الملخص التنفيذي

  • يشكّل قطاع التعليم في سورية لا سيّما في مناطق المعارضة هاجساً للمانحين وصناع القرار، بسبب الضعف الذي يعتريه وحجم الاحتياج فيه، و تمثّل اعزاز مثالاً جديراً بدراسة حوكمة التعليم ما قبل الجامعي، باعتبارها مركزاً للعديد من المؤسسات التعليمية في الشمال سواء التابعة للمعارضة أو الخاصة، إلى جانب تواجد أكثر من 23 ألف طالب في مدارسها، وقد تزايد هذا العدد لكونها مقصداً للعديد من السكان للاستقرار فيها نظراً للأمان النسبي والخدمات المعقولة التي تتمتع بها، فضلاً عن أنها أصبحت مركزاً لنشاط العديد من المنظمات وتدخل الجهات المانحة النشطة في مجال دعم قطاع التعليم.
  • إنّ دراسة واقع التعليم في اعزاز، سيشكل مدخلاً أساسياً من أجل البدء بعملية التنشئة المعرفية بكونها ركيزة تحمل مدلولات استراتيجية مرتبطة بصلب الصراع بين المجتمع والسلطة.
  • لا يعكس التحسن الطفيف في المؤشرات الكمية لقطاع التعليم في اعزاز، تحولاً نوعياً في هذا القطاع، فما يزال يعاني من إشكاليات عدة، فهنالك 300 ألف طالب متسرب في مجمل ريف حلب بما فيها اعزاز، ولا يزال المعلمون يعيشون حالة اقتصادية صعبة، دفعتهم مراراً للاحتجاج والمطالبة بتحسين أوضاعهم.
  • بدا التحول في برامج المنظمات غير الحكومية النشطة في دعم قطاع التعليم في اعزاز واضحاً، حيث بدأت تلك المنظمات برفع مستوى أنشطتها في القطاع، والتركيز بشكل أكبر على الأنشطة ذات الطبيعة المستدامة الموجهة لبناء القدرات الأساسية في قطاع التعليم على المستويين الكمي والنوعي.
  • لا تزال هناك صعوبة في تفكيك طبيعة العلاقة بين الفواعل العاملة في القطاع التعليمي، بسبب التداخل في المهام بين المنظمات المحلية والمجلس المحلي، مع ضعف دور وزارة التربية والتعليم لصالح دور أكبر للمجلس المحلي، مما يعوق القدرة على إنشاء مظلة إدارية موحدة قائمة على مبادئ الحوكمة والتنظيم والشفافية.
  • لم يُرصد حدوث أي انزياح في أدوار الفاعلين عقب أزمة الزلزال، فقد اقتصر الأمر على خسائر طفيفة، مما لم يستدعِ تدخلاً غير اعتيادي، فيما كان من اللافت سرعة استجابة المجلس المحلي ضمن مكتب التعليم والخدمات، وقدرته على إعادة تأهيل المدارس من جديد، مما يترك انطباعاً جيداً عن تطور الاستجابة.
  • توصي الورقة البحثية بعدة مقترحات وفقاً للواقع التعليمي في اعزاز، أهمها: تشجيع الاستثمار الخاص بالقطاع التعليمي في المدينة عبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التوصل لآلية جديدة فيما يتعلق بقضية المعلمين بدراسة تناسب مقدار الرواتب مع الوضع الاقتصادي، تطبيق الحكومة المؤقتة لتجارب مناطق مرّت بنزاعات للاستفادة من "مؤسسات الإقراض المتخصصة" عبر قوننة الاستثمار وتشجيعه، العمل على تطوير قطاع الصحة النفسية ضمن إطار ملف حوكمة التعليم عبر بناء وتأهيل الكوادر.

تمهيد

تعامل الفاعلون الدوليون والمحليون، على مدار السنوات الماضية مع الملف السوري وفق برامج الاستجابة الإنسانية، ومع بدء مسار تجميد الصراع عند توقيع اتفاقية سوتشي بين روسيا وتركيا وإيران عام 2018، برز "التعافي المبكر" كمقاربة جديدة ومشتركة ظاهرياً بين القوى الدولية والإقليمية للتعامل مع الملف، ولا يقتصر التعافي على البعد الاقتصادي أو الاجتماعي فحسب، بل هو عملية مركّبة تفرض إعادة الاهتمام بالقطاعات المهملة بالمقارنة مع غيرها خاصةً قطاع التعليم.

يشكل قطاع التعليم في سورية لا سيما في مناطق المعارضة هاجساً للمانحين وصناع القرار، بسبب الضعف الذي يعتريه وحجم الاحتياج فيه،([1]) حيث أشار تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، في تشرين الثاني 2022، إلى وجود 1.8 مليون طفل سوري في شمال غرب سورية -بما فيها اعزاز- في سن المدرسة،  52%منهم في سن التعليم 44% منهم لا يتلقون تعليماً، بالرغم من بدء مسار التعافي المبكر وقيام الفاعلين بإعادة تأهيل البنية التعليمية خاصة في شمال البلاد. ([2])

تركّز الورقة على تشخيص واقع التعليم في مدينة اعزاز، لمحاولة إدراك انعكاسات حركة الإنجاز في تطور البيئة التعليمية، ونوع البرامج التي تدلل على مساحات الانتقال من برامج الاستجابة الإنسانية إلى التعافي المبكر ضمن القطاع، من خلال أخذ عينات عمدية من أهم المنظمات الفاعلة، وذلك وفق حركة زمنية محددة بعامين، إضافة لواقع منظومة الإدارة العامة في عملية صنع واتخاذ القرار، بهدف تفكيك طبيعة العلاقة والوصول لفهم واضح للأدوار والمسؤوليات وطبيعة العلاقة بين الفواعل.

تمثّل اعزاز مثالاً جديراً بدراسة حوكمة التعليم ما قبل الجامعي، باعتبارها مركزاً للعديد من المؤسسات التعليمية في الشمال سواء التابعة للمعارضة أو الخاصة، إلى جانب تواجد أكثر من 23 ألف طالب في مدارسها، وقد تزايد هذا العدد لكونها مقصداً للعديد من السكان للاستقرار فيها نتيجة للأمان النسبي والخدمات المعقولة التي تتمتع بها، فضلاً عن أنها مركز لنشاط العديد من المنظمات وتدخل الجهات المانحة النشطة في مجال دعم قطاع التعليم.

كما يعود اختيار نموذج اعزاز، لخصوصيتها باعتبارها مركز المؤسسات التعليمية في الشمال، كونها بقيت تحت سيطرة المعارضة السورية، منذ خروجها عن سيطرة قوات النظام السوري في 19 تموز/ يوليو 2012 إلى حين كتابة هذه الورقة، كما يضفي عاملا ارتفاع فرص تطبيق التوصيات؛ والقدرة على تأمين أفضل النتائج البحثية والعملية أهمية على الاختيار، بالقول إنّ دراسة واقع التعليم في اعزاز، ستشكل مدخلاً أساسياً لأجل البدء بعملية التنشئة المعرفية بكونها ركيزة تحمل مدلولات استراتيجية مرتبطة بصلب الصراع بين المجتمع والسلطة.

استندت ورقة السياسات هذه إلى 12 مقابلة أجريت بين تشرين الأول 2022 وآذار 2023، مع شخصيات متواجدة في اعزاز وتركيا ذات صلة بقطاع التعليم، كما تم الاعتماد على سلسلة من الدراسات والتقارير المنشورة عبر الإنترنت.

تتألف الورقة من عدة أجزاء، تقدمة وخاتمة وتوصيات، يستعرض الجزء الأول البيئة التعليمية في اعزاز ومستوى حركية التعافي بين مرحلتي الاستجابة الإنسانية والتعافي المبكر، في حين يركز الثاني على تحليل الفاعلين في حوكمة التعليم، أما الثالث فيركز على الآثار التي خلفها الزلزال على قطاع التعليم والفاعلين فيه.

أولاً:البيئة التعليمية في منطقة اعزاز

ساعد تواجد المنظمات واستقرار الوضع الأمني على البدء بتبني سياسات التعافي المبكر في قطاع التعليم، حيث شهدت اعزاز بين عامي 2021-2022 تحسناً طفيفاً في مؤشرات التعليم الكميّة، ورغم ذلك لا تزال هناك العديد من التحديات القائمة.

التعليم في اعزاز: مؤشرات وأرقام

زاد بين عامي 2020-2022، عدد الطلاب والمدرسين والمنشآت التعليمية، إلا أنّ ذلك لا يعكس بالضرورة تحسناً في معايير الجودة والتعليم، فتبعاً لإحصائيات المجلس المحلي في اعزاز؛ ارتفع عدد الطلاب في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي من 22.150 طالباً في العام الدراسي 2020-2021 إلى 23.063 في العام الدراسي 2022-2023، يشكّل طلاب المرحلة الابتدائية ما نسبته 75% منهم، هذا وقد جاءت الزيادة متماثلة في المراحل التعليمية الثلاث. ويمكن تفسير هذه الزيادة الطفيفة باستقطاب اعزاز عدداً من العوائل الوافدة إليها، سواء القادمين من تركيا أو من بقية مناطق المعارضة.([3])

 

وبالانتقال إلى عدد المعلمين، يلاحظ ارتفاعه من 611 معلماً في العام الدراسي 2020-2021 إلى 711 في 2022-2023.

 

أما بالنسبة للمنشآت التعليمية، فقد ارتفع عددها من 38 منشأة بين مدرسة وخيمة تعليمية في العام الدراسي 2020-2021 إلى 51 منشأة في 2022-2023، ويلحظ تزايد عدد الأبنية المدرسية بواقع 13 بناء مقابل استقرار عدد الخيم التعليمية، ويمكن رد ذلك إلى انخراط المنظمات المحلية في عمليات البناء والترميم، وإتاحة المجال لها لدعم القطاع، أو على الأقل استغلالها لتراجع دور الفاعل الحكومي المتمثل بالحكومة السورية المؤقتة، سيما بعد تبلور طروحات التعافي المبكر خاصة في مؤتمر بروكسل 2021، كما يعتبر الحماس التركي تجاه إعادة توفير بنية تحتية في مناطق نفوذه عاملاً مشجعاً لانخراط المنظمات في عمليات الترميم.

لا يعكس التحسن الطفيف في المؤشرات الكمية لقطاع التعليم في اعزاز، تحولاً نوعياً في هذا القطاع، إذ لا يزال يعاني من إشكاليات عدة، فهنالك 300 ألف طالب متسرب في مجمل ريف حلب بما فيها اعزاز، وما زال المعلمون يعيشون حالة اقتصادية صعبة دفعتهم مراراً للاحتجاج والمطالبة بتحسين أوضاعهم، كما أنّ تطور البيئة التعليمية قد لا يعني بالضرورة تحسن واقع التعليم لارتباطه بجوانب كثيرة منها: نوع المناهج، النظام المدرسي، البنية التحتية، الكوادر البشرية، سياسات الإلزام التعليمي ومعايير الجودة والتعليم.

 فعلى سبيل المثال، تعاني اعزاز من ضعفٍ في الكوادر البشرية التكنوقراطية العاملة ضمن قطاع التعليم، إذ لا يملك عدد كبير من المعلمين تحصيلاً جامعياً أو مؤهلات أكاديمية، مما دفع منظمات مثل  مثل تعليم بلا حدود - مداد وبنفسج للإغاثة والتنمية لإطلاق دورات ضمن برامج التعافي المبكر من أجل تأهيل المعلمين.([4])

دور المنظمات في تعافي قطاع التعليم:

رغم أن تدخل المنظمات غير الحكومية الداعمة لقطاع التعليم انحصر ضمن إطار الاستجابة السريعة في عام 2021، إلّا أنّها بدأت تميل إلى تطوير تدخلها ليتسق مع طروحات التعافي المبكر في عام 2022.  

ففي عام 2021، أخذ تدخل أهم المنظمات النشطة في دعم قطاع التعليم في اعزاز طابع الاستجابة السريعة، بناء على ما تتطلبه المنطقة من احتياجات لوجستية عامة من قرطاسية وإعلام ووقود للتدفئة وملابس مدرسية ووسائل نقل، ويعود ذلك إلى سببين؛ الأول: مرتبط بحجم الدعم والقدرات المالية المتوفرة وسياسات الدعم التي تلتزم بها المنظمات، والثاني: تغطية الجانب التركي الاحتياجات الأخرى مثل الرواتب.

ولا يلغي ذلك وجود استثناءات لدى بعض المنظمات كمنظمة تعليم بلا حدود، التي بدأت بتأهيل المعلمين رغبة منها في مجاراة توجه المانحين أو لامتلاكها قدرات تمكنها من تطوير مستوى تدخلها من الاستجابة السريعة إلى التعافي المبكر.

وفي عام 2022، بدا واضحاً التحول في برامج المنظمات غير الحكومية النشطة بدعم قطاع التعليم في اعزاز، حيث بدأت تلك المنظمات برفع مستوى أنشطتها في القطاع، والتركيز أكثر على الأنشطة ذات الطبيعة المستدامة الموجهة لبناء القدرات الأساسية في قطاع التعليم على المستويين الكمي والنوعي؛ كالتأهيل التربوي، التعليم الموازي أي الخصوصي، إعادة ترميم المدارس، وبناء المدارس، في حين ما تزال بعض الملفات خارج إمكانياتها لارتباطها بالسياسة العامة تجاه المنطقة، كملف رواتب المعلمين.([5])

وقد جاء تطوير المنظمات لبرامج عملها في ظل تراجع الدعم المقدّم لها من قبل الجهات المانحة، فعلى سبيل المثال، انخفض الدعم المقدم لمنظمة تكافل الشام الخيرية بنسبة 50% في عام 2022، ولعل ذلك التحدي دفعها إلى تبني أسلوب الشراكات وتوزيع المهام للتغلب على نقص التمويل، شأنها شأن بقية المنظمات. كما قامت كل من جمعية عطاء للإغاثة الإنسانية ومنظمة إحسان للإغاثة والتنمية بالعمل على مشروع مشترك لدعم مدرستي علي بين أبي طالب وغصن الزيتون، فيما قامت منظمة سبع سنابل بترميم وبناء المدارس، آخرها مدرسة عثمان بن عفان([6])، وقد عملت منظمة إحسان على ترميم مدرسة صوران العز، بينما توجهت منظمة بلا حدود لبناء مدرسة طاهر العبيد.

وعلى الرغم من الدور المركزي للمنظمات غير الحكومية في قطاع التعليم، إلا أنّ هنالك فواعل أخرى ما بين حكومية ومحلية، تنشط في مجال حوكمة قطاع التعليم، مما يجعل من الأهمية بمكان توصيفها والتطرق إلى دورها.

 

ثانياً:حوكمة قطاع التعليم في منطقة اعزاز

يشكّل تعدد وكثرة الأطراف في واقع اللا دولة بين ما هو محلي وإقليمي ودولي، وتضارب أدوارها وصلاحياتها، تحدياً أمام حوكمة قطاع التعليم في اعزاز، مما يجعله غير قادر على التعاطي مع التحديات والمشاكل التي تعتريه.

أدوار ومسؤوليات الفواعل

يُشرف على ملف التعليم في منطقة اعزاز 4 فواعل أساسية وهم: الجانب التركي عبر وزارة التربية والتعليم التركية في كلس، والحكومة السورية المؤقتة متمثلةً بوزارة التربية والتعليم، والمجلس المحلي متمثلاً بمكتب التعليم، والمنظمات الدولية والمحلية.

 

الفاعل التركي

يمتلك الفاعل التركي صلاحيات هي الأوسع في المنطقة، والتي تجعل منه المسؤول الأول عن القطاع، وترتبط به كل الفواعل الأخرى وفق الآلية التالية: تتبع اعزاز إدارياً من حيث آليات صنع القرار لولاية كلّس التركية، وتعنى وزارة التربية التركية في الولاية بقطاع التعليم عبر منسقها التركي الخاص الذي يتم تعينه من قبل وزارة التربية في مدينة كلس، ليتولى المنسق مهام قبول المشاريع والمصادقة عليها أو رفضها بالتشاور مع وزارة التربية في كلس، وذلك قبل أن تدخل في المراحل التنفيذية التي تتعلق بالتنسيق مع السطات المحلية مثل: المجلس المحلي، والحكومة السورية المؤقتة. ([7])

 


يبدو أنّ مسؤوليات المنسقين في المنطقة تتجسد بإصدار القرارات العامة ورسم ملامح المشاريع عبر القرارات التنفيذية، حيث تمّ ربط تراتبية صنع القرار بالولاية مركزياً مروراً بالفاعلين في المنطقة من منظمات ومكتب التعليم في المجلس المحلي ووزارة التعليم في المؤقتة والمنظمات غير الحكومية. فعلى سبيل المثال: عند حاجة المنظمات غير الحكومية للحصول على دعم مشروع تعليمي في المدينة، يتوجب عليها من الناحية الإجرائية (أي قبول تنفيذ المشروع) العودة إلى الجانب التركي عبر المنسق، لتطلع عليها الولاية وتقرر الرفض أو القبول، ومن ثم يتم توقيع مذكرات تفاهم عامة بخصوص التنسيق والتواصل، ولاحقاً إقرار ملاحق مرتبطة بكل مشروع بشكل متفرق. ولا تعتبر المذكرات العامة كافية لبدء العمل على المشاريع التعليمية، بينما يمكن القول إنّ المذكرة العامة مجرد تفويض أمني للعامل.

تتسم طبيعة العلاقة بين ولاية كلس والفاعلين الحكوميين المحليين بالشكلية البروتوكولية أو التكاملية، وفي ذات الوقت لا تخلو من اختلاف في بعض التقديرات بشأن مركزية القرار، كما تتوسع مع المنظمات قليلاً ضمن إطار التعاون، تؤخر العملية من قدرة السلطات المحلية -أي المجالس المحلية- على اتخاذ قرارات بناءً على قراءتها للسياق المحلي في المنطقة.

وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة

تعتبر وزارة التربية في الحكومة، من الناحية النظرية، مسؤولة عن إدارة ملف التعليم، لكن عملياً هنالك تمسك من قبل الجانب التركي بإدارة العلاقة مع المنطقة بملفاتها من خلال المجالس المحلية على حساب الحكومة المؤقتة، ويرتبط تراجع دور الحكومة المؤقتة في إدارة ملف التعليم بجملة من الأسباب أهمها: ضعف الموارد المادية، قلة الكوادر العاملة لديها، وتراجع الدعم المقدم للمعارضة ومؤسساتها، إضافة إلى عدم وجود شكل قانوني وتنظيمي واضح للحوكمة سيما تلك المتعلقة بتبعيتها السياسية؛ إذ أنّها نظرياً جهاز تنفيذي يتبع للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، لكن عملياً، لا وجود لمحددات واضحة ترسم الطبيعة العامة لدورها، الأمر الذي يبقيها غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها ويقلص من هامش صلاحياتها ويجعل تحركاتها قائمة على ردود الفعل.

  

تتلخص مهام وازرة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة بدرجة أساسية في: إدارة الامتحانات العامة بالتنسيق مع مكتب التعليم في المجلس المحلي، لكن دون امتلاكها القدرة على إيقاف أو تعطيل القرارات الصادرة عن المكتب في المجلس أو الولاة، كما تستفيد من الصلاحيات القانونية التي حظيت بها بشكل مسبق من بعض الدول مثل: تركيا وفرنسا وقطر، والمتمثلة بالمصادقة على الشهادات الثانوية في مناطق شمال وشمال غرب سورية، إضافة إلى مراقبة الامتحانات خاصة الإعدادية والثانوية.

كما يلاحظ أن علاقة ولاية كلس بمكتب التعليم في المجلس المحلي مباشرة دون الحاجة للعودة إلى المؤقتة، وهو ما يظهر من خلال زيارة قام بها وفد تركي ضمّ مسؤولين من وزارة التعليم العالي ومستشار الرئاسة التركية ومعاون والي كلس إلى اعزاز في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، في ظل غياب شخصيات من المؤقتة.

 بناء على ما سبق يمكن القول إنّ علاقة الوزارة بالفاعل التركي الحكومي تتسم بالبروتوكولية، وتتسم علاقتها مع مكتب التعليم في المجلس المحلي بالشكلية، بينما تكون محدودة العلاقة مع المنظمات. ([8])

مكتب التعليم في مجلس اعزاز المحلي

يتبع مكتب التعليم في المجلس المحلي في اعزاز نظرياً للحكومة السورية المؤقتة، ويحظى بدعم تركي، ويُعتبر دوره ضمن قطاع التعليم من حيث الصلاحيات العامة الممنوحة له من قبل المجلس المحلي أقل من بقية الفاعلين، وفي الغالب، يتم توظيف مدير المكتب بالتعيين، رغم أنّ اللوائح الداخلية تنص على ضرورة الانتخاب. كما يكمن دور مكتب التعليم، في التنسيق والوساطة بين الولاة والمنظمات لأجل تنفيذ المشاريع، فمن غير الكافي الحصول على مصادقة المكتب فقط لتنفيذ مشروع ما، إذ يجب أن يمر من خلال وزارة التربية التركية في كلس.

أحياناً، يقدّم المكتب توصيات مختلفة لوزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة بشأن طبيعة المشاريع، بما يساعد على التقييم العام؛ دون أن يعني ذلك قبولها لتأخذ صفة التفضيل، أمّا الجانب التنفيذي فيقتصر دور المكتب فيه على تسيير المشاريع دون امتلاكه القدرة على تقييم الحاجة لها أساساً وإبداء الرأي فيها، ما يضعف إمكانيته في تقديم خطط ثلاثية مدروسة بناءً على تقييم احتياجات المنطقة ومعالجة العوائق والتحديات العامة.

تغيب سلطة الحكومة السورية المؤقتة عن المجالس المحلية ككل في مجمل القطاعات رغم ارتباطهما نظرياً، وباتت المجالس تمتلك صلاحيات أوسع مقارنة بالمؤقتة رغم محدودية صلاحياتها أيضاً، ويعود ذلك إلى تقصير الحكومة في دفع الرواتب، والتعويل على الجانب التركي في إدارة المنطقة ككل بملفاتها، وذلك عبر التنسيق المباشر بين الجانب التركي ومكاتب المجلس المحلي، الأمر الذي يفضي إلى علاقة تكاملية بينه وبين والفاعل التركي، والتجاهل والشكلية بينه وبين الحكومة المؤقتة، تنحصر بالتنسيق ضمن الإطار القانوني. وفي ذات الوقت، يتعاون المكتب مع المنظمات بالشكل العام إلّا في حالة تنفيذ المنظمات مشاريع غير مرضي عنها من قبل الجانب التركي، وقد أدت طبيعة العلاقة لإحداث خلل هيراركي/ بنيوي في عملية صناعة القرار([9]).

 

في الحقيقة، تُضعف هذه الآلية الثقة بين الفواعل المحلية الناشئة -ذات التجربة الجديدة- والحواضن الشعبية، خاصةً وأنّها تمارس السلطة في بيئة مضطربة، فضلاً عن تقويض مهام ودور الحكومة السورية المؤقتة وتفرز هذه العلاقة مقومات سلبية مثل: صعوبة الاستجابة الطارئة والتخطيط العام في ظل الرغبة بالانتقال إلى التعافي المبكر.

المنظمات غير الحكومية

تتولى المنظمات غير الحكومية -خاصة الدولية منها- دوراً مهماً في رسم ملامح المشاريع المنفذة في المنطقة، والتي تتشكل في الغالب بناءً على ماهية الدعم المقدم من قبل المانحين، بينما يناط بالمنظمات غير الحكومية المحلية العمل في مساحات قطاعية محددة، التزاماً منها بالسياسات العامة للدول تجاه المنطقة، مما يعيق القدرة على إجراء تقييم معقول للاحتياجات الاجتماعية، وتعتبر العلاقة بين المنظمات الدولية والمحلية علاقة تعاونية - تراتبية في آن واحد.

ورغم طبيعة العلاقة، تقل قدرة المنظمات المحلية على توجيه العمل نحو الاحتياجات الأساسية ضمن قطاع التعليم أو في منطقة معينة، لارتباط الدعم بالمجمل بمبررات دولية خاصة بمواقف الدول وإعادة تقييمها، قعلاقة المنظمات المحلية تعاونية وأقل تنافساً وأكثر استجابةً للسياسات العامة التركية مع رفض مشاريع أحياناً باعتبارها لا تحقق مصلحة مشتركة، بينما علاقة المنظمات المحلية مع الفاعل المحلي أي وزارة التربية والتعليم في المؤقتة ضعيفة ومحدودة؛ وأحياناً تكون تنافسية لشعور الوزارة بضعف قدراتها أمام أداء المنظمات. في ذات النقطة، تعتبر علاقة المنظمات بمكتب التعليم تكاملية بالمجمل، وتأخذ بعض ملامح التنافس عندما تكتفي المنظمات بالتنسيق مع الفاعل التركي دون حاجة العودة للمكتب، إذ تكتفي بالتفاهم المُوقّع مع الولاة، وربما ينطبق هذا على المنظمات التركية مثل "آفاد" أكثر مما ينطبق على المنظمات المحلية.

كذلك أحياناً تكون العلاقة تعاونية بين الجانبين، سيما عند حاجة المنظمات للعودة إلى المجالس المحلية، بخصوص البيانات والإحصائيات المتوفرة لديها من أجل تنفيذ المشاريع التعليمية، وفي بعض الأحيان يلعب المجلس دوراً توجيهياً محدوداً، كالاقتصار على التوصية بالمدارس التي تحتاج دعماً معيناً، على سبيل المثال: تقوم منظمة إحسان بطلب إحصائيات من المجلس المحلي حول حجم الاحتياج في المدارس، بما يساعدها على ترشيد تدخلها في قطاع التعليم نحو المدارس الأكثر احتياجاً. لكن عموماً، تكتفي المنظمات بالعودة إلى السلطات التركية -أي الولاة- للمصادقة على المشاريع، بينما يبقى إطار العلاقة بين المجلس والمنظمات ضمن التواصل والتنسيق بخصوص آليات تنفيذ المشاريع المعتمدة.

 

أخيراً، يمكن تلخيص طبيعة العلاقة بين الفواعل بأنها لا هرمية بل دائرية، مع وجود مركز مرجعي إشرافي، ولتوضيح ذلك يمكن الاستناد إلى المصفوفات التالية:

 

وزارة التربية التركية في كلس: المرجعية الأعلى لكل المشاريع ولا يمكن تنفيذ أي مشروع دون موافقتها، بما في ذلك المشاريع المدعومة من المنظمات الدولية.

  1. وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة: ذات صلاحيات محدودة بالجانب القانوني تقتصر على تسيير الامتحانات والمصادقة القانونية على الشهادات.
  2. المنظمات الدولية وغير الحكومية: تختص بتسيير الدعم وتنفيذ المشاريع، بعد قبول الجانب التركي أي وزارة التربية-كلس بشكل أساسي.
  3. مكتب التعليم في مجلس اعزاز المحلي: يأخذ دور المراقب والوسيط لتطبيق السياسات التركية، بين وزارة التربية التركية-كلس والمنظمات غير الحكومية، ويساهم في عمليات الدعم اللوجستي والتنفيذي عند الحاجة، وأحياناً تتجاوز المنظمات المكتب عبر التنسيق المباشر مع الفاعل التركي دون الحاجة للوساطة.

الإشكاليات والعوائق

تبرز مجموعة من الإشكاليات والعوائق التي تحول دون تطوير قطاع التعليم، وانتقاله من مرحلة الاستجابة السريعة الإنسانية إلى مرحلة التعافي المبكر المستدام ومن أهم هذه الإشكاليات والتحديات:

  • تداخل الأدوار والمسؤوليات: من الواضح أنَّ هناك صعوبة في تفكيك طبيعة العلاقة بين الفواعل العاملة في القطاع التعليمي، حيث أن هناك تداخلاً في المهام بين المنظمات المحلية والمجلس المحلي، مع ضعف دور وزارة التربية والتعليم لصالح دور أكبر للمجلس المحلي، وهذا ما يعوق القدرة على إنشاء مظلة إدارية موحدة قائمة على الحوكمة والتنظيم والشفافية.
  • اختلاف السياق: تُعرقل الإجراءات والقرارات المتخذة من قبل ولاية كلس، نشاط حركة التعليم في منطقة اعزاز، إذ تعتبر آلية صنع القرار "مركزية" محدودة الهوامش للفاعل المحلي، خاصةً في ظل ضعف القدرة على التدخل من قبل مديرية التربية في اعزاز التابعة للحكومة السورية المؤقتة، وارتباط المجالس المحلية بولاية كلس التركية بدلاً من الحكومة. فيؤدي الافتراض القائم على وحدة النسق الجغرافي دون أخذ اختلاف السياق العام بين الدولتين، واستخدام مبدأ إسقاط نموذج الإدارة العامة التركي على السوري، دون لحظ عناصر الخصوصية السورية سواء كبلد نزاع باختلاف أولوياته وحاجته، وفق منطق الأولويات والتباينات الثقافي؛ إلى ضعف في القدرة على الاستجابة وتحسين الواقع السائد.
  • ضعف التواصل والتنسيق: يمكن اعتبارها من الإشكاليات البارزة، في ظل تأطير دور الفاعلين المحليين بشغل دور الوساطة، فيغيب التنسيق بين المجالس المحلية والمنظمات غير الحكومية في إطار تقييم الاحتياج، وربما كانت هناك محاولة في اعزاز عام 2020 لكنها لم تستكمل([10]). وبالعموم، يمكن إرجاع ذلك لتفاوت طبيعة العلاقة واختلاف الأجندة والداعمين.
  • الانتخاب والتعيين: رغم اعتبار مسألة الانتخاب والتعيين مرتبطة بالمجلس مباشرة، إلّا أن آثارها غالباً ما تنعكس على العملية التعليمية، فيساهم تدخل الفصائل والعشائر والوجهاء في انتخابات المجلس المحلي لأغراضٍ مختلفة، في تعطيل وصول أصحاب الكفاءات لأماكن صنع القرار، وتتعزز مفاهيم التوافق والقبول والانتماء الاجتماعي والمحسوبيات على حساب الانتخاب والكفاءة والخبرات.
  • سلم الرواتب: يمكن اعتبار سلم الرواتب للمعلمين في اعزاز من أبرز الإشكاليات، لكونها تُدفع بالليرة التركية وتتراوح بين (1150) ليرة تركية و (1300) كحدٍ أقصى، ورغم محاولات المنظمات المدنية للتدخل في عملية صرف الرواتب بالعملة الصعبة ضمن بوادر دعم قطاع التعليم، إلّا أنّها لم تنجح في الحصول على الموافقة التركية. وتُسهم تلك السياسات في استقالة العشرات من المعلمين ذوي الكفاءة بسبب ضعف الدخل المادي، فقد استقال خلال عام 2022 في مدينة اعزاز 100 معلم تم تعويضهم بحملة الشهادة الثانوية. ([11]) بينما تستمر فجوة سلم الرواتب في المنطقة التي تخضع لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة مقارنةً بمنطقة حكومة الإنقاذ، التي تُدفع رواتب المعلمين فيها بالعملة الصعبة بدعم من المنظمات مع محاولات مستمرة لتخفيض الرواتب.([12])

ثالثاً. إدارة أزمة الزلزال

أدى الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سورية 2023 إلى إحداث مأساة كبيرة، زادت من تراكم التحديات التي يعاني منها الفاعلون نسبياً، مع وجود بنية تحتية تعليمية ضعيفة إلى حدٍ كبير. وقد كانت حصة مدينة اعزاز من الأضرار محدودة، فقد تسبب الزلزال بانهيار 4 مبانٍ، وسقوط 14 ضحية، وتعرض 150 شخصاً لإصابات متباينة، بينما تعرضت البنية التعليمية الأرضية لضرر لا بأس به، حيث تضررت 16 مدرسة مختلفة في المنطقة بشكل متفاوت، 7 منها بأضرار خفيفة و8 مدارس بشكل متوسط، في حين طال الضرر الكلي مدرسة وحيدة، وذلك بحسب المجلس المحلي في مدينة اعزاز وريفها، بينما لم يُرصد سقوط أية أبنية تعليمية. ([13])

 

لكن، من الصعب الاعتقاد بأنّ قياس تداعيات وآثار الزلزال السلبية وفق الحيز الجغرافي فقط كافٍ، لكون المنطقة متداخلة ومترابطة كوحدة جغرافية وسياسية، مما يدفع للظن بأنّ ما حدث في المناطق الأكثر ضرراً لا سيما منطقة جنديرس، قد يسهم في التأثير السلبي على الواقع العام والتعليمي في اعزاز. ويمكن تلخيص تداعيات الزلزال على الحركة التعليمية في المدينة بالتالي:

  • تضرر البنية التحتية في المدينة، مما قد يؤدي إلى انخفاض القدرة الاستيعابية للطلبة من جديد بعدما شهدت تحسناً طفيفاً في وقت سابق؛ فرغم انتهاء عملية الترميم التي يقوم بها المجلس المحلي للمدارس التي تعرضت لأضرار بسيطة، إلّا أنّ هناك 9 مدارس تعرضت لضرر متوسط وعنيف، ولا يمكن اختصار إعادة تأهيل البنية بالترميم مما سيترك مدارساً مختلفة إمّا فارغة أو على الأقل خطيرة على الطلبة. ([14])
  • النزوح إلى المدينة من قبل سكان المناطق المتضررة، بما يرفع حجم الاحتياج للبنى التحتية التعليمية، وهذا سيجبر الفاعلين في الملف التعليمي على رفع عدد الطلبة في الصفوف المدرسية الأخرى، بالتالي اكتظاظ المدارس، مما سيشكل تحدياً جديداً للفاعلين.
  • الخوف والارتباك، من المحتمل أن يعزز الزلزال خوف الأهالي على أطفالهم ويترك شكوكاً حول متانة البنية التعليمية، مما قد يسهم بزيادة التسرب المدرسي الذي يقدر حجمه في شمال غرب سورية بـ 318 ألف طالب متسرب، وفق إحصائية صادرة عن وحدة تنسيق الدعم([15])
  • الآثار النفسية الجانبية، من الوارد أن تكون إحدى أهم التحديات المقبلة، مما يستوجب القيام برصد احتياج جديد خاص بالدعم النفسي، لمنع أي تداعيات محتملة، وقد سبق وأشارت منظمة الصحة العالمية للأضرار الجانبية النفسية التي قد يحدثها الزلزال منها الأمراض المختلفة ولا سيما تلك المرتبطة بالصحة العقلية.([16])

في المجمل، لم يُرصد حدوث أي انزياح في أدوار الفاعلين -حتى حين كتابة هذه الورقة- عقب أزمة الزلزال، واقتصر الأمر على الخسائر الطفيفة، مما لم يستدعِ تدخلاً غير اعتيادي، لكن كان من اللافت سرعة استجابة المجلس المحلي ضمن مكتب التعليم والخدمات للأزمة، وقدرته على إعادة تأهيل المدارس من جديد خلال أسابيع قليلة، مما يترك انطباعاً جيداً عن تطور الاستجابة لدى الفاعل الحكومي، أو تحسناً بحدودٍ معينة في الأداء والسلوك الحوكمي بالعموم، ولعل حجم الضرر المعقول في اعزاز مقارنة بالمدن الأخرى قد شكل عاملاً مهماً في تأطيره والتعامل معه بشكل سريع. كما أنّ التكاتف الذي أظهره المجتمع المحلي خلال أزمة الزلزال، أثّر على طبيعة استجابة الفواعل بما فيهم المجلس، وقد أعلن مكتب التعليم في المدينة عن عودة الحياة التعليمية إلى طبيعتها كما كانت عليه من قبل، وذلك ابتداءً من 5 آذار/ مارس 2023، مما يشير إلى عودة الاستقرار السابق.([17])

رابعاً. خلاصة وتوصيات

تشير الورقة إلى انزياحٍ معين في قطاع التعليم في منطقة اعزاز ذي طابع كمي، لكن في الحقيقة، لا يمكن التعبير عنه إيجابياً سوى بفوارق بسيطة من ناحية الأرقام الإحصائية الدلالية، بينما تشير المعلومات من الناحية العملية إلى عكس ذلك، إذ ما زال حجم الاحتياج أكبر من التحسن الطفيف المشار إليه، بل إنَّ المتطلبات ترتفع بشكل طردي لا سيما مع توفر البيئة الأمنية الملائمة لعودة السكان، ولو بحدود جيدة بعد تجميد الصراع العسكري.

بالتالي، على الرغم من المساحات التي تتوفر لدى الفواعل لشغلها سيما من الجانب الحوكمي، إلا أنّها تواجه مجموعة عوائق وإشكاليات عمّقها الزلزال، وربما يمكن التوصل لحلها عبر بذل جهود أكبر وذلك بالعمل على النقاط التالية:

  • تشجيع الاستثمار الخاص في القطاع التعليمي في المدينة، عبر المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الذي بدأ ينمو بشكل جيد في الفترة الأخيرة، لما يوفره من مردودٍ إيجابي على صعيد تعزيز التدافع والمنافسة. ولأجل تحقيق ذلك، من المهم توفير البيئة القانونية والأمنية المناسبة، وقد يعزز مساعي تأهيل تلك البنية بروز المساحات الخاصة وعودة الرأسمال السوري نسبياً، وتقويض الاعتماد المفرط على الدعم الدولي، ورفع درجة الوعي بالتكافل الاجتماعي. لكن، من المهم مراعاة عدم إسقاط نموذج الخصخصة في الدول المستقرة، وضرورة أخذ حيثيات البيئة والسياق عبر الاستثمار بالقطاع الخاص التشاركي فيما يخلق رغبة بالمنافسة بين القطاعات دون خلق فجوات كبيرة بينها، بمعنى ألّا تكون الخصخصة على حساب إضعاف القطاع العام.
  • التوصل لآلية جديدة فيما يتعلق بقضية المعلمين، عبر دراسة مقدار الرواتب قياساً بالوضع الاقتصادي، ويمكن إعطاء المنظمات غير الحكومية في المنطقة هوامش للإسناد فيما يتعلق برفع السلم العام، وذلك من أجل ضمان الحفاظ على الكوادر بالحد المتوفر.
  • تطبيق الحكومة المؤقتة تجارب لمناطق مرّت بنزاعات للاستفادة من "مؤسسات الإقراض المتخصصة" عبر قوننة الاستثمار، وتشجيعه باستقطاب رؤوس الأموال من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة مثل عمليات البناء، فمن الواضح أنَّ عدد المدارس في المدينة غير كافٍ، بالقياس مع التعداد السكاني الذي ارتفع/ ويرتفع بشكل كبير إثر الانزياح الديموغرافي، وأزمة ما بعد الزلزال، ورغم المساعي التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية، إلّا أنّها غير مستدامة / كافية.
  • تطوير قطاع الصحة النفسية ضمن إطار ملف حوكمة التعليم عبر بناء وتأهيل الكوادر، وقبل ذلك الإشارة لمدى أهمية القطاع ضمن المناهج التعليمية، من خلال إدراج مواد خاصة بالدعم النفسي. فعلى سبيل المثال: شجعت الكارثة الطبيعية في سيرلانكا عام 2004 عقب التسونامي، على النظر بجدية حول ضرورة إصلاح وتطوير نظام الصحة النفسية في الدولة، مما أدى إلى تحويل الكارثة لفرصة للاعتبار والبناء اللاحق. ومن المهم عقب الزلزال المدمر خلق تجارب شبيهة.

وفي الختام، إنّ المحاولات المتأنيّة في دراسة قطاع التعليم، تنبع من إدراك أهمية هذا القطاع ضمن كل المسارات الموجودة في الاستجابة والتعافي المبكر وإعادة الإعمار، إذ يعتبر حاملاً أساسياً ضمن مساق التعافي المبكر بشكل خاص، وعنصراً هاماً في قدرة الشعوب على الانتقال إلى مرحلة ما بعد الصراع. وغالباً ما كرست المجتمعات في طور النهضة أو المتعافية مخزوناً كبيراً من قدراتها المادية والبشرية بهدف تطوير العملية التعلمية، لإدراكها مدى التأثير الذي تتركه خلفها على تشكّل الإرادة العامة والوطنية، تمهيداً للنهوض بها وتحقيق التنمية والرفاه الاجتماعي. وفي الوضع السوري القائم، تزداد ضرورة تفنيد كل الإمكانيات والقدرات الموجودة بما فيها البحثية، وإسقاطها على الاستحقاقات الوطنية الموجودة ضمن إطار عملية التحول الديمقراطي المنشود في سورية، بما أنّها عوامل مشجعة وضامنة لمستقبل أفضل للسوريين.


 


 

([1]) حلا حاج علي، "احتياجات جيل ما بعد الحرب الفجوات التعليمية في شمال غرب سورية إنموذجاً"، مركز عمران للدراسات، كانون الثاني 2023، الرابط: https://cutt.us/y8VIi

([2]) "واقع الشمال الغربي لسورية، "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) ، في 11 تشرين الثاني 2022، الرابط: https://cutt.us/jJwdQ

([3]) اتصال هاتفي أجراه الباحث مع مدير التربية في اعزاز، أمين عنوان، في تشرين الثاني 2022.

([4]) ثائر محمد، "زيادة رواتب الموظفين في مؤسسات الشمال السوري.. كم بلغت نسبتها، تلفزيون سوريا"، 24 كانون الأول، 2021، الرابط: https://cutt.us/7aWLO

([5])  أبرز المنظمات الداعمة لقطاع التعليم في اعزاز: عطاء للإغاثة الإنسانية، تكافل الشام الخيرية، إحسان للإغاثة والتنمية، بنيان للشباب والتنمية، تعليم بلا حدود.

([6]) "إعادة تأهيل مدرسة الصحابي الجليل عثمان بن عفان شرق المدينة"، المجلس المحلي لمدينة اعزاز، تشرين الأول 2022، الرابط: https://cutt.us/pqsng

([7]) مهام مساعد الوالي التركي عمر يلماز موضحة في الفقرة (G) بخصوص إشرافه وإدارته لمنطقة اعزاز، ولاية كلس التركية، أيلول 2021، https://cutt.ly/tMpQadr

([8]) "زيارة وفد تركي للمجلس المحلي"، المجلس المحلي في مدينة اعزاز، تشرين الثاني 2022، الرابط: https://cutt.us/q6Q8s

([9]) حسين الخطيب، "محاصصة بلا اختصاص تجديد المجالس المحلية في الشمال السوري"، تلفزيون سوريا، كانون الأول 2022، الرابط: https://cutt.us/8o7lb

([10]) حاولت منظمة بنفسج طرح مبادرة لتوحيد العمل مع المجالس المحلية لكنها فشلت بسبب عدم استمرار التواصل والتنسيق.

([11]) سلم الرواتب في منطقة اعزاز هو: 1150 للمعلم غير المتزوج و1300 للمتزوج و1500 ليرة تركي للمدير.

([12])حسين الخطيب، "مع بداية العام الدراسي.. معلمو ريف حلب يضربون عن الدوام ولا حلول في الأفق"، نون بوست، آب 2022، الرابط: https://cutt.us/0PtkK

([13]) الأضرار الناتجة عن الزلزال الذي ضرب المنطقة، إحصائيات المجلس المحلي في مدينة اعزاز، شباط 2023، الرابط: https://cutt.us/qHrKN

([14]) انتهاء عملية التأهيل والترميم، المجلس المحلي في مدينة اعزاز وريفها، آذار 2023، الرابط: https://cutt.us/t7EIV

([15]) حلا حاج علي، تداعيات الزلزال في شمال غرب سورية: ديناميات التعافي الاجتماعي والنفسي، مركز عمران للدراسات، آذار 2023، الرابط: https://cutt.us/AK1ux

([16])  الصحة النفسية في حالة الطوارئ، منظمة الصحة العالمية، آذار2022، الرابط: https://cutt.us/PB06f

([17]) قرار مكتب التعليم بعودة الحياة التعليمية، المجلس المحلي في مدينة اعزاز وريفها، آذار 20223 الرابط: https://cutt.us/uBumW

التصنيف أوراق بحثية

الملخص التنفيذي:

  • يعد التعليم واستمراريته ركيزة أساسية من ركائز "التعافي المبكر"،وعاملاً حاسماً في صيانة جيل ما بعد الحرب فكرياً ومعرفياً، ونظراً إلى دوره النوعي في تحقيق مستوى عالٍ من الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي للفرد وللمجتمع، وتبرز أهمية معرفة الفجوات التي تعترض سير العملية التعليمية في شمال غرب سورية وتحديد عمقها ومسبباتها والعوامل المؤثرة في اتساعها، في كونها ستشكل قاعدة موضوعية للسياسات المستقبلية، إذ يتطلب العلاج الصحيح فهم ظاهر العملية التعليمية وباطنها. لا سيما في ظل انخفاض جودة التعليم، وتدهور كفايته الكمية والنوعية، والتي يتم التعبير عنها من خلال ارتفاع نسب الانقطاع أو التسرب من المدارس والرسوب (18% من الأطفال في سن الدراسة غير ملتحقين بأي شكل من أشكال التعليم، وقد انقطع عن الدراسة أكثر من ثلاثة أرباع الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 12_17 سنة).
  • ساهم تعدد الفواعل في القطاع التعليمي وتباين سياساتهم بتعدد المرجعيات، الأمر الذي غيّب وجود حوكمة واضحة، فغياب المركز حل مكانه مراكز عدة مختلفة من حيث الكفاءة والخطط التنفيذية والأدوار والصلاحيات، الأمر الذي تمظهر في وجود شهادات تعليمية عدة، كما أدى غياب آلية لاتخاذ القرارات داخل المنظومة التعليمية وعدم وجود وضوح في المسؤوليات في العملية التعليمية إلى تعميق الغموض في العملية التربوية، وعزز ضعف ثقة الطلاب، والأهالي، والمعلمين، والإداريين.
  • يتناقص التمويل المقدم لدعم المراحل العليا من التعليم، وبقي الدعم المقدم للمراحل التعليمية الأولى (خطة الاستجابة الإنسانية لسورية لم تتلق سوى 25% من التمويل اللازم)، كما أدى غياب جهة مرجعية واحدة تنظم عمل المنظمات فيما بينها إلى ازدواجية وتكرار جهود عدة، مما يعني مزيداً من الجهد والمال الضائع، بالإضافة لغياب التنسيق فيما بينها في كثير من الأوقات، كما ساهمت طبيعة العلاقة ما بين الداعم والمنظمات بعدم الاهتمام بمشاركة الجهات المحلية في آليات التقدير والتنفيذ.. ولعل الملاحظة الأبرز في هذا السياق تتبلور في التوزع النوعي والعددي لبرامج الحماية والدعم النفسي بما يفوق أضعاف البرامج والأنشطة الموجهة لدعم التعليم.
  • تعاني كلا المنطقتين من نقص المؤهلات التربوية عند المدرسين، ونقص بعض الاختصاصات العلمية، كما يتناقص عدد المعلمين عموماً في المخيمات. كما يتم انتقال المدرسين بشكل دائم بسبب حركة النزوح، أو غيابهم عن القسم الأكبر من الدوام المدرسي بسبب الظروف المعيشية، إضافة إلى الفوضى الأمنية وما تسببه من خوف عند المعلمين من الجهات العسكرية وأصحاب النفوذ. وتظهر مشكلة النقص في الكادر النسائي بين المدرسين في المنطقة المدروسة.
  • تعاني منطقة الدراسة من تدني القدرات التحصيلية لدى الطلاب في المواد الأساسية، الأمر الذي يتطلب وجود برامج إثرائية داخل المناهج، تساعد الطلبة على توسيع مداركهم وربطها بالعالم الحديث، عبر إدخال التقنية في العملية التعليمية، وتعزيز قيم العيش المشترك في المناهج، فعلى الرغم من أن حالة السلم بين الأفراد رهينة للتوافقات السياسية والمجتمعية، إلا أن خلو المناهج من أي مواد أو أنشطة تتعلق بالعيش المشترك بين مكونات المجتمع سيشكل داعماً لضرب قيم المواطنة وما تتطلبه من جهود في مرحلة النزاع وما بعده.
  • تتمثل المؤشرات المرتبطة بفجوات البنية التحتية بوجود المدارس، ومدى كفايتها، وتوزعها الجغرافي، والقدرة الاستيعابية للمدارس، ومستوى الأمان داخل البيئة المدرسية، ومساحات اللعب والأنشطة الحركية، والخدمات الصحية التي تحتاجها المدارس، والمدارس وموارد الطاقة. أما المؤشرات المتعلقة بالمعلم فهي: الكفاية العددية للمدرسين، والبعد الجندري والمدرسون، وكفاية التعويضات المالية عند المدرسين، والكفاءات والخبرات الخاصة بالتعليم عند المدرسين، ومؤشرات الأمن المباشر عند المدرسين. أما مؤشرات فجوة المناهج والكتب والوسائل التعليمية المساندة: كالتعديلات التي طرأت على المناهج وصفاته البنيوية، ومؤشر فقر التعليم، والاستثمار في التعليم، والبعد الديني للمناهج، والكتب والوسائل التعليمية المساعدة. أما تلك المرتبطة بالطالب: كالحاجة للتعليم، والتسرب الدراسي، والمقدرة المادية عند الطلبة، وخصخصة التعليم، والحرب والمفرزات النفسية والاجتماعية على الطلاب.
  • تقترح الدراسة مقترحات عدة، وذلك وفقاً للفجوات التعليمية، نذكر منها: ضرورة إطلاق حملات مناصرة تستهدف عملية تقدير الاحتياجات، وإبقاء الآلية الدولية للمساعدات الإنسانية ودخولها عبر الحدود، وليس عبر الخطوط، ناهيك عن ضرورة تعزيز الأدوار المحلية في عملية الإشراف على العملية التعليمية، وزيادة قنوات التنسيق بين الفواعل، والتأطير الرسمي لعملية تقدير الاحتياج وعدم اقتصارها فقط على تقديرات المنظمات. كما توصي الدراسة بضرورة تعزيز مسارات التمويل السوري لعملية التعليم، والعمل على خلق دورة تمويلية سورية- سورية، إضافة إلى ضرورة دعم إنشاء آلية خاصة بتقدير الاحتياج للمدارس وشروطها الفنية وحسن توزعها.

لقراءة الدراسة كاملة إضغط على الرابط التالي: 

https://bit.ly/3HH45oP 

 
التصنيف الدراسات
ألقت صبا عبد اللطيف مساعد الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع منظمة ورد البلد في مدينة شانلي أورفا بتركيا، محاضرة عن تعليم الفتيات في محافظة دير الزور.
أستعرضت خلالها أهم المراحل التي مرت بها الحياة التعليمية في دير الزور وكيف أثرت على تعليم الفتيات.كما ناقشت المعوقات الأمنية والمجتمعية التي كانت سبباً لحرمان عدد كبير من الفتيات من التعليم خلال فترات سيطرة القوى المختلفة على المحافظة.
التصنيف الفعاليات

شارك مركز عمران ممثلاّ بالباحث محمد العبدالله، في حضور مؤتمر عقده معهد William Glasser بالتعاون مع منظمة قدرة في مدينة استنبول بتاريخ 8 و 9  تشرين الثاني 2018 بعنوان: "جودة الحياة في القيادة التربوية: نظرية الاختيار من أجل بناء تعليم فعال في عالمنا".

تمثلت أهداف المؤتمر في تقديم مفهوم جودة الحياة في المجال التعليمي والمدرسي من أجل تشارك أفضل الممارسات في تطوير التعليم والأداء القيادي التربوي، وتطوير بيئات تعلم فعَّالة في المؤسسات التعليمية والمدارس. وذلك من خلال عرض أفضل الأطر لنظرية الاختيار وممارساتها وأطر القيادة المرتكزة على الاختيار والمسؤولية وممارساتها في المؤسسات والهيئات التعليمية وتطبيقاتها وخاصة في المنطقة العربية. 

التصنيف أخبار عمران