الملخص التنفيذي

  • تمثل الهدف الأساسي لهذا الاستطلاع في التعرف إلى واقع المؤشرات المرتبطة بالمشهد الأمني في سورية ومدى تأثيرها على عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار، من خلال العمل بداية على تشخيص المشهد الأمني العام في مختلف المناطق السورية، يليها محاولة التعرف إلى طبيعة العلاقات بين المواطنين والأجهزة الأمنية في هذه المناطق، ومن ثم تحديد أهم المتغيرات التي تحكم قرارات اللاجئين بالعودة إلى سورية. كما تتناول واقع عودة اللاجئين إلى كل من مناطق النظام، ومناطق المعارضة، ومناطق الإدارة الذاتية.
  • تم الاعتماد على عينة ملائمة من اللاجئين السوريين في العراق ولبنان والأردن وتركيا، مكونة من (620) مستجوباً، إضافة إلى عقد جلستي تركيز في مناطق سيطرة النظام في محافظتي درعا وريف دمشق.
  • تم التوصل إلى مجموعة من النتائج التي عكست رأي العينة في جميع المؤشرات المرتبطة بالمشهد الأمني داخل سورية، ذات التأثير المباشر وغير المباشر على عودتهم إلى سورية.
  • وفيما يلي إيجاز لهذه النتائج وفقاً للمشهد الأمني العام في مختلف المناطق السورية، والعلاقات المدنية العسكرية، والمتغيرات التي تحكم قرار عودة اللاجئين، وواقع العودة إلى المناطق الثلاث.
  1. المشهد الأمني العام
  • ما يزال المشهد الأمني في جميع المناطق السورية يعاني من سيولةٍ عاليةٍ وتشظٍ شديدٍ، متأثراً بطبيعة الحال بسيولة كل من المشهدين السياسي والعسكري، ومخَّلِفاً في الوقت ذاته حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وإن بنسب متفاوتة في جميع المناطق.
  • لم يتغير سلوك الأجهزة الأمنية التابعة لنظام الأسد عما كان سائداً قبل انطلاق الثورة السورية في عام 2011، بل على العكس ازداد سلوك هذه الأجهزة ضراوة تجاه المدنيين، وازدادت حالات الاعتقال والتصفية والتعذيب الممنهج.
  • أصبح النشاط الأمني في عموم المناطق السورية مرتبطاً بالتكسب من قبل الجهات القائمة عليه، نتيجة شيوع حالة الفلتان الأمني، وغياب المساءلة والقدرة على ضبط سلوكيات الأفراد العاملين في المؤسسات والكيانات والمجموعات المكلفة بالعمل الأمني.
  • ما تزال الجهات الأمنية المكلفة بضبط الأمن في مناطق المعارضة لا تمتلك الاحترافية في العمل الأمني، ما أدى إلى تردي الحالة الأمنية وعدم القدرة على ضبطها بالشكل الأمثل، مع التواتر المتزايد في عدد الانتهاكات الأمنية ضمنها.
  • يتسم المشهد الأمني في مناطق شرق سورية بنوع من التمايز بين المدن والبلدات، ففي حين تسود الأجواء الآمنة نسبياً في محافظة الحسكة، فإن هذه الأجواء تتبدد في محافظتي الرقة ودير الزور.
  1. العلاقات بين المواطنين والأجهزة الأمنية
  • تشهد العلاقات القائمة بين الأجهزة الأمنية والمواطنين تدهوراً ملحوظاً في جميع المناطق، وتتصدر مناطق سيطرة النظام هذه المناطق بواقعها المتردي، الأمر الذي قد يؤشر إلى عدِّ هذه العلاقات معيقاً لعملية العودة الطوعية للاجئين السوريين من الدول المجاورة.
  • عززت تجاوزات الأجهزة الأمنية التابعة للنظام من الشعور بالسخط الشعبي تجاهها، وعمقت مشاعر الخوف منها، وزادت الصورة الذهنية السلبية لدى المواطنين اتجاهها، مما صعّب من إمكانية التصالح مع هذه الأجهزة أو استعادة الثقة المفقودة فيها من جانب المواطنين، أو الاطمئنان للتعامل معها.
  • الأجهزة الأمنية التابعة للنظام لم تعد قادرة على ضبط سلوك الميليشيات العسكرية تجاه المدنيين، بعدما تعاظم نفوذها وقوتها العسكرية، وعدم رغبة هذه الأجهزة في الدخول مع صراع معها. مما زاد من السخط الشعبي تجاه هذه الأجهزة.
  • في مناطق المعارضة، ما تزال الأجهزة الأمنية تواجه تحديات في كيفية تقليص نفوذ الفصائل والحد من تجاوزاتها تجاه المدنيين، مع وجود تعنت لدى بعض الفصائل للاستجابة لقرارات هذه الأجهزة.
  • تشهد عموم المناطق وجود مستوى ثقة متدنٍ لدى المواطنين تجاه قيام الأجهزة الأمنية بمعالجة شكاواهم، ووجود تحيز لديها في عمليات الاعتقال والاستجابة لهذه الشكاوى.
  • بعد عام 2011، زاد اعتماد الأجهزة الأمنية للنظام على شبكات التجسس الداخلي والخارجي، عبر زرع المخبرين في جميع مناطقها، وبين مختلف طبقات المجتمع، وفي الدول المستضيفة للاجئين السوريين، مع إيلاء تركيز أكبر على مراقبة العائدين إلى المناطق التي استعاد النظام السيطرة عليها.
  1. المتغيرات التي تحكم قرارات عودة اللاجئين
  • يمثل مدى توفر سبل المعيشة أحد العوامل الهامة في قرار عودة اللاجئ، في ظل الواقع الاقتصادي المتردي في عموم المناطق السورية، ومدى قدرة العائدين على الصمود في ظل هذا الواقع. كذلك يلعب توفر الخدمات العامة، وضمان حقوق الملكية العقارية، ومدى تفشي الفساد الأخلاقي والاجتماعي دوراً هاماً في تفكير اللاجئ عند اتخاذ قراره بالعودة.
  • تُمثل العودة تحت إشراف الأمم المتحدة ومدى توفر شروط وظروف العودة الكريمة والطوعية أهمية كبيرة لدى اللاجئين السوريين. كذلك فإن من العوامل المؤثرة والدافعة لقرار العودة الظروف المعاشية وتوفر الأمن والقبول المجتمعي ومدى التضييق عليهم في الدول المستضيفة.
  • يمثل الأقارب والأصدقاء داخل سورية المصدر الأكثر أهمية للاجئين في الحصول على المعلومات المرتبطة بالمشهد الأمني، تليها وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الدولية، ووسائل الإعلام السورية غير التابعة للنظام. إلى جانب التقارير الصادرة عن منظمات المجتمع المدني وتقارير المنظمات الدولية.
  • يعد الاعتقال التعسفي من قبل الأجهزة الأمنية للنظام والميليشيات والفصائل العسكرية المنتشرة على طول الخارطة السورية من بين أهم المهددات وفقاً لنتائج الاستطلاع، إلى جانب الاحتجاز داخل الفروع الأمنية في مناطق النظام والمناطق الخارجة عن سيطرته، تليها عمليات السرقة والخطف والابتزاز لتحقيق المكاسب المادية والشخصية وطلب الفدية، وتسلط الميليشيات المحلية والأجنبية، والاغتيالات والتفجيرات.
  • إن أكثر الفئات استهدافاً للاعتقال حال عودتهم إلى مناطق النظام، فئة الناشطين السياسيين والمنتسبين للجيش الحر والفصائل العسكرية المعارضة، وكذلك المنشقين عن الجيش والمطلوبين للخدمة العسكرية. تليها فئات الموظفين المنشقين عن مؤسسات النظام، والعائلات من المناطق المعارضة للنظام، وأصحاب رؤوس الأموال على التوالي.
  1. واقع عودة اللاجئين إلى مناطق السيطرة في سورية
  • تشكل العودة إلى مناطق النظام خياراً مستبعداً من قبل نسبة كبيرة من اللاجئين في مختلف الدول، لعدم وجود أي ضمانات دولية موثوقة من جهات محايدة تكفل أمن اللاجئين العائدين لهذه المناطق. أضف إلى ذلك عدم رغبة النظام بعودة اللاجئين إلى الوطن، والانتقائية التي يريد فرضها على قوائم العائدين عبر العديد من الإجراءات، وبما يخدم الهندسة الديمغرافية التي يسعى إلى تطبيقها في مناطق سيطرته، إلى جانب أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام غير قابلة للإصلاح أو إعادة الهيكلة لارتباطها العضوي بنظام الأسد، وعدم قبول هذه الأجهزة لأي مبادرات تهدف إلى إصلاحها أو إعادة هيكلتها.
  • ما تزال المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة هشة ومخترقة أمنياً، الأمر الذي يوثر على مدى قدرة المواطنين على استقرارهم الاجتماعي داخلها، ويشكل هذا هاجساً يؤرق المدنيين المقيمين والنازحين وحتى اللاجئين المقيمين في تركيا. ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى تدني مستوى الاحترافية لدى الأجهزة الأمنية، وضعف التجهيزات المادية واللوجستية لها، وغياب الاستراتيجيات الشاملة في عملها، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على تدهور الوضع الأمني في هذه المناطق، وكون بعض هذه المناطق أيضاً مرشح لتدهور أكبر في الوضع الأمني العام، وذلك نتيجة العمليات العسكرية المستمرة من قبل النظام وحلفائه، وما تسببت به من تهجير عشرات الآلاف من السكان.
  • مناطق الإدارة الذاتية ما تزال بعيدة عن حالة الاستقرار الأمني الكامل، لعوامل ترتبط ببيروقراطية الأجهزة الأمنية، وممارساتها التمييزية بين السكان، وقمع الاحتجاجات والاعتقالات. وبالتالي تفاوت مستوى توفر الأمن بين عموم هذه المناطق. أضف إلى ذلك، وجود خلايا نائمة لتنظم "داعش" وهي تلعب دوراً بارزاً في عدم استقرار هذه المناطق أمنياً. إلى جانب حالة عدم الثقة التي تصبغ العلاقات بين المواطنين والأجهزة الأمنية في هذه المناطق، والتي أثرت بشكل كبير على مستوى الرضا الشعبي عن الوضع الأمني، وبالتالي افتقاد هذه المناطق للمقومات المحفزة لعودة اللاجئين إليها.

مقدمة

مع دخول القضية السوري عامها العاشر، وما رافقها من تداعيات كارثية على مستوى الدولة والمجتمع، تبرز قضية اللاجئين والنازحين السورين، كأحد أهم التحديات التي ستفرض نفسها في حاضر ومستقبل هذا النزاع، سواء على مستوى اللاجئين أنفسهم واستقرارهم في أماكن تواجدهم، أو اتخاذ قرار العودة للوطن، أو على مستوى الوضع في سورية وتوافر الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية المناسبة التي تمهد لخيار العودة، أو على مستوى التطورات على المستويين الإقليمي والدولي، وحركية الفواعل ذوي الصلة بالنزاع السوري وتأثيرهم على قضية عودة اللاجئين، وترتيب الظرفين الإقليمي والدولي المناسبين لضمان توافر الشروط الموضوعية اللازمة لهذه العودة.

في سياق تناول الشروط الموضوعية لعودة اللاجئين السوريين وتحليل الظروف الداخلية آنفة الذكر ذات الصلة بهذه العودة، يتصدر الظرف الأمني بقية الظروف باعتباره الظرف الأكثر مساساً بحياة العائدين، وما يشمله من مهددات أمنية قد تقوض استقرارهم في حال العودة، فبعد سنوات من النزاع العنيف الذي شهدته مختلف الأراضي السورية، وتراجع حدته مؤخراً، ما يزال الملف الأمني في مختلف المناطق يمثل أكبر التحديات والاختبارات التي تواجه القوى المسيطرة على تلك المناطق؛ فمن جهة، فإنه سيكون لتداعيات هذا الملف أثرٌ واضحٌ على استحقاقات هذه المناطق، سواء فيما يتعلق بالقدرة على تأمين متطلبات البيئة الآمنة اللازمة للاستقرار الاجتماعي وعودة اللاجئين والنازحين داخلياً، أم فيما يرتبط بأنشطة التعافي المبكر الممهدة لمرحلة عملية إعادة الإعمار في هذه المناطق من جهة أخرى.

وتأتي أهمية هذا الاستطلاع في الوقت الحاضر من زاوية أن تردي الظرف الأمني على المستوى المحلي لم يعد خافياً، وهو أمر لا يمكن فصله عن السياق العام للملف السوري وتعقيداته وتشابكاته، التي ترمي بظلالها محلياً على مختلف المناطق السورية، بغض النظر عن القوى المسيطرة عليها، إذ إن حالة الفوضى الأمنية، التي تتجلى بالانتهاكات الأمنية المختلفة تأتي بصور وأدوات وكثافة مختلفة، تفرض نفسها على حالة عدم الاستقرار الأمني في هذه المناطق، وتعكس بالتالي هشاشة البيئة الأمنية وسيولتها، الأمر الذي لا يتفق والمطلب الذي تتوخى الجهات الدولية توافره كأحد الشروط الموضوعية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين من دول الجوار.

بناء على ما سبق، يهدف هذا الاستطلاع إلى التعرف إلى واقع المؤشرات الفرعية المرتبطة بمؤشر الاستقرار الأمني في سورية، والتي تشمل: كفاءة الأجهزة الأمنية والمنظومة القانونية المرتبطة بها، وسلوكيات هذه الأجهزة وعملياتها الأمنية، إلى جانب نظم المحاسبة والمتابعة والشكاوى ذات الصلة، ومدى تأثير هذه المؤشرات على عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار، من خلال العمل بداية على تشخيص المشهد الأمني العام في مختلف المناطق السورية، يليه محاولة التعرف إلى طبيعة العلاقات بين المواطنين والأجهزة الأمنية في هذه المناطق، ومن ثم تحديد أهم المتغيرات التي تحكم قرار اللاجئين بالعودة إلى سورية، ثم تناول واقع عودة اللاجئين إلى مناطق النظام، ومناطق المعارضة، ومناطق الإدارة الذاتية، لتحديد أهم المؤشرات المرتبطة بعودة اللاجئين إلى هذه المناطق.

لقراءة المادة انقر هنا

التصنيف الكتب