7 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021): https://2u.pw/KWeht

أبرز بنود اتفاق فصائل درعا مع الروس، عنب بلدي، 6 يوليو/تموز، 2018، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021): https://2u.pw/tlAsq

مراد عبد الجليل وآخرون: "عام على التسوية.. درعا بيد مَن؟"، عنب بلدي، 4 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021): https://2u.pw/3ALEr

مجموعة باحثين: "مؤشرات الاستقرار الأمني في سورية والعودة الآمنة: تقييم حالات نماذجية"، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 17 يناير/كانون الثاني 2020: https://2u.pw/wlFgx

في أول تصعيد منذ 2018 قتلى.. وجرحى في درعا وريفها جراء قصف للنظام السوري، الجزيرة نت، 29 يوليو/تموز 2021، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021): https://2u.pw/qI8t6

نظام الأسد يعلن انتهاء "التسويات" في درعا: الختام بزيارة حزبية، السورية نت، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021): https://2u.pw/UXCSD

مقابلة عبر الواتس آب أجراها الباحث مع مناف قومان من أهالي بلدة الحراك بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

"خط الغاز العربي".. بوابة اقتصادية لتطبيع سياسي مع نظام الأسد؟، السورية نت الإلكتروني، 29 سبتمبر/أيلول 2021، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021): https://2u.pw/wfxb5

ماذا تقول درعا بعد إزالة الحواجز.. ذهب "الكابوس" وتفوُّق روسي على حساب إيران، عنب بلدي، 24 سبتمبر/أيلول 2021، (تاريخ الدخول: 28 أكتوبر/تشرين الأول 2021): https://2u.pw/Ozlt3

Abdullah Alghadawi:” The Fourth Division: Syria’s parallel army”,Middle east institute, 24/9/2021: https://2u.pw/fHfrH

صُمِّم هذا الجدول بعد مقابلة بحثية أجراها الباحث مع نوار شعبان، الخبير في الشؤون الإيرانية في سوريا في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، جرى النقاش فيها حول خارطة الانتشار والنفوذ للأذرع الإيرانية في الجنوب.

التصنيف أوراق بحثية

انخرط حزب الله إلى جانب نظام الأسد في وقت مبكر من الثورة السورية، مدفوعاً بعوامل ذاتية تتعلق بحماية وجوده من جهة، وتفعيلاً لدوره الوظيفي في الإقليم بحسب الاستراتيجية الإيرانية والمصالح الغربية من جهة أخرى.

وقد ترك هذا الانخراط تداعيات ذات أبعاد مركبة شملت الساحة السورية والمشهد الإقليمي والحزب نفسه، فمن جهة عزز تدخل الحزب موقف نظام الأسد في مواجهة قوى الثورة والمعارضة، كما أدى إلى زيادة مستوى التدافع الإقليمي في الجغرافية السورية بأدوات غير مباشرة، إضافة إلى مساهمته في زيادة منسوب التوتر المذهبي في الإقليم.

ولم يكن الحزب خارج هذه التداعيات حيث تعرض إلى تحولات شملت بنيته وهويته ودوره والموقف الشعبي تجاهه.

فيما يتعلق بمسار الحزب المستقبلي في سورية، فإن ذلك رهن لتفاعل المتغيرات الحاكمة للصراع السوري بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية.

وتقدم هذه المقالة، وهي ضمن سلسة مقالات حول الحزب اللبناني في سورية، تقييماً عاماً لتموضع الحزب في سورية من الناحية العسكرية والأمنية الحالية من جهة، كما تحاول توقع دور الحزب المستقبلي من جهة أخرى.

انحصر دور حزب الله في بداية الصراع المسلح على بعض المناطق التي تعتبر مقدسة بالنسبة للشيعة في ضواحي مدينة دمشق وريفها، إلا أنه وبعد تنامي دورها وبروزها في القتال خصوصاً مع دخول حزب الله اللبناني وحركة أمل بشكل مباشر إلى معركة القصير وسيطرتهم عليها، أصبح جلياً أهمية هذه المليشيات للنظام وسبب قدومها ونذكر منها:

  • حاجة النظام الفعلية لنشر قوة برية على امتداد ساحات القتال في المناطق السورية الثائرة وتأمين الحماية اللازمة لمؤسسات الدولة الحيوية والتي لا يثق رأس النظام بحمايتها وحراستها حتى من أبناء طائفته.
  • انشقاقات في المؤسسة العسكرية والشرطية والأمنية في مختلف الرتب وبالأخص المجندين (سُنة).
  • الفرار من تأدية الخدمة العسكرية لمن هم في سن الخدمة الإلزامية والاحتياطية حتى من الموالين للنظام وانسلاخ الأكراد عن الجيش السوري بشكل شبه كامل.
  • انعدام الثقة في بعض أفراد القوات النظامية نظراً لخلفيتهم الدينية (سُنة)
  • الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها القوة البشرية العسكرية في النظام السوري.
  • تحمل هذه المليشيات الشيعية العقيدة الدينية المترسخة التي تقودهم لدعم النظام العلوي والمحافظة عليه لخشيتهم من الطائفة السنية فيما لو استلموا الحكم، وترسيخ هذه الفكرة لديهم من رجال الدين الشيعة الذين يضخون في فكرهم أن القتال في سورية يعتبر من الجهاد المقدس.
  • إغراء عناصر المليشيات الشيعية بالأموال وخاصة أن معظم مقاتلي المليشيات من الفقراء الشيعة سواء أكانوا من إيران أو العراق أو لبنان أو الأفغان وغيرهم.
  • إغراء اللاجئين الشيعة من الأفغان والباكستانيين في إيران بالحصول على إقامات لهم ولعوائلهم في إيران في حال قتالهم في سورية إلى جانب قوات النظام.

حماية الوجود وتطوير الدور

اتخذ حزب الله مقاربة ثنائية إزاء دول الربيع العربي بناءً على علاقته بالأنظمة الحاكمة في تلك الدول وموقفها من المقاومة، ففي حين رحب الحزب بحركات الاحتجاج التي شهدتها مصر وتونس واليمن وحتى ليبيا، تبنى الحزب مقاربة على النقيض تماماً تجاه الحراك الثوري السوري باعتباره مؤامرة تستهدف إسقاط حليفه الاستراتيجي نظام الأسد.

بناء على ما سبق وبتأثير إيراني واضح اتخذ الحزب قراره بالتدخل لتحقيق هدفين رئيسيين:

حماية الوجود: شكل الحراك الثوري تحدياً لإيران والحزب لجهة احتمال سقوط نظام الأسد وما يمثله من خسارة استراتيجية تحد من الدورين الإقليمي لإيران والمحلي للحزب، الأمر الذي اضطر الحزب للتدخل وشرعنته وفق مقولات سردية “المقاومة” لحماية مصالحه الحيوية المعرفة ببقاء النظام بما يضمن له العمق الاستراتيجي واستمرارية الدعم العسكري والسياسي.

أما الهدف الثاني فيتمثل بتطوير الدور حيث وجد الحزب في الحراك الثوري فرصة لتطوير دوره خارج الإطار المحلي من خلال لعب دور متقدم في الاستراتيجية الإيرانية التي تتطلب منه الانخراط بشكل أكبر في الساحات الإقليمية المأزومة وفي مقدمتها سورية، وقد لجأ الحزب إلى سردية “المظلومية التاريخية للشيعة” لتبرير تدخله لحماية الشيعة المضطهدين في سورية. كذلك عمل الحزب على إيجاد تقاطعات مع المصالح الغربية في المنطقة من خلال استغلال المخاوف من “الإرهاب” ليطرح سردية “التطرف السني” ودوره في مواجهته.

أما بخصوص العوامل التي تحدد حجم تدخل الحزب فهي متعددة كالأولويات إذ يتدخل الحزب وفق سلم أولويات محددة ضمن مجموعة عوامل في مقدمتها طبيعة الأهداف التي يتوخى الحزب تحقيقها ضمن المجالين الحيوي الخاص به وبإيران، إضافة إلى الموقف العام الميداني لنظام الأسد؛ وكالمشروعية؛ إذ يطرح الحزب سرديات يبرر من خلالها لجمهوره وللخارج الدور الذي يمارسه في سورية.

وفي هذا المجال فإن الحزب يتحرك ضمن 3 سرديات رئيسية وهي: حماية مشروع المقاومة، محاربة الإرهاب، المظلومية التاريخية للشيعة؛ أما بالنسبة للموارد ورغم بعض التقديرات التي تقول بتزايد موارد الحزب البشرية والتسليحية نتيجة انخراطه، إلا أن ذلك لا يخفي تعرض الحزب لخسائر نوعية وتخوف قيادة الحزب من مخاطر الاستنزاف على المدى الطويل وفي ساحات مفتوحة؛ أما بخصوص البيئة الإقليمية والدولية: يتعاطى الحزب بواقعية مع مصالح الفاعليين الإقليميين والدوليين في سورية، ويعمل على إيجاد تقاطعات مصلحية معها كما في مسألة الحرب على الإرهاب التي تشرعن تدخله من جهة وتحدد حجمه في مكان آخر.

أما عن مراحل تدخل حزب الله فيمكن تقسميها بحسب التوجه العام الذي انتهجه الحزب وهو يتقاطع مع التوجه الإيراني، والذي يمكن تقسمي إلى:

الدور الاستشاري (2011 – 2012)

الحزب لم ينحز فوراً إلى الخيار العسكري في سورية، إذ حاول في البداية إيجاد حل سياسي بمساعدة حركة حماس الفلسطينية التي توسطت في عام 2012 لمحاولة إبرام اتفاقية تقاسم للسلطة في سورية، بيد أن هذا الجهد تعثّر حين اشترطت الحكومة السورية أن تضع المعارضة سلاحاً أولاً.

وبحسب دراسة نشرها مركز غارنغي، فإن نائب قائد الحرس الثوري الإيراني حسين همذاني الذي قُتل قرب حلب في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، تحدث في مذكراته عن أنه في ربيع عام 2012، طلب منه المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، التشاور مع زعيم الحزب حسن نصر الله الذي قيل إنه كان مسؤولاً عن سياسة محور المقاومة في سورية. وكان نصر الله التقى خامنئي في طهران في أواخر 2011 لاتخاذ قرار حول التدخّل، أي بعد 9 أشهر من انطلاق الأزمة السورية. ثم عاد إلى بيروت لبدء الاستعدادات، بسبب الحاجة إلى تأطير هذا التدخل على نحو ملائم في المشهد السياسي اللبناني الذي كان يعيش أصلاً حالة استقطاب حادة.

نفى الحزب مع انطلاق الأحداث في سورية عام 2011 أكثر من مرة مشاركته بالقتال هناك، ومن ثم اعتمد سياسة لإعلان ذلك تدريجياً. فأشار في المراحل الأولى إلى أن «مواطنين لبنانيين» هم من يشاركون في المعارك دفاعاً عن بلداتهم الواقعة على الحدود بين البلدين. ثم انتقل لتأكيد مشاركة عناصر منه في هذه المعارك تحت عنوان «حماية القرى اللبنانية» الحدودية مع سورية. وبعدها برّر القتال بحماية «المقامات المقدسة» لدى الشيعة، ثم حسم الموضوع بالإعلان الواضح عن المشاركة في معركة القصير في مايو (أيار) 2013.

سنة 2013، وفي ذكرى حرب يوليو (تموز)، قال نصر الله: «إذا كان عندنا ألف مقاتل في سورية فسيصبحون ألفين، وإذا كانوا 5 آلاف فسيصبحون 10 آلاف. وإذا احتاجت المعركة مع هؤلاء التكفيريين ذهابي وكل (حزب الله) إلى سورية فسنفعل».

تنامي الدور الميداني (2013 – 2016)

شارك الحزب بعد ذلك في معارك ميدانية بأعداد رمزية، لكن هذه المشاركة توسّعت في عام 2013 عندما شن النظام هجمات منسقة على مدن وبلدات القلمون وريف حمص المحاذي للحدود اللبنانية، وتحوّلت المشاركة الرمزية إلى مشاركة فعلية، وأصبح الإعلان عن قتاله في المعارك ضرورة ملحة، نظراً لأن عناصره سيتولون المهمة الأساسية في بعض تلك المعارك، فلجأ إلى ترويج دعاية تقول بأن هناك قرى في هذه المناطق يسكنها لبنانيون شيعة يتعرّضون للخطر من قبل من يسميهم التكفيرين، ثم انتقل بعدها للحديث عن تدنيس مقامات وقبور آل البيت المدفونين في أنحاء متفرقة من سورية، داعياً عناصره للدفاع عن “العتبات المقدسة”، وهي دعاية شملت جميع المليشيات الشيعية الأجنبية المدارة من قبل إيران، قبل أن تختفي هذه الرواية من الخطاب السياسي في عام 2014، رغم أنها بقيت حاضرة في صفوف الحاضنة الشعبية لغايات حشد المقاتلين وتبرير الخسائر البشرية بينهم.

تصاعد عدد مقاتلي الحزب في سورية بشكل تدريجي، كما يُعتقد أنه تأرجح صعوداً ونزولاً، حيث كان في أوجه خلال عامي 2014 و2015، عندما كان النظام السوري في أضعف حالاته قبل التدخل الروسي. أما اليوم فيعتقد أن الحزب لديه ما بين 2000-4000 مقاتل داخل سورية

ولم يكن خيار الاستمرار في المشاركة الصامتة متاحاً للحزب، لعدّة أسباب، أهمها الخسائر البشرية المتوالية للحزب بالتوازي مع محدودية الحاضنة الشعبية له في بلد صغير أصلاً، وبالتالي فإنّ مشاركته في سورية سوف تتحول لقضية رأي عام، خاصة في ظل انقسام كبير في الوسط السياسي اللبناني تجاه نظام الأسد. كما يُعتقد أن إيران دفعت باتجاه التموضع العلني، بعد اتضاح عدم قدرتها على حسم المعركة خلال أسابيع أو أشهر، وبالتالي دفعت الحزب لتقديم رواية كاملة للمشاركة ودوافعها، بدلاً من السماح للآخرين بصناعة هذه الرواية.

التكيف والبقاء (2017 – 2021)

وجدت قيادة حزب الله مع مطلع عام 2018 أنه لم يعد هناك الحاجة إلى الكمّ الكبير من المقاتلين والوحدات على الجبهات السورية وعمدت إلى التركيز على التمركز في مواقع السيطرة المطلقة ذات الفائدة الاستراتيجية للحزب، ما دفع الحزب إلى إعادة الكثير من مقاتليه إلى لبنان، ويمكن ربط عملية سحب القوات مع انتفاء الحاجة العسكرية إليها، ومع العقوبات التي فرضت على الحزب، التي تجبره على اتخاذ إجراءات وقائية وتقشفية.

مع نهاية عام 2018 نفذ حزب الله أول عملية إعادة تموضع، من مناطق بمحيط حلب، وإدلب، وشرق سورية، وحتى حمص، باتجاه غرب سورية، والعاصمة دمشق. وأصبح ثقل وجوده وتمركزه يتمحور في محيط العاصمة، وريفها، والقلمون وصولاً إلى ريف حمص من الجهة اللبنانية، وتحديداً مدينة القصير، التي أصبحت قاعدة عسكرية أساسية وكبرى له. لكن إعادة التموضع هذه، لا تعني أن الحزب ترك نقاطه السابقة بشكل كامل، إنما احتفظ بنقاط مراقبة أو فرق إستشارية عند كل نقطة حساسة، على نحو يشرف مسؤول من قبله على مجموعات سورية أصبحت هي الممسكة بزمام الأمور على الأرض.

في عام 2019 عمل الحزب على تعزيز أدوار أبناء المنطقة الأصليين، مقابل الإشراف عليهم ودعمهم ومساعدتهم، حيث أن قيادات الحزب تدرك بشكل كامل على أن البقاء في تلك المناطق لن يكون طويلاً أو أبدياً. والغاية الأساسية تبقى بالحفاظ على النفوذ والتأثير. وبذلك، يخفف الحزب من الأعباء والتكاليف المالية والبشرية، مقابل الاحتفاظ بالقوى الموالية التي تصون مناطق النفوذ، وتضمن الحضور في أي مفاوضات تنطلق للبحث عن حلّ للأزمة السورية.

إذاً: في المرحلة الأولى استطاع حزب الله اللبناني من تحقيق مكاسب كبيرة من التجربة على المستويين العسكري والإقليمي. فبالرغم من مقتل أكثر من 1600 وجرح أكثر من 5000 من العناصر المقاتلة للحزب، بحسب تقديرات، فإن الحزب قد تمكن من رفع المستوى القتالي لآلاف آخرين من خلال مشاركتهم في المعارك. كما حول الحزب سورية إلى “حقل تجارب” مفتوح لمختلف الأسلحة، و”ميدان تدريب” كبير لآلاف المقاتلين على تكتيكات لم يعتدها الحزب من قبل، فهذه الحرب هي الأولى من نوعها التي يخوضها الحزب منذ تأسيسه، حيث يقف مقاتلوه في موقع الهجوم، لا كما اعتاد في حروبه السابقة مع إسرائيل.

إلى جانب ذلك، فإن قيادات الحزب العسكرية، قد تمكنت للمرة الأولى من خوض معارك جنباً إلى جنب مع القوات الروسية، كما حدث في معركة تدمر في مارس/آذار الماضي، حيث تمكن قادة الحزب ومقاتلوه من التعرف على التكتيكات والاستراتيجيات العسكرية المتقدمة التي يستخدمها الروس، إلى جانب إلقاء نظرة عن قرب على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية.

ولكن يبقى التحدي الأكبر للحزب الأن هو كيفية تثبيت مكاسبه في سورية في مرحلة ما بعد الصراع وخاصة في ظل العقوبات على النظام السوري والضغط الإسرائيلي على حليف الحزب الأول في سورية وهي إيران.

 

المصدر: السورية نت https://bit.ly/3uj2s7C 

التصنيف مقالات الرأي