تقدير الموقف

المسارات

الملفات

الباحثون

التصنيف

تاريخ النشر

-
الجمعة, 06 تشرين2/نوفمبر 2015 22:53

حيثيات اجتماع فيينا لا تنذر بالانفراج

تمخض الجبل فأنجب فأراً، خرج مؤتمر فيينا الذي ضم 19 وفداً دولياً في 30 أكتوبر بمجموعة من النقاط لا تُغير من مجرى العملية السياسية الذي لايزال يخضع لتوظيفات وتطويعات تتسق مع غايات بعض الفواعل الدولية على حساب القضية المجتمعية السورية الأساس، إذ يقرر هذا المؤتمر أنه على السوريين تشكيل دولة علمانية تبقي وتحافظ على المؤسسات السورية بما فيها مؤسستي الجيش والأمن، التي تآكلت بحكم سياسة الأسد الذي عمل على زجها واستغلالها لتطوير أدواته في قمعه للحراك الثوري من جهة، أو التي أضحت  تحت السيطرة الكاملة من قبل الجيش الروسي والإيراني اليوم، كما لم يحسم هذا المؤتمر أهم مسألة والتي هو موطن خلاف بين الدول ألا وهي رحيل بشار الأسد وآلية تنفيذ الانتقال السياسي عبر انتخابات أو عبر هيئة حكم انتقالي وما هو دور الأمم المتحدة في هذا المجال، وهو ما لم يتم بحثه في فيينا مما يدلل على استمرار الهوة بين مواقف الدول.

انتهى المؤتمر من حيث بدأ وكأنه استعراض دبلوماسي جهدت موسكو لعقده بغية ضمان عدم تزمين تورطها في المشهد السوري السائل وعدم قدرتها على علاج أزمة الموارد البشرية المتزايدة في صفوف قوات الأسد وحلفائه، لذا سرعان ما تسابق الفاعلون بعد الاجتماع من الطرفين الداعم للمعارضة وللنظام لمحاولة إجراء تغيير سريع في موازين القوى السياسية والعسكرية، حيث تُقدم روسيا نفسها أنها الراعي للحل في سورية. غير أنه كان أول اجتماع من نوعه بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وبين الدول المجاورة لسورية والداعمة لكافة الأطراف، وبالتالي كان بمثابة المواجهة الأولى التي خرجت ببيان ضعيف لا يُراعي مفرزات المشهد السوري، وسرعان ما تحولت الاستقطابات بعده لإحداث تغيير في موازين القوة على الأرض ليعود كل طرف بوجه جديد تجاه الخصم. وتكمن المشكلة هنا أن الكل يحاول إيجاد الحل وفرضه على السوريين الذين تم تغييبهم في الاجتماع وتم الاكتفاء بذكر أن الحل بيد السوريين في البيان الختامي، بل وصرح أحد وزراء الخارجية الحضور أن مهمتهم التوصل للحل وأي فريق سوري لا يقبل بذلك الحل المقدم له يعتبر إرهابياً تجب محاربته وإرسال الطائرات بدون طيار.

كان تموضع الولايات المتحدة الأمريكية في فيينا ملفتاً للنظر حيث قدم نفسه كوسيط ومدير للنقاش بين الأطراف ودافعاً نحو عدم "الالتهاء" بقضية الأسد ومصيره وعدم تصنيف حزب الله والميليشيات التي استجلبها النظام كجماعات إرهابية، وعدم بحث كيف وصلنا إلى هذه النقطة من الاستعصاء في الحل، والتركيز بالمقابل على ضرورة إحداث حل سياسي يستطيع الجميع فوراً التركيز على محاربة الإرهاب، كما تم تأطير النقاش من قبل الجانب الأمريكي بـ "كيف نحارب الإرهاب في ظل حرب أهلية". إذن فالتصور للمشهد السوري لا يزال يعتريه التشويه الكبير لدى العديد من الدول وسط استقطاب حاد بين طرفين بشكل واضح: السعودية وتركيا وقطر وفرنسا وبريطانيا في مقابل روسيا وإيران والعراق وعُمان ولبنان، مع باقي الدول في الوسط يمكن جذبها لأي من الطرفين. كما أن الجانب الأمريكي بدى كأنه يُريد الحفاظ على موازين القوى وعدم اختلالها واستدراج الروس والجميع للتورط أكثر وهو يقف على الحياد ليدير الحوار بين الأطراف.

حاول الوزير الروسي وغيره اللعب على وتر "ضبابية تعريف الإرهاب" وأن المشكلة في محاربة الإرهاب هي أن التعريف غير موحد وأنهم لا يعرفون المعتدل من المتطرف، وهو محور قديم-جديد يحاول الروس شراء الوقت عن طريق الخوض فيه وتعويم المشهد في مواجهة مشهد النظام الذي وصل إلى درجة كبيرة جداً من التشرذم السياسي والعسكري والتنفيذي، بينما يستمر الروس في الواقع الميداني استهداف المشافي والمدارس والأسواق العامة للسوريين بل وفصائل المقاومة الوطنية التي حاربت وما تزال تحارب تنظيم الدولة. كما أن مناقشة تعريف الإرهاب لم يتم تأطيره بإطار واضح فرآه ممثل مصر ممثلاً بـ"الإخوان المسلمين"، وتغافل الروس عن إرهاب حزب الله معتبرين "أنه تم استدعاؤه من قبل حكومة شرعية ممثلة في الأمم المتحدة" وهذا ما يُعد انتكاساً مفاهيمياً لوظائف وأدوار الدولة، فمتى كانت تستدعي دولة عضوة في الأمم المتحدة ميليشيا عسكرية للدفاع!!!. واختلف الفرقاء على تصنيف الفصائل المقاتلة كل حسب الرؤية السياسية الخاصة ببلدانهم، وهنا أعاد مدير النقاش الأمريكي الحديث إلى كيفية إيقاف الحرب الأهلية والبدء بمحاربة داعش وتعويم النقاش وعدم حسمه ثم تأجيله.

ولا يمكن تجاهل الموقف القوي الذي سُرب للإعلام من وزير الخارجية السعودي حيث قال إن المملكة مستمرة بدعم الثوار وماضية حتى سقوط الأسد من خلال عملية سياسية أو عسكرية في حال لم يتم اعتماد خطة للحل يغادر فيها الأسد سورية. وكذلك موقف وزير الخارجية القطري والتركي المتناغم بشكل كبير مع الموقف السعودي. وكذلك موقف الوزير الفرنسي الذي واجه الروسي بشكل مباشر بأن يتوقف عن "إعطائهم الدروس" وأن "يحترم نفسه" وهي عبارات تؤكد حجم الهوة الكبير في قراءة المشهد السوري لدى كافة الأطراف.

تبقى هناك فرصة نرى بوادرها لكن لا يعلم مداها، وهي التباعد بين السياسة الروسية والإيرانية، فواضح أن الروس لم يتوقعوا حجم انهيار مؤسسات الدولة السورية فاضطروا لوضع يدهم على أغلب هذه المؤسسات وإدارتها بشكل انتداب، مما وضع الروس في موقف محرج يصعب عليهم الاستمرار فيه لمدة طويلة خاصة مع استمرار انخفاض أسعار النفط عالمياً. الواقع أكثر تعقيداً وأبعد عن الحل بيد مجموعة ال19 المجتمعين في فيينا إذ أن المصالح الدولية متناقضة لدرجة كبيرة والواقع في الأرض بعيد كل البعد عن دائرة القرار ولا يمكن فرض قرار بهذه الطريقة عليه. وستشهد المرحلة القادمة حراكاً ديبلوماسياً مكثفاً من طرف الروس مع تباعدهم (وليس تخاصمهم) عن الموقف الإيراني إضافة إلى عمل عسكري يحاول نفخ الروح في الجسم الميت للنظام، وفي المقابل ستُحاول فصائل المقاومة الوطنية الخروج بعمليات عسكرية نوعية في خواصر النظام الرخوة لتعديل ميزان الكفة والصمود في وجه الاحتلال الروسي. وتبقى الإرادة السورية الوطني تردد بأن أي حل لا يبدأ برحيل الأسد عن السلطة لا يمكن أن يحدث أي انفراج بالأزمة السورية وهو ما بدى بعيداً عن مائدة فيينا.

نشر على موقع السورية نت:https://goo.gl/wor2Hm

التصنيف مقالات الرأي
السبت, 26 كانون1/ديسمبر 2015 02:20

الحل السياسي في سورية ومساراته الموازية

ملخص: يدفع نظام باتجاه تعزيز مساره الخاص الموازي لفيينا محاولاً تطويع مخرجاتها وفقاً لرؤيته السياسية متبنياً خارطة طريق خاصة تعزيز شروطه وقراءته لمداخل الحل، الأمر الذي يحتم على قوى المقاومة الوطنية خلق مسارها وتصورها السياسي تزامناً مع قيامها بعملية مواجهة متعددة الابعاد تخفف قدر الإمكان من الهشاشة التي تعتري بنيتها وتحسم الموقف باتجاه الإشكالات المؤجلة.

يحاول إطار فيينا عبر تفاهماته القلقة وملامح النهج والسلوك المتبع من قبل جل الفاعلين والذي يمكن وصفه بأنه الأقل تكلفة (بالمعنى الأمني والعسكري)، إدخال القضية السورية قسراً في مسارٍ سياسيٍّ يرتجي مجدداً "أمل الحل عبر بوابات السياسة والتفاوض"، انتظرت عملية الإدخال هذه عدة تغييرات بأطر وتفاعلات ثنائية (السياسة والعسكرة) في المشهد السوري وتحولاته، لعل أهمها ثلاثة متغيرات، أولها: تبلور مشروع "الخلافة الإسلامية" وتمددها جغرافياً وفكرياً لتبرز عدواً مشتركاً لكل الفرق المتفاعلة في المسرح السوري، وثانيها تنامي نهج غرف العمليات المشتركة في صف قوى المعارضة السورية إبان وضوح المشروع الإيراني في سورية واتساع رغباته العقدية والسياسية، إذ بدأت هذه الغرف بإخلال التوازن العسكري  لصالحها، وثالثها: تدخل روسي عسكري مباشر لإنقاذ نظام الأسد من جهة ولإعادة ترتيب المشرق العربي وفق الشروط الجيوسياسية والأمنية الروسية،  أحدث هذا التدخل تغييرات جمة في شروط اللعبة السياسية وإلى حد ما العسكرية التي سادت بعد تعثر العملية السياسية في جنيف.

أمام تلك المتغيرات ومفرزاتها، دُفِعَ بالمسار السياسي ليكون نقطة التقاء قد تصحح قدر الإمكان من احتمالات السيولة سواء على صعيد العنف والإرهاب الذي وصل إلى عقر فرنسا، أو على صعيد الأزمة الإنسانية التي طاولت شظاياها كل دول الجوار وفاضت إلى أوروبا محدثة فيها أزمة اجتماعية وسياسية واضحة، أو على مستوى تقليل التكلفة السياسية والعسكرية للتدخل الروسي في جغرافية معقدة بمستويات الصراع وأدوات التدخل الإقليمي والدولي فيها من جهة، ومؤهلة جيبولتيكياً لإحداث تغيرات جوهرية في خرائط الطاقة في العالم.
ستحاول هذه القراءة تقديم تصور حول مسار الحل السياسي وتبيان ملامح مسار النظام الموازي لذلك، لتنتقل في جزئها الأخير لرسم المسار الأجدى لقوى المقاومة الوطنية.

رجاءٌ دوليٌّ مثخن بالعراقيل

تزامناً مع ارتكاسات النظام وميلشياته وتأزم إشكالاته البنيوية بما فيها البنية البشرية، تدّخل الفاعل الروسي بشكل مباشر عسكرياً  مستغلاً ثوابت الإدارة الأمريكية في التعاطي مع ملفات المشرق العربي، وطارحاً محوره لاعباً مهماً في محاربة الإرهاب، الذي شهد تنسيقاً واضحاً مع كل من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وإسرائيل، ومدعياً بذات الوقت ضمان الدفع في مسارات العملية السياسية، وبعد أقل من خمسة أسابيع على تدخله دفعت موسكو بالتعاضد مع الولايات المتحدة الامريكية لجمع الفاعلين الأساسيين في فيينا لمناقشة رؤيتها للحل السياسي في سورية والتي راعى فيها الحد الأدنى من المصالح المشتركة، والمهددات الأمنية المشتركة، ثم توسع الاجتماع ليشمل فاعلين آخرين يثقلون كفة موسكو وطروحاتها في هذا المحفل الدولي، وخرج هذا الاجتماع بملامح عامة لإطار تنفيذي تدخل فيه العملية السياسية، ومتكئ على بيان جنيف، إذ ثبت المسلمات التالية: أولوية مسار مكافحة الإرهاب، التفاوض ووقف إطلاق النار هما مداخل التغيير، جدول زمني لعملية سياسية، اتساق الجهود الإقليمية وتكاملها.

كما أنه نضح من فيينا مجموعة توافقات تتحكم في نسق وسير العمليات التنفيذية الناشئة وهي:

•    المحافظة على الدولة السورية ووظائفها الأمنية والسياسية. والشروع فوراً بمحاربة الإرهاب. ومشاركة الأطراف المقبولة دولياً إلى جانب جيش النظام في محاربة التنظيمات الإرهابية.
•    ضمان روسيا لإجراء بعض التغييرات الشكلية
•    حكم غير طائفي لضمان تخفيف فاعلية الأكثرية التي لم تكن قادرة على ضبط تحولاتها وممارسة السلوك الدولتي.
•    حُسن اختيار المعارضة، وذلك وفق معيار مدى القبول الدولي لها أولاً، ثم الفاعلية المحلية ثانياً، وتثبيت القوى الوطنية غير المقبولة دولياً وتحجيمها، عبر الضغط عليها، ثم النظر بمآلها بعد الاطمئنان على سير العملية السياسية
•    عدم وصول قوى إسلامية للحكم، وذلك عبر حُسن استخدام ورقة "تصنيف الإرهابيين".
•    تحديد مجالات التفاوض وطبيعته ضمن سقف فيينا وجدوله الزمني الذي قد يشهد بعض التعديلات غير الجوهرية.

موازية 1

رغم صدور القرار الأممي رقم  2254 الذي كرس نتائج فيينا وكل دلالاته السياسية، إلا أنه يحتوي على جملة عراقيل تجعل منه أسير الاستعصاء أو التزمين، أولها ما يتعلق بحجم الإشكالات التي رحلها القرار الأممي  وأثرها على أية عملية سياسية من جهة وعلى بنية التوافق الدولي الناشئ الهشة أصلاً من جهة ثانية، أما ثاني هذه العراقيل فيتسق مع رغبة واشنطن بدفع الملف السوري بمعناه السياسي والعسكري عموماً إلى طاولة رئيسها القادم، أما بمعناه الأمني "الإرهاب" فهي لن تعارض أية جهود دولية وإقليمية في هذا السياق وهذا يرشح استمرار التوظيف السياسي لهذه الورقة، ولعل ليس آخر العراقيل الثقة المعدومة بين الفاعلين المحليين (النظام – المعارضة)، الأمر الذي يجعل من سيناريو فشل التفاوض هو السيناريو الأكثر واقعية.

النظام ومساره الموازي

ساهم التدخل الروسي ومدلولاته، والدعم الإيراني اللوجستي والبشري من تحسين التموضع السياسي للنظام في الطروحات الدولية وتهيئة الجو العسكري لتحقيق التقدم في مناطق وجيوب استراتيجية مؤثرة على المعادلة العسكرية بشكل عام، إذ إن هذا التدخل أمّن الشريط الساحلي أولاً والذي كادت عقده تفرط بعد سلسلة انتصارات المعارضة التي اقتربت من قمة نبي يونس، ويرتجي زيادة التدمير في بنية المعارضة العسكرية، الأمر الذي يوقف تمددها ويخلق في فضاءاتها إشكالات يصعب تلافيها بعد مفرزات فيينا، كما أنه استطاع أن يثبّت الصراع وقواعد الاشتباك في الجبهة الجنوبية ثانياً.

وبتتبع خطابات رأس النظام وتصريحاته، وبعملية تقاطعية مع سياساته التنفيذية سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو حتى العسكري، يمكننا استنباط طبيعة المسار الذي يسعى النظام لنموه وتمدده بالتكامل مع مفهومه العام اتجاه إطار فيينا وهي قائمة على تعزيز شروط ذاتية ومحلية ودولية على النحو التالي:

•    زيادة المرونة رويداً رويداً في علاقاته الثنائية بين موسكو وطهران، مستغلاً حاجة البلدين للاتكاء على "شرعيته" التي تشكل المادة الادعائية لخطابات موسكو وطهران، ومستثمراً بالزهو السياسي الذي عززت شروطه موسكو منذ تدخلها العسكري.
•    تعزيز شروط الحلف العسكري البري الذي تحاول طهران تعزيزه بين الحشد الشعبي والنظام والميلشيات المساندة له وقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، لطرح هذا المحور كقوة برية مساندة لعمليات التحالف الدولي والغارات الجوية الروسية.
•     التغيير التدريجي في قيادات بعض المؤسسات الأمنية وفق معايير الولاء الشخصي الذي خف جراء التحكم الإيراني، وذلك بهدف إخراج بعض القادة من مسرح التفاعل الأمني والعسكري الذي قد يرشحهم لاستحقاق سياسي ما، بالإضافة إلى حاجته لوجوه جديدة يمرر من خلالها سياساته الاجتماعية.
•    تثبيت الصراع في حدود سورية المفيدة عبر سياسات الهدن المحلية و"المصالحات المحلية"، ولكن بدوافع تختلف عن سابقتها، إذ يسعى من خلال هذه الهدن لتحويل قوى المقاومة لشرطة محلية تتبع لمؤسساته ولتحصيل وكالة من هذه القوى لإدارة الشؤون السياسية في تلك المناطق مقابل "خدمة منظمة"، وبدأ بذلك بقدسيا والهامة بريف دمشق وأكملها بحي الوعر (آخر معاقل قوى المقاومة الوطنية في حمص)، ويسعى لتطبيقها في الغوطة الشرقية والجبهة الجنوبية.
•    المحافظة على ما تبقى له من أوراق تم سحب جزء منها في مؤتمر الرياض، ولعل أبرزها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني الذي استثنته المعارضة لاعتباره فصيلاً ذا "طموحات انفصالية" ومهدداً أمنياً لقوى المقاومة في الشمال السوري، هذا من جهة، واستغلال الخلل البنيوي الذي يعول النظام على تناميه في بنية مؤتمر الرياض، من خلال إدراكه طبيعة التوجهات والغايات المتضاربة حول عدة قضايا رئيسية من جهة أخرى.
•    استغلال الاعتراف الدولي بدور بعض الدول كطهران والقاهرة الأمر الذي ظهر في اجتماع فيينا الثاني، وذلك للعمل على البدء بكسر العزلة الدولية التي يعاني منها النظام، من خلال بوابة مكافحة "التطرف والإرهاب"، ووحدة الخطاب السياسي والأمني.

إذاً، سيدفع النظام باتجاه تحقيق ما ورد أعلاه لتعزيز مساره الخاص الموازي لفيينا والذي يهدف من ورائه تطويع مخرجات فيينا وفقاً لرؤيته السياسية، ويمكن وصف هذا المسار بأنه خارطة طريق خاصة تهدف لتعزيز شروط النظام وقراءته لمداخل الحل، عبر تعريفه لإطار فيينا بأنه فرصة لاقتناص المكاسب السياسية إن أمكن، وتضمن هذه الخارطة بذات الوقت سبل التعطيل في حالة عودة بروز التعارض الإقليمي والدولي، ويمكن رسم هذا المسار وفق الشكل التالي:

مزاية 2

مما لا شك فيه، أن الهوامش الحركية لنظام الأسد قد زادت بعد فيينا والقرار الأممي الفضفاض والتوصيفات الجديدة المتوقعة، والمعرفة لفصائل الإرهاب في سورية، ويحاول الاستثمار في بقايا قدرته على التحكم في مفاصل الدولة في معرض التوظيفات السياسية لمكافحة الإرهاب، عبر بوابات التنسيق الأمني المشترك. إلا أن نمو هذا المسار يتوقف على عاملين، يتعلق الأول باستكانة محور (تركيا قطر السعودية)، واستمرار فشل المعارضة في التصدي لمهام المرحلة وتحدياتها، كما أنه لن يخبئ من ارتكاسات النظام وعلى كافة الصعد وأهمها الأمنية.

لا مجال لدفع الكرة إلى الأمام

أمام عوامل فرض الحل السياسي الذي يرتجيه الفاعل الروسي ومن خلفه الأمريكي، وتداركاً لتسارع المسار الذي يعمل النظام جاهداً على بلورته ليكون واقعاً سياسياً، يتحتم على قوى المقاومة السياسية والعسكرية من مواجهة تحدياتها وعدم تأجيلها من جهة والبدء في بلورة مساراتها الخاصة الموازية لفيينا، وذلك كله ضمن الإيمان العميق بضرورة التغيير السياسي الحقيقي ومكافحة كافة الجماعات العابرة لسورية.

وعليه فإن ملامح المسار الأجدى لقوى المقاومة الوطنية لا بد لها من إدراك البعد الزمني وضرورة ترافقه مع خارطة أهداف تعزز الشروط الوطنية وتدفع عملية التغيير السياسية نحو اتجاهها الصحيح

موازية 3
ينبغي أن تكون آليات وأدوات هذا المسار مراعيةً للظرف السياسي الحالي وطبيعة المهام المطروحة، والتي يمكن توصيفها بمهام المواجهة، إذ تحتاج قوى المقاومة لعملية مواجهة متعددة الأبعاد تخفف قدر الإمكان من الهشاشة التي تعتري بنيتها وتحسم الموقف باتجاه الإشكالات المؤجلة، وأوجه المواجهة تتمثل في عدة أمور أهمها:

•    تحدي التفاوض: إذ إنه ينبغي أن تكون إدارة هذه العملية خاضعة بشكل عام لإدارة مؤتمر الرياض وبتنسيق عال مع كافة الفعاليات السياسية المشكّلة لهذا المؤتمر، مستغلة بذلك الحاجة الدولية لتواجدها لإضفاء الشرعية على طبيعة الحل السياسي المزعوم، وضبط التفاعلات الإعلامية والاقتراحات التوسعية في هيئة التفاوض وفق محددات بيان الرياض الأخير، خاصة أنها ستكون مدخلاً لزيادة الخلل في البنية والرؤية. كما يتحتم على الهيئة القيام بعدة حراكات سياسية ودبلوماسية توفر المناخ الأسلم للتفاوض عبر تعزيز تنحية الأثر العسكري الروسي من المشهد وضمان القيام بخطوات بناء الثقة (الإفراج عن المعتقلين، فك الحصار عن المناطق المحاصرة، إيصال المساعدات).
•    تحدي حلب: وهو امتحان تم تأجيله عدة مرات بحكم الأسباب الموضوعية والذاتية والتي لسنا بصدد تبيانها في هذه القراءة، بقدر ما نحتاج لتلافيها قدر المستطاع، وهذا يتطلب جهوزية محلية تتظافر مع قبول من الدول الداعمة، فخروج حلب عن السيطرة الكاملة للمعارضة سواء لصالح تنظيم الدولة في شمال المحافظة أو النظام وميلشياته في قسمها الجنوبي الغربي، سيزيد القلق في حالة المقاومة ويهيئها للانحسار.  
•    تحدي الإصلاح الذاتي: لم يعد مقبولاً الازدواجية في التعاطي من قبل الفصائل العسكرية وخاصة الإسلامية منها، إذ إن التعارض الموضوعي ما بين "الشرعي" و"السياسي" يعطل فاعلية تلك الفصائل ويراكم الإشكالات الذاتية، الأمر الذي يتطلب تسريع المراجعات السياسية والتنظيمية وحتى العقدية وبلورة سلوك متسق فعال.
•    تحدي التنسيق: بعد الفشل المستمر في إنتاج مؤسسة جامعة ممثلة لقوى الثورة، تغدو سياسات التنسيق الأكثر فعالية ومرونة، وبهذا الصدد توصي القراءة هذه بضرورة تكوين مكاتب تنسيق سياسي مشتركة على مستوى الفصائل الإسلامية وقوى الجيش الحر لتكوين مواقف مشتركة متناغمة على أقل تقدير.   
•    التحدي الاجتماعي، تملي سياسة النظام الكامنة في الهدن والمصالحات الوطنية، والضرورات الإنسانية في المناطق المحاصرة، ضرورة الدفع باتجاه سياسة تمنع التوكيل الذي يرتجيه النظام وتحقق الانفراج في الملف الإنساني في المناطق المستهدفة في الهدن، عبر رفض هذه السياسات وتبني طرح وقف نار مؤقت في الجبهة كاملاً انسجاماً مع قرارات مجلس الأمن 2139 و2165 و2191. ورفض أي تسوية أو اتفاق لا يراعي الخصوصية المحلية لكامل الجبهة.

التصنيف أوراق بحثية

ملخص: رغم تأطير القرار الدولي الجديد لشكل عملية سياسية غير ناضجة، إلا أنه قد كرس عجز المنظومة الدولية مرة أخرى حيال نصرة القضية المجتمعية السورية من خلال اعتماده على ملفات مؤجلة لم تحسم بعد مؤثرة على سير هذه العملية وآلياتها التنفيذية، كما أنه وبذات السياق لم يلغِ هذا القرار الهوامش المتاحة لتحسين التموضع لجميع الأطراف.

صوت وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي مستورا، بالإجماع على مشروع قرار بشأن "عملية السلام في سورية" رقم 2254 حيث شمل القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة وقف دائم لإطلاق النار من خلال جهود الدول صاحبة التأثير على النظام السوري والمعارضة ضمن خطة تنفيذ لعملية سلام وفق أسس سياسية تضم تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة في غضون 6 أشهر وإجراء انتخابات خلال 18 شهر بعد أن تتم صياغة دستور جديد لا يستند إلى أسس طائفية تحت إشراف ومراقبة من الأمم المتحدة، كما يضم القرار على إجراءات بناء ثقة كفتح ممرات إنسانية والسماح للمنظمات الإنسانية بالوصول السريع والآمن إلى جميع أنحاء سوريا والإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي وخاصة النساء والأطفال منهم، كما طالب القرار بتوقف جميع الأطراف عن تنفيذ أي هجمات ضد المدنيين والمرافق الحيوية والطبية وفرق العمل الإنساني , وشمل القرار عودة النازحين داخلياً إلى منازلهم وإعادة تأهيل المناطق المتضررة وتقديم المساعدة للدول المستضيفة للاجئين .فيما أشار القرار إلى وجوب تقديم تقرير سريع خلال شهر واحد من بدء تطبيق القرار من قبل الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن حول الالتزام بتنفيذ البنود المذكورة.

إشكاليات القرار 2254

بُني هذا القرار وفق الحدود الدنيا للقواعد المشتركة بين الفواعل الإقليمية والدولية وبصيغ فضفاضة تقبل التأويل والتفسير متعدد الوجوه، مما يؤكد على أن الجهودات الدبلوماسية والسياسية المبذولة في هذا الصدد قد حاولت تكريس معطيات تعيد الزخم لـ "أمل الحل السياسي" الذي استعصت مساراته بعد جنيف، وتدفع بالخلافات إلى الأمام. ورغم هذا الحد الأدنى إلا أنه يحتوي على إشكالات عدة نذكر منها:   

•    ينص القرار على إنشاء هيئة حكم انتقالي جامعة تخول سلطات تنفيذية كاملة، وتمكن المشكلة في تحديد الجهة المخولة، حيث تحتمل هذه النقطة آليتين. الآلية الأولى وهي قيام مجلس الأمن بتفويض الهيئة كامل الصلاحيات، وهي الآلية الأمثل لضبط سير العملية السياسية، أمّا الثانية فهي قيام بشار الأسد كرئيس للبلاد بالتنازل بصلاحياته لصالح هذه الهيئة، وهو أمر مستبعد بناءً على تجربة السنوات الخمس الماضية. إن الغموض الذي يعتري هذا البند يعد نقطة ضعف رئيسية في القرار حيث إنها تحتمل عدة تفسيرات وتعتبر موضع خلاف دولي.
•    غموض مقصود لدور بشار الأسد في كافة بنود القرار، حيث فشل في تحديد دوره أثناء وبعد المرحلة الانتقالية (وهذا عائد للاختلاف الدولي حول هذه الإشكالية)، وتعمد إرجاء البت فيها لسير العملية السياسية وهذا بحد ذاته إشكال مركب يهدد العملية السياسية برمتها.
•    رغم إثناء القرار على جهود الرياض في تشكيل وفد مفاوض من المعارضة السورية، إلا أنه أحاط بالاجتماعات التي عقدت في موسكو والقاهرة، مما يشير إلى تعمد التشكيك في شمولية التمثيل في الهيئة العليا للمفاوضات من جهة، وتهيئتها للتوسع غير العضوي من جهة أخرى (الدفع نحو إشراك حزب الاتحاد الديموقراطي PYD). كما أنه فوّض مهمة إتمام تشكيل وفد المعارضة المفاوض للمبعوث الدولي الخاص استافان دي مستورا، كما عمد لإرضاء روسيا وحلفائها إذ فتح المجال أمام إمكانية توسيع الفريق المفاوض ليضم أطرافاً معارضة معينة، وإن كان هذا الأمر مستبعداً، بسبب طبيعة صياغة كل من الفقرتين.
•    عبّر نص القرار 2254 عن ارتباط وثيق بين وقف إطلاق النار في سورية والعملية السياسية، إلّا أنه وصف الأخيرة بالمسار الموازي، وحدد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ تزامناً مع الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي. وتحتمل هذه النقطة تأويلات متعددة، أكثرها تهديداً اعتبار بدء المفاوضات أولى هذه الخطوات، مما يفضي إلى فصل نتائج العملية السياسية عن وقف إطلاق النار، ونزع أهم ورقة تفاوضية من يد الثوار قبل ضمان تحقق مطالب الثورة.
•    لم يحدد القرار آليات مراقبة وقف إطلاق النار، حيث طلب من الأمين العام تقديم خيارات متاحة لهذا الغرض وذلك خلال فترة أقصاها شهر. إن فشل مجلس الأمن في تحديد آلية تشكيل وفد مراقبين دوليين كما فعل مع خطة التقاط الست (كوفي أنان) يترك المجال نحو خيارات غير موضوعية كتشكيل فرق مراقبة محلية من المجتمع المدني والهيئات المدنية التمثيلية لدى طرفي النزاع.
•    أهم ما يعتري هذا إقرار غياب آليات الإلزام سواء المتعلقة بالعملية السياسية أو رصد وقف إطلاق النار والتحقق منه، مما يحافظ على قدرة نظام الأسد في الاستمرار بتعطيل العملية التفاوضية تكراراً لسلوكه أثناء جنيف، أو تلك المتعلقة بتدابير الثقة في شكل توصيات غير ملزمة وبلا عقوبات في حال التنصل منها، والتي لا بد منها كخطوة استباقية للتفاوض، كاستخدام الأسلحة العشوائية ضد المدنيين، بما في ذلك البراميل المتفجرة، والسماح بوصول قوافل المساعدات دون قيد أو شرط ودون عوائق، ووقف الهجمات على المرافق الطبية والتعليمية، ورفع جميع القيود المفروضة على الإمدادات الطبية والجراحية من القوافل الإنسانية. والإفراج عن جميع المعتقلين.
•    حافظ القرار على قدرة المجموعة الدولية في توظيف ورقة تصنيف المجموعات الإرهابية كمحرك لمجموع القوى الثورية، مما يمنع من تشكل مناخ ثقة لدى الثوار من المشاركة في العملية السياسية، كما أنّها فشلت في ترميم الهوة بين الأطراف الإقليمية مرجئةً خلافاتها إلى حين.
وبعبارة تقييمية جامعة، يمكن القول: إن مجلس الأمن قد فشل في حل الإشكالات الموروثة عن جنيف، وأبقى على الخلاف الدولي حول تأويلها، في حين أنه نجح في اعتماد جدول زمني للعملية السياسية فقط دون البت في آليات تطبيقه وتنفيذه.

توصيات سياسية وعسكرية

لا تمتلك الهيئة العليا للتفاوض ترف رفض المشاركة في جولة جديدة من المفاوضات مع النظام رغم غياب ضمانات دولية لتحقق عملية سياسية جادة، فإجماع مجلس الأمن على ضرورة سير مسار فيينا يدلل على مضي المجتمع الدولي في جمع المعارضة السياسية والنظام على طاولة التفاوض في شهر كانون الثاني من العام المقبل. لذا على المعارضة المضي قدماً نحو الاشتراك باستراتيجية عمل واضحة تتسق مع مطالب الثورة وذلك عبر تبني سياسات تنسيق عالية مع المرجعيات المشكلة لهذه الهيئة لا سيما الائتلاف الوطني والأجسام العسكرية الفاعلة، ومقدمة في هذا السياق رؤية المعارضة السورية للنقاط الإشكالية في القرار وآليات التعامل المثلى، كالتالي:

1.    التأكيد على تحديد مجلس الأمن كضامن لسير العملية السياسية بشكل العام، واعتباره الجهة الوحيدة المخولة في تفويض الصلاحيات التنفيذية الكاملة لهيئة الحكم الانتقالي.
2.    التأكيد على تزامن رحيل بشار الأسد مع إعلان تشكيل هيئة حكم انتقالي، والعمل دون عودته للعب دور سياسي في مستقبل سورية من خلال الحصول على ضمانات دولية تمنع الأخير من الترشح إلى أي منصب سياسي أثناء وبعد المرحلة الانتقالية.
3.    اعتبار بيان الرياض المؤسس للهيئة العليا للتفاوض شرطاً لازماً لأي توسعة غير عضوية، سوءاً كانت استجابةً لطلب دولي أو لضرورات تميلها العملية السياسية.
4.    الإصرار على تشكيل بعثة مراقبين دوليين، وتحميل الأمم المتحدة مسؤولية تنفيذ الاتفاق ومراقبته لضمان تنفيذه دون حدوث خروقات غير موثقة من قبل النظام، والتأكيد أن الهدن المحلية لن تمثل بجموعها بديلاً عن اتفاق شامل على المستوى الوطني، فيما يعتبر أي اتفاق مبدئي لا يلزم بقرار من مجلس الأمن حتى تتشكل هيئة حكم انتقالي. وبناءً عليه يتم تنفيذ قرار وقف إطلاق النار بالشكل التالي:

5.    العمل على تأهيل المجالس المحلية لمهام رصد وقف إطلاق النار تحسباً لفشل خيار إلزام الأمم المتحدة بإرسال بعثة مراقبين دوليين.
6.    تحرك سياسي ودبلوماسي للهيئة العليا للتفاوض والأجسام السياسية والعسكرية المشكلة لها من خلال خطة مضبوطة تراعي تحقيق حشد الدول "الصديقة" في مواقف مشتركة حيال القضايا الخلافية المؤجلة في قرار مجلس الأمن، وتبني هذه الدول لسياساتها ومرجعيتها التفاوضية، ويرافق هذا التحرك أداء إعلامي يؤكد على مطالب الثورة الأساسية وعدم التنازل عنها مهما كان الظرف السياسي أو العسكري المرافق.
كما يتوجب على قوى المقاومة الوطنية المسلحة القيام بحزمة الإجراءات التالية:
1.    الاستمرار بالأعمال العسكرية الاستراتيجية وعدم الارتهان لاحتمالية حصول عملية وقف إطلاق نار، والعمل على استمرار الحشد العسكري وارتفاع الجهوزية في حال تم فرض وقف إطلاق نار.
2.    تشكيل قوة عسكرية لتدخل سريع، ذات تشكيل عسكري نظامي وتحظى بثقة جميع كتائب المقاومة الوطنية، ومهمتها الرئيسية جمع أفراد الكتائب العسكرية التي قد تتعثر تحت وطأة الضغوطات الدولية، بالإضافة إلى تشكيلها قوة ردع عسكرية للنظام في حال اخترق الأخير أي اتفاق وقف لإطلاق نار محتمل.
3.    طرد تنظيم الدولة من شمال حلب، تمهيداً لتحرير المدينة بشكل كامل، بالإضافة إلى القضاء على تواجده في جنوب سورية.
4.    الحفاظ على المعابر الحدودية مع كل من تركيا والأردن، وتوكيل مهمة إدارتها إلى هيئة مدنية متخصصة بمساندة قوة عسكرية مركزية.
5.    وقف جميع المحادثات الثنائية مع النظام حول تشكيل هدن محلية، والدفع نحو إتمام اتفاقات وقف إطلاق نار جزئية ومؤقتة في المناطق المحاصرة تراعي الخصوصية للجبهة المحلية وتجهض سياسات النظام الكامنة وراء الهدن، وذلك للتخفيف عن المدنيين وتمهيداً لتطبيق قرارات مجلس الأمن 2139 و2165 و2191.

مما لا شك فيه أن القرار يرسخ ويثبت آليات ونتائج مسار فيينا، منذ انطلاقته، حيث تمت إعادة صياغة تفاهمات فيينا ومخرجاتها ضمن ديباجته ومتنه، كما يشكل هذا القرار تتويجاً وتثبيتاً للدور الروسي الرئيس في قيادة عملية توزيع الأدوار ورسم تصور الحل، بعيداً عن الخلافات في تفسير بيان جنيف الذي صيغ بطريقة "الغموض البناء" ليسمح للقوى الكبرى المشاركة في الصياغة، وبالأخص الروس والأمريكان، بأن يقدم كل منهما رؤيته المنفصلة لتفسير البيان، وبنفس الوقت الفرصة للتراجع والتحايل على هذا التفسير، ليأتي هذا القرار لاحظاً للرؤية الروسية لبيان جنيف.

رغم تأطير القرار الدولي الجديد لشكل عملية سياسية غير ناضجة وبرنامج زمني لها، إلا أنه وبتفكيك تفاصيل هذا القرار المعبرة عن المزاج الدولي نجد أنه قد كرس عجز المنظومة الدولية مرة أخرى حيال نصرة القضية المجتمعية السورية من خلال مراعاة شروط اللاعب الروسي الذي لا تربطه مع نداءات ومطالب المجتمع السوري أو عبر اعتماده على ملفات مؤجلة لم تحسم بعد ولها التأثير الواضح على سير هذه العملية وآلياتها التنفيذية سواءً فيما يتعلق بوقف إطلاق النار  والقوى المستثناة، أو ما يرتبط بإرهاب النظام وميلشياته عبر تجاهله الواضح للعدالة الانتقالية، وبذات السياق لم يلغِ القرار رغم التوافق الروسي والأمريكي الهوامش المتاحة لتحسين التموضع لجميع الأطراف، خاصة وأن الإشكالات الرئيسة لاتزال محط خلاف ولا تنذر المؤشرات بانحسارها.

التصنيف تقدير الموقف
ملخص عام تستعرض هذه الإحاطة تداعيات أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر أكتوبر 2024. على الصعيد السياسي، انعكست التوترات الإقليمية بشكل مباشر على الأوضاع في سورية، وسط…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 08
نُشرت في  تقارير خاصة 
ملخص عام تستعرض هذه الإحاطة تداعيات أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر أيلول 2024. سياسياً، تصاعدت التوترات الإقليمية في لبنان وغزة، مما انعكس بشكل مباشر على الوضع…
الجمعة تشرين1/أكتوير 04
نُشرت في  تقارير خاصة 
ملخص عام يستعرض هذا التقرير تداعيات أهم الأحداث السياسية والأمنية والاقتصادية في سورية خلال شهر آب 2024، على المستوى السياسي، استمر زخم الحراك الشعبي في السويداء لأكثر من عام متمسكاً…
الجمعة أيلول/سبتمبر 06
نُشرت في  تقارير خاصة 
يرى المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف، في تصريح صحفي لجريدة عنب…
الثلاثاء نيسان/أبريل 02
شارك الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية الأستاذ سامر الأحمد ضمن برنامج صباح سوريا الذي…
الأربعاء تشرين2/نوفمبر 29
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في فعاليات المنتدى الاقتصادي الخليجي…
الجمعة تشرين2/نوفمبر 24
شارك المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف في رؤية تحليلية للحرب على…
الإثنين تشرين2/نوفمبر 20