تُعد إشكالية الكابتاغون إحدى أكثر المعضلات الأمنية الحرجة للأردن، نظراً للمحاولات المتزايدة لتهريب المخدرات والأسلحة عبر حدوده التي أصبحت تهديداً للأمن الوطني الأردني وفق ورقة التقدير الرسمية، بالإضافة إلى عدم نجاعة الآليات الحالية في ردع الجهات المتورطة في الكابتاغون، وخصوصاً الميليشيات المدعومة من إيران والنظام السوري. رغم اتفاق خفض التصعيد في عام 2017 الذي كان من المفترض أن يؤمِّن -بضمانة روسية- إبعاد الميليشيات المدعومة من إيران 40 كم عن الحدود الأردنية، إلا أن روسيا لم تفِ بكامل تعهداتها. كما فشلت التسويات التي رعتها روسيا في عامي 2018 و2021 في تقديم بيئة توفر الأمن من خلال عملية نزع السلاح وإعادة الإدماج لمجموعات المعارضة المسلحة في درعا جنوب سورية.
لعبت الديناميات الأمنية للتسويات دوراً محورياً في خلق بيئة تُسهل تجارة الكبتاغون، أهمها غياب الفاعل الأمني المهيمن في ظل تعدد الفواعل من روسيا وإيران والنظام، بالإضافة إلى المجموعات السابقة من المعارضة التي خضعت لعملية تحول في دوافعها (سياسية أو اقتصادية) وأهداف استخدام القوة (صفرية أو متغيرة). فقد تخلَّت العديد من المجموعات المسلحة التي سبق وحاربت بشدة ضد النظام السوري عن طموحاتها السياسية لصالح مكاسب أخرى، وتورَّط العديد منها في تهريب الكابتاغون نتيجةً للتسويات غير الناجحة.
يُقدِّم هذا المقال رؤية للمشهد الأمني، وخصوصاً الترابط بين الحالة الأمنية والكابتاغون، كأحد ديناميات اقتصاد الحرب في درعا، كما يقدم عدة سيناريوهات سياساتيّة بديلة.
الوضع الراهن لمشهد التسويات
أسفرت تسويات عامي 2018 و2021 بين النظام السوري وفصائل المعارضة التي فرضت من قبل روسيا بشكل رئيسي عن عودة تدريجية لأجهزة النظام الأمنية إلى المحافظة، ودمج العديد من مقاتلي المعارضة في هذه الأجهزة، دون تحقيق تقدم ملموس فيما يتعلق بالمعتقلين أو الأشخاص المختفين قسريًا في سجون النظام. منذ التسوية الأولى، تميزت درعا بحالة أمنية هشة وتفشي استخدام العنف، المدفوع إلى حد كبير بأسباب سياسية، ضد مختلف الأفراد المدنيين والمسلحين، سواء كانوا مرتبطين بالمعارضة أو النظام.
شكَّلت الاغتيالات والاعتقالات التي تستهدف عشرات الأفراد شهرياً أدوات النظام للقضاء على خصومه، حيث اعتمد بشكل كبير على فرع المخابرات العسكرية في درعا/السويداء، بقيادة “لؤي العلي“، العميد الذي فُرضت عليه عقوبات من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا، وتم ترقيته إلى منصبه الحالي قبل التسوية في عام 2018 بعد أن شغل منصب رئيس قسم المخابرات العسكرية/درعا بين عامي 2011 و2018، والذي سيكون له دور في إدارة شبكات مسلحة غير رسمية.
لهذا، اعتمد النظام على استخدام متغير للقوة لتعزيز سيطرته الجغرافية، والقضاء على خصومه، والاستفادة الاقتصادية من تهريب الكابتاغون، وتعزيز دوره المركزي في ديناميات التسوية في المحافظة. ومع ذلك، فإنَّ التحوُّل في سلوك النظام من الاستخدام الصفري للقوة إلى الاستخدام المتغير يعود في الأساس إلى الدبلوماسية القسرية الروسية والوضع القائم الذي فرضَ من الفواعل الخارجية، أي ديناميات الصراع المجمَّد نسبياً الذي بدأت ملامحه في التشكُّل عام 2018.
مسار التحول لفصائل المعارضة
اعتمدت فصائل المعارضة السابقة في درعا على استراتيجيات بقاء مختلفة للتكيُّف مع أو موازاة النفوذ الأمني المتزايد للنظام في المحافظة. وقد أدى مسار التحوَّل هذا إلى ظهور أنواع مختلفة من المجموعات المسلحة بدوافع وأهداف متباينة. ففي الوقت الذي أصبح فيه اللواء الثامن معنياً، بشكل رئيسي، بالحفاظ على الوضع القائم الجديد عقب التسوية والذي ضمن له سيطرة جغرافية على بعض المناطق المحلية والقدرة على المناورة والتوسع نسبياً؛ فإنَّ العديد من المجموعات الأخرى، أصبحت مرتبطة بالنظام، وتخلَّت عن دوافعها السياسية لصالح الدوافع الاقتصادية من خلال المشاركة في تهريب الكابتاغون و/أو أنشطة العنف (الاغتيالات) والبلطجة.
اللواء الثامن، والذي يقوده القائد المعارض السابق، أحمد العودة، ويتألف بشكل رئيسي من مقاتلي المعارضة السابقين في “قوات شباب السنة”، استمرَّ في الحفاظ على السيطرة الجغرافية في بصرى الشام في شرق درعا منذ تشكيله برعاية روسية عقب التسوية الأولى في عام 2018. ونظراً للبيئة الآمنة نسبياً في مناطق سيطرته، حيث يلحظ معدلات أدنى للاغتيالات وحالة خدمية أفضل بالمقارنة مع المناطق الأخرى في درعا، نجح اللواء في الحفاظ على الدعم الاجتماعي وموازاة تأثير النظام ساعياً إلى الحفاظ على الوضع القائم للتسوية، وزيادة نفوذه عبر استخدام متغير للقوة، أي محدود النطاق.
في هذا السياق، نفَّذ اللواء الثامن عمليات أمنية متعددة ضد داعش أو المجموعات المتهمة بالانتماء إلى داعش في أجزاء مختلفة من درعا مثل جاسم في درعا الغربية في أغسطس/آب 2022، وحي درعا البلد حيث قضت العملية على ميليشيا حفو-حرفوش في المنطقة في ديسمبر/كانون أول 2022. وقد تمَّت هذه العمليات بعد تصعيد النظام وتهديده بشن هجمات في هذه المناطق بذريعة خلايا داعش، حيث استفاد اللواء الثامن من الرفض الاجتماعي لتدخل النظام وشبكة علاقاته المحلية. بالإضافة إلى دوره الوسيط، في مرحلة سابقة، بين النظام والمجتمعات المحلية لتخفيف التصعيد مثل حالات تصعيد مارس/آذار 2022 في جاسم وتصعيد فبراير/شباط 2020 في مدينة الصنمين شمال غرب درعا. بالإضافة لذلك، استهدف اللواء الثامن أيضًا مجموعات أخرى متورطة في تهريب الكابتاغون في شمال شرق درعا، بما في ذلك جماعة تابعة لفايز الراضي، قيادي سابق في المعارضة والذي اغتيل لاحقاً بعد تصعيد مع اللواء الثامن.
بالمقابل، فإنَّ مجموعات أخرى، مثل تلك التي يقودها مصطفى المسالمة و عماد أبو زريق، وهما قياديان سابقان في المعارضة، لم تتخل عن كفاحها السياسي ضد النظام بعد التسوية فحسب، بل أصبحت تابعة للنظام، حيث أصبحت مدفوعة بدوافع اقتصادية في ظل الوضع القائم الجديد. حيث انخرطوا في عمليات تهريب مخدرات الكبتاغون، وفرض الإتاوات على السكان المحليين، والقيام باغتيالات ضد معارضي النظام نيابة عن المخابرات العسكرية، التي أصبحت تدير شبكة من المجموعات المسلحة المحسوبة عليها بشكل غير رسمي.
بحلول أبريل/نيسان 2023، تمّ فرض عقوبات على كل من أبو زريق والمسالمة، إلى جانب الأفراد المنتسبين لعائلة الأسد بما في ذلك أبناء عمومته، من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لمشاركتهم في إنتاج وتصدير الكابتاغون. لاحقاً، قُتل المسالمة بعد عدة محاولات لاغتيال حياته من قبل الفصائل المحلية بسبب تورطه في اغتيال العديد من معارضي النظام.
ميليشيا الحفو–حرفوش هي جماعة مسلحة أخرى بقيادة اثنين من قيادات المعارضة السابقين، محمد المسالمة ومؤيد عبد الرحمن، الذين رفضوا التسويات ورفضوا التهجير إلى شمال سورية. كانت الميليشيا متمركزة في أحياء درعا البلد حتى المعركة التي قامت بها مجموعات محلية مدعومة من اللواء الثامن في نوفمبر/تشرين ثاني 2022، بسبب صلتهم بخلايا داعش، وتورطهم في تنفيذ اغتيالات ضد شخصيات معارضة بدوافع انتقامية، بالإضافة للتورط في أنشطة البلطجة مثل السرقة وفرض الإتاوات على السكان المحليين. حيث توضح جملة الديناميات الأمنية السابقة التداخل بين الديناميات الأمنية واقتصاد الحرب، وعلى رأسها تجارة الكابتاغون.
السياسات البديلة: معالجة معضلة الكبتاغون
لم تكن آلية العقوبات فعالة في إجبار النظام على تقديم تنازلات أو تغييرات ملموسة، كما توضَّح في حالة الاستخبارات العسكرية في درعا، كما لم يكن لها تأثير مماثل على قادة المعارضة السابقين، المرتبطين حاليا إلى النظام. بالنسبة للتواصل العربي مع النظام، فلم يفشل الأخير في إحراز تقدم في مكافحة تهريب الكبتاغون فحسب، بل زاد الاتجار نفسه أيضًا بعد محادثات التطبيع التي أدت إلى عودة النظام إلى جامعة الدول العربية في مايو/أيار العام الجاري، ناهيك عن تطوُّر القدرات التكنولوجية المتزايدة لتجار المخدرات مثل استخدام الطائرات بدون طيار “الدرون”.
بالنسبة لما يعنيه ذلك للسياسات الإقليمية: أولاً، يجب اعتبار الأمن القومي الأردني أمراً حيوياً للأمن الإقليمي من قبل حلفاء الأردن الدوليين والعرب في مواجهة الرغبة الإيرانية بدومينو جديد بعد لبنان والعراق واليمن وسورية. ثانياً، ينبغي إعادة النظر في الافتراض القائم بأن النظام السوري لديه الرغبة و/أو القدرة على التصدي لمشكلة الكابتاغون أو الانفصال عن إيران. ثالثاً، وأثناء تطوير سياسات مكافحة الكابتاغون، لا يمكن تجاهل الترابط بين أجهزة النظام الأمنية وتجارة الكابتاغون، بالإضافة إلى القدرات التقنية المتزايدة لشبكات التهريب. إنَّ التصريح السابق لوزير الخارجية الأردني مايو/أيار بشأن احتمال القيام بعمل عسكري لمواجهة تهديد الكابتاغون في سورية، والغارات الجوية الأردنية الثلاث التي استهدفت مهربي المخدرات والمصانع في مايو/أيار وأغسطس/آب وديسمبر/كانون الأول 2023، يعني بشكل أو بآخر خياراً سياساتياً بديلاً قائماً على استخدام أدوات قسرية يمكن اعتمادها في مكافحة تهريب المخدرات.
ونظراً لعدم وجود حل شامل، يمكن توضيح ثلاثة سيناريوهات سياساتية بديلة:
ختاماً، لم يعد من الممكن تجاهل ديناميات التسوية في درعا وإفرازاتها الأمنية وارتباط ذلك بديناميات اقتصاد الحرب، لا سيما مع خطر تمدد هذه الديناميات إلى محافظة السويداء المجاورة في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها.
المصدر: معهد السياسة والمجتمع
رابط المقالة: https://bit.ly/3vf9uQp
في خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون والعمل المشترك في مجالي البحث والتنمية، وقع مركز عمران للدراسات الاستراتيجية ومعهد السياسة والمجتمع مذكرة تفاهم مشتركة، بهدف توسيع نطاق التعاون بين .المؤسستين
وجاء توقيع المذكرة، بين كلٍ من المدير التنفيذي لمركز عمران للدراسات الاستراتيجية الدكتور عمار قحف والمديرة التنفيذية لمعهد السياسة والمجتمع، الدكتورة رشا فتيان، وذلك في مقر معهد السياسة والمجتمع في العاصمة الأردنية – عمان.
وتضمنت المذكرة تعزيز التعاون بين الطرفين في عدة مجالات متعلقة بالعمل البحثي وعقد ورش العمل المشتركة والندوات واللقاءات إلى جانب برامج التدريب والتوعية بالبحوث الاكاديمية والمجتمعية المُعترفة، التي تهدف إلى تعزيز المعرفة والتنمية.
كما بَيَّنَ الدكتور عمار قحف "بأن المذكرة هي خطوة مهمة بين المؤسستين لأنها تعكس التزامهما بالبحث والتعاون المشترك من أجل تعزيز الفهم والتطوير في مجالات السياسة والتنمية، ومن المؤمل أن تسهم في تحقيق نتائج إيجابية في مجتمعي الأردن وسوريا والمنطقة".
وأشارت الدكتورة رشا فتيان، إلى أهمية هذه المذكرة في تعزيز التعاون بين الفريقين، وتحقيق أهداف مشتركة في مجالات العمل البحثي والبرامج التي تسعى إلى تعزيز أطرّ المعرفة وزيادة التوعية..
يُذكر أن مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، هو مؤسسة سورية بحثية غير ربحية ومقرها في مدينة إسطنبول-تركيا، تسعى للبناء العلمي والمعرفي لسوريا دولة ومجتمعاً وإنساناً وفي تقديم دراسات تسهم في تحقيق التكامل المعلوماتي وتوفير خريطة الأولويات، ومعهد السياسة والمجتمع مؤسسة غير ربحية تهدف إلى تعزيز الاستقرار والتنمية في الأردن والمنطقة.
لماذا وصل الجنوب السوري إلى هذه النهاية؟ مقابلة الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، ساشا العلو، على تلفزيون العربي، للحديث عن "صفقة" الجنوب السوري ودور الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين فيها.