تقدير الموقف

لأسباب مرتبطة بازدياد الأزمات والصراعات في العالم وازدياد عدد المحتاجين للإغاثة والمساعدات الإنسانية والتفاوت الكبير بين الاحتياجات والمتطلبات([1])، سيجد السوريون أنفسهم في ظل الانسداد السياسي أمام استحقاقات وتحديات مركبة تستوجب منهم التنبه لتداعيات ذلك على حجم الخدمات المقدمة وعلى عدد المستفيدين في الداخل السوري جراء تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للسوريين في البلدان المستضيفة للاجئين([2]).

وفقاً لتقرير Global Humanitarian Overview الصادر عن OCHA لعام 2024 هناك ما يقرب من 308 ملايين نسمة حول العالم بحاجة إلى مساعدات إنسانية مما يتطلب 48.64 مليار دولار لمساعدة 187.8 مليون شخص محتاج في 70 دولة حول العالم من خلال 36 خطة استجابة منسّقة. تمت تغطية 15.3% من الخطة حتى الآن بتمويل 7.42 مليار دولار، بما يقل بنسبة 35% عن المسجَّل في ذات الفترة من العام الماضي (11.40 مليار دولار)، وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي التمويل المبلّغ عنه 4.34 مليار دولار أو أقل بنسبة 42% عمّا كان عليه في عام 2023 (7.44 مليار دولار)، كما انخفض أيضاً التمويل المبلغ عنه من كبار المانحين في الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي 2024 مقارنة بعام 2023.

سيكون لهذا التخفيض تداعيات على الملف السوري بمستوييه: المستوى المحلي، كتفاقم الظروف المعيشية للسكان وتزايد موجات الهجرة، وزيادة نشاط الميليشيات والاعتماد على اقتصاد الحرب ومعدلات الانخراط في أعمال غير مشروعة مثل المخدرات والأسلحة، وزيادة العنف المجتمعي كالسرقة والخطف والابتزاز، الأمر الذي سينعكس سلباً على مؤشرات الأمن والاستقرار المحلي، والمستوى الإقليمي: حيث ستزداد الضغوط الاقتصادية للدول المستضيفة مما يزيد احتمالية دفعها اللاجئين السوريين للعودة طوعاً أو كرهاً إلى سورية عبر اتخاذ إجراءات تضيّق الخناق عليهم. ومن المحتمل تزايد خطر انتشار المخدرات في دول الجوار (لبنان والأردن وتركيا والعراق) واستخدام أراضيها كمحطة لعبور المخدرات إلى دول الخليج وأوروبا.

بالإضافة إلى ذلك، سيواجه الفاعلون السوريون في الشأن الإغاثي والتنموي مجموعة من التحديات المباشرة نذكر منها:

أولاً: أزمة أمن غذائي حادة: ساهم انخفاض تمويل الاحتياجات الإنسانية منذ عام 2023 إلى 2.1 مليار دولار (بنسبة 39% من الاحتياجات) في تخفيض برنامج الأغذية العالمي في منتصف العام 2023 عدد الأشخاص الذين يتلقون المساعدات من 5.5 مليون شخص إلى 3.2 مليون بنسبة 40% ابتداءً من شهر تموز 2023، كما أعلن البرنامج عن انتهاء مساعداته الغذائية العامة في جميع أنحاء سورية في كانون الثاني 2024، بسبب النقص الحاد في التمويل، علماً أن القرار يمثل التخفيض السابع منذ انطلاق عمل البرنامج في سورية وهو الأكبر من نوعه بينهم.

ثانياً: حجم الاحتياج الأكبر: وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإن حوالي 16.7 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية (بعد أن كان يقدر بـ 15.3 مليون شخص عام 2023) وهو العدد الأكبر منذ العام 2011. حيث يعيش 7.2 مليون شخص في حالة نزوح داخلي بمناطق متفرقة، بينهم 2.05 مليون في مخيمات مكتظة.

ثالثاً: نقص شديد في التمويل: إذ لم يتم استلام سوى 8% فقط من الأموال المطلوبة لتمويل الاحتياجات فمن أصل 4.07 مليار دولار تم جمع 358 مليون دولار حتى شهر أيار 2024 لتلبية الاحتياجات الإنسانية الفورية لـ 10.8 مليون شخص من المستهدفين. فاضطرت العديد من المنظمات المحلية في شمال غرب سورية ضمن إطار التكيف مع تقلص التمويل إلى إيقاف عدد من برامجها الخدمية، وتسريح العشرات من الموظفين، وإغلاق مكاتب في مدن وبلدات متفرقة ضمن ريف حلب وإدلب. ويُظهر الجدول التالي الارتفاع التدريجي للأشخاص المحتاجين لمساعدة إنسانية بين 2018 و2024 مقابل انخفاض نسبة التمويل المستلم عن التمويل المطلوب من 62% إلى 39% في العام السابق و8% خلال العام الحالي:

رابعاً: تعاظم الخدمات المقدرة في بلدان الجوار التي تستضيف لاجئين سوريين، من المتوقع أن يحتاج أكثر من 19 مليون شخص إلى المساعدة في عام 2024، بما في ذلك حوالي 6.4 مليون لاجئ و12.9 مليون من أفراد المجتمع المضيف المتأثرين. نظراً لانخفاض التمويل والحاجة إلى تحديد الأولويات الاستراتيجية، إذ تم تخفيض طلب التمويل الجماعي لعام 2024 إلى 4.1 مليار دولار مقارنة بـ 5.8 مليار دولار في عام 2023 بعد مراجعة المتطلبات بناءً على الاحتياجات ذات الأولوية. ونتيجة لأزمة التمويل المتزايدة؛ تم تخفيض عدد العائلات السورية اللاجئة في لبنان والتي تتلقى مساعدات نقدية إلى نحو الثلث في عام 2024. كما أعلن برنامج الأغذية العالمي في الأردن تقليص مساعداته الغذائية الشهرية لـ 465 ألف لاجئ في منتصف تموز 2023، واستثناء حوالي 50 ألف شخص آخرين من المساعدة الشهرية، بحجة نقص التمويل.

يُظهر الجدول الآتي ارتفاع عدد الأشخاص المحتاجين لمساعدة إنسانية في بلدان اللجوء الخمسة، لبنان والأردن ومصر والعراق وتركيا، مقابل انخفاض التغطية بين المبلغ المطلوب والمبلغ المدفوع:

خامساً: تدهور الخدمات (مياه، صرف صحي، رعاية، كهرباء، تعليم) للأفراد النازحين في المراكز الجماعية: مما سيزيد من خطر اللجوء إلى آليات التكيف السلبية. حيث ستفقد حوالي 2.3 مليون امرأة في سن الإنجاب بما في ذلك 500 ألف امرأة حامل ومرضعة؛ إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية وخدمات الأمومة الحيوية، كما سيفقد حوالي 2.5 مليون طفل خارج المدرسة فرصة العودة إلى المدرسة مما يهدد مستقبل جيل كامل ويحرم الأطفال من حقهم الأساسي في التعليم([3]).

وعلى الرغم من تعهد الدول المانحة خلال مؤتمر بروكسل الثامن لـ “دعم مستقبل سوريا والمنطقة" بتقديم تبرعات ومنح وقروض بقيمة 7.5 مليارات يورو (8.1 مليار دولار)، خُصص منها 3.8 مليار دولار لعام 2024 و1.3 مليار دولار لعام 2025؛ إلا أن هذا لا يخفف من أهمية التنبه إلى احتمالية قطع التمويل وتخفيض المساعدات، وعليه يجدر التنبيه (كاستراتيجية ملحّة) لضرورة تسارع الفاعلين في الشأن السياسي والإنساني والإغاثي والتنموي لمواجهة هذا التحدي عبر سلسلة من السياسات نذكر منها:

أولاً: التحالفات العملياتيّة: يضمن هذا النوع من التحالفات استقلالية المنظمات من جهة، كما يدفع باتجاه تضافر الجهود وزيادة معدلات التنسيق لإكمال أي مشروع تنفيذي بالشكل الأنجع. ويحتاج شمال غرب سورية لهذا النوع من التحالفات لضمان عدم تكرار الأنشطة والمشاريع والمساهمة في تحقيق رؤية أوسع تقوم على استثمار أدوات المتحالفين.

ثانياً: تصميم سوري لخطة الاستجابة والتعافي الكاملة: ينبغي على الفواعل السورية إنجاز خطة شاملة لتكون دليلاً ومرجعاً لمتطلبات وأولويات الاستجابة والتعافي، تعمل وفق مبادئ التكامل والشمولية، وتشكل نقطة أساس للعديد من الرؤى المحلية المطلوبة على الصعيد التنموي والاقتصادي والاجتماعي، على أن يتم يعمل على تحديثها سنوياً.

ثالثاً: سياسات مناصرة متعددة الأبعاد والاتجاهات: العمل بالتوازي مع المناصرة التقليدية (القائمة على إبراز حجم المعاناة ومتطلباتها) على المناصرة الذكية (القائمة على فكرة الائتلافات لتعظيم المنفعة وتوسيع مساحات المناصرة جغرافياً وقطاعياً)، إضافة إلى تصميم شبكات شعبية وإعلامية تدعو لتعزيز منظومة التعافي المبكر إلى جانب الاستجابة الإنسانية.

رابعاً: سياسات التمكين الاقتصادي: القائمة على تطوير أدوات إحصاء وجمع المعلومات قطاعياً وجغرافياً، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوفير فرص التدريب المهني، لخلق فرص عمل للسكان وتقليل اعتمادهم على المساعدات الخارجية، وتنفيذ مشروعات في البنية التحتية الأساسية من مياه وصرف صحي وكهرباء وصحة وتعليم وخدمات عامة، لتعزيز التعافي الاقتصادي وتحسين الظروف المعيشية للسكان.

 

أخيراً؛ لا شك أن الدور الدولي مهم ونوعي في ملف الاستجابة والتعافي في سورية؛ إلا أن ما يمتلكه الفاعلون السوريون من قدرات وشبكات وخبرة كفيل بأن يدفع بهم باتجاه بلورة رؤية تنفيذية لاستحقاقات المنطقة، تنقلهم من موضع المنفذ إلى المخطط والمنفذ في آن معاً.


([1] )  بلغ التفاوت بين الاحتياجات والمتطلبات مستوىً غير مسبوق قدره 31 مليار دولار حتى نهاية عام 2023، ووصل المبلغ المدفوع إلى ما مجموعه 24.28 مليار دولار أي ما نسبته 43% من المبلغ المطلوب المقدر بحوالي 56 مليار دولار.

([2] ) انتهى عام 2023 محملاً بصعوبات وتحديات كبيرة واجهت العالم، بدءاً بالزلزال الذي ضرب سورية وتركيا في شهر شباط/فبراير، ثم الصراع في السودان في شهر نيسان/إبريل والذي خلّف 30 مليون شخصاً محتاجاً، فالعدوان الإسرائيلي على غزّة حيث اعتبرت الأزمة الإنسانية في القطاع الأكثر دموية منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994. إلى جانب كل هذه الأزمات، استمرت الصراعات في كل من سورية وأوكرانيا وأفغانستان واليمن والكونغو وهايتي وغيرها.

([3] )Resident Coordinator and Humanitarian Coordinator Mr. Adam Abdelmoula Press Briefing on the humanitarian situation in Syria, 22-03-2024. Link: https://2u.pw/EGrZ56mr


ملخص عام يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر أيار 2024، على الصعيد السياسي، لا تزال خطوات التطبيع العربي مع نظام الأسد تسير بمسار متقلب،…
الثلاثاء حزيران/يونيو 04
نُشرت في  التقارير 
ملخص عام يستعرض هذا التقرير أهم الأحداث السياسة والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر نيسان 2024، حيث تزداد مؤشرات عدم الاستقرار في مختلف مناطق النفوذ مع استمرار حالة الانغلاق السياسي،…
الإثنين أيار 13
نُشرت في  التقارير 
تأقلم "تنظيم الدولة" بعد عام 2019 مع المعطيات الجديدة لقدراته الذاتية وقوة خصومه، بالانتقال من مرحلة "التمكين"/السيطرة على الأرض والقيادة المركزية، إلى النشاط اللامركزي المعتمد على الخلايا والعمليات الخاطفة، والتي…
الجمعة نيسان/أبريل 05
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20