التقارير

ملخص عام

يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر أيار 2024، على الصعيد السياسي، لا تزال خطوات التطبيع العربي مع نظام الأسد تسير بمسار متقلب، إذ كشف بيان القمة العربية وتعليق عمل لجنة الاتصال العربية عن موقف عربي أكثر حذراً في الانفتاح على نظام الأسد، في حين يبدو أن مسار التطبيع الدبلوماسي يسير بخطى أكثر ثباتاً بعد تعيين المملكة العربية السعودية سفيراً لها في دمشق. أمنياً، استمرت حالة عدم الاستقرار الأمني في عموم الجغرافية السورية، نتيجة حرب الوكالة الإيرانية الإسرائيلية على الأراضي السورية وتعدد الميليشيات المسيطرة في مناطق النظام، إضافة إلى صراعات الفواعل المحلية وعدم رسوخ نماذجها. اقتصادياً، تعاني كافة المناطق السورية من أزمة اقتصادية تعززها قرارات جهات السيطرة، مع محاولات لتمكين الاستثمار في الشمال السوري.

تأرجح مسار التطبيع العربي.. وتغييرات داخلية صورية

يبدو أن الصعوبات والتحديات التي تواجه مسار التطبيع العربي مع نظام الأسد أكبر من قدرة الأطراف المتداخلة على التعامل معها. لا سيما بعد إلغاء عقد اجتماع لجنة الاتصال العربية المكلفة بالتواصل مع النظام والذي كان قد تم تأجيله عن موعد انعقاده بسبب عدم تلقي الأطراف العربية رد دمشق على استفسارات اللجنة بخصوص تهريب الكبتاغون وقضايا أخرى، كما لم يسفر لقاء وزير خارجية النظام مع نظيره الأردني أيمن الصفدي عن أي تقدم بشأن طلبات اللجنة العربية.

وعلى الرغم من حضور بشار الأسد القمة العربية العادية التي انعقدت في البحرين دون كلمة مجدولة له على أجندة القمة؛ إلا أن البيان الختامي أكد على ضرورة إنهاء الأزمة السورية بما ينسجم مع القرار 2254، وما يتضمنه من السير في مضمار المرحلة الانتقالية وضمان أمن سورية وسيادتها ووحدة أراضيها، ويحقق طموحات شعبها، ويخلصها من "الإرهاب"، ويوفر البيئة الكفيلة بالعودة الكريمة والآمنة الطوعية للاجئين. وفي السياق ذاته تنازل نظام الأسد عن استضافة القمة المقبلة لصالح العراق، ويرد ذلك إلى إدراكه أن الانفتاح العربي لا يزال محدوداً، ولم يرتقِ بعد إلى مستوى يُخرج الأسد من عزلته بالكامل، ويفتح الباب لزيارات جماعية للزعماء العرب إلى دمشق. وتشير جملة التطورات هذه إلى نهج عربي أكثر حذراً وأقل اندفاعاً نحو التطبيع مع نظام الأسد، مع إعادة تقييم نتائج الانفتاح بعد الإدراك المتزايد في الأوساط العربية بأن تقديم مُحفزات إضافية للأسد قد يأتي في النهاية بنتائج معاكسة.

محلياً، وفي سياق التغيرات الهيكلية الشكلية التي بدأها النظام منذ فترة، شارك بشار الأسد في الاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ونتج عن الاجتماع إعادة انتخاب الأسد أميناً عاماً للحزب، كما جرى انتخاب أعضاء القيادة المركزية الجديدة المكونة من 14 شخصاً، واختيار أعضاء اللجنة المركزية للحزب على مستوى المحافظات، كما جرى انتخاب لجنة الرقابة والتفتيش الجديدة للحزب، بيد أن هذه التغييرات لا تعدو كونها تعديلات تنظيمية داخل بنية الحزب وإعادة تدوير لرجالات النظام، بغية الحفاظ على استمرار سيطرة حزب البعث على الفضاء السياسي والاجتماعي السوري، ولا يبدو أن هذه الخطوات ستسهم في إصلاحات حقيقية ترضي الأطراف السورية وتفضي إلى إيجاد حل سياسي شامل.

في شمال شرق سورية، تحاول "الإدارة الذاتية" تعزيز الجبهة الداخلية قبل انتخابات البلدية المزمع عقدها في النصف الأول من شهر تموز/يوليو القادم، إذ عقد مظلوم عبدي "القائد العام لقوات قسد" سلسلة لقاءات مع شيوخ ووجهاء العشائر العربية في دير الزور اعترف خلالها بأخطاء ارتكبتها قواته خلال ملاحقة عناصر تنظيم داعش، مع التعهد بالإفراج عن المعتقلين وتعويض المتضررين. تزامناً مع إصدار "الإدارة الذاتية" قانون التقسيمات الإدارية تمهيداً للانتخابات المحلية. وقد أثار تحديد موعد هذه الانتخابات جدلاً واسعاً محلياً وإقليمياً ودولياً، إذ أكَّدت وزارة الخارجية الأميركية أن "شروط الانتخابات الحرة والنزيهة في شمال شرقي سوريا غير متوفرة"، كما اعتبرت تركيا أن هذه الانتخابات تستهدف سلامة أراضيها وتهدد أمنها القومي.

وبناءً على قانون التقسيمات الإدارية الجديد فإن شمال شرق سورية بات يعتبر إقليماً واحداً مقسماً إلى 7 مقاطعات رئيسية. وتأتي جملة القوانين والإجراءات هذه في سياق محاولات الإدارة لكسب غطاء قانوني لسلطتها على المنطقة، وفرض أمر واقع جديد في أي مفاوضات مستقبلية مع بقية أطراف النزاع في سورية، ولا يخلو الأمر من رسائل يتم توجيهها لهذه الأطراف لتحقيق مكاسب سياسية وميدانية، في الوقت الذي تتصاعد المخاوف بشأن التبعات الاجتماعية والسياسية والقانونية لخطوات "الإدارة" أحادية الجانب على السوريين المقيمين في مناطق سيطرتها وعلى مستقبل سورية بشكل عام.

باختلاف مناطق السيطرة … استمرار تعقد المعضلة الأمنية  

لا تزال الساحة السورية تستخدم كمجال مفتوح أمام الصراع "الإيراني- الإسرائيلي"، حيث استهدف الطيران الإسرائيلي مواقع الميليشيات الإيرانية في جنوب دمشق ودرعا والقصير بريف حمص، إضافة إلى مبنى تديره قوات الأمن التابعة للنظام على مشارف دمشق، وقد تسببت الغارات بمقتل 11 عنصراً من الميليشيات بينهم سوريون ولبنانيون، في المقابل استهدفت "المقاومة الإسلامية في العراق" التابعة للحرس الثوري الإيراني بسبع هجمات مواقع عسكرية إسرائيلية في الجولان السوري المحتل. وفي دمشق، انفجرت عبوة ناسفة في حي المزة تسببت بمقتل شخص وإصابة آخرين واحتراق سيارات قرب موقع التفجير، وهو التفجير الثاني من نوعه في ذات المنطقة خلال شهرين.

في الجنوب السوري، تستمر ظاهرة الاغتيالات والاشتباكات، حيث قُتل عنصران من قوات النظام جراء زرع عبوات ناسفة في سياراتهم شمال درعا، بينما شنت قوات النظام حملات أمنية متكررة في المحافظة بذريعة ملاحقة مطلوبين ينفذون عمليات استهداف في المنطقة، وسط استمرار حالات الاستهداف المتبادل والاغتيالات التي تطال عناصر وضباطاً من قوات النظام ومقاتلين سابقين في فصائل المعارضة، إذ فشلت السياسات الأمنية على مدار السنوات الماضية بفرض نوع من الاستقرار الأمني في جنوب سورية بشكل عام. يأتي ذلك بينما تواصل السويداء مظاهراتها الأسبوعية، رغم محاولات النظام تخويف المحتجين عبر إرسال تعزيزات عسكرية كبيرة لقواته في المحافظة.

في إدلب تصاعدت وتيرة الاحتجاجات الشعبية المناهضة لـ "هيئة تحرير الشام" إذ لم تفلح محاولات الهيئة على مدى أشهر في احتواء هذه الاحتجاجات بالطرق السلمية من خلال تقديم وعود بإجراءات إصلاحية على المستويات البنيوية والإدارية والأمنية والاقتصادية. فقامت الهيئة خلال هذا الشهر بفض اعتصام شعبي وسط إدلب بالقوة، حيث تم الاعتداء على المحتجين بالأيدي والهراوات من قبل عناصر أمنية تابعة للهيئة، وبرر "أبو محمد الجولاني" القائد العام لهيئة تحرير الشام، هذا التصرف بأن الهيئة حذرت سابقًا من أن أي مساس بالمصالح والقواعد العامة هو “تجاوز للخطوط الحمراء”، وأنها ستتحرك لمواجهة هذا الأمر، معتبراً أن معظم مطالب المحتجين "تم تحقيقها"، فيما انحرفت المطالب الحالية عن مسارها الحقيقي. ويبدو أن فشل هيئة تحرير الشام بإنهاء الاحتجاجات بالطرق السلمية دفعها لاختبار استخدام القوة في محاولة لترهيب المحتجين إلا أنها لا ترغب في تصعيد المواجهة نحو العنف المفرط لتجنب توسيع رقعة الاحتجاج وانضمام فئات جديدة آثرت الوقوف على الحياد طيلة الأشهر السابقة، كما لا تبدو قيادة الهيئة مستعدة للتعامل مع تحديات جديَّة قد تطال جهازها الأمني والعسكري، المتماسك حتى الآن، في حال الانزلاق نحو الفوضى وفقدان القدرة على إدارة الأزمة.

وفي مناطق سيطرة "قسد" استهدفت مدفعية الجيش التركي عدة قرى قرب بلدة تل تمر بريف الحسكة، وطال القصف قرى بريف مدينة منبج. وفي دير الزور نفذت قوات قسد حملة تدقيق أمني في مناطق مختلفة وقصفت عدة بلدات وقرى غرب نهر الفرات الواقعة تحت سيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية أوقعت جرحى بين المدنيين، كما شنت عملية أمنية في مدينة البصيرة شرقي دير الزور أسفرت عن مقتل قيادي في تنظيم داعش عراقي الجنسية. وقد تراجعت حصيلة عمليات تنظيم داعش في المنطقة، تزامناً مع عمليات أمنية وتعزيز الحواجز العسكرية. كما انخفضت هجمات "مقاتلي العشائر" على مقار وحواجز قوات قسد في دير الزور بنسبة كبيرة خلال النصف الثاني من شهر أيار بعد عمليات قصف عنيفة نفذتها قسد على قرى وبلدات في محيط مدينة الميادين التي يُعتقد أنها تشكل ملاذ ونقطة انطلاق لمقاتلي العشائر.

ويبدو أن سياسة قسد في التعاطي مع ملف مقاتلي العشائر تتحرك باتجاهين أحدهما محلي يركز على محاولة إعادة احتواء العشائر العربية من خلال زيادة وتيرة اللقاءات بين قيادات قسد ووجهاء العشائر وتقديم حوافز لزعماء العشائر ووعود بتحسين الواقع الخدمي في المنطقة، وآخر أمني من خلال الضغط على القوات الموالية للنظام، ومقاتلي العشائر عبر قصف أماكن تجمعهم وانطلاقهم جنوب وغرب الفرات لتأليب الحاضنة الشعبية عليهم وزيادة عبء النظام في احتواء هؤلاء المقاتلين. إلا أن الضغط الأمني لقسد يهدد بتصاعد العنف ومواجهة مباشرة مع قوات النظام والمليشيات الموالية لإيران، الأمر الذي قد يدفع التحالف الدولي وروسيا للتأثير على مختلف الأطراف والوصول إلى تفاهم قد يفضي في نهاية المطاف إلى التضييق بشكل أكبر على مقاتلي العشائر.

مبادرات تمكين اقتصادي في الشمال السوري

بهدف تسليط الضوء على أنماط جديدة من التدخل الإنساني، وفرص تمكين السكان اجتماعياً واقتصادياً، والتحول نحو الاستقرار، من خلال تقديم مجموعة من الأفكار والمشاريع والمبادرات التي تعزز الاستدامة وتمكين المجتمع والمنظمات المحلية؛ عقدت منظمات ومؤسسات سورية وعربية ودولية مؤتمراً يهدف لتمكين الاستثمار في الشمال السوري، وأوصى المؤتمر بتشكيل فرق عمل لزيارة المنظمات المانحة الأممية والدولية، وإنشاء صندوق للتمكين الاقتصادي.

في شمال شرق سورية، رفعت الإدارة الذاتية أسعار المحروقات، حيث بلغ سعر المازوت المخصص للزراعة 1050 ليرة سورية، وبلغ سعر مازوت التدفئة 1150 ليرة سورية، كما ارتفع سعر جرة الغاز المنزلي إلى 153000 ليرة، وفي السياق ذاته رفعت الإدارة الذاتية سعر ربطة الخبز من 900 ليرة إلى 1400 ليرة، وذلك بعد رفع سعر الطحين المباع من المطاحن للأفران في جميع مناطق شمال وشرق سورية. وفي سياق آخر أنهت "بلدية الشعب" في مدينة منبج المرحلة الأولى من تجهيز المدينة الصناعية التي تعتبر الأكبر من نوعها في شمال وشرق سورية حيث من المقرر أن تتضمن المدينة محلات ومعامل ومصانع للصناعات الغذائية والخشبية والمعادن. كما عقدت الإدارة الذاتية صفقة مع نظام الأسد، تلزم الإدارة بموجبها بتوريد نصف مليون طن من القمح بسعر 36 سنت أمريكي للنظام على عدة دفعات، وقد سعرت الإدارة  شراء القمح من الفلاحين في مناطق سيطرتها ب 31 سنت أمريكي مقابل الكيلوغرام الواحد، ومن المتوقع أن تحقق الصفقة مكاسب مالية للطرفين؛ إذ سيحصل النظام على قمح مناطق شمال شرق سورية دون أن يتكبد تكاليف التوريد والتخزين بحسب حاجته، بينما ستحقق "الإدارة الذاتية" نسبة ربح لا تقل عن 3 سنت للكيلو غرام الواحد من القمح وتستلم أموالاً تغطي رواتب موظفيها المدنيين والعسكريين.

من جهتها، رفعت حكومة النظام أسعار المحروقات بمختلف أنواعها، وبحسب الأسعار الجديدة، بلغ سعر اللتر الواحد من البنزين "أوكتان 90" 12500 ليرة سورية، وارتفع سعر بنزين "اوكتان 95" إلى 14 ألفًا و368 ليرة سورية، كما بلغ سعر المازوت الحر 11996 ليرة سورية. وقد طالبت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، بفرض ضريبة على ألواح الطاقة الشمسية المستوردة بقيمة 25 دولاراً لكل لوح. كما فرضت وزارة التجارة الداخلية ضرائب جديدة على مواد مستوردة إلى مناطقها تشمل السكر الأبيض وألواح الطاقة الشمسية. تزامناً مع ارتفاع أسعار السلع والخضروات والفاكهة في دمشق بنسبة 70% مقارنة مع الفترة نفسها من العام الفائت، بيد أن هذا الارتفاع لم يمنع النظام من استئناف حركة تصدير الخضار والفواكه إلى دول الخليج. وتلقي قرارات النظام برفع أسعار المحروقات وزيادة الضرائب ظلالها على أسعار المواد الاستهلاكية وسط تدني القوة الشرائية للسكان وتدهور الوضع الاقتصادي، حيث تعتمد العديد من العوائل على الحوالات النقدية من ذويهم المقيمين خارج سورية لتأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة.

وفي سياق آخر، تعهدت الدول المانحة خلال مؤتمر بروكسل الثامن لـ "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" ‏بتقديم تبرعات ومنح وقروض بقيمة 7.5 مليارات يورو (8.1 مليار دولار)، تم تخصيص 3.8 مليار ‏دولار لعام 2024 و1.3 مليار دولار لعام 2025، إلا أن هذا لا يخفف من أهمية التنبه إلى احتمالية قطع ‏التمويل وتخفيض المساعدات، وعليه تبرز ضرورة مسارعة الفاعلين في ‏الشأن السياسي والإنساني والإغاثي والتنموي لمواجهة ‏هذا التحدي، عبر سلسلة من السياسات تركز على التمكين الاقتصادي وتطوير خطط الاستجابة والتعافي بما يتناسب مع التحديات الجديدة.

ساشا العلو, صخر العلي
مدخل لا ينفصل تاريخ الجغرافية السورية عن تاريخ القبائل فيها، والتي استقرت في الشام وبواديها…
الأربعاء كانون1/ديسمبر 25
نُشرت في  أوراق بحثية 
عبادة الشلَّاح
تشكل لحظات التغيير الكبرى منعطفات حاسمة في حياة الشعوب، فهي تفتح الباب أمام احتمالات واسعة،…
الثلاثاء كانون1/ديسمبر 24
نُشرت في  مقالات الرأي 
مناف قومان
مدخل شهدت سورية خلال الأيام القليلة الماضية تحولاً تاريخياً تمثل بانتصار الثورة في إسقاط نظام…
السبت كانون1/ديسمبر 21
نُشرت في  أوراق بحثية 
محمد السكري
ملخص تنفيذي برزت أهمية مفهوم النقابات كمساهم في صيرورة بناء المؤسسات وعملية الدمقرطة في الدولة…
الخميس كانون1/ديسمبر 19
نُشرت في  أوراق بحثية